عناصر الموضوع
الدعوة
يعتبر موضوع الدعوة والنظر لحال المدعوّين، من الأمور المهمة التي ورد الحديث عنها في القرآن الكريم، وسوف أتحدث عن هذا الموضوع، فيما يأتي:
أولًا: المعنى اللغوي:
الدعوة: من دعا يدعو دعوةً ودعاءً1، والدّعاء كالنّداء، إلّا أنّ النّداء قد يقال بـ (يا)، أو (أيا)، ونحو ذلك من غير أن يضمّ إليه الاسم، والدّعاء لا يكاد أن يقال إلّا إذا كان معه الاسم، نحو: يا فلان، وقد يستعمل كلّ واحد منهما موضع الآخر، ودعوته: إذا سألته، وإذا استغثته2، يقال: دعوة فلان في بني فلان، ولبني فلان الدعوة على قومهم إذا كان يبدأ بهم، والدعوة: الوليمة3، فهي نداء إلى شيء.
وعليه فإن كلمة (دعوة) تفيد من حيث اللغة المحاولات القولية والفعلية لإمالة الناس إلى تحقيق هدف أو عمل، ويمكننا أن نطلق لفظ «الدعوة» على ما يراد إبلاغه ونشره من هدى أو ضلال4.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
تعرّف الدعوة بأنها نداء إلى شيء معين، وقد يكون هذا النداء عامًّا أو خاصًّا، مباشرًا أو غير مباشر، ولم يرد تعريف الدعوة كثيرًا في كتب اللغة؛ لأعتمد عليه في التعريف الاصطلاحي.
وجاء أن (الدّعوة) بالفتح في الطعام اسم من (دعوت) الناس، إذا طلبتهم ليأكلوا عندك، يقال: نحن في (دعوة) فلان و(مدعاته) و(دعائه) بمعنى واحد، وهذا كلام أكثر العرب5، وأصرح الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [الأحزاب: ٥٣].
وأصل الدّعوة بفتح الدال، والمراد بها هنا: دعوة الإسلام6، وهي في القرآن الكريم الدعوة إلى الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
والدعوة إلى فعل الخير يندرج تحتها نوعان: أحدهما: الترغيب في فعل ما ينبغي وهو الأمر بالمعروف، والثاني: الترغيب في ترك ما لا ينبغي وهو النهي عن المنكر7.
فهي الدعوة إلى الإيمان بالله وبما جاءت به رسله وذلك بتصديقهم فيما أخبروا به وطاعتهم فيما أمروا8.
والأصل في بيان ذلك ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذًا رضي الله عنه على اليمن؛ قال: (إنك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله.. الحديث)9.
فالدعوة في اللغة هي: مطلق الدعاء والنداء إلى شيء، وبالمعنى الاصطلاحي يتبيّن أن هذا النداء للدعوة هو: دعوة إلى الإيمان بالله تعالى، واتباع كتابه، والسير على منهج رسوله صلى الله عليه وسلم، والدّاعون إليه من أشرف الناس عند الله.
ورد الجذر (د ع و) في القرآن الكريم (٢٠٧) مرات، يخص موضوع البحث منها(٢٠٥) مرات 10.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
٣ |
(ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [فصلت:٣٣] |
الفعل المضارع |
١٠٦ |
(ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [الطور:٢٨] |
فعل الأمر (دعائي) |
٣٢ |
(ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [النحل:١٢٥] |
اسم فاعل |
٧ |
(ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [طه:١٠٨] |
اسم |
٢٠ |
(ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [الرعد:١٤] |
مصدر |
١٠ |
(ﭑ ﭒ ﭓ) [الرعد:١٤] |
وجاءت الدعوة في القرآن الكريم بمعناها في اللغة وهي مصدر دعا، أي: نادى وطلب، ودعا إلى الأمر: حثَّ عليه11.
الهداية:
الهداية لغةً:
أصل الهداية في اللغة: التقدم للإرشاد، فالهادي هو الذي يتقدم لإرشاد من خلفه12.
والهدى: الرشاد والدلالة، ضد الضلالة 13.
الهداية اصطلاحًا:
الهداية: هي الدلالة على ما يوصل إلى المطلوب، وقد يقال: هي سلوك طريق يوصل إلى المطلوب14.
الصلة بين الهداية والدعوة:
الدعوة هي طريق للهداية، فالهداية غاية، والدعوة وسيلة.
الموعظة:
الموعظة لغةً:
الوعظ: التخويف، والاسم: العظة، وهو التذكير بالخير وما يرق له قلبه15.
الموعظة اصطلاحًا:
الموعظة: وهي ما يوعظ به من قول أو فعل16.
الصلة بين الموعظة والدعوة:
الموعظة إحدى وسائل الدعوة، وأكثرها استعمالًا، تجعل المدعو سريع الاستجابة.
تقدم معنا أن الدعوة لها ألفاظ ودلالات ومعان عدّة، وأهم هذه المعاني هي: أن الدعوة دعوة إلى عبودية الله وحده، واتباع رسوله وما أرسله به.
ومن عظيم رحمة الله تعالى أنه يدعو عباده بنفسه، وهذا إن دلّ فإنما يدل على عظيم كرمه، وجزيل إحسانه، وبيان ذلك كما يأتي:
أولا: دعوة الله تعالى لعباده إلى المغفرة:
جاء في آيات الدعوة الواردة في القرآن الكريم أن الله تعالى يدعو عباده بنفسه، ويمكن أن نجعل تلك الدعوة في قسمين:
الآيات الصريحة في دعوة الله تعالى لعباده إلى مغفرته:
وهذا كما في قوله تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [البقرة: ٢٢١].
يعني تعالى ذكره: هؤلاء الذين حرّمت عليكم -أيها المؤمنون- مناكحتهم من رجال أهل الشرك ونسائهم، يدعونكم إلى النار يعني: يدعونكم إلى العمل بما يدخلكم النار، وذلك هو العمل الذي هم به عاملون من الكفر بالله ورسوله؛ فلا تقبلوا منهم ما يقولون، ولا تستنصحوهم، ولا تنكحوهم ولا تنكحوا إليهم، فإنهم لا يألونكم خبالًا ولكن اقبلوا من الله ما أمركم به فاعملوا به، وانتهوا عما نهاكم عنه17؛ فذلك ما يوجب لكم المغفرة، (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) أي: يدعو عباده لتحصيل الجنة والمغفرة، التي من آثارها دفع العقوبات وذلك بالدعوة إلى أسبابها من الأعمال الصالحة، والتوبة النصوح، والعلم النافع، والعمل الصالح18، ويدعوكم إلى مخالطة المؤمنين لأن ذلك أوصل لكم إلى الجنة19.
وقوله تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [إبراهيم: ١٠].
أي: يدعوكم إلى التوحيد ليغفر لكم من ذنوبكم20، والدعوة أصلًا دعوة إلى الإيمان، المؤدي إلى المغفرة، ولكن السياق يجعل الدعوة مباشرةً للمغفرة، لتتجلى نعمة الله ومنته، وعندئذٍ يبدو عجيبًا أن يدعى قوم إلى المغفرة فيكون هذا تلقيهم للدعوة! (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ)، (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ)، فهو سبحانه مع الدعوة للمغفرة لا يعجلكم بالإيمان فور الدعوة، ولا يأخذكم بالعذاب فور التكذيب، إنما يمنّ عليكم منّة أخرى فيؤخركم إلى أجل مسمى21، فليس العجب ممن تكلف لسيده المشاقّ وتحمل ما لا يطاق، وألّا يهرب من خدمة أو يجنح إلى راحة؛ إنما العجب من سيد عزيز كريم يدعو عبده ليغفر له وقد أخطأ، ويعامله بالإحسان وقد جفا22.
ففي الآيات دلالة صريحة أن الله الكريم يدعو عباده بنفسه، وأهم قضية دعا إليها سبحانه وتعالى:
ومن الآيات التي تتضمن دعوة الله تعالى لعباده إلى مغفرته: قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [آل عمران: ١٣٣].
أي: سارعوا إلى ما يوجب المغفرة وهي الطاعة، والآية عامة23، فكل ما من شأنه الحصول على مغفرة الله تجب المسارعة إليه.
وقال تعالى: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [آل عمران: ١٥٣].
فأنتم مدبرون وهو ثابت في مكانه في نحر العدو في نفر يسير وثوقًا بوعد الله ومراقبة له24؛ لأن الأمر الحقيقي من دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم وجهاده هو التعلق بمغفرة الله، وذلك بالجهاد الذي يغفر الله به الذنوب.
وقوله تعالى: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [الحديد: ٨-٩].
أي: وأي شيء يمنعكم من الإيمان والرسول بين أظهركم يدعوكم إلى ذلك، ويبين لكم الحجج والبراهين على صحة ما جاءكم به25.
ومن ذلك أيضًا قوله تعالى: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [فاطر: ٦].
وقوله تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [الحديد: ٢١].
وقوله تعالى: (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) [الملك: ١٢].
فهذه الآيات تتضمن الدعوة من الله تعالى لعباده أن يحذروا من غوايات الشيطان التي تبعدهم عن نيل مغفرة الله، وأن يسارعوا إلى مرضات الله تعالى ومغفرته، مع التخلق بأخلاق المستحقين لتلك المغفرة.
ثانيًا: دعوة الله تعالى لعباده إلى الجنة:
جاء في القرآن الكريم دعوة الله تعالى لعبادة إلى جنته مباشرةً، ويمكن أن نجعل هذا كالذي قبله وذلك في قسمين:
١. الآيات الصريحة في دعوة الله تعالى لعباده إلى جنته.
وهذا كما جاء في قوله تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [البقرة: ٢٢١].
فهو يدعوكم إلى العمل بما يدخلكم الجنة، ويوجب لكم النجاة إن عملتم به من النار26، وهو يدعو عباده لتحصيل الجنة27، وطريق المؤمنين والمؤمنات هو طريق الله، والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه، وما أبعد دعوة المشركين إذن من دعوة الله، والله يحذر من هذه الدعوة المردية (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ)، فمن لم يتذكر، واستجاب لتلك الدعوة فهو الملوم28.
فمن عمل بطاعة الله تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم فقد استجاب لدعوة الله له إلى الجنة، وهذا يتجلى في قوله تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [الأنفال: ٢٤].
وقوله صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى)، قالوا: يا رسول الله، ومن يأبى؟ قال: (من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى)29.
وفي قوله تعالى: (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ) [يونس: ٢٥].
يقول تعالى ذكره لعباده: أيها الناس، لا تطلبوا الدنيا وزينتها، فإن مصيرها إلى فناءٍ وزوالٍ، كما مصير النبات الذي ضربه الله لها مثلا إلى هلاكٍ وبوارٍ، ولكن اطلبوا الآخرة الباقية، ولها فاعملوا، وما عند الله فالتمسوا بطاعته، فإن الله يدعوكم إلى داره، وهي جناته التي أعدّها لأوليائه، تسلموا من الهموم والأحزان فيها، وتأمنوا من فناء ما فيها من النّعيم والكرامة التي أعدّها لمن دخلها، وهو يهدي من يشاء من خلقه فيوفقه لإصابة الطريق المستقيم، وهو الإسلام الذي جعله جل ثناؤه سببًا للوصول إلى رضاه، وطريقًا لمن ركبه وسلك فيه إلى جنانه وكرامته30.
فعمّ تعالى عباده بالدعوة إلى دار السلام، والحث على ذلك، والترغيب، وخص بالهداية من شاء استخلاصه واصطفاءه، فهذا فضله وإحسانه، والله يختص برحمته من يشاء، وذلك عدله وحكمته، وليس لأحد عليه حجة بعد البيان والرسل، وسمى الله الجنة دار السلام؛ لسلامتها من جميع الآفات والنقائص، وذلك لكمال نعيمها وتمامه وبقائه، وحسنه من كل وجه31، فيا لبعد الشقة بين دار يمكن أن تطمس في لحظة، وقد أخذت زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها فإذا هي حصيد كأن لم تغن بالأمس، ودار السلام التي يدعو إليها الله، ويهدي من يشاء إلى الصراط المؤدي لها، حينما تنفتح بصيرته، ويتطلع إلى دار السلام32.
ولذا حذر الله تعالى من الدعوة المضادة المباينة لهذه الدعوة فقال: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [فاطر: ٦].
٢. الآيات التي تتضمن دعوة الله عباده إلى جنته33.
وهذه الدعوة الضمنية تحمل في طياتها معنى التبشير والوعد، فذكر الله تعالى الجنة مشوقًا عباده إليها، وحاثًّا لهم على العمل من أجل الدخول فيها، فورد كثير من الآيات التي تذكر الجنة بسياق مختلف، حيث جاءت مفردة منكرة بلفظ (جنّة) كما في قوله تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [الفرقان: ١٥-١٦].
أي: كانت تلك الجنة للمتقين جزاءً على أعمالهم، ومصيرًا يصيرون إليه، (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) أي: ما يشاءونه من النعيم، وضروب الملاذ34.
وجاءت مفردةً معرّفةً مجرورةً كلفظ «بالجّنة» كما في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [فصلت: ٣٠].
يقول: وسرّوا بأن لكم في الآخرة الجنة التي كنتم توعدونها في الدنيا على إيمانكم بالله، واستقامتكم على طاعته35.
وجاءت مرفوعةً مثنّاةً كما في قوله تعالى: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [الرحمن: ٤٦].
وهذه الآية عامة كما قاله ابن عباس وغيره، يقول الله تعالى: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) بين يدي الله عز وجل يوم القيامة (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [النازعات: ٤٠].
ولم يطغ ولا آثر الحياة الدنيا، وعلم أن الآخرة خير وأبقى فأدى فرائض الله واجتنب محارمه، فله يوم القيامة عند ربه جنتان، كما ذكر البخاري عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم عز وجل إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن)3637.
وجاءت مجموعةً معرفّةً في موضع واحد فقط وهو قوله تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [الشورى: ٢٢].
أي: في الروضات المضافة إلى الجنات، والمضاف يكون بحسب المضاف إليه، فلا تسأل عن بهجة تلك الرياض المونقة، وما فيها من الأنهار المتدفقة، والفياض المعشبة، والمناظر الحسنة، والأشجار المثمرة، والطيور المغردة، والأصوات الشجية المطربة، والاجتماع بكل حبيب، والأخذ من المعاشرة والمنادمة بأكمل نصيب، رياض لا تزداد على طول المدى إلا حسنًا وبهاءً، ولا يزداد أهلها إلا اشتياقًا إلى لذّاتها وودادًا، (ﯸ ﯹ ﯺ) فيها، أي: في الجنات، فمهما أرادوا فهو حاصل، ومهما طلبوا حصل، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، (ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) وهل فوز أكبر من الفوز برضا الله تعالى، والتنعم بقربه في دار كرامته؟38.
وجاءت مجموعةً منكّرةً في مواضع منها قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [البقرة: ٢٥].
وهي ألوان من النعيم يستوقف النظر منها- إلى جانب الأزواج المطهرة- تلك الثمار المتشابهة، التي يخيل إليهم أنهم رزقوها من قبل- أما ثمار الدنيا التي تشبهها بالاسم أو الشكل، وأما ثمار الجنة التي رزقوها من قبل- فربما كان في هذا التشابه الظاهري والتنوع الداخلي مزية المفاجأة في كل مرة39.
وقوله تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [آل عمران: ١٥].
وقوله تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [التوبة: ٧٢] وغيرها كثير.
وكل هذه الآيات تتضمن الدعوة إلى الفوز بجنة الله تعالى مهما اختلفت صيغها، وتنوع سياقها، فهي تدعو إلى تحقيق أعمال وأخلاق تجعل أصحابها فائزين بجنة الله تعالى التي أعدها لعباده الصالحين.
للدعوة الإسلامية مقاصد مهمة ذكرت في ثنايا آيات الدعوة التي وردت في القرآن الكريم، ومن تلك المقاصد ما يأتي:
أولًا: تحقيق التوحيد:
فمن المقاصد العظيمة التي تبدو في ثنايا الآيات التي تتحدث عن الدعوة تحقيق توحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة.
والتوحيد هو أصل دعوة الرسل وإليه دعوا أقوامهم، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [الأنبياء: ٢٥]40.
وسأذكر بعض الآيات الواردة في الدعوة إلى تحقيق التوحيد حسب ترتيب السور.
فمنها قوله تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [النساء: ١١٦-١١٧].
ويدعون بمعنى: يعبدون؛ لأن من عبد شيئًا فإنه يدعوه عند احتياجه إليه41.
وقوله تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ) [الأعراف: ٣٧].
يخبر تعالى أن الملائكة إذا توفت المشركين تفزعهم عند الموت، وقبض أرواحهم إلى النار يقولون لهم: أين الذين كنتم تشركون بهم في الحياة الدنيا وتدعونهم وتعبدونهم من دون الله؟! ادعوهم يخلصوكم مما أنتم فيه، (ﰍ ﰎ ﰏ) أي: ذهبوا عنا، فلا نرجوا نفعهم ولا خيرهم (ﰐ ﰑ ﰒ) أي: أقروا واعترفوا على أنفسهم (ﰓ ﰔ ﰕ)42.
وقد وردت آيات كثيرة تدعو لتحقيق هذا المقصد العظيم، كقوله تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [يوسف: ١٠٨].
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [الرعد: ١٤].
وقوله تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [الرعد: ٣٦].
وقوله تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [النحل: ٢٠].
وقوله تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [الإسراء: ٥٧].
وقوله تعالى: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [الحج: ٦٢].
وقوله تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [الأحقاف: ٥].
وقوله تعالى: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [الجن: ٢٠]وغيرها.
وفي ثنايا هذه الآيات ألحظ الدعوة إلى تحقيق التوحيد فيما يأتي:
ويلاحظ أن قاعدة التوحيد الأولى هي إفراد الله بالعبادة، وقد جاءت الدعوة إلى ذلك عن جميع رسل الله عليهم الصلاة والسلام، وأنهم قاموا بدعوة أقوامهم إلى ذلك وتحذيرهم من الشرك بالله43.
ثانيًا: الهداية والإصلاح:
ومن مقاصد الدعوة في القرآن الكريم: الهداية والإصلاح، وهما أمران متلازمان.
ومن الآيات التي تذكر معنا في هذا الباب قوله تعالى: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [البقرة: ١٨٦].
فمن ألهم الدعاء فقد أريد به الإجابة44، بمعنى هدي للإجابة؛ ليصلح حاله.
وقوله تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [آل عمران: ١٠٤].
يقول تعالى: ولتكن منكم أمة منتصبة للقيام بأمر الله في الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأولئك هم المفلحون45، وهذا غاية في بيان هداية القائمين بالدعوة ودعوة غيرهم للاهتداء بها.
وقوله تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [الأنعام: ٤٠-٤١].
هذه الآية الكريمة عاب الله فيها الكفار بسخافة العقول، وأنهم إذا نزلت بهم شدة من العظائم الشداد أخلصوا في ذلك الوقت الدعاء إلى الله، وتركوا دعاء غير الله؛ لعلمهم بأنه لا ينفع ولا يضر، فإذا نجاهم الله من تلك الكربة، وأمنوا، رجعوا إلى ما كانوا عليه من الشرك بالله، وهذه سخافة عقول؛ لأنهم في وقت الشدائد يخلصون إلى الله46.
وقوله تعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [الأنعام: ٧١-٧٢].
(ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) أي: للإسلام والتوحيد، وأنقذنا من عبادة الأصنام، فنصير كالمستمر على الضلال، واستمالته عن الطريق الواضح مردة الجن، في الأرض القفر المهلكة، تائهًا ضالًّا عن الجادة، لا يدري كيف يصنع، ولهذا المستهوي رفقة يدعونه إلى الطريق المستقيم47.
وقوله تعالى: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [الأنعام: ١٠٨].
وهؤلاء يدعون من دون الله شركاء، مع علمهم وتسليمهم بأن الله هو الخالق الرازق ولكن إذا سبّ المسلمون آلهتهم؛ اندفعوا عما يعتقدونه من ألوهية الله، دفاعًا عما زين لهم من عبادتهم وتصوراتهم وأوضاعهم وتقاليدهم؛ فليدعهم المؤمنون لما هم فيه48.
وقوله تعالى: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [الأعراف: ١٩٨].
إذ ليس لهم سمع، وإن صورت لهم الآذان، كما أنه لا بصر لهم، وإن صورت لهم الأعين وهذا من تمام التعليل؛ لعدم مبالاته بهم، فلا تكرار49.
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [الكهف: ٢٨].
وقوله تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [الكهف: ٥٧].
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [الفرقان: ٦٨-٧٠].
وقوله تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [الزخرف: ٨٦].
وقوله تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [محمد: ٣٨].
ففي هذه الآيات وغيرها نلحظ أن آيات الدعوة اشتملت اشتمالًا واضحًا جليًّا في الدعوة إلى الهداية والإصلاح الذي هو ناتج عن الهداية وألحظ ذلك فيما يأتي:
ثالثًا: إقامة الحجة:
ومن المقاصد التي تلحظ في آيات الدعوة إقامة الحجة على المعرضين عن الهداية؛ فأرسل الله (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [النساء: ١٦٥].
وذلك كما جاءت به الآيات والتي منها ما يأتي: قوله تعالى: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ) [الأعراف: ١٩٤-١٩٥].
فأخبرهم سبحانه بأن هؤلاء الذين جعلتموهم آلهةً هم عباد لله كما أنتم عباد له مع أنكم أكمل منهم؛ لأنكم أحياء تنطقون وتمشون وتسمعون وتبصرون وفي هذا تقريع لهم بالغ، وتوبيخ لهم عظيم50.
وقوله تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [يونس: ٦٦].
فأخبر تعالى أن له ملك السموات والأرض، وأن المشركين يعبدون الأصنام وهي لا تملك شيئًا لا ضرًّا ولا نفعًا، ولا دليل لهم على عبادتها، بل إنما يتبعون في ذلك ظنونهم وتخرّصهم وكذبهم وإفكهم51.
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [الإسراء: ٦٧].
فالله تعالى بنفسه يقيم عليهم الحجة.
وقوله تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [طه: ٤٧].
ففي هذه الدعوة إقامة الحجة على فرعون.
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [الحج: ٧٣].
وهذا مثل ضربه الله لقبح عبادة الأوثان، وبيان نقصان عقول من عبدها، وضعف الجميع52، فـ(ﭞ ﭟ ﭠ) واحدًا في صغره وقلته؛ لأنها لا تقدر عليه53، وإن يسلب الآلهة والأوثان الذباب شيئًا؛ لا تقدر الآلهة أن تستنقذ ذلك منه54.
وقوله تعالى: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [القصص: ٤١].
وقوله تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [فاطر: ١٣-١٤].
وقوله تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [فاطر: ٤٠].
وقوله تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [الأحقاف: ٤-٥]. وغيرها كثير.
وبالنظر في ما مر معنا من الآيات ألحظ ما يأتي:
بالبحث فيما معنا من آيات الدعوة، ومعرفة كلام المفسرين حولها، نلاحظ أن هناك قواعد مهمة للدعوة، ذكرت في ثنايا الآيات، والتي منها ما يأتي:
أولًا: الإخلاص:
ذكر ابن القيم كلامًا مهمًّا في منزلة الإخلاص، كما ذكر تعاريف منها: أن الإخلاص: أن لا تطلب على عملك شاهدًا غير الله، ولا مجازيًا سواه55.
وإخلاص الدعوة لله تعالى أمر واجب؛ ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا يغل عليهن قلب المؤمن: إخلاص العمل لله، والنصيحة لولاة الأمر، والاعتصام بالجماعة)56.
ومن الآيات الواردة في الأمر بالإخلاص لمن سلك سبيل الدعوة، قوله تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [الأعراف: ٢٩].
أي: قاصدين بذلك وجهه وحده لا شريك له، والدعاء يشمل دعاء المسألة، ودعاء العبادة، أي: لا تراءوا ولا تقصدوا من الأغراض في دعائكم سوى عبودية الله ورضاه57.
وقوله تعالى: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [غافر: ١٤].
أي: إذا كان الأمر كما ذكر من ذلك؛ فادعوا الله وحده مخلصين له العبادة التي أمركم بها ولو كره الكافرون ذلك، فلا تلتفتوا إلى كراهتهم، ودعوهم يموتوا بغيظهم ويهلكوا بحسرتهم58.
وقوله تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [غافر: ٦٥].
يقول: هو الحي الذي لا يموت، الدائم الحياة، وكل شيء سواه فمنقطع الحياة غير دائمها، فلا معبود بحق تجوز عبادته، وتصلح الألوهية له إلا الله الذي هذه الصفات صفاته، فادعوه أيها الناس مخلصين له الدين، مخلصين له الطاعة، مفردين له الألوهية، لا تشركوا في عبادته شيئًا سواه، من وثن وصنم، ولا تجعلوا له ندًّا ولا عدلًا59.
فتبين مما سبق أن الداعي لابد أن يكون مخلصًا مهمًّا كان موقعه، ومهما كانت منزلته في الدعوة إلى سبيل الله رب العالمين.
ثانيًا: العلم:
والعلم مفتاح كل شيء، ولا بد أن يكون الداعية عالمًا بشرع الله ليدعوا إلى الله على بصيرة60.
ومن الآيات الواردة معنا في أهمية العلم في مجال الدعوة قوله تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [يوسف: ١٠٨].
أي: على علم ودليل واضح وبرهان قاطع لا يترك في الحق لبسًا61.
ويقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم إلى الثقلين: الإنس والجن، آمرًا له أن يخبر الناس أن هذه سبيله، أي: طريقته ومسلكه وسنته، وهي الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يدعو إلى الله بها على بصيرة من ذلك ويقين وبرهان، هو وكل من اتبعه يدعو إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم على بصيرة ويقين وبرهان عقلي وشرعي62.
وقوله تعالى: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [غافر: ٦٦].
يقول: لما جاءني الآيات الواضحات من عند ربي، وذلك آيات كتاب الله الذي أنزله63، من الحجج والآيات أو من الآيات فإنها مقوية لأدلة العقل منبهةً عليها64، فلست على شك من أمري، بل على يقين وبصيرة65.
ولهذا يجب على الداعية أن يتعلم العلوم الشرعية؛ لأنه بذلك يدرك جميع صفات الكمال المطلوبة للداعية66.
وإذا كانت الدعوة إلى الله أشرف مقامات العبد وأجلّها وأفضلها فهي لا تحصل إلا بالعلم الذي يدعو به وإليه، بل لا بد في كمال الدعوة من البلوغ في العلم إلى حد يصل إليه حسن السعي فيها67.
ثالثًا: الرفق:
الرفق من الأمور المهمة التي ينبغي أن يتحلى بها جميع الدعاة؛ حتى تقبل دعوتهم.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه)68.
وقال أيضًا: (من يحرم الرفق، يحرم الخير)69.
ومن الآيات الواردة في بيان ذلك قوله تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [النحل: ١٢٥].
وإنما أمر سبحانه بالمجادلة الحسنة لكون الداعي محقًّا وغرضه صحيحًا ولما حث سبحانه على الدعوة بالطرق المذكورة بيّن أن الرشد والهداية ليس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإنما ذلك إليه تعالى، وإنما شرع الدعوة وأمر بها قطعًا للمعذرة، وتتميمًا للحجة، وإزاحةً للشبهة، وليس على الداعية غير ذلك، ثم لما كانت الدعوة تتضمن تكليف المدعوين بالرجوع إلى الحق فإن أبوا قوتلوا، أمر الداعي بأن يعدل في العقوبة70.
وفي قوله تعالى: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الأحقاف: ٣١-٣٢].
قوله: (ﭺ ﭻ ﭼ) أمر بإجابته في كل ما أمر به، فيدخل فيه الأمر بالإيمان إلا أنه أعاد ذكر الإيمان على التعيين، لأجل أنه أهم الأقسام وأشرفها، وقد جرت عادة القرآن بأنه يذكر اللفظ العام، ثم يعطف عليه أشرف أنواعه71، فاعتبروا نزول هذا الكتاب إلى الأرض دعوة من الله لكل من بلغته من إنس وجن، واعتبروا محمدًا صلى الله عليه وسلم داعيًا لهم إلى الله بمجرد تلاوته لهذا القرآن، واستماع الثقلين له: فنادوا قومهم: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ)72، فكان هؤلاء الدعاة من الجن متلطفين في خطاب قومهم، رفيقون بمن يدعونهم إلى الحق المبين.
رابعًا: مراعاة حال المدعوين:
يختلف حال المدعوّين من شخص لآخر ومن قبيلة لأخرى؛ لذا جاء في آيات الدعوة ما يبيّن كيفية التعامل معهم، ويوضح الطريق الذي ينبغي أن يسير عليه الداعية في دعوته مع الناس، ومن ذلك قوله تعالى: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [آل عمران: ٦١].
ففي هذه الآية ومثيلاتها تظهر الشدة على هؤلاء المعاندين المكذبين.
وقد دعا الرسول صلى الله عليه وسلم من كانوا يناظرونه في هذه القضية إلى هذا الاجتماع الحاشد، ليبتهل الجميع إلى الله أن ينزل لعنته على الكاذب من الفريقين؛ فخافوا العاقبة وأبوا المباهلة وتبين الحق واضحًا73، فدل على عناد من لم يتبعك في هذا العلم اليقيني، فلم يبق في مجادلته فائدة تستفيدها ولا يستفيدها هو74.
وفي قوله تعالى: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [الأنعام: ١٠٨].
فقد كان المؤمنون يسبون الأصنام بأنها أجرام لا تنفع ولا تضر ولا تسمع ولا تبصر، فأنزل الله نهيهم عن ذلك لئلا يتذرع به المشركون فينتقمون منهم فيسبون ربهم75، فمثل هؤلاء لا يصلح ذم آلهتهم وسبّهم؛ لأنهم سيزدادون سفهًا.
وقوله تعالى: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [فصلت: ٣٣-٣٤].
وهذا في حال من له عقل وخلق.
أي: ادفع يا محمد بحلمك جهل من جهل عليك، وبعفوك عمن أساء إليك إساءة المسيء، وبصبرك عليهم مكروه ما تجد منهم، ويلقاك من قبلهم76؛ لأن مقابلة إساءته بالإحسان تخجله وتقضي على عداوته حتى يضطر إلى أن يرجع صديقًا77.
وقد ظهرت هذه المراعاة لأحوال المدعوّين جليةً واضحةً في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوته، حيث بيّن دعوته، بل أمر معاذًا أن يراعي ذلك حين بعثه إلى اليمن.
خامسًا: الصبر:
يعتبر الصبر من القواعد الأساسية للدعاة، خاصةً وأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وصفوا بذلك في كثير من مواطن القرآن، بل أمر الله النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال تعالى له: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) [الأحقاف: ٣٥].
فيقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، مثبته على المضيّ لما قلّده من عبء الرسالة، وثقل أحمال النبوّة صلى الله عليه وسلم، وأمره بالائتساء في العزم على النفوذ لذلك بأولي العزم من قبله من رسله الذين صبروا على عظيم ما لقوا فيه من قومهم من المكاره، ونالهم فيه منهم من الأذى والشدائد (ﯪ) يا محمد على ما أصابك في الله من أذى مكذّبيك من قومك الذين أرسلناك إليهم بالإنذار، (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) على القيام بأمر الله، والانتهاء إلى طاعته من رسله الذين لم ينههم عن النفوذ لأمره، ما نالهم فيه من شدّة78.
ويعد الصبر من أهم مقومات نجاح الداعية، حيث يقول الله تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [السجدة: ٢٤].
أي: لما كانوا صابرين على أوامر الله، وترك زواجره، وتصديق رسله واتباعهم فيما جاءوهم به، كان منهم أئمة يهدون إلى الحق بأمر الله، ويدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ثم لما بدلوا وحرفوا وأولوا، سلبوا ذلك المقام، وصارت قلوبهم قاسيةً يحرفون الكلم عن مواضعه، فلا عملًا صالحًا، ولا اعتقادًا صحيحًا79، وذلك للإيحاء للقلة المسلمة يومذاك في مكة أن تصبر كما صبر المختارون من بني إسرائيل، وتوقن كما أيقنوا، ليكون منهم أئمة للمسلمين كما كان أولئك أئمة لبني إسرائيل؛ ولتقرير طريق الإمامة والقيادة، وهو الصبر واليقين80.
وقد بيّن الله تعالى أن من علم أساس دعوته هان عليه ما يبذل من أجلها، فازداد صبرًا وثباتًا عليها كما في قوله تعالى: (ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [المؤمنون: ٧٣].
والداعية لا يمكنه الوصول إلى مبتغاه إلا أن يمر بجسر الابتلاء، وهذا يحتاج إلى وسيلة تذلل تلك العقبات ألا وهي: الصبر81.
أشار القرآن الكريم إلى مجموعة من الأمور التي يدعى إليها المدعوون، ومن تلك الأمور:
أولًا: الإيمان:
وحقيقة الإيمان: هو التصديق التام بما أخبرت به الرسل، المتضمن لانقياد الجوارح، وليس الشأن في الإيمان بالأشياء المشاهدة بالحس، فإنه لا يتميز بها المسلم من الكافر، إنما الشأن في الإيمان بالغيب، الذي لم نره ولم نشاهده، وإنما نؤمن به، لخبر الله وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم، فهذا الإيمان الذي يميز به المسلم من الكافر؛ لأنه تصديق مجرد لله ورسله، فالمؤمن يؤمن بكل ما أخبر الله به، أو أخبر به رسوله، سواءً شاهده، أو لم يشاهده، وسواءً فهمه وعقله، أو لم يهتد إليه عقله وفهمه82.
ومن الآيات التي تحدثت عن الدعوة إلى الإيمان بالله وما يتبع ذلك هذه الآيات التي بين أيدينا:
فقوله تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [البقرة: ١٠٣].
أي: بما دعوا إليه من القرآن الحكيم83.
وقوله تعالى: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [البقرة: ١٨٦].
أي: يحصل لهم الرشد الذي هو الهداية للإيمان والأعمال الصالحة، ويزول عنهم الغي المنافي للإيمان والأعمال الصالحة. ولأن الإيمان بالله والاستجابة لأمره، سبب لحصول العلم84.
وقوله تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [النساء: ١٣٦].
يعني بذلك جل ثناؤه: (ﭻ ﭼ ﭽ)، بمن قبل محمد من الأنبياء والرسل، وصدّقوا بما جاؤوهم به من عند الله (ﭾ ﭿ ﮀ)، يقول: صدّقوا بالله وبمحمد رسوله، أنه لله رسولٌ، مرسل إليكم وإلى سائر الأمم قبلكم (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ)، يقول: وصدّقوا بما جاءكم به محمد من الكتاب الذي نزله الله عليه، وذلك القرآن(ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ)، يقول: وآمنوا بالكتاب الذي أنزل الله من قبل الكتاب الذي نزله على محمد صلى الله عليه وسلم، وهو التوراة والإنجيل85.
وقوله تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [الفتح: ٨-٩].
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [الشورى: ٥٢].
وقوله تعالى: (ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ) [الشورى: ١٥].
وقوله تعالى: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [الحديد: ٨].
وغيرها من الآيات كثير.
فهذه الآيات وغيرها ترشدنا إلى ما يأتي:
ثانيًا: التقوى:
والتقوى الكاملة: امتثال أمر الله وأمر رسوله، واجتناب نهيهما وتصديق خبرهما، وإذا جمع الله بين التقوى والبر ونحوه، كانت التقوى اسمًا لتوقي جميع المعاصي، والبر اسمًا لفعل الخيرات، وإذا أفرد أحدهما، دخل فيه الآخر86.
وقد تقدم عن بعض ذلك كما في قوله تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [البقرة: ١٠٣].
يضاف إلى ذلك قوله تعالى: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [مريم: ٩٧].
ومن أفضل ما قال المفسرون: في هذه الآية الكريمة وأمثالها من الآيات زواجر عظيمة ينبغي لنا أن نعتبرها؛ لأن خالقنا جل وعلا بيّن لنا في أول سورة الأعراف من هذا المحكم المنزل الذي هو آخر كتاب نزل من السماء على آخر نبي بعثه الله في أرضه صلى الله عليه وسلم قال: إنه أنزل عليه هذا الكتاب ليخوف به الخلق من عقوبات خالق السماوات والأرض وسخطه، فإنه الجبار الأعظم الذي إذا سخط عاقب العقوبة المهلكة المستأصلة، فبهذا يجب علينا أن نتأمل في معاني القرآن، ونعرف أوامر ربنا التي أمرنا بها فيه، ونواهيه التي نهانا عنها، ونخاف من هذا الإنذار، والتهديد الذي أنزل هذا القرآن على الرسول ليفعله بمن لم يعمل بهذا القرآن العظيم.
فالإنسان يجب عليه أن يتدبر هذا القرآن العظيم، وينظر أوامره، وينظر نواهيه، ويعمل بما فيه من الحلال والحرام، فالحلال ما أحله الله في هذا القرآن وبينته السنة الكريمة، والدين ما شرعه الله؛ لأنه لا حكم إلا لله، فكل الأحكام هي لله، والتشريع لله، والتحليل والتحريم لله، وقد أنزل علينا هذا الكتاب ليخوفنا إذا لم نعمل بما فيه من العبر والآيات، فنحل حلاله، ونحرم حرامه، ونعتقد عقائده، ونعمل بمحكمه، ونؤمن بمتشابهه، ونعتبر بما فيه من الأمثال، وتلين قلوبنا لما فيه من المواعظ وضروب الأمثال. فهذا الإنذار لا ينبغي للمسلم أن يهمله ويعرض عنه صفحًا87.
وقوله تعالى: (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ) [الزمر: ١٠].
يقول تعالى آمرًا عباده المؤمنين بالاستمرار على طاعته وتقواه (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ) أي: لمن أحسن العمل في هذه الدنيا حسنة في دنياهم وأخراهم88، فاتقوه بطاعته واجتناب معصيته89، أي: قل مناديًا لأشرف الخلق، وهم المؤمنون، آمرًا لهم بأفضل الأوامر، وهي التقوى، ذاكرًا لهم السبب الموجب للتقوى، وهو ربوبية الله لهم وإنعامه عليهم، المقتضي ذلك منهم أن يتقوه، ومن ذلك ما منّ الله عليهم به من الإيمان، فإنه موجب للتقوى90.
فالاهتمام بالدعوة إلى التقوى أمر جلي، دعت إليه الآيات وبيّنتها غاية البيان؛ ليعلم أن الأمر بالتقوى مقصد مهم عظيم من مقاصد الدعوة في القرآن الكريم.
ثالثًا: العبادة:
وهي: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه: من الأقوال، والأعمال الباطنة والظاهرة91.
ويظهر ذلك في الآيات الواردة في موضوع الدعوة ومنها: قوله تعالى: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [الأعراف: ٥٥].
فلما بين جل وعلا أنه العظيم الأعظم، خالق السماوات والأرض وخالق الشمس والقمر والنجوم، ومسخر الجميع، وبين عظمته وجلاله، أمر خلقه الضعاف المساكين أن يسألوه ويدعوه ليأتيهم بما يطلبون، ويكشف عنهم من الضر ما يسألون كشفه، والمراد بذلك: كأنه يقول: أنا العظيم الأعظم الجبار، الذي خلق السماوات والأرض والكواكب العظام، وأنا خالق كل شيء، وأنتم عبادي الفقراء الضعاف فادعوني؛ لأن الدعاء يستشعر به الداعي ذله وفقره وضعفه وحاجته، ويستشعر به عظمة من يدعو، وأنه عالم بكل شيء، لا يخفى عليه دعاؤه ولو كان في أخفى الخفاء، وأنه عظيم قادر على كل شيء، قادر على أن يذهب عنه بالضر ويأتيه بالخير، وهو من أعظم العبادات إذا كان مخلصًا فيه لله؛ ولذا أمر الله خلقه به في هذه الآية92.
وقوله تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [الأنفال: ٢٤].
ذكر الطبري أقوال العلماء في بيان ذلك، ثم قال: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: معناه: استجيبوا لله وللرسول بالطاعة، إذا دعاكم الرسول لما يحييكم من الحق؛ وذلك أن ذلك إذا كان معناه، كان داخلًا فيه الأمر بإجابتهم لقتال العدو والجهاد، والإجابة إذا دعاكم إلى حكم القرآن، وفي الإجابة إلى كل ذلك حياة المجيب، أما في الدنيا، فبقاء الذكر الجميل، وذلك له فيه حياة، وأما في الآخرة، فحياة الأبد في الجنان والخلود فيها93.
وقوله تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [مريم: ٤٨-٤٩].
وإذا كان وجودي إلى جوارك ودعوتي لك إلى الإيمان تؤذيك فسأعتزلك أنت وقومك، وأعتزل ما تدعون من دون الله من الآلهة، وأدعو ربي وحده، راجيًا -بسبب دعائي لله- ألا يجعلني شقيًّا، فالذي يرجوه إبراهيم هو مجرد تجنيبه الشقاوة، وذلك من الأدب والتحرج الذي يستشعره، فهو لا يرى لنفسه فضلًا، ولا يتطلع إلى أكثر من تجنيبه الشقاوة!
وهكذا اعتزل إبراهيم أباه وقومه وعبادتهم وآلهتهم وهجر أهله ودياره، فلم يتركه الله وحيدًا94.
رابعًا: الأخلاق:
يلاحظ أن الآيات التي تحدثت عن الأخلاق، تضمنت الدعوة لفعلها والتحلي بها، ومن الآيات الواردة معنا في ذلك ما يأتي:
قوله تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [الأحزاب: ٥].
فهذا العدل الإلهي، أن لا ينال حقّ الابن إلا من يكون ابنًا، أما المتبنّى واللصيق فلا يكون له إلا حق المولى والأخ في الدين؛ فحرّم الله على المسلمين أن ينسبوا الدعيّ لمن تبناه، وحظر عليهم أن يقتطعوا له شيئًا من حقوق الابن لا قليلًا ولا كثيرًا. وشدّد الأمر حتى قال: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [الأحزاب: ٥].
فهو يعفو عن اللفظة تصدر من غير قصد بأن يقول الرجل لآخر: هذا ابني، أو ينادى شخص آخر بمثل ذلك، لا عن قصد التبنّي95، وإنه لقسط وعدل أن يدعى الولد لأبيه، عدل للوالد الذي نشأ هذا الولد من بضعة منه حية. وعدل للولد الذي يحمل اسم أبيه، ويرثه ويورثه، ويتعاون معه ويكون امتدادًا له بوراثاته الكامنة، وتمثيله لخصائصه وخصائص آبائه وأجداده، وعدل للحق في ذاته الذي يضع كل شيء في مكانه، ويقيم كل علاقة على أصلها الفطري، ولا يضيع مزية على والد ولا ولد كما أنه لا يحمل غير الوالد الحقيقي تبعة البنوة، ولا يعطيه مزاياها. ولا يحمل غير الولد الحقيقي تبعة البنوة ولا يحابيه بخيراتها، وهذا هو النظام الذي يجعل التبعات في الأسرة متوازنة، ويقيم الأسرة على أساس ثابت دقيق مستمد من الواقع، وهو في الوقت ذاته يقيم بناء المجتمع على قاعدة حقيقية قوية بما فيها من الحق، ومن مطابقة الواقع الفطري العميق96.
للدعوة أساليب تتّخذ للوصول إلى الهدف المطلوب من أقرب طريق وأخصره، وبالنظر في الآيات الواردة في الحديث عن الدعوة يمكن القول أن أساليب الدعوة كما يأتي:
أولًا: أساليب عقلية:
من أعظم الحجج التي تقام برهانًا للشيء ونفيه الحجج العقلية التي تلزم الخصم بالتسليم97، وهذا الأسلوب يستخدم مع المعارضين الجاحدين98، لتفنيد شبههم ومحاولة إقناعهم،ومن الآيات التي تتحدث عن هذا المقام ما يأتي:
قوله تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [النساء: ١١٧].
أي: ما يدعو هؤلاء المشركون من دون الله إلا إناثًا، أي: أوثانًا وأصنامًا مسميات بأسماء الإناث كـ«العزى» و «مناة» ونحوهما، ومن المعلوم أن الاسم دال على المسمى، فإذا كانت أسماؤها أسماء مؤنثة ناقصة، دل ذلك على نقص المسميات بتلك الأسماء، وفقدها لصفات الكمال، كما أخبر الله تعالى في غير موضع من كتابه، أنها لا تخلق ولا ترزق ولا تدفع عن عابديها بل ولا عن نفسها نفعًا ولا ضرًّا ولا تنصر أنفسها ممن يريدها بسوء، وليس لها أسماع ولا أبصار ولا أفئدة، فكيف يعبد من هذا وصفه ويترك الإخلاص لمن له الأسماء الحسنى والصفات العليا والحمد والكمال، والمجد والجلال، والعز والجمال، والرحمة والبر والإحسان، والانفراد بالخلق والتدبير، والحكمة العظيمة في الأمر والتقدير؟
هل هذا إلا من أقبح القبيح الدال على نقص صاحبه، وبلوغه من الخسة والدناءة أدنى ما يتصوره متصور، أو يصفه واصف؟
ومع ذلك فعبادتهم إنما صورتها فقط لهذه الأوثان الناقصة، وبالحقيقة ما عبدوا غير الشيطان الذي هو عدوهم الذي يريد إهلاكهم ويسعى في ذلك بكل ما يقدر عليه، الذي هو في غاية البعد من الله، لعنه الله وأبعده عن رحمته، فكما أبعده الله من رحمته يسعى في إبعاد العباد عن رحمة الله99، فمن أصدق من الله قِيْلًا، ومن أحسن من الله حديثًا، في بيان حقيقة ما يدعوه المشركون.
وقوله تعالى: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ) [الأعراف: ١٩٤-١٩٥].
وإنما أطلق على الأصنام اسم العباد وعبر عنها بضمائر العقلاء؛ لأن الكفار يصفونها بصفات من هو خير من مطلق العقلاء، أنها معبودات، وأنها تشفع وتقرب إلى الله زلفى، فبهذا الاعتبار أجرى عليها ضمائر العقلاء، وعبر عنها بالعباد ووجه مماثلتهم هنا: أن الكفار العابدين، والأصنام المعبودات كلهم مخلوقات لله لا تقدر أن تجلب لنفسها نفعًا ولا أن تدفع عنها ضرًّا، فهم من قبيل تسخير الله لهم، وخلقه للجميع، وقدرته على الجميع، بهذا الاعتبار هم سواء100.
ومن الآيات في هذا قوله تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [النحل: ٢٠-٢١].
وقوله تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [فاطر: ١٣-١٤].
وقوله تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الزمر: ٣٨].
وغيرها من الآيات، ومن خلال هذه الآيات ألحظ من الدلائل العقلية ما يأتي:
وبهذه الدلائل العقلية اتخذت الدعوة إلى الله أسلوبًا عقليًّا مقنعًا؛ لتبطل كل دعوة إلى غير الله، والأساليب العقلية التي وردت عن الأنبياء في دعوتهم سأشير إليها في نماذج الدعاة من الأنبياء.
ثانيًا: أساليب عاطفية:
ويظهر أن هذا الأسلوب قد يجمع بين أسلوبي الحكمة والموعظة، فأسلوب الحكمة لأصحاب العقول النيرة والفطر المستقيمة، وأسلوب الموعظة أسلوب يسهل فيه الوضوح البساطة وعدم التعقيد101.
والآيات في ذلك كما في قوله تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [البقرة: ٢٢١].
فالله تعالى يقول لهم بخطاب الرأفة والرحمة، اقبلوا من الله ما أمركم به فاعملوا به، وانتهوا عما نهاكم عنه، فإنه يدعوكم إلى الجنة، يعني: بذلك يدعوكم إلى العمل بما يدخلكم الجنة، ويوجب لكم النجاة إن عملتم به من النار، وإلى ما يمحو خطاياكم أو ذنوبكم، فيعفو عنها ويسترها عليكم102، فيا بئس من ترك دعوة الله واتبع ما يغضبه ويأباه.
وقوله تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [آل عمران: ١٠٤].
فلا بد من جماعة تدعو إلى الخير، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، لا بد من سلطة في الأرض تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، والذي يقرر أنه لا بد من سلطة هو مدلول النص القرآني ذاته، فهناك دعوة إلى الخير، ولكن هناك كذلك أمر بالمعروف، وهناك نهي عن المنكر، وإذا أمكن أن يقوم بالدعوة غير ذي سلطان، فإن الأمر والنهي لا يقوم بهما إلا ذو سلطان، هذا هو تصور الإسلام للمسألة، إنه لا بد من سلطة تأمر وتنهى، سلطة تقوم على الدعوة إلى الخير والنهي عن الشر، سلطة تتجمع وحداتها وترتبط بحبل الله وحبل الأخوة في الله، سلطة تقوم على هاتين الركيزتين مجتمعتين لتحقيق منهج الله في حياة البشر، وتحقيق هذا المنهج يقتضي دعوة إلى الخير يعرف منها الناس حقيقة هذا المنهج103.
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [الحج: ٧٣].
أي: ومن هذه صفته كيف يعبد؟ ومن حق المعبود أن يكون خالقًا لعابده لا محالة وهم يخلقون، أي: بل هم مخلوقون مصنوعون104.
وقوله تعالى: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الأحقاف: ٣١-٣٢].
والأساليب العاطفية التي وردت عن الأنبياء في دعوتهم سأشير إليها في نماذج الدعاة من الأنبياء، وهذا الأسلوب يجمع بين العاطفة والعقل.
ثالثًا: أساليب حسية:
من الأساليب التي سلكتها الآيات في بيان طريق الدعوة ووجوب الاعتصام بها الأساليب الحسية، فما من نبي يدعو الناس إلى عبادة الله تعالى إلا أجرى الله له من المعجزات الحسية ما يؤكد صدق دعوته، والأساليب الحسية التي وردت عن الأنبياء في دعوتهم سأشير إليها في نماذج الدعاة من الأنبياء.
ومن الأساليب الحسية الواردة في آيات الدعوة ما جاء في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [آل عمران: ٢٣].
يقول تعالى منكرا على اليهود والنصارى المتمسكين فيما يزعمون بكتابيهم اللذين بأيديهم، وهما: التوراة والإنجيل، وإذا دعوا إلى التحاكم إلى ما فيهما من طاعة الله فيما أمرهم به فيهما من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم، تولوا وهم معرضون عنهما، وهذا في غاية ما يكون من ذمهم والتنويه بذكرهم بالمخالفة والعناد105.
فهذان أمران حسيان كتاب الله الذي كان بأيديهم، ورسول الله محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن الذي جاء به.
وقوله تعالى: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [الأنعام: ١٠٨].
فالنهي عن مباشرة شيء يشاهده الذين يدعون من دون الله ويسمعونه.
وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أن هذه الآية محكمة ثابتة غير منسوخة، وهي أصل أصيل في سد الذرائع وقطع التطرق إلى الشبه106، فإحساس المشركين بسبّ آلهتهم يجعلهم يسبون الله تعالى.
وقوله تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [الأنعام: ٤١].
ففي هذه الآية الكريمة عاب الله على الكفار سخافة عقولهم، وأنهم إذا نزلت بهم شدة من العظائم الشداد -كمشاهدة العذاب أمام أعينهم وإحساسهم به، أو لو رأوا الساعة عيانًا وأحسوا بها- أخلصوا في ذلك الوقت الدعاء إلى الله، وتركوا دعاء غير الله؛ لعلمهم بأنه لا ينفع ولا يضر وهذا ذم من الله للكفار، ذمهم به في آيات كثيرة من كتابه107.
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [الإسراء: ٦٧].
والسياق يعرض هذا المشهد، مشهد الفلك في البحر، نموذجًا للحظات الشدة والحرج؛ لأن الشعور بيد الله في الخضم أقوى وأشد حساسية، ونقطة من الخشب أو المعدن تائهة في الخضم، تتقاذفها الأمواج والتيارات والناس متشبثون بهذه النقطة على كف الرحمن، إنه مشهد يحس به من كابده، ويحس بالقلوب الخافقة الواجفة المتعلقة بكل هزة وكل رجفة في الفلك صغيرًا كان أو كبيرًا108، فهو أسلوب حسي قويم في الدعوة إلى توحيد الله.
وقوله تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [القصص: ٨٨].
وكل هالك فهلاكه محسوس بين الخلائق حتى يرث الله الأرض ومن عليها، ولا يبقى إلا الله وحده؛ لذا وجب أن لا يدعى إلا هو.
وفي قوله تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [الأحقاف: ٤].
أي: ائتوني بكتاب من قبل هذا الكتاب يعني القرآن فإنه ناطق بالتوحيد، أو أثارة من علم أو بقية من علم بقيت عليكم من علوم الأولين عل فيها ما يدل على استحقاقهم للعبادة أو الأمر به109، فلا بد من إقامة الدليل الحسي من كتاب قديم أو علم يدل دلالةً واضحةً على جواز دعواهم لغير الله تعالى، ولما لم يكن لهم دليل على ذلك؛ ظهر بطلان ما يدعونه وقامت الحجة عليهم، مما يوجب عليهم الرجوع من الدعوى الباطلة، إلى لزوم دعوة الحق والاعتصام بها.
تعتبر الدعوة أمرًا موجّهًا إلى جميع الثقلين استنادًا لأصل الإيجاد؛ ذلك أن الله تعالى قال: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [الذاريات: ٥٦].
وقد كانت الرسل ترسل إلى أممها، فمنهم من يستجيب لهم، ومنهم من يعرض عنهم، ومنهم من يصدهم عن دعوتهم وتبليغ رسالتهم، وبيان ذلك كما يأتي:
أولًا: المستجيبون للدعوة:
الضعفاء هم أكثر أتباع الرسل، وذلك كما قال تعالى -وهو يحدثنا عن ما جرى بين نوح وقومه أنهم قالوا له: -كما حكاه الله تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [هود: ٢٥-٢٧].
فهذا اعتراض الكافرين على نوح عليه السلام وأتباعه وهو دليل على جهلهم وقلة علمهم وعقلهم فإنه ليس بعار على الحق رذالة من اتبعه، فإن الحق في نفسه صحيح سواءً اتبعه الأشراف أو الأراذل، بل الحق الذي لا شك فيه أن أتباع الحق هم الأشراف ولو كانوا فقراء، والذين يأبونه هم الأراذل ولو كانوا أغنياء، ثم الواقع غالبًا أن من يتبع الحق هم ضعفاء الناس، والغالب على الأشراف والكبراء مخالفته110.
وجاء في حديث ابن عباس أن هرقل لما سأل أبا سفيان قال له: «فأشراف الناس اتبعوه أو ضعفاؤهم؟ قال أبو سفيان بل: ضعفاؤهم، فقال هرقل: كذلك هم أتباع الرسل111.
ومن الآيات الواردة في بيان المستجيبين للدعوة:
قوله تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [آل عمران: ١٩٣].
وتأويل الآية: ربنا سمعنا داعيًا يدعو إلى الإيمان والتصديق بك، والإقرار بوحدانيتك، واتباع رسولك، وطاعته فيما أمرنا به ونهانا عنه مما جاء به من عندك(ﯢﯣ ﯤ)، يقول: فصدقنا بذلك يا ربنا؛ فاستر علينا خطايانا، ولا تفضحنا بها في القيامة على رءوس الأشهاد، بعقوبتك إيانا عليها، ولكن كفّرها عنا، وسيئات أعمالنا، وامحها بفضلك ورحمتك إيانا(ﯫ ﯬ ﯭ)112، فهي قلوب مفتوحة ما إن تتلقى حتى تستجيب، وحتى تستيقظ فيها الحساسية الشديدة، فتبحث أول ما تبحث عن تقصيرها وذنوبها ومعصيتها، فتتجه إلى ربها تطلب مغفرة الذنوب وتكفير السيئات، والوفاة مع الأبرار113.
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [الأنعام: ٣٦].
أي: لا يجيبك إلى ما تطلب وتدعو من الهدى، إلا الذين يسمعون، أي: جعل الله لهم سماع حق وتفهّم يسمعون به عن الله، أما الذين أعمى الله أبصارهم، وختم على آذانهم فلا يجيبونك أبدًا، فلا تحزن عليهم114، فالذين يستجيبون لدعوة الأنبياء هم الذين استخدموا عقولهم وسمعهم وأبصارهم الاستخدام الحقيقي.
وقوله تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [المائدة: ١١١].
قيل: إن المراد بهذا الوحي وحي إلهام، أي: ألهموا ذلك، فامتثلوا ما ألهموا، ويحتمل أن يكون المراد وإذ أوحيت إليهم بواسطتك فدعوتهم إلى الإيمان بالله وبرسوله واستجابوا لك وانقادوا وتابعوك115.
فهي دعوة للاستجابة لرسولهم، وفيه دلالة على أن هناك استجابة في الأمم قبلهم وبعدهم.
ثانيًا: المعرضون عن الدعوة:
والأصل في المعرض أنه لم يقبل الدعوة أصلًا، وذلك كما في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [الرعد: ١٤].
فالذي يترك الدعوة الحق فهو معرض عنها لا محالة.
ومن لم يجب داعي الله تعالى، وأجاب داعي غيره إما آلهة ما أنزل بها من سلطان، أو الشيطان الرجيم وغيره، فذلك كما أخبرنا الله تعالى عن حاله بقوله تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [إبراهيم: ٢٢].
أي: دعوتكم إلى طاعتي ومعصية الله، فاستجبتم لدعائي116، يعني: ما كان مني إلا مجرد هذه الدعوة117، فعادة المعرض أن يعرض عن أمر لاستحسان غيره في نفسه، أو للحصول على شيء معين مع علمه بصفاء ما أعرض عنه، أو غير ذلك من الأمور الصارفة عن الحق إلى الباطل.
ومن كان في طاعة الهوى في دينه، يتبعه في كل ما يأتي ويذر، لا يتبصر دليلًا، ولا يصغى إلى برهان؛ فهو عابد هواه، وجاعله إلهه118.
ثالثًا: الصادون عن الدعوة:
وأكثر الصادين عن الدعوة هم الكبراء والمنافقون، ففي حال الكبراء يقول الله تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [الأعراف: ٤٥].
ويقول تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الأنفال: ٣٤].
ويقول تعالى: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) [هود: ١٩].
ويقول تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [الزخرف: ٥٧].
وقد كان أكابر القوم -الذين كانوا يخافون انتشار الدعوة بين الناس- يحرصون كل الحرص على إيجاد الهوّة بين الأنبياء وسائر الناس، وهذا الأسلوب من أخطر الأساليب في الصد عن دين الله، التي مارسها أعداء الدعوة منذ القدم119.
ومن الآيات الواردة في شأن الدعوة والتي تبين حال هؤلاء قوله تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [البقرة: ٢٢١].
وهذه نتيجة صدهم التي يصبون إليها، وقوله تعالى: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [القصص: ٤١].
وهذا المقام الذي تبوؤوه فصدوا عن دعوة الله، وقادوا غيرهم لدعوى باطلة، ومن أوضح ما يميزهم ويوضح حالهم بكل جلاء قوله تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [غافر: ١٢].
وما الذي أوصلهم إلى هذا الأمر إلا اتباع أهوائهم ودعوة غير الله تعالى والإعراض عن دعوته؛ لذا أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالتباين التام معهم فقال له: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [الأنعام: ٥٦].
بل ربما وصل الأمر بالصد عن الدعوة ولو في جزء منها، كما قال تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [محمد: ٣٨].
فعادة البخيل إن تمكن منه البخل؛ دعا غيره إلى أن يكون بخيلًا مثله، وربما شجّعه على ذلك وذكر له ما يخيل إليه أن البخل خير من الإنفاق، كما قال تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [النساء: ٣٦-٣٧].
فدعوة الله تعالى لهم للإنفاق قد أعرضوا عنها وأمروا غيرهم وصدوهم عن دعوة الله تعالى.
ومن شأن الكفار أن يبذلوا كل سبيل للصد عن سبيل الله تعالى، سواءً كان صدًّا عن اتباع حملة الحق ودعاته، أو صد الدعاة عن استمرارهم في الدعوة إلى الله تعالى وتبليغ دينه إلى الناس120.
أولًا: الأنبياء والرسل:
تعتبر قصص القرآن الكريم من القضايا التي تكررت كثيرًا خاصةً فيما جرى بين الأنبياء وبين أقوامهم.
والقصص في القرآن ثلاثة أنواع: فالنوع الأول: قصص الأنبياء، وقد تضمن دعوتهم إلى قومهم، والمعجزات التي أيدهم الله بها، وموقف المعاندين منهم، ومراحل الدعوة وتطورها وعاقبة المؤمنين والمكذبين، كقصص نوح، وإبراهيم، وموسى، وهارون، وعيسى، ومحمد، وغيرهم من الأنبياء والمرسلين، عليهم جميعًا أفضل الصلاة والسلام121.
وحتى لا يطول الحديث عن هذه النماذج فسأذكر ذلك في أمرين:
١. دعوة الرسل عمومًا.
دعوة الرسل أجمع هي: الدعوة إلى توحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة وحده دون سواه.
قال تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [الأعراف: ٥٩].
وقال تعالى: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الأعراف: ٦٥].
وقوله تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [الأعراف: ٧٣].
وقوله تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الأعراف: ٨٥].
وأمر الله تعالى خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم أن يقول: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [الأنعام: ١٩].
وكانت القاعدة العامة في كل ذلك قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [الأنبياء: ٢٥].
فعلم من هذا أن دعوة الرسل جميعًا هي: الدعوة إلى توحيد الله تعالى وحده لا شريك له، وكان هذا جواب من النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة حين قالوا: يا رسول الله، أخبرنا عن نفسك، فقال: (دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاءت له بصرى)122.
ودعوة الرسل في القرآن الكريم لم تذكر فيها من التفصيلات سوى اليسير، وجلّ ما ذكر عنهم هو الاهتمام بالدعوة إلى توحيد الله تعالى، والكفر بكل الطواغيت التي تعبد من دون الله123.
وهذا هو الأصل؛ لأن الداعي لا ينتقل إلى الفروع إلا بعد التأكيد على معاني العقيدة، كما فعل الأنبياء في دعوتهم124.
٢. نماذج من دعوة الرسل.
وسأذكر من الرسل: نوحًا وإبراهيم وموسى ومحمدًا عليهم الصلاة والسلام وذلك فيما يأتي:
وأهم الآيات التي تتحدث عن دعوته عليه الصلاة والسلام ما يأتي:
قال تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [العنكبوت: ١٤].
مع طول مدة الدعوة إلا أنهم لم ينجع فيهم البلاغ والإنذار125، بسبب كفر قومه.
قال الزمخشري: «فإن قلت: هلا قيل تسعمائة وخمسين سنة؟
قلت: ما أورده الله أحكم، لأنه لو قيل كما قلت، لجاز أن يتوهم إطلاق هذا العدد على أكثره، وهذا التوهم زائل مع مجيئه كذلك، وكأنه قيل: تسعمائة وخمسين سنة كاملة وافية العدد، إلا أنّ ذلك أخصر وأعذب لفظًا وأملأ بالفائدة، وفيه نكتة أخرى: وهي أنّ القصة مسوقة لذكر ما ابتلي به نوح عليه السلام من أمّته وما كابده من طول المصابرة، تسليةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتثبيتًا له، فكان ذكر رأس العدد الذي لا رأس أكثر منه، أوقع وأوصل إلى الغرض من استطالة السامع مدّة صبره»126.
وكان الوقت الذي قضاه نوح عليه السلام وقتًا طويلًا، ومع ذلك كان فيه كامل النشاط جادًّا في العمل؛ لأن من عرف ما يطلب هان عليه ما يبذل، وهذا مما يوجب على الدعاة بعده الاقتداء به في ذلك.
وفي قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [يونس: ٧١-٧٣].
بمعنى إن كان الأمر قد بلغ منكم مبلغ الضيق، فلم تعودوا تتحملون بقائي فيكم، ودعوتي لكم، وتذكيري لكم بآيات الله، فأنتم وما تريدون، وأنا ماض في طريقي لا أعتمد إلا على الله، فماذا كان وراء نوح من القوة والعدة؟ وماذا كان معه من قوى الأرض جميعًا؟ كان معه الإيمان، القوة التي تتصاغر أمامها القوى، وتتضاءل أمامها الكثرة، ويعجز أمامها التدبير127.
وقال تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [هود: ٤٠-٤٣].
حرص نوح عليه السلام على دعوة قومه عامة، وأهل بيته خاصة.
وتصف الآيات السابقة ما دار بين نوح عليه السلام وابنه، فقد كان ذلك النداء من نوح لابنه خوفًا عليه من الغرق128، وشفقة الأبوة حملته على ذلك النداء129؛ لكن الابن كان كافرًا، عَمِل عملًا غير صالح، فخالف أباه في دينه ومذهبه، فهلك مع من هلك، وقد نجا مع أبيه الأجانب في النسب، لما كانوا موافقين في الدين والمذهب130.
وكانت عاطفة الأبوة ظاهرةً في محاولة إنقاذ نوح لابنه من الغرق في شدة تلاطم الأمواج، وكان أسلوب العاطفة ظاهرًا في مناداة نوح لربه حتى بعد انقضاء الأمر، وتوقف الماء، إضافةً إلى ذلك أنه قد استخدم مع قومه الأسلوب الحسي، فقبل الغرق حثهم على التفكر في مطر السماء والحصول على المال والبنين، والسموات الطباق، ونور القمر وسراج الشمس وغيره، وفي حادثة الغرق أراهم صناعة السفينة وأمرهم بالركوب فيها وحذرهم من الغرق.
وقال تعالى في سورة نوح: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [نوح: ٥-٩].
بينت هذه الآيات شيئًا من معالم دعوة نوح عليه السلام، فهو يدعو قومه دائمًا بلا فتور ولا توان131، ويدعوهم على وجوه متخالفة وأساليب متفاوتة، فلم ينجع ذلك فيهم132.
ونبيّ الله نوح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام بذل كل ما يمكنه في سبيل الدعوة إلى الله133، وهذه السورة كلها تقص قصة نوح عليه السلام مع قومه، وتصف تجربةً من تجارب الدعوة في الأرض، وتمثل دورةً من دورات العلاج الدائم الثابت المتكرر للبشرية، وشوطًا من أشواط المعركة الخالدة بين الخير والشر، والهدى والضلال، والحق والباطل ثم هي بعد هذا وذلك، تعرض صورةً من صور الجهد المضني، والعناء المرهق، والصبر الجميل، والإصرار الكريم من جانب الرسل صلوات الله عليهم لهداية هذه البشرية الضالة العنيدة العصية الجامحة، وهي حصيلة مريرة.
ولكن الرسالة هي الرسالة، وهذه التجربة المريرة تعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي انتهت إليه أمانة دعوة الله في الأرض كلها في آخر الزمان، واضطلع بأكبر عبء كلّفه رسول، يرى فيها صورة الكفاح النبيل الطويل لأخ له من قبل، لإقرار حقيقة الإيمان في الأرض، ويطلع منها على عناد البشرية أمام دعوة الحق، وفساد القيادة الضالة، وغلبتها على القيادة الراشدة.
ثم إرادة الله في إرسال الرسل تترى بعد هذا العناد والضلال منذ فجر البشرية على يدي جدّها نوح عليه السلام، وتعرض على الجماعة المسلمة في مكة، وعلى الأمة المسلمة بعامة، وهي الوارثة لدعوة الله في الأرض، وللمنهج الإلهي المنبثق من هذه الدعوة، القائمة عليه في وسط الجاهلية المشتركة يومذاك، وفي وسط كل جاهلية تالية، ترى فيها صورة الكفاح والإصرار والثبات هذا المدى الطويل من أبي البشرية الثاني، كما ترى فيها عناية الله بالقلة المؤمنة، وإنجاءها من الهلاك الشامل في ذلك الحين134.
فهل يتعظ بذلك الدعاة الذين سرعان ما يستولي اليأس على نفوسهم، ويسيئون الظن بأقوامهم، فيتسرعون في إصدار الأحكام الظالمة عليهم، وينهزمون أمام أية صدمة يتعرضون لها135، وبالفعل فإن دعوة نوح دائمًا ما تكون منطلقًا للدعاة إلى الله في الأخذ بمتطلبات الدعوة؛ خاصة في عدم الاستعجال.
وأهم الآيات التي تتحدث عن دعوته عليه الصلاة والسلام ما يأتي:
قال تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [البقرة: ١٣٠-١٣٢].
فدعوته عليه السلام أساسها التوحيد، وبنيانها الإخلاص لله عز وجل.
وقال تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [النحل: ١٢٣].
فهذا إنكار واستبعاد لأن يكون في العقلاء من يرغب عن الحق الواضح الذي هو ملة إبراهيم، وهو ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك تعريض بمعاندي أهل الكتاب والمشركين، أي لا يرغب عن ملته الواضحة الغراء إلا من سفه نفسه، أي: حملها على السفه وهو الجهل136.
وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن أن من خالف إبراهيم فيما سن لمن بعده، فهو لله مخالف، وإعلام منه لخلقه أن من خالف ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم؛ فهو لإبراهيم مخالف، وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر أنه اصطفاه لخلته، وجعله للناس إمامًا، وأخبر أن دينه كان الحنيفية المسلمة، ففي ذلك أوضح البيان من الله تعالى ذكره عن أن من خالفه فهو لله عدو لمخالفته الإمام الذي نصبه الله لعباده137، ومن كماله وعظمته وصحة توحيده وطريقه، أنا أوحينا إليك يا خاتم الرسل وسيد الأنبياء أن اتبع ملة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين138، فأصل الدعوة وأساسها دعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلى ملة التوحيد والتي أكّدها وختمها محمد صلى الله عليه وسلم.
وقد بين القرآن الكريم أن من الأساليب الدعوية التي استعملها إبراهيم عليه السلام: أسلوب الجدل والمناظرة.
قال تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [البقرة: ٢٥٨].
أي: إذا كنت كما تدعي من أنك تحيي وتميت، فالذي يحيي ويميت هو الذي يتصرف في الوجود في خلق ذواته، وتسخير كواكبه وحركاته، فهذه الشمس تبدو كل يوم من المشرق، فإن كنت إلهًا كما ادعيت تحيي وتميت، فأت بها من المغرب؟ فلما علم عجزه وانقطاعه وأنه لا يقدر على المكابرة في هذا المقام؛ بهت: أي: أخرس، فلا يتكلم، وقامت عليه الحجة139، وكانت هذه المناظرة دعوة من إبراهيم عليه السلام إلى توحيد الله تعالى والكفر بكل ما يدعى من دون الله، وبيان بطلانه والمجادلة في ذلك.
وفي قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) [الأنعام: ٧٤-٨١]140.
يقول تعالى: واذكر قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، مثنيًا عليه ومعظمًا حاله لدعوته إلى التوحيد، ونهيه عن الشرك141.
وقد شرح فرق المشركين - الذين تجب دعوتهم- في هذه السورة على أحسن الوجوه؛ وذلك لأن طائفة من المشركين يجعلون الأصنام شركاء لله تعالى، وإليهم الإشارة بقوله حكاية عن إبراهيم142.
ولقد كانت هذه هي الحجة التي ألهمها الله إبراهيم ليدحض بها حجتهم التي جاءوا بها يجادلونه، ولقد كشف لهم عن وهن ما هم عليه من تصورهم أن هذه الآلهة تملك أن تسيء إليه، وواضح أنهم ما كانوا يجحدون وجود الله، ولا أنه هو صاحب القوة والسلطان في الكون، ولكنهم كانوا يشركون به هذه الآلهة، فلما واجههم إبراهيم، بأن من كان يخلص نفسه لله لا يخاف من دونه، فأما من يشرك بالله فهو أحق بالمخافة، لما واجههم بهذه الحجة التي آتاها الله له وألهمه إياها، سقطت حجتهم، وعلت حجته، وارتفع إبراهيم على قومه عقيدةً وحجةً ومنزلةً143، كان أسلوبه قويًّا واضحًا استطاع من خلاله أن يوقعهم في معرفة بطلان دعوتهم.
قال تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الأنبياء: ٥١-٧٠].
تبين هذه الآيات أن من الأساليب الدعوية التي استعملها إبراهيم عليه السلام: المواجهة المباشرة، والتغيير باليد.
وهذا أسلوب دعوي عملي وهو: إزالة المنكر فعلًا144.
فيخبر تعالى عن خليله إبراهيم عليه السلام أنه آتاه رشده من قبل، أي: من صغره ألهمه الحق والحجة على قومه145، فجمع لهم بين الدليل العقلي، والدليل السمعي، أما الدليل العقلي فإنه قد علم كل أحد حتى هؤلاء الذين جادلهم إبراهيم أن الله وحده، الخالق لجميع المخلوقات، من بني آدم، والملائكة، والجن، والبهائم، والسماوات، والأرض، المدبر لهن، بجميع أنواع التدبير، فيكون كل مخلوق مفطورًا مدبرًا متصرفًا فيه، ودخل في ذلك، جميع ما عبد من دون الله، أفيليق عند من له أدنى مسكة من عقل وتمييز، أن يعبد مخلوقًا متصرفًا فيه، لا يملك نفعًا، ولا ضرًّا، ولا موتًا، ولا حياةً، ولا نشورًا، ويدع عبادة الخالق الرازق المدبر؟ وأما الدليل السمعي فهو المنقول عن الرسل عليهم الصلاة والسلام، فإن ما جاءوا به معصوم لا يغلط ولا يخبر بغير الحق، ومن أنواع هذا القسم: شهادة أحد من الرسل على ذلك، فلهذا قال إبراهيم: (ﯳ ﯴ ﯵ) أي: أن الله وحده المعبود وأن عبادة ما سواه باطل (ﯶ ﯷ)، وأي شهادة بعد شهادة الله أعلى من شهادة الرسل؟ خصوصًا أولي العزم منهم خصوصًا خليل الرحمن146.
وحقًّا لقد كانت الأولى رجعةً إلى النفوس، وكانت الثانية نكسةً على الرؤوس كما يقول التعبير القرآني المصور العجيب، كانت الأولى حركةً في النفس للنظر والتدبر، أما الثانية فكانت انقلابًا على الرأس فلا عقل ولا تفكير، وإلا فإن قولهم هذا الأخير هو الحجة عليهم. وأية حجة لإبراهيم أقوى من أن هؤلاء لا ينطقون؟! ومن ثم يجبهم بعنف وضيق على غير عادته وهو الصبور الحليم؛ لأن السخف هنا يجاوز صبر الحليم147، فها هو خليل الرحمن برشده وحسن دعوته يستخدم أسلوبًا عمليًا مؤيدًا بالعقل والسمع في بيان سلامة دعوته، وإبطال دعوة قومه.
وقال تعالى: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ) [مريم: ٤١-٥٠].
فقال لأبيه متلطفًا في دعوته إلى التوحيد ونهيه عن عبادة الأصنام: يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئًا؟148.
بهذا اللطف في الخطاب يتوجه إبراهيم إلى أبيه، يحاول أن يهديه إلى الخير الذي هداه الله إليه، وعلمه إياه وهو يتحبب إليه فيخاطبه: (ﮁ) هذه هي اللمسة الأولى التي يبدأ بها إبراهيم دعوته لأبيه، ثم يتبعها بأنه لا يقول هذا من نفسه، إنما هو العلم الذي جاءه من الله فهداه، ولو أنه أصغر من أبيه سنًّا وأقل تجربةً، ولكن المدد العلوي جعله يفقه ويعرف الحق فهو ينصح أباه الذي لم يتلق هذا العلم، ليتبعه في الطريق الذي هدي إليه149.
ولهذا كثيرًا ما يبدئ ويعيد في قصص الأنبياء، الذين فضلهم على غيرهم، ورفع قدرهم، وأعلى أمرهم، بسبب ما قاموا به، من عبادة الله ومحبته، والإنابة إليه، والقيام بحقوقه، وحقوق العباد، ودعوة الخلق إلى الله، والصبر على ذلك، والمقامات الفاخرة، والمنازل العالية، فذكر الله في هذه السورة جملةً من الأنبياء، يأمر الله رسوله أن يذكرهم، لأن في ذكرهم إظهار الثناء على الله وعليهم، وبيان فضله وإحسانه إليهم، وفيه الحث على الإيمان بهم ومحبتهم، والاقتداء بهم150.
لذا أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يذكر في الكتاب الذي هو القرآن العظيم المنزل إليه من الله (إبراهيم) عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، ويتلو على الناس في القرآن نبأه مع قومه، ودعوته لهم إلى عبادة الله وحده، وترك عبادة الأصنام التي لا تسمع ولا تبصر ولا تنفع ولا تضر، وكرر هذا المعنى المذكور في هذه الآيات في آيات أخر من كتابه جل وعلا151، فاستخدم عليه السلام الأسلوب العاطفي الرائع الذي يدل على عظيم حلم وكثير كرم، لكن أباه الكافر رفض دعوته.
وأهم الآيات التي تتحدث عن دعوته عليه الصلاة والسلام ما يأتي:
قال تعالى: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [إبراهيم: ٥].
أي: أمرناه قائلين له أخرج قومك من الظلمات إلى النور، أي: ادعهم إلى الخير؛ ليخرجوا من ظلمات ما كانوا فيه من الجهل والضلال إلى نور الهدى وبصيرة الإيمان152.
وقوله تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [طه: ٩-٢٤].
يقول تعالى ذكره: إنني أنا المعبود الذي لا تصلح العبادة إلا له، لا إله إلا أنا فلا تعبد غيري، فإنه لا معبود تجوز أو تصلح له العبادة سواي153.
ولما أوحى الله إلى موسى، ونبّأه، وأراه الآيات الباهرات، أرسله إلى فرعون، ملك مصر، فقال: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) أي: تمرّد وزاد على الحد في الكفر والفساد والعلو في الأرض، والقهر للضعفاء، حتى إنه ادعى الربوبية والألوهية -قبحه الله- أي: وطغيانه سبب لهلاكه، ولكن من رحمة الله وحكمته وعدله، أنه لا يعذب أحدًا، إلا بعد قيام الحجة بالرسل، فحينئذ علم موسى عليه السلام أنه تحمل حملًا عظيمًا، حيث أرسل إلى هذا الجبار العنيد، الذي ليس له منازع في مصر من الخلق، وموسى عليه السلام وحده، وقد جرى منه ما جرى من القتل، فامتثل أمر ربه، وتلقاه بالانشراح والقبول، وسأله المعونة وتيسير الأسباب، التي هي من تمام الدعوة، فقال: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) أي: وسّعه وأفسحه؛ لأتحمل الأذى القولي والفعلي، ولا يتكدر قلبي بذلك، ولا يضيق صدري، فإن الصدر إذا ضاق لم يصلح صاحبه لهداية الخلق ودعوتهم154.
والذهاب المأمور به ذهاب خاص، قد فهمه موسى من مقدمات الإخبار باختياره، وإظهار المعجزات له، أو صرّح له به وطوي ذكره هنا على طريقة الإيجاز، على أنّ التّعليل الواقع بعده ينبىء به155؛ ولما آنسه بالعصا واليد، وأراه ما يدل على أنه رسول، أمره بالذهاب إلى فرعون، وأن يدعوه156.
ويؤخذ من هذه الآية الكريمة: أن الدعوة إلى الله يجب أن تكون بالرّفق واللّين، لا بالقسوة والشدة والعنف157.
قال تعالى: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) [الأعراف: ١٠٤-١٢٠].
يخبر تعالى عن مناظرة موسى لفرعون وإلجامه إياه بالحجة وإظهاره الآيات البيّنات بحضرة فرعون وقومه من قبط مصر، مظهرًا بأنه لا يقول على الله إلا الحق، أي: جدير بذلك وحري به، فحق عليّ أن لا أخبر عنه إلا بما هو حق وصدق، لما أعلم من عز جلاله وعظيم شأنه (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) أي: بحجة قاطعة من الله، أعطانيها دليلًا على صدقي فيما جئتكم به (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) أي: أطلقهم من أسرك وقهرك، ودعهم وعبادة ربك وربهم فإنهم من سلالة نبي كريم158.
وفي سورة الشعراء: جرت في دعوة موسى المجادلة والتحاور، واستخدم موسى الأدلة العقلية كأسلوب في دعوته لفرعون وقومه: فقال فرعون لقومه: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ)[الشعراء: ٢٧].
يقول: إن رسولكم هذا الذي يزعم أنه أرسل إليكم لمغلوب على عقله، لأنه يقول قولًا لا نعرفه ولا نفهمه، وإنما قال ذلك؛ لأنه كان عنده وعند قومه أنه لا رب غيره يعبد، وأن الذي يدعوه إليه موسى باطل ليست له حقيقة، فقال موسى عند ذلك محتجًّا عليهم، ومعرفهم ربهم بصفته وأدلته، إذ كان عند قوم فرعون أن الذي يعرفونه ربًّا لهم في ذلك الوقت هو فرعون فلما أخبرهم عليه السلام بالأمر الذي علموا أنه الحق الواضح، إذ كان فرعون ومن قبله من ملوك مصر لم يجاوز ملكهم عريش مصر، وتبين لفرعون ومن حوله من قومه أن الذي يدعوهم موسى إلى عبادته، هو الملك الذي يملك الملوك، قال فرعون حينئذ استكبارًا عن الحق، وتماديًا في الغي لموسى: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ)[الشعراء: ٢٩].
يقول: لئن أقررت بمعبود سواي (ﮢ ﮣ ﮤ) [الشعراء: ٢٩]159.
يريد أن يتهكّم على مسألة الرسالة في ذاتها؛ فيبعد القلوب عن تصديقها بهذا التهكم، لا أنه يريد الإقرار بها والاعتراف بإمكانها، ويتهم موسى عليه السلام بالجنون؛ ليذهب أثر مقالته التي تطعن وضع فرعون السياسي والديني في الصميم. وترد الناس إلى الله ربهم ورب آبائهم الأولين، ولكن هذا التهكم وهذا القذف لا يفت في عضد موسى، فيمضي في طريقه يصدع بكلمة الحق التي تزلزل الطغاة والمتجبرين160.
وقال تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [البقرة: ٥٤].
وفي قوله هاهنا: (ﮙ ﮚ) تنبيهٌ على عظم جرمهم، أي: فتوبوا إلى الذي خلقكم وقد عبدتم معه غيره161، فدعاهم إلى التوبة من ذلك.
وقال تعالى عن قصة عبادتهم للعجل: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) [الأعراف: ١٤٨-١٥٥].
فيخبر تعالى عن ضلال من ضل من بني إسرائيل، في عبادتهم العجل الذي اتخذه لهم السامري من حلي القبط، الذي كانوا استعاروه منهم، فشكل لهم منه عجلًا، جسدًا لا روح فيه، وقد احتال بإدخال الريح فيه، حتى صار يسمع له خوار -كصوت البقر- وإنما أضاف الصوت إليه؛ لأنه كان محله عند دخول الريح جوفه، وكان هذا منهم بعد ذهاب موسى لميقات ربه تعالى، وأعلمه الله تعالى بذلك وهو على الطور، حيث يقول إخبارًا عن نفسه الكريمة (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ)162.
وذكر جل وعلا: أن موسى عليه السلام رجع إلى قومه بعد مجيئه للميقات في حال كونه في ذلك الرجوع غضبان أسفًا على قومه من أجل عبادتهم العجل163.
ومع شدة غضبه إلا أنه دعاهم وأكّد ما دعاهم إليه من قبل فقال: (ﭙ ﭚ) للتذكير بالبون الشاسع بين حال الخلف وحال المخلوف عنه، وتصوير لفظاعة ما خلفوه به، أي: بعدما سمعتم مني التحذير من الإشراك وزجركم عن تقليد المشركين164.
وقال تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [المائدة: ٢٠-٢١].
أمرهم رسول الله موسى عليه السلام بالدخول إليها، وبقتال أعدائهم، وبشرهم بالنصرة، والظفر عليهم، فنكلوا وعصوا وخالفوا أمره، فعوقبوا بالذهاب في التيه والتمادي في سيرهم حائرين لا يدرون كيف يتوجهون فيه إلى مقصد، مدة أربعين سنةً عقوبةً لهم على تفريطهم في أمر الله تعالى165، فهم لما رفضوا دعوة موسى عليه السلام وتركوا أمر ربهم عاقبهم سبحانه.
وقال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [البقرة: ٦٧-٧١].
أي: واذكروا ما جرى لكم مع موسى، حين قتلتم قتيلًا وادّارأتم فيه، أي: تدافعتم واختلفتم في قاتله، حتى تفاقم الأمر بينكم وكاد -لولا تبيين الله لكم- لحدث بينكم شر كبير، فقال لكم موسى في تبيين القاتل: اذبحوا بقرة، وكان من الواجب المبادرة إلى امتثال أمره، وعدم الاعتراض عليه، ولكنهم أبوا إلا الاعتراض، فقالوا: (ﮬ ﮭ) فقال نبي الله: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) فإن الجاهل هو الذي يتكلم بالكلام الذي لا فائدة فيه، وهو الذي يستهزئ بالناس، وأما العاقل فيرى أن من أكبر العيوب المزرية بالدين والعقل استهزاءه بمن هو آدمي مثله، وإن كان قد فضل عليه، فتفضيله يقتضي منه الشكر لربه، والرحمة لعباد الله، فلما قال لهم موسى ذلك؛ علموا أن ذلك صدق فقالوا: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ)166، وهذا نوع من أنواع تعنتهم المألوفة، فقد كانوا يسلكون هذه المسالك في غالب ما أمرهم الله به ولو تركوا التعنت والأسئلة المتكلفة لأجزأهم ذبح بقرة من عرض البقر، ولكنهم شدّدوا فشدّد الله عليهم167، فكانت هذه دعوة منه عليه السلام لتنتهي قصة القتيل، فلم يستجيبوا لهذه الدعوة، واتخذوا مسلك العناد والتعنت فكانت النتيجة أن شدّد عليهم في شأن هذه البقرة، لما لم يستجيبوا لدعوة نبيهم من أول مرة.
وتعتبر دعوته صلى الله عليه وسلم خاتمة الدعوات وأفضلها وأكملها وأشرفها، فكان شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، ولقد حظيت دعوته بأنواع الأذى ولاقت صنوف العذاب، حتى مكّن الله تعالى لها في الأرض، ويعتبر النظر في القرآن الكريم كله نظرٌ إلى الدعوة التي جاء بها، وسار عليها، وجاهد من أجلها، والنظر في سنته يبيّن مجمل دعوته، ويخصص عامّها، ويقيد مطلقها، ويوضحها غاية الوضوح.
وكذلك النظر في سيرته التي توضح المنهج الدعوي الذي سار عليه ويجب على الأمة أن تمضي عليه168.
فظهر من دعوة هؤلاء الأنبياء أنهم دعوا أقوامهم إلى التوحيد، وبذلوا كل ما يستطيعون في سبيل هذه الدعوة، فكانت طريقًا ناح من أجله نوح، وألقي في النار إبراهيم، وعالج موسى بني إسرائيل أشد المعالجة، وعالج أنواع الأذى محمد، ولقد كانوا صابرين في سبيل دعوة ربهم، مضحّين بكل شيء من أجلها، سالكين كل سبيل ينقذ قومهم من عذاب الله تعالى.
ثانيًا: المصلحون و أتباع الرسل:
لما دعا الأنبياء إلى الله تعالى آمن بهم بعض الناس، ومن هؤلاء المؤمنين من سار على درب رسله، وعلم أنه لا بد أن يدعو إلى المنهج الذي جاءت به الرسل.
ومن تلك النماذج:
ما ذكره الله عز وجل من قصة صاحب الجنتين، فقال سبحانه وتعالى: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [الكهف: ٣٧-٤٢].
فقال له صاحبه أي: الذي عيره بالفقر، تعييرًا له على كفره، (ﭮ ﭯ) أي: يراجعه كلام التعيير على الكفر، محاورته كلام التعيير على الفقر، في ضمن النكير عليه، (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) أي: يجعل التراب نباتًا، ثم جعله غذاءً يتولد منه النطفة، (ﭸ ﭹ ﭺ) أي: عدلك وكملك إنسانًا ذكرًا بالغًا مبلغ الرجال؟169.
فذكره صاحبه المؤمن حاله الأولى التي أوجده الله فيها في الدنيا (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) فهو الذي أنعم عليك بنعمة الإيجاد والإمداد، وواصل عليك النعم، ونقلك من طور إلى طور، حتى سواك رجلًا كامل الأعضاء والجوارح المحسوسة، والمعقولة، وبذلك يسر لك الأسباب، وهيأ لك ما هيأ من نعم الدنيا، فلم تحصل لك الدنيا بحولك وقوتك، بل بفضل الله تعالى عليك.
فكيف يليق بك أن تكفر بالله الذي خلقك من تراب، ثم من نطفة ثم سواك رجلًا، وتجحد نعمته، وتزعم أنه لا يبعثك؟
ثم أخبره أن نعمة الله عليه بالإيمان والإسلام، ولو مع قلة ماله وولده، هي النعمة الحقيقية، وأن ما عداها معرض للزوال والعقوبة عليه والنكال، فقال: أنت -وإن فخرت علي بكثرة مالك وولدك، ورأيتني أقل منك مالًا وولدًا- فإن ما عند الله خير وأبقى، وما يرجى من خيره وإحسانه، أفضل من جميع الدنيا، التي يتنافس فيها المتنافسون170.
وهكذا تنتفض عزة الإيمان في النفس المؤمنة، فلا تبالي المال والنفر، ولا تداري الغنى والبطر، ولا تتلعثم في الحق، ولا تجامل فيه الأصحاب، هكذا يستشعر الداعية المؤمن أنه عزيز أمام الجاه والمال، وأن ما عند الله خير من أعراض الحياة، وأن فضل الله عظيم وهو يطمع في فضل الله، وأن نقمة الله جبارة، وأنها وشيكة أن تصيب الغافلين المتبطرين171.
فدعاه إلى الله والاعتراف بنعمته عليه؛ ولم يمنعه فقره ولا قلته عن دعوة متكبر على عباد الله أن يرجع إلى الله ويستسلم لأمره، ويعرف حقه في ما أكرمه به.
ومن نماذج الدعاة الناصحين الذين ذكرهم القرآن: صاحب ياسين.
قال تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [يس: ٢٠-٢٧].
جاء من أقصى مدينة القوم الذين أرسلت إليهم الرسل رجل يسعى إليهم؛ وذلك أن أهل المدينة عزموا، واجتمعت آراؤهم على قتل الرسل الثلاثة فيما ذكر، فبلغ ذلك هذا الرجل، وكان منزله أقصى المدينة، وكان مؤمنًا، فكان هذا حرصًا على نصح قومه حين سمع ما دعت إليه الرسل وآمن به، وعلم ما ردّ به قومه عليهم فقال لهم: (ﮤ ﮥ ﮦ) فأمرهم باتباعهم ونصحهم على ذلك، وشهد لهم بالرسالة، ثم ذكر تأييدًا لما شهد به ودعا إليه172.
فجاء من أقصى المدينة يسعى؛ ليقوم بواجبه في دعوة قومه إلى الحق، وفي كفهم عن البغي، وفي مقاومة اعتدائهم الأثيم الذي يوشكون أن يصبوه على المرسلين، وإن الذي يدعو مثل هذه الدعوة وهو لا يطلب أجرًا ولا يبتغي مغنمًا؛ إنه لصادق، وإلا فما الذي يحمله على هذا العناء إن لم يكن يلبي تكليفًا من الله؟ ما الذي يدفعه إلى حمل هم الدعوة؟ ومجابهة الناس بغير ما ألفوا من العقيدة؟ والتعرض لأذاهم وشرهم واستهزائهم وتنكيلهم، وهو لا يجني من ذلك كسبًا، ولا يطلب منهم أجرًا؟
وهداهم واضح في طبيعة دعوتهم، فهم يدعون إلى إله واحد، ويدعون إلى نهج واضح، ويدعون إلى عقيدة لا خرافة فيها ولا غموض، فهم مهتدون إلى نهج سليم، وإلى طريق مستقيم، وهكذا ألقى بكلمة الإيمان الواثقة المطمئنة، وأشهدهم عليها، وهو يوحي إليهم أن يقولوها كما قالها، أو أنه لا يبالي بهم ماذا يقولون.
ويوحي سياق القصة بعد ذلك أنهم لم يمهلوه أن قتلوه، وإن كان لا يذكر شيئًا من هذا صراحة، إنما يسدل الستار على الدنيا وما فيها، وعلى القوم وما هم فيه ويرفعه لنرى هذا الشهيد الذي جهر بكلمة الحق، متبعًا صوت الفطرة، وقذف بها في وجوه من يملكون التهديد والتنكيل، نراه في العالم الآخر، ونطلع على ما ادخر الله له من كرامة تليق بمقام المؤمن الشجاع المخلص الشهيد173.
فهذا مؤمن واحد آمن وصدق برسالة رسله، ثم دعا إلى اتبّاعهم وتحمّل البلاء في ذلك، ومات من أجل دعوته الصحيحة التي ترشد إلى عبودية الله تعالى وحده دون سواه.
ومن النماذج القرآنية للدعاة المصلحين: مؤمن آل فرعون.
قال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [غافر: ٣٨-٤٦].
فإنه كان مؤمنًا كما وصفه الله، ولا يشك المؤمن وذكّرهم ما هم فيه من الملك؛ ليشكروا الله ولا يتمادوا في كفرهم، ثم كرر ذلك الرجل المؤمن تذكيرهم، وحذّرهم أن ينزل بهم ما نزل بمن قبلهم، وكرر ذلك الرجل المؤمن دعاءهم إلى الله وصرح بإيمانه، ولم يسلك المسالك المتقدمة من إيهامه لهم أنه منهم، وأنه إنما تصدى للتذكير كراهة أن يصيبهم بعض ما توعدهم به موسى، كما يقوله الرجل المحب لقومه من التحذير عن الوقوع فيما يخاف عليهم الوقوع فيه.
ثم فسر الدعوتين فقال: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) وليس له دعوة توجب له الألوهية في الدنيا ولا في الآخرة، ومرجعنا ومصيرنا إلى الله بالموت أولًا، وبالبعث آخرًا، فيجازي كل أحد بما يستحقه من خير وشر، (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ)، أي: المستكثرين من معاصي الله، (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) إذا نزل بكم العذاب وتعلمون أني قد بالغت في نصحكم وتذكيركم174.
وشتان بين دعوة ودعوة، إن دعوته لهم واضحة مستقيمة، إنه يدعوهم إلى العزيز الغفار، يدعوهم إلى إله واحد تشهد آثاره في الوجود بوحدانيته، وتنطق بدائع صنعته بقدرته وتقديره، يدعوهم إليه؛ ليغفر لهم وهو القادر على أن يغفر، الذي تفضل بالغفران: (ﭩ ﭪ)، فإلى أي شيء يدعونه؟
يدعونه للكفر بالله، عن طريق إشراك ما لا علم له به من مدعيات وأوهام وألغاز.
ويقرر من غير شك ولا ريبة أن هؤلاء الشركاء ليس لهم من الأمر شيء، وليس لهم شأن لا في دنيا ولا في آخرة، وأن المرد لله وحده، وأن المسرفين المتجاوزين للحد في الادعاء سيكونون أهل النار175.
فهذا الرجل من قوم فرعون آمن بموسى عليه السلام، ولما علم أن الخير في دعوة موسى دلّ قومه عليها، وحذرهم من مخالفتها، وبين لهم بطلان دعوتهم أمام دعوة الله فكان من أفضل الداعين.
ومن النماذج أيضًا: دعاة الجن.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الأحقاف: ٢٩-٣٢].
كان الله تعالى قد أرسل رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى الخلق إنسهم وجنهم، وكان لا بد من إبلاغ الجميع لدعوة النبوة والرسالة، فالإنس يمكنه عليه الصلاة والسلام دعوتهم وإنذارهم، وأما الجن فصرفهم الله إليه بقدرته، وأرسل إليه (ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) أي: وصى بعضهم بعضًا بذلك، (ﭞ ﭟ) وقد وعوه وأثر ذلك فيهم (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) نصحًا منهم لهم، وإقامةً لحجة الله عليهم، وقيضهم الله معونةً لرسوله صلى الله عليه وسلم في نشر دعوته في الجن176.
فيقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل هؤلاء النفر من الجنّ قالوا لقومهم: أجيبوا رسول الله محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى ما يدعوكم إليه من طاعة الله، وصدّقوه فيما جاءكم به وقومه من أمر الله ونهيه، وغير ذلك مما دعاكم إلى التصديق به؛ يغفر لكم ذنوبكم فيسترها لكم، ولا يفضحكم بها في الآخرة بعقوبته إياكم عليها، وينقذكم من عذاب موجع إذا أنتم تبتم من ذنوبكم، وأنبتم من كفركم إلى الإيمان بالله وبداعيه، ومن لا يجب أيّها القوم رسول الله محمدًا صلى الله عليه وسلم، فليس بمعجز ربه بهربه، إذا أراد عقوبته على تكذيبه داعيه، وليس لمن لم يجب داعي الله من دون ربه نصراء ينصرونه من الله إذا عاقبه ربه على كفره به وتكذيبه داعيه177.
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [الجن: ١-٣].
(ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [الجن: ١٥-١٧].
وهذه السورة سميت بهذا الاسم لاشتمالها على تفاصيل أقوالهم في تحسين الإيمان، وتقبيح الكفر، وكانت أقوالهم أشد تأثيرًا في قلوب العامة، لتعظيمهم إياهم178.
فعلموا الصواب وتنبهوا لجميع أخطائهم خاصةً أنهم تنبهوا على الخطأ فيما اعتقده كفرة الجنّ من تشبيه الله بخلقه واتخاذه صاحبةً وولدًا، فاستعظموه ونزهوه عنه179.
والاتجاه بالخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يثير العطف على شخص الرسول في قلب المستمع لهذه السورة، عطفًا مصحوبًا بالحب، وهو يؤمر أن يعلن تجرده من كل شيء في أمر هذه الدعوة إلا البلاغ، والرقابة الإلهية المضروبة حوله وهو يقوم بهذا البلاغ180.
وجمعوا بين الإيمان الذي يدخل فيه جميع أعمال الخير، وبين التقوى المتضمنة لترك الشر، وجعلوا السبب الداعي لهم إلى الإيمان وتوابعه ما علموه من إرشادات القرآن، وما اشتمل عليه من المصالح والفوائد واجتناب المضار، فإن ذلك آية عظيمة، وحجة قاطعة، لمن استنار به، واهتدى بهديه، وهذا الإيمان النافع، المثمر لكل خير، المبني على هداية القرآن، بخلاف إيمان العوائد، والمربى والإلف ونحو ذلك، فإنه إيمان تقليد تحت خطر الشبهات والعوارض الكثيرة181.
وتهدف السورة إلى إثبات كرامة النبي صلى الله عليه وسلم بأن دعوته بلغت إلى جنس الجن، وإفهامهم فهم معان من القرآن الذي استمعوه، وفهم ما يدعو إليه من التوحيد والهدى، وعلمهم بعظمة الله وتنزيهه عن الشريك والصاحبة والولد182.
وفي هذه السورة إظهار لحقيقة الدعوة، فقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يخبرهم بأنه إنما يدعو إلى ربّه ويقوم بما يجب له عليه، وهو لا يملك شيئًا من كفرهم أو إيمانهم وبأنه لن يجيره منهم أحد، إلّا أن يبلّغهم ما أرسله به إليهم، ثم ذكر أن من يعصيه الله سبحانه ويعصي رسوله صلى الله عليه وسلم، يخلّده في نار جهنم، فإذا رأوا ما يوعدون منها، يعلمون أنهم أضعف ناصرًا، وأقل عددًا.
ثم أمره أن يخبرهم، بأنه لا يدري متى يكون ما يوعدون به من ذلك، لأنه من علم الغيب الذي اختص به الله سبحانه183.
فكان الغرض من هذا هو بيان الأمر الذي جعل الجنّ يقبلون الدعوة ويعلمون صدقها، وبطلان ما كانوا عليه؛ وأن يكونوا نصحة لأقوامهم، داعين لهم إلى صراط الله المستقيم.
تعتبر الدعوة عملًا مهمًّا من الأعمال التي أكدت عليها الشريعة، ولا بد لكل عمل من جهد يبذل فيه، ولكل جهد ثمرات، وللدعوة ثمرات يانعة، تظهر معنا من خلال الآيات ومن أهمها ما يأتي:
١. الإيمان بالله تعالى والوصول إلى مرضاته وعفوه ومغفرته.
وذلك كما في قوله تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [البقرة: ٢٢١].
وقوله تعالى: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [إبراهيم: ١٠].
وقوله تعالى: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [الحديد: ٨-٩].
٢. استجابة الله تعالى للمخلصين في دعوته ومحبته لهم.
وذلك كما في قوله تعالى: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [البقرة: ١٨٦].
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [الكهف: ٢٨].
وقوله تعالى: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [غافر: ١٤].
وقوله تعالى: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [غافر: ٦٠].
٣. حصول الخيرية للأمة ونجاتها من الهلاك.
وذلك كما في قوله تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [آل عمران: ١٠٤].
وقوله تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [آل عمران: ١١٠].
٤. التمييز بين الحق والباطل.
وذلك كما قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [الرعد: ١٤].
وقوله تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [النحل: ٢٠-٢١].
وقوله تعالى: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [الحج: ٦٢].
وقوله تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [الزخرف: ٨٦].
٥. علو مكانة الدعاة وبيان عظيم فضلهم وسلامة دعوتهم.
وذلك كما في قوله تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [يوسف: ١٠٨].
وقوله تعالى: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [فصلت: ٣٣].
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ)[الأحقاف: ٢٩-٣٢]
٦. القيام بالدعوة إلى الله من أسباب الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة.
كما في قوله تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [هود: ١١٦].
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [العصر: ١-٣].
وللدعوة ثمار كثيرة، تناولها العلماء في كتبهم، وذكروها في توجيهاتهم، وأرشدوا إليها في محاضراتهم وخطبهم، يمكن لمن أرادها أن يرجع إليها في مظانها.
موضوعات ذات صلة: |
التوحيد، الجدال، الحكمة، الحوار، النصيحة |
1 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٣/٧٧.
2 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص٣١٥.
3 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ١/٣٤٨.
4 انظر: الدعوة والداعية، محمد البارودي ص٢٠.
5 انظر: المصباح المنير، الفيومي ١/١٩٥.
6 انظر: أصول الدعوة، عبدالكريم زيدان ١/٧.
7 انظر: لباب التأويل، الخازن ١/٣٠٧.
8 مجموع فتاوى ابن تيمية ١٥/١٥٧.
9 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب لا تؤخذ كرائم أموال الناس في الصدقة، ٢/١١٩، رقم ١٧٥٤.
10 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص ٢٥٧-٢٦٠.
11 انظر: معجم اللغة العربية المعاصرة، أحمد مختار ١/٧٤٧.
12 مقاييس اللغة، ابن فارس ٦/٤٢.
13 تهذيب اللغة، الأزهري ٦/٢٠١.
14 التعريفات، الجرجاني ص٣١٩.
15 مقاييس اللغة، ابن فارس ٦/١٢٦.
16 المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ٢/١٠٤٣.
17 جامع البيان، الطبري ٤/٣٧١.
18 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٢٣٤.
19 معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ١/٢٩٦.
20 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٣/١٩٩.
21 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٠٩٠.
22 لطائف الإشارات، القشيري ٢/٢٤٢.
23 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٤/٢٠٣.
24 محاسن التأويل، القاسمي ٢/٤٣١.
25 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٤٥.
26 جامع البيان، الطبري ٤/٣٧١.
27 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ٢٣٤.
28 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ١/٢٤٠.
29 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاعتصام، باب الاقتداء بسنن رسول الله، ٩/٩٣، رقم ٧٢٨٠.
30 جامع البيان، الطبري ١٥/٥٩.
31 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٣٦٢.
32 في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/١٧٧٥.
33 انظر: صفة الجنة في القرآن الكريم، عبدالحليم السلفي ص٣١.
34 فتح القدير، الشوكاني ٤/٧٦.
35 جامع البيان، الطبري ٢١/٤٧٦.
36 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب حور مقصورات، ٦/١٥٤، رقم ٤٨٧٩.
37 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٤٦٢.
38 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٧٥٧.
39 في ظلال القرآن، سيد قطب ١/٤٩.
40 انظر: عقيدة التوحيد في القرآن الكريم، محمد ملكاوي ١/٦١.
41 مفاتح الغيب، الرازي ١١/٢٢١.
42 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٣٦٩.
43 انظر: معالم الدعوة في قصص القرآن، الديلمي ١/٦٤.
44 محاسن التأويل، القاسمي ٢/٣٧.
45 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٨٧.
46 العذب النمير، الشنقيطي ١/٢٣٤.
47 محاسن التأويل، القاسمي ٤/٣٩٦.
48 في ظلال القرآن، سيد قطب ٢/١١٦٩.
49 محاسن التأويل، القاسمي ٥/٢٤١.
50 فتح القدير، الشوكاني ٢/٣١٦.
51 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٢٤٥.
52 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥٤٦.
53 معالم التنزيل، البغوي ٥/٤٠٠.
54 جامع البيان، الطبري ١٨/٦٨٥.
55 انظر: مدارج السالكين، ابن القيم ٢/٩٢.
56 أخرجه أحمد في مسنده، ٢١/٦٠، رقم ١٣٣٥٠، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١١٤٥، رقم ٦٧٦٦.
57 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٢٨٦.
58 فتح القدير، الشوكاني ٤/٥٥٦.
59 جامع البيان، الطبري ٢١/٤١٠.
60 انظر: منهج ابن القيم في الدعوة، أحمد الخلف ١/٢٤٦.
61 العذب النمير، الشنقيطي ٢/٦٢.
62 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٣٦٢.
63 جامع البيان، الطبري ٢١/٤١١.
64 أنوار التنزيل، البيضاوي ٥/٦٢.
65 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٧٤٢.
66 انظر: منهج ابن القيم في الدعوة، أحمد الخلف ١/٢٤٦.
67 التفسير القيم، ابن القيم ص ٤٨٦.
68 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة، باب فضل الرفق، ٤/٢٠٠٣، رقم ٢٥٩٣.
69 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة، باب فضل الرفق، ٤/٢٠٠٣، رقم ٢٥٩٣.
70 فتح القدير، الشوكاني ٣/٣٤٢.
71 مفاتح الغيب، الرازي ٢٨/٢٩.
72 في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/٢٣٧٤.
73 المصدر السابق ١/٤٠٥.
74 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص١٣٣.
75 العذب النمير، الشنقيطي ٢/٨٦.
76 جامع البيان، الطبري ٢١/٤٧١.
77 محاسن التأويل، القاسمي ٤/٤٣٥.
78 جامع البيان، الطبري ٢٢/١٤٥.
79 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٣٣١.
80 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٢٨١٤.
81 انظر: منهج ابن القيم في الدعوة، أحمد الخلف ١/٢٦٤.
82 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤٠.
83 محاسن التأويل، القاسمي ١/٣٦٩.
84 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٨٧.
85 جامع البيان، الطبري ٩/٣١٢.
86 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٢٤٥.
87 محاسن التأويل، القاسمي ٣/١٨.
88 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٧٩.
89 معالم التنزيل، البغوي ٧/١١١.
90 تيسير الكريم الرحمن ص٧٢٠.
91 الفتاوى الكبرى، ابن تيمية ٥/١٥٤.
92 العذب النمير، الشنقيطي ٣/ ٣٩٨.
93 جامع البيان، الطبري ١٣/٤٦٥.
94 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٣١٢.
95 محاسن التأويل، القاسمي ٨/٨٤.
96 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٢٨٢٥.
97 انظر: معالم الدعوة، الديلمي ١/٢٩٩.
98 انظر منهج ابن القيم، أحمد الخلف ١/٣٣٦.
99 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٢٠٣.
100 العذب النمير، الشنقيطي ٤/٤٢٦.
101 انظر: منهج ابن القيم في الدعوة، أحمد الخلف ١/٣٠١-٣٠٧.
102 جامع البيان، الطبري ٤/٣٧١.
103 في ظلال القرآن، سيد قطب ١/٤٤٤.
104 محاسن التأويل، القاسمي ٥/٢٣٧.
105 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٢٣.
106 فتح القدير، الشوكاني ٢/١٧٢.
107 العذب النمير، الشنقيطي ١/٢٣٣.
108 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٢٤٠.
109 انظر: الكشاف الزمخشري ٤/٢٩٥، أنوار التنزيل، البيضاوي ٥/١١١.
110 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٢٧٤.
111 أخرجه البخاري في صيححه، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي، ١/٨، رقم ٧.
112 جامع البيان، الطبري ٧/٤٨٢.
113 في ظلال القرآن، سيد قطب ١/٥٤٧.
114 العذب النمير، الشنقيطي ١/١٩٤.
115 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٢٠١.
116 جامع البيان، الطبري ١٦/٥٦١.
117 مفاتح الغيب، الرازي ١٩/٨٦.
118 الكشاف، الزمخشري ٣/٢٨٢.
119 معالم الدعوة، الديلمي ٢/٧٢٦.
120 المصدر السابق ٢/٧٧١.
121 مباحث في علوم القرآن، مناع القطان ص٣١٧.
122 أخرجه أحمد في مسنده، ٢٨/٣٧٩، رقم ١٧١٥٠، عن عرباض بن سارية.
وضعفه الألباني في ضعيف الجامع، ص٣٠٥، رقم ٢٠٩١.
123 معالم الدعوة، الديلمي ١/٦٣.
124 انظر: أساليب الدعوة، عبدالكريم زيدان ص٤٢٣.
125 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٢٤٢.
126 الكشاف، الزمخشري ٣/٤٤٥.
127 في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/١٨١١.
128 جامع البيان، الطبري ١٥/٣٢١.
129 مفاتيح الغيب، الرازي ١٧/٣٥١.
130 قصص الأنبياء، ابن كثير ١/١٠٣.
131 محاسن التأويل، القاسمي ٩/٣٢٣.
132 فتح القدير، الشوكاني ٥/٣٥٦.
133 أضواء البيان، الشنقيطي ٨/٣٠٦.
134 في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/٣٧٠٧.
135 منهج الأنبياء في الدعوة، محمد سرور ص٥٦.
136 محاسن التأويل، القاسمي ١/٤٠٠.
137 جامع البيان، الطبري ٣/٩١.
138 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٥٢٥.
139 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٥٢٥.
140 ووردت مثل هذه الآيات في سورة الصافات برقم ٨٣- ١١١.
141 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٢٦٢.
142 مفاتيح الغيب، الرازي ١٣/١٧٨.
143 في ظلال القرآن، سيد قطب ٢/١١٤٢.
144 انظر: أصول الدعوة، عبدالكريم زيدان ص٤٨٢.
145 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٣٠٥.
146 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥٢٥.
147 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٣٨٧.
148 محاسن التأويل، القاسمي ٧/٩٩.
149 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٣٢١١.
150 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤٩٤.
151 أضواء البيان، الشنقيطي ٣/٤٢٣.
152 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٤١٠.
153 جامع البيان، الطبري ١٨/٢٨٣.
154 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥٠٤.
155 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٦/٢١٠.
156 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١١/١٩٢.
157 أضواء البيان، الشنقيطي ٤/١٥.
158 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٤٠٨.
159 جامع البيان، الطبري ١٩/٣٤٤.
160 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٢٥٩٢، وذكر كلامًا مهمًّا عند تفسير هذه المحاورة بين موسى وفرعون.
161 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/١٦٤.
162 محاسن التأويل، القاسمي ٥/١٨٤.
163 أضواء البيان، الشنقيطي ٤/٧٩.
164 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٩/١١٤.
165 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٦٧.
166 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥٤.
167 فتح القدير، الشوكاني ١/١١٤.
168 انظر: منهج النبي في الدعوة، محمد أمحزون ص٣٥٦.
169 محاسن التأويل، القاسمي ٧/٣٤.
170 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤٧٦.
171 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٢٧١.
172 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٩٣.
173 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٢٩٦٤.
174 فتح القدير، الشوكاني ٤/٥٦٥.
175 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٣٠٨٣.
176 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٨٧٣.
177 جامع البيان، الطبري ٢٢/١٤١.
178 محاسن التأويل، القاسمي ٩/٣٢٨.
179 الكشاف، الزمخشري ٤/٦٢٣.
180 في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/٣٧٢٠.
181 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٨٩٠.
182 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٩/٢١٧.
183 الموسوعة القرآنية، جعفر شرف الدين ١٠/١٦٩.