عناصر الموضوع
الدعاء
أولًا: المعنى اللغوي:
الدعاء: مصدر الفعل (دعا) ويقال: دعا الرجل دعوًا ودعاءً: ناداه، والاسم: الدعوة، ودعيت فلانًا صحت به واستدعيته، والدعوة المرة الواحدة، والدعاء واحد الأدعية.
والدعاء أن تميل الشيء إليك بصوتٍ وكلامٍ يكون منك، تقول: دعوت فلانًا أدعوه دعاءً، أي: ناديته، وطلبت إقباله، يقال: دعوت الله أدعوه دعاءً: ابتهلت إليه بالسؤال، ورغبت فيما عنده من الخير، ودعا لفلان: طلب الخير له، ودعا على فلان: طلب له الشر1.
والحاصل: أن أصل الدعاء: النداء والطلب مطلقًا، مع ملاحظة استعلاء المنادى المطلوب منه.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
هو: سؤال العبد ربه حاجته.
قال القاضي أبو بكر بن العربي: حقيقة الدعاء: مناداة الله تعالى لما يريد من جلب منفعة، أو دفع مضرة من المضار2.
وقال الخطابي في معنى الدعاء: «استدعاء العبد ربه عز وجل العناية، واستمداده إياه المعونة، وحقيقته: إظهار الافتقار إليه، والتبرؤ من الحول والقوة، وهو سمة العبودية، واستشعار الذلة البشرية، وفيه معنى الثناء على الله عز وجل، وإضافة الجود، والكرم إليه»3.
العلاقة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي:
المعنى اللغوي والاصطلاحي متوافقان؛ إذ كل منهما يدلان على النداء والطلب، إلا أن المعنى الاصطلاحي خص هذا النداء بأنه نداء من العبد للرب.
ورد الجذر (د ع و) في القرآن الكريم (٢٠٧) مرات، يخص موضوع البحث منها(٢٠٥) مرات 4.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
٣٠ |
(ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [فصلت:٣٣] |
الفعل المضارع |
١٠٦ |
(ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [الطور:٢٨] |
فعل الأمر (دعائي) |
٣٢ |
(ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [النحل:١٢٥] |
اسم فاعل |
٧ |
(ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [طه:١٠٨] |
اسم |
٢٠ |
(ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [الرعد:١٤] |
مصدر |
١٠ |
(ﭑ ﭒ ﭓ) [الرعد:١٤] |
ورد الدعاء في القرآن على خمسة أوجه5:
الأول: القول: ومنه قوله تعالى: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [يونس: ١٠] يعني: قولهم في الجنة.
الثاني: العبادة: ومنه قوله تعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [الأنعام: ٧١] يعني: أنعبد من دون الله.
الثالث: النداء: ومنه قوله تعالى: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [القمر: ١٠] يعني: فنادى ربه أني مغلوب.
الرابع: الاستعانة: ومنه قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) [غافر: ٢٦] يعني: وليستعن بربه.
الخامس: السؤال: ومنه قوله تعالى: (ﭐﮣ ﮤ ﮥ) [البقرة: ٦١] يعني: سل ربك.
الذكر:
الذكر لغة:
الذِّكْر: ما ذكرته بلسانك وأظهرته، والذُّكْر: ما ذكرته بقلبك6.
الذكر اصطلاحًا:
قال الراغب الأصفهاني: «الذِّكْرُ: تارة يقال ويراد به هيئة للنّفس بها يمكن للإنسان أن يحفظ ما يقتنيه من المعرفة، وهو كالحفظ إلّا أنّ الحفظ يقال اعتبارًا بإحرازه، والذِّكْرُ يقال اعتبارًا باستحضاره، وتارةً يقال لحضور الشيء القلب أو القول، ولذلك قيل: الذّكر ذكران: ذكر بالقلب، وذكر باللّسان. وكلّ واحد منهما ضربان: ذكر عن نسيان، وذكر لا عن نسيان بل عن إدامة الحفظ. وكلّ قول يقال له ذكر»7.
وقال ابن علان: «أصل وضع الذكر هو ما تعبّدنا الشارع بلفظه مما يتعلق بتعظيم الحق والثناء عليه»8.
الصلة بين الدعاء والذكر:
قال ابن القيم: «إن الدعاء هو ذكر للمدعو سبحانه، متضمن للطلب منه والثناء عليه بأسمائه وأوصافه، فهو ذكر وزيادة، كما أن الذكر سمي دعاءً لتضمنه الطلب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أفضل الدعاء الحمد لله)، فسمى الحمد لله دعاء، وهو ثناء محض، لأن الحمد يتضمن الحب والثناء، والحب أعلى أنواع الطلب للمحبوب، فالحامد طالب لمحبوبه، فهو أحق أن يسمى داعيًا من السائل الطالب من ربه حاجةً ما»9.
الاستغاثة:
الاستغاثة لغة:
مصدر استغاث، وهو مأخوذ من الغوث بمعنى: الإغاثة والنّصرة عند الشّدّة10.
الاستغاثة اصطلاحًا:
طلب الغوث في الشدائد والأزمات11.
الصلة بين الدعاء والاستغاثة:
الدعاء أعم من الاستغاثة؛ إذ الدعاء طلب لدفع الشر وجلب الخير، يعني: فيكون في الشدة وفي الرخاء، أما الاستغاثة فهي طلب لدفع الضر لا لجلب الخير، فلا تكون إلا في الشدة، فكل مستغيث داعٍ وليس العكس.
الاستعاذة:
الاستعاذة لغة:
مصدر استعاذ، وهي من مادة (ع وذ) التي تدلّ على الالتجاء إلى الشيء12.
الاستعاذة اصطلاحًا:
هي: اللّجوء والاعتصام، وطلب كف الشرّ13.
الصلة بين الدعاء والاستعاذة:
الدعاء طلب دفع ضرر أو جلب نفع، أما الاستعاذة فهي التحصن بالله واللجوء إليه.
الاستعانة:
الاستعانة لغة:
الاستعانة مصدر استعان، وهي: طلب العون، يقال: استعنته واستعنت به فأعانني14.
الاستعانة اصطلاحًا:
لا يخرج عن المعنى اللغوي، فالاستعانة: طلب العون.
الصلة بين الدعاء والاستعانة:
الاستعانة طلب للعون، سواءً بالدعاء أو بغيره، والدعاء قد يكون طلبًا لدفع شر، أو جلب خير.
تعددت وتنوعت أساليب الدعاء في القرآن حثًّا عليه، وبيانًا لمنزلته، وهذا ما نستعرضه في النقاط الآتية:
أولًا: صور الدعاء وتراكيبه:
الناظر في الدعاء القرآني يجده قد جاء على أساليب شتى، تجمع بين الخبر والانشاء؛ مما نستعرضه فيما يأتي:
١. الدعاء بفعل الأمر.
كثر الدعاء بأسلوب الأمر (الطلب) حتى إنه جاء أكثر من مائتين وثلاثين مرة، ولم ترد في الدعاء من صيغ الأمر المعروفة سوى ثلاث صيغ:
صيغة (افعل): وهو أكثر الصيغ ورودًا، كقوله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [الشعراء: ٨٤-٨٦].
وفي دعاء المؤمنين (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [المؤمنون: ١٠٩].
وقولهم كذلك: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [الفرقان: ٧٤].
وقد ورد في قوله تعالى تعليمًا لنبيه صلى الله عليه وسلم ولأمته: (ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [الإسراء: ٨٠].
صيغة (فعّل): كقوله تعالى: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [آل عمران: ١٩٣].
صيغة (تفعّل): نحو قوله تعالى: (ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [البقرة: ١٢٧].
٢. الدعاء بالمصدر النائب عن فعل الأمر.
جاء ذلك في قوله تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [البقرة: ٢٨٥].
٣. الدعاء بأسلوب النهي.
النهي هو «طلب الكف عن الفعل استعلاءً، وله صيغة واحدة وهي لا تفعل، وهو كالأمر في أنه قد يخرج عن معناه الأصلي إلى معانٍ بلاغية منها (الدعاء) وذلك إذا كان على وجه التذلل والخضوع لله عز وجل»15.
وقد جاء الدعاء بأسلوب النهي نحو خمس عشرة مرة، من ذلك قوله تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [البقرة: ٢٨٦].
وقوله أيضًا: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [آل عمران: ٨].
وقوله كذلك: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [الأنبياء: ٨٩].
وقوله: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الممتحنة: ٥].
وقد يبنى الدعاء على الأمر وحده؛ كقوله تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [البقرة: ٢٥٠].
وقد يبنى على النهي وحده، نحو قوله تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [البقرة: ٢٨٦].
وقد يجمع بين الأمر والنهي في مثل قوله تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [آل عمران: ١٩٤].
وقوله تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [آل عمران: ٨].
وليس لذكرهما معًا قاعدة معينة في الترتيب، فقد يذكر الأمر أولًا، ثم يليه النهي، وذلك كالآية الأولى أو العكس، فيبدأ الدعاء بالنهي، ثم يتبعه الدعاء بالأمر.
وقد يكون الدعاء بهاتين الصيغتين متلوًّا بما يقويه ويؤكده؛ من ذلك قوله تعالى: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) فجملة: (ﯸ ﯹ ﯺ) جاءت تذييلًا مؤكدًا لمضمون الجملة قبله، ومثله قوله تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [الفرقان: ٦٥].
وقوله كذلك: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [التحريم: ٨].
فجملتا (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) و(ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) جاءتا تأكيدًا لما قبلها.
٤. الدعاء بأسلوب الاستفهام.
جاء الدعاء بأسلوب الاستفهام في موضعين، والاستفهام في حقيقته يستعمل (لطلب حصول صورة الشيء في الذهن) وقيل: هو «طلب العلم بشيء لم يكن معلومًا من قبل»16.
وقد يخرج الاستفهام عن معناه الأصلي إلى معانٍ بلاغية، تفهم من السياق، من بينها الدعاء17؛ ومنه قوله تعالى على لسان موسى عليه السلام: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [الأعراف: ١٥٥].
أي: لا تهلكنا «فهذا استفهام على سبيل الإدلاء بالحجة في صيغة استعطاف وتذلل»18، ومثله قوله تعالى: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [غافر: ١١] أي: أخرجنا.
٥. الدعاء بأسلوب الخبر.
جاء الدعاء بالأسلوب الخبري في تسع آيات؛ ولهذا الأسلوب مزية ذكرها الزركشي رحمه الله حين أشار أن في«لفظ الخبر الحاصل تحقيقًا لثبوته؛ وأنه مما ينبغي أن يكون واقعًا ولابد، وهذا هو المشهور»19.
وأشار بعض البلاغيين إلى أن الخبر قد يقع موقع الإنشاء «إما للتفاؤل، أو لإظهار الحرص في وقوعه -والدعاء بصيغة الماضي من البليغ يحتمل الوجهين- أو للاحتراز عن صورة الأمر»20.
ونجد أنّ الدعاء بأسلوب الخبر قد التزم الجملة الاسمية للتعبير عن حاجات الداعين ومطالبهم، كما في قوله تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [الأنبياء: ٨٧].
فقوله عليه السلام: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) يعدّ دعاءً، وإن لم يكن ذلك ظاهرًا «أي: وإن لم يكن بأسلوبي الدعاء المشهورين: الأمر والنهي»، وإنما جاء بالأسلوب الخبري، والذي دلّ أنه دعاء قوله تعالى بعده: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [الأنبياء: ٨٨].
وكذلك ما جاء في دعاء سيدنا أيوب عليه السلام: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [الأنبياء: ٨٣].
فهو عليه السلام لم يدع الله صراحة، بل عرض حاجته في أدب، وأطلقها على حياءٍ من الله، فعرّض وكنّى عن طلبه -رفع البلاء والضرّ عنه- بالخبر دون الإنشاء، جاءت الآية بعد قوله هذا، فدلّت على أن ما صدر منه هو دعاءٌ وتضرع.
قال تعالى: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [الأنبياء: ٨٤].
ثانيًا: تسمية الدعاء عبادة:
الدعاء هو حقيقة العبادة، قال تعالى: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [لقمان: ٣٠].
وقال تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [لقمان: ٣٢].
وقال سبحانه: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [السجدة: ١٦].
والعبادة طلب الثواب بالأعمال الصالحة، كالنطق بالشهادتين، والعمل بمقتضاهما، والصلاة والصيام والزكاة والحج والذبح لله والنذر له، وبعض هذه العبادات تتضمن الدعاء بلسان المقال مع لسان الحال كالصلاة، فمن فعل هذه العبادات وغيرها من أنواع العبادات الفعلية، فقد دعا ربه، وطلبه بلسان الحال أن يغفر له.
والخلاصة أنه يتعبد لله طلبًا لثوابه وخوفًا من عقابه، وهذا النوع لا يصح لغير الله تعالى، ومن صرف شيئًا منه لغير الله فقد كفر كفرًا أكبر مخرجًا من الملة، وعليه يقع قوله تعالى: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [غافر: ٦٠].
وقال تعالى: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [الأنعام: ١٦٢-١٦٣]21.
جاء الدعاء بمعنى العبادة في قوله تعالى: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [غافر: ٦٠].
«أي: اعبدوني بدليل ما بعده (عبادتي) وكذلك قوله تعالى: (ﯓ ﯔ ﯕ) [غافر: ١٤]، أي: (اعبدوا)»22.
ومثله قوله تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [الفرقان: ٧٧]، أي: عبادتكم23.
قال تعالى: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الكهف: ١٤]، أي: نعبد24.
عن النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) قال: (الدّعاء هو العبادة) وقرأ: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [غافر: ٦٠]25.
قوله: (الدّعاء هو العبادة): أتى بضمير الفصل والخبر المعرّف باللام ليدل على الحصر في أن العبادة ليست غير الدعاء مبالغةً.
ومعناه أن الدعاء معظم العبادة، كما قال صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة)26، أي: معظم أركان الحج الوقوف بعرفة.
أو المعنى: أن الدعاء هو العبادة، سواءً استجيب أو لم يستجب؛ لأنه إظهار العبد العجز والاحتياج من نفسه والاعتراف بأن الله تعالى قادر على إجابته.
ثم قرأ: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) قيل: استدل بالآية على أن الدعاء عبادة؛ لأنه مأمور به، والمأمور به عبادة.
واستشهد بالآية لدلالتها على أن المقصود يترتب عليه ترتب الجزاء على الشرط، والمسبب على السبب، ويكون أتم العبادات، ويقرب من هذا قوله: (مخ العبادة)، أي: خالصها (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) أي: عن دعائي (ﭨ ﭩ ﭪ) أي: صاغرين ذليلين.
قال الطيبي: «معنى حديث النعمان أن تحمل العبادة على المعنى اللغوي؛ إذ الدعاء هو إظهار غاية التذلل والافتقار والاستكانة، قال تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) حيث عبر عن عدم التذلل والخضوع بالاستكبار، ووضع عبادتي موضع دعائي، وجعل جزاء ذلك الاستكبار الصغار والهوان»27.
قال تعالى: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [غافر: ١٤].
أي: ادعوا الله وحده، مخلصين له العبادة التي أمركم بها، ولا تلتفتوا إلى كراهة الكفار، ودعوهم يموتوا بغيظهم، ويهلكوا بحسرتهم28.
وقال تعالى: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [الأعراف: ١٩٧].
أي: تعبدونهم أو تدعونهم من دونه عز وجل للاستعانة بهم، لا يستطيعون نصركم في أمر من الأمور29.
وقال تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [مريم: ٤٨].
أي: أعتزل ما تعبدون من دون الله، وأعبد ربي، عسى أن لا أشقى بدعائه وعبادته، كما تشقون أنتم بعبادة الأصنام30.
وقال تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [الأحقاف: ٥].
«أي: لا أحد أضل منه، ولا أجهل، فإنه دعا من لا يسمع فكيف يطمع في الإجابة فضلًا عن جلب نفع، أو دفع ضر؟ فتبين بهذا أنه أجهل الجاهلين، وأضل الضالين والاستفهام للتقريع والتوبيخ»31.
والمتأمل في حقيقة الدعاء يجد فيه تذكيرًا بأصول العقيدة، وتجديدًا للوعي بها؛ قال ابن عقيل: «قد ندب الله تعالى إلى الدعاء، وفي ذلك معان:
أحدها: الوجود، فإن ما ليس بموجود لا يدعى.
الثاني: الغنى، فإن الفقير لا يدعى.
الثالث: السمع، فإن الأصم لا يدعى.
الرابع: الكرم، فإن البخيل لا يدعى.
الخامس: الرحمة، فإن القاسي لا يدعى.
السادس: القدرة، فإن العاجز لا يدعى»32.
ثالثًا: الوعد باستجابة دعاء الداعين:
من شروط قبول الدعاء الثقة بالله تعالى، واليقين بالإجابة33: فهو سبحانه على كل شيء قدير؛ إذ يقول للشيء كن فيكون، قال سبحانه: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [النحل: ٤٠].
وقال سبحانه: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [يس: ٨٢].
ومما يزيد ثقة المسلم بربه تعالى أن يعلم أن جميع خزائن الخيرات والبركات عند الله تعالى، قال سبحانه: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [الحجر: ٢١].
والله عز وجل رغب عباده في الدعاء، ووعدهم لبالغ رأفته ورحمته بهم وكرمه السابغ معهم بالإجابة.
قال الله تعالى: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [غافر: ٦٠].
وقال عز وجل: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [البقرة: ١٨٦].
ومع الثقة في الإجابة يكون الإلحاح على الله عز وجل في الدعاء، فلا استعجال في تحقق المراد، ولا استبطاء لوقوعه؛ مما يبلور توكلًا صادقًا على الله، ويقينًا راسخًا بقدرته ورحمته بعباده.
إنّ من علامة التذلّل والافتقار إلى الله عز وجل في الدعاء: الإلحاح فيه والتكرار؛ فعن أبي الدرداء وابن عباس رضي الله عنهما أنّهما كانا يقولان: اسم الله الأكبر: ربّ، وعن عطاء قال: ما قال عبد: يا ربّ ثلاث مرات إلا نظر الله إليه، فذكر ذلك للحسن فقال: أما تقرؤون القرآن؟!
ثم تلا قول الله عز وجل: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [آل عمران ١٩١-١٩٥]34.
ونجد هذا الإلحاح والتكرار في دعاء إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [البقرة: ١٢٧-١٢٩].
للدعاء آداب سوف نعرضها في النقاط الآتية:
أولًا: الدعاء بأسماء الله الحسنى:
من أعظم الثناء على الله عز وجل الدعاء بالأسماء الحسنى، والتوسل بها؛ لقوله تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [الأعراف ١٨٠-١٨١].
ومن دواعي الإجابة تحري الأدعية التي اشتملت على اسم الله الأعظم؛ فعن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: (ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) [البقرة: ١٦٣]. وفاتحة آل عمران: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [آل عمران: ١-٢])35.
ويستحضر الداعون حين يرفعون أكفهم بالدعاء عبوديتهم الخاضعة لله وحده، وتتجدد في وعيهم أبعاد وحدانية خالقهم المعطي سبحانه الذي يتوجهون إليه، وهم ينشدون تحقيق ما يرغبونه من جلب نفع، أو كشف ضر، أو طلب حاجة.
وقد أفاضت آيات من القرآن في بيان ذلك؛ قال الله تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [الأنعام: ١٧].
وقال سبحانه: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [يونس: ١٠٦-١٠٧].
وقال تعالى: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الأعراف: ١٩٤].
وقال سبحانه: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [الأعراف: ١٩٧].
وقال تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [الحج: ١١-١٣].
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [الحج: ٧٣-٧٤].
وقال تبارك وتعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [العنكبوت: ٤١-٤٣].
وقال سبحانه: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [سبأ: ٢٢-٢٣].
وقال عز وجل: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [فاطر: ١٣-١٤].
وقال الله تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [الأحقاف: ٥ - ٦].
وكل من استغاث بغير الله، أو دعا غير الله دعاء عبادة أو دعاء مسألة فيما لا يقدر عليه إلا الله فهو مشرك مرتد، كما قال سبحانه: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [المائدة: ٧٢].
وقال تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [النساء: ١١٦].
وقال تعالى: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [الشعراء: ٢١٣].
وقال عز وجل: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الزمر: ٦٥-٦٦].
وقال سبحانه: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [الأنعام: ٨٨].
على من يتوجّه إلى ربه عز وجل بعد شعوره بضعفه، وحاجته الماسة إلى ملك الملوك، ومن بيديه خزائن السموات والأرض أن يحمد ربه ويثني عليه، ويمجّده بما هو أهله، ويجعل ذلك وسيلته إلى رضا ربّه وقبول دعائه، يظهر ذلك في أدعية القرآن الكريم؛ فسورة الفاتحة التي هي أم الكتاب، والجامعة لمقاصده بدأت بحمد الله، وأثنت عليه ومجّدته سبحانه وتعالى، ثم ذكرت الاعتراف بعبوديّته، والاستعانة به وحده، وشرعت بعد ذلك في أعظم دعاء: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [الفاتحة: ٦-٧].
«ولمّا كان سؤال الله الهداية إلى الصراط المستقيم أجلّ المطالب، ونيله أشرف المواهب، علّم الله عباده كيفيّة سؤاله، وأمرهم أن يقدّموا بين يديه حمده والثناء عليه وتمجيده، ثم ذكر عبوديّتهم وتوحيدهم، فهاتان وسيلتان إلى مطلوبهم، توسّل إليهم بأسمائه وصفاته، وتوسّل إليه بعبوديّته، وهاتان الوسيلتان لا يكاد يردّ معهما الدعاء»36.
ومن أدعية القرآن المبدوءة بتمجيد الله تعالى:
ثانيًا: الإخلاص في الدعاء:
الإخلاص: هو تصفية الدعاء من كل ما يشوبه، وصرف ذلك كله لله وحده، لا شرك فيه، وإنما يرجو العبد ثواب الله وينشد تحقيق آماله من الله وحده مخلصًا له سبحانه في عبوديته له.
وقد أمر الله تعالى بالإخلاص في كتابه الكريم، فقال تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [الأعراف: ٢٩].
وقال عز وجل: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [غافر: ١٤].
وقال تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [الزمر: ٣].
وقال سبحانه: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [البينة: ٥].
ويرتبط التوحيد بالإخلاص في الدعاء، قال عز وجل: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [الزمر: ١٤-١٥].
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [الرعد: ١٤].
والعمل الصالح هو ما كان موافقًا لشرع الله تعالى، ويراد به وجه الله سبحانه، فلابد أن يكون الدعاء والعمل خالصًا لله، صوابًا على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم37.
ولهذا قال الفضيل بن عياض في تفسير قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [الملك: ١-٢].
قال: هو أخلصه وأصوبه، قالوا: يا أبا علي، ما أخلصه وأصوبه؟ فقال: «إن العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يقبل، خالصًا صوابًا، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة»38، ثم قرأ قوله تعالى: (ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ) [الكهف: ١١٠].
وقال تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [النساء: ١٢٥].
وقال تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [لقمان: ٢٢].
فإسلام الوجه: إخلاص القصد والدعاء والعمل لله وحده، والإحسان فيه: متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته39، فيجب على المسلم أن يكون متبعًا للنبي صلى الله عليه وسلم في كل أعماله؛ لقوله تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الأحزاب: ٢١].
وقوله: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [آل عمران: ٣١].
وقال تعالى: (ﯡ ﯢ ﯣ) [الأعراف: ١٥٨].
وقال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [النور: ٥٤].
وقد يتوسل العبد إلى الله تعالى بأنواع التوسل المشروعة؛ قال تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ) [المائدة: ٣٥].
وحقيقة الوسيلة إلى الله تعالى مراعاة سبيله بالعلم والعبادة، وتحري مكارم الشريعة، وهي كالقربة، ومعنى قوله تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ) أي: تقربوا إليه بطاعته، والعمل بما يرضيه40.
وأنواع التوسل المشروع ثلاثة:
ثالثًا: الدعاء رغبًا ورهبًا:
مدح الله تعالى عبده زكريا عليه السلام وأهله بتذلّلهم عند دعائهم، قال الله تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [الأنبياء: ٩٠].
ذكر الحافظ ابن كثير بسنده عن عبدالله ابن حكيم قال: خطبنا أبو بكر رضي الله عنه ثم قال: أمّا بعد، فإنّي أوصيكم بتقوى الله، وتثنوا عليه بما هو له أهل، وتخلطوا الرغبة بالرهبة، وتجمعوا الإلحاف بالمسألة، فإنّ الله أثنى على زكريا وأهل بيته، فقال: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [الأنبياء: ٩٠]41.
وفي قوله تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [الأنبياء: ٩٠].
ذكر الإمام القرطبي: «قيل: الرغب: رفع بطون الأكف إلى السماء، والرهب: رفع ظهورها»42.
ومتى كان الدعاء رغبًا ورهبًا فلا يقع من العبد شيء من الاستعجال أو ترك الدعاء: فالعبد لا يستعجل في عدم إجابة الدعاء؛ لأن الله قد يؤخر الإجابة لأسباب: إما لعدم القيام بالشروط، أو الوقوع في الموانع، أو لأسباب أخرى تكون في صالح العبد وهو لا يدري، فعلى العبد إذا لم يستجب دعاؤه أن يراجع نفسه، ويتوب إلى الله تعالى من جميع المعاصي، ويبشر بالخير العاجل والآجل، والله تعالى يقول: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [الأعراف: ٥٦].
الخشوع واستحضار القلب عند الدعاء:
يشترط في الدعاء الضراعة وحضور القلب، وإظهار الخشوع لله عز وجل، ويرتبط الخشوع وحضور القلب بالإقبال على الدعاء، قال تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [الأنبياء: ٩٠].
والمراد بالخشوع والخضوع وحضور القلب أن يقصد بدعائه الخضوع والتذلّل لعظمة ربّه، كما هو وصف العبد اللازم له، ولا يكون الدعاء بلسانه والغفلة بجنانه، فيكون مانعًا له من مراده.
إنّ الخشوع والخضوع أرجى لقبول الدعاء؛ لأنّ فيه تعظيم الله تعالى، واستحضار الضعف مع التأدّب عند مناجاة الربّ.
قال تعالى: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [الأعراف: ٥٥- ٥٦].
وهذا أمر بالدعاء وتعبّد به، ثم قرن جلّ وعزّ بالأمر صفات تحسن معه، وهي: الخشوع والاستكانة والتضرّع، أمر بأن يكون الإنسان في حالة ترقّب وتخوّف وتأمّل لله عز وجل حتّى يكون الرجاء والخوف للإنسان كالجناحين للطائر يحملانه في طريق استقامته، وإن انفرد أحدهما هلك الإنسان، قال تعالى: (ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الحجر: ٤٩-٥٠].
فرجّى وخوّف، فيدعوه الإنسان خوفًا من عقابه، وطمعًا في ثوابه، قال تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ) [الأنبياء: ٩٠] 43.
وقد ذمّ الله الذين لا يتضرعون إليه، قال عز وجل: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [المؤمنون:٧٦].
وقال الله عز وجل: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [الأنعام: ٤٢-٤٣].
وقال عز وجل: (ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [الأنعام: ٦٣].
وقال عز وجل: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [الأعراف: ٢٠٥].
مع هذا كلّه يجب أن يكون الداعي حاضر القلب، روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (القلوب أوعية، وبعضها أوعى من بعض، فإذا سألتم الله عز وجل أيّها النّاس فاسألوه، وأنتم موقنون بالإجابة، فإنّ الله لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل)44.
وقد أمر الله تعالى بحضور القلب، والخشوع في الذكر والدعاء، فقال سبحانه: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [الأعراف: ٢٠٥].
روى مسلم أنه صلى الله عليه وسلم كان يتضرّع عند الدعاء حتى يكاد يسقط رداؤه، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لمّا كان يوم بدرٍ نظر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألفٌ، وأصحابه ثلاث مائةٍ وتسعة عشر رجلًا، فاستقبل نبيّ اللّه صلى الله عليه وسلم القبلة، ثمّ مدّ يديه، فجعل يهتف بربّه: (اللّهمّ أنجز لي ما وعدتني، اللّهمّ آت ما وعدتني، اللّهمّ إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض) فما زال يهتف بربّه مادًّا يديه مستقبل القبلة حتّى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكرٍ فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثمّ التزمه من ورائه وقال: يا نبيّ اللّه كفاك مناشدتك ربّك، فإنّه سينجز لك ما وعدك، فأنزل اللّه عز وجل: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [الأنفال: ٩]. فأمدّه اللّه بالملائكة45.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: «الدعاء من أقوى الأسباب في دفع المكروه، وحصول المطلوب، ولكن قد يتخلّف عنه أثره، إمّا لضعفه في نفسه بأن يكون دعاء لا يحبه الله؛ لما فيه من العدوان، وإمّا لضعف القلب، وعدم إقباله على الله، وجمعيته عليه وقت الدعاء، وإمّا لحصول المانع من الإجابة، من أكل الحرام، ورين الذنوب على القلوب، واستيلاء الغفلة والسهو واللهو وغلبتها عليها»46.
فلابد للمسلم في دعائه من أن يحضر قلبه مع الله عز وجل، ونعني به أن يفرّغ الدّاعي قلبه عن غير ما هو ملابس له ومتكلم به، فيكون العلم بالفعل والقول مقرونًا بهما، ولا يكون الفكر جائلًا في غيرهما، ومهما انصرف في الفكر عن غير ما هو فيه وكان في قلبه ذكر لما هو فيه، ولم يكن فيه غفلة عن كل شيء، فقد حصل حضور القلب، وهذا أعظم شروط قبول الدعاء47.
رابعًا: تحري أوقات ومواطن الإجابة:
من الأسباب الداعية الى استحضار القلب تحري الأحوال المختصة بالإجابة؛ فإجابة الدعاء علم قد اختص الله تعالى به، لا شأن للعبد فيه، فمن تأمل نصوص الكتاب الكريم يلاحظ أنّ الأوقات ليست كلّها سواء، فمنها ما تفتح فيها أبواب السماء، ولا يحجب فيها الدعاء، ومنها ما تستنزل فيها الرحمة أكثر من غيرها، وفيما يلي ذكر لبعض هذه الأوقات والأحوال، والأماكن التي ترجى فيها الإجابة:
وقد مدح الله المستغفرين بالأسحار، فقال عز وجل: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [الذاريات: ١٧-١٨].
قال ابن زيد في قوله تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ) قال: هم المؤمنون، وبلغنا أن نبي الله يعقوب حين سألوه أن يستغفر لهم (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [يوسف: ٩٧-٩٨].
قال بعض أهل العلم: إنه أخّر الاستغفار إلى السحر، وهي الساعة التي تفتح فيها أبواب السماء، قال ابن زيد: السحر هو السدس الأخير من الليل48.
وقت اجتماع الهمم، وتعاون القلوب على استدرار رحمة الله (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [الجمعة: ٩-١٠].
قال تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [البقرة: ١٨٥-١٨٦].
فقد ذكر سبحانه إجابة الدعاء عقب ذكره فريضة الصيام، وقال صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حين يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم)49.
وهي أكثر الليالي أهمية في استجابة الدعاء، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [القدر: ١-٥].
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: (قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني)50، فعلى المؤمن أن يتحرى هذه الليلة، ويحييها بالصلاة والدعاء.
قال تعالى: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [العلق: ١٩].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء)51.
ويظهر ذلك فيما ورد عن بعض الصحابة رضوان الله عليهم؛ فعن حبيب بن صهبان قال: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يطوف بالبيت وهو يقول بين الباب والركن أو بين المقام والباب: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [البقرة: ٢٠١]52.
قال تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [الأعراف: ٢٩].
وأما قوله: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [الأعراف: ٢٩].
فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: معناه: وجّهوا وجوهكم حيث كنتم في الصلاة إلى الكعبة، وقال آخرون: بل عنى بذلك: واجعلوا سجودكم لله خالصًا، دون ما سواه من الآلهة والأنداد، قال أبو جعفر: وأولى هذين التأويلين بتأويل الآية أن القوم أمروا أن يتوجهوا بصلاتهم إلى ربهم لا إلى ما سواه من الأوثان والأصنام، وأن يجعلوا دعاءهم لله خالصًا، لا مكاءًا ولا تصديةً53.
وقال تعالى: (ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [النور: ٣٦-٣٨].
وفي هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعية طيبة مرتبطة بالمسجد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أحدكم المسجد فليقل: اللهمّ افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل: اللهمّ إني أسألك من فضلك)54.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد قال: (بسم الله والسّلام على رسول الله، اللّهمّ اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج قال: بسم الله، والسّلام على رسول الله، اللّهمّ اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب فضلك)55.
خامسًا: الدعاء وقت الشدة والضرورة:
لابدّ للداعي أن يتوجه إلى الله تعالى توجّه المضطر الذي لا يرجو غيره، وأن يرجع في كلّ حوائجه إلى ربه، ولا ينزلها بغيره من الأسباب التي لا تملك ضرًا ولا نفعًا، قال تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [الإسراء: ٥٦].
فإذا لجأ الداعي إلى ربه بقلب سليم، وكان دعاؤه حقيقيًا صادقًا جادًا، تحقق الانقطاع الصادق بالاضطرار الحقيقي إلى الله تعالى الذي هو شرط في قبول الدعاء، قال تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [النمل: ٦٢].
ينبه تعالى أنه هو المدعو عند الشدائد، المرجو عند النوازل، كما قال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [الإسراء: ٦٧].
وقال تعالى: (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) [النحل: ٥٣].
وهكذا قال ها هنا: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) أي: من هو الذي لا يلجأ المضطر إلا إليه، والذي لا يكشف ضر المضرورين سواه56.
المضطر المكروب هو ذو الضرورة المجهود الذي أحوجه مرض أو شدة، أو فقر أو نازلة من نوازل الدهر إلى التضرع إلى الله تعالى واللجإ إليه تعالى من الاضطرار، وقال السدي: «الذي لا حول له ولا قوّة، وقيل: المذنب إذا استغفر، وهو إفتعال من الضرورة، واللام فيه للجنس، لا للاستغراق، فلا يلزم منه إجابة كل مضطر، ويكشف السّوء الضر، ويدفع عن الإنسان ما يسوءه»57.
وقد ضمن الله تعالى إجابة المضطر إذا دعاه، وأخبر بذلك عن نفسه؛ فأما قوله تعالى: (ﯝ ﯞ) فهو كالتفسير للاستجابة، فإنه لا يقدر أحد على كشف ما دفع إليه من فقر إلى غنى، ومرض إلى صحة، وضيق إلى سعة إلا القادر الذي لا يعجز، والقاهر الذي لا ينازع58.
والسبب في ذلك أنّ الضرورة إليه بالالتجاء تنشأ عن الإخلاص، وقطع القلب عمّا سواه، وللإخلاص عنده سبحانه موقع وذمة وجد من مؤمن أو كافر، طائع أو فاجر، كما قال تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [يونس: ٢٢].
وقوله تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [العنكبوت: ٦٥].
أجابهم عند ضرورتهم ووقوع إخلاصهم، مع علمه أنّهم يعودون إلى شركهم وكفرهم، وقال تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [العنكبوت: ٦٥].
فيجيب المضطر لموضع اضطراره وإخلاصه59.
فمن اعتقد أن لله شريكًا لم يحصل له الاضطرار؛ لأنه يقول: إن كان هذا المعبود لا ينصرني فذاك الآخر ينصرني، وإن لم يحصل في قلبه الاضطرار لم تحصل الإجابة ولا النصرة60.
والحق أن جميع الخلق مفتقرون إلى الله تعالى في جلب مصالحهم، ودفع مضارهم، في أمور دينهم ودنياهم، قال تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [فاطر: ١٥].
«يقول -تعالى ذكره-: يا أيها الناس أنتم أولو الحاجة والفقر إلى ربكم فإياه فاعبدوا، وفي رضاه فسارعوا، يغنكم من فقركم، وتنجح لديه حوائجكم (ﮬ ﮭ ﮮ) عن عبادتكم إياه وعن خدمتكم، وعن غير ذلك من الأشياء؛ منكم ومن غيركم، (ﮯ) يعني: المحمود على نعمه؛ فإن كل نعمة بكم وبغيركم فمنه، فله الحمد والشكر بكل حال»61.
قوله: (ﮩ ﮪﮫ) إعلام بأنه لا افتقار إلا إليه، ولا اتكال إلا عليه، وهذا يوجب عبادته؛ لكونه مفتقرًا إليه، وعدم عبادة غيره لعدم الافتقار إلى غيره62.
وهذا يقتضي أن جميع الخلق مفتقرون إلى الله تعالى في جلب مصالحهم، ودفع مضارهم في أمور دينهم ودنياهم، وأن العباد لا يملكون لأنفسهم شيئًا من ذلك كله، وأن من لم يتفضل الله عليه بالهدى والرزق، فإنه يحرمها في الدنيا، ومن لم يتفضل الله عليه بمغفرة ذنوبه أوبقته خطاياه في الآخرة63.
والعبد يسأل ربه كل شيء يحتاجه في أمر دينه ودنياه؛ لأن الخزائن كلها بيده سبحانه وتعالى، قال سبحانه: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [الحجر: ٢١].
أي: وما من شيء إلا ونحن قادرون على إيجاده وتكوينه أضعاف ما وجد منه، فضرب الخزائن مثلًا لاقتداره أو شبه مقدوراته بالأشياء المخزونة، التي لا يحوج إخراجها إلى كلفة واجتهاد، وما ننزّله من بقاع القدرة إلّا بقدرٍ معلومٍ حده الحكمة وتعلقت به المشيئة، فإن تخصيص بعضها بالإيجاد في بعض الأوقات مشتملًا على بعض الصفات والحالات لابد له من مخصص حكيم64.
سادسًا: خفض الصوت في الدعاء:
من آداب الدعاء خفض الصوت، وجعله بين المخافتة والجهر؛ لقوله عز وجل: (ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [الإسراء: ١١٠].
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كانوا يجهرون بالدعاء، فلما نزلت هذه الآية أمروا أن لا يجهروا ولا يخافتوا، وتأويل الكلام -كما ذكر الطبري-: قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيًا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى، ولا تجهر يا محمد بقراءتك في صلاتك ودعائك فيها ربك ومسألتك إياه، وذكرك فيها، فيؤذيك بجهرك بذلك المشركون، ولا تخافت بها، فلا يسمعها أصحابك (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ)65.
و«المراد بالصلاة: الدعاء، وهذا قول عائشة رضي الله عنها، وأبي هريرة، ومجاهد، وروي هذا مرفوعًا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في هذه الآية: إنما ذلك في الدعاء والمسألة، لا ترفع صوتك فتذكر ذنوبك فيسمع ذلك، فتعيّر بها، فالجهر بالدعاء منهي عنه، والمبالغة في الإسرار غير جائزة، والمستحب من ذلك التوسّط وهو أن يسمع نفسه»، كما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: «لم يخافت من أسمع أذنيه».
وروي عن الإمام مالك أنه قال: «إنما أنزلت هذه الآية: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) في الدعاء»66.
وقال تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [الأعراف: ٢٠٥].
قوله: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ)، المراد منه: أن يقع ذلك الذكر بحيث يكون متوسطًا بين الجهر والمخافتة، كما قال تعالى عن زكريا عليه السلام: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [مريم: ٣].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: وتفسير قوله: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ)، المعنى: أن يذكر ربه على وجه يسمع نفسه، فإن المراد حصول الذكر اللساني، والذكر اللساني إذا كان بحيث يسمع نفسه فإنه يتأثر الخيال من ذلك الذكر، وتأثر الخيال يوجب قوة في الذكر القلبي الروحاني، ولا يزال يتقوى كل واحد من هذه الأركان الثلاثة، وتنعكس أنوار هذه الأذكار من بعضها إلى بعض، وتصير هذه الانعكاسات سببًا لمزيد القوة والجلاء والانكشاف والترقي من حضيض ظلمات عالم الأجسام إلى أنوار مدبر النور والظلام67.
كما أنّ الدعاء مع هذه الهيئة يكون كما قال الله تعالى: (ﮫﮬ) لأنّ ذلك يكون أبعد من الرياء؛ ذلك أنّ الشريعة مقرّرة أنّ السر فيما يعترض من أعمال البر أعظم أجرًا من الجهر، قال الحسن بن أبي الحسن: لقد أدركنا أقوامًا ما كان على الأرض عمل يقدرون على أن يكون سرًا فيكون جهرًا أبدًا68.
ويبيّن العلامة ابن القيم فوائد لإخفاء الدعاء، فيقول:
أولها: أنّه أعظم إيمانًا؛ لأنّ صاحبه يعلم أنّ الله يسمع دعاءه الخفي.
ثانيها: أنّه أعظم في الأدب والتعظيم؛ ولهذا لا تخاطب الملوك ولا تسأل برفع الصوت، وإنّما تخفض عندهم الأصوات، ويخفت عندهم الكلام بمقدار ما يسمعونه، ومن رفع صوته لديهم مقتوه، ولله المثل الأعلى، فإذًا ربنا يسمع الدعاء الخفي، فلا يليق بين يديه إلا خفض الصوت.
ثالثها: أنه -يعني الإخفاء- أبلغ في التضرّع والخشوع الذي هو روح الدعاء ولبه ومقصوده، فإنّ الخاشع الذليل الخاضع إنّما يسأل مسألة ذليل قد انكسر قلبه، وذلت جوارحه، وخشع صوته.
رابعها: أنه أبلغ في الإخلاص.
خامسها: أنه أبلغ في جمعه القلب على الله في الدعاء، فإنّ رفع الصوت يفرّقه ويشتّته، فكلّما خفض صوته كان أبلغ في حمده، وتجريد همته، وقصده للمدعو سبحانه وتعالى.
سادسها: أنه دالٌّ على قرب صاحبه من الله، وأنّه لاقترابه منه وشدة حضوره يسأله أقرب شيء إليه، فيسأله مسألة مناجاة القريب للقريب، لا مسألة نداء البعيد للبعيد.
سابعها: أنه أدعى إلى دوام الطلب والسؤال، فإن اللسان لا يمل، والجوارح لا تتعب، بخلاف ما إذا رفع صوته، فإنّه يكلّ لسانه وتضعف بعض قواه 69.
ولما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قومًا يرفعون أصواتهم بالدعاء أنكر عليهم قائلًا: (أربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا، إنكم تدعون سميعًا قريبًا)70.
سابعًًا: عدم الاعتداء في الدعاء:
ومن آداب الدعاء عدم الاعتداء فيه؛ فالاعتداء فيه من أسباب موانع إجابته، قال سبحانه وتعالى: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [الأعراف: ٥٥].
وقد فسّر الاعتداء -في معنى الآية- بتكلف السجع في عبارات الدعاء، أو التفصيل فيه بتكلف 71.
وكذلك فسّر برفع الصوت به؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما لعكرمة رحمه الله: «فانظر السجع من الدعاء فاجتنبه، فإني عهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا يفعلون إلا ذلك»72. يعني: لا يفعلون إلا ذلك الاجتناب.
والتعجل من صور الاعتداء في الدعاء، والإنسان خلقه الله تعالى وأوجد فيه غرائز وفطر فيكون أحيانًا في غاية السرور والفرح من نفسه أو من أحد أقاربه وأصدقائه، وقد يتغيّر الحال تمامًا فيصير القريب عدوًا، والعدو صديقًا، بل قد يدعو الإنسان أحيانًا على نفسه وولده، ثم يندم بعد قليل، فلو استجيبت الدعوة لدام حزن هذا الإنسان إلى الأبد، قال عز وجل: (ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [يونس: ١١].
قال أبو جعفر: «يقول -تعالى ذكره-: ولو يعجل الله للناس إجابة دعائهم في الشر، وذلك فيما عليهم مضرة في نفس أو مال (ﮏ ﮐ)، يقول: كاستعجاله لهم في الخير بالإجابة إذا دعوه به (ﮑ ﮒ ﮓ)، يقول: لهلكوا، وعجّل لهم الموت، وهو الأجل»73.
ينقسم الدعاء في القرآن إلى دعاء ممدوح ودعاء مذموم، وسوف نعرضها في النقاط الآتية:
أولًا: الدعاء الممدوح:
إن أعظم الأدعية الممدوحة هي تلك التي أثرت عن الأنبياء عليه السلام.
وقدسجّلت آيات القرآن الكريم كثرة من أدعية الأنبياء والمرسلين وعباد الله الصالحين، والنظر فيها يعلّم المسلم كثيرًا من آداب الدعاء، ويهبه كثيرًا من أوجه الخير؛ إذ يعرف كيف يدعو، وبم يدعو، ويتجدد وعيه بسير الأنبياء والمرسلين ممن يؤمن المسلم بهم، وهم لديه في مقام القدوة والاحتذاء.
وقد اهتم الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم من عباد الله الصالحين بالدعاء، فاستجاب الله دعاءهم، وهذا كثير في القرآن ومن أمثلته:
ذكر القرآن الكريم ما كان من وسوسة الشيطان لآدم عليه السلام: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [البقرة: ٣٦].
وما ترتب على ذلك من ندمه عليه السلام وزوجه؛ آنئذٍ اتجها إلى الله في ذل وانكسار واعتراف بالذنب؛ مما يسجّله قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [الأعراف: ٢٣].
وذلك عندما «قال آدم: أي ربّ أرأيت إن تبت واستغفرت؟! قال: إذًا أدخلك الجنة، فقالا قولهما السابق، وهي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه»74.
وكانت الاستجابة للدعاء والاستغفار؛ فغفر الله لهما، كما قال سبحانه: (ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) [البقرة: ٣٧].
ثم أكرمه الله بالاصطفاء، فقال عز وجل: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [آل عمران: ٣٣].
وخصّه بالاجتباء، فقال عز وجل: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [طه: ١٢٢].
فقد سجّل القرآن ما كان من حرص نوح عليه السلام على دعوة قومه ليلًا ونهارًا، لكن ذلك كله لم يغيّر من إعراضهم وصدهم شيئًا، بل استمروا في كفرهم حينها انقطعت الحجة، واستحقوا العذاب، فدعا عليهم عليه السلام بقوله: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ) [نوح: ٢٦-٢٨].
وسبب الدعاء عليهم هو إضلالهم لعباد الله سبحانه وتعالى، وأنه لن يخرج من أصلابهم إلا الكفار، ولا شك أن هذا من علم الغيب، ولكن الله سبحانه وتعالى أطلع عليه نوحًا بما أوحى إليه، قال الطبري: «قال قتادة: أما والله ما دعا عليهم حتى أتاه الوحي من السماء (ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [هود: ٣٦]. فعند ذلك دعا عليهم نبي الله نوح»75.
وقال القاضي أبو بكر ابن العربي: «لما استنفذ الله سبحانه وتعالى من في الأصلاب والأرحام من المؤمنين، أوحى الله إليه»76.
وقال السعدي: «وإنما قال نوح ذلك لأنه مع كثرة مخالطته إياهم، ومزاولته لأخلاقهم علم بذلك نتيجة أعمالهم؛ فلهذا استجاب الله دعوته، فأغرقهم أجمعين، ونجى نوحًا ومن معه من المؤمنين»77.
وقد استجاب الله عز وجل دعاء نوح عليه السلام على قومه فأغرقهم بالطوفان، وأنجاه ومن آمنوا معه؛ قال تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [القمر: ٩-١٤].
وقال تعالى: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [الصافات: ٧٥-٧٦].
وقال: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [الأنبياء: ٧٦-٧٧].
وكان خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام معروفًا بالدعاء والمناجاة؛ قال ابن مسعود رضي الله عنه في قوله تعالى: (ﮋﮌ ﮍ ﮎ) [التوبة: ١١٤].
إنه كان يكثر من الدعاء78.
قال الله تعالى عن دعائه: (ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [الشعراء: ٨٣-٨٥].
فاستجاب الله له؛ قال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [النساء: ؟ ٥٤].
وقال في قوله: (ﯴ ﯵ) [يوسف: ١٠١].
(ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [البقرة: ١٣٠].
وكانت الاستجابة لدعائه عليه السلام الذي ورد في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ) مذكورةً في قوله سبحانه: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [الصافات: ٧٨-٨٠].
وقد أشرك ولده إسماعيل في الدعاء كما أشركه في البناء، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [البقرة: ١٢٧-١٢٨].
وقوله تعالى كذلك: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [إبراهيم: ٣٥].
وقوله أيضًا: (ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [الشعراء: ٨٣-٨٥].
ويدل دعاؤه لأبيه رغم كفره وإعراضه على شفقته وعطفه، قال تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [الشعراء: ٨٦].
وذلك لأنه قد وعده بالاستغفار له، كما جاء في قوله: (ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [مريم: ٤٧].
وقد تضرع هود عليه السلام لربه حين كذّبه قومه، وخالفوه وتنقصوه قائلًا: (ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [المؤمنون: ٣٩].
أما لوط عليه السلام فأخذ يدعو قومه، ولكنهم لم يجيبوا داعي الله، وهمّوا بإخراجه قال تعالى على لسانهم: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [النمل: ٥٦].
«فلما طال تماديهم في غيّهم ولم ينزجروا دعا عليهم لوطٌ، وقال: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [العنكبوت: ٣٠]»79.
وقد اشتد البلاء بيعقوب عليه السلام، قال تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [يوسف: ١٨].
وقال الله تعالى عنه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [يوسف: ٦٤].
وقد ناجى يعقوب عليه السلام ربه شاكيًا إليه بثه وحزنه: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [يوسف: ٨٣-٨٧].
ثم استجاب الله دعاءه، ورد عليه يوسف وأخاه، قال الله: (ﮉ ﮊ ﮋﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [يوسف: ٩٠-٩٦].
ودعا يوسف عليه السلام ربه حين استشعر وطأة البلاء: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [يوسف: ٣٢-٣٤].
ويطلعنا دعاء المرسلين على ما كان من جهدهم المبذول في تبليغ الرسالة لأقوامهم، والاجتهاد في هدايتهم؛ فكان في تدبر الآيات التي تعلقت بدعائهم عليهم السلام ما يذكّر بسيرتهم، ويخوّف من مغبة الإعراض عن الصراط المستقيم.
وقد دعا موسى عليه السلام ربه طالبًا عونه للقيام بمهمة التبليغ على أكمل وجه، فقال: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [طه: ٢٥-٣٢].
وقد استجاب الله له (ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) [طه: ٣٦].
وبعد أن وجد من الإعراض والعناد ما وجد دعا على فرعون وقومه، قال الله تعالى عن موسى وهارون: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [يونس: ٨٨].
هذا دعاء عليهم بهلاك الأموال، أو جعلها غير منتفع بها؛ لأنهم جعلوا تلك الأموال في سبيل الإضلال، فيضلّون ويضلّون، وكذلك دعا عليهم بقساوة القلوب جزاء جحدها للحق، وإعراضها عن الدعوة80.
وقد استجاب الله لهما (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [يونس: ٨٩].
وهناك دعوة يونس عليه السلام التي ورد ذكرها في القرآن مقرونًا بذكر الاستجابة لها.
قال الله تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [الأنبياء: ٨٧-٨٨].
إذ ذهب مغاضبًا لقومه لما تبرم بطول دعوتهم، وشدة شكيمتهم، وتمادي إصرارهم مهاجرًا عنهم، قبل أن يؤمر، وقيل: وعدهم بالعذاب فلم يأتهم لميعادهم بتوبتهم ولم يعرف الحال، فظن أنه كذبهم وغضب من ذلك، وهو من بناء المغالبة للمبالغة؛ «أو لأنه أغضبهم بالمهاجرة لخوفهم لحوق العذاب عندها»81.
عن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعوة ذي النون إذ دعا بها وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له)82.
وسليمان عليه السلام آتاه الله الملك، وسخّر له الريح، وعلّمه منطق الطير، وجعل جنوده من الثقلين، فدعا الله بأن لا يكون هذا الملك لأحد من بعده، فقال تعالى: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [ص: ٣٥].
هب لي ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدي أن يسلبنيه، وقد يتجه ذلك أن يكون بمعنى: لا ينبغي لأحد سواي من أهل زماني، فيكون حجةً وعلمًا لي على نبوتي، وأني رسولك إليهم مبعوث83.
قال تعالى: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [الأنبياء: ٨٣].
يذكر تعالى عن أيوب عليه السلام ما كان أصابه من البلاء في ماله وولده وجسده؛ وذلك أنه كان له من الدواب والأنعام والحرث شيء كثير، وأولاد كثير، ومنازل مرضية، فابتلي في ذلك كله، وذهب عن آخره، ثم ابتلي في جسده، وقد كان نبي الله أيوب عليه السلام غاية في الصبر، وبه يضرب المثل في ذلك84.
وصف ربه بغاية الرحمة بعد ما ذكر نفسه بما يوجبها، واكتفى بذلك عن عرض المطلوب لطفًا في السؤال85.
وقد استجاب الله عز وجل: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [الأنبياء: ٨٤].
ودعا زكريا عليه السلام ربّه طالبًا الذّرّيّة، قال الله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [آل عمران: ٣٨-٣٩].
وقال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [الأنبياء: ٨٩].
ومع علمه أنه شيخٌ كبير، وأنّ زوجه عاقرٌ لا تلد، إلاّ أنه أخذ يناجي ربه ويدعوه خفيةً.
قال تعالى: (ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [مريم: ٢-٦].
فاستجاب الله له ورزقه بيحيى سيدًا وحصورًا (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [الأنبياء: ٩٠].
وقد دعا عيسى عليه السلام ربّه أن ينزل المائدة على قومه كما طلبوا منه؛ لتكون دليلًا على نبوته، فقال: (ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [المائدة: ١١٤].
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه يفزعون إلى الدعاء؛ وفي هذا تعليم للأمة، وتربية في حسن التوجه إلى الله، وصدق التوكل عليه، وقال تعالى: (ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [آل عمران: ١٧٣-١٧٤].
وفي بدر حيث التقى الجمعان، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ربّه، واستنصره متضرعًا إليه حتى سقط رداؤه، فأنجز له الله تعالى ما وعده، وأمدّه بألف من الملائكة مردفين، ولاحت بشائر الانتصار86.
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلًا، فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة، ثم مد يديه فجعل يهتف بربه: (اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض) فما زال يهتف بربه، مادًا يديه مستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه، وقال: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله عز وجل: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [الأنفال: ٩-١٠]. فأمده الله بالملائكة87.
قال تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [آل عمران: ١٢٣-١٢٦].
وبهذا كان المؤمنون من الصحب الكريم تمثيلًا لمرحلة من نصرة دين الله في تاريخ البشرية تذكّر بما كان من جنود طالوت الذين ثبتهم الله وقاتلوا جالوت؛ ولما اشتدّ الفزع بأصحاب طالوت لكثرة العدد والعدة في صفّ جالوت وجنوده، طلبوا من الله النصر في ضراعة؛ فدعوا الله متضرعين.
قال تعالى: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [البقرة: ٢٥٠-٢٥١].
وفي كل المراحل التي نهض المؤمنون فيها بجهادهم لنصرة الدين وإعلاء كلمة الله كان التعويل على الدعاء يستمد به العون من ناحية، ويتوقى به اليأس من انقطاع الاسباب أو الاغترار بها من ناحية أخرى.
ويتأسى المسلمون بما تضمنته آي القرآن من أدعية الصالحين من عباد الله المؤمنين؛ إذ يلازم الدعاء إخلاص عبوديتهم لله وتمسكهم بدينه، وجهادهم في سبيله، ويتأسس دعاؤهم على عبوديتهم الخاشعة لله التي تملأ قلوبهم يقينًا بالاستعانة به وحده؛ فلا مدعو غيره، ولا مسئول سواه، ومع استحضار هذه المعاني في القلوب يكون (الصّراط المستقيم) هدفًا وغاية. ومن رحمة الله بعباده أن كان الوقوف بين يدي الله في كل صلاة وسيلة لتجديد الوعي بهذه الأبعاد؛ إذ يضرع المسلمون بهذا الدعاء في كل صلاة: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [الفاتحة: ٥-٦].
ويدعو المسلم ربه كل يوم في فاتحة الكتاب -التي لا صلاة إلا بها- بهذا الدعاء (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [الفاتحة: ٦-٧].
إن الهدف المبتغى الذي يضرع المسلم بهذا الدعاء العظيم لأجله هو الهداية للصراط المستقيم؛ وهو صراط وسط بين سبيل من حل عليه الغضب، ومن زل في الضلالة.
(ﭧ) دعاء ورغبة من المربوب إلى الرب، والمعنى: دلنا على الصراط المستقيم، وأرشدنا إليه، وأرنا طريق هدايتك الموصلة إلى أنسك وقربك، قال بعض العلماء: فجعل الله جل وعز عظم الدعاء وجملته موضوعًا في هذه السورة...، وجعل هذا الدعاء الذي في هذه السورة أفضل من الذي يدعو به الداعي؛ لأن هذا الكلام قد تكلم به رب العالمين، فأنت تدعو بدعاء هو كلامه الذي تكلم به، وفي الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه: (ليس شيءٌ أكرم على الله من الدعاء)8889.
والصراط الذي يسأل المؤمنون ربهم أن يهديهم إليه صراط من ظفر بالنعمة غير ضال ولا مغضوب عليه؛ والمفسرون يوجهون الدلالة إلى اليهود أهل الغلو في الدين، والنصارى أهل الغلو في الرهبانية، وكلا الطائفتين زلت في اعتقاد معوج متخبط.
«وقد اختلف في «المغضوب عليهم» و«الضالين» من هم؟ فالجمهور أن المغضوب عليهم اليهود، والضالين النصارى»90.
وبتأمل أحوال الأمم السالفة يكون استخلاص العبرة على نحو يتجلى في دعاء المؤمنين وتضرعهم إلى خالقهم؛ قال تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ) [البقرة: ٢٨٦].
قال أبو جعفر: «ويعني بذلك جل ثناؤه: قولوا: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) يعني بـ(ﯱ) العهد، كما قال جل ثناؤه: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [آل عمران: ٨١].
وإنما عنى بقوله: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ)، ولا تحمل علينا عهدًا فنعجز عن القيام به ولا نستطيعه (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) يعني: على اليهود والنصارى الذين كلفوا أعمالًا، وأخذت عهودهم ومواثيقهم على القيام بها، فلم يقوموا بها، فعوجلوا بالعقوبة، فعلّم الله عز وجل أمة محمد صلى الله عليه وسلم الرغبة إليه بمسألته أن لا يحملهم من عهوده ومواثيقه على أعمال إن ضيعوها أو أخطأوا فيها أو نسوها، مثل الذي حمل من قبلهم، فيحل بهم بخطئهم فيه وتضييعهم إياه مثل الذي أحل بمن قبلهم»91.
ويرتبط الإيمان بالتوجه الى الله بالدعاء صدورًا عن العبودية الخاشعة؛ كما نجد في قوله تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [آل عمران: ١٩٣].
وقوله تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [المؤمنون: ١٠٩].
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [آل عمران: ١٦].
ويستشعر المؤمنون أن هذه الهدايه نعمة جليلة، وهبة عظيمة يسألون الله أن يحفظها لهم (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [آل عمران: ٨].
ويظهر إدراك المؤمنين لعظم نعمة الإيمان في كثير من أدعية القرآن؛ ولاسيما حين تشتد المواجهة بين المؤمنين والكافرين؛ قال تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [آل عمران: ١٤٧].
وقال تعالى: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [النساء: ٧٥].
وقد تضرع الذين آمنوا مع شعيب عليه السلام إلى الله عز وجل قائلين: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [الأعراف: ٨٩].
واستمد السحرة المؤمنون بموسى الصبر من ربهم، مستمسكين بدينهم حتى انقضاء أجلهم؛ (ﮊ ﮋﮌﮍ ﮎ ﮏ) [الأعراف: ١٢٦].
وتضرع الذين آمنوا معه ألا يكونوا فتنة للقوم الظالمين؛ على نحو ما ورد في قوله تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [يونس: ٨٥].
وأيضًا استمد أصحاب الكهف من ربهم الرحمة والرشد؛ حين خافوا الافتتان في دينهم، فهربوا إلى الكهف، ودعوا الله ربهم قائلين: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [الكهف: ١٠].
والحواريون وهم أنصار عيسى عليه السلام وتلاميذه دعوا الله قائلين: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [آل عمران: ٥٣].
قال أبو جعفر: «وهذا خبر من الله عز وجل عن الحواريين أنهم قالوا: (ﭑ ﭒ)، أي: صدّقنا (ﭓ ﭔ)، يعني: بما أنزلت على نبيك عيسى من كتابك، (ﭕ ﭖ) يعني بذلك: صرنا أتباع عيسى على دينك الذي ابتعثته به، وأعوانه على الحق الذي أرسلته به إلى عبادك، وقوله: (ﭗ ﭘ ﭙ)، يقول: فأثبت أسماءنا مع أسماء الذين شهدوا بالحق، وأقروا لك بالتوحيد، وصدّقوا رسلك، واتبعوا أمرك ونهيك، فاجعلنا في عدادهم ومعهم فيما تكرمهم به من كرامتك، وأحلنا محلهم، ولا تجعلنا ممن كفر بك، وصد عن سبيلك، وخالف أمرك ونهيك»92.
والحال كذلك مع رهبان النصارى وهم الذين فاضت أعينهم بالدمع عند سماعهم القرآن لمعرفتهم بأنه الحق من ربهم (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [المائدة: ٨٣].
«هذه صفة قوم كانوا على شريعة عيسى من أهل الإيمان، فلما بعث الله -تعالى ذكره- نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم آمنوا به»93.
ولهذا فقد كان من الدعاء المحمود الدعاء للمسلمين بالثبات على الدين؛ ويستفاد ذلك من دعاء إبراهيم عليه السلام لذريته بقوله: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [إبراهيم: ٣٧].
قال ابن كثير في تفسير قوله: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) «أي: ليكون ذلك عونًا لهم على طاعتك، وكما أنه واد غير ذي زرع، فاجعل لهم ثمارًا يأكلونها، وقد استجاب الله ذلك، كما قال: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [القصص: ٥٧].
وهذا من لطفه تعالى وكرمه ورحمته وبركته، أنه ليس في البلد الحرام مكة شجرة مثمرة، وهي تجبى إليها ثمرات ما حولها، استجابةً لدعاء الخليل عليه السلام»94.
ومن الله وحده يطلب المؤمنون خير الدنيا وخير الآخرة (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [البقرة: ٢٠١].
قال أبو جعفر: «يعني بذلك جل ثناؤه: فإذا قضيتم مناسككم أيها المؤمنون فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرًا، وارغبوا إليه فيما لديه من خير الدنيا والآخرة بابتهال وتمسكن، واجعلوا أعمالكم لوجهه خالصًا، ولطلب مرضاته، وقولوا: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ)، ولا تكونوا كمن اشترى الحياة الدنيا بالآخرة، فكانت أعمالهم للدنيا وزينتها، فلا يسألون ربهم إلا متاعها، ولا حظ لهم في ثواب الله، ولا نصيب لهم في جناته، وكريم ما أعد لأوليائه»95.
جاء في تفسير الرازي الإنسان خلق محتاجًا ضعيفًا، لا طاقة له بآلام الدنيا ولا بمشاق الآخرة، فالأولى له أن يستعيذ بربه من كل شرور الدنيا والآخرة96.
وقد اختلف أهل التأويل في معنى (ﯣ) التي ذكر الله في هذا الموضع، فقال بعضهم: يعني بذلك: ومن الناس من يقول: ربنا أعطنا عافية في الدنيا وعافية في الآخرة، وقال آخرون: بل عنى الله عز وجل بالـ(ﯣ) في هذا الموضع في الدنيا: العلم والعبادة، وفي الآخرة: الجنة، وقال آخرون: (ﯣ) في الدنيا: المال، وفي الآخرة: الجنة، وقيل: في الدنيا حسنة امرأة صالحة، وفي الآخرة حسنة الجنة والحور العين، وقيل: (ﯞ ﯟ ﯠ) رزقًا حلالًا، وعملًا صالحًا، (ﯡ ﯢ ﯣ) المغفرة والثواب.
قال أبو جعفر: «والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله جل ثناؤه أخبر عن قوم من أهل الإيمان به وبرسوله، ممن حج بيته، يسألون ربهم الحسنة في الدنيا، والحسنة في الآخرة، وأن يقيهم عذاب النار وقد تجمع الحسنة من الله عز وجل العافية في الجسم والمعاش والرزق والعلم والعبادة، وغير ذلك، وأما في الآخرة فلا شك أنها الجنة؛ لأن من لم ينلها يومئذٍ فقد حرم جميع الحسنات، وفارق جميع معاني العافية»97.
ومن خير الدنيا ما ينعم الله به على عباده من عطايا ونعم، وما يهبهم من ذرية مما يتجلى في هذا الدعاء الذي ورد في قوله تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [الأحقاف: ١٥].
وقد دعت امرأة عمران -أم مريم البتول- ربها قائلةً أن يقي ابنتها وذريتها من الشيطان الرجيم، يقول تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [آل عمران: ٣٦].
أما في الآخرة فيشفق عباد الرحمن من النار، سائلين الله عز وجل أن يقيهم إياها، قال تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [الفرقان: ٦٥].
ويسألونه الجنة ونعيمها، كما ورد في دعاء امرأة فرعون التي دعت ربها وتضرعت إليه: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [التحريم: ١١].
ويستقي المؤمنون مما ورد في أدعية الأنبياء والمرسلين كثيرًا من آداب الدعاء وشروطه؛ فرسول الله صلى الله عليه وسلم غالبًا ما يصدّر دعاءه بالفعل (قل) لأنه تعليمٌ من الله عز وجل لرسوله كيفية الدعاء، والأمر للرسول أمرٌ لأمته أيضًا، قال تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [التوبة: ١٢٩].
وقد أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يدعو: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [المؤمنون: ٩٧].
وهمزات الشياطين: خطراتها التي تخطرها بقلب الإنسان98.
وأمره كذلك بقوله: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [المؤمنون: ٩٨].
فقد أمر رسوله «بأن يعوذ به تعالى من حضورهم بعدما أمر بالعوذ من همزاتهم؛ للمبالغة في التحذير من ملابستهم، وإعادة الفعل مع تكرير النداء لإظهار كمال الاعتناء بالمأمور به، وتخصيص حال الصلاة، وقراءة القرآن، كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وحال حلول الأجل كما روي عن عكرمة رحمه الله؛ لأنها أحرى الأحوال بالاستعاذة منها»99.
وقد أمر الله عز وجل رسوله بأن يقول: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [طه: ١١٤].
أي: أن يطلب الزيادة في العلم «وقيل: ما أمر الله رسوله بطلب الزيادة في شيء إلا في العلم»100.
ومن الخير أن يدعو الداعي في دعائه لنفسه ولغيره؛ فهذا إبراهيم عليه السلام يقول: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [إبراهيم: ٤١].
قال القرطبي: «استغفر إبراهيم لوالديه قبل أن يثبت عنده أنهما عدوان لله»101.
كان إبراهيم عليه السلام يستغفر لأبيه مدة حياته، فلما مات على الشرك، وتبين إبراهيم ذلك رجع عن الاستغفار له، وتبرأ منه102، كما قال تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [التوبة: ١١٤].
ونوح عليه السلام يقول: (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ) [نوح: ٢٨].
دعا لنفسه ولوالديه وكانا مؤمنين، وقيل: أراد بوالديه أباه وجده103.
ودعاؤه الخاص لمن دخل بيته مؤمنًا هو بر المؤمن بالمؤمن؛ وحب الخير لأخيه كما يحبه لنفسه، وتخصيص الذي يدخل بيته مؤمنًا؛ لأن هذه كانت علامة النجاة، وحصر المؤمنين الذين سيصحبهم معه في السفينة، ودعاؤه العام بعد ذلك للمؤمنين والمؤمنات هو بر المؤمن بالمؤمنين كافةً في كل زمان ومكان، وشعوره بآصرة القربى على مدار الزمن، واختلاف السكن، وهو السر العجيب في هذه العقيدة التي تربط بين أصحابها على تباعد الزمان والمكان»104.
ولا يجوز الدعاء بالمغفرة والرحمة لغير المسلم، فقد نهى الله رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم عن الاستغفار للمشركين، كما في قوله تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [التوبة: ١١٣].
وكان سبب نزول هذه الآية وعد النبي صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب بالاستغفار، لما في حديث سعيد بن المسيب، عن أبيه رضي الله عنه أنه أخبره، أنه لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجد عنده أبا جهل بن هشام، وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طالب: (يا عم قل: لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله)، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه، ويعودان بتلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما كلّمهم: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك)، فأنزل الله تعالى فيه: (ﭣ ﭤ ﭥ) الآية105.
ويعود النهي عن الاستغفار للمشركين لوعيد الله عز وجل إياهم بعدم المغفرة؛ لقوله سبحانه وتعالى: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [النساء: ٤٨].
وكأن الاستغفار لهم طلب بأن يخلف الله وعيده106.
ويلحق بالنهي عن الاستغفار للمشركين النهي عن الاستغفار للمنافقين؛ لقوله عز وجل: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [المنافقون: ٦].
وإبراهيم عليه السلام فيه أسوة حسنة لهذه الأمة إلا في شأن الاستغفار لأبيه المشرك، كما في قوله تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [الممتحنة: ٤].
أي: لكم في إبراهيم عليه السلام وقومه أسوة حسنة، تتأسون بها إلا في استغفار إبراهيم عليه السلام لأبيه؛ فإنه إنما كان عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه107.
ثانيًا: الدعاء المذموم:
إن من أوضح صور الأدعية المذمومة، ما جاء عن الكافرين والضالين.
وقد سجّلت آي القرآن بعضًا من أدعية الكافرين ممن أعرضوا عن الصراط المستقيم، والتأمل في دعائهم كاشف عن اضطراب إدراكهم، ومبلغ تكذيبهم، وقد اتخذوا من سبيل الغي سبيلًا في الدنيا، وعن حرج موقفهم وبؤس مصيرهم، وقد هووا في جهنم في الآخرة.
فمن دعاء الكافرين ما كان تعبيرًا صريحًا عن استبعاد ما جاءت به الدعوة من بدهات، واستهزاء بإمكان وقوع ما أكدت حدوثه من وعد ووعيد.
قال تعالى: (ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ) [ص: ١٦].
«القط: القسط من الشيء؛ لأنه قطعة منه، من قطه إذا قطعه، ويقال لصحيفة الجائزة: قط؛ لأنها قطعة من القرطاس، وقد فسر بهما قوله تعالى: (ﰍ ﰎ ﰏ) أى: نصيبنا من العذاب الذي وعدته، قيل: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعد الله المؤمنين الجنة، فقالوا على سبيل الهزء: عجّل لنا نصيبنا منها، أو عجّل لنا صحيفة أعمالنا ننظر فيها»108.
«وذلك لأن القوم كانوا في نهاية الإنكار للقول بالحشر والنشر، فكانوا يستدلون بفساد القول بالحشر والنشر على فساد نبوته، واعلم أن الكفار لما بالغوا في السفاهة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قالوا: إنه ساحر كذاب، وقالوا له على سبيل الاستهزاء: عجّل لنا قطنا أمره الله بالصبر على سفاهتهم، فقال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ) [ص: ١٧]»109.
«يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء المشركون بالله من قريش: يا ربنا عجّل لنا كتبنا قبل يوم القيامة، قوله: (ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ) [ص: ١٦].
أي: نصيبنا وحظنا من العذاب قبل يوم القيامة، قال: قد قال ذلك أبو جهل، وقال آخرون: بل إنما سألوا ربهم تعجيل أنصبائهم ومنازلهم من الجنة حتى يروها فيعلموا حقيقة ما يعدهم محمد صلى الله عليه وسلم، فيؤمنوا حينئذٍ به ويصدّقوه، وقال آخرون: سألوا أن يعجّل لهم كتبهم التي قال الله: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [الحاقة: ١٩].
(ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [الحاقة: ٢٥].
في الدنيا لينظروا بأيمانهم يعطونها أم بشمائلهم؟ ولينظروا من أهل الجنة هم أم من أهل النار قبل يوم القيامة استهزاءً منهم بالقرآن وبوعد الله.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن القوم سألوا ربهم تعجيل صكاكهم بحظوظهم من الخير أو الشر الذي وعد الله عباده أن يؤتيهموها في الآخرة قبل يوم القيامة في الدنيا استهزاءً بوعيد الله، وإنما قلنا: إن ذلك كذلك لأن القط هو ما وصفت من الكتب بالجوائز والحظوظ، وقد أخبر الله عن هؤلاء المشركين أنهم سألوه تعجيل ذلك لهم، ثم أتبع ذلك قوله لنبيه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ) [ص: ١٧].
فكان معلومًا بذلك أن مسألتهم ما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم لو لم تكن على وجه الاستهزاء منهم لم يكن بالذي يتبع الأمر بالصبر عليه، ولكن لما كان ذلك استهزاءً، وكان فيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم أذى، أمره الله بالصبر عليه حتى يأتيه قضاؤه فيهم، ولما لم يكن في قوله: (ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ) [ص: ١٦].
بيان أي القطوط إرادتهم، لم يكن لما توجيه ذلك إلى أنه معنيٌ به القطوط ببعض معاني الخير أو الشر؛ فلذلك قلنا: إن مسألتهم كانت بما ذكرت من حظوظهم من الخير والشر»110.
ومن دعاء الكافرين الكاشف عن موقفهم المعرض عن الدعوة ما ورد في قوله تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [الأنفال: ٣٢].
وفي هذا الدعاء ما فيه من استهزاء وتعنت؛ إذ لو كان فيه تحرٍّ للحق لقالوا: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا له مثلًا، ولكنهم كفروا وأنكروا واستهزأوا! وقوله: (ﯝ ﯞ) تهكم بمن يقول على سبيل التخصيص والتعيين111.
قال أبو جعفر: «يقول تعالى ذكره: واذكر يا محمد أيضًا ما حل بمن قال: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [الأنفال: ٣٢].
إذ مكرت بهم، فأتيتهم بعذاب أليم وكان ذلك العذاب قتلهم بالسيف يوم بدر، وهذه الآية ذكر أنها نزلت في النضر بن الحارث، كان يقول: اللهم إن كان ما يقول محمد هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارةً من السماء أوائتنا بعذاب أليم!»112.
«يقولون: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [الأنفال: ٣٢].
وهم يعلمون ما حل بمن خلا قبلهم من الأمم التي عصت ربها، وكذّبت رسلها من عقوبات الله، وعظيم بلائه»113.
وحين يأتي الموت يدرك الكافرون فساد ما كانوا عليه من اعتقاد وسلوك، قال تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [إبراهيم: ٤٤].
وحين يتحقق العذاب في الآخرة وقد كانوا يستبعدونه، وحين يدركون مصيرهم الوبيل في الآخرة يتمنون لو يعودون إلى الدنيا عساهم يعملون صالحًا، ولكن هيهات!
يكشف ذلك قوله تعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [السجدة: ١٢].
أي: «أبصرنا ما كنا نكذب به، وسمعنا منك ومن ملائكته ومن أصوات النيران وغير ذلك ما كنا نستبعده فصرنا في غاية العلم بتمام قدرتك، وصدق وعودك»114. فما أبصروه وما سمعوه جعلهم يطلبون الرجوع للدنيا رغبةً في العمل الصالح، ولكن لا أمل في رجوعهم، بل يلقون في النار، حينها يتعالى صراخهم ألمًا مما هم فيه، فيدعون ربهم قائلين: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [المؤمنون: ١٠٧].
و(ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [فاطر: ٣٧].
وقولهم: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [غافر: ١١].
وما كان دعاؤهم إلا خلاصًا من عذابهم، ونلمح في دعائهم بأسلوب الاستفهام (هل) المراد به: التمني والاستعطاف رغبة قوية منهم في إبراز غير الممكن في صورة الممكن، وجعلوا هذا الاعتراف ضربًا من التوبة توهمًا منهم أن التوبة تنفع يومئذٍ؛ فلذلك فرّعوا عليه (ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ)... قال في الكشاف: «وهذا كلام من غلب عليه اليأس والقنوط»115، يريد أنّ في اقتناعهم بخروج مّا دلالة على أنهم يستبعدون حصول الخروج116.
ويدعو الكافرون بمضاعفة العذاب للمضلين: (ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الأحزاب: ٦٨].
وقولهم في موضع آخر: (ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ) [ص: ٦١].
وقولهم كذلك: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [الأعراف: ٣٨].
وحين نتأمل الآية في سورة (ص) نجد الفعل (زده) قد وقع موقعه في إظهار شدة الحقد على هؤلاء المضلين؛ وذلك بطلب زيادة العذاب المضاعف لهم، والتعبير بالجار والمجرور (ﰒ ﰓ) قوّى المعنى، حيث جعل العذاب يحيط بهم في النار من كل جانب، كإحاطة الظرف بالمظروفين، وهذه الآية تختلف عما في الأعراف؛ لأن السياق فيها للطاغين، أما في الأعراف فهو لمطلق الكافرين117، ذلك أن الطغاة أشد بطشًا من الكفار.
ثانيًا: دعاء المرء على نفسه بالشر:
أخبر سبحانه وتعالى لو أنه يعجّل للناس إجابة دعائهم في الشر كاستعجاله لهم في الخير بالإجابة لهلكوا، قال تعالى: (ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [يونس: ١١].
عن مجاهد، رحمه الله قال: «قول الرجل لولده إذا غضب عليه أو ماله: اللهم لا تبارك فيه والعنه»118.
قال ابن عاشور رحمه الله: «بيّنت هذه الآية أن الرفق جعله الله مستمرًا على عباده غير منقطع عنهم؛ لأنه أقام عليه نظام العالم إذ أراد ثبات بنائه، وأنه لم يقدر توازي الشر في هذا العالم بالخير لطفًا منه ورفقًا، فالله لطيف بعباده، وفي ذلك منة عظيمة عليهم، وأن الذين يستحقون الشر لو عجّل لهم ما استحقوه لبطل النظام الذي وضع عليه العالم»119.
وفي النهي عن الدعاء على النفس روى مسلم بسنده عن جابر بن عبد اللّه، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: (لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من اللّه تبارك وتعالى ساعة يسأل فيها عطاءٌ، فيستجيب لكم)120.
ويستفاد من الآية: لطف الله سبحانه وتعالى وإحسانه بعباده.
للدعاء في القرآن آثار، ومن أهمها:
أولًا: إعطاء الداعي ما طلب:
الدعاء باب مفتوح للعبد إلى ربّه سبحانه، يلتمس من خلاله كل ما يحتاجه في دنياه من صحة الأبدان، وسعة الأرزاق، والخلاص من البلاء، والنصر على الأعداء، وهذا الذي كان يقوم به الأنبياء عليهم السلام، والله تعالى يحب أن يسأله العباد جميع مصالح دينهم ودنياهم، من المطاعم والمشارب، كما يسألونه الهداية والمغفرة، والعفو والعافية في الدنيا والآخرة121.
قال الإمام الطحاوي رحمه الله: «والله تعالى يستجيب الدعوات، ويقضي الحاجات»122.
والدعاء أكرم شيء على الله، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس شيء أكرم على الله من الدعاء)123.
قال الله تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [النساء: ٣٢].
والدعاء عبادة له آثاره البالغة، وفوائده العظيمة؛ لذلك أمرنا الحقّ جلّ في علاه بالدّعاء، ورغّبنا فيه النبي صلى الله عليه وسلم، فكم من محنة رفعها الله عز وجل بالدعاء، وكم من مصيبة أو كارثة كشفها الله عز وجل بالدعاء، وقد أورد القرآن الكريم جملةً من الأدعية التي استجابها الله تعالى بمنّه وفضله وكرمه.
يهدي النظر في آيات الدعاء في القرآن الكريم إلى كرم الله ورحمته بعباده ورأفته بهم؛ إذ يهبهم ما يطلبون.
وسنعرض بعضًا من الأمثلة الدالة على إعطاء الداعي ما طلب:
طلب إبراهيم عليه السلام من ربه أن يبعث في أمته «ذريته» المسلمة رسولًا: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [البقرة: ١٢٩].
وقد طلب أن يكون الرسول منهم «لأنه يكون أشفق على قومه، ويكونون هم أعز به، وأشرف وأقرب للإجابة؛ لأنهم يعرفون منشأه وصنفه وأمانته»124، فيعلّمهم هذا الرسول القرآن وما يكمل به نفوسهم من أحكام الشريعة والمعارف الحقة، ويطهّرهم عن دنس الشرك، وفنون المعاصي125.
وقد استجاب الله دعاء إبراهيم فقال: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [الجمعة: ٢].
وقد جاء طلب الولد والذرية على لسان إبراهيم عليه السلام في قوله: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [الصافات: ١٠٠].
فأجاب الله له دعوته، وبشّره بغلام حليم، وهو إسماعيل. قال تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ) [الصافات: ١٠١].
ثم أنعم الله على إبراهيم، فوهب له ابنه إسحاق حين دعاه، ووهب له من إسحاق يعقوب زيادة على ذلك، (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [الأنبياء: ٧٢].
دعا نوح ربه فقال: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [نوح: ٢٦].
وأخبر الله عن دعائه فقال: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [القمر: ١٠].
واستجاب الله دعاء نوح عليه السلام فقال: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [الأنبياء: ٧٦].
وزكريا عليه السلام الذي تاقت نفسه إلى الولد ليرثه ويرث من آل يعقوب، فدعا ربه قائلًا: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [الأنبياء: ٨٩].
و(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [آل عمران: ٣٨].
فاستجاب له دعاءه ووهب له على الكبر ابنه يحيى، قال تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [الأنبياء: ٩٠].
طلب سليمان عليه السلام من ربه أن يعطيه الملك في قوله: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [ص: ٣٥].
ولم يكن سؤاله عليه السلام «طلبًا لنفس الدنيا؛ لأنه هو والأنبياء أزهد خلق الله فيها، وإنما سأل مملكتها لله، كما سأل نوح دمارها وهلاكها لله؛ فكانا محمودين مجابين إلى ذلك، فأجيب نوح فأهلك من عليها، وأعطى سليمان المملكة»126.
أما قوله: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) «أي: أن يسأله فكأنه سأل منع السؤال بعده؛ حتى لا يتعلق به أمل أحد، ولم يسأل منع الإجابة»127.
وقد استجاب الله دعاءه، قال تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [ص: ٣٦ - ٣٨].
فسخّر الله الشياطين له، يبنون ما يريد، ويغوصون له في البحر، يستخرجون الدر والحلي، ومن عصاه منهم قرنه في الأصفاد وأوثقه128.
ثانيًا: الأجر والثواب:
من عظم رحمة الله بخلقه وكرمه السابغ معهم أن جعل للدعاء خيرًا ونفعًا وثوابًا وأجرًا مما يظهر في الدنيا، ويمتد في الآخرة، ويرتبط الدعاء بالمحسنين ارتباطًا وثيقًا؛ قال تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [الأعراف: ٥٦].
والدعاء صلة بين المسلم والمسلم حتى بعد الممات، كما في قوله سبحانه وتعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الحشر: ١٠].
ولقد ذكر المصطفى صلى الله عليه وسلم الأمور التي لا تنقطع عن الميت بعد موته، ومنها الدعاء، فقال: (أو ولد صالح يدعو له)129.
والدّعاء سبب أكيد لغفران المعاصي والذنوب، ولرفع الدّرجات، ولجلب الخير ودفع الشّرّ، ومن ترك الدّعاء فقد سدّ على نفسه أبوابًا كثيرةً من الخير، هذا وقد ذكر شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية رحمه الله عشرة أسباب لغفران الذنوب، حيث قال رحمه الله: «والسبب الرابع الدافع للعقاب دعاء المؤمنين للمؤمن، مثل صلاتهم على جنازته»130.
إن الدعاء من العبادات الجليلة التي أمر الله بها عباده المؤمنين، ووعدهم عليه جزيل الثواب، وتوعّد من أعرض عنه بالإثم العظيم، وهو سمة للعبودية، ويستدعي به العبد من الله العناية، ويستمد منه المعونة، ويستجلب الرحمة، ويستدفع النقمة، ويظهر به الافتقار والذلة البشرية، متبرئًا من الحول والقوة، وإذا تأملت كتاب الله سبحانه وتعالى وجدت فاتحته تضمنت الدعاء، وخاتمته تضمنت الدعاء، ففاتحة الكتاب بدئت بدعاء الثناء: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [الفاتحة: ٢]. وتلاه دعاء المسألة: (ﭧ ﭨ ﭩ) [الفاتحة: ٦]. وختم الكتاب بسورتي المعوذتين: دعاء مسألة متضمنًا دعاء ثناء131.
ثالثًا: رفع العذاب والبلاء:
الدعاء أحد أسباب رفع البلاء ودفع الشقاء، كما في قوله عز وجل عن إبراهيم عليه السلام: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [مريم: ٤٨ٍٍ].
وقال عن زكريا عليه السلام: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [مريم: ٤].
أي: ولم أعهد منك إلا الإجابة في الدعاء، ولم تردّني قط فيما سألتك132.
وهذا توسل إلى الله بإنعامه عليه، وإجابة دعواته السابقة، فسأل الذي أحسن سابقًا، أن يتمم إحسانه لاحقًا133.
ومن أمثلة أدعية رفع الضر قال تعالى: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [الأنبياء: ٨٣ - ٨٤].
فجمع أيوب عليه السلام في هذا الدعاء بين حقيقة التوحيد، وإظهار الفقر والفاقة إلى ربه، ووجود طعم المحبة في التملق له، والإقرار له بصفة الرحمة، وأنه أرحم الراحمين.
والتوسل إليه بصفاته سبحانه، وشدة حاجته هو وفقره. ومتى وجد المبتلي هذا كشفت عنه بلواه. وقد جرّب أنه من قالها سبع مرات ولاسيما مع هذه المعرفة كشف الله ضره134.
وإذا ركب المشركون السفن وعلتهم الأمواج من حولهم كالسحب والجبال، أصابهم الخوف والذعر من الغرق ففزعوا إلى الله، وأخلصوا دعاءهم له، فلما نجاهم إلى البر، فمنهم متوسط لم يقم بشكر الله على وجه الكمال، ومنهم كافر بنعمة الله جاحد لها، قال تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ) [لقمان: ٣٢].
موضوعات ذات صلة: |
الاستغفار، التسبيح، الحمد، الذكر، السؤال |
1 انظر: الصحاح، الجوهري، ٦/ ٢٣٣، لسان العرب، ابن منظور، ١٤/٢٥٧، تاج العروس، الزبيدي، ١/ ١٣٧.
2 انظر: مقدمة الترغيب في الدعاء والحث عليه، عبدالغني المقدسي، ص ٥٤.
3 شأن الدعاء، ص ٤.
4 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص ٢٥٧-٢٦٠.
5 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص٢١٣-٢١٥.
6 تهذيب اللغة، الأزهري ١٠/٩٤.
7 المفردات ص٣٢٨.
8 الفتوحات الربانية شرح الأذكار النووية ١/ ٣٩٦.
9 بدائع الفوائد ٣/٩.
10 انظر: لسان العرب ٦/ ٣٣١٢.
11 انظر: الكليات، الكفوي ص١٥٩.
12 انظر: الصحاح، الجوهري ٢/ ٥٦٧، لسان العرب، ابن منظور ٤/ ٣١٦٢.
13 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/١١٤.
14 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١٣/٢٩٨.
15 مختصر السعد التفتازاني ضمن شروح التلخيص ٢/٣٢٤.
16 مختصر السعد للقزويني، ومواهب الفتاح ضمن شروح التلخيص، ابن يعقوب المغربي ٢/٢٤٦.
17 معجم المصطلحات البلاغية وتطورها، أحمد مطلوب، المجمع العلمي العراقي ١/١٨١.
18 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ٥/١٨٩، فتح القدير، الشوكاني ٢/٢٥٢.
19 البرهان في علوم القرآن، ٣/٣٤٩.
20 الإيضاح في علوم البلاغة، لخطيب القزويني ٣/٩٣.
21 انظر: فتح المجيد، عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ ص١٨٠.
22 معجم ألفاظ القرآن الكريم مجمع اللغة العربية ١/٤١٣.
23 معجم ألفاظ القرآن ١/٤١٤.
24 معالم التنزيل، البغوي ٣/٣٢٤.
25 أخرجه أبو داود في سننه، باب تفريع أبواب الوتر، باب الدعاء، ٢/٧٦، رقم ١٤٧٩، والترمذي في سننه، أبواب تفسير القرآن، باب ومن سورة البقرة، ٥/٦١، رقم ٢٩٦٩، وابن ماجه في سننه، كتاب الدعاء، باب فضل الدعاء، ٢/١٢٥٨، رقم ٣٨٢٨.
قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح».
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٦٤١، رقم ٣٤٠٧.
26 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الحج، باب ما جاء فيمن أدرك الإمام بجمع فقد أدرك الحج، ٢/ ٢٢٩، رقم ٨٨٩، وابن ماجه في سننه، كتاب المناسك، باب من أتى عرفة قبل الفجر ليلة جمع، ٢/ ١٠٠٣، رقم ٣٠١٥.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٦٠٦، رقم ٣١٧٢.
27 الكاشف عن حقائق السنن ٦/١٧٠٨.
28 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٤/٦٩٠.
29 انظر: روح المعاني، الألوسي ٩/١٤٦.
30 انظر: معالم التنزيل، البغوي ١/٢٣٥.
31 فتح القدير، الشوكاني ٥/٢٠.
32 انظر: شرح العقيدة الطحاوية، ابن أبي العز الحنفي ص٤٥٨.
33 انظر: جامع العلوم والحكم، ابن رجب ٢/٤٠٧.
34 المصدر السابق ١/٩٢.
35 أخرجه أبو داود في سننه، تفريع أبواب الوتر، باب الدعاء، ٢/٨٠، رقم ١٤٩٦، والترمذي في أبواب الدعوات، ٥/٣٩٤، رقم ٣٤٧٨، وابن ماجه في سننه، كتاب الدعاء، باب اسم الله الأعظم، ٢/١٢٦٧، رقم ٣٨٥٥.
قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح».
وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ١/٢٢٩، رقم ٩٨٠.
36 مدارج السالكين، ابن القيم ١/٢٣.
37 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/١٠٩.
38 انظر: مدارج السالكين، ابن القيم ٢/٨٩.
39 انظر: المصدر السابق ٢/٩٠.
40 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/ ٥٣.
41 المصدر السابق ٣/١٨٥.
42 انظر: الجامع لأحكام القرآن ٦/٣٣٦.
43 انظر: المصدر السابق ٧/٢٢٧.
44 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٦/٣٣٦.
45 أخرجه مسلم في كتاب الجهاد والسير، باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر ٣/١٣٨٣- ١٧٦٣.
46 انظر: الجواب الكافي، ص٨-٩.
47 انظر: إحياء علوم الدين، الغزالي ١/١٦١، جامع العلوم والحكم، ابن رجب ٢/٤٠٣.
48 انظر: جامع البيان، الطبري ١١/٤٥٥.
49 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الدعوات، باب في العفو والعافية، ٥/٤٧٠، رقم ٣٥٩٨، وابن ماجه في سننه، كتاب الصيام، باب في الصائم لا ترد دعوته، ١/٥٥٧، رقم ١٧٥٢.
قال الترمذي: «هذا حديث حسن».
وضعفه الألباني في ضعيف الجامع، ص ٣٨٣، رقم ٢٥٩٢.
50 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الدعوات، ٥/٤١٦، رقم ٣٥١٣، وابن ماجه في سننه، كتاب الدعاء، باب الدعاء بالعفو والعافية، ٢/١٢٦٥، رقم ٣٨٥٠.
قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح» .
وصححه الألباني في تعليقه على مشكاة المصابيح، ١/٦٤٦، رقم ٢٠٩١.
51 أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود ١/٣٥٠- ٤٨٢.
52 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، جماع أبواب دخول مكة، باب القول في الطواف، ٥/١٣٧، رقم ٩٢٩١.
53 جامع البيان، الطبري ١٢/٣٨٠-٣٨١.
54 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب ما يقول إذا دخل المسجد، ١/٤٩٤، رقم٧١٣.
55 أخرجه أحمد في مسنده، ٤٤/١٥، رقم ٢٦٤١٧، وابن ماجه في سننه، كتاب المساجد والجماعات، باب الدعاء عند دخول المسجد، ١/٢٥٣، رقم ٧٧١ .
وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، ١/٢٣٧، رقم ٦٣٢.
56 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٢٠٣.
57 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/٢٢٣، أنوار التنزيل، البيضاوي ٤/١٦٥، معالم التنزيل، البغوي ٣/٥١، مفاتيح الغيب، الرازي ٢٤/٥٦٥.
58 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٤/٥٦٥.
59 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/٢٢٣.
60 مفاتيح الغيب، الرازي ٩/٣٨٥.
61 جامع البيان، الطبري ٢٠/٤٥٤.
62 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٦/٢٣٠.
63 جامع العلوم والحكم، ابن رجب ٢/٣٧.
64 أنوار التنزيل، البيضاوي ٣/٢٠٩.
65 جامع البيان، الطبري ١٧/٥٨١- ٥٨٨.
66 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١١/٧٢.
67 المصدر السابق ١٥/٤٤٤.
68 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/٢٢٣-٢٢٤.
69 التفسير القيم، ابن القيم ص٨٧.
70 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، ٥/١٣٣، رقم ٤٢٠٥، ومسلم في صحيحه، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب خفض الصوت بالذكر، ٤/٢٠٧٦، رقم ٢٧٠٤.
71 الأذكار، النووي ص٤٢١.
72 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الدعوات، باب ما يكره من السجع في الدعاء، ٨/٧٤، رقم٦٣٣٧.
73 جامع البيان ١٥/٣٣.
74 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٢٠٦.
75 جامع البيان ٢٩/١٠١.
76 أحكام القرآن ٣/١٠٥٨.
77 تيسير الكريم الرحمن، ص٧٢٣.
78 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٨/٢٤٩.
79 بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٦/٥٦.
80 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٨/٢٣٩، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٤١.
81 أنوار التنزيل، البيضاوي ٤/٥٩.
82 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الدعوات، ٥/٤٠٩، رقم ٣٥٠٥.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٦٣٧، رقم ٣٣٨٣.
83 جامع البيان، الطبري ٢١/٢٠٨.
84 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٣٥٩.
85 أنوار التنزيل، البيضاوي ٤/٥٨.
86 انظر: البداية والنهاية، ابن كثير ٣/٢٧٥.
87 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب الإمداد بالملائكة، ٣/١٣٨٣، رقم ١٧٦٣.
88 أخرجه أحمد في مسنده، مسند أبي هريرة، رقم ٨٧٤٨.
وحسنه الألباني في تعليقه على مشكاة المصابيح، رقم ٢٢٣٢.
89 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١/١٤٧.
90 المصدر السابق ١/١٤٩.
91 جامع البيان ٦/١٣٥.
92 المصدر السابق ٦/٤٥٢.
93 المصدر السابق ١٠/٥٠١.
94 تفسير القرآن العظيم ٢/٥٤٢.
95 جامع البيان ٤/٢٠١.
96 مفاتيح الغيب ٥/٣٣٦.
97 انظر: جامع البيان ٤/٢٠٣-٢٠٥.
98 بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٥/٣٤٣.
99 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٦/١٥٠.
100 الكشاف، الزمخشري ٣/٨٧.
101 الجامع لأحكام القرآن ٩/٢٤٦.
102 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/١٥١.
103 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٨/٣١٤.
104 في ظلال القرآن ٦/٣٧١٧.
105 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب إذا قال المشرك عند الموت: لا إله إلا الله، ٢/٩٥، رقم ١٣٦٠، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب أول الإيمان قول لا إله إلا الله، ١/٥٤، رقم ٢٤.
106 انظر: دعاء محمد صلى الله عليه وسلم، محمد أحمد وموسى الخطيب ص٧٢.
107 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٣٤٩.
108 انظر: الكشاف، الزمخشري ٤/٧٧.
109 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٦/٣٧٣.
110 انظر: جامع البيان، الطبري ٢١/١٦٣-١٦٥.
111 الكشاف، الزمخشري ٢/٢١٦.
112 انظر: جامع البيان ١٣/ ٥٠٥.
113 جامع البيان، الطبري ١٦/٣٥٠.
114 نظم الدرر، البقاعي ٦/٥٥.
115 الكشاف، الزمخشري ٤/١٥١.
116 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٤/٩٩.
117 انظر: نظم الدرر، البقاعي ٦/٣٩٨.
118 أخرجه الطبري في تفسيره ١٢/ ١٣١.
119 التحرير والتنوير ١١/ ١٠٦.
120 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزهد والرقائق، باب حديث جابرٍ الطّويل وقصّة أبي اليسر، ٤/٢٣٠٤، رقم ٣٠٠٩.
121 انظر: جامع العلوم والحكم، ابن رجب ٢/٣٨ - ٤٠.
122 انظر: شرح العقيدة الطحاوية، ابن أبي العز ص٤٥٨.
123 أخرجه أحمد في مسنده، ١٤/٣٦٠، رقم ٨٧٤٨، والبخاري في الأدب المفرد، ص ٢٤٩، رقم ٧١٢.
وحسنه الألباني في صحيح الأدب المفرد، ص ٢٦٥، رقم ٥٥٢.
124 البحر المحيط، أبو حيان ١/٦٢٥.
125 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ١/١٦٢.
126 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٥/٢٠٤.
127 المصدر السابق.
128 تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص ٧١٢.
129 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، ٣/١٢٥٥، رقم ١٦٣١.
130 مجموع الفتاوى، ابن تيمية ١٢/٤٠٣.
131 انظر: تصحيح الدعاء، بكر أبو زيد ص١٦.
132 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/ ١٨٨.
133 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٨٩.
134 التفسير القيم، ابن القيم ص ٣٨١.