عناصر الموضوع

التعريف بداود عليه السلام

ذكر داود عليه السلام في القرآن الكريم

فضائل داود عليه السلام

داود وبنو إسرائيل

آيات داود عليه السلام

داود عليه السلام والفتنة

فوائد من قصة داود عليه السلام

داود عليه السلام

التعريف بداود عليه السلام

أولًا: نسب داود عليه السلام:

ورد اسم داود في القرآن علمًا على نبي الله، وهو اسم أعجمي، ونسبه كما ذكر أهل التاريخ1 هو: داود بن إيشى بن عويد بن باعز بن سلمون بن نحشون بن عمّيّ نوذب بن رام بن حصرون بن فارض بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم.

وبالاطلاع على ما ذكره المؤرخون من نسب داود نجد أن فيه اتفاقًا، ما عدا تغير طفيف لا يكاد يذكر في إعجام أو إهمال بعض الحروف، مما قد يكون سببه النسخ أو التصحيف في المطبوع، فضلًا على أن مثل هذه الأنساب لا تستند إلى دليل يمكن الجزم به، وأوفرها حظًا ما كان مستنده المرويات الإسرائيلية.

ومما يلاحظ في نسب داود عليه السلام أن بينه وبين أبينا إبراهيم الخليل اثني عشر أبًا، مما قد يشير بالنظرة التقريبية إلى الفترة الزمنية بينهما على فرض إمكانية النسب بهذه الصورة.

ويرسم اسم (داود) في التوراة بأحرف ثلاثة (دود) وضبطه آخرون في التوراة بحيث ينطق (داويد) التي آلت من بعد إلى (دافيد) (David)2.

وأما في النسخة المترجمة للعربية من الكتاب المقدس فإن الاسم مكتوب (داود)3.

معنى اسم داود:

اسم (داود) عند علماء العبرية والتوراة بمعنى الحّب والمحبوب، ورجح صاحب العلم الأعجمي أن معنى داود (ذو الأيد) ودليله ما جاء في القرآن ( ﭙﭚ ) [ص:١٧].

ومما قال: «لم ترد (ذو الأيد) في كل القرآن إلا في هذا الموضع فحسب، تفسيرًا لمعنى الاسم العلم (داود) بالمرادف المطابق اللصيق (ذو الأيد4.

ثانيًا: عمر داود عليه السلام:

ذكر ابن جرير في تاريخه5 أن بعض أهل الكتاب زعم أن عمر داود كان سبعًا وسبعين سنة، وضعّف هذا ابن كثير في البداية والنهاية، وقال: «هذا غلط مردود عليه»6.

رغم أن ابن جرير ذكر معلومة أخرى في ذات الموضع من تاريخه دون أن يرجّح، فقال: «عمره فيما وردت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة سنة»7.

فيحتمل أنه ذكر ما ورد عن بعض أهل الكتاب لمجرد إيراد ما لديهم، ويحتمل لعدم ترجيحه عدم صحة الحديث الوارد لديه بأن عمر داود مائة سنة.

ولا شك أن الصواب في عمر داود عليه السلام ما صح به الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن عمره مائة سنة، فقد روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما خلق الله آدم مسح ظهره، فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة، وجعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصًا من نور، ثم عرضهم على آدم، فقال: أي رب من هؤلاء؟ قال: هؤلاء ذريتك، فرأى رجلًا منهم فأعجبه وبيص ما بين عينيه، فقال: أي رب من هذا؟ فقال: هذا رجل من آخر الأمم من ذريتك يقال له داود، فقال: رب كم جعلت عمره؟ قال: ستين سنة، قال: أي رب، زده من عمري أربعين سنة، فلما قضي عمر آدم جاءه ملك الموت، فقال: أولم يبق من عمري أربعون سنة؟ قال: أولم تعطها ابنك داود؟! قال: فجحد آدم فجحدت ذريته، ونسي آدم فنسيت ذريته، وخطئ آدم فخطئت ذريته)8.

وممن صحح الحديث ابن الأثير في الكامل قال: «كان عمر داود لما توفي مائة سنة، صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم »9.

ثالثًا: وصف داود عليه السلام:

جاء عن وهب بن منبه أنه قال: كان داود عليه السلام قصيرًا، أزرق العينين، قليل الشعر، طاهر القلب نقيّه10.

رابعًا: وفاته:

قيل: إن داود عليه السلام مات في أورشليم11 يوم السبت، وقيل: الأربعاء12، وصح أنه مات عن مائة سنة، كما في حديث أبي هريرة السابق.

وأما قصة وفاته عليه السلام فقد أخرج الإمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كان داود النبي فيه غيرة شديدة، وكان إذا خرج أغلقت الأبواب، فلم يدخل على أهله أحد حتى يرجع) قال: (فخرج ذات يوم، وأغلقت الدار، فأقبلت امرأته تطلع إلى الدار، فإذا رجل قائم وسط الدار، فقالت لمن في البيت: من أين دخل هذا الرجل الدار والدار مغلقة؟ والله لتفتضحن بداود، فجاء داود فإذا الرجل قائم وسط الدار، فقال له داود: من أنت؟ قال: أنا الذي لا أهاب الملوك، ولا يمتنع مني الحجاب، فقال داود: أنت والله إذن ملك الموت، مرحبًا بأمر الله، فرمل داود مكانه حيث قبضت روحه حتى فرغ من شأنه، وطلعت عليه الشمس، فقال سليمان للطير: أظلي على داود، فأظلت عليه الطير حتى أظلمت عليهم الأرض، فقال لها سليمان: اقبضي جناحًا جناحًا)13. وجوّد إسناده ابن كثير في البداية والنهاية، فقال: «إسناده جيد، ورجاله ثقات».

ذكر داود عليه السلام في القرآن الكريم

ورد ذكر داود عليه السلام في القرآن الكريم (١٦) مرة، في (٩) سور.

وأما قصته عليه السلام فقد وردت في السور الآتية:

السورة

الآيات

البقرة

٢٥١

الأنبياء

٧٨-٨٠

ص

٢١-٢٥، ٣٠-٣٣

فضائل داود عليه السلام

وهب الله عز وجل داود عليه السلام عدة فضائل، منها:

أولًا: الجمع بين النبوة والملك:

كان داود عليه السلام نبيًا بدلالة القرآن الكريم؛ وذلك في أكثر من موضع ذكر فيه داود مع إخوته الأنبياء في سياق واحد في معانٍ مختلفة.

قال تعالى: ( ﭴﭵ ) [المائدة:٧٨].

وقال: ( ﭱﭲ ﭴﭵ ﭹﭺ ﭿ ﮂﮃ ) [الأنعام:٨٤].

وذكره الله تعالى في معرض تفضيل الأنبياء فقال: ( ﮰﮱ ) [الإسراء:٥٥].

كما نص الله في القرآن على إيتائه الزبور، فقال تعالى: ( ) [النساء:١٦٣].

فذكر الله تعالى داود ضمن أنبيائه -في سياقات مختلفة- يدل على دخوله فيهم بلا شك، وأنه ممن اصطفاه رب العالمين معهم، كما جاء النص بإيتائه الزبور، وهو دليل محتمل يشير إلى إرساله بعد ثبوت نبوته، كما أن الله قد أعطى لداود من المعجزات الأخرى التي رافقت نبوته، قال الفخر الرازي في تفسيره: «لا شك أن داود عليه السلام كان من أكابر الأنبياء والرسل»14.

وقال السعدي في تفسيره: «داود وسليمان من خواص الرسل، وإن كانوا دون درجة أولي العزم الخمسة، لكنهم من جملة الرسل الفضلاء الكرام الذين نوه الله بذكرهم، ومدحهم في كتابه مدحًا عظيمًا»15.

والجديد في حالة نبي الله داود عليه السلام وانفرد به عمَّن سبقه من الأنبياء الكرام: أن وهبه الله الملك مع النبوة، فهو أول من جمع الله له بين النبوة والملك من الأنبياء، فتميز بهذا، وانفرد عمن سبقه من أنبياء بني إسرائيل، فأعطى صورةً مختلفةً للنبي الملك للمجتمع الإسرائيلي.

قال ابن كثير في البداية والنهاية بعد أن بيّن أنّ قتل داود لجالوت هو سبب حب بني إسرائيل لداود وتملكه عليهم: «وجمع الله له بين الملك والنبوة، بين خيري الدنيا والآخرة، وكان الملك يكون في سبط والنبوة في سبط آخر، فاجتمع في داود هذا وهذا»16.

وقال العليمي الحنبلي في تفسيره: «ولم تجتمع السلطنة والنبوة لأحد قبل داود، بل كان الملك في سبط والنبوة في سبط»17.

وقد كان حال بني إسرائيل مختلفًا قبل ذلك، فكان الملك في جماعة والنبوة في آخرين، كما روى ابن عباس: «كان في بني إسرائيل سبطان أحدهما للنبوة والآخر للملك، فلا يبعث نبي إلا من الواحد، ولا ملك إلا من الآخر»18. فكان داود أول من جمع الله له بين الملك والنبوة في بني إسرائيل19.

وكان أول ملك ملّكه بنو إسرائيل على أنفسهم هو شاؤول20، وجاء في العهد القديم في سفر صموئيل الأول21 الإشارة إلى أن الله أوحى لنبيه صموئيل أن يأتيه رجل فأوحي إليه أن: «امسحه رئيسًا لشعبي إسرائيل».

وشاؤول هو نفسه طالوت الذي نص الله على تملّكه على بني إسرائيل في قوله تعالى: ( ﮕﮖ ﮥﮦ ) [البقرة:٢٤٧].

وإنما الاسم (شاؤول) هو الاسم العبراني له، والوارد في التوراة، وجاء في القرآن باللفظ العربي له (طالوت) وبينهما اتفاق في المعنى، وليس هذا محل التوسع في ذلك، وحسبنا أن نعلم أن ملك بني إسرائيل الذي اسمه شاؤول في التوراة اسمه الوارد في القرآن طالوت22.

وبعدما مات طالوت ملّك بنو إسرائيل عليهم داود23، وقد أحبوه قبل ذلك عندما قتل جالوت.

وفي موضع آخر من القرآن جاءت الإشارة من الله عز وجل لملك داود وخلافته في الأرض، فقال تعالى: ( ﯿ ) [ص:٢٦].

وفسّر هذه الآية السديّ24 بأن الله «ملّكه في الأرض»25.

وفي ذات السياق جاء التوجيه الرباني لداود في طريقة حكمه في الأرض، فقال تعالى: ( ﯿ ) [ص:٢٦].

وعندنا قضيتان هنا:

الأولى: هل كان داود نبيًّا عند قتله لجالوت؟

قال الماوردي في النكت والعيون: «واختلفوا هل كان داود عند قتله جالوت نبيًّا؟ ذهب بعضهم أنه كان نبيًّا؛ لأن هذا الفعل الخارج عن العادة، لا يكون إلا من نبي، وقال الحسن: لم يكن نبيًّا. قال ابن السائب: وإنما كان راعيًا، فعلى هذا يكون ذلك من توطئة لنبوته مِنْ بعد»26.

والثانية: هل كان مَلِكًا ثم أوتي النبوة، أم العكس؟

الظاهر من سياق الآيات أن داود عندما قتل جالوت لم يكن نبيًّا ولا ملكًا، وكانت النبوة بعد تملكه على بني إسرائيل، وظاهر اختيار ابن جرير أنه آتاه الله الملك قبل قتله لجالوت.

قال ابن جرير في تاريخه بعد أن ساق بعض الإسرائيليات في قصة داود وطالوت: «وفي هذا الخبر بيان أن داود قد كان الله حوّل الملك له قبل قتله جالوت»27.

وذهب ابن كثير في البداية والنهاية إلى عكس ذلك، فقال: «والذي عليه الجمهور أنه إنما ولي الملك بعد قتل جالوت»28.

وذهب ابن الأثير في تاريخه إلى احتمال الأمرين29.

والذي يظهر أن داود أصبح ملكًا على بني إسرائيل قبل أن يكون نبيًّا.

قال ابن جرير في تاريخه: «ولما اجتمعت بنو إسرائيل على داود أنزل الله عليه الزبور، وعلمه صنعة الحديد، وألان له، وأمر الجبال والطير أن يسبحن معه إذا سبح»30.

كما أن ظاهر القرآن في ترتيب ما وهبه الله لداود كان الملك، ثم الحكمة التي فسرت بأنها النبوة، وسيأتي ذكر ذلك.

قال تعالى: ( ) [البقرة:٢٥١].

وتحتمل الآية أن الله وهب داود الملك والنبوة معًا، ويحتمل أن داود أصبح ملكًا بعد حين أصبح نبيًّا.

وعلّلّ الفخر الرازي القول بتقدم ملكه على نبوته بأنه: «ترقّى في المراتب العالية، وإذا تكلم المتكلم في كيفية الترقي فكل ما كان أكثر تأخرًا في الذكر كان أعلى حالًا، وأعظم شأنًا»31.

وقال الفخر الرازي في تفسيره: «قال بعضهم: ظاهر الآية يدل على أن داود حين قتل جالوت آتاه الله الملك والنبوة؛ وذلك لأنه تعالى ذكر إيتاء الملك والنبوة عقيب ذكره لقتل داود جالوت، وترتيب الحكم على الوصف المناسب مشعر بكون ذلك الوصف علة لذلك الحكم»32.

وأما في مدة ملك داود، فقد كانت مدته أربعين سنة، كما ذكر ابن جرير وابن الأثير في تاريخيهما33.

وعقب على ذلك ابن كثير في البداية والنهاية بقوله: «وهذا قد يقبل نقله لأنه ليس عندنا ما ينافيه ولا ما يقتضيه»34.

ونلحظ أن ابن كثير دقيق في عبارته، فأشار إلى قبول نقله لا إلى إثباته.

ولو نظرنا في تحديد وقت ملكه فلا فائدة من ذلك، والمهم أنه ملك دهرًا، وجمعت له النبوة والملك، واستمر ملك داود عليه السلام إلى حين وفاته.

وقد أثنى الله على ملك داود ووصفه بقوله: ( ) [ص:٢٠]، فكان متانة ملك داود هبة من الله عز وجل.

ومعنى ( ) تقويته، وتحديد متعلق القوة فيه خلاف، فقيل: إنه شدّد ملكه بالجنود والرجال، وهو قول السدي35.

وقيل: شدّد ملكه بأن أعطي هيبة من الناس له لقضية كان قضاها، وهو قول ابن عباس36.

وقال الطبري عقب ذكره للأقوال: «وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تبارك وتعالى أخبر أنه شدّد ملك داود، ولم يحصر ذلك من تشديده على التشديد بالرجال والجنود دون الهيبة من الناس له، ولا على هيبة الناس له دون الجنود، وجائز أن يكون تشديده ذلك كان ببعض ما ذكرنا، وجائز أن يكون كان بجميعها، ولا قول أولى من ذلك بالصحة من قول الله؛ إذ لم يحصر ذلك على بعض معاني التشديد خبرٌ يجب التسليم له»37.

وقال ابن العربي في أحكام القرآن: «وعندي أن معناه: شددناه بالعون والنّصرة، ولا ينفع الجيش الكثير التفافه على غير منصور وغير معان»38.

وقال ابن كثير في تفسيره: «أي: جعلنا له ملكًا كاملًا من جميع ما يحتاج إليه الملوك»39.

وقال الطاهر ابن عاشور: «فشد الملك هو تقوية ملكه وسلامته من أضرار ثورة لديه، ومن غلبة أعدائه عليه في حروبه»40.

والذي ظهر هو الجمع بين الأقوال -كما ذهب إليه ابن جرير- فهي أبلغ في شدة ملكه وثبوته له مما يزعزعه.

ثانيًا: إيتاؤه الزبور:

لقد تفضل الله على داود عليه السلام بأن آتاه الزبور، وهو كتاب الله عز وجل المنزل على داود، وقد جاء ذكر الزبور ونسبته لداود ككتاب من الله لداود عليه السلام في القرآن والسنة.

فالزبور هو كتاب الله الذي أنزله على داود عليه السلام.

قال ابن كثير في البداية والنهاية: «الزبور اسم الكتاب الذي أوحاه الله إلى داود عليه السلام »41.

وجاء ذكر إيتاء الله الزبور لداود عليه السلام في مواضع من القرآن، منها قوله تعالى: ( ) [النساء:١٦٣].

وقال جل وعلا: ( ) [الإسراء:٥٥].

وقد جاءت آية سورة النساء في سياق ذكر الله لأنبيائه ومنهم داود، وهذا أول موضع ورد فيه اسم كتاب داود عليه السلام في القرآن الكريم.

معنى الزبور ونزوله على داود عليه السلام:

اختلف أهل العلماء في المقصود بالزبور هل هو اسم علم على كتاب داود عليه السلام أم وصف؟ وسيتضح أن الراجح أنه علم على كتاب الله الذي أنزله على داود عليه السلام، وعلى ذلك جملة من الأدلة، وسيأتي إيرادها، بعد التعريج على جذر كلمة الزبور ومعناها في المعجم العربي، وورودها في القرآن الكريم.

إن مادة (زبر) في المعاجم العربية تأتي بمعان، ومنها: زبره بالحجارة أي رماه بها، وزبر البناء يعني وضع بعضه فوق بعض، أي رصّه رصًّا، وزبره عن الأمر يعني منعه ونهاه، والأصل فيها قطعه عنه، فزبر بمعنى قطع، والزّبر الكتابة، وزبر الكتاب يعني كتبه، والأصل فيه أتقن كتابته مبينًا مفصلًا (مقطعًا) وهذا هو المعنى الرئيس في مادة زبر42. ولذا قال المفسرون (الزبور) بمعنى: المكتوب43.

قال ابن منظور: «وقد غلب الزبور على صحف داود على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وكل كتاب زبور، قال تعالى: ( ﭿ ) [الأنبياء:١٠٥]»44.

علمًا أن الآية السابقة من سورة الأنبياء لا تدل بوجه الجزم على نسبة الزبور لداود، فقد اختلف المفسرون45 في تحديد المقصود بالزبور فيها، فمنهم من اعتبره كتاب داود بعينه، ومنهم من قال: هو التوراة والإنجيل، وقيل: اسم لجنس ما أنزل على الأنبياء من الكتب، وقيل غيره، والخلاف في هذه الآية بعينها لا ينقض أصل نسبة الزبور ككتاب إلهي لداود عليه السلام، وأقصى ما يذهب إليه أن الخلاف الواقع هنا إنما هو في تحديد المراد بالزبور في تلك الآية فحسب، وسيأتي ذكر الآيات الدالة على نسبة الزبور لداود.

وقد وردت كلمة (الزبور) في القرآن في أكثر من موضع، ومن أصرحها في نسبة الزبور لداود قوله تعالى: ( ) [الإسراء٥٥].

وفي كلمة (زبورًا) قراءتان متواترتان، فقرأ حمزة وخلف بضم الزاي (زبورًا) وقرأ الباقون بفتح الزاي (زبورًا)46. وتوجيه قراءة ضم الزاي أن يكون جمع زبر، أي: كتبًا وصحفًا مزبوره47.

قال ابن جرير في تفسيره: «وجهوا تأويله: وآتينا داود كتبًا وصحفًا مزبوره، من قولهم: زبرت الكتاب أزبره زبرًا، وزبرته أزبره زبرًا: إذا كتبته»48.

وقال ابن أبي مريم في الموضح: «بضم الزاي وهو على وجهين:

أحدهما: أن يكون جمع زبر، وهو المزبور، وجاز جمعه وإن كان مصدرًا لوقوعه موقع الأسماء.

الثاني: أن يكون زبور بالضم جمع زبور بالفتح، جمعًا بحذف الزوائد، وبفتح الزاي وهو ظاهر، فإن زبورًا بمعنى مزبور، وهو اسم لهذا الكتاب المخصوص»49.

وأما بفتح الزاي فيكون بمعنى: وآتينا داود الكتاب المسمى زبورًا. قال ابن أبي مريم في الموضح: «وبفتح الزاي وهو ظاهر، فإن زبورًا بمعنى مزبور، وهو اسم لهذا الكتاب المخصوص»50.

فيكون اسمًا للكتاب الذي نزل على داود، كما سمّي الكتاب الذي أنزل على موسى بالتوراة، والذي نزل على عيسى بالإنجيل، والذي نزل على محمد عليهم الصلاة والسلام الفرقان؛ ولأن ذلك هو الاسم المعروف به مما أوتي داود51.

قال مكي بن أبي طالب في الكشف: «حجة من قرأ بالفتح أن المعروف أن داود صلى الله عليه وسلم أوتي كتابًا اسمه الزّبور، كالتوراة والإنجيل والقرآن، فهو كتاب واحد لكل نبي، فالفتح أولى به؛ لأنه اسم لكتاب واحد، وهو الاختيار، لصحة معناه؛ ولأن عليه الجماعة»52.

واعتبر السمرقندي53 أن القراءتين بمعنى واحد، وهو عبارة عن الكتاب.

وجاء في العلم الأعجمي أن (الزبور) هو علم عربي -ليس فيه شبهة عجمة- على كتاب داود عليه السلام، وأن (زبور) بمعنى (مزبور) بالنظر إلى مادته وصيغته فهو كتاب (تسابيح) مقطعات، وقال: «ومن غير الجيد فهمه بمعنى مطلق الكتاب، وإلا لما تميز وحي الله على داود باسم علم يختص به من دون كتب الله على رسله، كما اختص باسمه العلم كل من التوراة والإنجيل والقرآن، وإنما أريد له معنى مضاف يميزه عن غيره من الكتاب المكتوب...، إنه كتاب (تسابيح) مقطعات»54.

واسم كتاب داود في ترجمات العهد القديم هو (سفر المزامير) وهو كذلك في كتابهم المقدس الموجود الآن، وأما في النص العبراني فإن اسمه (سفر تهلّيم) أي: سفر التسابيح، وعليه فالترجمة العربية الدقيقة لاسم هذا السفر (سفر التسابيح) أو (سفر التهليل)55.

ولقد أشار الله على فضل داود وكتابه الزبور، فقال جل وعلا: ( ) [الإسراء:٥٥].

قال ابن كثير: «وقوله: ( ) تنبيه على فضله وشرفه»56.

وثبت بأصرح مما سبق إثبات اسم الزبور كعلم لكتاب الله في عدة أحاديث مرفوعة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وقرأ عليه أبيٌّ أمّ القرآن فقال: (والذي نفسي بيده ما أنزل في التوراة، ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها، إنها السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أعطيت)57.

وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعطيت مكان التوراة السبع، وأعطيت مكان الزبور المئين، وأعطيت مكان الإنجيل المثاني، وفضلت بالمفصل)58.

بل وجاء في الحديث تحديد وقت نزول الزبور، فقد أخرج الطبراني في المعجم الكبير عن واثلة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من شهر رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة مضت من رمضان، وأنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان، وأنزل القرآن لأربع عشرة خلت من رمضان)59.

وقد نزل الزبور على داود عليه السلام بعد أن اجتمعت بنو إسرائيل عليه، كما نص ابن جرير في تاريخه60.

حجم الزبور ومحتواه:

نقل السمرقندي في تفسيره عن مقاتل قال: «الزبور مائة وخمسون سورة، ليس فيها حكم ولا فريضة، إنما ثناء على الله عز وجل »61.

وهو كذلك في ما هو بين أيدي أهل الكتاب ضمن كتابهم المقدس، فقد بلغ مائة وخمسون مزمورًا.

وأما نسبة كل هذه المزامير لداود فغير صحيح، فإن أهل الكتاب ينسبون بعضها فقط إلى داود، وينسبون بعضها لابنه سليمان، كما ينسبون بعضها لرجل يدعى آساف، وهو كبير المغنين في بلاط داود، وبعضها الآخر مسكوت عنه غير منسوب62.

ولا يدرى على وجه التحقيق أي المزامير التي قالها داود؛ ولهذا في ترجمات العهد القديم سموه (سفر المزامير) بدلًا من (مزامير داود)63.

ويصدّق ذلك الترجمة المطبوعة من الكتاب المقدس للغة العربية، فإنه في سفر المزامير يصدّرون بعضها بقولهم: «مزمور داود» كما في المزمور رقم (٤ و٥ و٦ و٨ و٩ و١١ و١٩ و٢٨ وغيرها) بينما بعضها دون تسمية، وبعضها نسبوها لغير داود كما في المزمور (٧٢) كتب: «المزمور الثاني والسبعون لسليمان».

وأما في المزمور (٥٠،٧٤،٧٣) كتب: «مزمور لآساف». بل ونسبوا لآساف اثني عشر مزمورً!

وأما محتوى الزبور: فقد تميز عن غيره من كتب الله في محتواه، فقد كان فيه التسابيح والتهليل، وليس فيه شيء من التعاليم أو التكاليف، كما هي في التوراة والإنجيل والقرآن، وهو قول جماهير أهل العلم.

عن الربيع بن أنس قال: الزبور ثناء على الله عز وجل، ودعاء وتسبيح64.

وعن قتادة قال: كنا نحدث أن الزبور دعاء علّمه داود عليه السلام، وتحميد وتمجيد لله عز وجل، ليس فيه حلال ولا حرام، ولا فرائض، ولا حدود65.

وقال القرطبي في تفسيره: «الزبور: كتاب ليس فيه حلال ولا حرام، ولا فرائض ولا حدود، وإنما هو دعاء وتحميد وتمجيد»66.

ومما يؤيد ذلك ما بقي من وحي الله على داود -سليمًا من التحريف- مما هو في أيدي أهل الكتاب في العهد القديم67.

ولقد وهب الله داود عليه السلام سهولة قراءة كتابه، فقد أخرج البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خفف على داود القرآن، فكان يأمر بدوابه فتسرج، فيقرأ القرآن قبل أن تسرج دوابه، ولا يأكل إلا من عمل يده)68. والمراد بالقرآن هنا مصدر القراءة لا القرآن المعهود لهذه الأمة، كما قال ابن حجر في فتح الباري69.

ثالثًا: إيتاؤه العلم والحكمة:

أثنى الله على داود عليه السلام بأنه آتاه العلم والحكمة في أكثر من موضع في القرآن، وجاءت الآيات بصور مختلفة: فتارةً يجمع الله له بين العلم والحكمة، وتارةً يذكر العلم فقط، وتارةً الحكمة فقط.

أما الجمع بين العلم والحكمة فجاءت في آية واحدة، قال تعالى: ( ) [البقرة:٢٥١].

وجاء ذكر العلم دون الحكمة لداود في آيتين:

قوله تعالى: ( ﮧﮨ ﮬﮭ ﯔﯕ ) [الأنبياء:٧٨-٧٩].

ففي هذه الآية امتدح الله سليمان عليه السلام في إصابته في القضاء في الحكم إلا أن الله لم يذم داود، بل امتدحه الله بإيتائه العلم والحكمة، كما آتاهما سليمان، وكون الآية وردت في سياق تأييد الحكم لسليمان عليهما السلام، أعقبه الله تعالى بذكر الفضيلة لهما؛ لئلا يتوهم الإغضاء من قدر داود عليه السلام، ودفعًا لما عسى يوهمه تخصيص سليمان عليه السلام بالتفهم، من عدم كون حكم داود عليه السلام حكمًا موافقًا للصواب70.

قال تعالى: ( ) [النمل:١٥].

وأما التي ذكر فيها إيتاءه للحكمة دون العلم فهي آية واحدة:

قوله تعالى: ( ) [ص:٢٠].

فالمذكور في الآيات مما وهبه الله لداود أمران: العلم والحكمة، فما المقصود بالعلم؟ وهل هو علم خاص بهما أم مشترك مع باقي الخلق؟ وما المقصود بالحكمة؟

١. العلم.

تعددت الأقوال في المراد بالعلم الذي أوتيه داود عليه السلام، وأساس الخلاف هل هو علم اختص الله به داود عليه السلام أم علم كباقي العلوم التي يمكن للعباد أن يؤتوها أو يكتسبوها؟

فقيل: هو الفهم، وهو قول قتادة71.

وقيل: هو علم بالدين والحكم وغيرهما72.

وقيل: «طائفة من العلم وهو علم الحكم والشرائع، أو علمًا أي علم»73.

وذهب ابن جرير إلى أن المراد بالعلم «علم كلام الطير والدواب وغير ذلك مما خصهم الله بعلمه»74.

وذهب ابن كثير إلى اختصاص العلم بداود، ولكن دون تحديد ماهية العلم، فقال في تفسيره: «علمه ما يشاء من العلم الذي اختصه به عليه السلام »75.

وقيل: صنعة الكيمياء. قال القرطبي: «هو شاذ»، وقال عقب ذلك القرطبي: «وإنما الذي آتاهما الله النبوة والخلافة في الأرض والزبور»76. في إشارة للعلم أن يكون النبوة أو الزبور، والله أعلم.

وقال ابن عاشور: «علم نبوءة وحكمة»77.

وجمع ما قيل في المراد بعلم داود الماوردي، فقال: «فيه ستة أوجه:

أحدها: فهمًا، قاله قتادة.

الثاني: صنعة الكيمياء، وهو شاذ.

الثالث: فصل القضاء.

الرابع: علم الدين.

الخامس: منطق الطير.

السادس: بسم الله الرحمن الرحيم»78.

والذي يترجح لي -والله أعلم- أن الله خصه بعلم ديني ودنيوي، وهو الأكمل في حق داود عليه السلام، فأما الديني فيكفيه ما في النبوة والزبور من علم وافر، وأما العلم الدنيوي فمما يؤيده قوله تعالى عما آتاه لنبيه داود: ( ) [الأنبياء:٨٠].

ويدخل فيها علمه لكلام الطير وغيره، وفي قوله تعالى: ( ) [البقرة:٢٥١].

إشارة إلى ذلك، قال في معناها ابن الجوزي: «قوله تعالى: ( ) فيه ثلاثة أقوال:

أحدها: أنها صنعة الدروع.

والثاني: الزبور.

والثالث: منطق الطير»79.

وتحتمل كلمة (مما يشاء) أن يكون مما يشاؤه الله، أو يشاؤه داود، أو كلاهما80.

فخص الله نبيه داود بعلم دون العباد، والفعل (آتينا) فيه إشارة إلى أنه «علم مفاض من عند الله، وليس علمًا مكتسبًا81. وهو علم عظيم في شأنه، بدلالة تنكير لفظة (علمًا) كما جاء في آية سورة النمل82، ويحتمل أن يكون التنكير للتكثير83، ولا مانع من الجمع بينهما، فهو علم عظيم وكثير، والله أعلم.

فهو إذن علم اختص به داود عليه السلام في الجنس والكم، ولو اشترك معه غيره من الخلق لما كان هناك مزية له في هذا العلم دون الآخرين.

قال القشيري على آية سورة النمل: «يقتضي حكم هذا الخطاب أنه أفردهما بجنس من العلم لم يشاركهما فيه أحد؛ لأنه ذكره على وجه تخصيصهما به، ولا شك أنه كان من العلوم الدينية، ويحتمل أنه كان بزيادة بيان لهما أغناهما عن إقامة البرهان عليه، وتصحيحه بالاستدلال الذي هو معرض للشك فيه، ويحتمل أن يكون علمهما بأحوال أمتهما على وجه الإشراف على ما كانوا يستسرون به، فيكون إخبارهما عن ذلك معجزة لهما»84.

٢. الحكمة.

كما اختلف في المراد بالعلم وقع الخلاف في المراد بالحكمة التي وهبها الله لداود عليه السلام، فقيل: هي النبوة، وهو قول ابن عباس والسدي، أخرجه عنه ابن جرير واختاره85.

وقيل: إنها السنة، وهو قول قتادة والحسن86.

وقيل: العقل في الدين، وإليه ذهب زيد بن أسلم87.

وقيل: الصواب، وهو قول مجاهد أخرجه سعيد بن منصور88.

وقال ابن الجوزي: «وفي المراد بالحكمة ها هنا قولان:

أحدهما: أنها النبوّة.

والثاني: الزبور»89.

وفي موضع آخر قال ابن الجوزي: «فيها أربعة أقوال:

الفهم، قاله ابن عباس والحسن وابن زيد.

والثاني: الصواب، قاله مجاهد.

والثالث: السنة، قاله قتادة.

والرابع: النبوة، قاله السدي»90.

وعند ابن عطية في المحرر الوجيز ذكر ما سبق وزاد في معنى الحكمة: أنها العلم الذي لا ترده العقول91.

والذي يظهر أن الله ذكر إيتاءه الحكمة لنبيه داود في موضعين في كتابه الكريم، فجاء ذكر إيتائه الحكمة في سياق قتله لجالوت، فقال تعالى: ( ) [البقرة:٢٥١].

وجاء ذكرها أيضًا في سياق تعداد النعم التي وهبها الله لداود، فقال تعالى: ( ﭙﭚ ﭧﭨ ) [ص:١٧-٢٠].

وإطلاق القول في معنى الحكمة في كلا الموضعين قد يحدث شيئًا من التداخل؛ فلذا لا بد من التفصيل، فلكل موضع مقال في معناها، فإذا فرقنا بين الموضعين، وما تحتمله من معنى اتضح لنا الأمر في معنى المراد بالحكمة، وفي نسبة الأقوال للسلف وغيرهم.

ففي الموضع الأول تكون الحكمة هي النبوة، كما ذهب إليه ابن عباس والسدي؛ بدلالة أن الله أشار في تلك الآية إلى إعطاء داود الملك بعد انتصارهم، وقرنه بالحكمة التي هي النبوة، فيكون أعظم امتنان على داود وبني إسرائيل.

وأما في الموضع الآخر: فإن الأقوال فيها تحتمل التعدد، فيمكن أن تكون الفهم أو الصواب أو العقل أو غيره، ويشملها النبوة.

رابعًا: فصل الخطاب:

لقد أثنى الله على داود بأن آتاه فصل الخطاب، فقال عز وجل: ( ) [ص:٢٠].

وجاءت هذه الصفة في معرض ذكر فضائل داود عليه السلام، وقد تعددت أقوال المفسرين في معنى (فصل الخطاب) فقيل فيها عدة أقوال، وهي:

علم القضاء والفهم به، ذهب إليه ابن عباس ومجاهد والسدي وابن زيد وأبو عبدالرحمن السلمي92.

وقيل: تكليف المدّعي البينة، واليمين على المدّعى عليه، وبعبارة أخرى: الشهود والأيمان، وذهب إليه علي بن أبي طالب وشريح والشعبي وقتادة93، ووصف هذا القول الواحدي94 بأنه قول الأكثرين.

وقيل عبارة: أما بعد، وهو قول أبي موسى الأشعري95، ونسب إلى الشعبي96، وأخرجه سعيد بن منصور عن زياد بن أبيه9798.

وكل هذه الأقوال مناقب حري بها نبي الله داود، وخليق بها؛ ولذا اختار ابن جرير في معنى (فصل الخطاب) أنه يشملها كلها، فقال: «وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله أخبر أنه آتى داود -صلوات الله عليه- فصل الخطاب، والفصل: هو القطع، والخطاب هو المخاطبة، ومن قطع مخاطبة الرجل الرجل في حال احتكام أحدهما إلى صاحبه قطع المحتكم إليه الحكم بين المحتكم إليه وخصمه بصواب من الحكم، ومن قطع مخاطبته أيضًا صاحبه إلزام المخاطب في الحكم ما يجب عليه إن كان مدّعيًا، فإقامة البيّنة على دعواه، وإن كان مدّعىًا عليه فتكليفه اليمين إن طلب ذلك خصمه، ومن قطع الخطاب أيضًا الذي هو خطبةٌ عند انقضاء قصة وابتداء بأخرى، الفصل بينهما بـ(أما بعد) فإذ كان ذلك كله محتملًا ظاهر الخبر، ولم تكن في هذه الآية دلالة على أي ذلك المراد، ولا ورد به خبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم ثابت، فالصواب أن يعمّ الخبر كما عمّه الله، فيقال: أوتي داود فصل الخطاب في القضاء والمحاورة والخطب»99.

وبهذا التوجيه من ابن جرير تكون الفضيلة لداود أعم وأتم، وهو الصواب الذي يدل عليها ظاهر القرآن، وتتوافق مع مكانة نبي الله داود عليه السلام.

خامسًا: قتله لجالوت:

لقد انضم داود عليه السلام ضمن جيش بني إسرائيل بقيادة ملكهم طالوت الذي خرج لمحاربة جالوت وجنده، وكان في ذلك الحين داود إنما هو عبد صالح في بني إسرائيل ولم يكن نبيًّا، وكان أول بروز له لكافة شرائح مجتمعه في تلك المعركة التي وفقه الله فيها إلى قتل جالوت، فبرز وكان له الشأن عند قومه، وكأن الله عز وجل أراد تهيئته أو تهيئة بني إسرائيل لنبوة وملك داود، فقال تعالى: ( ) [البقرة:٢٥١]علمًا أن هذا هو أول موضع ورد فيه اسم داود في القرآن الكريم، بحسب ترتيب سوره.

فنص الله على أن داود قتل جالوت، وأشار عقبها مباشرةً إلى إعطاء الله الملك له والحكمة، فبعد تلك المعركة وبعد تلك الحادثة أصبح داود ملكًا ونبيًا لبني إسرائيل.

داود وبنو إسرائيل

كان عهد داود عليه السلام بعد موسى عليه السلام قطعًا بمدة من الزمن، فقد قال تعالى في مطلع قصة قتل داود لجالوت: ( ) [البقرة:٢٤٦].

وقد نص ابن كثير100 على أنه كان بين داود وموسى ما ينيف عن ألف سنة.

وقد كان قبل داود على ملك بني إسرائيل طالوت، كما قال تعالى: ( ) [البقرة:٢٤٧].

وإن كان مجاهد ذهب إلى أن الملك في هذه الآية هو الإمرة على الجيش لا بالملك العام101.

وفي قوله تعالى: ( ) [البقرة:٢٤٦] إشارة واضحة إلى وجود نبي لبني إسرائيل قبل داود، وفي تحديده خلاف بين المفسرين فقيل: شمعون102، وقيل: صمويل، وقيل: غيرهم103، وتحديد اسمه غير مهم لنا في هذا البحث، كما أنه ليس هناك دليل صحيح ينص على تحديده.

وقد توالت الأحداث على بني إسرائيل من خير وشر، ورفعة ومذلة، ثم كانت المعركة الفاصلة بين الملك طالوت ومعه داود عليه السلام وخصومهم جالوت وجنده، فوقع القتال بأمر الله، ثم قتل داود جالوت، فوقع حب داود في قلوب بني إسرائيل، ومالوا إليه، ثم آل الملك إليه مع ما منحه الله من النبوة.

فجمع الله لداود بين الملك على بني إسرائيل والنبوة.

وهنا لا بد من وقفة جلية تكشف لنا حقيقة صفات داود عند أهل الكتاب بما ورد في العهد القديم والعهد الجديد، مع موازنتها بما ذكره الله عز وجل عن نبيه داود في القرآن الكريم؛ ليتضح البون الشاسع بين ما نعتقد كمسلمين في حق داود عليه السلام، وبين ادعاءات البهتان لأهل الكتاب.

صفات داود في القرآن والعهد القديم:

إن الأنبياء هم صفوة الخلق، ونعتقد بجمال أحوالهم قبل نبوتهم وبعدها، ولا يتصور أي معظّم لأنبياء الله أن يرميهم بالنقائص والعيوب التي يترفع عنها بسطاء الناس فضلًا عن كبرائهم، فضلًا عن صفوة الخلق!

وإن اليهود يزعمون أنهم يعظمون داود، وهذا ادعاء لا يتفق مع ما يؤمنون به من كتبهم، فإن في العهد القديم نسبة الصفات القبيحة والشنيعة لداود عليه السلام حاشاه من تلك المعايب، ولا أدري أي تعظيم له بعد ذلك؟!

ولنبدأ بالوجه المشرق لصفات داود كما وردت في القرآن الكريم على وجه الاختصار104:

جاء في القرآن عن داود عليه السلام أنه:

  1. في قوله تعالى: ( ) [ص:٢٢]إشارةٌ إلى الخوف الجبلي الذي يعتري البشر عند رؤية مكروه، ولا يؤاخذون عليه، ولا يتعارض مع طمأنينته بالنبوة، وثقته بالله، وتوكله عليه، وقد أجاب ابن عاشور221 عن هذا بثلاثة أجوبة أحسنها ما أشرت إليه. وأما عن سبب الفزع ففيه أقوال؛ منها ما هو بالنظر للزمان، وهو أنهم دخلوا عليه ليلًا في وقت لا يتوقع فيه دخول أحد، أو بالنظر للمكان، وأنهم تسوروا المحراب، ولم يدخلوا من الباب222.
  2. اجتمع لداود في تلك الخصومة عدة أمور نفسية لم تؤثر عليه سلبًا، فهم دخلوا عليه فجأة، وأصابه الفزع، ووعظوه قبل أن يحكم، ومع هذا اتسع صدر نبي الله لهم، واستمع وحكم بما رآه حقًّا.
  3. استدل المالكية بجواز التقاضي في المسجد بأن داود حكم بينهما في المسجد، قال القرطبي: «وليس في القرآن ما يدل على القضاء في المسجد إلا هذه الآية»223. ويسلم لهم هذا الاستدلال متى ما ثبت وقوع القصة في المسجد بدليل صحيح.
  4. نأخذ من قوله تعالى: ( ) [ص:٢٢] فائدتين: الأولى تتعلق بالمحكوم، والثانية بالحاكم، فإن المتخاصمين طلبوا التحاكم إلى داود، وقبل أن يعرضا خصومتهما نصحاه بتلك النصائح، والتي قد يفهم منها ضعيف النفس اتهامًا له وتخوينه، ولكن داود عليه السلام تقبل منهم تلك النصيحة، ولم يزجرهما أو يغلظ عليهما، وهو نبي الله المؤيد بالوحي، فما بالنا بحال البشر ممن ليسوا بأنبياء! وهذا اللائق بمن وجهت له النصيحة، ولو في مجلس القضاء، طالما أنه ظهر من الناصح إرادة الحق، ولم يكن في تلك النصيحة تخوين له بالتصريح أو التلميح، قال السعدي: «عرف أنّ قصدهما -أي المتخاصمين- الحق الواضح الصرف، فلم يشمئز نبي الله داود من وعظهما له ولم يؤنبهما»224. كما أن تلك النصيحة لم تصرف داود عن الاستماع للمظلمة، ولم تمنعه النصيحة من الحكم بالحق الصرف، وأيضًا ليس فيها تقليل من مقدار القاضي أو الحكم فلم يكن فيها جفاء، وذلك كونها قبل إصدار الحكم، قال ابن عاشور: «وصدوره -أي النصح- قبل الحكم أقرب إلى معنى التذكير، وأبعد عن الجفاء، فإن وقع بعد الحكم كان أقرب إلى الجفاء»225. وفي هذا المعنى سطر الألوسي كلمات تكتب بماء الذهب، فقال: «وفي تحمل داود عليه السلام لذلك منهم دلالة على أنه يليق بالحاكم تحمل نحو ذلك من المتخاصمين لا سيما إذا كان ممن معه الحق، فحال المرء وقت التخاصم لا يخفى، والعجب من حاكم أو محكم أو من للخصوم نوع رجوع إليه كالمفتي كيف لا يقتدي بهذا النبي الأواب عليه الصلاة والسلام في ذلك، بل يغضب كل الغضب لأدنى كلمة تصدر ولو فلتة من أحد الخصمين يتوهم منها الحط لقدره، ولو فكّر في نفسه لعلم أنه بالنسبة إلى هذا النبي الأواب لا يعدل -والله العظيم- متك ذباب226، اللهم وفقنا لأحسن الأخلاق، واعصمنا من الأغلاط»227.

    نسأل الله أن يلهمنا حسن الأخلاق والأقوال والأعمال، وأن يرزقنا العلم النافع، وأن يغفر لنا الزلل.

    موضوعات ذات صلة:

    بنو إسرائيل، زكريا عليه السلام، سليمان عليه السلام، عيسى عليه السلام، موسى عليه السلام، الكتب المنزلة


1 انظر: تاريخ الأمم والملوك، الطبري ١/٤٧٦، الكامل في التاريخ، ابن الأثير ١/١٩٤، البداية والنهاية، ابن كثير ٢/٣٠٠.

2 انظر: العلم الأعجمي في القرآن، محمود أبو سعدة ٢/١٧٣.

3 انظر: الكتاب المقدس، سفر صموئيل الثاني.

4 انظر: العلم الأعجمي ٢/١٧٣- ١٧٩.

5 تاريخ الأمم والملوك، الطبري ١/٤٨٥.

6 البداية والنهاية ٢/٣١٩.

7 تاريخ الأمم والملوك، الطبري ١/ ٤٨٥.

8 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب تفسير القرآن، باب: ومن سورة الأعراف، ٥/٢٦٧، رقم ٣٠٧٦.

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح،. وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ٢/٩٢٥، رقم ١٦٨١.

9 الكامل في التاريخ ١/١٩٩.

10 انظر: تاريخ الأمم والملوك، الطبري ١/٤٧٦، الكامل في التاريخ، ابن الأثير ١/١٩٤، البداية والنهاية، ابن كثير ٢/٣٠٠.

11 قال ابن عاشور في التحرير والتنوير ٧/٣٣٨: «داود بن يسي من سبط يهوذا من بني إسرائيل، ولد بقرية بيت لحم سنة ١٠٨٥ قبل المسيح، وتوفي في أورشليم».

12 انظر: البداية والنهاية، ابن كثير ٢/٣٢١.

13 أخرجه أحمد في مسنده، ١٥/٢٥٤، رقم ٩٤٣٢.

قال ابن كثير في البداية والنهاية: إسناده جيد، ورجاله ثقات.

14 مفاتيح الغيب ٩/٣٧٩.

15 تيسير الكريم الرحمن ص٦٠٢.

16 البداية والنهاية، ٢/٣٠٠-٣٠١.

17 فتح الرحمن في تفسير القرآن ١/٣٥٩.

18 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/٦.

19 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢/٥١٦.

20 انظر: العلم الأعجمي، أبو سعدة ٢/١٧٤.

21 الإصحاح ٩.

22 انظر: العلم الأعجمي، أبو سعدة ٢/١٥٩-١٦٣.

23 انظر: جامع البيان، الطبري ٤/٥١٤.

24 انظر: المصدر السابق ٢٠/٧٧.

25قال د.صلاح الخالدي في كتابه الأعلام الأعجمية في القرآن ص٩١: «لم يطلق لقب خليفة في القرآن إلا على نبيين: آدم في سورة البقرة، وداود في سورة ص عليهما السلام».وذكر معنى لطيفًا فقال: «وهذا يشير إلى معنى إيماني إسلامي خاص في ملك داود لبني إسرائيل، ففترة حكمه وملكه يعتز بها المسلمون؛ لأن حكمه لم يكن يهوديًا إسرائيليًّا، مع أنه إسرائيلي من حيث النسب، وإنما كان حكمًا إسلاميًّا إيمانيًّا، ولذلك وصفه الله بأنه خليفة».

26 النكت والعيون ١/٣١٩-٣٢٠.

27 تاريخ الأمم والملوك ١/٤٧٨.

28 البداية والنهاية ١/٣٠٥.

29 الكامل في التاريخ ١/١٩٤.

30 تاريخ الأمم والملوك ١/٤٨٧.

31 مفاتيح الغيب ٢/٥١٧.

32 المصدر السابق ٢/٥١٦.

33 انظر: تاريخ الأمم والملوك، الطبري ١/٤٨٥، الكامل في التاريخ، ابن الأثير ١/١٩٩.

و في سفر صموئيل الثاني الإصحاح ٥: أن مدة ملك داود أربعين سنة.

34 البداية والنهاية ٢/٣١٩.

35 أخرجه الطبري في تفسيره ٢٠/٤٦.

36 أخرجه الطبري في تفسيره ٢٠/٤٧.

37 جامع البيان ٢٠/٤٨.

38 أحكام القرآن ٤/٤١.

39 تفسير القرآن العظيم ٧/٥٨.

40 التحرير والتنوير ٢٣/١٢٩.

41 البداية والنهاية ٢/٤٦٩.

42 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٥/٤٠٣.

43 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٩/٤٥١، تفسير النسفي ٢/٤٢٣.

44 انظر: لسان العرب ٥/٤٠٣.

45 انظر: تفسير القرآن، السمعاني ٣/٤١٣، الكشاف، الزمخشري ٣/١٣٨.

46 انظر: التيسير، الداني ص٢٦٧، إتحاف فضلاء البشر، البناء ١/٥٢٦.

47 الحجة، ابن زنجلة ص٢١٩.

48 جامع البيان ٧/٦٨٧.

49 الموضح في وجوه القراءات وعللها ١/٤٣٣.

50 المصدر السابق.

51 انظر: جامع البيان، الطبري ٧/٦٨٧.

52 الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها ١/٤٠٢.

53 تفسير السمرقندي ١/٤٠٤.

54 العلم الأعجمي، أبو سعدة ٢/١٨٧ -١٨٨.

55 انظر: المصدر السابق ٢/١٨٣ وجاء فيه: هو هلل العبري المأخوذ من هلل العربي، بمعنى سبح، وترخصت الترجمة السبعينية اليونانية لأسفار العهد القديم في تسميته في النسخة العربية بالمزامير؛ لأن في أصله العبري جاءت عند عنونة المقاطع بكلمة مزمور.

56 تفسير القرآن العظيم ٥/٨٨.

57 أخرجه أحمد في مسنده، ٨/ ٣٨٧، رقم ٨٦٦٧.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١١٩١، ٧٠٧٩.

58 أخرجه أحمد في مسنده، ٨/ ٣٨٧، رقم ٨٦٦٧.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٢٤١، رقم ١٠٥٩.

59 أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ٢٢/ ٧٥-١٨٥.

وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ١/٣١٣، ١٤٩٣.

60 تاريخ الأمم والملوك، الطبري ١/٤٧٨.

61 تفسير السمرقندي ٢/٢٧٣.

62 وهنا ذكر محمود أبو سعدة فائدة عزيزة قال: «وهذا يدلك على أن المجموع بين دفتي العهد القديم ليس كله من وحي الله عز وجل على رسله وأنبيائه، بل منه هذا وذاك، وهو يدلك أيضًا على أن معنى الوحي عند أهل الكتاب ليس هو نفس معناه عند أهل القرآن». انظر: العلم الأعجمي ٢/١٨٢.

63 انظر: العلم الأعجمي، أبو سعدة ٢/١٨٢.

64 أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٤/١١١٨.

65 أخرجه الطبري في تفسيره ١٤/٦٢٥، وابن أبي حاتم في تفسيره ٧/٢٣٣٥.

66 الجامع لأحكام القرآن ١٠/١٠٥.

67 انظر: العلم الأعجمي، أبو سعدة ٢/١٨٧.

68 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: (وآتينا داوود زبورًا)، ٤/١٦٠، رقم ٣٤١٧.

69 فتح الباري ٨/٣٩٧.

70 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ١١/٢٧٣، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٧/٨٧.

71 أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٩/٢٨٥٤.

72 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٦/١١٢.

73 انظر: الكشاف، الزمخشري ٣/٣٤١، أنوار التنزيل، البيضاوي ٢/١٧٢.

74 جامع البيان ١٨/١٢٤.

75 تفسير القرآن العظيم ١/٦٦٩.

76 الجامع لأحكام القرآن ١٦/١١٢.

77 التحرير والتنوير ١٩/٢٣٢.

78 النكت والعيون ٤/١٩٧.

79 زاد المسير ١/٣٠٠.

80 انظر: النكت والعيون، الماوردي ١/٣٢١.

81 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٩/٢٣٣.

82 انظر: المصدر السابق.

83 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٥٢.

84 لطائف الإشارات ٥/٣٢.

85 أخرجه الطبري في تفسيره عن السدي ٥/٤١٥، ونسبه لابن عباس ابن الجوزي في زاد المسير ١/٣٠٠.

86 أخرجه الطبري في تفسيره ٢٠/٤٨ عن قتادة، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٢/٤٨٠ عن الحسن.

87 أخرجه عنه ابن أبي حاتم في تفسيره ٢/٤٨٠.

88 سنن سعيد بن منصور ٧/١٧٤.

89 زاد المسير ١/٣٠٠.

90 المصدر السابق ٧/١١١.

91 المحرر الوجيز ٧/٣٣١ ونسبه لأبي العالية.

92 أخرجه عنهم الطبري في تفسيره ٢٠/٤٩-٥٠. قال السعدي في تفسيره ص٧٢٢: «من أكبر نعم الله على عبده أن يرزقه العلم النافع، ويعرف الحكم والفصل بين الناس؛ كما امتن الله به على عبده داود».

93 أخرجه عنهم جميعًا -ما عدا علي بن أبي طالب- الطبري في تفسيره ٢٠/٥٠-٥١، ونسبه إلى علي بن أبي طالب ابن عطية في المحرر الوجيز ٧/٣٣١، والقرطبي في تفسيره ١٨/١٤٩.

94 البسيط ١٩/١٧٦.

95 زاد المسير، ابن الجوزي ٧/١١٢.

96 أخرجه عنه الطبري في تفسيره ٢٠/٥١.

97 سنن سعيد بن منصور ٧/١٧٥.

98 ضعف هذا القول ابن العربي، فقال في أحكام القرآن ٤/٤٥: «لو صحّ أن داود قالها -أي أما بعد- فإنه لم يكن ذلك منه بالعربية، على هذا النظم، وإنما كان بلسانه، والله أعلم».

واستبعده ابن عاشور في التحرير والتنوير ٢٣/١٣٠ فقال: «ولا أحسب هذا صحيحًا؛ لأنها كلمة عربية، ولا يعرف في كتاب داود أنه قال ما هو بمعناها في اللغة العبرية».

99 جامع البيان ٢٠/٥٢.

100 تفسير القرآن العظيم ١/٦٦٥.

101 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/٦.

102 هو قول السدي أخرجه ابن جرير في تفسيره ٤/٤٣٦.

103 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٦٦٤.

104 انظر: الأنبياء في القرآن والكتاب المقدس، محمد عمارة ص٥٥.

105 انظر: رسالة داود وسليمان في الأسفار اليهودية، مي المدهون ص ١٦٨-١٦٩.

وأشير هنا إلى أن الموازنة فيما ذكرت عن صفات داود عليه السلام في العهد القديم والقرآن فحسب وليس لما يورد في كتب التفسير؛ لأن تلك الكتب هي التي يعتقد أهل كل ملة نسبتها إلى الله.

106 التحرير والتنوير ٢٣/٢٣٩.

107 نظم الدرر ٦/٣٧٦.

وذكرت مي المدهون أن بعض اليهود كانوا ينفون عن داود النبوة ويعتبرونه ملكًا فحسب.

108 الجامع لأحكام القرآن ١٧/٢٦٠.

109 انظر: روح المعاني، الألوسي ٢٢/٢٩.

110 انظر: المصدر السابق.

111 الكشاف ٣/٥٥٤.

112 الكشاف ٣/١٢٦.

113 جامع البيان ١٦/٣٢٨.

114 المحرر الوجيز ٦/١٨٨.

115 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ١٥/٤٣٥.

116 جامع البيان ١٩/٢١٩.

117 انظر: المحرر الوجيز ٧/١٦١.

118 جامع البيان ١٩٦/٢٢٠-٢٢١.

119 تفسير القرآن العظيم ٦/٤٩٧.

120 الجامع في أحكام القرآن ١٧/٢٦١.

121 جامع البيان ١٩/٢١٩.

122 المحرر الوجيز ٧/١٦١.

123 الجمل في النحو ص١٥٢.

124 تفسير القرآن العظيم ٦/٤٩٧. قال الشنقيطي عن هذا القول في أضواء البيان ٣/١٥٥: ساقط.

125 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، ٤/ ١٩٥، رقم ٥٨٣.

126 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب فضل نسب النبي صلى الله عليه وسلم، وتسليم الحجر عليه قبل النبوة، ٤/١٧٨٢، رقم ٢٢٧٧.

127 أضواء البيان، الشنقيطي ٣/١٥٥.

128 مما يحتمل إضافته لآيات داود، علمه منطق الطير، فقال تعالى: ( ﭿ ) [النمل:١٦].

والضمير في علّمنا يحتمل عوده على داود وسليمان عليهما السلام، ويحتمل عوده على سليمان فقط، قال البيضاوي في تفسيره ٢/١٧٣: «والضمير في علّمنا وأوتينا له ولأبيه عليهما الصلاة والسلام، أو له وحده على عادة الملوك لمراعاة قواعد السياسة».ورجح عبد الوهاب النجار في قصص الأنبياء ص٣٢٦ أن الضمير لداود وسليمان.

129 انظر: جامع البيان، الطبري ١٦/٣٢٨.

130 انظر: أضواء البيان ٣/١٥٥.

131 جامع البيان، الطبري ٢٠/٤٥.

132 المصدر السابق.

133 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ٧/٣٧٤.

134 أخرجه عنهما الطبري في تفسيره ٢٠/٤٥-٤٦.

135 أخرجه عنه الطبري في تفسيره ٢٠/٤٦.

136 انظر: زاد المسير ٧/١١١.

137 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل القرآن، باب حسن الصوت بالقراءة للقرآن ٦/ ١٩٥، رقم ٥٠٤٨ ومسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن ١/٥٤٦، رقم ٧٩٣.

138 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٢/٢٦.

139 انظر: جامع البيان، الطبري ١٩/٢٢٢.

140 أخرجه الطبري في تفسيره ١٩/٢٢٢.

141 المحرر الوجيز ٧/١٦٢.

142 الكشاف ٣/٤٥٥.

143 أخرجه عنه الطبري في تفسيره ٢٠/٤١.

144 أخرجه عنهم الطبري في تفسيره ٢٠/٤٠.

145 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التهجد، باب من نام عند السحر، ٢/٥٠، رقم ١١٣١، ومسلم في صحيحه، كتاب الصيام، باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به ٢/٨١٦، رقم ١١٥٩.

إذا علمنا أن داود عليه السلام كان كثير العبادة بما ذكر، فإن العجب يزداد ويبلغ مداه إذا استشعرنا قوته في العبادة وهو ملك، قد جمعت له من ملذات الدنيا ما طاب فيها وما لذ، ولم تشغله عن عبادته وتميزه فيها عمن سبقه ولحقه.

146 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب حق الضيف، ٨/٣١، رقم ٦١٣٤، ومسلم في صحيحه، كتاب الصيام، باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به، ٢/٨١٦، رقم ١١٥٩.

147 المحرر الوجيز ٧/٣٣٠.

148 تيسير الكريم الرحمن، ص٥٢٨.

149 الجامع لأحكام القرآن ١٧/٢٦٣.

150 أخرجه عنهما الطبري في تفسيره ١٩/٢٢٣.

151 أخرجه عنه الطبري في تفسيره ١٩/٢٢٣.

152 أخرجه عنهما الطبري في تفسيره ١٩/٢٢٣.

153 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٣/١٥٦.

154 جامع البيان ١٦/٣٢٩.

155 تفسير القرآن العظيم ٤/٤٩٨.

156 المحرر الوجيز ٧/١٦٢.

157 زاد المسير ٦/٤٣٧.

158 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٦/١٨٩، الكشاف، الزمخشري ٣/١٢٦، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٣٥٨.

159 أضواء البيان ٣/١٥٦.

160 انظر: عدد السور، ابن عبد الكافي ص٣٧٧.

161 انظر: أحكام القرآن، ابن العربي ٤/٤٧.

162 الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢/٣٠٥.

163 مفاتيح الغيب ٩/٣٨١.

164 في كتابه: القول المحمود في تنزيه داود، نقله عنه السيوطي في الإكليل ٣/١١٤٠.

165 البحر المحيط ٧/٣٧٧.

166 المصدر السابق ٧/٣٧٦.

167 مفاتيح الغيب ٩/٣٨١.

168 البحر المحيط ٧/٣٧٧.

وهو قول أبي شهبة في كتابه: الإسرائيليات ص٢٦٩.

169 عزاه له القرطبي في تفسيره ١٨/١٧٠، ومحققو الكتاب عزوه للمنهاج ٢/٥٥١- ٥٥٢.

170 المحرر الوجيز ٧/٣٣٩.

ومن ضعفه: ابن العربي في أحكام القرآن ٤/٥٥، والألوسي في روح المعاني ١٣/٢٥١.

171 الانتصاف من الكشاف، ابن المنيّر بهامش الكشاف ٤/٨٥.

172 في كتابه القول المحمود في تنزيه داود، نقله عنه السيوطي في الإكليل ٣/١١٤٠.

173 الفصل، ابن حزم ٢/٣٠٥ ومابين القوسين من الفصل.

174 انظر: الشفا بتعريف حقوق المصطفى ٢/٣٧٣.

175 عند الواحدي في البسيط ١٩/١٧٨ قال ابن عباس: هما جبريل وميكائيل.

176 الكامل في اللغة والأدب ١/٣٠٧. وممن اختار أن النعجة بمعنى المرأة في الآية، وإن اختلف تفسيرهم للقصة: الطبري في تفسيره ٢٠/٦١، والجصاص في أحكام القرآن ٣/٥٦٠، والثعلبي في الكشف والبيان ٨/١٨٩، وابن عطية في المحرر الوجيز ٧/٣٣٧، وابن العربي في أحكام القرآن ٤/٤٩، والزمخشري في الكشاف ٤/٨١، والواحدي في البسيط ١٩/١٨٢.

177 جامع البيان ٢٠/٥٨.

178 مقصود ابن عطية عدم وجود الخلاف عند المتقدمين من الصحابة والتابعين.

179 المحرر الوجيز ٧/٣٣٤.

180 البسيط ١٩/١٨٥.

181 جامع البيان ٢٠/٥٩.

182 انظر: إعراب القرآن، النحاس، ٣/٤٦١، أحكام القرآن، الجصاص، ٣/٥٦٠، أحكام القرآن، الكيا الهراسي ٤/٣٥٩، أحكام القرآن، ابن العربي ٤/٥٤، الكشاف، الزمخشري ٤/٧٨، التحرير والتنوير ٢٣/١٣٨.

183 إعراب القرآن ٣/٤٦١.

184 أخرجه عنهم الطبري في تفسيره ٢٠/٦٤-٧٥، وهو ظاهر قوله فإنه لم يعلق على المرويات، ونسب هذا القول له القاسمي في محاسن التأويل ١٤/١٥٦.

185 أخرجه الطبري في تفسيره ٢٠/٧٤.

186 الكشف والبيان ٧/١٨٦.

وحكى ابن عطية في المحرر الوجيز ٧/٣٣٥ أن ذلك الفعل كان مجرد همٍّ من داود ولم يفعله، وأن المعاتبة كانت على الهمّ.وهذا مما قد يستدرك على ابن عطية؛ لأن مصدره في أصل القول الذي اختاره ثم استدرك عليه بأنه مجرد همٍّ هو من المرويات الإسرائيلية التي رواها، وليس فيها ما يشير إلى أنه همّ من داود، فهو تحكم في المصدر دافعه تنزيه داود عن فعل ما لا يسوغ في نظر ابن عطية، والله أعلم.

187 المحرر الوجيز ٧/٣٣٥.

188 البحر المحيط ٧/٣٧٥.

189 زاد المسير ٧/١١٥-١١٧.

قال ابن الجوزي هذا القول، وقد سبق أن نقلت عنه قوله: «عن قصة نظر داود إلى المرأة عليه أكثر المفسرين». فإما أن يكون إنكاره لتفاصيل في القصة، أو أنه نقل ذلك عن أكثر المفسرين ولم يختاره.

190 مفاتيح الغيب ٩/٣٧٧.

191 الكشاف ٤/٧٨.

192 أحكام القرآن ٤/٥٤.

193 أحكام القرآن ٣/٥٦٠.

194 روح المعاني ٢٣/٢٦٠.

195 تفسير القرآن العظيم ٧/٦٠.

196 تيسير الكريم الرحمن ص٧١١.

197 أحكام القرآن ٤/٥١.

198 مفاتيح الغيب ٩/٣٧٨.

199 المصدر السابق ٩/٣٧٩.

200 المصدر السابق ٩/٣٨٠.

201 القصص القرآني، صلاح الخالدي ٣/٤٥٢.

202 أحكام القرآن ٤/٥٤.

203 تفسير القرآن العظيم ٧/٦٠.

204 محاسن التأويل ١٤/١٥٦.

205 المصدر السابق.

206 جامع البيان، الطبري ٢٠/٦٤.

207 هو قول ابن جرير في تفسيره ٢٠/٦٤ وقيل غير ذلك، فالخلاف موجود كما ذكر ابن عاشور في التحرير والتنوير ٢٣/٢٤٠.

208 أحكام القرآن ٤/٥٧.

209 انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية ٢٣/١٤٥.

210 لسان العرب، ابن منظور ١/٢١٩.

211 أخرجه عنهما الطبري في تفسيره ٢٠/٤٢.

212 أخرجه عنه الطبري في تفسيره ٢٠/٤٢.

213 أخرجه عنه الطبري في تفسيره ٢٠/٤٣.

214 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٨/١٤٤.

215 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٥٧.

ونلاحظ أن قول ابن كثير هذا ينسجم مع ما ذهب إليه في قصة دخول الخصمين على داود، فجعل القول عامًّا؛ كونه لم يربطه بفتنة المرأة أو غيره.

216 أخرجه عنه الطبري في تفسيره ٢٠/٧٦، وهو اختيار ابن عطية في المحرر الوجيز ٧/٣٤٢.

217 أنوار التنزيل ٢/٣١٠.

218 التحرير والتنوير ٢٣/١٤٠.

219 المصدر السابق ٢٣/١٣٦.

220 تيسير الكريم الرحمن ص٧١١.

221 التحرير والتنوير ٢٣/١٣٢.

222 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٨/١٥٩.

223 المصدر السابق ١٨/١٧٣.

224 تيسير الكريم الرحمن ص٧١١.

225 التحرير والتنوير ٢٣/١٣٤.

226 متك الذباب: أنف الذباب، وقيل ذكره. انظر: لسان العرب، ابن منظور ١٠/٤٨٥.

227 روح المعاني ٢٣/٢٤٦.