عناصر الموضوع
داود عليه السلام
أولًا: نسب داود عليه السلام:
ورد اسم داود في القرآن علمًا على نبي الله، وهو اسم أعجمي، ونسبه كما ذكر أهل التاريخ1 هو: داود بن إيشى بن عويد بن باعز بن سلمون بن نحشون بن عمّيّ نوذب بن رام بن حصرون بن فارض بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم.
وبالاطلاع على ما ذكره المؤرخون من نسب داود نجد أن فيه اتفاقًا، ما عدا تغير طفيف لا يكاد يذكر في إعجام أو إهمال بعض الحروف، مما قد يكون سببه النسخ أو التصحيف في المطبوع، فضلًا على أن مثل هذه الأنساب لا تستند إلى دليل يمكن الجزم به، وأوفرها حظًا ما كان مستنده المرويات الإسرائيلية.
ومما يلاحظ في نسب داود عليه السلام أن بينه وبين أبينا إبراهيم الخليل اثني عشر أبًا، مما قد يشير بالنظرة التقريبية إلى الفترة الزمنية بينهما على فرض إمكانية النسب بهذه الصورة.
ويرسم اسم (داود) في التوراة بأحرف ثلاثة (دود) وضبطه آخرون في التوراة بحيث ينطق (داويد) التي آلت من بعد إلى (دافيد) (David)2.
وأما في النسخة المترجمة للعربية من الكتاب المقدس فإن الاسم مكتوب (داود)3.
معنى اسم داود:
اسم (داود) عند علماء العبرية والتوراة بمعنى الحّب والمحبوب، ورجح صاحب العلم الأعجمي أن معنى داود (ذو الأيد) ودليله ما جاء في القرآن (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [ص:١٧].
ومما قال: «لم ترد (ذو الأيد) في كل القرآن إلا في هذا الموضع فحسب، تفسيرًا لمعنى الاسم العلم (داود) بالمرادف المطابق اللصيق (ذو الأيد)»4.
ثانيًا: عمر داود عليه السلام:
ذكر ابن جرير في تاريخه5 أن بعض أهل الكتاب زعم أن عمر داود كان سبعًا وسبعين سنة، وضعّف هذا ابن كثير في البداية والنهاية، وقال: «هذا غلط مردود عليه»6.
رغم أن ابن جرير ذكر معلومة أخرى في ذات الموضع من تاريخه دون أن يرجّح، فقال: «عمره فيما وردت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة سنة»7.
فيحتمل أنه ذكر ما ورد عن بعض أهل الكتاب لمجرد إيراد ما لديهم، ويحتمل لعدم ترجيحه عدم صحة الحديث الوارد لديه بأن عمر داود مائة سنة.
ولا شك أن الصواب في عمر داود عليه السلام ما صح به الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن عمره مائة سنة، فقد روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما خلق الله آدم مسح ظهره، فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة، وجعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصًا من نور، ثم عرضهم على آدم، فقال: أي رب من هؤلاء؟ قال: هؤلاء ذريتك، فرأى رجلًا منهم فأعجبه وبيص ما بين عينيه، فقال: أي رب من هذا؟ فقال: هذا رجل من آخر الأمم من ذريتك يقال له داود، فقال: رب كم جعلت عمره؟ قال: ستين سنة، قال: أي رب، زده من عمري أربعين سنة، فلما قضي عمر آدم جاءه ملك الموت، فقال: أولم يبق من عمري أربعون سنة؟ قال: أولم تعطها ابنك داود؟! قال: فجحد آدم فجحدت ذريته، ونسي آدم فنسيت ذريته، وخطئ آدم فخطئت ذريته)8.
وممن صحح الحديث ابن الأثير في الكامل قال: «كان عمر داود لما توفي مائة سنة، صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم »9.
ثالثًا: وصف داود عليه السلام:
جاء عن وهب بن منبه أنه قال: كان داود عليه السلام قصيرًا، أزرق العينين، قليل الشعر، طاهر القلب نقيّه10.
رابعًا: وفاته:
قيل: إن داود عليه السلام مات في أورشليم11 يوم السبت، وقيل: الأربعاء12، وصح أنه مات عن مائة سنة، كما في حديث أبي هريرة السابق.
وأما قصة وفاته عليه السلام فقد أخرج الإمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كان داود النبي فيه غيرة شديدة، وكان إذا خرج أغلقت الأبواب، فلم يدخل على أهله أحد حتى يرجع) قال: (فخرج ذات يوم، وأغلقت الدار، فأقبلت امرأته تطلع إلى الدار، فإذا رجل قائم وسط الدار، فقالت لمن في البيت: من أين دخل هذا الرجل الدار والدار مغلقة؟ والله لتفتضحن بداود، فجاء داود فإذا الرجل قائم وسط الدار، فقال له داود: من أنت؟ قال: أنا الذي لا أهاب الملوك، ولا يمتنع مني الحجاب، فقال داود: أنت والله إذن ملك الموت، مرحبًا بأمر الله، فرمل داود مكانه حيث قبضت روحه حتى فرغ من شأنه، وطلعت عليه الشمس، فقال سليمان للطير: أظلي على داود، فأظلت عليه الطير حتى أظلمت عليهم الأرض، فقال لها سليمان: اقبضي جناحًا جناحًا)13. وجوّد إسناده ابن كثير في البداية والنهاية، فقال: «إسناده جيد، ورجاله ثقات».
ذكر داود عليه السلام في القرآن الكريم
ورد ذكر داود عليه السلام في القرآن الكريم (١٦) مرة، في (٩) سور.
وأما قصته عليه السلام فقد وردت في السور الآتية:
السورة |
الآيات |
البقرة |
٢٥١ |
الأنبياء |
٧٨-٨٠ |
ص |
٢١-٢٥، ٣٠-٣٣ |
وهب الله عز وجل داود عليه السلام عدة فضائل، منها:
أولًا: الجمع بين النبوة والملك:
كان داود عليه السلام نبيًا بدلالة القرآن الكريم؛ وذلك في أكثر من موضع ذكر فيه داود مع إخوته الأنبياء في سياق واحد في معانٍ مختلفة.
قال تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [المائدة:٧٨].
وقال: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [الأنعام:٨٤].
وذكره الله تعالى في معرض تفضيل الأنبياء فقال: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [الإسراء:٥٥].
كما نص الله في القرآن على إيتائه الزبور، فقال تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ) [النساء:١٦٣].
فذكر الله تعالى داود ضمن أنبيائه -في سياقات مختلفة- يدل على دخوله فيهم بلا شك، وأنه ممن اصطفاه رب العالمين معهم، كما جاء النص بإيتائه الزبور، وهو دليل محتمل يشير إلى إرساله بعد ثبوت نبوته، كما أن الله قد أعطى لداود من المعجزات الأخرى التي رافقت نبوته، قال الفخر الرازي في تفسيره: «لا شك أن داود عليه السلام كان من أكابر الأنبياء والرسل»14.
وقال السعدي في تفسيره: «داود وسليمان من خواص الرسل، وإن كانوا دون درجة أولي العزم الخمسة، لكنهم من جملة الرسل الفضلاء الكرام الذين نوه الله بذكرهم، ومدحهم في كتابه مدحًا عظيمًا»15.
والجديد في حالة نبي الله داود عليه السلام وانفرد به عمَّن سبقه من الأنبياء الكرام: أن وهبه الله الملك مع النبوة، فهو أول من جمع الله له بين النبوة والملك من الأنبياء، فتميز بهذا، وانفرد عمن سبقه من أنبياء بني إسرائيل، فأعطى صورةً مختلفةً للنبي الملك للمجتمع الإسرائيلي.
قال ابن كثير في البداية والنهاية بعد أن بيّن أنّ قتل داود لجالوت هو سبب حب بني إسرائيل لداود وتملكه عليهم: «وجمع الله له بين الملك والنبوة، بين خيري الدنيا والآخرة، وكان الملك يكون في سبط والنبوة في سبط آخر، فاجتمع في داود هذا وهذا»16.
وقال العليمي الحنبلي في تفسيره: «ولم تجتمع السلطنة والنبوة لأحد قبل داود، بل كان الملك في سبط والنبوة في سبط»17.
وقد كان حال بني إسرائيل مختلفًا قبل ذلك، فكان الملك في جماعة والنبوة في آخرين، كما روى ابن عباس: «كان في بني إسرائيل سبطان أحدهما للنبوة والآخر للملك، فلا يبعث نبي إلا من الواحد، ولا ملك إلا من الآخر»18. فكان داود أول من جمع الله له بين الملك والنبوة في بني إسرائيل19.
وكان أول ملك ملّكه بنو إسرائيل على أنفسهم هو شاؤول20، وجاء في العهد القديم في سفر صموئيل الأول21 الإشارة إلى أن الله أوحى لنبيه صموئيل أن يأتيه رجل فأوحي إليه أن: «امسحه رئيسًا لشعبي إسرائيل».
وشاؤول هو نفسه طالوت الذي نص الله على تملّكه على بني إسرائيل في قوله تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [البقرة:٢٤٧].
وإنما الاسم (شاؤول) هو الاسم العبراني له، والوارد في التوراة، وجاء في القرآن باللفظ العربي له (طالوت) وبينهما اتفاق في المعنى، وليس هذا محل التوسع في ذلك، وحسبنا أن نعلم أن ملك بني إسرائيل الذي اسمه شاؤول في التوراة اسمه الوارد في القرآن طالوت22.
وبعدما مات طالوت ملّك بنو إسرائيل عليهم داود23، وقد أحبوه قبل ذلك عندما قتل جالوت.
وفي موضع آخر من القرآن جاءت الإشارة من الله عز وجل لملك داود وخلافته في الأرض، فقال تعالى: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [ص:٢٦].
وفسّر هذه الآية السديّ24 بأن الله «ملّكه في الأرض»25.
وفي ذات السياق جاء التوجيه الرباني لداود في طريقة حكمه في الأرض، فقال تعالى: (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) [ص:٢٦].
وعندنا قضيتان هنا:
الأولى: هل كان داود نبيًّا عند قتله لجالوت؟
قال الماوردي في النكت والعيون: «واختلفوا هل كان داود عند قتله جالوت نبيًّا؟ ذهب بعضهم أنه كان نبيًّا؛ لأن هذا الفعل الخارج عن العادة، لا يكون إلا من نبي، وقال الحسن: لم يكن نبيًّا. قال ابن السائب: وإنما كان راعيًا، فعلى هذا يكون ذلك من توطئة لنبوته مِنْ بعد»26.
والثانية: هل كان مَلِكًا ثم أوتي النبوة، أم العكس؟
الظاهر من سياق الآيات أن داود عندما قتل جالوت لم يكن نبيًّا ولا ملكًا، وكانت النبوة بعد تملكه على بني إسرائيل، وظاهر اختيار ابن جرير أنه آتاه الله الملك قبل قتله لجالوت.
قال ابن جرير في تاريخه بعد أن ساق بعض الإسرائيليات في قصة داود وطالوت: «وفي هذا الخبر بيان أن داود قد كان الله حوّل الملك له قبل قتله جالوت»27.
وذهب ابن كثير في البداية والنهاية إلى عكس ذلك، فقال: «والذي عليه الجمهور أنه إنما ولي الملك بعد قتل جالوت»28.
وذهب ابن الأثير في تاريخه إلى احتمال الأمرين29.
والذي يظهر أن داود أصبح ملكًا على بني إسرائيل قبل أن يكون نبيًّا.
قال ابن جرير في تاريخه: «ولما اجتمعت بنو إسرائيل على داود أنزل الله عليه الزبور، وعلمه صنعة الحديد، وألان له، وأمر الجبال والطير أن يسبحن معه إذا سبح»30.
كما أن ظاهر القرآن في ترتيب ما وهبه الله لداود كان الملك، ثم الحكمة التي فسرت بأنها النبوة، وسيأتي ذكر ذلك.
قال تعالى: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [البقرة:٢٥١].
وتحتمل الآية أن الله وهب داود الملك والنبوة معًا، ويحتمل أن داود أصبح ملكًا بعد حين أصبح نبيًّا.
وعلّلّ الفخر الرازي القول بتقدم ملكه على نبوته بأنه: «ترقّى في المراتب العالية، وإذا تكلم المتكلم في كيفية الترقي فكل ما كان أكثر تأخرًا في الذكر كان أعلى حالًا، وأعظم شأنًا»31.
وقال الفخر الرازي في تفسيره: «قال بعضهم: ظاهر الآية يدل على أن داود حين قتل جالوت آتاه الله الملك والنبوة؛ وذلك لأنه تعالى ذكر إيتاء الملك والنبوة عقيب ذكره لقتل داود جالوت، وترتيب الحكم على الوصف المناسب مشعر بكون ذلك الوصف علة لذلك الحكم»32.
وأما في مدة ملك داود، فقد كانت مدته أربعين سنة، كما ذكر ابن جرير وابن الأثير في تاريخيهما33.
وعقب على ذلك ابن كثير في البداية والنهاية بقوله: «وهذا قد يقبل نقله لأنه ليس عندنا ما ينافيه ولا ما يقتضيه»34.
ونلحظ أن ابن كثير دقيق في عبارته، فأشار إلى قبول نقله لا إلى إثباته.
ولو نظرنا في تحديد وقت ملكه فلا فائدة من ذلك، والمهم أنه ملك دهرًا، وجمعت له النبوة والملك، واستمر ملك داود عليه السلام إلى حين وفاته.
وقد أثنى الله على ملك داود ووصفه بقوله: (ﭭ ﭮ) [ص:٢٠]، فكان متانة ملك داود هبة من الله عز وجل.
ومعنى (ﭭ ﭮ) تقويته، وتحديد متعلق القوة فيه خلاف، فقيل: إنه شدّد ملكه بالجنود والرجال، وهو قول السدي35.
وقيل: شدّد ملكه بأن أعطي هيبة من الناس له لقضية كان قضاها، وهو قول ابن عباس36.
وقال الطبري عقب ذكره للأقوال: «وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تبارك وتعالى أخبر أنه شدّد ملك داود، ولم يحصر ذلك من تشديده على التشديد بالرجال والجنود دون الهيبة من الناس له، ولا على هيبة الناس له دون الجنود، وجائز أن يكون تشديده ذلك كان ببعض ما ذكرنا، وجائز أن يكون كان بجميعها، ولا قول أولى من ذلك بالصحة من قول الله؛ إذ لم يحصر ذلك على بعض معاني التشديد خبرٌ يجب التسليم له»37.
وقال ابن العربي في أحكام القرآن: «وعندي أن معناه: شددناه بالعون والنّصرة، ولا ينفع الجيش الكثير التفافه على غير منصور وغير معان»38.
وقال ابن كثير في تفسيره: «أي: جعلنا له ملكًا كاملًا من جميع ما يحتاج إليه الملوك»39.
وقال الطاهر ابن عاشور: «فشد الملك هو تقوية ملكه وسلامته من أضرار ثورة لديه، ومن غلبة أعدائه عليه في حروبه»40.
والذي ظهر هو الجمع بين الأقوال -كما ذهب إليه ابن جرير- فهي أبلغ في شدة ملكه وثبوته له مما يزعزعه.
ثانيًا: إيتاؤه الزبور:
لقد تفضل الله على داود عليه السلام بأن آتاه الزبور، وهو كتاب الله عز وجل المنزل على داود، وقد جاء ذكر الزبور ونسبته لداود ككتاب من الله لداود عليه السلام في القرآن والسنة.
فالزبور هو كتاب الله الذي أنزله على داود عليه السلام.
قال ابن كثير في البداية والنهاية: «الزبور اسم الكتاب الذي أوحاه الله إلى داود عليه السلام »41.
وجاء ذكر إيتاء الله الزبور لداود عليه السلام في مواضع من القرآن، منها قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [النساء:١٦٣].
وقال جل وعلا: (ﯓ ﯔ ﯕ) [الإسراء:٥٥].
وقد جاءت آية سورة النساء في سياق ذكر الله لأنبيائه ومنهم داود، وهذا أول موضع ورد فيه اسم كتاب داود عليه السلام في القرآن الكريم.
معنى الزبور ونزوله على داود عليه السلام:
اختلف أهل العلماء في المقصود بالزبور هل هو اسم علم على كتاب داود عليه السلام أم وصف؟ وسيتضح أن الراجح أنه علم على كتاب الله الذي أنزله على داود عليه السلام، وعلى ذلك جملة من الأدلة، وسيأتي إيرادها، بعد التعريج على جذر كلمة الزبور ومعناها في المعجم العربي، وورودها في القرآن الكريم.
إن مادة (زبر) في المعاجم العربية تأتي بمعان، ومنها: زبره بالحجارة أي رماه بها، وزبر البناء يعني وضع بعضه فوق بعض، أي رصّه رصًّا، وزبره عن الأمر يعني منعه ونهاه، والأصل فيها قطعه عنه، فزبر بمعنى قطع، والزّبر الكتابة، وزبر الكتاب يعني كتبه، والأصل فيه أتقن كتابته مبينًا مفصلًا (مقطعًا) وهذا هو المعنى الرئيس في مادة زبر42. ولذا قال المفسرون (الزبور) بمعنى: المكتوب43.
قال ابن منظور: «وقد غلب الزبور على صحف داود على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وكل كتاب زبور، قال تعالى: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [الأنبياء:١٠٥]»44.
علمًا أن الآية السابقة من سورة الأنبياء لا تدل بوجه الجزم على نسبة الزبور لداود، فقد اختلف المفسرون45 في تحديد المقصود بالزبور فيها، فمنهم من اعتبره كتاب داود بعينه، ومنهم من قال: هو التوراة والإنجيل، وقيل: اسم لجنس ما أنزل على الأنبياء من الكتب، وقيل غيره، والخلاف في هذه الآية بعينها لا ينقض أصل نسبة الزبور ككتاب إلهي لداود عليه السلام، وأقصى ما يذهب إليه أن الخلاف الواقع هنا إنما هو في تحديد المراد بالزبور في تلك الآية فحسب، وسيأتي ذكر الآيات الدالة على نسبة الزبور لداود.
وقد وردت كلمة (الزبور) في القرآن في أكثر من موضع، ومن أصرحها في نسبة الزبور لداود قوله تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [الإسراء٥٥].
وفي كلمة (زبورًا) قراءتان متواترتان، فقرأ حمزة وخلف بضم الزاي (زبورًا) وقرأ الباقون بفتح الزاي (زبورًا)46. وتوجيه قراءة ضم الزاي أن يكون جمع زبر، أي: كتبًا وصحفًا مزبوره47.
قال ابن جرير في تفسيره: «وجهوا تأويله: وآتينا داود كتبًا وصحفًا مزبوره، من قولهم: زبرت الكتاب أزبره زبرًا، وزبرته أزبره زبرًا: إذا كتبته»48.
وقال ابن أبي مريم في الموضح: «بضم الزاي وهو على وجهين:
أحدهما: أن يكون جمع زبر، وهو المزبور، وجاز جمعه وإن كان مصدرًا لوقوعه موقع الأسماء.
الثاني: أن يكون زبور بالضم جمع زبور بالفتح، جمعًا بحذف الزوائد، وبفتح الزاي وهو ظاهر، فإن زبورًا بمعنى مزبور، وهو اسم لهذا الكتاب المخصوص»49.
وأما بفتح الزاي فيكون بمعنى: وآتينا داود الكتاب المسمى زبورًا. قال ابن أبي مريم في الموضح: «وبفتح الزاي وهو ظاهر، فإن زبورًا بمعنى مزبور، وهو اسم لهذا الكتاب المخصوص»50.
فيكون اسمًا للكتاب الذي نزل على داود، كما سمّي الكتاب الذي أنزل على موسى بالتوراة، والذي نزل على عيسى بالإنجيل، والذي نزل على محمد عليهم الصلاة والسلام الفرقان؛ ولأن ذلك هو الاسم المعروف به مما أوتي داود51.
قال مكي بن أبي طالب في الكشف: «حجة من قرأ بالفتح أن المعروف أن داود صلى الله عليه وسلم أوتي كتابًا اسمه الزّبور، كالتوراة والإنجيل والقرآن، فهو كتاب واحد لكل نبي، فالفتح أولى به؛ لأنه اسم لكتاب واحد، وهو الاختيار، لصحة معناه؛ ولأن عليه الجماعة»52.
واعتبر السمرقندي53 أن القراءتين بمعنى واحد، وهو عبارة عن الكتاب.
وجاء في العلم الأعجمي أن (الزبور) هو علم عربي -ليس فيه شبهة عجمة- على كتاب داود عليه السلام، وأن (زبور) بمعنى (مزبور) بالنظر إلى مادته وصيغته فهو كتاب (تسابيح) مقطعات، وقال: «ومن غير الجيد فهمه بمعنى مطلق الكتاب، وإلا لما تميز وحي الله على داود باسم علم يختص به من دون كتب الله على رسله، كما اختص باسمه العلم كل من التوراة والإنجيل والقرآن، وإنما أريد له معنى مضاف يميزه عن غيره من الكتاب المكتوب...، إنه كتاب (تسابيح) مقطعات»54.
واسم كتاب داود في ترجمات العهد القديم هو (سفر المزامير) وهو كذلك في كتابهم المقدس الموجود الآن، وأما في النص العبراني فإن اسمه (سفر تهلّيم) أي: سفر التسابيح، وعليه فالترجمة العربية الدقيقة لاسم هذا السفر (سفر التسابيح) أو (سفر التهليل)55.
ولقد أشار الله على فضل داود وكتابه الزبور، فقال جل وعلا: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [الإسراء:٥٥].
قال ابن كثير: «وقوله: (ﯓ ﯔ ﯕ) تنبيه على فضله وشرفه»56.
وثبت بأصرح مما سبق إثبات اسم الزبور كعلم لكتاب الله في عدة أحاديث مرفوعة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وقرأ عليه أبيٌّ أمّ القرآن فقال: (والذي نفسي بيده ما أنزل في التوراة، ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها، إنها السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أعطيت)57.
وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعطيت مكان التوراة السبع، وأعطيت مكان الزبور المئين، وأعطيت مكان الإنجيل المثاني، وفضلت بالمفصل)58.
بل وجاء في الحديث تحديد وقت نزول الزبور، فقد أخرج الطبراني في المعجم الكبير عن واثلة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من شهر رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة مضت من رمضان، وأنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان، وأنزل القرآن لأربع عشرة خلت من رمضان)59.
وقد نزل الزبور على داود عليه السلام بعد أن اجتمعت بنو إسرائيل عليه، كما نص ابن جرير في تاريخه60.
حجم الزبور ومحتواه:
نقل السمرقندي في تفسيره عن مقاتل قال: «الزبور مائة وخمسون سورة، ليس فيها حكم ولا فريضة، إنما ثناء على الله عز وجل »61.
وهو كذلك في ما هو بين أيدي أهل الكتاب ضمن كتابهم المقدس، فقد بلغ مائة وخمسون مزمورًا.
وأما نسبة كل هذه المزامير لداود فغير صحيح، فإن أهل الكتاب ينسبون بعضها فقط إلى داود، وينسبون بعضها لابنه سليمان، كما ينسبون بعضها لرجل يدعى آساف، وهو كبير المغنين في بلاط داود، وبعضها الآخر مسكوت عنه غير منسوب62.
ولا يدرى على وجه التحقيق أي المزامير التي قالها داود؛ ولهذا في ترجمات العهد القديم سموه (سفر المزامير) بدلًا من (مزامير داود)63.
ويصدّق ذلك الترجمة المطبوعة من الكتاب المقدس للغة العربية، فإنه في سفر المزامير يصدّرون بعضها بقولهم: «مزمور داود» كما في المزمور رقم (٤ و٥ و٦ و٨ و٩ و١١ و١٩ و٢٨ وغيرها) بينما بعضها دون تسمية، وبعضها نسبوها لغير داود كما في المزمور (٧٢) كتب: «المزمور الثاني والسبعون لسليمان».
وأما في المزمور (٥٠،٧٤،٧٣) كتب: «مزمور لآساف». بل ونسبوا لآساف اثني عشر مزمورً!
وأما محتوى الزبور: فقد تميز عن غيره من كتب الله في محتواه، فقد كان فيه التسابيح والتهليل، وليس فيه شيء من التعاليم أو التكاليف، كما هي في التوراة والإنجيل والقرآن، وهو قول جماهير أهل العلم.
عن الربيع بن أنس قال: الزبور ثناء على الله عز وجل، ودعاء وتسبيح64.
وعن قتادة قال: كنا نحدث أن الزبور دعاء علّمه داود عليه السلام، وتحميد وتمجيد لله عز وجل، ليس فيه حلال ولا حرام، ولا فرائض، ولا حدود65.
وقال القرطبي في تفسيره: «الزبور: كتاب ليس فيه حلال ولا حرام، ولا فرائض ولا حدود، وإنما هو دعاء وتحميد وتمجيد»66.
ومما يؤيد ذلك ما بقي من وحي الله على داود -سليمًا من التحريف- مما هو في أيدي أهل الكتاب في العهد القديم67.
ولقد وهب الله داود عليه السلام سهولة قراءة كتابه، فقد أخرج البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خفف على داود القرآن، فكان يأمر بدوابه فتسرج، فيقرأ القرآن قبل أن تسرج دوابه، ولا يأكل إلا من عمل يده)68. والمراد بالقرآن هنا مصدر القراءة لا القرآن المعهود لهذه الأمة، كما قال ابن حجر في فتح الباري69.
ثالثًا: إيتاؤه العلم والحكمة:
أثنى الله على داود عليه السلام بأنه آتاه العلم والحكمة في أكثر من موضع في القرآن، وجاءت الآيات بصور مختلفة: فتارةً يجمع الله له بين العلم والحكمة، وتارةً يذكر العلم فقط، وتارةً الحكمة فقط.
أما الجمع بين العلم والحكمة فجاءت في آية واحدة، قال تعالى: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [البقرة:٢٥١].
وجاء ذكر العلم دون الحكمة لداود في آيتين:
قوله تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [الأنبياء:٧٨-٧٩].
ففي هذه الآية امتدح الله سليمان عليه السلام في إصابته في القضاء في الحكم إلا أن الله لم يذم داود، بل امتدحه الله بإيتائه العلم والحكمة، كما آتاهما سليمان، وكون الآية وردت في سياق تأييد الحكم لسليمان عليهما السلام، أعقبه الله تعالى بذكر الفضيلة لهما؛ لئلا يتوهم الإغضاء من قدر داود عليه السلام، ودفعًا لما عسى يوهمه تخصيص سليمان عليه السلام بالتفهم، من عدم كون حكم داود عليه السلام حكمًا موافقًا للصواب70.
قال تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [النمل:١٥].
وأما التي ذكر فيها إيتاءه للحكمة دون العلم فهي آية واحدة:
قوله تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [ص:٢٠].
فالمذكور في الآيات مما وهبه الله لداود أمران: العلم والحكمة، فما المقصود بالعلم؟ وهل هو علم خاص بهما أم مشترك مع باقي الخلق؟ وما المقصود بالحكمة؟
١. العلم.
تعددت الأقوال في المراد بالعلم الذي أوتيه داود عليه السلام، وأساس الخلاف هل هو علم اختص الله به داود عليه السلام أم علم كباقي العلوم التي يمكن للعباد أن يؤتوها أو يكتسبوها؟
فقيل: هو الفهم، وهو قول قتادة71.
وقيل: هو علم بالدين والحكم وغيرهما72.
وقيل: «طائفة من العلم وهو علم الحكم والشرائع، أو علمًا أي علم»73.
وذهب ابن جرير إلى أن المراد بالعلم «علم كلام الطير والدواب وغير ذلك مما خصهم الله بعلمه»74.
وذهب ابن كثير إلى اختصاص العلم بداود، ولكن دون تحديد ماهية العلم، فقال في تفسيره: «علمه ما يشاء من العلم الذي اختصه به عليه السلام »75.
وقيل: صنعة الكيمياء. قال القرطبي: «هو شاذ»، وقال عقب ذلك القرطبي: «وإنما الذي آتاهما الله النبوة والخلافة في الأرض والزبور»76. في إشارة للعلم أن يكون النبوة أو الزبور، والله أعلم.
وقال ابن عاشور: «علم نبوءة وحكمة»77.
وجمع ما قيل في المراد بعلم داود الماوردي، فقال: «فيه ستة أوجه:
أحدها: فهمًا، قاله قتادة.
الثاني: صنعة الكيمياء، وهو شاذ.
الثالث: فصل القضاء.
الرابع: علم الدين.
الخامس: منطق الطير.
السادس: بسم الله الرحمن الرحيم»78.
والذي يترجح لي -والله أعلم- أن الله خصه بعلم ديني ودنيوي، وهو الأكمل في حق داود عليه السلام، فأما الديني فيكفيه ما في النبوة والزبور من علم وافر، وأما العلم الدنيوي فمما يؤيده قوله تعالى عما آتاه لنبيه داود: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الأنبياء:٨٠].
ويدخل فيها علمه لكلام الطير وغيره، وفي قوله تعالى: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [البقرة:٢٥١].
إشارة إلى ذلك، قال في معناها ابن الجوزي: «قوله تعالى: (ﮬ ﮭ ﮮ) فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها صنعة الدروع.
والثاني: الزبور.
والثالث: منطق الطير»79.
وتحتمل كلمة (مما يشاء) أن يكون مما يشاؤه الله، أو يشاؤه داود، أو كلاهما80.
فخص الله نبيه داود بعلم دون العباد، والفعل (آتينا) فيه إشارة إلى أنه «علم مفاض من عند الله، وليس علمًا مكتسبًا81. وهو علم عظيم في شأنه، بدلالة تنكير لفظة (علمًا) كما جاء في آية سورة النمل82، ويحتمل أن يكون التنكير للتكثير83، ولا مانع من الجمع بينهما، فهو علم عظيم وكثير، والله أعلم.
فهو إذن علم اختص به داود عليه السلام في الجنس والكم، ولو اشترك معه غيره من الخلق لما كان هناك مزية له في هذا العلم دون الآخرين.
قال القشيري على آية سورة النمل: «يقتضي حكم هذا الخطاب أنه أفردهما بجنس من العلم لم يشاركهما فيه أحد؛ لأنه ذكره على وجه تخصيصهما به، ولا شك أنه كان من العلوم الدينية، ويحتمل أنه كان بزيادة بيان لهما أغناهما عن إقامة البرهان عليه، وتصحيحه بالاستدلال الذي هو معرض للشك فيه، ويحتمل أن يكون علمهما بأحوال أمتهما على وجه الإشراف على ما كانوا يستسرون به، فيكون إخبارهما عن ذلك معجزة لهما»84.
٢. الحكمة.
كما اختلف في المراد بالعلم وقع الخلاف في المراد بالحكمة التي وهبها الله لداود عليه السلام، فقيل: هي النبوة، وهو قول ابن عباس والسدي، أخرجه عنه ابن جرير واختاره85.
وقيل: إنها السنة، وهو قول قتادة والحسن86.
وقيل: العقل في الدين، وإليه ذهب زيد بن أسلم87.
وقيل: الصواب، وهو قول مجاهد أخرجه سعيد بن منصور88.
وقال ابن الجوزي: «وفي المراد بالحكمة ها هنا قولان:
أحدهما: أنها النبوّة.
والثاني: الزبور»89.
وفي موضع آخر قال ابن الجوزي: «فيها أربعة أقوال:
الفهم، قاله ابن عباس والحسن وابن زيد.
والثاني: الصواب، قاله مجاهد.
والثالث: السنة، قاله قتادة.
والرابع: النبوة، قاله السدي»90.
وعند ابن عطية في المحرر الوجيز ذكر ما سبق وزاد في معنى الحكمة: أنها العلم الذي لا ترده العقول91.
والذي يظهر أن الله ذكر إيتاءه الحكمة لنبيه داود في موضعين في كتابه الكريم، فجاء ذكر إيتائه الحكمة في سياق قتله لجالوت، فقال تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [البقرة:٢٥١].
وجاء ذكرها أيضًا في سياق تعداد النعم التي وهبها الله لداود، فقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [ص:١٧-٢٠].
وإطلاق القول في معنى الحكمة في كلا الموضعين قد يحدث شيئًا من التداخل؛ فلذا لا بد من التفصيل، فلكل موضع مقال في معناها، فإذا فرقنا بين الموضعين، وما تحتمله من معنى اتضح لنا الأمر في معنى المراد بالحكمة، وفي نسبة الأقوال للسلف وغيرهم.
ففي الموضع الأول تكون الحكمة هي النبوة، كما ذهب إليه ابن عباس والسدي؛ بدلالة أن الله أشار في تلك الآية إلى إعطاء داود الملك بعد انتصارهم، وقرنه بالحكمة التي هي النبوة، فيكون أعظم امتنان على داود وبني إسرائيل.
وأما في الموضع الآخر: فإن الأقوال فيها تحتمل التعدد، فيمكن أن تكون الفهم أو الصواب أو العقل أو غيره، ويشملها النبوة.
رابعًا: فصل الخطاب:
لقد أثنى الله على داود بأن آتاه فصل الخطاب، فقال عز وجل: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [ص:٢٠].
وجاءت هذه الصفة في معرض ذكر فضائل داود عليه السلام، وقد تعددت أقوال المفسرين في معنى (فصل الخطاب) فقيل فيها عدة أقوال، وهي:
علم القضاء والفهم به، ذهب إليه ابن عباس ومجاهد والسدي وابن زيد وأبو عبدالرحمن السلمي92.
وقيل: تكليف المدّعي البينة، واليمين على المدّعى عليه، وبعبارة أخرى: الشهود والأيمان، وذهب إليه علي بن أبي طالب وشريح والشعبي وقتادة93، ووصف هذا القول الواحدي94 بأنه قول الأكثرين.
وقيل عبارة: أما بعد، وهو قول أبي موسى الأشعري95، ونسب إلى الشعبي96، وأخرجه سعيد بن منصور عن زياد بن أبيه9798.
وكل هذه الأقوال مناقب حري بها نبي الله داود، وخليق بها؛ ولذا اختار ابن جرير في معنى (فصل الخطاب) أنه يشملها كلها، فقال: «وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله أخبر أنه آتى داود -صلوات الله عليه- فصل الخطاب، والفصل: هو القطع، والخطاب هو المخاطبة، ومن قطع مخاطبة الرجل الرجل في حال احتكام أحدهما إلى صاحبه قطع المحتكم إليه الحكم بين المحتكم إليه وخصمه بصواب من الحكم، ومن قطع مخاطبته أيضًا صاحبه إلزام المخاطب في الحكم ما يجب عليه إن كان مدّعيًا، فإقامة البيّنة على دعواه، وإن كان مدّعىًا عليه فتكليفه اليمين إن طلب ذلك خصمه، ومن قطع الخطاب أيضًا الذي هو خطبةٌ عند انقضاء قصة وابتداء بأخرى، الفصل بينهما بـ(أما بعد) فإذ كان ذلك كله محتملًا ظاهر الخبر، ولم تكن في هذه الآية دلالة على أي ذلك المراد، ولا ورد به خبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم ثابت، فالصواب أن يعمّ الخبر كما عمّه الله، فيقال: أوتي داود فصل الخطاب في القضاء والمحاورة والخطب»99.
وبهذا التوجيه من ابن جرير تكون الفضيلة لداود أعم وأتم، وهو الصواب الذي يدل عليها ظاهر القرآن، وتتوافق مع مكانة نبي الله داود عليه السلام.
خامسًا: قتله لجالوت:
لقد انضم داود عليه السلام ضمن جيش بني إسرائيل بقيادة ملكهم طالوت الذي خرج لمحاربة جالوت وجنده، وكان في ذلك الحين داود إنما هو عبد صالح في بني إسرائيل ولم يكن نبيًّا، وكان أول بروز له لكافة شرائح مجتمعه في تلك المعركة التي وفقه الله فيها إلى قتل جالوت، فبرز وكان له الشأن عند قومه، وكأن الله عز وجل أراد تهيئته أو تهيئة بني إسرائيل لنبوة وملك داود، فقال تعالى: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [البقرة:٢٥١]علمًا أن هذا هو أول موضع ورد فيه اسم داود في القرآن الكريم، بحسب ترتيب سوره.
فنص الله على أن داود قتل جالوت، وأشار عقبها مباشرةً إلى إعطاء الله الملك له والحكمة، فبعد تلك المعركة وبعد تلك الحادثة أصبح داود ملكًا ونبيًا لبني إسرائيل.
كان عهد داود عليه السلام بعد موسى عليه السلام قطعًا بمدة من الزمن، فقد قال تعالى في مطلع قصة قتل داود لجالوت: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [البقرة:٢٤٦].
وقد نص ابن كثير100 على أنه كان بين داود وموسى ما ينيف عن ألف سنة.
وقد كان قبل داود على ملك بني إسرائيل طالوت، كما قال تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [البقرة:٢٤٧].
وإن كان مجاهد ذهب إلى أن الملك في هذه الآية هو الإمرة على الجيش لا بالملك العام101.
وفي قوله تعالى: (ﭜ ﭝ ﭞ) [البقرة:٢٤٦] إشارة واضحة إلى وجود نبي لبني إسرائيل قبل داود، وفي تحديده خلاف بين المفسرين فقيل: شمعون102، وقيل: صمويل، وقيل: غيرهم103، وتحديد اسمه غير مهم لنا في هذا البحث، كما أنه ليس هناك دليل صحيح ينص على تحديده.
وقد توالت الأحداث على بني إسرائيل من خير وشر، ورفعة ومذلة، ثم كانت المعركة الفاصلة بين الملك طالوت ومعه داود عليه السلام وخصومهم جالوت وجنده، فوقع القتال بأمر الله، ثم قتل داود جالوت، فوقع حب داود في قلوب بني إسرائيل، ومالوا إليه، ثم آل الملك إليه مع ما منحه الله من النبوة.
فجمع الله لداود بين الملك على بني إسرائيل والنبوة.
وهنا لا بد من وقفة جلية تكشف لنا حقيقة صفات داود عند أهل الكتاب بما ورد في العهد القديم والعهد الجديد، مع موازنتها بما ذكره الله عز وجل عن نبيه داود في القرآن الكريم؛ ليتضح البون الشاسع بين ما نعتقد كمسلمين في حق داود عليه السلام، وبين ادعاءات البهتان لأهل الكتاب.
صفات داود في القرآن والعهد القديم:
إن الأنبياء هم صفوة الخلق، ونعتقد بجمال أحوالهم قبل نبوتهم وبعدها، ولا يتصور أي معظّم لأنبياء الله أن يرميهم بالنقائص والعيوب التي يترفع عنها بسطاء الناس فضلًا عن كبرائهم، فضلًا عن صفوة الخلق!
وإن اليهود يزعمون أنهم يعظمون داود، وهذا ادعاء لا يتفق مع ما يؤمنون به من كتبهم، فإن في العهد القديم نسبة الصفات القبيحة والشنيعة لداود عليه السلام حاشاه من تلك المعايب، ولا أدري أي تعظيم له بعد ذلك؟!
ولنبدأ بالوجه المشرق لصفات داود كما وردت في القرآن الكريم على وجه الاختصار104:
جاء في القرآن عن داود عليه السلام أنه:
هذه صفات نبي الله داود في القرآن، وعندما تقرأ هذه الصفات تشعر بانشراح نفس، وارتياح في ذكر هذه الصفات، بينما إذا انتقلت للطرف الآخر شعرت بالضيق والحرج من ذكر تلك الصفات الشنيعة عن داود عليه السلام، ولأبرهن على استنقاص أهل الكتاب لداود نعرج على ما رموا -زورًا وبهتانًا- به داود عليه السلام.
ومن تلك الصفات القبيحة الواردة في العهد القديم105 على وجه الإجمال: يصورون داود عليه السلام في صورة الفاسق والزاني والقاتل بغير حق، ومدعي الجنون، وقاطع الطريق!
ودونك كلامهم على وجه التفصيل:
فجاء في سفر صموئيل الثاني (١١: ٢-٥) قال: «وكان في وقت المساء أن داود قام عن سريره، وتمشى على سطح بيت الملك، فرأى من على السطح امرأة تستحم، وكانت جميلة المنظر جدًا، فأرسل داود وسأل عن المرأة، فقال واحد: أليست هذه بتشبع بنت اليعام امرأة أوريا الحثي؟! فأرسل داود رسلًا وأخذها فدخلت إليه، فاضطجع معها، وهي مطهرة من طمثها، ثم رجعت إلى بيتها، وحبلت المرأة، فأرسلت وأخبرت داود، وقالت إني حبلى».
فانظر أيها القارئ لهذا الاتهام الفاحش الذي يتورع عنه العقلاء في نسبته لصالحي الناس فضلًا عن الأنبياء -عليهم الصلوات والسلام-، قال الطاهر ابن عاشور: «وقد حكيت هذه القصة -أي قصة داود والمرأة- في سفر صموئيل الثاني في الإصحاح الحادي عشر على خلاف ما في القرآن، وعلى خلاف ما تقتضيه العصمة لنبوءة داود عليه السلام فاحذره»106.
بعد أن ذكروا اتهامه بالزنا والعياذ بالله، ولتكتمل القصة الدرامية في مخيلة اليهود، زعموا أنه مكر بزوج تلك المرأة لتغطية فعلته! فأمر بإرساله في وجه الموت ليموت، جاء في سفر صموئيل الثاني (١١: ٦-١٥) بعد أن ذكروا أن داود سقاه الخمر، قال: «وكتب المكتوب -أي داود- يقول: اجعلوا أوريا في وجه الحرب الشديدة، وارجعوا من ورائه فيضرب ويموت». فانظر إلى هذا التخطيط والمكر، أيعقل هذا من نبي كريم ؟! حاشا والله.
جاء في سفر صموئيل الأول (٢١: ١٢-١٥) «فوضع داود هذا الكلام في قلبه، وخاف جدًا من أخيش ملك، فغير عقله في أعينهم، وتظاهر بالجنون بين أيديهم، وأخذ يخربش على مصاريع الباب، ويسيل ريقه على لحيته».
تصور الأسفار اليهودية المحرفة انشقاق داود عليه السلام عن الملك شاؤول، وهروبه إلى الفلسطينيين، وانعزالهم في مغارة، ثم قيامهم بغارات على المارة، وكان داود رئيسًا لهم، كما جاء في سفر صموئيل الأول (٢٢: ١-٥).
ذكروا له موقفًا في خداع قومه بأن أخذ في أحد المعارك البقر والغنم والحمير والجمال والثياب، وقدمها لملك فلسطين وأخبره أنه غزا أعداءهم وهو لم يفعل، وصدقه الملك، قال: «صار داود مكروهًا لدى شعبه إسرائيل» انظر: سفر صموئيل الأول (٢٧: ١٢).
وغير ذلك من صور شنيعة لمن يزعمون تعظيمه، فما بالك بمن يكرهونه كمحمد عليه الصلاة والسلام، وباقي المسلمين.
وقد يستغرب المرء عندما يقرأ هذه الصفات القبيحة المنسوبة لنبي الله داود من قبل اليهود وعن علة ذلك.
وفي ذلك يقول البقاعي في نظم الدرر: «وأخبرني بعض من أسلم منهم -أي اليهود- أنهم يتعمدون ذلك في حق داود عليه السلام؛ لأن عيسى عليه السلام من ذريته ليجدوا السبيل إلى الطعن فيه»107. والله أعلم.
أولًا: تسخير الجبال له وتسبيحها معه:
وهب الله لنبيه داود عليه السلام عددًا من الآيات ومن جملتها: تسخير الجبال والطير معه، فقال تعالى: (ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [الأنبياء:٧٩].
وقال أيضًا: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [سبأ:١٠].
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [ص:١٧-١٩].
والآيات تذكر ما وهبه الله لداود وهي ثلاث آيات: تسخير الجبال، وتسخير الطير، وإلانة الحديد، وسنتناول هذه الآيات بشيء من التفصيل.
صدّر الله جل في علاه في قوله: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) منّته وفضله على داود، ثم بين ما وهبه من آيات، وفي ذلك إشعار لداود ولغيره من عباد الله أن هذه الفضائل هي من الله، ومستوجبة للشكر، فالمصدر والمنعم هو الله، وحسبنا بها من فضل.
وقبل الشروع في تسخير الجبال لداود أبين ما قيل في (الفضل) الذي أشارت إليه الآية آنفة الذكر، فقد قال القرطبي في تفسيره: «واختلف في هذا الفضل على تسعة أقوال:
الأول: النبوة.
الثاني: الزبور.
الثالث: العلم.
الرابع: القوة.
الخامس: تسخير الجبال والناس.
السادس: التوبة.
السابع: الحكم بالعدل.
الثامن: إلانة الحديد.
التاسع: حسن الصوت»108. انتهى مختصرًا.
والصواب -والله أعلم- أن الفضل المراد في هذه الآية هو ما ورد ذكره في نفس الآية، وبينه الله من تسبيح الجبال والطير وإلانة الحديد، وإن كان باقي أنواع الفضل نالها داود وثبتت بغير هذا الدليل.
فهذا الفضل الذي آتاه الله داود هو فضل عظيم، ونلحظ أن (فضلًا) جاءت بالتنكير، وهو تنكير للتفخيم109، كما أن لفظة (منا) تشير إلى أن الفضل من الله لداود بلا واسطة، لتأكيد فخامته الذاتية الإضافية، وتقديمه على المفعول الصريح للاهتمام بالمقدم والتشويق للمؤخر، ليتمكن في النفس عند وروده أفضل تمكن110.
ومن اللطائف البلاغية في هذه الآية ما ذكره الزمخشري في الكشاف حيث قال: «ألا ترى إلى ما فيه من الفخامة التي لا تخفى: من الدلالة على عزة الربوبية، وكبرياء الإلهية، حيث جعلت الجبال منزّلة منزلة العقلاء الذين إذا أمرهم أطاعوا وأذعنوا، وإذا دعاهم سمعوا وأجابوا، إشعارًا بأنه ما من حيوان وجماد وناطق وصامت إلا وهو منقاد لمشيئته، غير ممتنع على إرادته»111.
والمتأمل في الآيات التي جاء ذكر ما آتاه الله لداود من تسخير الجبال والطير يجد أن الآيات قد جاءت بالجمع بينهما فما أن يذكر تسخير الجبال إلا ويذكر تسخير أو تسبيح الطير، وأيضًا جاء ذكر الجبال مقدمًا على ذكر الطير في الثلاث آيات، وفي علة ذلك يقول الزمخشري: «فإن قلت: لم قدمت الجبال على الطير؟ قلت: لأن تسخيرها وتسبيحها أعجب وأدل على القدرة وأدخل في الإعجاز؛ لأنها جماد والطير حيوان، إلا أنه غير ناطق»112.
وقد صاحب ذكر تسخير الجبال لداود عليه السلام بكلمتين هما (ﯓ) كما في سورة الأنبياء وسورة ص، وبكلمة (ﮋ ﮌ) كما في سورة سبأ.
أما الكلمة الأولى فإن التسبيح معروف، وهو ظاهر الآيتين إلا أن هناك قولًا آخر فيه، فقد أخرج ابن جرير في تفسيره عن قتادة في قوله تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [الأنبياء:٧٩] أن المراد أي: يصلين مع داود إذا صلى، فجعل يسبح بمعنى يصلي113.
وقال ابن عطية في المحرر الوجيز: «واختلف الناس في قوله تعالى: (ﯓ) فذهبت فرقة وهي الأكثر إلى أنه قول (سبحان الله)، وذهبت فرقة منها: منذر بن سعيد إلى أنه بمعنى: يصلين معه بصلاته»114.
وقد يقال: لا يمنع أن يكون القولان بمعنى واحد، فالجبال تسبح مع داود، أي: بقول (سبحان الله)، وهي أيضًا تصلي معه، أي: تدعو الله وتذكره، ومعلوم أن ليس في صلاة داود الركوع والسجود الذي في شريعتنا، ولو كان فيها ذلك لما منع من حمل الصلاة على معناها اللغوي وهو الدعاء.
وأما (ﮋ) فإن الفعل (أوّب) هو من آب يؤوب، والأوب في اللغة: الرجوع115، قال ابن جرير في تفسيره: «والتأويب عند العرب الرجوع»116.
فإن الجبال كان ترجع مع داود تسبيحه، فداود عليه السلام يسبح وهي ترجع معه، أي: ترد الذكر والتسبيح117.
وبعد النظر في معنى (ﮋ ﮌ) لغة، نجد أن المفسرين ذكروا في معنى تأويب الجبال ثلاثة معاني، وهي: التسبيح والترجيع، وتصرفي معه، وسيري معه.
فالقول الأول: سبحي معه، وهو قول ابن عباس وأبي ميسرة ومجاهد وقتادة وابن زيد والضحاك، أخرجه عنهم ابن جرير في تفسيره118.
قال ابن كثير: «الصواب رجعي معه، مسبحة معه»119.
والقول الثاني بمعنى: تصرفي معه120.
قال ابن جرير في تفسيره: «(ﮋ ﮌ) قد كان بعضهم يقرؤه (أوبي معه) من آب يئوب، بمعنى تصرفي معه»121.
القول الثالث: بمعنى سيري معه، ذكره ابن عطية بلا نسبة في المحرر الوجيز122، وهو قول أبي القاسم الزجاجي في كتابه الجمل قال: «أي: سيري معه بالنهار، والتأويب: سير النهار كله، والإسئاد: سير الليل كله»123.
وتعقبه ابن كثير في تفسيره بقوله: «وهو غريب جدًا لم أجده لغيره، وإن كان له مساعدة من حيث اللفظ في اللغة، لكنه بعيد في معنى الآية ها هنا»124.
وقول (سبحي ورجعي) يتفقان في المآل، فإن داود إذا سبح ثم سبحت بعده الجبال فقد سبحت ورجعت، أي: أعادت كلامه، وقد يشمل هذا التصرف، فإن التصرف -والله أعلم- المراد به متابعة داود فيما يتصرف به من كلام كالتسبيح، ويبقى القول الثاني وهو بمعنى السير وهو بعيد، كما ذكر ابن كثير وغيره، وإن كان ظاهر اللفظ يحتمله، ولكن تفاسير السلف على خلافه.
وعليه؛ فيكون الصواب في المراد بتأويب الجبال مع داود التسبيح والترجيع بدليل الآية الأخرى التي في سورة الأنبياء (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [الأنبياء:٧٩].
وأما معنى تسبيح الجبال والطير فهو على حقيقته، والله قدير على كل شيء.
قال الأمين الشنقيطي: «والتحقيق أن تسبيح الجبال والطير مع داود المذكور تسبيح حقيقي؛ لأن الله جل وعلا يجعل لها إدراكات تسبح بها، يعلمها هو جل وعلا ونحن لا نعلمها، كما قال: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [الإسراء:٤٤].
وقال تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [البقرة:٧٤] الآية.
وقال تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [الأحزاب:٧٢] الآية.
وقد ثبت في صحيح البخاري أن الجذع الذي كان يخطب عليه النبي صلى الله عليه وسلم لما انتقل عنه بالخطبة إلى المنبر سمع له حنين125.
وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إني لأعرف حجرًا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن)126.
وأمثال هذا كثيرة.
والقاعدة المقررة عند العلماء أن نصوص الكتاب والسنة لا يجوز صرفها عن ظاهرها المتبادر منها إلا بدليل يجب الرجوع إليه.
والتسبيح في اللغة: الإبعاد عن السوء، وفي اصطلاح الشرع: تنزيه الله جل وعلا عن كل ما لا يليق بكماله وجلاله127.
ثانيًا: تسبيح الطير والترديد:
ذكر الله تعالى تسخير الطير128 لداود عليه السلام في قوله تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [سبأ:١٠].
وقوله: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [الأنبياء:٧٩].
والمراد أن الله سخر الجبال والطير يسبحن مع داود إذا سبح129، فيكون قوله تعالى: (ﮍ) يعني: ونادينا الطير بمثل ذلك من ترجيع التسبيح معه130.
وجاء وصف اجتماع الطير لداود في قوله تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [ص:١٩].
فيقول تعالى ذكره: وسخرنا الطير يسبحن معه محشورة بمعنى: مجموعة له131، وذهب قتادة فيما أخرجه عنه ابن جرير132 إلى أن معنى (ﭧ) مسخّرة، ومآل القولين -مجموعة أو مسخرة- واحد، فإن الله قد سخّر لداود الطير، وجمعها له، وجعلها تسبح معه، أو تردد معه، فأحدهما متضمن للآخر.
ووصف الله هيئة الطير عند داود بقوله تعالى: (ﭧ) بلفظ اسم المفعول؛ لأنه لم يرد أنها تحشر شيئًا إذ حاشرها هو الله تعالى133.
ومعنى قوله تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ) أي: كل له مطيع، وهو قول قتادة وابن زيد134، وقيل: كل ذلك لله مسبح، وهو قول السدي135.
فالخلاف آنف الذكر مبني على الخلاف في مرجع ضمير (ﭪ) وفيه قولان:
«أحدهما: ترجع إلى داود، أي: كل لداود أواب، أي: رجاع إلى طاعته وأمره، والمعنى: كل له مطيع بالتسبيح معه، وهذا قول الجمهور.
والثاني: أنها ترجع إلى الله تعالى، فالمعنى: كل مسبح لله، قاله السدي»136.
فوهب الله لداود تسخير بعض الكائنات، فأصبح يسبح وتردد معه الطير وغيرها، وكان داود عليه السلام قد رزقه الله صوتًا جميلًا عند تلاوته الزبور، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم أثنى على حسن صوت أبي موسى الأشعري لمّا سمع عذوبة قراءته وهو يتلو القرآن، فقال صلى الله عليه وسلم: (يا أبا موسى لقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل داود)137.
ثالثًا: إلانة الحديد وصنع الدروع:
خلق الله الخلق، وجعل لكل شيء عناصره التي يتكون منها، وتستمد منه خصائصه التي تميزه عن غيره، ومن ذلك الحديد جعل الله فيه القوة والصلابة، بحيث لا يتغير شكله إلا بقوة خارجة عليه، مؤثرة فيه كالنار عندما يصهر بها، فإنه يلين، ثم يتم تشكيله بأشكال مختلفة ينتفع به الناس.
«فالحديد تراب معدني إذا صهر بالنار امتزج بعضه ببعض ولان وأمكن تطريقه وتشكيله، فإذا برد تصلب»138.
ومن فضل الله على نبيه داود أنه آتاه آيةً حسيةً بأن ألان له الحديد بحيث يشكّله كما يشاء، فقال تعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ) [سبأ:١٠].
فكان الحديد في يديه كالطين المبلول يصرفه في يده كيف يشاء بغير إدخال نار ولا ضرب بحديد139. عن قتادة قال: «كان يسويها بيده ولا يدخلها نارًا، ولا يضربها بحديدة»140.
وقيل: إن المراد أن الله أعطى داود قوةً يثني بها الحديد، فيكون التغيير ليس في ذات عنصر الحديد، ولكن بما رزق الله داود من قوة يؤثر على الحديد، ويثنيه ويحركه، ذكره ابن عطية في المحرر الوجيز141 ولم ينسبه لأحد، وذكر القولين الزمخشري في الكشاف142.
وعلى كلا القولين فإنها آية من الله لداود عليه السلام سواءً ألان الحديد لداود بمحض قدرته سبحانه أم رزقه السبب والقوة التي يثني بها الحديد، والآية تحتمل القولين، وإن كان الأول أقوى لظاهر مدلول الآية أن الإلانة متجهة للحديد، والله أعلم.
وهنا يأتي علاقة قوله تعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ) [سبأ:١٠] بقوله تعالى: (ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [ص:١٧].
فإن الله ذكر ما منحه لداود من إلانة الحديد، وأثنى في موضع آخر بأن كان (ذا الأيد) واختلف المفسرون في معناها، ففريق نظر للقوة الحسية، وفريق للقوة المعنوية، فقيل: المعنى: ذا القوة، وهو قول ابن عباس143. وقيل: القوة في الطاعة، وهو قول مجاهد وقتادة والسدي وابن زيد144.
ولو دققنا النظر في عباراتهم لوجدنا أن تفسير ابن عباس مطلق في القوة دون تقييد بنوع القوة، بينما الآخرون قيدوا القوة بأنها في الطاعة، فعبارة ابن عباس أعم وأشمل من عبارتهم، فيدخل فيها القوة في الطاعة، والقوة في غيرها، فالخلاف خلاف تنوع، فذكر ابن عباس العام، وهم ذكروا نوعًا منه.
والصواب أن يقال: إن الله رزق داود القوة الحسية والمعنوية، وبه نجمع بين قولي السلف في الآية، وهو الأكمل في حق نبي الله داود، فأما في الدين فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحهما عن عبد الله بن عمرو ابن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام، وأحب الصيام إلى الله صيام داود، وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه، وينام سدسه، ويصوم يومًا، ويفطر يومًا)145.
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم جعل أعلى حد في الاجتهاد في الصوم كصيام داود، فقد كان صائمًا نصف الدهر، أخرج البخاري في صحيحه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن عمرو عندما قال: أطيق غير ذلك، فقال له: (فصم صوم داود) قال: وما صوم نبي الله داود؟ قال: (نصف الدهر)146.
وفيما سبق دلالة ظاهرة على قوته في الدين في الصلاة والصيام.
وأما قوته في الدنيا فإنه ظاهر المراد بالآية السابقة، كما أن الله امتدح داود في غير هذا الموضع بصنائع دنيوية كصنع الدروع، فالجمع حين ذلك بين المعنيين بأن يقال: بقوته في الدين وقوته في البدن، هو الأكمل والأحرى بداود، ومعنى الآية، قال ابن عطية في المحرر الوجيز: «و(الأيد) القوة، وهي في داود متضمنة قوة البدن وقوته على الطاعة»147.
وللشيخ عبد الرحمن السعدي توجيه لطيف في معنى: (ﮏ ﮐ ﮑ) [سبأ:١٠] فإنه اعتبر أن إلانة الحديد لداود هي على جاري العادة بأن علمه الله الأسباب المعروفة لإذابتها، واستدل بأن الآية فيها امتنان على العباد بإلانة الحديد، ولا يقع الامتنان إلا فيما كان في مقدور العباد، قال السعدي: «يحتمل أن تعليم الله له على جاري العادة، وأن إلانة الحديد له بما علمه الله من الأسباب المعروفة الآن لإذابتها، وهذا هو الظاهر؛ لأن الله امتن بذلك على العباد، وأمرهم بشكرها، ولولا أن صنعته من الأمور التي جعلها الله مقدورة للعباد لم يمتن عليهم بذلك، ويذكر فائدتها؛ لأن الدروع التي صنع داود عليه السلام، متعذر أن يكون المراد أعيانها، وإنما المنة بالجنس، والاحتمال الذي ذكره المفسرون لا دليل عليه إلا قوله: (ﮏ ﮐ ﮑ) [سبأ:١٠]وليس فيه أن الإلانة من دون سبب، والله أعلم بذلك»148.
وعلى قول الشيخ السعدي لا تكون إلانة الحديد من المعجزات لداود، وإنما هو علم كشفه الله لداود وأسبابه المادية متوفرة لدى الخلق، وفي ظني أنه توجيه بعيد؛ لأن الآية جاءت في سياق فضائل داود عليه السلام، وذكر بعض معجزاته، فقال تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [سبأ:١٠].
كما أن الثناء على فضائل الأنبياء حتمًا ستميز فضيلتهم عن غيرهم من الخلق وعلى مر العصور، ونحن نجد أن الأسباب العلمية لإلانة الحديد قد اشتهرت وعرفت من أزمان بعيدة والآن لا تخفى على أحد، والأسمى لفضيلة داود أن تكون قوة وهبها الله له دون باقي الخلق، وبهذا يكون القول المتجه أنها كانت في حق داود عليه السلام آية، وليس هي من قبيل العلم الذي يمكن اكتسابه، كما أنها يمكن أن تكون فضيلة لداود وامتنان على من بعده من خلق الله في تعلمهم لتلك الصنعة، فهي لداود فضيلة، ولمن سواه امتنان عليهم، والله أعلم.
وذكر القرطبي في هذه الآية فضيلة تعلم الحرف والصنائع، فقال: «في هذه الآية دليل على تعلم أهل الفضل الصنائع، وأن التحرف بها لا ينقص من مناصبهم، بل ذلك زيادة في فضلهم وفضائلهم؛ إذ يحصل لهم التواضع في أنفسهم، والاستغناء عن غيرهم»149.
ثم قال تعالى عقب الآية السابقة: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [سبأ:١١].
فبين الله تعالى أمره لداود بأن يصنع دروعًا سابغات من الحديد الذي ألانه له، و(السابغات) هي: الدروع، وهو قول ابن زيد وقتادة150. و(السرد) قيل هو: مسمار حلق الدروع، وهو قول قتادة151. وقيل: هي الحلق بعينها، وهو قول ابن عباس وابن زيد152.
فنسج الدروع، أي: اجعل الحق والمسامير في نسجك الدروع بأقدار متناسبة153.
وكان داود عليه السلام أول من صنع الدروع، فقد أخرج ابن جرير في تفسيره154 عن قتادة قال: كانت قبل داود صفائح، وهو أول من صنع هذا الحلق.
وقوله: (ﮖ ﮗ ﮘ) [سبأ:١١] هو داخل في تفصيل فن الحرفة، وتلك الصنعة، قال ابن كثير في تفسيره: «هذا إرشاد من الله لنبيه داود عليه السلام، في تعليمه صنعة الدروع»155.
وأما في تحديد المراد بالتقدير في السرد، فقال ابن عطية في المحرر الوجيز: «اختلف المتأولون في أي شيء هو التقدير من أشياء السرد، إذ السرد هو اتباع الشيء بالشيء من جنسه، فقال ابن زيد: التقدير الذي أمر به هو في قدر الحلقة، أي: لا تعملها صغيرة فتضعف ولا تقوى الدرع على الدفاع، ولا تعملها كبيرة فينال لابسها من خلالها.
وقال ابن عباس: التقدير الذي أمر به هو المسمار يريد ثقبه حين يشد نتيرها.
وذكر البخاري في مصنفه ذلك، فقال: المعنى لا تدق المسمار فيسلسل، ويروى فيتسلسل، ولا تغلظه فيقصم بالقاف، وبالفاء أيضًا رواية.
وروى قتادة: أن الدروع كانت قبله صفائح فكانت ثقالًا، فلذلك أمر هو بالتقدير فيما يجمع بين الخفة والحصانة، أي: قدر ما يأخذ من هذين المعنيين بقسطه، أي: لا تقصد الحصانة فتثقل، ولا الخفة وحدها فتزيل المنعة»156.
وقال ابن الجوزي في زاد المسير: «وفي معنى الكلام قولان:
أحدهما: عدّل المسمار في الحلقة ولا تصغّره فيقلق، ولا تعظّمه فتنفصم الحلقة، قاله مجاهد.
والثاني: لا تجعل حلقه واسعة فلا تقي صاحبها، قاله قتادة»157.
وقد نص الله سبحانه وتعالى على تصنيع داود للدروع، فقال جل ذكره:(ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الأنبياء:٨٠].
فعلم الله داود صنعة الدروع فكان يصنعها أحكم صنعة؛ لتكون وقاية من الحرب، وسبب نجاة من العدو، فالمقصود بـ (اللبوس) هي الدروع158 .
وقال الشنقيطي: «والدليل على أن المراد باللبوس في الآية الدروع أنه أتبعه بقوله: (ﯝ ﯞ ﯟ) أي: لتحرز وتقي بعضكم من بأس بعض؛ لأن الدرع تقيه ضرر الضرب بالسيف، والرمي بالرمح والسهم كما هو معروف»159.
أولًا: حقيقة الفتنة ودخول الخصمين عليه:
لقد كثر كلام المفسرين في قصة دخول الخصمين على داود عليه السلام وحقيقة ما ظنّه أنه فتنة، وظاهر النص الوارد في القرآن أن فتنته حصلت عند تحاكم المتخاصمين لديه، ثم ظن داود أنه فتن فتاب وعاد إلى ربه وأناب، فغفر له الله ذلك، كما أن الفتنة جاءت في سياق تحاكم الخصمين، وفي ذلك إشارة لعلاقة ما ظنه فتنة بما دار في مجلس الحكم بين الخصمين.
وقد جاء ذكر فتنة داود في موضع واحد من القرآن في سورة ص، وهي سورة مكية160.
قال فيها تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [ص:٢١-٢٥].
ولقد جال المفسرون في حقيقة الخصمين، وحقيقة تلك الفتنة، وارتباط الفتنة بتحاكم الخصمين، وأوردوا الكثير من الإسرائيليات في ذلك، منها ما قد يفهم منه البعض القدح في عصمة الأنبياء، فترتب عليه رد تلك الروايات، ومنه ما دون ذلك، ومنهم من رمى ذلك وراء ظهره، ولم يعول على تلك الإسرائيليات قط.
وقبل الخوض في تلك الفتنة والمراد بها أذكر معنى تلك الآيات بشرح إجمالي:
دخل على داود عليه السلام أشخاص أظهروا اختلافهم في قضية، وأظهروا النزاع فيها، وأرادوا أن يتحاكموا لداود، فدخلوا عليه من غير الهيئة المعهودة لديه؛ فتسورا مكانه الذي كان يمكث فيه ليتعبد ربه، وتسبب دخولهم ذلك بالفزع لداود، فبادروه بتهدئته، وقالوا: لا تخف نحن خصمان، وشرحوا سبب مجيئهم له مباشرة؛ ليسكن روعه، ثم وجهوا لداود -بين يدي خصومتهم- النصيحة بأن يحكم بينهم بالعدل، ولا يسرف، أو يحف في حكمه، وأن يرشدهم إلى الحق والطريق المستقيم.
ثم بينوا له الواقعة، وهو أنه حصل بغي من أحدهما على الآخر، فقد كان لأحدهم تسع وتسعون نعجة، والآخر له واحدة، فطلب منه صاحب الأكثر أن يتركها له، وغلبه في خطابه معه حتى أدركها أو كاد، فحكم داود بأن صاحب الأكثر قد أخطأ في طلبه، وأن الظلم يقع بين الشركاء إلا من اتقى الله.
وعلم داود أنه قد وقع في فتنة وابتلاء، فاستغفر ربه، ورجع إليه أن يكون قد وقع في زلل أو خطأ، فغفر الله له ذلك، وبين ما له عند ربه من منزلة ومكانة عالية.
وإلى هنا انتهى تفسير الآيات إجماليًا، وراعيت فيه أن يكون موافقًا لجملة الأقوال التي قيلت في فتنة داود، أو في حقيقة الخصمين والنعجة.
وبالنظر في حقيقة هذه القصة نجد أن ثمة مسائل تقوم عليها كحقيقة الخصمين، ومعنى النعجة، وهل للخصومة ارتباط بفتنة داود؟ ثم حقيقة الفتنة الواقعة، فأركان القصة أربعة، وفيها ترابط في معناها، وتداخل مع تفسير القصة، وبين الأقوال تلك من الارتباط والتداخل الشيء الكثير؛ ولتجلية موقف المفسرين في ذلك يمكن جعل مواقف المفسرين في ثلاثة مسالك:
المسلك الأول: هو حمل القصة على ظاهرها، وأن المتخاصمين الذين دخلوا على داود هم من الإنس، وذهب إلى هذا القول النقاش161، وابن حزم الظاهري162، والفخر الرازي163، والسبكي164، وأبو حيان الأندلسي165.
واتفق أصحاب هذا القول على أن المراد بالنعجة هو المعنى الحقيقي للماشية، ورجحه أبو حيان في البحر المحيط، فقال: «والظاهر إبقاء لفظ النعجة على حقيقتها من كونها أنثى الضأن، ولا يكنّى بها عن المرأة، ولا ضرورة تدعو إلى ذلك»166.
ثم اختلف أصحاب هذا المسلك في حقيقة فتنة داود، فذهبوا فيه إلى أربعة مذاهب، هي:
الأول: أن داود ظنّ أن الداخلين عليه دخلوا لاغتياله.
وإليه ذهب الفخر الرازي في تفسيره167، وأبو حيان في البحر المحيط، وقال: «والذي يذهب إليه ما دل عليه ظاهر الآية من أن المتسورين المحراب كانوا من الإنس، دخلوا عليه من غير المدخل، وفي غير وقت جلوسه للحكم، وأنه فزع منهم ظانًا أنهم يغتالونه؛ إذ كان منفردًا في محرابه لعبادة ربه، فلما اتضح له أنهم جاءوا في حكومة، وبرز منهم اثنان للتحاكم، كما قص الله تعالى، وأن داود عليه السلام ظن دخولهم عليه في ذلك الوقت، ومن تلك الجهة إنقاذ من الله له أن يغتالوه، فلم يقع ما كان ظنه، فاستغفر من ذلك الظن، حيث أخلف ولم يكن يقع مظنونه، وخر ساجدًا، أو رجع إلى الله تعالى فغفر له ذلك الظن»168.
الثاني: أنه تعجل في إصدار الحكم بعدما سمع من الأول، ولم يسمع من الطرف الآخر:
ذهب إلى هذا القول أبو عبد الله الحليمي في منهاج الدين169.
وحكى هذا القول -دون نسبة- ابن عطية في المحرر الوجيز وضعّفه، فقال: «وهذا ضعيف من وجوه؛ لأنه خالف متظاهر الروايات، وأيضًا فقوله: (ﮨ ﮩ) معناه: أن ظهر صدقك ببيّنة أو باعتراف، وهذا من بلاغة الحاكم التي ترد المعوج إلى الحق، وتفهمه ما عند القاضي من الفطنة»170.
ووجه ابن المنير هذا القول في حاشيته على الكشاف171 بتعليق لطيف قال فيه: «مقصود هذا القائل تنزيه داود عن ذنب يبعثه عليه شهوة النساء، فأخذ الآية على ظاهرها، وصرف الذنب إلى العجلة في نسبة الظلم إلى المدعى عليه؛ لأن الباعث على ذلك في الغالب إنما هو التهاب الغضب وكراهيته أخف مما يكون الباعث عليه الشهوة والهوى، ولعل هذا القائل يؤكد رأيه في الآية بقوله تعالى عقبها وصية لداود عليه السلام: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [ص:٢٦].
فما جرت العناية بتوصيته فيما يتعلق بالأحكام إلا والذي صدر منه أولًا وبان منه من قبيل ما وقع له في الحكم بين الناس».
الثالث: أن داود ظن أن الله امتحنه واختبره في وقت عبادته، هل يترك العبادة ليشتغل بالحكم، أو يترك الحكم ليشتغل بالعبادة، ذكره السبكي172.
الرابع: لم يكن ثمة ذنب يستوجب الاستغفار؛ بل هم من سمت الأنبياء تلبسهم بهذه الأفعال الكريمة «والاستغفار فعل خير لا ينكر ملك ولا نبي، ولا من مذنب ولا من غير مذنب، وإنما قوله تعالى: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [ص:٢٤].
وقوله تعالى: (ﯬ ﯭ ﯮ) [ص:٢٥].
فقد ظن داود عليه السلام أن يكون ما أتاه الله عز وجل من سعة الملك العظيم فتنة». وهو قول ابن حزم 173، والقاضي عياض174.
المسلك الثاني: أن القصة ليست حقيقية، وإنما مجرد تمثيل، وعليه فإن الخصمين ملكان175، وفتنة داود كانت بسبب امرأة، وأن المراد بكلمة (نعجة) كناية عن المرأة، قال المبرد في الكامل: «العرب تكنّي عن المرأة بالبقرة والنعجة»176. ثم جاءت الملائكة لتنبيه داود على ما وقع فيه من زلة.
قال الطبري في تفسيره: «هذا مثلٌ ضربه الخصم المتسوّرون على داود محرابه»177. وقال ابن عطية في المحرر الوجيز: «ولا خلاف بين أهل التأويل178 أن هؤلاء الخصم إنما كانوا ملائكة، بعثهم الله تعالى ضرب مثل لداود عليه السلام، فاختصموا إليه في نازلة قد وقع هو في نحوها، فأفتى بفتيا هي واقع عليه في نازلته»179.
وفي إثبات أنهما ملكان، وأن الفتنة بسبب المرأة، قال الواحدي في البسيط: «وظاهر القرآن يوجب أن يكون داود قد كلّم أوريا في امرأته؛ لأن خصومة الملكين تمثيل لهذه القصة»180. وفي نفس الموضع قال: «قال أهل التحقيق من علماء التأويل: جعل الله قصة الملكين تمثيلًا لداود أمره مع أوريا، وسلسلها له على ما فعل ليتوب ويراجع ربه فيستغفر».
وممن ذهب إلى هذا المسلك -على اختلاف توجيهاتهم للقصة-: ابن مسعود، وابن عباس رضي الله عنهما، والحسن، والسدي، وابن جرير، وأبو جعفر النحاس، والجصاص، والكيا الهراسي، والثعلبي، وابن العربي، والقاضي أبو يعلى، وابن عطية، والواحدي، والزمخشري -كما سيأتي-. والقائلون بهذا المسلك لهم ثلاثة أقوال في توجيه القصة:
الأول: أن داود طلب من زوج المرأة أن ينزل له عنها، وبهذا عوتب، وهذا قول ابن مسعود وابن عباس، أخرجه عنهما ابن جرير في تفسيره181 أنهما قالا: «ما زاد داود على أن قال: انزل لي عنها».
وقال بهذا القول: النحاس، والجصاص، والكيا الهراسي، والقاضي أبو يعلى، وابن العربي، والزمخشري، وابن عاشور182.
قال النحاس: «قول العلماء المتقدمين الذين لا يدفع قولهم، منهم: عبد الله بن مسعود وابن عباس رحمهما الله فإنهم قالوا: «ما زاد داود عليه السلام على أن قال للرجل: انزل عن امرأتك»183.
فعاتبه الله جل وعز على هذا، ونبّهه عليه، وليس هذا بكبير من المعاصي، ومن يخطي إلى غير هذا فإنما يأتي بما لا يصح عن عالم، ويلحقه فيه الإثم العظيم».
الثاني: منهم من أخذ بكامل القصة، وهي أن داود نظر إلى امرأة وهي تغتسل فأعجب بها، ثم قدّم زوجها في القتال في مظان الموت؛ ليتزوجها بعد موته أو تزوجها، وهو مروي عن ابن عباس، والسدي، والحسن، ووهب بن منبه184، وروي من طريق أنس مرفوعًا185 وهو قول الثعلبي في الكشف والبيان186. ولا يعني هذا صحة كل تفاصيل القصة ونسبتها لهم، بل الصحيح أن أصل القصة هو ما يمكن نسبته لهم، وهو القدر المشترك بينهم، مع إمكانية وقوع الخلاف في تفاصيل القصة بمجموع مروياتها، وهذا لا يؤثر على القدر المشترك المتفق عليه في تلك المرويات.
الثالث: أن داود لم يتوجع على قتل زوج المرأة، ذكره ابن عطية في المحرر الوجيز187. وهو أبعد الأقوال في هذا المسلك.
وجاء النكير من المفسرين على أصحاب هذا المسلك، وكان المنكرون على نوعين، إما ينكر كل قصة نظر داود إلى المرأة، ولم يقبل أن يكون حقيقة الخصمان مثل، وأنهما من الملائكة، وإما أن يثبت أن الموقف تمثيل، ولكنه أنكر نظر داود إلى المرأة وتسببه في مقتل زوجها، فبينهم عموم وخصوص.
فكلهم أنكر أن يكون داود نظر إلى المرأة وافتتن بها، ثم تسبب في قتل زوجها ليتزوجها، والبعض أنكر أن يكون الخصمين ملائكة.
قال أبو حيان: «ذكر المفسرون في هذه القصة أشياء لا تناسب مناصب الأنبياء، ضربنا عن ذكرها صفحًا»188.
وقال ابن الجوزي: «ذكر جماعة من المفسرين أن داود لما نظر إلى المرأة سأل عنها، وبعث زوجها إلى الغزاة مرة بعد مرة إلى أن قتل، فتزوجها، وروي مثل هذا عن ابن عباس ووهب والحسن في جماعة، وهذا لا يصح من طريق النقل، ولا يجوز من حيث المعنى؛ لأن الأنبياء منزهون عنه». وقال: «فأما ما روي أنه نظر إلى المرأة فهويها، وقدّم زوجها للقتل، فإنه وجه لا يجوز على الأنبياء؛ لأن الأنبياء لا يأتون المعاصي مع العلم بها»189.
وقال الفخر الرازي: «فأما القول الأول فحاصل كلامهم فيها: أن داود عشق امرأة أوريا، فاحتال بالوجوه الكثيرة حتى قتل زوجها، فأرسل الله إليه ملكين في صورة المتخاصمين في واقعة شبيهة بواقعته، فحكم داود بحكم لزم منه اعترافه بكونه مذنبًا، ثم تنبه لذلك فاشتغل بالتوبة، والذي أدين به وأذهب إليه أن ذلك باطل، ويدل عليه وجوه:
الأول: أن هذه الحكاية لو نسبت إلى أفسق الناس، وأشدهم فجورًا لاستنكف منها، والرجل الحشوي الخبيث الذي يقرر تلك القصة لو نسب إلى مثل هذا العمل لبالغ في تنزيه نفسه، وربما لعن من ينسبه إليها، وإذا كان الأمر كذلك فكيف يليق بالعاقل نسبة المعصوم إليه.
الثاني: أن حاصل القصة يرجع إلى أمرين: إلى السعي في قتل رجل مسلم بغير حق، وإلى الطمع في زوجته، وكلاهما منكر، وإن أوريا لم يسلم من داود لا في روحه ولا في منكوحه.
والثالث: أن الله تعالى وصف داود عليه السلام قبل ذكر هذه القصة بالصفات العشرة المذكورة، ووصفه أيضًا بصفات كثيرة بعد ذكر هذه القصة، وكل هذه الصفات تنافي كونه عليه السلام موصوفًا بهذا الفعل المنكر والعمل القبيح»190. انتهى بتصرف طفيف.
وأما من أنكر نظر داود للمرأة، وافتتانه بها، وتسببه في قتل زوجها، ولكنه لم ينكر قصة الملكين، وأنهما تمثلا بحال الخصمين الزمخشري191، وابن العربي المالكي192، والجصاص193، فجاءت في عباراتهم النكير على المرويات الإسرائيلية التي أسهبت في وصف نظر داود للمرأة وافتتانه بها، ولكنهم أثبتوا واختاروا أن الخصمين ملكان، وأنهما جاءا لموعظة داود.
وسلك الألوسي في روح المعاني منهجًا متوسطًا في ذلك دون البيان عما يرجحه، فقد ساق جملة القصص والأقوال التي رويت في قصة فتنة داود، ثم قال عقبها: «وعندي أن ترك الأخبار بالكلية في القصة مما لا يكاد يقبله المنصف، نعم لا يقبل منها ما فيه إخلال بمنصب النبوة، ولا يقبل تأويلًا يندفع معه ذلك، ولا بد من القول بأنه لم يكن منه عليه السلام إلا ترك ما هو الأولى بعلي شأنه، والاستغفار منه، وهو لا يخل بالعصمة»194.
المسلك الثالث: التوقف في حقيقة القصة، وتفويض علمها إلى الله، وحمل القرآن على ظاهره دون التفصيل في فتنة داود:
وممن ذهب إلى هذا المسلك ابن كثير والسعدي، فقال ابن كثير في تفسيره: «ذكر المفسرون ها هنا قصة أكثرها مأخوذ من الإسرائيليات، ولم يثبت فيها عن المعصوم حديث يجب اتباعه، فالأولى أن يقتصر على مجرد تلاوة هذه القصة، وأن يردّ علمها إلى الله عز وجل، فإن القرآن حق، وما تضمن فهو حق أيضًا»195.
وقال السعدي في تفسيره: «وهذا الذنب الذي صدر من داود عليه السلام، لم يذكره الله لعدم الحاجة إلى ذكره؛ فالتعرض له من باب التكلف؛ وإنما الفائدة ما قصّه الله علينا من لطفه به، وتوبته وإنابته، وأنه ارتفع محلّه، فكان بعد التوبة أحسن منه قبلها»196.
تحليل المسالك الثلاثة والترجيح:
بعد النظر والتأمل فيما سبق إيراده، وبعد سرد ونظم لأقوال المفسرين واختلافاتهم من مؤكد لقصة المرأة ونافٍ لها، ومن مؤكد لارتباط فتنة داود بقصة الخصمين، ومن نفى ذلك، نستخلص النتائج التالية:
أولًا: جميع المفسرين والعلماء يجمعون على عصمة الأنبياء، ومنهم داود عليه السلام من الكبائر، وحكى الإجماع على ذلك ابن العربي197، كالزنا مثلاً.
ولذا فلا يصح بحال من الأحوال اتهام داود بفعل الفاحشة مع المرأة، بل هو منزه عن ذلك قطعًا، والمفسرون أجل من أن يرموا نبي الله بفعل فاحشة، كما أنه لم يرد مثل ذلك في كتب التفسير أبدًا، وقد ترفعوا عن روايتها -ولو روتها كتب بني إسرائيل كما ورد في العهد القديم-؛ ولذا فكل من قام بالتشنيع على من روى القصة إنما هو فيما دون فعل الفاحشة.
ثانيًا: انقسم المفسرون إلى فريقين في ضرورة حكاية القصة لفهم الآيات، فمر معنا أن ابن عطية جعل بعض تلك الأخبار جزءًا هامًا يقوم عليه تفسير الآيات، وكذا الألوسي قد اعتبر ترك الأخبار جملة لا يقبله منصف.
وأما الاتجاه الآخر وعلى رأسه ابن كثير فإنه رأى ضرورة إغفالها، وأنها لا تقدم مفيدًا في تفسير القصة، فلا يوجد اتفاق على حكايتها، أو عدم حكايتها بالنظر لجملة عصور المفسرين ككل، ويبقى الحال لاجتهاد المفسر، ويظهر أن حجة من نفى ضرورة حكاية الأخبار أنه يرى فيها قدحًا في العصمة، وليس ذلك على إطلاقه، فإن بعض الروايات قد ترد وبعضها قد يحكى ولا ضير فيه، وليس فيها ما يقدح في عصمة الأنبياء.
وإن كان ينبغي التأكيد على أن العبرة في منهج أصحاب القرون المفضلة في تفسير آيات الكتاب العزيز وهو بمثابة الميزان على العصور التي بعدها.
ثالثًا: مما يحيد بمسار البحث العلمي والبحث عن القول الصحيح استخدام عبارات فيها تشنيع وتقبيح لأفعال لا يرضها أي مسلم أو عاقل؛ لتكون حاجزًا نفسيًا يحول دون مجرد النظر في القول الآخر؛ فضلًا عن إمكانية صوابه.
فمثلًا يقول الفخر الرازي في تفسيره تشنيعًا على القول بقصة داود ونظره للمرأة وموت زوجها: «لو كانت القصة المتقدمة دالة على سعيه في القتل والفجور لم يكن قوله: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [ص:٢٥] لائقًا به»198.
وأي عاقل ستسول له نفسه الظن -مجرد ظن- بأن نبيًّا لله يسعى في الفجور والقتل بغير حق؟! هذا أقرب إلى ما يسمى بالإرهاب الفكري! وكان الأحرى البعد عن استخدام العبارات النارية الصارفة للقارئ عن مرويات السلف، والنظر فيها بعين البحث العلمي لا بعين الحكم المسبق أو الألفاظ الرنانة.
رابعًا: الداعي لاستشناع المروي عن الصحابة والتابعين في قصة داود ورده -لدى البعض- إنما هو الدليل العقلي المجرد ورد خبر الآحاد بالقطعيات.
ومن ذلك ما قاله الفخر الرازي في تفسيره: «نقول: إن من المعلوم بالضرورة أن بتقدير أن تكون القصة التي ذكرتموها حقيقيةً صحيحةً، فإن روايتها وذكرها لا يوجب شيئًا من الثواب؛ لأن إشاعة الفاحشة إن لم توجب العقاب فلا أقل من أن لا توجب الثواب، وأما بتقدير أن تكون هذه القصة باطلةً فاسدةً فإن ذاكرها يستحق أعظم العقاب والواقعة التي هذا شأنها وصفتها، فإن صريح العقل يوجب السكوت عنها، فثبت أن الحق ما ذهبنا إليه، وأن شرح تلك القصة محرم محظور»199.
وقال الرازي: «فإن قال قائل: إن كثيرًا من أكابر المحدثين والمفسرين ذكروا هذه القصة فكيف الحال فيها؟
فالجواب الحقيقي: أنه لما وقع التعارض بين الدلائل القاطعة وبين خبر واحد من أخبار الآحاد كان الرجوع إلى الدلائل القاطعة أولى»200.
خامسًا: حكاية نظر داود للمرأة ورغبته في نكاحها إنما رواه أئمة كبار من المفسرين من سلف الأمة، فقول ينسب لابن مسعود، ولابن عباس، والحسن، والسدي، ووهب ابن منبه، لا يصح رميه بأسوأ الأوصاف والألقاب لمجرد استشناع ما جاء في الروايات والاستقباح النفسي لها، بل إن منهج الرد والقبول له طريقه العلمي متى ما سلك أوصل إلى الصواب في منهجية البحث.
وقد يقال: إنّ من أغلظ في رده إنما اعتمد على عدم صحة نسبة تلك الأقوال إليهم، فإننا نقول: إنه لم يبين ضعف تلك الأسانيد، كما أنه قد قبل مروياتهم الأخرى وبذات السند المساق في هذه الروايات، فما وجه الفرق إذن ؟!
كما أن كثيرًا من كتب التفسير روتها لوجود الإذن الصريح من النبي صلى الله عليه وسلم في حكاية مرويات بني إسرائيل، كما أن كبير المفسرين ابن جرير الطبري قد حكى تلك الروايات عنهم، وهو من أئمة هذا الشأن، وكذا القاضي ابن عطية الغرناطي، ولا يغيب عليهما ما ورد في أذهان المتأخرين أو بعض المعاصرين من عدم صحة نسبة تلك الأقوال إليهم، أو احتمال تنقص نبي الله داود بمروياتهم.
وإذا علمنا أن ابن جرير وهو إمام المفسرين في زمانه وابن عطية قد حكوها، فإن العجب لا ينقضي من الباحث الذي يشتد نكيره على من رواها، ويقول: «وقد أعجب بعض المفسرين بهذه التفاصيل الإسرائيلية المكذوبة، فسجّلوها في تفاسيرهم، وفسّروا بها آيات القصة، ونسوا أنهم يتحدثون عن نبي رسول كريم، عصمه الله وحفظه، فكان أتقى وأفضل الناس» إلى أن قال: «أما المفسرون والمؤرخون المنهجيون فقد رفضوا تلك الإسرائيليات»201.
ونلحظ أنه وصف من رفض تلك الإسرائيليات بالمنهجيين، فمن هم أولئك عنده؟ قال: «من هؤلاء ابن كثير وسيد قطب». ولازم قوله أن ابن جرير وابن عطية ليسوا من المفسرين المنهجيين! إن في ذلك مبالغة، وتزهيد للناس في إمام من أئمة هذا العلم، وكثير ممن جاء بعده إنما هم عالة عليه، كما أن له قدم السبق في التحرير والترجيح، وليس في جانب الرواية فقط. كما أن نقده لا يتجاوز أن يكون تشنيعًا بالألفاظ ممن يقدر عليه كل أحد، وإنما الحجة للدليل والبرهان مع حفظ مقام القامات العلمية المتخصصة من ذوي التفسير والتاريخ.
سادسًا: غالب من أنكر وشنع على من قال بقصة نظر داود للمرأة، ورغبته في استشهاد زوجها ليتمكن من تزوجها، انطلقوا من نقاط ثلاث: نظر داود للمرأة، أو استرساله في النظر لها، أو مساهمته في إراقة دم زوجها، أو تتبعه للدنيا وحرصه عليها.
وعند تأمل ذلك وتفنيده نجد أن ما ورد في الروايات ليس فيه قدحًا في عصمة داود، فإن النظر للمرأة كان فجأة، وهو معفو عنه بالإجماع، كما نص عليه ابن العربي202.
ولا يتصور بنبي الله أن ينظر لها فجأةً وأدام النظر استمتاعًا بها، إن ذلك لا دليل عليه، ولم يقل به أحدٌ من السلف، وليس هو من أخلاق الصالحين فضلًا عن الأنبياء، ولو فرضنا جدلًا أن ذنب داود كان إعادة النظر للمرأة فإن ذلك صغيرة وليس كبيرة، وعصمة الأنبياء في الصغائر فيها خلاف بين أهل العلم؛ ولذا فمن روى رواية فيها إثبات صغيرة لنبي وهو لا يرى بعصمتهم في الصغائر فإن له ذلك من هذا الوجه.
أما موت زوجها فلا نقطع بموته كما لا نقطع بأن داود سعى في هلاكه؛ لأن معتمد من قال به إنما تفاصيل المرويات الإسرائيلية، ولا يمكن الجزم بها، ثم إنه قد يدخل باب التأويل، فإن الزوج كان يقاتل في سبيل الله؛ وذلك مظنة قتله فتقدمه وتأخره في المعركة ليس فيه تحول جذري، بل كل مواطن المعركة مظنة الموت.
أما تتبعه للدنيا -كما قيل في لحاقه بالحمامة- فإنه لا يقدح في داود عليه السلام لو وقع ذلك فعلًا، فإنه كان ملكًا ولم يذمه على ذلك من أحد، بل عدوها منقبةً له بما آتاه الله، وتتبع الدنيا بما لا يلهي عن ذكر الله وطاعته، وبما لا يوقع في المحظور لا يعد ذنبًا فضلًا أن يكون فيه قدحًا في العصمة.
سابعًا: أهم الركائز التي يدور عليها الخلاف هو ارتباط قصة الخصمين بفتنة داود، ومن نفى ذلك الارتباط فإنه قد دفعه لذلك تصوره أن ثمة ارتباطًا بين فتنة داود بقصة المرأة وتفاصيل ما حدث، فسلك طريق النفي لاعتقاده أنه أسلم.
ثامنًا: كل من فسّر فتنة داود بأن له علاقة بالمرأة فإن معتمده على الروايات الإسرائيلية، ولا حرج عليه -ويلزم من روايته لها أنه كان يعتقد أنه ليس ثمة ما يقدح في عصمة نبي الله داود فيما رواه- في رواياتها للإذن النبوي الذي سبق ذكره، وذلك في حالة صحته عنه.
الترجيح:
بالنظر في نص الآيات فحسب فإنه ليس فيها ما يجزم بحقيقة القول في فتنة داود، وبالاعتماد على أصول التفسير فإنه لا يوجد ما يفسر لنا ذلك إلا بالمروي عن الصحابة والتابعين.
وأما ما ورد في الحديث المرفوع الذي أخرجه ابن جرير في تفسيره فإنه ضعيف، وقد ضعّف إسناده ابن كثير في تفسيره، فقال: «ولم يثبت فيها -أي فتنة داود- عن المعصوم حديث يجب اتباعه، ولكن روى ابن أبي حاتم هنا حديثًا لا يصح سنده؛ لأنه من رواية يزيد الرقاشي عن أنس - ويزيد وإن كان من الصالحين- لكنه ضعيف الحديث عند الأئمة»203.
وكذا ضعفه القاسمي في محاسن التأويل204.
وتأخير ابن جرير له في إيراده في تفسيره قد يشير إلى تضعيفه له.
وأما ما روي عن الصحابة والتابعين فإنها لا تخرج عن مرويات إسرائيلية في عمومها، لا حرج عليهم في روايتها، قال القاسمي: «وأما الموقوف من ذلك على الصحب والأتباع -رضي الله عنهم-، فمعوّلهم في ذلك ما ذكر في التوراة من هذا النبأ، أو الثقة بمن حكي عنه، وينبني على ذلك ذهابهم إلى تجويز مثل هذا على الأنبياء»205.
وكما هو مقرر في أصول التفسير من اعتبار تفسير الصحابي والتابعي واعتبارها حجة عند عدم وجود المخالف، فإن ما روي عن ابن مسعود وابن عباس وغيرهم يجعلنا نطمئن إلى أن فتنة داود عليه السلام كانت في طلبه من زوج المرأة أن يتنازل له عنها، وأن الملكين جاءا له في هيئة رجال لإشعاره بما وقع فيه من فتنة لا توافق مقام الأنبياء العلي.
وأما تفاصيل القصة فكما أننا لا نجد اتفاقًا عليها في كل المرويات، فإن الجزم بصحة التفاصيل دونه خرط القتاد، ولا يلزم من ذلك القول بنفي أصل القصة، والله تعالى أعلم.
وأما من سلك تجاهل الروايات تلك فلا يضره ما لم يخالف منهجه العلمي المنصوص عليه في تفسيره أو المستقرأ منه، ومن شنّع على المفسرين الذين رووا تلك المرويات فلا يحق له ذلك التشنيع لوجود الإذن النبوي برواية الإسرائيليات دون الجزم بالتصديق أو التكذيب لذاتها، وقد مر ذكر الحديث الذي رواه البخاري، وهذا من الناحية النظرية، وثانيًا من ناحية عملية؛ لأن روايتها جاءت عن بعض الصحابة رضوان الله عنهم.
ثانيًا: الإنابة والاستغفار:
أثنى الله عز وجل على نبيه داود عليه السلام بصفات علية، كالاستغفار والإنابة والأوبة، قال جل وعلا: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [ص:٢٤].
وقال عنه أيضًا: (ﭛ ﭜ) [ص:١٧]ومعنى (أناب)، أي: رجع إلى ربه وتاب206، وفي (راكعًا)، أي: خرّ ساجدًا207 قال ابن العربي: «لا خلاف بين العلماء أن المراد بالركوع ها هنا: السجود»208.
وحكى ابن تيمية الإجماع في ذلك، فقال: «وأما قوله عن داود عليه السلام: (ﯧ ﯨ) [ص:٢٤] لا ريب أنه سجد، كما ثبت بالسنة وإجماع المسلمين أنه سجد لله»209.
وأما (أواب) فإنه من الأوبة، والأوبة الرجوع، والأواب: الرّجّاع الذي يرجع إلى التوبة والطاعة210.
واختلف قول المفسرين فيها، وكلها ترجع إلى جنس واحد، وهو حسن إقباله على ربه وطاعته له، فذهب مجاهد وابن زيد211 إلى أن معنى أواب: هو الرّجاع عن الذنب، وذهب قتادة212 إلى أنه المطيع لله كثير الصلاة، وأما السدي213 ففسره بالمسبّح، وفسّره الضحاك214 بأنه التوّاب.
وكل هذه الأقوال تعود لجنس واحد في معناه كما ذكرت، فيعدّ خلافهم اختلاف تنوع.
واختار ابن كثير قولًا عامًا يجمع ما سبق إيراده من أقوال، فقال في تفسيره: «هو الرجاع إلى الله في جميع أموره وشؤونه»215.
وجاءت هاتين الآيتين في موضعين، بداية ذكر قصة دخول الخصمين وفي نهايتها، فقبل أن يذكر الله ما ظنه داود من وقع الفتنة له قال قبله: (ﭛ ﭜ) [ص:١٧]، وبعد أن ذكر الحادثة قال عقبها: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [ص:٢٤]، فكانت النتيجة بعد استغفاره أن الله قال: (ﯬ ﯭ ﯮ) [ص:٢٥]، واسم الإشارة في قوله: (ﯬ ﯭ ﯮ) يحتمل عوده إلى ذلك الذنب، كما فسّره قتادة216، وعمّم العبارة البيضاوي فقال: «أي: ما استغفر منه»217.
ومدار خلافهم مبني على تفسيرهم لأصل فتنة داود، وعليه تنوعت تفاسيرهم لهذه العبارة، وسبق بيان ذلك بتوسع.
فبدأ وختم بذكر فضيلة داود في الاستغفار والإنابة إلى ربه؛ للتأكيد على حسن علاقة داود بربه في حال سرائه وضرائه، وهذا حاله عند وقوع فتنة له.
فما أعظمه من ثناء على داود من ربه بأنه رجاع إلى الحق، ومنيب تائب إلى ربه، وكل ذلك من عناية الله بداود عليه السلام، والتأكيد على منزلته ومكانته عند مولاه؛ ولئلا يظن به أحد الأغرار سوءًا بعد ما حكي من ظنه الفتنة -أيًا كانت تلك الفتنة- فإنها لم تنقص قدره ومنزلته، بل فيها رفعة وسمو له؛ لأنه يعرف طريق ربه، فعندما ظن أنه وقوع في الفتنة تاب وأناب ورجع لربه.
بل جاء التصريح والتأكيد بعلو منزلته؛ لينتفي أي احتمال ولو ضعيف بتدني منزلة داود عليه السلام، فقال تعالى: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [ص:٢٥]، فكما أنه استغفر ربه فهنا أثبت ربنا بأنه قبل توبته وغفر له، وأثبت له المنزلة العالية عنده.
قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: «واسم الإشارة في قوله: (ﯬ ﯭ ﯮ) يشير إلى ما دلت عليه خصومة الخصمين من تمثيل ما فعله داود بصورة قضية الخصمين، وهذا من لطائف القرآن؛ إذ طوى القصة التي تمثّل له فيها الخصمان، ثم أشار إلى المطوي باسم الإشارة، وأتبع الله الخبر عن الغفران له بما هو أرفع درجة، وهو أنه من المقربين عند الله، المرضي عنهم، وأنه لم يوقف به عند حد الغفران لا غير»218.
وهذا حال المؤمنين فضلًا عن صفوة الخلق الأنبياء، فهم يلازمون الاستغفار على كل حين للوصول إلى مراد الرب سبحانه، فداود استغفر ربه، وسجد لله وتاب له، فنال المنزلة العليا، وسينال يوم القيامة المكانة الأعلى التي وعدها إياه ربه.
وختامًا، فإن سوق قصة ابتلاء داود وتعقيبها بذكر استغفاره ورجوعه لربه دليل على فضله ومكانته العليّة عند ربه ومولاه، وما صدر عن داود من افتتان إنما «يستوجب العتاب ولا يقتضي العقاب»219 فإن قدره محفوظ عند ربه، وفي ذلك العتاب من ألطاف الرحمن لداود ولعباد الله ما فيه من فوائد وحكم لا يتسع لها المقام.
إن الله رفع قدر الأنبياء عن بقية خلقه، ومن مزيد اعتنائه بهم أن ابتلاهم بما قدّره عليهم ليرفع شأنهم، قال السعدي: «اعتناء الله بأنبيائه وأصفيائه عندما يقع منهم بعض الخلل بفتنته إياهم وابتلائهم بما به يزول عنهم المحذور، ويعودون إلى أكمل من حالتهم الأولى، كما جرى لداود»220.
كما أنه من فوائد ذلك الابتلاء أن يكون للخلق العظة والعبرة من حال الأنبياء؛ وليكون لهم فيهم أسوة حسنة، ومن تلك الفوائد في قصة داود عليه السلام:
نسأل الله أن يلهمنا حسن الأخلاق والأقوال والأعمال، وأن يرزقنا العلم النافع، وأن يغفر لنا الزلل.
موضوعات ذات صلة: |
بنو إسرائيل، زكريا عليه السلام، سليمان عليه السلام، عيسى عليه السلام، موسى عليه السلام، الكتب المنزلة |
1 انظر: تاريخ الأمم والملوك، الطبري ١/٤٧٦، الكامل في التاريخ، ابن الأثير ١/١٩٤، البداية والنهاية، ابن كثير ٢/٣٠٠.
2 انظر: العلم الأعجمي في القرآن، محمود أبو سعدة ٢/١٧٣.
3 انظر: الكتاب المقدس، سفر صموئيل الثاني.
4 انظر: العلم الأعجمي ٢/١٧٣- ١٧٩.
5 تاريخ الأمم والملوك، الطبري ١/٤٨٥.
6 البداية والنهاية ٢/٣١٩.
7 تاريخ الأمم والملوك، الطبري ١/ ٤٨٥.
8 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب تفسير القرآن، باب: ومن سورة الأعراف، ٥/٢٦٧، رقم ٣٠٧٦.
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح،. وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ٢/٩٢٥، رقم ١٦٨١.
9 الكامل في التاريخ ١/١٩٩.
10 انظر: تاريخ الأمم والملوك، الطبري ١/٤٧٦، الكامل في التاريخ، ابن الأثير ١/١٩٤، البداية والنهاية، ابن كثير ٢/٣٠٠.
11 قال ابن عاشور في التحرير والتنوير ٧/٣٣٨: «داود بن يسي من سبط يهوذا من بني إسرائيل، ولد بقرية بيت لحم سنة ١٠٨٥ قبل المسيح، وتوفي في أورشليم».
12 انظر: البداية والنهاية، ابن كثير ٢/٣٢١.
13 أخرجه أحمد في مسنده، ١٥/٢٥٤، رقم ٩٤٣٢.
قال ابن كثير في البداية والنهاية: إسناده جيد، ورجاله ثقات.
14 مفاتيح الغيب ٩/٣٧٩.
15 تيسير الكريم الرحمن ص٦٠٢.
16 البداية والنهاية، ٢/٣٠٠-٣٠١.
17 فتح الرحمن في تفسير القرآن ١/٣٥٩.
18 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/٦.
19 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢/٥١٦.
20 انظر: العلم الأعجمي، أبو سعدة ٢/١٧٤.
21 الإصحاح ٩.
22 انظر: العلم الأعجمي، أبو سعدة ٢/١٥٩-١٦٣.
23 انظر: جامع البيان، الطبري ٤/٥١٤.
24 انظر: المصدر السابق ٢٠/٧٧.
25قال د.صلاح الخالدي في كتابه الأعلام الأعجمية في القرآن ص٩١: «لم يطلق لقب خليفة في القرآن إلا على نبيين: آدم في سورة البقرة، وداود في سورة ص عليهما السلام».وذكر معنى لطيفًا فقال: «وهذا يشير إلى معنى إيماني إسلامي خاص في ملك داود لبني إسرائيل، ففترة حكمه وملكه يعتز بها المسلمون؛ لأن حكمه لم يكن يهوديًا إسرائيليًّا، مع أنه إسرائيلي من حيث النسب، وإنما كان حكمًا إسلاميًّا إيمانيًّا، ولذلك وصفه الله بأنه خليفة».
26 النكت والعيون ١/٣١٩-٣٢٠.
27 تاريخ الأمم والملوك ١/٤٧٨.
28 البداية والنهاية ١/٣٠٥.
29 الكامل في التاريخ ١/١٩٤.
30 تاريخ الأمم والملوك ١/٤٨٧.
31 مفاتيح الغيب ٢/٥١٧.
32 المصدر السابق ٢/٥١٦.
33 انظر: تاريخ الأمم والملوك، الطبري ١/٤٨٥، الكامل في التاريخ، ابن الأثير ١/١٩٩.
و في سفر صموئيل الثاني الإصحاح ٥: أن مدة ملك داود أربعين سنة.
34 البداية والنهاية ٢/٣١٩.
35 أخرجه الطبري في تفسيره ٢٠/٤٦.
36 أخرجه الطبري في تفسيره ٢٠/٤٧.
37 جامع البيان ٢٠/٤٨.
38 أحكام القرآن ٤/٤١.
39 تفسير القرآن العظيم ٧/٥٨.
40 التحرير والتنوير ٢٣/١٢٩.
41 البداية والنهاية ٢/٤٦٩.
42 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٥/٤٠٣.
43 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٩/٤٥١، تفسير النسفي ٢/٤٢٣.
44 انظر: لسان العرب ٥/٤٠٣.
45 انظر: تفسير القرآن، السمعاني ٣/٤١٣، الكشاف، الزمخشري ٣/١٣٨.
46 انظر: التيسير، الداني ص٢٦٧، إتحاف فضلاء البشر، البناء ١/٥٢٦.
47 الحجة، ابن زنجلة ص٢١٩.
48 جامع البيان ٧/٦٨٧.
49 الموضح في وجوه القراءات وعللها ١/٤٣٣.
50 المصدر السابق.
51 انظر: جامع البيان، الطبري ٧/٦٨٧.
52 الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها ١/٤٠٢.
53 تفسير السمرقندي ١/٤٠٤.
54 العلم الأعجمي، أبو سعدة ٢/١٨٧ -١٨٨.
55 انظر: المصدر السابق ٢/١٨٣ وجاء فيه: هو هلل العبري المأخوذ من هلل العربي، بمعنى سبح، وترخصت الترجمة السبعينية اليونانية لأسفار العهد القديم في تسميته في النسخة العربية بالمزامير؛ لأن في أصله العبري جاءت عند عنونة المقاطع بكلمة مزمور.
56 تفسير القرآن العظيم ٥/٨٨.
57 أخرجه أحمد في مسنده، ٨/ ٣٨٧، رقم ٨٦٦٧.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١١٩١، ٧٠٧٩.
58 أخرجه أحمد في مسنده، ٨/ ٣٨٧، رقم ٨٦٦٧.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٢٤١، رقم ١٠٥٩.
59 أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ٢٢/ ٧٥-١٨٥.
وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ١/٣١٣، ١٤٩٣.
60 تاريخ الأمم والملوك، الطبري ١/٤٧٨.
61 تفسير السمرقندي ٢/٢٧٣.
62 وهنا ذكر محمود أبو سعدة فائدة عزيزة قال: «وهذا يدلك على أن المجموع بين دفتي العهد القديم ليس كله من وحي الله عز وجل على رسله وأنبيائه، بل منه هذا وذاك، وهو يدلك أيضًا على أن معنى الوحي عند أهل الكتاب ليس هو نفس معناه عند أهل القرآن». انظر: العلم الأعجمي ٢/١٨٢.
63 انظر: العلم الأعجمي، أبو سعدة ٢/١٨٢.
64 أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٤/١١١٨.
65 أخرجه الطبري في تفسيره ١٤/٦٢٥، وابن أبي حاتم في تفسيره ٧/٢٣٣٥.
66 الجامع لأحكام القرآن ١٠/١٠٥.
67 انظر: العلم الأعجمي، أبو سعدة ٢/١٨٧.
68 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: (وآتينا داوود زبورًا)، ٤/١٦٠، رقم ٣٤١٧.
69 فتح الباري ٨/٣٩٧.
70 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ١١/٢٧٣، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٧/٨٧.
71 أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٩/٢٨٥٤.
72 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٦/١١٢.
73 انظر: الكشاف، الزمخشري ٣/٣٤١، أنوار التنزيل، البيضاوي ٢/١٧٢.
74 جامع البيان ١٨/١٢٤.
75 تفسير القرآن العظيم ١/٦٦٩.
76 الجامع لأحكام القرآن ١٦/١١٢.
77 التحرير والتنوير ١٩/٢٣٢.
78 النكت والعيون ٤/١٩٧.
79 زاد المسير ١/٣٠٠.
80 انظر: النكت والعيون، الماوردي ١/٣٢١.
81 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٩/٢٣٣.
82 انظر: المصدر السابق.
83 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٥٢.
84 لطائف الإشارات ٥/٣٢.
85 أخرجه الطبري في تفسيره عن السدي ٥/٤١٥، ونسبه لابن عباس ابن الجوزي في زاد المسير ١/٣٠٠.
86 أخرجه الطبري في تفسيره ٢٠/٤٨ عن قتادة، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٢/٤٨٠ عن الحسن.
87 أخرجه عنه ابن أبي حاتم في تفسيره ٢/٤٨٠.
88 سنن سعيد بن منصور ٧/١٧٤.
89 زاد المسير ١/٣٠٠.
90 المصدر السابق ٧/١١١.
91 المحرر الوجيز ٧/٣٣١ ونسبه لأبي العالية.
92 أخرجه عنهم الطبري في تفسيره ٢٠/٤٩-٥٠. قال السعدي في تفسيره ص٧٢٢: «من أكبر نعم الله على عبده أن يرزقه العلم النافع، ويعرف الحكم والفصل بين الناس؛ كما امتن الله به على عبده داود».
93 أخرجه عنهم جميعًا -ما عدا علي بن أبي طالب- الطبري في تفسيره ٢٠/٥٠-٥١، ونسبه إلى علي بن أبي طالب ابن عطية في المحرر الوجيز ٧/٣٣١، والقرطبي في تفسيره ١٨/١٤٩.
94 البسيط ١٩/١٧٦.
95 زاد المسير، ابن الجوزي ٧/١١٢.
96 أخرجه عنه الطبري في تفسيره ٢٠/٥١.
97 سنن سعيد بن منصور ٧/١٧٥.
98 ضعف هذا القول ابن العربي، فقال في أحكام القرآن ٤/٤٥: «لو صحّ أن داود قالها -أي أما بعد- فإنه لم يكن ذلك منه بالعربية، على هذا النظم، وإنما كان بلسانه، والله أعلم».
واستبعده ابن عاشور في التحرير والتنوير ٢٣/١٣٠ فقال: «ولا أحسب هذا صحيحًا؛ لأنها كلمة عربية، ولا يعرف في كتاب داود أنه قال ما هو بمعناها في اللغة العبرية».
99 جامع البيان ٢٠/٥٢.
100 تفسير القرآن العظيم ١/٦٦٥.
101 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/٦.
102 هو قول السدي أخرجه ابن جرير في تفسيره ٤/٤٣٦.
103 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٦٦٤.
104 انظر: الأنبياء في القرآن والكتاب المقدس، محمد عمارة ص٥٥.
105 انظر: رسالة داود وسليمان في الأسفار اليهودية، مي المدهون ص ١٦٨-١٦٩.
وأشير هنا إلى أن الموازنة فيما ذكرت عن صفات داود عليه السلام في العهد القديم والقرآن فحسب وليس لما يورد في كتب التفسير؛ لأن تلك الكتب هي التي يعتقد أهل كل ملة نسبتها إلى الله.
106 التحرير والتنوير ٢٣/٢٣٩.
107 نظم الدرر ٦/٣٧٦.
وذكرت مي المدهون أن بعض اليهود كانوا ينفون عن داود النبوة ويعتبرونه ملكًا فحسب.
108 الجامع لأحكام القرآن ١٧/٢٦٠.
109 انظر: روح المعاني، الألوسي ٢٢/٢٩.
110 انظر: المصدر السابق.
111 الكشاف ٣/٥٥٤.
112 الكشاف ٣/١٢٦.
113 جامع البيان ١٦/٣٢٨.
114 المحرر الوجيز ٦/١٨٨.
115 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ١٥/٤٣٥.
116 جامع البيان ١٩/٢١٩.
117 انظر: المحرر الوجيز ٧/١٦١.
118 جامع البيان ١٩٦/٢٢٠-٢٢١.
119 تفسير القرآن العظيم ٦/٤٩٧.
120 الجامع في أحكام القرآن ١٧/٢٦١.
121 جامع البيان ١٩/٢١٩.
122 المحرر الوجيز ٧/١٦١.
123 الجمل في النحو ص١٥٢.
124 تفسير القرآن العظيم ٦/٤٩٧. قال الشنقيطي عن هذا القول في أضواء البيان ٣/١٥٥: ساقط.
125 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، ٤/ ١٩٥، رقم ٥٨٣.
126 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب فضل نسب النبي صلى الله عليه وسلم، وتسليم الحجر عليه قبل النبوة، ٤/١٧٨٢، رقم ٢٢٧٧.
127 أضواء البيان، الشنقيطي ٣/١٥٥.
128 مما يحتمل إضافته لآيات داود، علمه منطق الطير، فقال تعالى: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [النمل:١٦].
والضمير في علّمنا يحتمل عوده على داود وسليمان عليهما السلام، ويحتمل عوده على سليمان فقط، قال البيضاوي في تفسيره ٢/١٧٣: «والضمير في علّمنا وأوتينا له ولأبيه عليهما الصلاة والسلام، أو له وحده على عادة الملوك لمراعاة قواعد السياسة».ورجح عبد الوهاب النجار في قصص الأنبياء ص٣٢٦ أن الضمير لداود وسليمان.
129 انظر: جامع البيان، الطبري ١٦/٣٢٨.
130 انظر: أضواء البيان ٣/١٥٥.
131 جامع البيان، الطبري ٢٠/٤٥.
132 المصدر السابق.
133 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ٧/٣٧٤.
134 أخرجه عنهما الطبري في تفسيره ٢٠/٤٥-٤٦.
135 أخرجه عنه الطبري في تفسيره ٢٠/٤٦.
136 انظر: زاد المسير ٧/١١١.
137 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل القرآن، باب حسن الصوت بالقراءة للقرآن ٦/ ١٩٥، رقم ٥٠٤٨ ومسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن ١/٥٤٦، رقم ٧٩٣.
138 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٢/٢٦.
139 انظر: جامع البيان، الطبري ١٩/٢٢٢.
140 أخرجه الطبري في تفسيره ١٩/٢٢٢.
141 المحرر الوجيز ٧/١٦٢.
142 الكشاف ٣/٤٥٥.
143 أخرجه عنه الطبري في تفسيره ٢٠/٤١.
144 أخرجه عنهم الطبري في تفسيره ٢٠/٤٠.
145 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التهجد، باب من نام عند السحر، ٢/٥٠، رقم ١١٣١، ومسلم في صحيحه، كتاب الصيام، باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به ٢/٨١٦، رقم ١١٥٩.
إذا علمنا أن داود عليه السلام كان كثير العبادة بما ذكر، فإن العجب يزداد ويبلغ مداه إذا استشعرنا قوته في العبادة وهو ملك، قد جمعت له من ملذات الدنيا ما طاب فيها وما لذ، ولم تشغله عن عبادته وتميزه فيها عمن سبقه ولحقه.
146 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب حق الضيف، ٨/٣١، رقم ٦١٣٤، ومسلم في صحيحه، كتاب الصيام، باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به، ٢/٨١٦، رقم ١١٥٩.
147 المحرر الوجيز ٧/٣٣٠.
148 تيسير الكريم الرحمن، ص٥٢٨.
149 الجامع لأحكام القرآن ١٧/٢٦٣.
150 أخرجه عنهما الطبري في تفسيره ١٩/٢٢٣.
151 أخرجه عنه الطبري في تفسيره ١٩/٢٢٣.
152 أخرجه عنهما الطبري في تفسيره ١٩/٢٢٣.
153 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٣/١٥٦.
154 جامع البيان ١٦/٣٢٩.
155 تفسير القرآن العظيم ٤/٤٩٨.
156 المحرر الوجيز ٧/١٦٢.
157 زاد المسير ٦/٤٣٧.
158 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٦/١٨٩، الكشاف، الزمخشري ٣/١٢٦، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٣٥٨.
159 أضواء البيان ٣/١٥٦.
160 انظر: عدد السور، ابن عبد الكافي ص٣٧٧.
161 انظر: أحكام القرآن، ابن العربي ٤/٤٧.
162 الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢/٣٠٥.
163 مفاتيح الغيب ٩/٣٨١.
164 في كتابه: القول المحمود في تنزيه داود، نقله عنه السيوطي في الإكليل ٣/١١٤٠.
165 البحر المحيط ٧/٣٧٧.
166 المصدر السابق ٧/٣٧٦.
167 مفاتيح الغيب ٩/٣٨١.
168 البحر المحيط ٧/٣٧٧.
وهو قول أبي شهبة في كتابه: الإسرائيليات ص٢٦٩.
169 عزاه له القرطبي في تفسيره ١٨/١٧٠، ومحققو الكتاب عزوه للمنهاج ٢/٥٥١- ٥٥٢.
170 المحرر الوجيز ٧/٣٣٩.
ومن ضعفه: ابن العربي في أحكام القرآن ٤/٥٥، والألوسي في روح المعاني ١٣/٢٥١.
171 الانتصاف من الكشاف، ابن المنيّر بهامش الكشاف ٤/٨٥.
172 في كتابه القول المحمود في تنزيه داود، نقله عنه السيوطي في الإكليل ٣/١١٤٠.
173 الفصل، ابن حزم ٢/٣٠٥ ومابين القوسين من الفصل.
174 انظر: الشفا بتعريف حقوق المصطفى ٢/٣٧٣.
175 عند الواحدي في البسيط ١٩/١٧٨ قال ابن عباس: هما جبريل وميكائيل.
176 الكامل في اللغة والأدب ١/٣٠٧. وممن اختار أن النعجة بمعنى المرأة في الآية، وإن اختلف تفسيرهم للقصة: الطبري في تفسيره ٢٠/٦١، والجصاص في أحكام القرآن ٣/٥٦٠، والثعلبي في الكشف والبيان ٨/١٨٩، وابن عطية في المحرر الوجيز ٧/٣٣٧، وابن العربي في أحكام القرآن ٤/٤٩، والزمخشري في الكشاف ٤/٨١، والواحدي في البسيط ١٩/١٨٢.
177 جامع البيان ٢٠/٥٨.
178 مقصود ابن عطية عدم وجود الخلاف عند المتقدمين من الصحابة والتابعين.
179 المحرر الوجيز ٧/٣٣٤.
180 البسيط ١٩/١٨٥.
181 جامع البيان ٢٠/٥٩.
182 انظر: إعراب القرآن، النحاس، ٣/٤٦١، أحكام القرآن، الجصاص، ٣/٥٦٠، أحكام القرآن، الكيا الهراسي ٤/٣٥٩، أحكام القرآن، ابن العربي ٤/٥٤، الكشاف، الزمخشري ٤/٧٨، التحرير والتنوير ٢٣/١٣٨.
183 إعراب القرآن ٣/٤٦١.
184 أخرجه عنهم الطبري في تفسيره ٢٠/٦٤-٧٥، وهو ظاهر قوله فإنه لم يعلق على المرويات، ونسب هذا القول له القاسمي في محاسن التأويل ١٤/١٥٦.
185 أخرجه الطبري في تفسيره ٢٠/٧٤.
186 الكشف والبيان ٧/١٨٦.
وحكى ابن عطية في المحرر الوجيز ٧/٣٣٥ أن ذلك الفعل كان مجرد همٍّ من داود ولم يفعله، وأن المعاتبة كانت على الهمّ.وهذا مما قد يستدرك على ابن عطية؛ لأن مصدره في أصل القول الذي اختاره ثم استدرك عليه بأنه مجرد همٍّ هو من المرويات الإسرائيلية التي رواها، وليس فيها ما يشير إلى أنه همّ من داود، فهو تحكم في المصدر دافعه تنزيه داود عن فعل ما لا يسوغ في نظر ابن عطية، والله أعلم.
187 المحرر الوجيز ٧/٣٣٥.
188 البحر المحيط ٧/٣٧٥.
189 زاد المسير ٧/١١٥-١١٧.
قال ابن الجوزي هذا القول، وقد سبق أن نقلت عنه قوله: «عن قصة نظر داود إلى المرأة عليه أكثر المفسرين». فإما أن يكون إنكاره لتفاصيل في القصة، أو أنه نقل ذلك عن أكثر المفسرين ولم يختاره.
190 مفاتيح الغيب ٩/٣٧٧.
191 الكشاف ٤/٧٨.
192 أحكام القرآن ٤/٥٤.
193 أحكام القرآن ٣/٥٦٠.
194 روح المعاني ٢٣/٢٦٠.
195 تفسير القرآن العظيم ٧/٦٠.
196 تيسير الكريم الرحمن ص٧١١.
197 أحكام القرآن ٤/٥١.
198 مفاتيح الغيب ٩/٣٧٨.
199 المصدر السابق ٩/٣٧٩.
200 المصدر السابق ٩/٣٨٠.
201 القصص القرآني، صلاح الخالدي ٣/٤٥٢.
202 أحكام القرآن ٤/٥٤.
203 تفسير القرآن العظيم ٧/٦٠.
204 محاسن التأويل ١٤/١٥٦.
205 المصدر السابق.
206 جامع البيان، الطبري ٢٠/٦٤.
207 هو قول ابن جرير في تفسيره ٢٠/٦٤ وقيل غير ذلك، فالخلاف موجود كما ذكر ابن عاشور في التحرير والتنوير ٢٣/٢٤٠.
208 أحكام القرآن ٤/٥٧.
209 انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية ٢٣/١٤٥.
210 لسان العرب، ابن منظور ١/٢١٩.
211 أخرجه عنهما الطبري في تفسيره ٢٠/٤٢.
212 أخرجه عنه الطبري في تفسيره ٢٠/٤٢.
213 أخرجه عنه الطبري في تفسيره ٢٠/٤٣.
214 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٨/١٤٤.
215 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٥٧.
ونلاحظ أن قول ابن كثير هذا ينسجم مع ما ذهب إليه في قصة دخول الخصمين على داود، فجعل القول عامًّا؛ كونه لم يربطه بفتنة المرأة أو غيره.
216 أخرجه عنه الطبري في تفسيره ٢٠/٧٦، وهو اختيار ابن عطية في المحرر الوجيز ٧/٣٤٢.
217 أنوار التنزيل ٢/٣١٠.
218 التحرير والتنوير ٢٣/١٤٠.
219 المصدر السابق ٢٣/١٣٦.
220 تيسير الكريم الرحمن ص٧١١.
221 التحرير والتنوير ٢٣/١٣٢.
222 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٨/١٥٩.
223 المصدر السابق ١٨/١٧٣.
224 تيسير الكريم الرحمن ص٧١١.
225 التحرير والتنوير ٢٣/١٣٤.
226 متك الذباب: أنف الذباب، وقيل ذكره. انظر: لسان العرب، ابن منظور ١٠/٤٨٥.
227 روح المعاني ٢٣/٢٤٦.