عناصر الموضوع
الخير
أولًا: المعنى اللغوي:
تدل مادة (خير) على العطف والميل، فكل أحد يميل إلى الخير، ويعطف على صاحبه1.
والخير ضد الشر، وجمعه خيور، ويقال: رجلٌ خَيْرٌ وخَيِّرٌ -مشدّد ومخفّف-، أي: فاضل، والجمع أخيارٌ، وخيارٌ، والخيرات جمع خيرةٍ، وهي الفاضلة من كل شيء2.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
لا يختلف عن معناه اللغوي، فهو يطلق على «ما يرغب فيه كل الناس، كالعقل، والعدل، والفضل، والشيء النافع»3.
كما يصدق الخير أيضًا على كل ما يتقرّب به العبد إلى الله تعالى من فعل الطاعات، والبعد عن المعاصي والسيئات، لذا قيل في تعريفه: هو إتيان ما يوجب الثواب الجزيل، ويجنب العقاب الأليم4.
وردت مادة (خير) في القرآن الكريم (١٩٦) مرة، يخص موضوع البحث منها (١٨٨) مرة5.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
المصدر |
١٧٦ |
(ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [آل عمران:٢٦] |
الأسماء |
١٢ |
(ﭯ ﭰ) [البقرة:١٤٨] |
وأطلق الخير في القرآن الكريم على أربعة أوجه6:
الأول: كل ما هو طيب وممدوح ومرغوب فيه، ويشمل العافية والسعة والنفع والأجر وغير ذلك: ومنه قوله تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ)[الحج:٣٦]، أي: لكم في البدن منافع كثيرة في الدنيا، والأجر في الآخرة إذا تقربتم إلى الله بذبحها.
الثاني: الإسلام أو القرآن: ومنه قوله تعالى: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [البقرة: ١٠٥].
الثالث: المال: ومنه قوله تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [البقرة:١٨٠] أي: إن ترك مالًا.
الرابع: الأفضل: ومنه قوله تعالى: (ﭐﱉﱊﱋﱌ) [الأعراف:١٢] أي: أنا أفضل منه.
البر:
البرّ لغة:
الاتساع في الإحسان والزيادة فيه إلى الناس، ويقال: أبر على صاحبه في كذا، أي: زاد عليه7، وأصل معنى البر السعة، ومنه أخذ البر مقابل البحر، ثم شاع في الشفقة والإحسان والصلة8.
البر اصطلاحًا:
قال الطبري: «كل طاعة لله تعالى تسمّى برًّا»9، وقال الزمخشري: «البرّ سعة الخير والمعروف، ومنه البر، لسعته، ويتناول كل خير. ومنه قولهم: صدقت وبررت»10. وقيل: هو اسم جامع لكل خير11.
الصلة بين البر والخير:
يشترك لفظ البر مع لفظ الخير في معان كثيرة، وبينهما فروق منها: «أن الخير يقابله الشر، والبر يقابله العقوق، ومنها: أن البر هو الخير الواصل إلى الغير، مع القصد إلى ذلك، أما الخير فمطلق سواء كان عن قصد أو غير قصد، حتى لو وقع عن سهو لم يخرج عن استحقاق الصفة به»12.
النعمة:
النعمة لغة:
قال ابن فارس: «النعمة: المنة، وكذلك النعماء. والنعمة: المال، يقال: هو واسع النعمة»13، يقال: نَعِمَ يَنْعَمُ نَعْمَةً، ونِعمة العيش: حُسْنه، ونعمة الله: مَنُّه وعطاؤه، ومنه قوله تعالى: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [لقمان: ٢٠]14.
النّعمة اصطلاحًا:
الحالة الحسنة15. وهي في أصل وضعها الحالة الّتي يستلذها الإنسان16.
الصلة بين النعمة والخير:
أنها سبيل إليه، فنعمة المال سبيل للإنفاق منه في وجوه الخير، ونعمة الصحة سبيل للقيام بواجبات العبودية لله تعالى من صلاة وصيام وحج وهكذا. وقد ذكر أبو هلال العسكري الفرق بين لفظ الخير ولفظ النعمة، فقال: «والفرق بينها: أي: النعمة وبين الخير، أن الإنسان يجوز أن يفعل بنفسه الخير كما يجوز أن ينفعها، ولا يجوز أن ينعم عليها»17.
من الحقائق الثابتة التي لا مراء فيها أن الله تعالى خالق كل شيء، وهو خالق الخير يهدي إليه من يشاء من خلقه، ولا يعلم حقيقة الخير إلا الله. والناظر في القرآن الكريم يجد أن لفظ الخير ورد في بعض الآيات مقرونًا ببعض أسماء الله تعالى وصفاته: كـ (ﭣ ﭤ)، و(ﰇ ﰈ) ونحوهما، كما أن هناك ميادين كثيرة للخير: كالإيمان، والعبادات، والأخلاق؛ وضّحها القرآن الكريم ليرشد المسلمين إليها. والحديث حول هذا الموضوع يشتمل على ما يأتي:
أولًا: مصدر الخير:
مصدر الخير هو الله سبحانه وتعالى فهو الذي خلقه ويسّره لأهله، قال تعالى: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [الفرقان: ٢].
فالخير بيد الله تعالى هو خالقه وملهمه، قال تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [آل عمران: ٢٦].
قال صاحب الكشاف: «فإن قلت: كيف قال: (ﮚ ﮛ) فذكر الخير دون الشر؟ قلت: لأنّ الكلام إنما وقع في الخير الذي يسوقه إلى المؤمنين، وهو الذي أنكرته الكفرة، فقال: بيدك الخير تؤتيه أولياءك على رغم من أعدائك، ولأن كل أفعال اللّه تعالى من نافع وضارّ صادر عن الحكمة والمصلحة، فهو خير كله، كإيتاء الملك ونزعه»18.
وقال الفخر: «والألف واللام في الخير يوجبان العموم، فالمعنى: بقدرتك تحصل كلّ البركات والخيرات، وأيضًا فقوله: (ﮚ ﮛ) يفيد الحصر، كأنّه قال بيدك الخير لا بيد غيرك»19.
ومما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في افتتاح الصلاة بعد التكبير وقبل القراءة: (اللّهمّ أنت الملك لا إله إلاّ أنت، أنت ربّي وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي إنّه لا يغفر الذّنوب إلاّ أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلاّ أنت، واصرف عنّي سيّئها إنّه لا يصرف سيّئها إلاّ أنت، لبّيك وسعديك، والخير بيديك، أستغفرك وأتوب إليك، لا منجا منك إلاّ إليك)20.
ثانيًا: الخير في أسماء الله وصفاته:
اقترن الخير في مواضع من القرآن الكريم بأسماء الله تعالى وصفاته، كـ (ﭣ ﭤ) ونحوه. ومعلوم أن أفعل التفضيل هنا ليس على بابه، بل من قبيل قوله تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [الروم: ٢٧].
وبيان ذلك كما يأتي:
١. خير الناصرين.
ومعناه في حق الله تعالى أنه سبحانه ينصر من يستنصره، ويجازيه على استنصاره به21.
وورد هذا الوصف في القرآن مرةً واحدةً، وذلك في قـوله: (ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [آل عمران: ١٥٠].
قال الفخر: «وإنّما كان تعالى خير النّاصرين؛ لأنّه تعالى هو القادر على نصرتك في كلّ ما تريد، والعالم الّذي لا يخفى عليه دعاؤك وتضرّعك، والكريم الّذي لا يبخل في جوده، ونصرة العبيد بعضهم لبعضٍ بخلاف ذلك في كلّ هذه الوجوه، واعلم أنّ قوله: (ﭢ ﭣ ﭤ) ظاهره يقتضي أن يكون من جنس سائر النّاصرين وهو منزّهٌ عن ذلك، لكنّه ورد الكلام على حسب تعارفهم»22.
وقال الألوسي: «وهو خير النّاصرين؛ لأنه القوي الذي لا يغلب، والناصر في الحقيقة فينبغي أن يخص بالطاعة والاستعانة»23، فالله سبحانه هو الغالب الذي لا يغلب جنده وصاحب القدرة المطلقة، فلا نصر إلا منه تعالى، ومهما بلغت قوة العدو وعدته وعتاده، فلا قيمة لكل ذلك أمام قدرة الله تعالى، نصر رسوله صلى الله عليه وسلم في هجرته وهزم الأحزاب وحده.
قال تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [التوبة: ٤٠].
وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (لا إله إلاّ الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده)24.
٢. خير الرازقين.
وهذا الوصف معناه في حق الله تعالى: «أنّه سبحانه مختصٌّ بأن يرزق ما لا يقدر عليه غيره، وأنه تعالى هو الأصل في الرزق»25.
وقد ورد هذا الوصف في خمسة مواضع من القرآن، منها قوله تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [المائدة: ١١٤].
أي: أعطنا من عطائك؛ فإنك يا رب خير من يعطي، وأجود من تفضّل26.
ومنها قوله تعالى: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋﮌ ﮍ ﮎ) [الجمعة: ١١].
قال ابن الجوزي في تفسيرها: «واللّه خير الرّازقين؛ لأنه يرزق من يؤمن به ويعبده، ومن يكفر به ويجحده، فهو يعطي من سأل ويبتدئ من لا يسأل، وغيره إنما يرزق من يرجو منفعته، ويقبل على خدمته»27.
وقال ابن عاشور: «وذيّل الكلام بقوله: (ﮌ ﮍ ﮎ)؛ لأنّ اللّه يرزق الرّزق لمن يرضى عنه سليمًا من الأكدار والآثام؛ ولأنّه يرزق خير الدّنيا وخير الآخرة، وليس غير اللّه قادرًا على ذلك، والنّاس في هذا المقام درجاتٌ لا يعلمها إلّا اللّه، وهو العالم بالسّرائر»28.
٣. خير الفاصلين.
وهو من الفصل في الخصومات، ومعناه في حق الله تعالى أنه سبحانه خير من يفصل ويحكم بين الخلق كلهم.
قال الراغب: «الفصل: إبانة أحد الشيئين عن الآخر حتى يكون بينهما فرجة، وسمّي يوم القيامة يوم الفصل؛ لأنّه يبيّن الحق من الباطل، ويفصل بين الناس بالحكم، وفصل الخطاب ما فيه قطع الحكم»29.
وورد هذا الوصف مرةً واحدةً في القرآن في قوله تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [الأنعام: ٥٧].
ومعنى الآية: «أنه هو خير من بيّن وميّز بين المحق والمبطل وأعدلهم؛ لأنه لا يقع في حكمه وقضائه حيف إلى أحد لوسيلة له إليه، ولا لقرابة ولا مناسبة، ولا في قضائه جور؛ لأنه لا يأخذ الرشوة في الأحكام فيجور، فهو أعدل الحكام وخير الفاصلين»30.
قال صاحب الكشاف: «يقصّ الحقّ: أي: القضاء الحق، وهو خير الفاصلين: أي: القاضين»31.
٤. خير الحاكمين.
ومعناه في حق الله تعالى أنه سبحانه أفضل من يحكم بين الناس. وورد هذا الوصف في ثلاثة مواضع من القرآن، منها قوله تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [الأعراف: ٨٧].
قال الطبري: «والله خير من يفصل وأعدل من يقضي؛ لأنه لا يقع في حكمه ميلٌ إلى أحد ولا محاباة لأحد»32.
٥. خير الفاتحين.
قال الراغب: «الفتح: إزالة الإغلاق والإشكال، فتح القضيّة فتاحًا: أي: فصل الأمر فيها، وأزال الإغلاق عنها، والفاتح والفتّاح القاضي بلغة حمير»33.
ومعناه في حق الله تعالى هنا أنه تعالى خير القاضين. وورد هذا الوصف في موضع واحد من القرآن هو قوله تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [الأعراف: ٨٩].
قال ابن عاشور: «فسّروا الفتح هنا بالقضاء والحكم»34.
وبذلك يعلم أنّه تعالى خير الفاتحين، أي: خير الحاكمين؛ لأنّ حكمه هو العدل والقسط، وعلمه هو النافذ غير الخاطئ أبدًا، بخلاف حكم الآخرين، فهم بين حاكم عادل أو جائر، ومصيب أو مخطئ.
٦. خير الغافرين.
قال صاحب اللسان: «الغفور الغفّار جلّ ثناؤه وهما من أبنية المبالغة، ومعناهما: الساتر لذنوب عباده، المتجاوز عن خطاياهم وذنوبهم»35.
قال الفخر: «خير الغافرين، معناه: أنّ كلّ من سواك فإنّما يتجاوز عن الذّنب: إمّا طلبًا للثّناء الجميل، أو للثّواب الجزيل، أو دفعًا للرّبقة الخسيسة عن القلب؛ وبالجملة فذلك الغفران يكون لطلب نفعٍ، أو لدفع ضررٍ، أمّا أنت فتغفر ذنوب عبادك لا لطلب عوضٍ وغرضٍ، بل لمحض الفضل والكرم، فوجب القطع بكونه خير الغافرين»36.
وورد هذا الوصف في القرآن مرّةً واحدةً في قوله تعالى: (ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) [الأعراف: ١٥٥].
ومعنى الآية كما قال الطبري: «(ﰂ ﰃ)، أي: فاستر علينا ذنوبنا بتركك عقابنا عليها، (ﰄ) تعطف علينا برحمتك، (ﰆ ﰇ ﰈ)، أي: أنت خير من صفح عن جرم، وستر على ذنب»37.
٧. خير الماكرين.
قال الراغب: «المكر: صرف الغير عمّا يقصده بحيلة، وذلك ضربان: مكر محمود، وهو أن يتحرّى بذلك فعل جميل، ومذموم، وهو أن يتحرّى به فعل قبيح»38.
وقد ورد هذا الوصف في موضعين من القرآن:
الأول: في قوله تعالى: (ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [آل عمران: ٥٤].
والثاني: في قوله: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [الأنفال: ٣٠].
وقد اتّفق المفسّرون على أنّ المراد من مكره سبحانه هو المجازاة على مكرهم.
قال ابن عاشور: «ومعنى: (ﮟ ﮠ ﮡ)، أي: أقواهم عند إرادة مقابلة مكرهم بخذلانه إيّاهم. ويجوز أن يكون معنى (ﮠ ﮡ): أنّ الإملاء والاستدراج الّذي يقدّره للفجّار والجبابرة والمنافقين الشّبيه بالمكر في أنّه حسن الظّاهر سيّئ العاقبة، هو خيرٌ محضٌ لا يترتّب عليه إلّا الصّلاح العامّ، وإن كان يؤذي شخصًا أو أشخاصًا، فهو من هذه الجهة مجرّدٌ عمّا في المكر من القبح، ولذلك كانت أفعاله تعالى منزّهةً عن الوصف بالقبح أو الشّناعة؛ لأنّها لا تقارنها الأحوال الّتي بها تقبّح بعض أفعال العباد من دلالةٍ على سفاهة رأيٍ، أو سوء طويّةٍ، أو جبنٍ، أو ضعفٍ، أو طمعٍ، أو نحو ذلك، أي: فإن كان في المكر قبحٌ فمكر اللّه خيرٌ محضٌ، ولك على هذا الوجه أن تجعل (ﮠ) بمعنى التّفضيل وبدونه»39.
٨. خيرٌ حافظًا.
«الحفظ له معنى واحد يدل على مراعاة الشيء، والتحفّظ: قلّة الغفلة، والحفاظ: المحافظة على الأمور. والحفيظ: الموكّل بالشّيء يحفظه، كالحافظ»40.
ورد هذا الوصف في القرآن مرةً واحدةً في قوله تعالى: (ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [يوسف: ٦٤].
والآية تحكي ما قاله يعقوب عليه السلام لأبنائه عندما طلبوا منه أن يأخذوا أخاهم للملك؛ ليأذن لهم في الكيل.
ومعنى الآية كما قال ابن عاشور: «أي: خيرٌ حفظًا منكم؛ فإن حفظه اللّه سلم، وإن لم يحفظه لم يسلم، كما لم يسلم أخوه من قبل حين أمنتكم عليه»41.
٩- خير الوارثين.
قال في اللسان: «الوارث صفة من صفات الله عز وجل وهو الباقي الدائم الذي يرث الخلائق ويبقى بعد فنائهم، والله عز وجل يرث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين، أي: يبقى بعد فناء الكل ويفنى من سواه؛ فيرجع ما كان ملك العباد إليه وحده لا شريك له»42.
وورد هذا الوصف في القرآن أيضًا مرةً واحدةً في قوله تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [الأنبياء: ٨٩].
قال البغوي: «(ﯙ ﯚ ﯛ): ثناءٌ على اللّه بأنّه الباقي بعد فناء الخلق، وأنّه أفضل من بقي حيًّا»43.
١٠. خير المنزلين.
قال الفخر: «الإنزال في الأمكنة قد يقع من غير اللّه، كما يقع من اللّه تعالى وإن كان هو سبحانه خير من أنزل؛ لأنّه يحفظ من أنزله في سائر أحواله، ويدفع عنه المكاره بحسب ما يقتضيه الحكم والحكمة»44.
ورد هذا على أنه صفة لله تعالى مرةً واحدةً في القرآن في قوله تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [المؤمنون: ٢٩].
قال الطبري في تفسير هذه الآية: «يقول تعالى ذكره لنبيه نوح عليه السلام: وقل إذا سلّمك الله، وأخرجك من الفلك، فنزلت عنها: (ﭢ ﭣ ﭤ) من الأرض (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ): أنت خير من أنزل عباده المنازل»45.
وفي هذه الآية توجيه من الله تعالى لنبيه نوح عليه السلام أن يطلب من الله تعالى أن يتفضّل عليه بإنزاله منزلًا مباركًا، بأن يكون ذات ماء وشجر، أو غير ذلك ممّا يمهّد الحياة.
وورد قوله تعالى: (ﭧ ﭨ) مرةً واحدةً أيضًا في شأن يوسف عليه السلام حينما قال لإخوته -فيما حكى القرآن-: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [يوسف: ٥٩]، أي: خير المضيفين، «وعدهم بأن يوفي لهم الكيل، ويكرم ضيافتهم، إن أتوا بأخيهم»46.
١١. خير الراحمين.
قال صاحب اللسان: «الرحمة: الرّقّة والتّعطّف، والرحمة: المغفرة، والرّحمة في بني آدم عند العرب: رقّة القلب وعطفـه، ورحمة الله: عطفه وإحسانه ورزقه»47.
ورد هذا الوصف في القرآن مرتين:
الأولى: في قوله تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [المؤمنون: ١٠٩].
والثانية: في قوله تعالى: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [المؤمنون: ١١٨].
أي: أنت يا ربّ خير من رحم ذا ذنب، فقبل توبته، ولم يعاقبه على ذنبه48.
ثالثًا: حقيقة الخير لا يعلمها إلا الله:
إن الخير بيد الله تعالى فهو سبحانه خالقه وملهمه ولا يعلم حقيقته إلا هو، فقد يقع للإنسان شيء من الأقدار المؤلمة والمصائب الموجعة التي تكرهها نفسه، فربما جزع أو أصابه الحزن وظنّ أن ذلك المقدور هو الضربة القاضية والفاجعة المهلكة لآماله وحياته، فإذا بذلك المقدور منحة من الله في ثوب محنة، وعطية منه تعالى في رداء بليّة، وكم أتى نفع الإنسان من حيث لا يحتسب، والعكس صحيح، فكم من إنسان سعى إلى شيءٍ ظاهره الخير، واستمات في سبيل الحصول عليه، وبذل الغالي والنفيس من أجل الوصول إليه، فإذا بالأمر يأتي على خلاف ما يريد.
وهذا هو ما يقرره القرآن الكريم في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [البقرة: ٢١٦].
والآية وإن كانت ورادة في شأن القتال والجهاد إلا أن العبرة بعموم اللفظ.
ومعنى الآية: «عسى أن تكرهوا ما في الجهاد من المشقة (ﭜ ﭝ ﭞ) في أنكم تغلبون وتظهرون وتغنمون وتؤجرون، ومن مات مات شهيدًا، (ﭠ ﭡ ﭢ) الدعة وترك القتال (ﭤ ﭥ ﭦ) في أنكم تغلبون وتذلّون ويذهب أمركم، (ﭨ ﭩ) ما يصلحكم وما هو خير لكم (ﭪ ﭫ ﭬ) ذلك»49.
وكذلك قوله تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [النساء: ١٩].
والآية ورادة في كراهية الرجل لزوجته، والمعنى: «فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله في ذلك الشيء الذي تكرهونه خيرًا كثيرًا، والمراد بالخير الكثير -كما فسره ابن عباس- أن يعطف عليها فيرزق الرجل ولدها، ويجعل الله في ولدها خيرًا كثيرًا»50.
وفي القرآن الكريم شواهد كثيرة تدل على ذلك، منها قصة الغلام الذي قتله الخضر عليه السلام بأمر من الله تعالى ؛ فإنه علّل قتله إياه بقوله: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [الكهف: ٨٠-٨١].
قال الطبري: «وأما الغلام، فإنه كان كافرًا، وكان أبواه مؤمنين، فعلمنا أنه يرهقهما. يقول: يغشيهما طغيانًا -وهو الاستكبار على الله- وكفرًا به. وعن قتادة أنه ذكر الغلام الذي قتله الخضر، فقال: قد فرح به أبواه حين ولد وحزنا عليه حين قتل، ولو بقي كان فيه هلاكهما، فليرض امرؤ بقضاء الله، فإن قضاء الله للمؤمن فيما يكره خير له من قضائه فيما يحب، وقوله: (ﯕ ﯖ ﯗ) يقول: خيرًا من الغلام الذي قتله صلاحًا ودينًا»51.
ومنها كذلك قصة أم موسى عندما ألقته في اليمِّ بأمر من الله تعالى، فظاهره شر، ولكنه خير لنجاة موسى عليه السلام وهو طفل، من بطش فرعون.
قال تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [القصص: ٧].
والوحي هنا وحي إلهام لا وحي نبوة، قال قتادة: قذفنا في قلبها (ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ)، يعني: من الذبح (ﭨ ﭩ ﭪ)، أي: البحر، (ﭫ ﭬ) عليه من الغرق أو من الضيعة، (ﭭ ﭮ) على فراقه (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ)52.
للخير ميادين كثيرة، دل عليها القرآن الكريم، وأرشد المسلمين إليها وأمرهم بها؛ ليحصل لهم بسببها الفوز والفلاح، والسعادة في الدنيا والآخرة، كدعوته إلى الإيمان والتقوى، والطاعة والعبادة، والأخلاق الفاضلة وحسن المعاملة، إلى غير ذلك من الميادين الكثيرة التي أرشد إليها القرآن الكريم، والحديث حول هذا الموضوع يتضمن ما يأتي:
أولًا: الإيمان:
الإيمان من أعظم ميادين الخير التي أرشد إليها القرآن الكريم.
قال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [البقرة: ٢٨٥].
«وقد اتّفق أهل العلم من اللّغويّين وغيرهم على أن الإيمان معناه التصديق»53.
أما معناه الشرعي فهو كما بينه النبي صلى الله عليه وسلم عندما سأله جبريل: ما الإيمان؟ فقال: (الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره)54.
وقد أمر الله به الناس جميعًا، فقال تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [النساء: ١٧٠].
ومعنى الآية: «(ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ)، يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم، (ﯬ ﯭ ﯮ)، يقول: بالإسلام الذي ارتضاه الله لعباده دينًا، (ﯭ ﯮ)، يعني: من عند ربكم، (ﯯ ﯰ ﯱ)، يقول: فصدّقوه وصدّقوا بما جاءكم به من عند ربكم من الدين؛ فإن الإيمان بذلك خير لكم من الكفر به، (ﯳ ﯴ)، يقول: وإن تجحدوا رسالته وتكذّبوا به وبما جاءكم به من عند ربكم، فإن جحودكم ذلك وتكذيبكم به، لن يضرّ غيركم»55.
فالإيمان خير في الدنيا؛ لأنه تصديق بالله ورسوله، وخير في الآخرة؛ لأنه أول وأهم سبب من أسباب دخول الجنة.
ولا بد أن يكون الإيمان مقرونًا بالعمل؛ لينفع صاحبه عند الله.
قال تعالى: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [الأنعام: ١٥٨].
والإيمان بالله وتوحيده هو دعوة الأنبياء جميعًا، ومنهم يوسف عليه السلام حينما قال لصاحبيه في السجن: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [يوسف: ٣٩].
ومن أعظم ميادين الخير أيضًا: التقوى، ومعناها إجمالًا: الائتمار بما أمر، والانتهاء عما نهى عنه وزجر. وهي من مستلزمات الإيمان، قال تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [البقرة: ١٠٣].
قال ابن كثير: «ولو أنّهم -أي: اليهود- آمنوا باللّه ورسله واتّقوا المحارم، لكان مثوبة اللّه على ذلك خيرًا لهم ممّا استخاروا لأنفسهم ورضوا به»56.
وقال عز وجل: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [الأعراف: ٢٦].
والمراد بلباس التقوى، قيل: هو الإيمان، وقيل: هو العمل الصالح، وقيل: هو خشية الله، وقيل: السمت الحسن، وقيل: هو الورع، والكل محتمل.
قال في الكشاف: «وهذه الآية واردة على سبيل الاستطراد عقيب ذكر بدوّ السّوآت وخصف الورق عليها؛ إظهارًا للمنة فيما خلق من اللباس، ولما في العرى وكشف العورة من المهانة والفضيحة، وإشعارًا بأنّ التستر باب عظيم من أبواب التقوى»57.
وقال ابن عباس: «لباس التّقوى: العمل الصّالح، وقيل: هو السّمت الحسن، وقيل: هو العفاف والتّوحيد»58.
وقد أمر الله تعالى بالتزود منها فقال: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [البقرة: ١٩٧].
قال الفخر: «وتحقيق الكلام فيه أنّ الإنسان له سفران: سفرٌ في الدّنيا، وسفرٌ من الدّنيا، فالسّفر في الدّنيا لا بدّ له من زادٍ، وهو الطّعام والشّراب والمركب والمال، والسّفر من الدّنيا لا بدّ فيه أيضًا من زادٍ، وهو معرفة اللّه ومحبّته والإعراض عما سواه، وهذا الزاد خير من زاد الأوّل؛ لوجوهٍ:
الأول: أنّ زاد الدّنيا يخلّصك من عذابٍ موهومٍ، وزاد الآخرة يخلّصك من عذابٍ متيقّنٍ.
وثانيها: أنّ زاد الدّنيا يخلّصك من عذابٍ منقطعٍ، وزاد الآخرة يخلّصك من عذابٍ دائمٍ.
وثالثها: أنّ زاد الدّنيا يوصلك إلى لذّةٍ ممزوجةٍ بالآلام والأسقام والبليّات، وزاد الآخرة يوصلك إلى لذّاتٍ باقيةٍ خالصةٍ عن شوائب المضرّة، آمنةٍ من الانقطاع والزّوال.
ورابعها: أنّ زاد الدّنيا وهي كلّ ساعةٍ في الإدبار والانقضاء، وزاد الآخرة يوصلك إلى الآخرة، وهي كلّ ساعةٍ في الإقبال والقرب والوصول.
وخامسها: أنّ زاد الدّنيا يوصلك إلى منصّة الشّهوة والنّفس، وزاد الآخرة يوصلك إلى عتبة الجلال والقدس. فثبت بمجموع ما ذكرنا أنّ خير الزّاد التّقوى»59.
وقال تعالى: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [العنكبوت: ١٦].
أي: «اعبدوا الله دون غيره، واتقوا سخطه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه»60.
ومن مفاتيح الخير كذلك الانتهاء عن الكفر والشرك، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋﮌ ﮍ) [النساء: ١٧١].
وهذا نهي عن قول ذلك أو اعتقاده؛ لأنه كفر بوحدانية الواحد سبحانه، وقد سمّى الله هؤلاء كفارًا؛ لقولهم واعتقادهم ذلك، وتهددهم بالعذاب الأليم إن لم ينتهوا عنه.
قال تعالى: (ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [المائدة: ٧٣].
والانتهاء عن ذلك القول يكون بالتوبة والرجوع إلى الله عز وجل واعتقادهم وحدانيته، وإلاّ فالله ورسوله منهم براء.
قال تعالى: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ) [التوبة: ٣].
قال الطبري: «قوله تعالى: (ﭼ ﭽ) من كفركم -أيها المشركون- ورجعتم إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له دون الآلهة والأنداد، فالرجوع إلى ذلك (ﭿ ﮀ) من الإقامة على الشرك في الدنيا والآخرة»61.
وقال تعالى أيضًا: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [التوبة: ٧٤].
والآية الكريمة نزلت في المنافقين الذين حلفوا بالله كذبًا على كلمة كفر تكلموا بها أنهم لم يقولوها، ثم تأمرهم بالتوبة منها والرجوع عنها والندم على قولها، فذلك خير لهم من الاستمرار على ما هم عليه من الكفر والنفاق، وإن يتولوا ويدبروا عن التوبة ويصروا على كفرهم؛ فإنّ الله يعذبهم عذابًا أليمًا موجعًا في الدنيا والآخرة62.
وكلمة الخير في الآية تدل على أن توبتهم إلى الله أفضل مما هم عليه من كلمة الكفر، وهمّهم بما لم ينالوا ونقمتهم، فتكون توبتهم سببًا لنجاتهم من العذاب الذي يصيبهم إذا تولوا ولم يتوبوا ويرجعوا عن قولهم كلمة الكفر. قيل: نزلت في عبد الله بن أبيّ بن سلول.
فالتوبة كلها خير بالنسبة لمن يتوب من كفره وشركه ونفاقه؛ لأنه يعود إلى طريق الحق والإيمان، وخير لمن يتوب من ذنبه؛ لأنه يعود إلى رشده وصوابه، والعمل بطاعة ربه، وإتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وقـد قال صلى الله عليه وسلم: (كلّ بني آدم خطّاءٌ، وخير الخطائين التّوّابون)63.
كما حثّ عليها بقوله صلى الله عليه وسلم: (يا أيّها النّاس توبوا إلى الله، فإنّي أتوب إليه في اليوم مائة مرّةٍ)64.
ثانيًا: العبادة:
من ميادين الخير التي أرشد إليها القرآن: العبادات بأنواعها:
قال تعالى: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [البقرة: ١١٠].
ومعنى: (ﯓ ﯔ)، أي: حافظوا عليها؛ لتحفظكم، وتحصلوا الخير بسبب حفاظكم عليها.
وفي بيان ما يحصل للعبد من خيرات بسبب إقامتها، يقول الفخر: «واعلم أنّ حفظ الصّلاة للمصلّي على ثلاثة أوجهٍ:
الأول: أنّ الصّلاة تحفظه عن المعاصي، قال تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [العنكبوت: ٤٥].
فمن حفظ الصّلاة حفظته الصّلاة عن الفحشاء والمنكر.
والثاني: أنّ الصّلاة تحفظه من البلايا والمحن، قال تعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [البقرة: ١٥٣].
وقال تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [المائدة: ١٢].
ومعناه: إنّي معكم بالنّصرة والحفظ إن كنتم أقمتم الصّلاة وآتيتم الزّكاة.
والثالث: أنّ الصّلاة تحفظ صاحبها وتشفع لمصلّيها؛ ولأنّ الصّلاة فيها القراءة، والقرآن يشفع لقارئه، وهو شافعٌ مشفّعٌ »65.
وقال تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [المزمل: ٢٠].
«أي: وما تقدّموا -أيها المؤمنون- لأنفسكم في دار الدنيا من صدقة أو نفقة تنفقونها في سبيل الله، أو غير ذلك من نفقة في وجوه الخير، أو عمل بطاعة الله من صلاة أو صيام أو حجّ، أو غير ذلك من أعمال الخير في طلب ما عند الله، تجدوه عند الله يوم القيامة في معادكم، هو خيرًا لكم مما قدمتم في الدنيا وأعظم منه ثوابًا، أي: ثوابه أعظم من ذلك الذي قدّمتموه لولم تكونوا قدّمتموه»66.
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [الجمعة: ٩].
وهنا يرشد الله عباده إلى أن يمضوا إلى الصلاة عندما يسمعوا النداء ويتركوا البيع وكل ما يشغلهم عنها، وأن ذلك فيه الخير لهم وهو الثواب في الآخرة التي هي خير وأبقى.
قال تعالى: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [البقرة: ١٨٤].
قال الطبري: «والصواب من القول في ذلك عندنا أنّ الله عمّم بقوله: (ﮈ ﮉ ﮊ) فلم يخص بعض معاني الخير دون بعض، وعني بقوله: (ﮏ ﮐ) ما كتب عليكم من شهر رمضان هو خير لكم من أن تفطروه وتفدوا»67.
قال تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [البقرة: ١٥٨].
والمعنى: «ومن تطوع بالحج والعمرة بعد قضاء حجته الواجبة عليه فإن الله شاكرٌ له على تطوعه له بما تطوع به من ذلك ابتغاء وجهه، فمجازيه به عليمٌ بما قصد وأراد بتطّوعه بما تطوع به »68.
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [البقرة: ١٩٧].
قال الطبري: «أي: افعلوا -أيها المؤمنون- ما أمرتكم به في حجكم، من إتمام مناسككم فيه، وأداء فرضكم الواجب عليكم في إحرامكم، وتجنب ما أمرتكم بتجنبه من الرفث والفسوق في حجكم؛ لتستوجبوا به الثواب الجزيل»69.
والخير المترتب على الحج والعمرة كثير، ومنه تحصيل المنافع من الهدي والأضاحي المشار إليه بقوله تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [الحج: ٣٦].
أي: «لكم في البدن خير، والبدن: ما يساق من الإبل للهدي والنحر، وذلك الخير هو الأجر في الآخرة بنحرها والصدقة بها، وفي الدنيا الركوب إذا احتاج إلى ركوبها، وشرب لبنها»70.
والمراد بها ما يقدم من مال ونحوه؛ لتخليص أسير أو غيره.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [الأنفال: ٧٠].
والمعنى كما قال الطبري: «يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا أيها النبي، قل لمن في يديك وفي يدي أصحابك من أسرى المشركين الذين أخذ منهم من الفداء ما أخذ (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ)، يقول: إن يعلم الله في قلوبكم إسلامًا، (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) من الفداء، (ﭤ ﭥ) يقول: ويصفح لكم عن عقوبة جرمكم الذي اجترمتموه بقتالكم نبي الله وأصحابه، وكفركم بالله، (ﭧ ﭨ)، لذنوب عباده إذا تابوا، (ﭩ) بهم أن يعاقبهم عليها بعد التوبة»71.
والمراد بها ما ينفق في سبيل الله.
قال تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ) [البقرة: ٢١٥].
والمعنى: «يسألك أصحابك يا محمد: أي شيء ينفقون من أموالهم فيتصدقون به؟ وعلى من ينفقونه فيما ينفقونه ويتصدقون به؟ فقل لهم: ما أنفقتم من أموالكم وتصدقتم به، فأنفقوه وتصدقوا به واجعلوه لآبائكم وأمهاتكم وأقربيكم، ولليتامى منكم، والمساكين، وابن السبيل، فإنكم ما تأتوا من خير وتصنعوه إليهم فإن الله به عليم، وهو محصيه لكم حتى يوفّيكم أجوركم عليه يوم القيامة، ويثيبكم على ما أطعتموه بإحسانكم عليه. و(الخير) الذي قال جل ثناؤه في قوله: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ)، هو المال الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه من النفقة منه، فأجابهم الله عنه بما أجابهم به في هذه الآية»72.
وقد حثّ الله عباده المتصدقين على إخفاء الصدقات، وأن ذلك خير لهم من إعلانها؛ حتى لا يخالطهم العجب والرياء.
قال تعالى: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [البقرة: ٢٧١-٢٧٣].
وقد ذهب جمهور المفسرين إلى أن هذه الآية في صدقة التطوع، قال ابن عباس: «جعل الله صدقة السر في التطوع تفضل علانيتها، يقال بسبعين ضعفًا، وجعل صدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها، يقال: بخمسة وعشرين ضعفًا»73.
كما حثّ الله تعالى الموسرين أن يتصدقوا على المعسرين الذين استدانوا منهم، ولم يستطيعوا الوفاء؛ لفقر يلازمهم.
قال تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [البقرة: ٢٨٠].
أي: «إن كان المدين غير قادر على الأداء؛ لعسرة ملازمة له، فانتظار إلى وقت يتيسر فيه؛ فلا يزيد عليه ليرهقه فيعجز عن الوفاء، بل ينتظر حتى يجيء الوقت الذي يستطيع الأداء. والميسرة: هي حال اليسر، وليست مجرد اليسار، بل هي اليسار المستقر الثابت الذي يتمكن فيه المدين من وفاء دينه كله، أي أن الدائن ينتظر المدين حتى يقف من عثرة العسرة ويستقيم أمره، لا أن يترقب أيّ مال حتى يأخذه كما يأخذ الصائد قنيصته، وإذا ثبت العجز وتقرر، وأصبح احتمال اليسار غير قريب فتصدقوا بالدّين على صاحبه وأبرئوه منه؛ فإن ذلك يكون خيرًا لكم في الدنيا والآخرة: أما في الدنيا فلأنكم إذا فقدتم الأمل في الاستيفاء فكل جهد في سبيله ضائع، وكل تعقب في سبيله يورث الإحن من غير جدوى، ويثير الأحقاد المستمرة من غير فائدة، فيكون من الخير العفو والإبراء والإبقاء على الأخوة والعلاقات الاجتماعية، وأما في الآخرة فالنعيم المقيم»74.
وكان الله تعالى قد أمر المؤمنين أن يقدموا صدقة بين يدي مناجاتهم الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [المجادلة: ١٢].
إلا أن هذا الأمر قد نسخ بالآية بعدها. قاله ابن كثير وجمهور المفسرين.
وهي تمليك الغير عينًا أو دينًا أو منفعةً مضافًا إلى ما بعد الموت بطريق التبرع. قال تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [البقرة: ١٨٠].
والمعنى: فرض عليكم الوصية (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ)، والخير: المال، (ﯧ ﯨ) الذين لا يرثونه، (ﯩ): وهو ما أذن الله فيه وأجازه في الوصية مما لم يجاوز الثلث، ولم يتعمّد الموصي ظلم ورثته، (ﯫ ﯬ ﯭ)، يعني بذلك: فرض عليكم هذا وأوجبه، وجعله حقًّا واجبًا على من اتقى الله فأطاعه أن يعمل به. «وجمهور المفسرين على أن هذه الآية منسوخة بالمواريث»75.
حثّ القرآن على المحافظة على أموال اليتامى، وعدم إهدارها أو الاستيلاء عليها بغير وجه حق، ورغّب في تنميتها لهم، قال تعالى: (ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [البقرة: ٢٢٠].
والمعنى: «ويسألونك يا محمد عن مال اليتامى، وخلطهم أموالهم به في النفقة، والمطاعمة، والمشاربة، والمساكنة، والخدمة، فقل لهم: تفضّلكم عليهم بإصلاحكم أموالهم من غير أخذ عوض من أموالهم على إصلاحكم ذلك لهم، خيرٌ لكم عند الله، وأعظم لكم أجرًا؛ لما لكم في ذلك من الأجر والثواب، وخيرٌ لهم في أموالهم في عاجل دنياهم؛ لما في ذلك من توفر أموالهم عليهم»76.
قال تعالى: (ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ) [النساء: ٥٩].
والمعنى كما قال ابن كثير: «ردّوا الخصومات والجهالات إلى كتاب الله وسنة رسوله، فتحاكموا إليهما فيما شجر بينكم إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، فدلّ على أنّ من لم يتحاكم في مجال النّزاع إلى الكتاب والسّنّة، ولا يرجع إليهما في ذلك، فليس مؤمنًا باللّه ولا باليوم الآخر. وقوله: (ﰏ ﰐ)، أي: التّحاكم إلى كتاب اللّه وسنّة رسوله، والرّجوع في فصل النّزاع إليهما خيرٌ وأصلح لكم في دنياكم؛ لأن ذلك يدعوكم إلى الألفة، وترك التنازع والفرقة، (ﰑ ﰒ)، أي: وأحسن عاقبةً ومآلًا»77.
وهو من أفضل الأعمال، قال تعالى: (ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ) [آل عمران: ١٥٧].
قال الطبري: «يخاطب جل ثناؤه عباده المؤمنين، يقول لهم: لا تكونوا -أيها المؤمنون- في شك من أن الأمور كلها بيد الله، وأن إليه الإحياء والإماتة، كما شك المنافقون في ذلك، ولكن جاهدوا في سبيل الله وقاتلوا أعداء الله، على يقين منكم بأنه لا يقتل في حرب ولا يموت في سفر إلا من بلغ أجله، وحانت وفاته، ثم وعدهم على جهادهم في سبيله المغفرة والرحمة، وأخبرهم أن موتًا في سبيل الله وقتلًا في الله، خير لهم مما يجمعون في الدنيا من حطامها، ورغيد عيشها الذي من أجله يتثاقلون عن الجهاد في سبيل الله، ويتأخرون عن لقاء العدو»78.
وقد يكون القتال في سبيل الله فرض عين على كل حال، في اليسر والعسر، والغنى والفقر، والخفة والثقل، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [التوبة: ٤١].
وأصل النفر: الخروج إلى مكان لأمر واجب، والمراد هنا: الحث على الجهاد، والدعوة إليه عند غلبة العدو على بلد من بلاد المسلمين، أو مقاربته ديار الإسلام.
قال ابن كثير: «أمر اللّه تعالى بالنّفير العامّ مع الرّسول صلوات اللّه وسلامه عليه عام غزوة تبوك، لقتال أعداء اللّه من الرّوم الكفرة من أهل الكتاب، وحتّم على المؤمنين في الخروج معه على كلّ حالٍ، في المنشط والمكره، والعسر واليسر»79.
(ﭒ ﭓ)، أي: نشاطًا وغير نشاط، وقيل: أقوياء وضعفاء، كهولًا وشبانًا، في العسر واليسر، أو أغنياء وفقراء.
كما أن الجهاد تجارة تنجي صاحبها من العذاب الأليم، كما قال تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [الصف: ١٠ -١١].
قال الفخر: «وقوله تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ)، يعني: الّذي أمرتم به من الإيمان باللّه تعالى، والجهاد في سبيله، خيرٌ لكم من أن تتبّعوا أهواءكم »80.
وفي الآية إشارة إلى أن الجهاد يقتضي بذل الأموال والأنفس، قال ابن عاشور: «وإذ قد كان الخطاب لقومٍ مؤمنين فإنّ فعل (ﮫ ﮬ) مع (ﮮ) مرادٌ به: تجمعون بين الإيمان باللّه ورسوله، وبين الجهاد في سبيل اللّه بأموالكم وأنفسكم؛ تنويهًا بشأن الجهاد، وأمّا (ﮮ): فإنّه لإرادة تجدّد الجهاد إذا استنفروا إليه»81.
الابتلاء كما يكون بما تكرهه النفس، وهو الشر، كذلك يكون بما تحبه النفس، وهو الخير.
قال تعالى: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ) [الأنبياء: ٣٥].
وأصل البلاء في كلام العرب الاختبار والامتحان.
قال الطبري في معنى الآية: «أي: ونختبركم -أيها الناس- بالشر: وهو الشدة نبتليكم بها، وبالخير: وهو الرخاء والسعة العافية فنفتنكم به»82.
وقال الزمخشري: «أي: نختبركم بما يجب فيه الصبر من البلايا، وبما يجب فيه الشكر من النعم، وإلينا مرجعكم فنجازيكم على حسب ما يوجد منكم من الصبر أو الشكر»83.
ومن صور الابتلاء بالخير المذكورة في القرآن ما ورد في شأن الذين آتاهم الله مالًا فبخلوا به، ولم يؤدوا منه حقه، قال تعالى: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) [آل عمران: ١٨٠].
قال الفخر في المسألة الثانية من تفسير هذه الآية: «اعلم أنّ الآية دالّةٌ على ذمّ البخل بشيءٍ من الخيرات والمنافع، وذلك الخير يحتمل أن يكون مالًا، وأن يكون علمًا»84.
وعليه، فالآية تدل على أن الله آتاهم من فضله مالًا أو علمًا، ابتلاءً، أي: امتحانًا واختبارًا لهم هل يؤدون حقه -وهو الزكاة- أو لا؟
ومن الناس من إذا أنعم الله عليه بالخير ابتلاءًا له أمسكه وضنّ به، كما قال تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [المعارج: ٢١].
أي: «إذا كثر ماله، ونال الغنى فهو منوع لما في يده، بخيل به، لا ينفقه في طاعة الله، ولا يؤدّي حق الله منه»85.
ومن الخير: تعظيم حرمات الله، المشار إليه بقوله تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [الحج: ٣٠].
أي: «ومن يجتنب معاصيه ومحارمه، ويكون ارتكابها عظيمًا في نفسه، فهو خيرٌ له عند ربّه، أي: فله على ذلك خيرٌ كثيرٌ وثوابٌ جزيلٌ، فكما على فعل الطّاعات ثوابٌ جزيلٌ وأجرٌ كبيرٌ، فكذلك على ترك المحرّمات واجتناب المحظورات»86.
ونقل الطبري عن مجاهد قوله: «الحرمات: مكة والحجّ والعمرة، وما نهى الله عنه من معاصيه كلها».
ونقل عن ابن زيد قوله: «الحرمات: المشعر الحرام، والبيت الحرام، والمسجد الحرام، والبلد الحرام»87.
وقال الفخر: «والحرمة: ما لا يحلّ هتكه، وجميع ما كلّفه اللّه تعالى بهذه الصّفة من مناسك الحجّ وغيرها، يحتمل أن يكون عامًّا في جميع تكاليفه، ويحتمل أن يكون خاصًّا فيما يتعلّق بالحجّ. وقوله: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ): يدلّ على الثّواب المدّخر؛ لأنّه لا يقال عند ربّه فيما قد حصل من الخيرات»88.
وقال ابن عاشور: «والحرمات: جمع (حرمةٍ) بضمّتين، وهي ما يجب احترامه. والاحترام: اعتبار الشّيء ذا حرمٍ، كنايةٌ عن عدم الدّخول فيه. أي: عدم انتهاكه بمخالفة أمر اللّه في شأنه. والحرمات يشمل كلّ ما أوصى اللّه بتعظيم أمره، فتشمل مناسك الحجّ كلّها»89.
ثالثًا: الأخلاق:
الأخلاق ميدان عظيم من ميادين الخير، وبسببها فضل الله هذه الأمة على غيرها من الأمم؛ لتواصيها فيما بينها بالحق والصبر، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر.
قال تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [آل عمران: ١١٠].
فلا بقاء لأمة من الأمم إلا ببقاء الأخلاق فيها، ومن الأخلاق التي دعا إليها الإسلام ونصّ على خيريتها:
وهو حبس النفس على ما تكرهه؛ رضاءًا بقضاء الله تعالى، وهو ضد الجزع والضجر المذموم فاعله، وقد ذم الله بني إسرائيل؛ لجزعهم وتضجرهم مما رزقهم الله من طعام المنّ والسلوى الذي طلبوا من موسى عليه السلام أن يدعو الله لهم أن يبدلهم به القثّاء والفوم والعدس والبصل، كما قال تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [البقرة: ٦١].
قال ابن كثير في تفسيرها: «واذكروا نعمتي عليكم في إنزالي عليكم المنّ والسّلوى، طعامًا طيّبًا نافعًا هنيئًا سهلًا، واذكروا دبركم وضجركم ممّا رزقتكم وسؤالكم موسى استبدال ذلك بالأطعمة الدّنيّة من البقول ونحوها ممّا سألتم، فبطروا ذلك ولم يصبروا عليه، وذكروا عيشهم الّذي كانوا فيه، وكانوا قومًا أهل أعداسٍ وبصلٍ وبقلٍ وفومٍ»90.
ولاشك أن عاقبة الصبر كلها خير، كما قال تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [النساء: ٢٥].
والآية واردة في شأن نكاح الإماء بملك اليمين لمن لم يستطع نكاح الحرائر من النساء؛ خوفًا على نفسه من الوقوع في الفاحشة.
قال ابن كثير، وغيره: «وإن ترك تزوّج الأمة وجاهد نفسه في الكفّ عن الزّنا فهو خيرٌ له؛ لأنه إذا تزوجها جاء أولاده أرقّاء لسيّدها، ولما فيهنّ من الدّناءة في العدول عن الحرائر إليهن؛ ولهذا قال: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ)»91.
وفي جانب العفو عن معاقبة المعتدي، يقول تعالى: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [النحل: ١٢٦].
قال الطبري: «يقول تعالى ذكره للمؤمنين: وإن عاقبتم -أيها المؤمنون- من ظلمكم واعتدى عليكم، فعاقبوه بمثل الذي نالكم به ظالمكم من العقوبة، ولئن صبرتم عن عقوبته واحتسبتم عند الله ما نالكم به من الظلم، ووكلتم أمره إلى الله حتى يكون هو المتولي عقوبته (ﯫ ﯬ ﯭ)، يقول: للصّبر عن عقوبته بذلك خير لأهل الصبر؛ احتسابًا وابتغاء ثواب الله؛ لأن الله يعوّضه عن الذي أراد أن يناله بانتقامه من ظالمه على ظلمه إياه من لذّة الانتصار»92.
والعفو من الأخلاق التي دعا إليها الإسلام، وبيّن القرآن أن أجر العافين عند الله عظيم، كما قال تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [الشورى: ٤٠].
قال الطبري: «فمن عفا عمن أساء إليه إساءته إليه، فغفرها له ولم يعاقبه بها، وهو على عقوبته عليها قادرٌ؛ ابتغاء وجه الله، فأجر عفوه ذلك على الله، والله مثيبه عليه ثوابه»93.
وقد ذم الله الأعراب الذين جاءوا إلى بيوت النبي صلى الله عليه وسلم ينادونه بصوت عال من وراء الحجرات ولم يصبروا حتى يخرج إليهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [الحجرات: ٤-٥].
قال الطبري: «أي: أكثرهم جهال بدين الله واللازم لهم من حقك وتعظيمك، ولو أن هؤلاء الذين ينادونك يا محمد من وراء الحجرات صبروا فلم ينادوك حتى تخرج إليهم إذا خرجت، لكان خيرًا لهم عند الله؛ لأن الله قد أمرهم بتوقيرك وتعظيمك، فهم بتركهم نداءك تاركون ما قد نهاهم الله عنه»94.
وقال الفخر: «في الآية إشارة إلى حسن الأدب الّذي على خلاف ما أتوا به من سوء الأدب، فإنّهم لو صبروا لما احتاجوا إلى النّداء، وإذا كنت تخرج إليهم فلا يصحّ إتيانهم في وقت اختلائك بنفسك، أو بأهلك، أو بربّك؛ فإنّ للنّفس حقًّا، وللأهل حقًّا»95.
وهما يدلان على الانقياد التام لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [النساء: ٤٦].
والآية واردة في شأن اليهود الذين عاندوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرفوا ما نزل إليهم على أنبيائهم.
قال الطبري: «ولو أن هؤلاء اليهود الذين وصف الله صفتهم، قالوا لنبي الله: «سمعنا يا محمد قولك، وأطعنا أمرك، وقبلنا ما جئتنا به من عند الله، واسمع منا، وانظرنا ما نقول، وانتظرنا نفهم عنك ما تقول لنا»، (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ)، يقول: لكان ذلك خيرًا لهم عند الله، (ﭺ)، يقول: وأعدل وأصوب في القول»96.
ونظير هذه الآية قوله تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [الأنفال: ٢٣].
وهي في شأن المشركين.
قال الطبري: «ولو علم الله فيهم خيرًا لأسمعهم مواعظ القرآن وعبره؛ حتى يعقلوا عن الله عز وجل حججه منه، ولكنه قد علم أنه لا خير فيهم وأنهم ممن كتب لهم الشقاء فهم لا يؤمنون، ولو أفهمهم ذلك حتى يعلموا ويفهموا لتولوا عن الله وعن رسوله، وهم معرضون عن الإيمان بما دلّهم على صحته مواعظ الله وعبره وحججه، معاندون للحق بعد العلم به»97.
ولأهمية السمع والطاعـة أمر الله تعالى بهما أمرًا مباشرًا، فقال تعالى: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [التغابن: ١٦].
قال الطبري: «أي: واسمعوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأطيعوه فيما أمركم به ونهاكم عنه، (ﮭ ﮮ ﮯ)، يقول: وأنفقوا مالًا من أموالكم لأنفسكم؛ تستنقذوها من عذاب الله، والخير في هذا الموضع المال»98.
والصلح يكون بين متخاصمين والإصلاح يكون بفعل ما يصلح المجتمع.
قال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [النساء: ١١٤].
قال الطبري: «أي: لا خير في كثير من نجوى الناس جميعًا (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ)، والمعروف: هو كل ما أمر الله به أو ندب إليه من أعمال البر والخير، (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ)، وهو الإصلاح بين المتباينين أو المختصمين بما أباح الله الإصلاح بينهما؛ ليتراجعا إلى ما فيه الألفة واجتماع الكلمة»99.
وفي شأن تخاصم الأزواج قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ) [النساء: ١٢٨].
قال ابن عطية: «وقوله تعالى: (ﭡ ﭢ) لفظ عام مطلق، بمقتضى أن الصلح الحقيقي الذي تسكن إليه النفوس ويزول به الخلاف خير على الإطلاق، ويندرج تحت هذا العموم أن صلح الزوجين على ما ذكرنا خير من الفرقة»100.
كما نهى القرآن عن الفساد في الأرض بعد أن أصلحها الله تعالى، وذلك فيما حكاه القرآن على لسان شعيب عليه السلام.
قال تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [الأعراف: ٨٥].
قال الطبري في تفسيرها: «أي: ولا تعملوا في أرض الله بمعاصيه وما كنتم تعملونه قبل أن يبعث الله إليكم نبيه، من عبادة غير الله والإشراك به، وبخس الناس في الكيل والوزن، (ﮒ ﮓ)، أي: بعد أن قد أصلح الله الأرض بابتعاث النبي عليه السلام فيكم، ينهاكم عما لا يحل لكم وما يكرهه الله لكم، (ﮕ ﮖ ﮗ)، أي: هذا الذي ذكرت لكم وأمرتكم به من إخلاص العبادة لله وحده لا شريك له، وإيفاء الناس حقوقهم من الكيل والوزن، وترك الفساد في الأرض، خيرٌ لكم في عاجل دنياكم وآجل آخرتكم عند الله يوم القيامة»101.
قال تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [البقرة: ٢٦٣].
والقول المعروف: هو الكلمة الطيبة، والمغفرة: هي العفو عمن أساء إليه، قال الطبري: «قولٌ جميلٌ ودعاء الرجل لأخيه المسلم، (ﯖ)، يعني: وسترٌ منه عليه لما علم من خلّته وسوء حالته، خيرٌ عند الله من صدقة يتصدقها عليه يتبعها أذى، يعني يشتكيه عليها، ويؤذيه بسببها»102.
وقال ابن عطية: «هذا إخبار جزم من الله تعالى أنّ القول المعروف، وهو الدعاء والتأنيس والترجية بما عند الله، خيرٌ من صدقة هي في ظاهرها صدقة، وفي باطنها لا شيء؛ لأن ذلك القول المعروف فيه أجر، وهذه لا أجر فيها»103.
والنصيحة: دعوة إلى ما فيه الصلاح والنهي عما فيه الفساد104.
والنصيحة لا تكون إلا بخير، وقبولها سبب من أسباب الفلاح؛ لأنها من أساسيات الدين كما قال صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة)105.
وهي أيضًا من أهم السبل التي اتبعها الأنبياء في دعوة أقوامهم إلى الحق، فنوح عليه السلام قال لقومه فيما حكى القرآن: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [الأعراف: ٦٢].
وقال هود عليه السلام لقومه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) [الأعراف: ٦٨].
وقال صالح عليه السلام: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [الأعراف: ٧٩].
وكان قبول بني إسرائيل لنصيحة موسى عليه السلام سببًا لقبول توبة الله منهم؛ حيث نصحهم بأن يتوبوا إلى الله من عبادتهم العجل.
قال تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [البقرة: ٥٤].
ولا يخفى ما لقبول النصيحة من الخير الكثير في حياة الفرد والمجتمع على السواء.
قال تعالى: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [يونس: ٥٧- ٥٨].
والمراد بالموعظة هنا: القرآن الكريم، كما قاله كثير من المفسرين106.
«والباء في قوله: (ﮒ ﮓ) و(ﮔ) يجوز أن تكون متعلقة بما دل عليه المعنى، أي: قد جاءتكم الموعظة مصاحبة أو ملتبسة بفضل الله وبرحمته، وأن ذلك خير مما يجمعون من حطام الدنيا.
ويجوز أن يكون قوله تعالى: (ﮒ ﮓ) صفة لقوله: (ﮆ) وما عطف عليها من شفاء الصدور والهدى والرحمة»107.
فإن ما يحصل للعبد من فضل الله ورحمته بهذا القرآن العظيم من الهدى، والرحمة، والموعظة، وشفاء ما في الصدور، لهو الجدير بأن يفرح به العبد؛ لأنه سعادة دنياه وآخرته، وليس من الجدير بالعبد أن يفرح بحطام الدنيا ليحصّله على حساب عمل الآخرة؛ لأن المال لا يخلّد أصحابه، وأصحابه لا يخلدون له، أما ما يحصل من فضل الله ورحمته بهذا القرآن الكريم فهو خالد لأصحابه باقٍ لهم، وهو خير ممّا يجمعون من الدنيا كلّها؛ لأن غايته الوصول إلى الجنة.
قال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [التوبة: ٦١].
والآية الكريمة هنا تسجل على المنافقين أذاهم للرسول صلى الله عليه وسلم بقولهم هذا في حقه. ومعنى قولهم: (ﯠ ﯡ): «أنه يأخذ العلم من مسمعه من غير أن يفحصه، بل يقبله مصدقا له، فما عليهم إلا أن يحلفوا أنهم ما قالوه حتى يصدق أيمانهم من غير أن يفحص كذب ما قالوا، ونسوا أن اللّه يعلمه بما تبلبل به ألسنتهم، ويجيش في صدورهم، فرد الله عليهم بقوله: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ)، فقد سلّم بأنه أذن، يستمع إلى الأقوال التي تصل إليه، ولكن لا يقبلها بإطلاقها كما يتقوّلون، ولكن يفحصها ويعالج نفوسكم على مقتضاها، ويتدبر الأمر لهدايتكم، ولا يبادركم بشر يناسبكم، ولا يفضحكم؛ لأن الله تعالى أمره بذلك؛ ولأنه يقصد إلى خيركم»108.
قال تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [النور: ٦٠].
والآية الكريمة تتحدث عن القواعد من النساء اللاتي قعدن عن طلب الزواج؛ لعدم رغبتهن فيه لكبر سنهن، أنه لا حرج عليهن أن يتخففن من ملابسهن، كالقناع الذي يكون فوق الخمار، أو الرداء الذي يكون فوق الثياب، إذا كن غير متبرجات بزينة، وكن بحضرة محارمهن من الرجال، وأن الاستعفاف عن فعل ذلك خير لهن، قال في الكشاف: «ولكن التخفّف إذا احتجن إليه، والاستعفاف من الوضع خير لهنّ، لما ذكر الجائز عقبه بالمستحب؛ بعثًا منه على اختيار أفضل الأعمال وأحسنها»109.
قال تعالى: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒﰓ ﰔ ﰕ ﰖ) [المائدة: ١١٩].
«وهذه الآية بيان لما يحصل للصادقين من الخير؛ جزاءًا لصدقهم وانتفاعهم به، وهو دخولهم الجنة ورضوان الله عليهم، والمراد باليوم: يوم القيامة، وإنما خصّ نفع الصدق به؛ لأنه يوم الجزاء. وفي الصدق هنا قولان: أحدهما: أنه صدقهم في الدنيا ينفعهم في الآخرة. والثاني: صدقهم في الآخرة ينفعهم هنالك»110.
وقال تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [محمد: ٢١].
والآية الكريمة تتحدث عن المنافقين وكرههم للقتال، وجبنهم من لقاء الأعداء، (ﭴ ﭵ ﭶ)، أي: «جدّ الحال وحضر القتال، (ﭷ ﭸ ﭹ)، أي: أخلصوا له النية في الجهاد والقتال، (ﭺ ﭻ ﭼ)، أي: لكان خيرًا لهم في عاجل دنياهم، وآجل معادهم، وهو الاستشهاد أو الظفر بالغنيمة»111.
قال تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [الروم: ٣٨].
قال البغوي في معالم التنزيل: «قوله تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ)، من البرّ والصّلة، (ﮝ)، وحقّه أن يتصدّق عليه، (ﮞ ﮟ)، يعني: المسافر، وقيل: هو الضّعيف، (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ)، يطلبون ثواب اللّه بما يعملون، (ﮨ ﮩ ﮪ)»112.
قال تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [الحجرات: ١١].
والمعنى كما قال الطبري: «لا يهزأ قوم مؤمنون من قوم مؤمنين (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ)، يقول: عسى أن يكون المهزوء منهم خيرًا من الهازئين، (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) يقول: ولا يهزأ نساء مؤمنات من نساء مؤمنات، عسى المهزوء منهنّ أن يكنّ خيرًا من الهازئات»113. وهذا نهي صريح عن السخرية بالناس والاستهزاء بهم.
قال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [التغابن: ١٦].
أي: «وابذلوا ممّا رزقكم اللّه على الأقارب والفقراء والمساكين وذوي الحاجات، وأحسنوا إلى خلق اللّه كما أحسن إليكم، يكن خيرًا لكم في الدّنيا والآخرة، وإن لا تفعلوا يكن شرًّا لكم في الدّنيا والآخرة»114.
رابعًا: المعاملات:
لا شك أن تحقيق العدل في الكيل والوزن فيه المصلحة للناس جميعًا، وهي قضية أمانة وعدالة جاءت الشريعة بإقرارها، ودعت الناس إليها.
قال تعالى في قصة شعيب مع قومه: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [الأعراف: ٨٥].
«وهنا يأمر شعيب عليه السلام قومه بالعدل في الكيل والوزن، ويذكرهم بأن توفيتهم الكيل والوزن، وتركهم البخس والفساد هو خير لهم في طلب المال؛ لأنّ النّاس إذا علموا منهم الوفاء والصّدق والأمانة رغبوا في المعاملات معهم فكثرت أموالهم»115.
وقال تعالى آمرًا عباده بتوفية الكيل: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الإسراء: ٣٥].
أي: «ذلك الوفاء خير لكم في معاشكم ومعادكم، وخير عند الله وأقرب إليه، وأحسن عاقبةً وجزاءً»116.
قال تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [النور: ٢٧].
قال العلامة أبو زهرة في زهرة التفاسير: «الاستئناس أدق في التعريف وأدل على الاستعلام؛ لأن الاستئذان الإذن المجرد، وتتحقق الإجابة بالإذن، أما الاستئناس فطلب الأنس وإزالة الوحشة وذلك لا يتحقق بمجرد الإذن بل لابد لتحققه من إيجاد الألفة، وهو يتضمن في تحقيق طلب الإذن والاستجابة بالإذن فعلًا»117.
(ﯽ ﯾ ﯿ)، أي: «استئناسكم وتسليمكم على أهل البيت الذي تريدون دخوله خير لكم؛ لأنكم لا تدرون أنكم إذا دخلتموه بغير إذن على ماذا تهجمون؟ على ما يسوءكم أو يسرّكم؟ وأنتم إذا دخلتم بإذن لم تدخلوا على ما تكرهون، وأدّيتم بذلك أيضًا حقّ الله عليكم في الاستئذان والسلام، (ﰀ ﰁ)، أي: لتتذكروا بفعلكم ذلك أوامر الله عليكم واللازم لكم من طاعته، فتطيعوه»118.
قابل القرآن الكريم بين المتضادات في كثير من آياته، ونصّ على أن بعضًا منها خير من الآخر؛ لتثبيت الناس على الخير منها، وإبعادهم عن الشر منها، والحديث عن ذلك يشتمل على الآتي:
أولًا: المقابلة بين الإله الحق والآلهة الباطلة:
أقام القرآن الكريم الحجج القاطعة الدالة على وحدانية الله تعالى وأحقيته سبحانه بالألوهية والطاعة والعبادة، ومن بين هذه الحجج مقابلته بين الإله الحق سبحانه وتعالى وبين الآلهة الباطلة.
قال تعالى في قصة يوسف عليه السلام وهو يدعو إلى الله في السجن: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [يوسف: ٣٩].
قال الطبري: «ذكر أن يوسف -صلوات الله عليه- قال هذا القول للفتيين اللذين دخلا معه السجن؛ لأن أحدهما كان مشركًا، فدعاه بهذا القول إلى الإسلام وترك عبادة الآلهة والأوثان، فقال: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ)، يقول: أعبادة أربابٍ شتى متفرقين وآلهة لا تنفع ولا تضر، خيرٌ، أم عبادة المعبود الواحد الذي لا ثاني له في قدرته وسلطانه الذي قهر كل شي فذلّله وسخّره؛ فأطاعه طوعًا وكرهًا»119.
وقال الشيخ أبو زهرة: «هذا استفهام إنكاري توبيخي توجيهي، فليس بمعقول أن تكون أرباب متفرقة ليس لها فضل المنشئ المنعم ليس لواحد منها ذلك، ولا لها مجتمعة قدرة، لا تنفع ولا تضر، وتكون عبادتها مع ضعفها وعدم قدرتها، خيرًا من عبادة الواحد الأحد الخالق للكون وحده والقهار الغالب عليه، والذي لا يكون في الكون شيء إلا بأمره»120.
وقال تعالى: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [النمل: ٥٩].
قال ابن كثير: «استفهام إنكارٍ على المشركين في عبادتهم مع الله آلهة أخرى، ثم شرع تعالى يبين أنه المنفرد بالخلق والرزق والتدبير دون غيره»121.
فذكر تعالى خلق السموات والأرض وما فيهما من بدائع صنعه وعظيم قدرته، وإنزاله المطر وما ينبت به من النباتات والحدائق التي لم تستطع آلهتهم أن تنبت أشجارها ولا تخرج ثمارها، وخلق الجبال والبحار والأنهار، وجعل الحاجز بين المالح منها والعذب، وكونه تعالى يجيب دعاء المضطر ويكشف السوء، ويهدي الخلق، ويبدأ الخلق ثم يعيده.
كما أنه تعالى قد اتصف بجميع صفات الكمال المطلق الذي يليق بذاته المقدسة، فاتصف بالقدرة المطلقة، فلا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، واتصف بالإرادة (ﯗ ﯘ ﯙ) [البروج: ١٦]، (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [يس: ٨٢].
واتصف بالعلم المطلق (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [النمل: ٦].
وقال: (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ) [آل عمران: ٢٩].
وقال: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [الحجر: ٨٦].
وإليه تعالى وحده المرجع والمآب قال تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [هود: ٤].
وغير ذلك من صفات الكمال والجلال الثابتة لله تعالى، بخلاف هذه الآلهة الأخرى التي يعبدها الجاهلون من دون الله، فإنها لا تضر ولا تنفع، ولا تبصر ولا تسمع، بل هي من مخلوقات الخالق سبحانه، فصفاتها دائمًا النقص المطلق، والضعف التام.
ثانيًا: المقابلة بين الدنيا والآخرة:
قابل القرآن بين الدنيا الفانية والآخرة الباقية؛ للترغيب في العمل للآخرة، وعدم الانهماك في الدنيا بما ينسي الآخرة؛ لأن متاعها قليل، كما قال تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [النساء: ٧٧].
قال الطبري: «يعني بقوله جل ثناؤه: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ)، قل يا محمد لهؤلاء القوم الذين قالوا: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) عيشكم في الدنيا وتمتعكم بها قليل؛ لأنها فانية وما فيها فانٍ، (ﯔ ﯕ)، يعني: ونعيم الآخرة خير؛ لأنها باقية ونعيمها باق دائم، (ﯖ ﯗ)، يعني: لمن اتقى الله بأداء فرائضه واجتناب معاصيه، فأطاعه في كل ذلك، (ﯘ ﯙ ﯚ)، يعني: ولا ينقصكم الله من أجور أعمالكم فتيلًا»122.
وقد صرح القرآن بأن كثيرًا من الناس يؤثرون الدنيا الفانية على الآخرة الباقية.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [الأعلى: ١٦- ١٧].
قال ابن عطية: «أخبر تعالى الناس أنهم يؤثرون الحياة الدّنيا، فالكافر يؤثرها إيثار كفر يرى أن لا آخرة، والمؤمن يؤثرها إيثار معصية وغلبة نفس إلا من عصم الله، وسبب الإيثار حب العاجل، والجهل ببقاء الآخرة»123.
وقال تعالى مخاطبًا نبيه صلى الله عليه وسلم: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الضحى: ٤].
قال الطبري: «يقول -تعالى ذكره: وللدار الآخرة وما أعد الله لك فيها خير لك من الدار الدنيا وما فيها، فلا تحزن على ما فاتك منها؛ فإن الذي لك عند الله خير لك منها»124.
أي: خير لك من الدنيا وما فيها؛ ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يستكثر منها، وكان يقول: (مالي وللدنيا؟! ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها)125.
ثالثًا: المقابلة بين نعيم الآخرة وعذابها:
قابل القرآن بين نعيم الآخرة وعذابها، وما على العاقل إلا أن يختار النعيم المقيم.
قال تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الصافات: ٦٢].
ومعنى الآية كما قال الطبري:«يقول -تعالى ذكره-: أهذا الذي أعطيت هؤلاء المؤمنين الذين وصفت صفتهم من كرامتي في الجنة ورزقتهم فيها من النعيم خير، أو ما أعددت لأهل النار من الزّقّوم؟!
والزّقّوم: ثمرة شجرةٍ خبيثةٍ مرّةٍ كريهة الطّعم، يكره أهل النّار على تناولها، فهم يتزقّمونه على أشدّ كراهيةٍ، ومنه قولهم: تزقّم الطّعام، إذا تناوله على كرهٍ ومشقّةٍ»126.
وقال ابن عاشور: «والاستفهام مكنى به عن التنبيه على فضل حال المؤمن وفوزه وخسار الكافر، وهو خطاب لكل سامع، والإشارة بـ (ﮌ) إلى ما تقدم من حال المؤمنين في النعيم والخلود، وجيء باسم الإشارة مفردًا بتأويل المذكور، بعلامة بعد المشار إليه لتعظيمه بالبعد، أي: بعد المرتبة وسموّها؛ لأن الشيء النفيس الشريف يتخيل عاليًا، والعالي يلازمه البعد عن المكان المعتاد، وهو السفل»127.
كما قابل القرآن أيضًا بين الآمنين من العذاب وبين المعذبين يوم القيامة، وذلك في قوله تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [فصلت: ٤٠].
«والاستفهام في الآية الكريمة بمعنى التقرير، والغرض التنبيه على أن الذين يلحدون في آيات الله يلقون في النار، والذين يؤمنون بآيات الله يـأتون آمنين يوم القيامة، والمعنى: هل يستوي من يلقى في النار قسرًا وقهرًا؛ لإلحاده بالآيات وتكذيبه للرسول، ومن يكون آمنًا يوم القيامة من العذاب؟ والمراد: أن الملحدين في الآيات يلقون في النار، وأن المؤمنين بها يأتون يوم القيامة آمنين، فاحكموا -أيها العقلاء- أيّ الحالين أفضل؟ (ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ)، أي: اعملوا أي شيء تريدون فعله من خير أو شر؛ فإنّ الله عالم بكم، وبصير بأعمالكم، ومجازيكم بحسب ما تعملون، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر، وهذا وعيد وتهديد صرف فيه الأمر إلى التهديد»128.
وقال ابن عاشور: «الآية لبيان أن الوعيد بنار جهنم تعريض بالمشركين بأنهم صائرون إلى النار، وبالمؤمنين بأنهم آمنون من ذلك، والاستفهام تفريع مستعمل في التنبيه على تفاوت المرتبتين»129.
رابعًا: المقابلة بين الأقوام الهالكين:
قابل القرآن بين الأقوام الهالكين؛ للاتعاظ بأحوالهم، ولبيان عاقبة المتقدمين منهم والمتأخرين، وبيان عاقبة أقويائهم وضعفائهم، ومن ذلك المقابلة بين مشركي مكة وما قبلهم من الأمم، كقوم تبّع، يقول الله تعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [الدخان: ٣٧].
وتبّع هو تبّع الحميري، كان مؤمنًا وقومه كافرين، ولذلك ذمّ الله قومه ولم يذمّه، قال في الكشاف: «فإن قلت: ما معنى قوله تعالى (ﯰ ﯱ) ولا خير في الفريقين؟ قلت: معناه: أهم خير في القوّة والمنعة، وفي تفسير ابن عباس رضي الله عنهما: أهم أشدّ أم قوم تبع»130.
ومعنى الآية: «أكفار قريش الذين هم عرب من عدنان خير في القوة والمنعة، أم قوم تبّع الحميري الذين هم عرب من قحطان، الذين كانوا أقوى جندًا وأكثر عددًا، وكان لهم دولة وحضارة عريقة ومجد، وكذلك الأمم الذين سبقوهم، كعاد وثمود ونحوهم؛ أهلكناهم جميعًا لكفرهم وإجرامهم، فإهلاك من هو دونهم لجرمه وضعفه وعجزه بالأولى، فهم ليسوا بخير من قوم تبع في العدد والعز والمنعة»131.
وقد ذكر ابن كثير أن الله تعالى أهلك قوم تبع وخرب بلادهم وشردهم وفرقهم في البلاد132.
وكذلك قوله تعالى: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [القمر: ٤٣] فيه مقابلة بين مشركي مكة ومن قبلهم.
والمعنى: «أكفاركم -معشر قريش- خير من أولئكم الذين أحللت بهم نقمتي من قوم نوح وعاد وثمود، وقوم لوط وآل فرعون، فهم يأملون أن ينجوا من عذابي ونقمي على كفرهم بي، وتكذيبهم رسولي، يقول: إنما أنتم في كفركم بالله وتكذيبكم رسوله، كبعض هذه الأمم التي وصفت لكم أمرهم، وعقوبة الله بكم نازلة على كفركم به كالذي نزل بهم، إن لم تتوبوا وتنيبوا»133.
قال في الكشاف: «يعني: أكفّاركم -يا أهل مكة- خيرٌ من أولئكم الكفار المعدودين: قوم نوح، وهود، وصالح، ولوط، وآل فرعون، أي: أهم خير قوّة وآلة ومكانة في الدنيا؟ أو أقل كفرًا وعنادًا؟ يعني: أنّ كفاركم مثل أولئك بل شر منهم، أم أنزلت عليكم -يا أهل مكة- براءةٌ في الكتب المتقدّمة أنّ من كفر منكم وكذب الرسل كان آمنًا من عذاب الله فأمنتم بتلك البراءة؟!»134.
خامسًا: المقابلة بين ما عند الله وحطام الدنيا:
ركزت بعض آيات القرآن الكريم على صرف همم الناس عن الدنيا إلى ما عند الله من الأجر والثواب، ومن ذلك قوله تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [النحل: ٩٥- ٩٦].
أي: «ولا تنقضوا عهودكم -أيها الناس- وعقودكم التي عاقدتموها من عاقدتم مؤكّديها بأيمانكم، تطلبون بنقضكم ذلك عرضًا من الدنيا قليلًا، ولكن أوفوا بعهد الله الذي أمركم بالوفاء به؛ يثبكم الله على الوفاء به؛ فإن ما عند الله من الثواب لكم على الوفاء بذلك، هو خير لكم إن كنتم تعلمون فضل ما بين العوضين اللذين أحدهما الثمن القليل الذي تشترونه بنقض عهد الله في الدنيا، والآخر الثواب الجزيل في الآخرة على الوفاء به.
ثم بَيَّنَ -تعالى ذكره- فرق ما بين العوضين وفضل ما بين الثوابين، فقال: ما عندكم -أيها الناس- مما تتملكونه في الدنيا، وإن كثر فنافدٌ فانٍ، وما عند الله لمن أوفى بعهده وأطاعه من الخيرات باق غير فانٍ، فلما عنده فاعملوا، وعلى الباقي الذي لا يفنى فاحرصوا، وليثيبنّ الله الذين صبروا على طاعتهم إياه في السّراء والضرّاء ثوابهم يوم القيامة على صبرهم عليها، ومسارعتهم في رضاه بأحسن ما كانوا يعملون من الأعمال دون أسوئها، وليغفرنّ الله لهم سيّئها بفضله»135.
قال ابن عطية: «أخبر تعالى أن ما عنده من نعيم الجنة ومواهب الآخرة خير لمن اتقى وعلم واهتدى، ثم بيّن الفرق بين حال الدنيا وحال الآخرة بأن هذه تنفد وتنقضي عن الإنسان، أو ينقضي عنها، ومنن الآخرة باقية دائمة»136.
وقال تعالى: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋﮌ ﮍ ﮎ) [الجمعة: ١١].
ومعنى الآية كما قال الطبري: «قل لهم يا محمد: الذي عند الله من الثواب لمن جلس مستمعًا خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وموعظته يوم الجمعة إلى أن يفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، خير له من اللهو ومن التجارة التي ينفضّون إليها، (ﮌ ﮍ ﮎ) يقول: والله خير رازق، فإليه فارغبوا في طلب أرزاقكم، وإياه فاسألوا أن يوسع عليكم من فضله دون غيره»137.
والآية نزلت في شأن من خرجوا من المسجد لطلب التجارة، وتركوا النبي صلى الله عليه وسلم قائمًا يخطب الجمعة.
قال ابن كثير: «يعاتب تبارك وتعالى على ما كان وقع من الانصراف عن الخطبة يوم الجمعة إلى التّجارة الّتي قدمت المدينة يومئذ»138.
ولا ريب في أن ذلك يشمل كل عمل يلهي عن طلب ما عند الله تعالى.
سادسًا: المقابلة الفاسدة بين خلق إبليس وخلق آدم:
تحدث القرآن الكريم عن قصة خلق آدم عليه السلام وأمر الملائكة بالسجود له، وتكبّر إبليس -عليه اللعنة- وامتناعه عن السجود زاعمًا أنه خير منه؛ لأنه خلق من نار وآدم من طين.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [الأعراف: ١٢].
وادعاء إبليس هذه الخيرية لنفسه باطل من وجوه ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية، فقال رحمه الله: «حجّة إبليس في قوله: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) باطلةٌ؛ لأنّه عارض النّصّ بالقياس؛ ولهذا قال بعض السّلف: أوّل من قاس إبليس. ويظهر فسادها بالعقل من وجوهٍ خمسةٍ:
أحدها: أنّه ادّعى أنّ النّار خيرٌ من الطّين، وهذا قد يمنع؛ فإنّ الطّين فيه السّكينة والوقار والاستقرار والثّبات والإمساك، ونحو ذلك، وفي النّار الخفّة والحدّة والطّيش، والطّين فيه الماء والتّراب.
الثاني: أنّه وإن كانت النّار خيرًا من الطّين، فلا يجب أن يكون المخلوق من الأفضل أفضل؛ فإنّ الفرع قد يختصّ بما لا يكون في أصله، وهذا التّراب يخلق منه من الحيوان والمعادن والنّبات ما هو خيرٌ منه.
الثالث: أنّه وإن كان مخلوقًا من طينٍ، فقد حصل له بنفخ الرّوح المقدّسة فيه ما شرّف به؛ حيث علّق السّجود بأن ينفخ فيه من روحه تعالى، فالموجب للتّفضيل هذا المعنى الشّريف الّذي ليس لإبليس مثله»139.
وقال أبو زهرة: «وإبليس في هذا غافل ومدّعٍ ما لا دليل فيه على دعواه، أما غفلته فهو أن الله تعالى خالق النار وخالق الطين، وما في خلقه تفاوت، فهما خلق الله تعالى وهو الذي اختار النار له، واختار الطين لآدم، واختار أن يسجد إبليس الناري لآدم الذي هو من طين، فكيف يعترض عليه بخلقه؟!
وإن هذا ضلال في الفهم، وغفلة في الإدراك؛ ولذا قال بعض العلماء: أشد العالمين غفلة إبليس، ودعواه أن النار خير من الطين، وأنه بذلك خير من آدم، هذه دعوى لا دليل عليها، بل الدليل يناقضها؛ لأن الطين خلق الله منه الخصب، وكان من الخصب الزروع والثمار والأشجار والنخيل وكل طعام أهل الأرض، والماء ينزل عليه غيثًا فيكون منه ثمر كل شيء وطعام الإنسان والحيوان، والنار تدمر وتحرق، فإذا كان من الطين العمران، فمن النار الدمار»140.
سابعًا: المقابلة الفاسدة بين فرعون وموسى:
ادعى فرعون عليه لعنة الله أنه خير من موسى عليه السلام ؛ لما له من ملك وسلطان وجنود وخدم وبيان لسانه.
قال تعالى حكاية عن فرعون: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الزخرف: ٥٢].
قال الطبري: «يقول -تعالى ذكره- مخبرًا عن قيل فرعون لقومه بعد احتجاجه عليهم بملكه وسلطانه، وبيان لسانه وتمام خلقه، وفضل ما بينه وبين موسى بالصفات التي وصف بها نفسه وموسى: أأنا خير أيها القوم، وصفتي هذه الصفة التي وصفت لكم؟ أم (ﮋﮌ ﮍ ﮎ) لا شيء له من الملك والأموال، مع العلة التي في جسده، والآفة التي بلسانه، فلا يكاد من أجلها يبين كلامه؟»141.
وقال الفخر: «وعنى بكونه مهينًا كونه فقيرًا ضعيف الحال، وبقوله: (ﮏ ﮐ ﮑ) حبسةً كانت في لسانه»142.
وقال ابن كثير: «إنّما يعني فرعون -عليه اللّعنة- أنّه خيرٌ من موسى عليه السلام، وقد كذب في قوله هذا كذبًا بيّنًا واضحًا، فعليه لعائن اللّه المتتابعة إلى يوم القيامة»143.
وهذه سفاهة من فرعون أن يدعي أنه خير من نبي الله وكليمه موسى عليه السلام، وقد سمى ابن عاشور كلام فرعون هذا في حق موسى عليه السلام سفسطة عندما تعرض لتفسير هذه الآية، فقال: «ومقصوده تصغير شأن موسى في نفوسهم بأشياء هي عوارض ليست مؤثّرةً، انتقل من تعظيم شأن نفسه إلى إظهار البون بينه وبين موسى الّذي جاء يحقّر دينه وعبادة قومه إيّاه، فقال: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ).
والإشارة هنا للتّحقير، والمهين -بفتح الميم-: الذّليل الضّعيف، أراد أنّه غريبٌ ليس من أهل بيوت الشّرف في مصر، وليس له أهلٌ يعتزّ بهم، وهذا سفسطةٌ وتشغيبٌ إذ ليس المقام مقام انتصارٍ حتّى يحقّر القائم فيه بقلّة النّصير، ولا مقام مباهاةٍ حتّى ينتقص صاحبه بضعف الحال.
وأشار بقوله: (ﮏ ﮐ ﮑ) إلى ما كان في منطق موسى من الحبسة والفهاهة، وليس مقام موسى يومئذٍ مقام خطابةٍ ولا تعليمٍ وتذكيرٍ حتّى تكون قلّة الفصاحة نقصًا في عمله، ولكنّه مقام استدلالٍ وحجّةٍ، فيكفي أن يكون قادرًا على إبلاغ مراده، وقد أزال اللّه عنه ذلك حين تفرّغ لدعوة بني إسرائيل»144.
ثامنًا: المقابلة الفاسدة بين مقام أهل الشرك ومقام أهل الإيمان في الدنيا:
وذلك عندما افتخر المشركون بمنازلهم وديارهم وأثاثهم على المؤمنين الفقراء؛ وظنوا أنهم على حق وأنّ المؤمنين على باطل لفقرهم، قال تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [مريم: ٧٣].
قال ابن كثير: «يخبر تعالى عن الكفّار حين تتلى عليهم آيات اللّه ظاهرة الدّلالة بيّنة الحجّة واضحة البرهان، أنّهم يصدّون عن ذلك ويعرضون ويقولون عن الّذين آمنوا مفتخرين عليهم ومحتجّين على صحّة ما هم عليه من الدّين الباطل بأنّهم: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ)، أي: أحسن منازل وأرفع دورًا، (ﯓ ﯔ) وهو مجمع الرّجال للحديث، أي: ناديهم أعمر وأكثر واردًا وطارقًا، يعنون: فكيف نكون ونحن بهذه المثابة على باطلٍ، وأولئك الّذين هم مختفون مستترون في دار الأرقم بن أبي الأرقم ونحوها من الدّور على الحقّ؟
عن ابن عبّاسٍ قال: المقام: المنزل، والنّديّ: المجلس، والأثاث: المتاع، والرّئي: المنظر»145.
وهذا الذي أعطاهم الله إياه من النعيم في الدنيا ليس تكريمًا لهم كما يزعمون، إنما هو استدراج.
قال تعالى: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [المؤمنون: ٥٥-٥٦].
قال في الكشاف: «والمعنى: أنّ هذا الإمداد ليس إلا استدراجًا لهم إلى المعاصي، واستجرارًا إلى زيادة الإثم، وهم يحسبونه مسارعةً لهم في الخيرات وفيما لهم فيه نفع وإكرام، ومعاجلة بالثواب قبل وقته»146.
كما أن نعيم الدنيا لا قيمة له إذا كان صاحبه من أهل النار يوم القيامة؛ فقد جاء في صحيح مسلم بسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النّار يوم القيامة، فيصبغ في النّار صبغةً، ثمّ يقال: يا ابن آدم هل رأيت خيرًا قطّ؟ هل مرّ بك نعيمٌ قطّ؟ فيقول: لا والله يا ربّ، ويؤتى بأشدّ النّاس بؤسًا في الدّنيا من أهل الجنّة، فيصبغ صبغةً في الجنّة، فيقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤسًا قطّ؟ هل مرّ بك شدّةٌ قطّ؟ فيقول: لا والله يا ربّ ما مرّ بي بؤسٌ قطّ، ولا رأيت شدّةً قطّ)147.
تعددت طرق القرآن الكريم في الدعوة إلى الخير، والاستزادة منه، والحث عليه؛ فتارةً يأمر بفعله، وتارةً يثني على أهله، وأخرى يعد على فعله الثواب الجزيل.
والحديث عن ذلك في النقاط الآتية:
أولًا: الأمر بفعل الخير:
ورد في بعض آيات القرآن الكريم الأمر بفعل الخير أمرًا مباشرًا، قال تعالى: (ﭯ ﭰ) [البقرة: ١٤٨].
أي: «بادروا -أيها الناس- إلى الصالحات من الأعمال، والقرب إلى ربكم»148.
وقال تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [آل عمران: ١٠٤].
«اللام في: (لتكن) هي لام الأمر، أي: لتكن منكم أمة منتصبة للقيام بأمر الله في الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر»149.
وقال تعالى: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [الحج: ٧٧].
قال الفخر: «قوله تعالى: (ﮜ ﮝ)، قال ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما: يريد به صلة الرّحم ومكارم الأخلاق، والوجه عندي في هذا التّرتيب أنّ الصّلاة نوعٌ من أنواع العبادة، والعبادة نوعٌ من أنواع فعل الخير؛ لأنّ فعل الخير ينقسم إلى خدمة المعبود الّذي هو عبارةٌ عن التّعظيم لأمر اللّه، وإلى الإحسان الّذي هو عبارةٌ عن الشّفقة على خلق اللّه، ويدخل فيه البرّ والمعروف، والصّدقة على الفقراء، وحسن القول للنّاس، فكأنّه سبحانه قال: كلّفتكم بالصّلاة، بل كلّفتكم بما هو أعمّ منها، وهو العبادة، بل كلّفتكم بما هو أعمّ من العبادة، وهو فعل الخيرات»150.
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [الأنبياء: ٧٣].
والآية تتحدث عن إبراهيم عليه السلام وذريته من الأنبياء، أن الله تعالى أنعم عليهم وجعلهم أئمة يرشدون الناس إلى الهدى والخير، وأوحي إليهم وألهمهم فعله، والمعنى: وجعلنا إبراهيم وذريته أئمة، أي: رؤساء يوجهون ويرشدون ويقتدى بهم، ويكونون قوة للخير والهداية.
(ﭓ ﭔ)، أي: يدعون بدعاية الله. وإضافة الهداية إلى أمر الله؛ للإشارة إلى طاعتهم أولا؛ ولبيان صواب ما يدعون إليه، وأنه الحق لا ريب فيه.
(ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ)، أي: ألهمنا نفوسهم وقلوبهم فعل الخيرات، وهديناهم إليها، بما أوحينا به لرسلهم الذين جاءوا رسولًا بعد رسول، والخيرات: جمع (خير)، وهو كل ما فيه نفع للناس؛ ويقصد به فعله لنفعه للناس، ولإرضاء الله تعالى 151.
ثانيًا: الثناء على أهله:
من طرق القرآن أيضًا في الدعوة إلى الخير، الثناء من الله تعالى على أهله الذين يوصفون بأنهم أهل الخير.
قال تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [آل عمران: ١١٤].
قال الطبري: «(ﯦ ﯧ ﯨ)، أي: ويبتدرون فعل الخيرات؛ خشية أن يفوتهم ذلك قبل معاجلتهم مناياهم، ثم أخبر جل ثناؤه أن هؤلاء من عداد الصالحين»152.
وقال تعالى: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [المؤمنون: ٦١].
والمشار إليه بقوله تعالى: (ﭜ) هم الذين سبق ذكرهم في الآيات السابقة في قوله تعالى: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [المؤمنون: ٥٧-٦٠].
ومعنى الآية: أن هؤلاء الذين هذه صفاتهم يبادرون في الأعمال الصالحة، ويطلبون الزلفة عند الله بطاعته153.
ولا شك أن العبد إذا عرف أن الله تعالى يثني على فاعلي الخير فإنه يحب أن يكون ممن أثنى الله تعالى عليهم، ويجتهد في أن يصل إلى هذه المنزلة.
قال صاحب الكشاف: «(ﭝ ﭞ ﭟ) يحتمل معنيين:
أحدهما: أن يراد: يرغبون في الطاعات أشد الرغبة فيبادرونها.
والثاني: أنهم يتعجلون في الدنيا المنافع ووجوه الإكرام»154.
وقال تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [البينة: ٧].
والبرية: هم الخلق كلهم. قال سبحانه: (ﯝ ﯞ ﯟ) ولم يقل: (إنّ المؤمنين)؛ إشارةً إلى أنّهم أقاموا سوق الإسلام حال كساده، وبذلوا الأموال والمهج لأجله؛ ولهذا السّبب استحقّوا الفضيلة العظمى155.
ثالثًا: الوعد بالثواب الجزيل:
وعد الله تعالى كل من يفعل الخير بالثواب الجزيل، وهذا أيضًا من باب الدعوة إلى فعل الخير والحث عليه.
قال تعالى: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [آل عمران: ١١٥].
أي: «وما تفعل هذه الأمة من خير وتعمل من عملٍ لله فيه رضًى، فلن يكفرهم الله ذلك، يعني بذلك: فلن يبطل الله ثواب عملهم ذلك، ولا يدعهم بغير جزاء منه لهم عليه، ولكنه يجزل لهم الثواب عليه، ويسني لهم الكرامة والجزاء»156.
وقال تعالى: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [التوبة: ٨٨].
وقال تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [القصص: ٨٠].
والآية الكريمة واردة في سياق الحديث عن قصة قارون، الذي آتاه الله من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة.
قال الطبري في معنى الآية: «يقول -تعالى ذكره-: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) بالله، حين رأوا قارون خارجًا عليهم في زينته، للذين قالوا (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ): (ﮊ) اتقوا الله وأطيعوه؛ فثواب الله وجزاؤه لمن آمن به وبرسله وعمل بما جاءت به رسله من صالحات الأعمال في الآخرة خير مما أوتي قارون من زينته وماله»157.
وفعل الخير أيضًا مهما قلّ فثوابه لن يضيع عند الله تعالى.
قال عز وجل: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ) [الزلزلة: ٧].
والمعنى: فمن عمل في الدنيا وزن ذرة من خير فإنه يرى ثوابه هنالك، وهذا حث لأهل الدنيا على العمل بطاعة الله، والزجر عن معاصيه.
قال صاحب التفسير المنير: «والمراد: أي عمل مهما كان صغيرًا، فإنه يجده يوم القيامة في كتابه، ويلقى جزاءه فيفرح به، أو يراه بعينه معروضًا عليه»158.
موضوعات ذات صلة: |
الإحسان، البر، التطوع، الشر، المسابقة، المسارعة |
1 مقاييس اللغة ٢/٢٣٢.
2 مختار الصحاح، الرازي ص ٩٩.
3 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٣٠٠.
4 انظر: غرائب القرآن، النيسابوري ١/٥٩٣.
5 انظر: المعجم المفهرس الشامل لألفاظ القرآن، عبدالله جلغوم، ص٤٩١-٤٩٥.
6 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص١٩٦-١٩٧، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي، ٢/٥٧٢-٥٧٥، نزهة الأعين النواظر، ابن الجوزي، ص٢٨٥-٢٨٩.
7 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ١٥/١٣٨.
8 انظر: تاج العروس، الزبيدي ١٠/١٥١.
9 جامع البيان، الطبري ١/٧.
10 الكشاف، الزمخشري ١/١٣٣.
11 انظر: تحرير ألفاظ التنبيه، النووي ص ١٤٩.
12 الفروق اللغوية، العسكري ص١٧٠.
13 مجمل اللغة، ابن فارس ١/٨٧٤.
14 تهذيب اللغة، الأزهري ٣/٩.
15 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٨١٤.
16 الكليات، الكفوي ص٩١٢.
17 الفروق اللغوية، العسكري ص١٩٧.
18 الكشاف، الزمخشري ١/٣٥٠.
19 مفاتيح الغيب، الرازي ٨/١٩٠.
20 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، ١/٥٣٤، رقم ٧٧١.
21 لطائف الإشارات، القشيري ١/ ٢٨٤.
22 مفاتيح الغيب، الرازي ٩/ ٣٨٤.
23 روح المعاني، الألوسي ٢/ ٣٠٠.
24 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، ٢/ ٨٨٦، رقم ١٢١٨.
25 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٣/ ٢٤٣.
26 جامع البيان، الطبري ١١/ ٢٢٦.
27 زاد المسير، ٤/٢٨٥.
28 التحرير والتنوير ٢٨/٢٣٠.
29 المفردات، ص٦٣٨.
30 جامع البيان، الطبري ١١/ ٣٩٨.
31 الكشاف، الزمخشري ٢/ ٣٠.
32 جامع البيان، ١٢/ ٥٦١.
33 المفردات، ص٦٢١.
34 التحرير والتنوير ٩/ ١١.
35 لسان العرب، ابن منظور ٥/ ٢٥.
36 مفاتيح الغيب، ١٥/ ٣٧٨.
37 جامع البيان، ١٣/ ١٥٢.
38 المفردات ص٧٧٢.
39 التحرير والتنوير ٣/ ٢٥٧.
40 مجمل اللغة، ابن فارس ١/ ٢٤٤.
41 التحرير والتنوير ١٣/ ١٦.
42 لسان العرب، ابن منظور ٢/١٩٩.
43 معالم التنزيل ٥/ ٣٥٢.
44 مفاتيح الغيب، ٢٣/ ٢٧٤.
45 جامع البيان، ١٩/ ٢٧.
46 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٣/ ١٣.
47 لسان العرب، ابن منظور ١٢/٢٣٠.
48 جامع البيان، الطبري ١٩/ ٨٥.
49 الكشاف، الزمخشري ١/ ٢٥٨.
50 جامع البيان، الطبري ٨/ ١٢٢- ١٢٣.
51 المصدر السابق ١٨/ ٨٥- ٧٨.
52 معالم التنزيل، البغوي ٦/ ١٩٠.
53 لسان العرب، ابن منظور ٦/ ١٩٠.
54 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب معرفة الإيمان، والإسلام، والقدر وعلامة السّاعة، ١/ ٣٦، رقم ٨.
55 جامع البيان، الطبري ٩/ ٤١٢.
56 تفسير القرآن العظيم، ١/ ٣٦٤.
57 الكشاف، الزمخشري ٢/ ٩٧.
58 مفاتيح الغيب، الرازي ١٤/ ٢٢٢.
59 المصدر السابق ٥/ ٣٢١.
60 جامع البيان، الطبري ٢٠/ ١٨.
61 المصدر السابق ١٤/ ١٣١.
62 المصدر السابق ١٤/ ٣٦٤- ٣٦٥ باختصار.
63 أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الزهد، باب ذكر التوبة، ٢/١٤٢٠، رقم ٤٢٥١. وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ٢/٨٣١، رقم ٤٥١٥.
64 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الدعوات، باب في التوبة ٨/ ٧٢، رقم ٢٧٠٢.
65 مفاتيح الغيب، ٦/ ٤٨٣.
66 جامع البيان، الطبري ٢٣/ ٧٠٠.
67 المصدر السابق ١/ ١٩٦.
68 المصدر السابق ٣/ ٢٤٧.
69 المصدر السابق ٤/ ١٥٥.
70 المصدر السابق ١٨/ ١٣٠- ١٣١.
71 المصدر السابق ١٤/ ٧٢.
72 المصدر السابق ٤/ ٢٩١- ٢٩٢.
73 المحرر الوجيز، ابن عطية ١/ ٣٦٥.
74 زهرة التفاسير، أبو زهرة ٢/ ١٠٦١.
75 جامع البيان، الطبري ٣/ ٣٨٤.
76 المصدر السابق ٤/ ٣٥٤- ٣٥٥.
77 تفسير القرآن العظيم، ٢/ ٣٤٥- ٣٤٦.
78 جامع البيان، الطبري ٧/ ٣٣٧.
79 تفسير القرآن العظيم، ٤/ ١٥٦.
80 مفاتيح الغيب، ٢٩/ ٣٥١.
81 التحرير والتنوير ٢٨/ ١٩٤.
82 جامع البيان، ١٨/ ٤٣٩.
83 الكشاف ٣/ ١١٦.
84 مفاتيح الغيب، ٩/ ٤٤٣.
85 جامع البيان، الطبري ٢٣/ ٦١١.
86 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/ ٤١٩.
87 جامع البيان، ١٨/ ٦١٧.
88 مفاتيح الغيب، ٢٣/ ٢٢٢.
89 التحرير والتنوير ١٧/ ٢٥٢.
90 تفسير القرآن العظيم، ١/ ٢٨٠.
91 المصدر السابق ٢/ ٢٦٦- ٢٦٧.
92 جامع البيان، ١٧/ ٣٢٢.
93 المصدر السابق ٢١/ ٥٤٨.
94 المصدر السابق ٢٢/ ٢٨٥.
95 مفاتيح الغيب، ٢٨/ ٩٧.
96 جامع البيان، ٨/ ٤٣٦.
97 المصدر السابق ١٣/ ٤٦٣.
98 المصدر السابق ٢٣/ ٤٢٧.
99 جامع البيان، ٩/ ٢٠٢.
100 المحرر الوجيز ٢/ ١٢٠.
101 جامع البيان، ١٢/ ٥٥٦.
102 المصدر السابق ٥/ ٥٢٠.
103 المحرر الوجيز ١/ ٣٥٧.
104 انظر: التعريفات، الجرجاني ص٢٤١.
105 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان أن الدين النصيحة، ١/٧٤، رقم ٥٥.
106 انظر: جامع البيان، الطبري ١٥/١٠٥، الكشاف، الزمخشري ٢/ ٣٥٣، المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/ ١٢٦، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/ ٢٧٤.
107 الدر المصون، السمين الحلبي ٦/ ٢٢٤.
108 زهرة التفاسير، محمد أبو زهرة ٦/ ٣٣٥١.
109 الكشاف، الزمخشري ٣/ ٢٥٥.
110 زاد المسير، ابن الجوزي ١/ ٦٠٦.
111 جامع البيان، الطبري ٢٢/ ١٧٧.
112 معالم التنزيل، ٣/ ٥٧٩.
113 جامع البيان، ٢٢/ ٢٩٧.
114 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/ ١٤١.
115 مفاتيح الغيب، الرازي ١٤/ ٣١٤.
116 زاد المسير، ابن الجوزي ٣/ ٢٤.
117 زهرة التفسير، ١٠/ ٥١٧٥.
118 جامع البيان، الطبري ١٩/ ١٤٩.
119 جامع البيان، ١٦/ ١٠٤.
120 زهرة التفاسير ٧/ ٣٨٢٥.
121 تفسير القرآن العظيم ٦/ ٢٠١.
122 جامع البيان ٨/ ٥٥١.
123 المحرر الوجيز ٥/ ٤٠٧.
124 جامع البيان ٢٤/ ٤٨٧.
125 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الزهد، ٤/٥٨٨، رقم ٢٣٧٧، وابن ماجه في سننه، كتاب الزهد، باب في مثل الدنيا، ٢/ ١٣٧٦، رقم ٤١٠٩.
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/٩٨٩، رقم ٥٦٦٨.
126 جامع البيان، ٢١ / ٥٢.
127 التحرير والتنوير ٢٣/ ٣٩.
128 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٧/ ٥٦٨.
129 التحرير والتنوير ٢٥/ ٦٨.
130 الكشاف، الزمخشري ٤/ ٢٧٩- ٢٨٠.
131 التفسير المنير ٢٥/ ٢٢٩.
132 تفسير القرآن العظيم ٧/ ٢٥٦.
133 جامع البيان، الطبري ٢٢/ ٦٠٠، ٦٠١.
134 الكشاف ٤/ ٤٤٠.
135 جامع البيان، الطبري ١٧/ ٢٨٩.
136 المحرر الوجيز ٣/ ٤١٩.
137 جامع البيان، ٢٣/ ٣٨٩.
138 تفسير القرآن العظيم ٨/ ١٢٣.
139 مجموع فتاوى ابن تيمية ١٥/ ٥-٦.
140 زهرة التفاسير ٥/ ٢٧٩٥.
141 جامع البيان ٢١/ ٦١٧.
142 مفاتيح الغيب، ٢٧/ ٦٣٧.
143 تفسير القرآن العظيم ٧/ ٢٣١.
144 التحرير والتنوير ٢٥/ ٢٣٠- ٢٣١.
145 تفسير القرآن العظيم ٥/ ٢٥٧.
146 الكشاف، الزمخشري ٣/ ١٩١.
147 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب صبغ أنعم أهل الدّنيا في النّار وصبغ أشدّهم بؤسًا في الجنّة، ٤/٢١٦٢، رقم ٢٨٠٧.
148 جامع البيان، الطبري ١٠/ ٣٩٠.
149 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/ ٩١.
150 مفاتيح الغيب، ٢٣/ ٢٥٤.
151 زهرة التفاسير، محمد أبو زهرة ٩/ ٤٨٩٥.
152 جامع البيان ٧/ ١٣٠.
153 جامع البيان، الطبري ١٩/ ٤٧.
154 الكشاف، الزمخشري ٣/ ١٩٢.
155 مفاتيح الغيب، الرازي ٣٢/ ٢٤٨.
156 جامع البيان، الطبري ٧/ ١٣٢.
157 جامع البيان، ١٩/ ٦٢٩.
158 التفسير المنير، للزحيلي ٣٠/ ٣٦٠.