عناصر الموضوع
الخسران
أولًا: المعنى اللغوي:
هي صيغة مبالغة من لفظة خسر: «الخاء والسين والراء أصل واحد، يدل على النقص، فمن ذلك الخسر والخسران، كالكفر والكفران، والفرق والفرقان، ويقال: خسرت الميزان وأخسرته، إذا نقصته»1.
والخسر والخسران انتقاص رأس المال، وينسب ذلك إلى الإنسان فيقال: خسر فلان، وإلى الفعل فيقال: خسرت تجارته2.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
عرّفه الشنقيطي قائلًا: «والخسران في اصطلاح الشرع: هو غبن الإنسان في حظوظه من ربه جل وعلا ؛ لأن الإنسان إذا غبن في حظوظه من ربه جل وعلا فقد خسر الخسران المبين»3.
ومن خلال المعنى اللغوي السابق، ومعاني الآيات التي وردت فيها لفظة الخسران يمكن أن يقال في التعريف الاصطلاحي لكلمة الخسران: «هو ضلال السعي وفقدان الأموال والأهل في الدنيا والآخرة، والوقوع في الهلاك والضلال»، أو «هو فقدان الأعمال والأموال والأهل والأجر والثواب في الدنيا والآخرة، بسبب ضلال السعي والانحراف عن دين الله».
ورد الجذر (خ س ر) في القرآن الكريم (٦٥) مرة4.
والصيغ التي جاءت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
١٥ |
(ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [النساء:١١٩] |
الفعل المضارع |
٣ |
(ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [الجاثية:٢٧] |
المصدر |
٩ |
(ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) [العصر:٢] |
اسم فاعل |
٣٤ |
( ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [الزمر:١٥] |
اسم تفضيل |
٤ |
(ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [النمل:٥] |
وجاء الخسران في القرآن على خمسة أوجه5:
الأول: النقص، ومنه قوله: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ) [المطففين:٣] أي: ينقصون.
الثاني: الغبن، ومنه قوله تعالى: ( ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [الزمر:١٥] أي: الغبن المبين.
الثالث: العجز، ومنه قوله تعالى: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [يوسف:١٤] أي: إذًا لعجزة.
الرابع: الضلال، ومنه قوله تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [النساء:١١٩]أي: ضل ضلالًا مبينًا.
الخامس: العقوبة، ومنه قوله تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ) [الزمر:٦٥]. أي: في العقوبة.
الضلال:
الضلال لغة:
مصدر (ضلّ)، والذي يعني الضياع والذهاب والغياب، وكل من زاغ عن المطلوب والقصد يسمى (ضالًّا)، و(يضلّ ويضلّ) لغتان عند العرب6.
الضلال اصطلاحًا:
«كل عدول عن النهج عمدًا أو سهوًا قليلًا كان أو كثيرًا»7.
الصلة بين الضلال والخسران:
العدول عن الطّريق المستقيم يبعد المرء عن الوصول لمقصده أكثر فأكثر، وبالتالي لا يحقق المرء غايته أبدًا، وهذا من الخسران.
الفلاح:
الفلاح لغة:
«الفاء واللام والحاء أصلان صحيحان، أحدهما يدل على شق، والآخر يدل على فوز وبقاء، فلح فلاحًا: ظفر بما يريد»8.
الفلاح اصطلاحًا:
اسمٌ جامع للظّفر بالمطلوب، والنّجاة من المرهوب9.
الصلة بين الفلاح والخسران:
العلاقة بينهما التضاد؛ إذ الضلال العدول عن الطريق المستقيم، والابتعاد عن الوصول للمقصود والغاية، وأما الفلاح فهو الظفر بالمطلوب.
معلوم أن أسباب الخسران عديدة، وأحببنا أن نبرزها ونوضحها من أجل أخذ الحيطة والحذر من الوقوع فيها؛ وذلك لأجل النجاة يوم القيامة من عذاب الله، والفوز برضوانه والجنة، ولم لا نكون مثل حذيفة بن اليمان الذي كان يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الشر، مخافة أن يصيبه؟ فقد روى أبو إدريس الخولاني أنّه سمع حذيفة بن اليمان رضي الله عنه يقول: (كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم. قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم. قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم) 10.
وسوف نورد هذه الأسباب في النقاط الآتية:
أولًا: الكفر بالله تعالى:
حياة الإنسان قائمة في الحياة الدنيا على الإيمان بالله بكل ما أمرنا به، ونهانا عنه، ومن يحقق الإيمان فقد نجا وفاز يوم القيامة بالجنة ورضوان الله، وأما من يكفر بالله، ويجحد بالإيمان فقد باء بغضب من الله، وضل ضلالًا بعيدًا، لقوله تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [النساء:١٣٦].
وقوله تعالى ﭐأيضًا: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [العنكبوت:٥٢].
فأي خسران بعد خسران الإيمان؟! إنه أعظم مصيبة على الناس في هذا الوجود؛ فالكفر والإشراك بالله يعدّ من أعظم الكبائر التي حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم منها، فعن أنس رضي الله عنه قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أعظم الكبائر فقال: (الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، وشهادة الزور)11.
ويعدّ ذلك أيضًا من السبع الموبقات التي تلقي صاحبها في نار جهنم، وبهذا باء بالخسارة في الآخرة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله!، وما هن؟ قال: الشرك بالله..)12.
ولكن من يكفر بالله وينكر وجوده ولقاءه يوم القيامة فقد خسر خسرانًا مبينًا؛ لأنه كفر بأهم ركن، ألا وهو الإيمان بالله وبلقائه؛ لقوله تعالى: ﭐ(ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [الأنعام:٣١].
وقوله تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [السجدة:١٠]؛ وبهذا خسروا الدنيا والآخرة؛ لأنهم لم يعملوا ليوم البعث وكفروا به، وقصروا أمرهم على الحياة الدنيا، فضيّعوا أنفسهم وحظهم من الآخرة؛ لقوله تعالى: ﭐ(ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [الزمر:٦٥].
وبهذا فقد بطلت وخابت كل الأعمال التي يقوم بها الكافر، حيث لا تنفع صاحبها يوم القيامة؛ لقوله تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [النور:٣٩].
وسوف يتناول البحث الآيات التي تبيّن الخسران الذي يناله هؤلاء الكافرون بربهم، وذلك فيما يأتي.
قال تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [البقرة:١٢١].
وأشار الطبري إلى اختلاف أهل التأويل في الذين عناهم الله جل ثناؤه بقوله:(ﭴ ﭵ ﭶ) فقال بعضهم: هم المؤمنون برسول الله صلى الله عليه وسلم وبما جاء به، ذكر ذلك عن قتادة في قوله: (ﭴ ﭵ ﭶ) قال: هؤلاء أصحاب نبي الله صلى الله عليه وسلم آمنوا بكتاب الله وصدّقوا به.
وقال آخرون: بل عنى الله بذلك علماء بني إسرائيل الذين آمنوا بالله، وصدّقوا رسله، فأقرّوا بحكم التوراة، فعملوا بما أمر الله فيها من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم والإيمان به، والتصديق بما جاء به من عند الله، ذكر ابن زيد في قوله: (ﭴ ﭵ ﭶ) قال: من كفر بالنبي صلى الله عليه وسلم من يهود فأولئك هم الخاسرون.
ورجّح الطبري هذا القول، مستدلًّا بأن الآيات قبلها مضت بأخبار أهل الكتابين، وتبديل من بدل منهم كتاب الله، وتأويلهم إياه على غير تأويله، وادّعائهم على الله الأباطيل، ولم يجر لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في الآية التي قبلها ذكر، فيكون قوله: (ﭴ ﭵ ﭶ) موجهًا إلى الإخبار عنهم، وليس لهم بعدها ذكر في الآية التي تتلوها، وبالتالي فالذي هو أولى بمعنى الآية أن يكون موجهًا إلى أنه خبر عمن قصّ الله جل ثناؤه في الآية قبلها والآية بعدها، وهم أهل الكتابين: التوراة والإنجيل13.
وأما قوله: (ﭷ ﭸ ﭹ) فقال بعضهم: معنى ذلك: يتبعونه حق اتباعه، وقال آخرون: يقرءونه حق قراءته.
والمعنى: الذين آتيناهم الكتاب يا محمد من أهل التوراة الذين آمنوا بك وبما جئتهم به من الحق من عندي، يتبعون كتابي الذي أنزلته على رسولي موسى صلوات الله عليه فيؤمنون به، ويقرون بما فيه من نعتك وصفتك، وأنك رسولي، فرض عليهم طاعتي في الإيمان بك، والتصديق بما جئتهم به من عندي، ويعملون بما أحللت لهم، ويجتنبون ما حرمت عليهم، ولا يحرفونه عن مواضعه، ولا يبدّلونه، ولا يغيّرونه عما أنزلته عليهم بتأويل ولا غيره، وقيل: مراعاة اللفظ عن التحريف، والتدبر في معناه، والعمل بمقتضاه14.
وأما قوله تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ) أي: هؤلاء الذين أخبر عنهم يتلون ما آتاهم من الكتاب حق تلاوته، فيصدّقون به، ويذعنون لما أمر به ونهى عنه، ويعملون بموجبه، وهؤلاء من الذين قال الله تعالى فيهم: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [آل عمران:١١٣-١١٥].
وقال أيضًا: ﭐ(ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [القصص:٥٢-٥٤].
هذا التفسير على أساس أن الكتاب، هو كتاب أهل الكتاب الذي آمنوا به ولم يحرّفوه عن مواضعه، ولم يكتبوه بأيديهم، ويلووا به ألسنتهم، ويقولوا هو من عند الله، وما هو من عند الله.
ولكن من المفسرين من قالوا: إنه القرآن الكريم، وإطلاق اسم الكتاب عليه من غير ذكر أنه القرآن؛ للدلالة على كماله وأنه لا يماثله من الكتب كتاب، ولو كان سماويًّا؛ لأنه الكتاب الكامل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه15.
وأما قوله تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [البقرة:١٢١] أي: ومن يكفر بهذا ويجحد بما أنزل إليك، وينكر البشارة فيك، وذلك بتحريف كتبهم لتوافق أهواءهم، ويجحد بآياته وإنكار أحكامه، وما فيه من فرائض الله، أولئك هم الذين خسروا علمهم وعملهم، فبخسوا أنفسهم حظوظها من رحمة الله، واستبدلوا بها سخط الله وغضبه.
وقيل: (ﮁ ﮂ ﮃ) أي: الضالون الهالكون الذين خسروا سعادة الدنيا، ونعيم الآخرة؛ ذلك لأنهم اشتروا الضلالة بالهدى والكفر بالإيمان، وقيل: بتجارتهم التي كانوا يعملونها بأخذ الرشا على التحريف، وحكم سبحانه عليهم بالخسران مؤكدًا بضمير الفصل «هم»، وبالجملة الاسمية16.
وقوله: (ﮁ ﮂ ﮃ) أي: المغبونون في صفقتهم؛ حيث اشتروا الكفر بالإيمان، والآية من قبيل المجادلة بالتي هي أحسن، حيث لم يصرح بنسبة الإيمان بالباطل، والكفر والخسران إليهم، بل بالإبهام17.
وهناك الكثير من الآيات والأحاديث الدالة على خسران هؤلاء الكافرين في الدنيا والآخرة، والمحذرة من الكفر بالله سبحانه وتعالى.
فمن ذلك قوله تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [يونس:٤٥].
وقوله: ﭐ(ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [غافر:٨٥].
وقوله أيضًا: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [العنكبوت:٥٢].
قال سيد قطب: «الخاسرون على الإطلاق، الخاسرون لكل شيء، الخاسرون للدنيا والآخرة، الخاسرون لأنفسهم وللهدى، والاستقامة، والطمأنينة، والحق والنور.
إن الإيمان بالله كسب، كسب في ذاته، والأجر عليه بعد ذلك فضل من الله، إنه طمأنينة في القلب، واستقامة على الطريق، وثبات على الأحداث، وثقة بالسند، واطمئنان للحمى، ويقين بالعاقبة، وإن هذا في ذاته لهو الكسب؛ وهو الذي يخسره الكافرون»18.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: (الطهور شطر الإيمان)، وفي آخر الحديث (كل الناس يغدوا، فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها)19.
ثانيًا: التكذيب:
إن التكذيب والجحود سواء أكان بالله أم بآياته أم برسله أم بالبعث من أقبح أنواع التكذيب، وهو سبب رئيس للخسران في الدنيا والآخرة، ونبين خطورة هذا السبب فيما يأتي:
١. التكذيب بالله تعالى.
إن التكذيب بالله تعالى وعدم طاعته فيما أمر لهو أكبر خسران يناله الإنسان في حياته.
أما أولئك الذين حسبوا أنهم خلقوا لغير طاعة ولا عبادة، فينكر الله عليهم ذلك بقوله: ﭐ(ﭐﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [المؤمنون: ١١٥-١١٦].
وإن ترك العبادة والطاعة لله يوقع الإنسان في خسران لا يحمد عقباه في العاجل والآجل.
قال تعالى: ﭐ(ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [الطلاق:٨-٩].
يخبر الله سبحانه وتعالى في هذه الآية عن كثير من أهل القرى الذين خالفوا أمر ربهم، يعني: أبت وعصت عن أمر ربها، وقيل: العتو المعصية، وقيل: العتو مجاوزة الحد في المعصية، وقيل: أعرضت عنه على وجه العتو والفساد، وقيل: تمردت وطغت واستكبرت عن اتباع أمر الله ومتابعة رسله، فكذّبوهم ولجوا في طغيانهم يعمهون.
فحاسبها الله حسابًا عسيرًا، أي: جازاها الله بعملها، ويقال: حاسبناها في الآخرة حسابًا شديدًا، وقيل: بالاستقصاء والمناقشة، وعذّبها عذابًا نكرًا، وعبّر بالماضي عن المستقبل: دلالة على التحقيق20.
ثم بيّن الله سبحانه وتعالى أن هذا جزاء ما كسبت أيديهم، فقال: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) أي: فجنت ثمار ما غرست أيديها، ولا يجنى من الشر إلا الشر، كما جاء في أمثالهم: «إنك لا تجني من الشوك العنب»21، «فكان عاقبة أمرها الخسران والنكال الذي لا يقدر قدره»22.
وقيل: «المراد: حساب الآخرة وعذابها، وما يذوقون فيها من الوبال، ويلقون من الخسر»23.
٢. التكذيب بآيات الله.
إذا أردنا التعرف على المقصود بآيات الله، ترى هل يقصد بها كلام الله الموحى به إلى رسله ليبلغوا عنه شرعه ودينه عليهم الصلاة والسلام فقط؟
لا شك أن هناك معنى آخر للآيات، فإن آيات الله قد تشمل العلامات، والأدلة، والبراهين التي أبرزها الله لعباده من أجل هدايتهم؛ لقوله تعالى: ﭐ(ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [فصلت:٥٣].
ولكن هناك من ختم الله على قلوبهم فجحدوا بهذه الآيات، وكفروا بها، بل أنكروها وكذبوا من أتى بها أو أبرزها لهم؛ لقوله تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [الأنعام:٤].
وقوله تعالى: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [الأنعام:٢٥].
فكانت عاقبتهم الضياع والهلاك، بخسران أنفسهم وأهليهم، وخسران كل شيء من رحمة الله، ومغفرته، والفوز بجنته يوم القيامة؛ لقوله تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [آل عمران:٤].
وقوله تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [آل عمران:١٩].
وسنتناول الآيات التي تبرز الخسران الذي سوف ينالونه من وراء كفرهم بآيات الله، وذلك فيما يأتي.
قال تعالى: ﭐ(ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [يونس:٩٥].
الخطاب في هذه الآية موجه للنبي صلى الله عليه وسلم، لكن المراد به غيره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم على يقين مما جاء به أنه الحق، فبعد أن اشتد الموقف وتأزم في مكة بعد حادثة الإسراء، وبعد وفاة خديجة رضي الله عنها، وأبي طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، واشتداد الأذى على الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه، وبعد تعثر الدعوة في مكة بسبب عناد قريش.
فبعد هذا كله يوجّه الله سبحانه خطابه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأن لا يكون من الشاكّين في صحة الإسلام، وأنه الدين الحق الذي يأبى الله إلا أن يظهره على الدين كله، ولو كره المشركون.
قال تعالى : (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [يونس:٩٤].
وقوله: (ﯭ ﯮ ﯯ) نفسًا وعملًا، وهذا كله من باب التهييج والتثبيت، وقطع أطماع المشركين عنه، وقيل: «المراد ممن عنده شك وارتياب، وقد كان الناس في أول عصر النبي صلى الله عليه وسلم على ثلاث فرق: مصدّقين، ومنكرين، ومتوقفين، فخاطبهم الله تعالى بهذا الخطاب»24.
ومن الآيات الدالة على خسارة الكافرين المكذّبين بآيات الله، قوله تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [الزمر:٦٣].
٣. التكذيب برسل الله.
إن التصديق برسل الله والإيمان بهم جميعًا هو ركن من أركان الإيمان، والتكذيب بهم ينفي الإيمان.
قال تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [يس:٣٠].
وقال أيضًا: ﭐ(ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [التوبة:٦٥-٦٦].
فكل من وقع في الاستهزاء برسل الله وكذبهم في رسالتهم، لا شك أنه سيخسر خسرانًا مبينًا بدخول جهنم، وبئس المصير.
قال تعالى: ﭐ(ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [الكهف:١٠٦].
وقد ذكر الله ذلك الخسران لهؤلاء المستهزئين بشكل واضح وصريح في قوله تعالى: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الأنعام:١٠-١٢].
يخبر الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عن أهل الكفر الذين كثيرًا ما سخروا من قبل بالرسل السابقين، وهذا من باب التسلية للنبي صلى الله عليه وسلم، لما كان فيه من بلاء وابتلاء، فقد ابتلي من المشركين بالإنكار والمعاندة، وطلب الآيات المعجزات، ولا يقصدون بذلك إلا المهاترة، وقد سبق إنكارهم كلّ دليل يساق إليهم، فابتلى الله النبي صلى الله عليه وسلم باستهزائهم والسخرية منه، وقد أكد الله سبحانه وتعالى الاستهزاء بالرسل بـ(قد) وبـ(اللام) في قوله: ﭐ(ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ).
وبسبب هذا الاستهزاء نزل ما نزل من عذاب بأمر الله، وبأيدي المؤمنين حيث أحاط بهم الأثر المؤلم بسبب سخريتهم 25.
«ثم يأمر الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يقول لهؤلاء المستهزئين: سافروا في الأرض، وانظروا آثار من كان قبلكم لتعرفوا ما حل بهم من العقوبات، وكيف كانت عاقبتهم بعد ما كانوا فيه من النعيم العظيم الذي يفوق ما أنتم فيه، فهذه ديارهم خاربة، وجناتهم مغبرة، وأراضيهم مكفهرة، فإن كانت عاقبتهم هذه العاقبة فأنتم بهم لاحقون، وبعد هلاكهم هالكون»26.
وقوله: ﭐ(ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ).
جعل الله الكفر في هذه الآية نتيجة للخسران، فالخسران بدايته، والكفر نهايته، أو هما متلازمان، فالخسران سابق ولاحق؛ لأنه يترتب على الكفر خسران متضافر.
والخسران الذي يسبق الكفر، هو خسران الفطرة، فلا يكفر بالدليل القاطع إلا بخسران فطرته، وخسران الإدراك السليم، وخسروا عقولهم إذ سيطرت الأوهام عليهم، وخسروا نفوسهم فصارت معوجة، وخسروا قلوبهم فصارت مظلمة، وإذا كانت كل مداركهم قد سدّت فهم لا يؤمنون؛ لأن الإيمان يحتاج إلى قلب مخلص، وعقل مدرك، وإذعان للحق إذا بدت معالمه، وظهرت أماراته.
(ﮎ ﮏ ﮐ) عبر بالمضارع للإشارة إلى أنهم لا يكون الإيمان شأنًا من شئونهم على الدوام؛ ذلك لأن من امتلأت نفسه بالأوهام، وصارت عشًّا لها، وضلت عقولهم لا يمكن أن تذعن لشيء، بل هي دائمًا مضطربة حائرة تنتقل من ضلال إلى ضلال 27.
٤. التكذيب بالبعث.
يؤمن المسلم بأن لهذه الحياة الدنيا ساعة أخيرة تنتهي فيها، ويومًا آخرًا ليس بعده من يوم، ثم تأتي الحياة الثانية في الدار الآخرة، فيبعث الله سبحانه الخلائق بعثًا، ويحشرهم إليه جميعًا ليحاسبهم، فيجزي الأبرار بالنعيم المقيم في الجنة، ويجزي الفجّار بالعذاب المهين في النار28.
ولكن هناك من ينكر البعث، ويكفر به، معتقدًا أن الحياة الدنيا هي الحياة الباقية، ولا حياة أخرى بعدها.
قال تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [التغابن:٧].
إنهم أخطأوا فيما اعتقدوه؛ لأن الأدلة والبراهين تثبت بأن هناك حياة أخرى، يحاسب الإنسان فيها على أعماله في الحياة الدنيا، وأنها هي الحياة الباقية الدائمة بعد الحياة الزائلة؛ لقوله تعالى: ﭐ(ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [الزلزلة:١-٨].
ومن أصر على كفره وجحوده بالبعث فقد خسر خسرانًا مبينًا.
قال تعالى: ﭐ(ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [الأنعام:٣١].
تصور لنا هذه الآية مشهدًا من مشاهد يوم القيامة للكافرين الذين يكذبون باليوم الآخر، وينكرونه، ألا وهو يوم الحساب والجزاء، وبهذا خسروا كل ما ربحه المؤمنون من فوز وثواب لتفريطهم في طاعة الله وعمل الخير؛ فكانوا كالحيوان الذي يعيش ليأكل وليس له غاية أسمى وأعظم من ذلك، فيفقد كل المعنويات العالية، ولأنه يرتع في الشهوات الموبقة؛ ولأنه يكون في تناحر مستمر، إذ لا يخشى الله ولا يرهب عقابه، وأخيرًا يخسر رضوان الله وجنته، ويتلقى العذاب الذي يقع عليه يوم تقوم الساعة 29.
«وقد وصفوا بالخسران؛ لأنهم باعوا الإيمان بالكفر، فعظم خسرانهم في ذلك البيع»30.
وقوله: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) أي: حتى فوجئ الكافرون بالساعة، أي: الوقت الذي تقوم فيه القيامة، والتي لا يعلم أحد مجيئها غيره سبحانه وتعالى.
فإن قيل: الساعة تجئ من غير علم بوقتها للجميع، فكيف تكون بغتة للذين كذبوا بلقاء الله دون غيرهم.
الجواب على ذلك: إن الذين آمنوا بلقاء الله تعالى يتوقعونها، وإن لم يعلموا بوقتها، أما الذين كذّبوا فهم يكفرون بها فيفاجئون بها، وإن الذين آمنوا يرجون لقاء ربهم، ويرجون رحمته، وأما الذين كفروا بلقاء الله تعالى فلا رجاء عندهم.
وقد عبّر عن قيام الساعة واليوم الآخر بلقاء الله تعالى، تشريفًا لذلك اليوم، وفيه ترغيب في الإيمان باللقاء، وترهيب من تكذيبه، وسميت القيامة ساعة؛ لأنها تحمل أشد الأهوال؛ ولأنها فاصلة بين نوعين من الحياة، حياة فانية وأخرى باقية، حياة عمل، وحياة جزاء31.
وقيل: «لأنها تفاجئ الناس بغتة في ساعة لا يعلمها أحد إلا هو تعالى»32.
(ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) يعني: منكري البعث، وهم كفار قريش، ومن سلك سبيلهم في الكفر والاعتقاد، فقالوا: يا ندامتنا ويا حسرتنا على ما قصرنا في الحياة الدنيا؛ إذ لم نكتسب من الاعتقادات والأخلاق والأعمال ما ينجينا، أو على ما فرطنا في شأنها، ومراعاة حقها، والاستعداد لها، بالإيمان بها، واكتساب الأعمال الصالحة، وعلى ما فاتنا من تهذيب الأخلاق المهيئة للسباق، ولا خسران أعظم من هذا»33.
ثالثًا: فعل المحرمات:
حذّرنا الله سبحانه وتعالى من ارتكاب المحرمات وفعلها، وذلك كالزنا وشرب الخمر واللواط والقتل والربا؛ لأنها سبب في خسران الإنسان لدنياه وآخرته، وفي نيل غضب الله وسخطه، فلابد من إبرازها وتوضيحها لأخذ الحيطة والحذر من الوقوع فيها؛ وذلك لأجل النجاة يوم القيامة من عذاب الله، والفوز برضوانه والجنة.
وسوف نورد -إن شاء الله- بعضًا من هذه المحرمات بصورة مختصرة وبيان الخسران المترتب على فعلها وارتكابها.
١. قتل النفس.
إن الإسلام حفظ للنفس الإنسانية حرمتها، إذ أعلى من شأن الإنسان لمجرد آدميته، فقال تعالى: ﭐ(ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [الإسراء:٧٠].
وعلى قدر ما أعلى الإسلام من قدر الإنسان، فإنه اشتد في النكير على من يعتدي على حياته بغير حق، فجعل الله قتل النفس الواحدة بمثابة قتل الناس جميعًا؛ لقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [المائدة:٣٢].
ولم يأت القرآن بوعيد أشد من الوعيد الذي أنذر به قاتل النفس المؤمنة، فقال تعالى: ﭐ(ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [النساء:٩٣].
ولقد جاءت السنة النبوية بأحاديث عديدة، ترفع من شأن النفس البشرية، وفيها من الكشف عن فظاعة العدوان على الدماء البريئة ما يريع المشاعر، ويقرع القلوب قرعًا، حتى اعتبرت أن الدنيا كلها أهون عند الله من قتل نفس إنسانية، تقتل بغيًا بغير حق، عن عبدالله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم بغير حق) 34.
قال تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [الأنعام:١٤٠].
فهذه الآية تبين لنا الخسارة التي ينالها الإنسان في الدنيا والآخرة لكونه ارتكب جريمة شنعاء، ألا وهي قتل الأولاد بغير ذنب، وهي نفس حرم الله قتلها بغير حق.
يقول محمد رضا: «هذه الآية حكمت على مشركي العرب حكمًا حقًّا وعدلًا، وهو أنهم خسروا بقتل أولادهم وبوأد البنات، خسرانًا يستلزم خسران كلّ ما كان يرجى من فوائدهم من العزة والنصرة، والبر والصلة والفخر والزينة، والسرور والغبطة، كما يستلزم خسران الوالد القاتل لعاطفة الأبوة ورأفتها، وما يتبع ذلك من القسوة والغلظة والشراسة، وغير ذلك من مساوئ الأخلاق التي يضيق بها العيش في الدنيا، ويترتب عليها العقاب في الآخرة، ولذلك علّل هذا الجرم بسفه النفس، وهو اضطرابها وحماقتها، وبالجهل أي عدم العلم بما ينفع ويضر، وما يحسن ويقبح.
ثم بعد هذا بيّن أنهم حرّموا ما رزقهم الله من الطيبات، وهذا سفه وجهل أيضًا... ثم بيّن نتيجة الأمرين؛ بأنهم قد ضلوا فيهما وما كانوا مهتدين إلى شيء من الحق والصواب من طريق العقل ولا من طريق الشرع، ولا من منافع الدنيا، ولا من سعادة الآخرة»35.
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن عكرمة في الآية أعلاه قال: «نزلت فيمن كان يئد البنات من مضرٍ وربيعة، كان الرجل يشترط على امرأته أنك تئدين جارية (أي: بنتًا)، وتستحيين (أي: تبقين) أخرى، فإذا كانت الجارية التي توأد غدا من عند أهله أو راح وقال: أنت عليّ كأمي (أي: محرمة) إن رجعت إليك ولم تئديها، فترسل إلى نسوتها فيحفرن لها حفرة فيتداولنها بينهن، فإذا بصرن به مقبلًا دسسنها في حفرتها، وسوّين عليها التراب (أي: وهي حية)، وهذا هو الوأد»36.
وقيل: هؤلاء الذين صنعوا هذه الأفاعيل قد خسروا في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا: فخسروا أنفسهم وأولادهم بقتلهم، وضيقوا عليهم في أموالهم، فحرموا أشياء ابتدعوها من تلقاء أنفسهم، وخسروا عقولهم، وأزواجهم، وخسروا الكرامة التي جعلها الله لهم بإطلاقهم من العبودية لغيره، وأسلموا أنفسهم لربوبية العبيد؛ حين أسلموها لحاكمية العبيد، أما في الآخرة، فيصيرون إلى شر المنازل بكذبهم على الله وافترائهم 37.
ومعلوم عن المؤمن أنه يسمع ويطيع أوامر الله جميعًا بدون جدال ولا تهاون؛ لأنه أحرص ما يكون على مضاعفة حسناته وتكثيرها؛ لأنها السبيل إلى دخول الجنة والنجاة من النار، أما غيره فهو متهاون في الاستجابة لأوامر الله، وبالتالي تخف موازين حسناته، وذلك مدعاة إلى أن يخسر آخرته، ويبوء بسخط الله وعذابه، وذلك هو الخسران المبين؛ لقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [النساء:٨٠].
وقد بيّن الله في كتابه العزيز الخسران المبين لمن لا يستجيب لأوامره في قوله تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [البقرة:٢٧].
(ﭐﯕ ﯖ ﯗﲦ): والفساد في الأرض ألوان شتى، تنبع كلها من الفسوق عن كلمة الله، ونقض عهد الله، وقطع ما أمر الله به أن يوصل.
ورأس الفساد في الأرض هو الابتعاد عن منهجه الذي اختاره ليحكم حياة البشر ويصرفها، وإن الهدم والشر والفساد حصيلة الفسوق عن طريق الله، ومن ثم يستحق أهله أن يضلهم الله بما يهدي به عباده المؤمنين38.
(ﯙ ﯚ ﯛ): أي: الهالكون، بحرمان الله إياهم من رحمته لكفرهم ومعصيتهم إياه وارتكاب ما نهى عنه39.
ذكر الرازي في كتابه: «أن معنى (ﯙ ﯚ ﯛ) أي: في تجارتهم حيث باعوا الشريف الباقي بالخسيس الفاني، وقيل: هم الخاسرون في إنكار ما قال به رسول الله صلى الله عليه وسلم من التوحيد والبعث» 40.
٢. الإلتهاء بالأموال والأولاد عن ذكر الله.
وأما بالنسبة للأولاد، فالله يمنح الإنسان أولادًا ليكونوا له زينة في الحياة الدنيا.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [الكهف:٤٦].
قال ابن تيمية: «وما كان ملهيًا وشاغلًا عما أمر الله تعالى به من ذكره والصلاة له فهو منهي عنه، وإن لم يكن جنسه محرمًا: كالبيع، والعمل في التجارة، وغير ذلك»41.
والأموال والأولاد ملهاة ومشغلة إذا لم يستيقظ القلب، ويدرك غاية وجوده، ويشعر أن له هدفًا أعلى يليق بالمخلوق الذي نفخ الله فيه من روحه، فأودع روحه الشوق إلى تحقيق بعض صفاته الإلهية في حدود طاقته البشرية، وقد منحه الأموال والأولاد ليقوم بالخلافة في الأرض لا لتلهيه عن ذكر الله، وذكر الأموال والأولاد في الآية؛ لأنها أرغب الأشياء، وإن ألهته عن ذكر الله (ﯙ ﯚ ﯛ) أي: خسروا آخرتهم وفضلوا دنياهم عليها، فضلوا الدنيا، وهي العاجلة الفانية على الآخرة، وهي الآجلة الباقية، خسروا كل شيء، مهما يملك من أموال ومن أولاد42.
وقال تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [نوح:٢١].
إذًا لا فائدة من كثرة الأموال والأولاد؛ لأنها لن تغني الإنسان من الله شيئًا ومن عذابه وخسرانه في الدنيا والآخرة؛ لقوله تعالى: ﭐ(ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [المجادلة:١٧].
الأصل في المؤمن أنه وقّاف عند حدود الله، فلا يحلّ إلا ما أحلّ الله، ولا يحرّم إلا ما حرّم الله، لكن إن تنكب الطريق، وسار في درب معوج، فوقع في محارم الله، وتنكر لما شرع الله افتراءً على الله، فهؤلاء قد باءوا بسخط من الله؛ لأنهم ضلّوا الطريق إلى الله، فيخسروا أعمالهم في الدنيا والآخرة خسارة تقودهم إلى جهنم وبئس المصير.
٣. الصد عن سبيل الله.
وهذه مشكلة واقعية قديمًا وحديثًا، وإن أعداء هذا الدين، يتربصون الدوائر بالإسلام والمسلمين، ويترصدون المسلمين في كل مكان؛ ليصدوهم ويفتنوهم عن دين الله، فبدأ هذا الصراع منذ بدء الخليقة، ومع كل الأنبياء، واستمر عبر العصور والأجيال حتى يومنا هذا، فهذه إذن طبيعة الدعوات وطريق النبوات43.
قال تعالى: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [هود:١٩-٢٢].
يوضح الله سبحانه وتعالى في هذه الآية جناية هؤلاء الذين استوجبوا بها النار فقال: (ﭐﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) أي: يصرفون أنفسهم وغيرهم عن الدين الإسلامي، ويبغون أن تصير سبيل الله عوجاء، كما يهوون ويشتهون، فهم يريدون من الإسلام أن يبيح لهم المحرمات من الربا، والزنا، والسفور، ويريدون من الإسلام أن يأذن لهم في عبادة القبور، والأشجار، والأحجار إلى غير ذلك، ويضاف إلى هذا ذنب أعظم وهو كفرهم بالدار الآخرة، منكرين للبعث والنشور، فقد جمعوا بين الضلال والإضلال44.
ثم بعد ذلك يبيّن الله حال هؤلاء المشركين في الآخرة؛ بأنهم استقروا في دار الشقاء، فخسروا كل شيء حتى أنفسهم بدخولها نار جهنم -والعياذ بالله-وخسروا سعادة الدنيا والآخرة، باشتراء الضلالة بالهدى، وياله من خسران مبين! وشقاء واضح!، وضاع وغاب عنهم ما كانوا يزعمون أن لهم شركاء، وأنهم يشفعون لهم وينصرونهم.
ثم يؤكد الله سبحانه وتعالى في قوله تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) أنهم الأكثر خسرانًا من غيرهم؛ لأنهم أضافوا إلى جريمة كفرهم، جريمة تكفير غيرهم ممن كانوا يدعونهم إلى الضلال، ويصدونهم عن الإسلام سبيل الهدى والنجاة من النار، وبهذا كانوا أخسرين، أي: شديدي الخسارة؛ لأنهم قد اجتمع لهم من أسباب الشقاء والعذاب ما اقترفته الأمم الضالة، ولأنهم شقوا من حيث كانوا يحسبونه سعادة.
قال تعالى: ﭐ(ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [الكهف:١٠٣-١٠٤].
وبهذا اجتمعت لهم خسارة الدنيا والآخرة45.
٤. طاعة الشيطان.
وإن اتباع الشيطان وطاعته من أشد الأمور عداوة لله؛ ذلك أن الشيطان هو عدو الله في الأرض الذي رفض أمر الله بالسجود لآدم يوم خلقه الله، فطرده الله من رحمته ولعنه إلى يوم الدين، وقد أخذ الشيطان على عاتقه، وأقسم بعزة الله أن يغوي بني آدم إلا المخلصين منهم.
قال تعالى وصفًا لما حدث: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ) [ص:٧٣-٨٣].
إذن هي عداوة قديمة ومتأصلة، وقد نهى الله عن اتباعه والسير على منهجه الكفري الضال، فقال تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [البقرة:١٦٨-١٦٩].
وقد بيّن الله لنا سبب هذا النهي، لكونه يأمر بالفحشاء والمنكر، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [النور:٢١].
ومع هذا التحذير والنذير إلا أن بعض الناس لا يطيب له إلا أن يتبع كل شيطان مريد، قال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [الحج:٣-٤].
فكل من يقع في هذا النهي الإلهي، ويتبع خطوات الشيطان فإنه خاسر لا محالة؛ لأنه عصى الله بذلك، وأطاع عدوه.
قال تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [النساء:١١٩].
يعني: من يواليه ويتبع وسوسته، ويطعه، ويترك أمر الله، وقيل: بإيثاره ما يدعو إليه على ما أمر الله به، ومجاوزته عن طاعة الله سبحانه وتعالى إلى طاعته، فقد خسر خسرانًا مبينًا ظاهرًا في معاشه ومعاده، إذ يكون أسير الأوهام، والخرافات يتخبط في عمله على غير هدى، فيفوته الانتفاع التام بما وهبه الله من العقل، وسائر القوى والمواهب، وقيل: بدّل مكانه من الجنة بمكان من النار46.
وقوله تعالى أيضًا: ﭐ(ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) [المجادلة:١٩].
فكذلك يصنع الشيطان بمن استحوذ عليه، فعن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من ثلاثة في قرية، ولا بدو، لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة، فإنه يأكل الذئب من الغنم القاصية)47.
٥. طاعة الكافرين.
حذّر الله من طاعة المؤمن للكافرين وموالاتهم؛ لأنها تجعله في معصية لله، وقد نهى عن ذلك في آيات كثيرة، منها قوله تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [آل عمران:٢٨].
فإن والى المؤمن الكافر ظنًّا أنه يبتغي عنده العزة فهو واهم؛ لأن العزة لله وحده؛ لقوله تعالى: ﭐ(ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [النساء:١٣٩].
وقد نهى الله عن موالاة الكافرين وطاعتهم؛ لأنهم يصدون المؤمنين عن دين الله، ويخرجونهم من ديارهم، ويظاهرون على إخراجهم.
قال تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [الممتحنة:٩].
حقًّا إنه من يوالي الكافرين، فإنه قد ضل عن سواء السبيل، وسيخسر عمله في الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين؛ لقوله تعالى: ﭐ(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [آل عمران:١٤٩].
يحذّر الله سبحانه وتعالى في هذه الآية المؤمنين أن يطيعوا الذين كفروا، يعني: مشركي العرب، أبا سفيان وأصحابه، وقيل: اليهود والنصارى، وقال علي رضي الله عنه: يعني: المنافقين في قولهم للمؤمنين عند الهزيمة: ارجعوا إلى دين آبائكم48.
«فالطاعة: تطلق على امتثال أمر الآمر، وعلى الدخول تحت حكم الغالب، فيقال: طاعت قبيلة كذا، وطوّع الجيش بلاد كذا»49.
فالكفر والإيمان نقيضان لا يجتمعان، ولا يكونان في قلب رجل واحد، ولذلك الآية الكريمة تحذر المؤمنين تحذيرًا عامًّا بألاّ يطيعوا الكافرين، ولا يستنصروا بهم، ولا يجعلوا لهم ولاية عليهم؛ لأن ولايتهم غير ولاية الله، وولاية الله هي الولاية الحق، وهم موضع غضب الله تعالى دائمًا، والذي يتولاهم ويستنصر بهم، فإنه يتولى قومًا غضب الله عليهم؛ لقوله تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [الممتحنة:١٣].
والمعنى في هذا، هو التحذير من مسايرة الكافرين بأي نوع من أنواع المسايرة؛ إذ كل مسايرة طاعة، ولا يليق بالمؤمن أن يطيع كافرًا؛ لأنه يجب أن يكون في حذر دائم.
وقد ذكر الله سبحانه وتعالى نتيجة طاعة الكافرين في أي عصر من العصور إن كان هناك احتمال لذلك، فذكر في جواب الشرط نتيجتين، كلتاهما مترتبة على الأخرى، أولاهما: أشار إليها بقوله تعالى: (ﭐﭘ ﭙ ﭚ)، والثانية المترتبة عليها: أشار إليها بقوله تعالى: (ﭛ ﭜ).
فالنتيجة الأولى: ردهم على أعقابهم، فمعناها: أن يرجعوا إلى موضع الذلة الذي كانوا فيه قبل أن يؤذن لهم بالجهاد، أو يرجعوا إلى ما كانوا عليه في غير انتظام وفي اضطراب.
والنتيجة الثانية: هي الانقلاب خاسرين، والتعبير بالانقلاب: يفيد أن طاعة الكافرين حتمًا فيها تغيير حال أصل الإيمان، فجعل أعلى ما فيهم أسفل، وأن هذا الانقلاب تلابسه لا محالة الخسارة المؤكدة التي لا احتمال فيها؛ إذ يخسر المؤمنون إيمانهم، ويخسرون من وراء ذلك الآخرة، وينطبق عليهم قوله تعالى: ﭐ(ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [الحج:١١]50، وقوله أيضًا: ﭐ(ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [المائدة:٥٣].
٦. الكفر بالأنبياء والرسل.
إن الإيمان بالأنبياء فهو ركن من أركان الإيمان، فإن اختل هذا الركن اختل إيمان الإنسان؛ وذلك لأن الأنبياء هم رحمة الله إلى عباده؛ ليقودوهم إلى رضوان الله والجنة، والنجاة من سخطه والنار، قال تعالى: ﭐ(ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [البقرة:٢٨٥].
هذا حال المؤمنين الصادقين في إيمانهم، أما غيرهم فقد يكفر ويكيد بأنبياء الله والصالحين، فيقع في الكفر والخسران.
رابعًا: ترك الواجبات:
أمرنا الله سبحانه وتعالى بالقيام بكل الواجبات المفروضة علينا من عمل الصالحات والإكثار من فعلها بكل حكمة ورزانة؛ لأنه بهذا الأمر نستطيع أن نجنّب أنفسنا الخسران المبين، والهلاك والدمار، ومن لم يستجب ينال ما يستحق وسنورد بعضًا من ذلك:
فالخسران المبين لمن يتخذ الصلاة هزوًا ولعبًا دون خشوعٍ وتقوى؛ لقوله تعالى: ﭐ(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [المائدة:٥٨].
فالويل والهلاك للذين لا يطيعون الله في أوامره ويتهاونون في تطبيق واجباته؛ لقوله تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [الماعون:٤-٥].
فتكون نتيجته الضلال والهلاك يوم القيامة.
قال تعالى: ﭐ(ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [المنافقون:٩].
تضمنت هذه الآية تحذيرًا للمؤمنين أن يتخلقوا بأخلاق المنافقين بانشغالهم بالأموال عن ذكر الله والصلوات والطاعات وجميع الفرائض، وقد اختلف المفسرون فيمن نزلت، فمنهم من قال: نزلت في حق المنافقين، ومنهم من قال: نزلت في حق المؤمنين51.
والراجح أنها نزلت في حق المؤمنين تحذّرهم، وخاصة أن الآية ابتدأت بالخطاب الموجه لهم، وأيضًا الآيات السابقة كانت تتحدث عن قبائح وأعمال المنافقين، فكان حريًّا أن يتم تحذير المؤمنين من التشبه بالمنافقين.
وقد حكم الله بكفر من لا يستجيب لأمره بدفع الزكاة، وبالتالي سينال جهنم، ويكون من الخاسرين؛ لقوله تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [فصلت:٧].
والصبر فضيلة من الفضائل، وخلق من الأخلاق التي عني بها القرآن الكريم، فالهلاك لمن يترك الصبر ولا يتحمل ما أصابه الله به؛ لأنه سيؤدي به إلى أن يسخط على الله، ويخرج من دائرة الإيمان، ويصل به إلى اليأس والقنوط من رحمة الله؛ لقوله تعالى: ﭐ(ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [فصلت:٤٩].
وهذا لا يكون إلا من الضالين كما وصفهم الله في كتابه.
قال تعالى: ﭐ(ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [الحجر:٥٦].
ويجب ألا نكون منهم لتركنا واجبًا مفروضًا علينا التمسك به، وبالتالي ننال الخسران في الدنيا والآخرة.
والتمسك بميثاق الله أيضًا من الواجبات المفروضة علينا، فمن نقض عهد الله وميثاقه تحلى بصفة من صفات المنافقين الخارجين عن حدود الله، ولابد من توضيحها؛ حتى نحذر من ارتكابها لنتجنب الخسارة في الدنيا والآخرة، فكيف سيكون حال مجتمع لا يفي فيه الناس بعهودهم فيما بينهم، فإنه ستنعدم ثقة بعضهم ببعض، فقد أمر الله سبحانه وتعالى في كثير من آياته، وكذلك نبيه صلى الله عليه وسلم بالوفاء بالعهود.
قال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [الإسراء:٣٤].
وقوله: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [النحل:٩١].
وعدّ النبي صلى الله عليه وسلم الخلف بالوعد من علامات النفاق، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان)52.
وقوله تعالى أيضًا: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [البقرة:٢٧].
فسؤال يطرح نفسه، فأي عهد من عهود الله ينقضون؟ وأي أمر مما أمر الله به أن يوصل هو الذي يقطعون؟ وأي لون من الفساد في الأرض هو الذي يفسدون؟
وعهد الله المعقود مع البشر يتمثل في عهود كثيرة: إنه عهد الفطرة المركوز في طبيعة كل حي، أن يعرف خالقه، وأن يتجه إليه بالعبادة، وما تزال هذه الفطرة مركوزة في الاعتقاد بالله، ولكنها تضل وتنحرف فتتخذ من دون الله أندادًا وشركاء، وعهد الاستخلاف الذي أخذه الله على آدم، وعهوده الكثيرة في الرسالات لكل قوم أن يعبدوا الله وحده، وأن يحكّموا في حياتهم منهجه وشريعته، وهذه العهود كلها هي التي ينقضها الفاسدون53.
(ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ): يقول الطبري: «مقصودٌ به كفارهم ومنافقوهم، ومن كان من أشياعهم من مشركي عبدة الأوثان على ضلالهم، غير أن الخطاب -وإن كان لمن وصفت من الفريقين- فداخل في أحكامهم، وفيما أوجب الله لهم من الوعيد والذم والتوبيخ، كل من كان على سبيلهم ومنهاجهم من جميع الخلق وأصناف الأمم المخاطبين بالأمر والنهي»54.
(ﯙ ﯚ ﯛ): أي: الهالكون، بحرمان الله إياهم من رحمته لكفرهم ومعصيتهم إياه وارتكاب ما نهى عنه55.
وقيل: «أي: خسروا سعادتهم في الآخرة؛ حيث عرّضوا أنفسهم لعذاب جهنم المؤبد، ولا خسارة أعظم ممن خسر دنياه وأخرته، وقصر الخسران عليهم في قوله: (ﯙ ﯚ ﯛ)؛ لأنهم بإهمالهم للعقل، خسروا الحياة الأبدية»56.
خامسًا: عدم مغفرة الله ورحمته للعبد:
معروفٌ أن الإنسان المؤمن الصالح بطبيعته حريصٌ على أداء الطاعات والعبادات، وفعل ما أمر الله به والابتعاد عما نهى عنه؛ لأن غايته من وراء ذلك كله الحرص على كسب رضوان الله سبحانه وتعالى والحصول على مغفرته ورحمته يوم القيامة، والفوز بجنته، وإن نسي أو أخطأ وغفل الإنسان، وهذا ليس عيبًا فيه؛ لأنه ضعيف يدخل إليه الشيطان، فيدرك خطأه، ويعرف زلته، نجده يسارع في الندم وطلب العون من ربه والمغفرة، وبالتالي إنه يثوب ويتوب، على عكس الإنسان الذي ينغمس في ملذات الدنيا وشهواتها، ويحرص كل الحرص على التمتع بالحياة الدنيا وزينتها، وبهذا يغفل عن أداء العبادات والطاعات، ولا يحرص على تجنب المحرمات، فتكون نتيجته أنه خسر وضاع، وذلك بفقدان أعظم شيء، ألا وهو مغفرة الله ورحمته، وفقدان الفوز بجنته ورضوانه؛ لقوله تعالى: ﭐ(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [الأعراف:٢٣].
فهذه الآية الكريمة تدل على ندم آدم وحواء على فعلتهما، فسارعا إلى التوبة والستر والغفران، على عكس مطلب إبليس طلب الإنظار ولم يطلب التوبة، وهذه خصيصة «الإنسان» التي تصله بربه، وتفتح له الأبواب إليه، الاعتراف، والندم، والاستغفار، والشعور بالضعف، والاستعانة به، وطلب رحمته، مع اليقين بأنه لا حول ولا قوة إلا بعون الله ورحمته وإلا كان من الخاسرين57.
فهذه طبيعة الإنسان المؤمن فإنه إذا أخطأ أو غفل يسارع إلى طلب المغفرة والرحمة من الله تعالى.
ولكن هناك الكثير من الأمور يتساهل الناس في فعلها تكون سببًا في فقدانهم لمغفرة الله ورحمته، إذًا لابد من الحرص والحذر.
سادسًا: الدعوة إلى الباطل وترك الحق:
الدعوة إلى الباطل الذي هو نقيض الحق سبب في خسران الإنسان، فإن الباطل هو الطاغوت سواء أكان ذلك شيطانًا أم صنمًا، أم معتقدًا، أم معبودًا غير الله، وهو نقيض الإيمان بالله تعالى، وإن اعتقاد الباطل والعمل به يخرج الإنسان عن دينه وإيمانه؛ لقوله تعالى: ﭐ(ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ) [النحل:٧٢].
فالنتيجة التي ينالها هؤلاء هي الخسران المبين.
سابعًا: خفة الموازين:
خفة موازين الإنسان يوم القيامة نتيجة عدم الإكثار من الطاعات، والعبادات، وكسب الحسنات، مما يؤدي إلى أن تكون سيئاتهم أكثر من حسناتهم، وبالتالي تكون خفة موازينه يوم القيامة، ونيل الخسران المبين؛ لقوله تعالى: ﭐ(ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [الأعراف:٩].
يقول الله سبحانه وتعالى في هذه الآية: من خفت موازين أعماله الصالحة، فلم تثقل بإقراره بتوحيد الله والإيمان به، وبرسوله، فأولئك الذين غبنوا أنفسهم حظوظها من جزيل ثواب الله وكرامته؛ بسبب كونهم بحجج الله وأدلته يجحدون، فلا يقرّون بصحتها ولا يوقنون بحقيقتها58.
ومن خفت موازينهم خسروا بسبب ظلمهم، وتضييع فطرة الإسلام التي ما من مولود إلا يولد عليها، أو فطرة الخير الذي هو أصل الجبلة، والمراد بالخسران: كونه في الهاوية من النار؛ لقوله تعالى: ﭐ(ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) [المؤمنون:١٠٣-١٠٤]59.
ثامنًا: الأمن من مكر الله:
إن المؤمن يتفطن دائمًا لمقام قدرته سبحانه وتعالى، فإذا عصى يتوقع عذاب الله تعالى بسبب عصيانه، ويتخوف ولا يأمن أن تنزل به العقوبة، ولفرط حسّه بمعصيته، وإيمانه بالله يخاف دائمًا عذابه، ولا يرجو أن يمهله الله وقد عصاه، على عكس الكافر تمامًا، فإنه يعصي، ويرى عصيانه حسنًا، وينسى قوة الله، وأنه يعاند ويحارب أمره ونهيه، ناسيًا أنه يعاند القوي القهار القادر الذي هو غالب على كل شيء، وأنه لا إرادة لمخلوق بجوار إرادته سبحانه وتعالى وعلى ذلك يأمن عذاب الله ومكره.
قال تعالى:(ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [النحل:٤٥].
فيلاقي العذاب الشديد، وما لا يحسب عقباه.
قال تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [النمل:٥١].
وقوله تعالى: ﭐ(ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [الأنعام:١٢٤].
وقوله أيضًا: ﭐ(ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [الأعراف:٩٩].
يوبّخ الله الذين يكذّبون رسله، ويجحدون مكره؛ لأنهم غفلوا عن الحق، ونسوا تدبير الله تعالى المهلك لهم جزاء بما كسبوا، وبما كذبوا بآيات الله، والفاء: في قوله: (ﭼ ﭽ)جاءت عاطفة يترتب ما بعدها على ما قبلها؛ لأنهم إذا كانوا لم تجدهم النقمة ولا النعمة، وبأس الله يأتيهم في مأمنهم ليلًا وهم نائمون، وضحى وهم يعملون، ومع ذلك لا جدوى فيه، فهو لعب، أو كاللعب، فهم لا يأمنون المكر الإلهي.
قوله: ﭐ(ﭸ) استفهام إنكاري بمعنى النفي والتوبيخ، فهم لا يأمنون مكر الله، ومكر الله تعالى تدبيره المحكم الذي ينزل به العذاب السريع على من يستحقه، والأمن والطمأنينة لمن يستحقه، وهو الحكيم، وقد فسر بعض المفسرين بأنه العذاب أو البأس الشديد 60.
«والمكر قسمان:
ولقد قال في شأن قريش في تدبيرهم للنبي صلى الله عليه وسلم أن يبتوه أو يقتلوه أو يخرجوه ﭐ(ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [آل عمران:٥٤] أي: أنهم كانوا يدبرون لإيذاء النبي صلى الله عليه وسلم ويمكرون المكر السيئ الذي لا يحيق إلا بأهله، والله تعالى يدبّر لنبيه نجاته منهم، وهجرته من أرضهم من غير إخراج، حتى يكون الفصل بينه وبينهم»61.
والكافر يعمل المعصية، ويعتقد أنه آمن، وما يغفل عن مكر الله إلا الذين هلكوا بذنوبهم؛ ولهذا ختم الله الآية بقوله: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) أي: حكم الله تعالى بخسارتهم، مؤكدًا الخسارة بالقصر، وأن الخسارة مقصورة عليهم، وخسارتهم في أنهم خسروا أنفسهم، فليسوا في حال عقلية مدركة، وخسروا أنفسهم بالاستمرار على غيهم، وخسروا بالعذاب الأليم الذي ينزل، والله سبحانه هو الذي يقي المؤمنين شر الغفلة والنسيان، وأمن عذاب الله، وجعلهم في فطنة دائمة، واعتبار بأمر الله ونهيه، وهو الهادي إلى سواء السبيل 62.
من رحمة الله بعباده أنه ذكر في كتابه العزيز الكثير من الأساليب والوسائل، ومنها على سبيل المثال ضرب الأمثال، وسرد القصص، وذكر الأخبار، وذلك لحكمة يريدها الله؛ ليعتبر أولو الألباب، ويتخذوها قدوة لهم في الحياة، وإظهار مدى قدرة الله وعظمته، وإعجاز قرآنه وغيرها؛ لقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [غافر:٧٨].
فإذا جاء الوقت وحان موعد العذاب، ينزله الله على الكافرين لإهلاكهم، وينجي الله رسله، والذين آمنوا معهم، ويهلك الذين افتروا وكذبوا وجحدوا آياته عز وجل وخسر في ذلك العذاب المتمسكون بالباطل على الإطلاق، فيدخل فيهم المعاندون المقترحون دخولًا أوليًّا، لكونهم يجادلون في آيات الله سبحانه وتعالى 63.
وسنورد إن شاء الله نماذج من الخاسرين في القرآن في السطور الآتية:
أولًا: قابيل ابن آدم عليه السلام:
قال تعالى: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [المائدة:٣٠].
هذه الآية تتحدث عن ابني آدم قابيل وهابيل؛ حيث إن هابيل كان أول من قتل في الأرض.
وقال الماوردي في كتابه: «إن (طوعت) فيها ثلاثة تأويلات، وهي:
أحدها: يعني: شجعت، وهو قول مجاهد.
والثاني: يعني: زينت، وهو قول قتادة.
والثالث: يعني: ساعدته»64.
(ﯡ ﯢ ﯣ) أي: زيّنت له وسهّلت عليه القتل، والإنسان إذا تصور أن قتل النفس من أكبر الكبائر صار ذلك صارفًا له عن القتل فلا يقدم عليه، فإذا سهّلت عليه نفسه هذا الفعل فعله بغير كلفة.
وقرئ (فَطَاوَعَتْ) على أنه فاعل بمعنى فعل، أو على أن قتل أخيه كأنه دعا نفسه إلى الإقدام عليه فطاوعته ولم تمتنع.
وروي أنه جهل كيف يقتله، فجاء إبليس بطائر -أو حيوان غيره- فجعل يشدخ رأسه بين حجرين؛ ليقتدي به قابيل ففعل، وقال ابن عباس وابن مسعود: وجده نائمًا فشدخ رأسه بحجر، وكان ذلك في ثور «جبل بمكة». وقيل: عند عقبة حراء، ويقال: إن قابيل كان يعرف القتل بطبعه؛ لأن الإنسان وإن لم ير القتل فإنه يعلم بطبعه أن النفس فانية ويمكن إتلافها، فأخذ حجرًا فقتله، ولما قتله ندم فقعد يبكي عند رأسه، إذ أقبل غرابان فاقتتلا، فقتل أحدهما الآخر، ثم حفر له حفرة فدفنه، ففعل القاتل بأخيه كذلك65.
ﭐ(ﯧ ﯨ ﯩ) أي: ممن خسر حسناته، وقال مجاهد: علقت إحدى رجلي القاتل بساقها إلى فخذها من يومئذ إلى يوم القيامة، ووجهه إلى الشمس حيثما دارت، عليه في الصيف حظيرة من نار، وعليه في الشتاء حظيرة من ثلج.
قال ابن عطيه: «فإن صح هذا فهو من خسرانه الذي تضمّنه قوله تعالى: ﭐ(ﭐﯧ ﯨ ﯩ) وإلا فالخسران يعم خسران الدنيا والآخرة»66.
ثانيًا: قوم إبراهيم عليه السلام:
قال تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الأنبياء:٧٠].
قد روي أن الملك المعاصر لإبراهيم كان يلقب «بالنمرود» وهو ملك الآراميين بالعراق، وأنه قد أهلك هو والملأ من قومه بعذاب من عند الله، تختلف الروايات في تفصيلاته، وليس لنا عليها من دليل.
المهم أن الله قد أنجى إبراهيم من الكيد الذي أريد به، وباء الكائدون له بخسارة ما بعدها خسارة، والكيد هنا: أي مكر عظيم في الإضرار به، وقيل: هو الإضرار الشديد الذي يكون نتيجة الكيد والتدبير الخبيث، فأطلقوا السبب وأراد المسبب وهو الضرر، وكيدهم كان في مغالبتهم له ومجادلتهم، فكانوا هم الخاسرين في هذه المغالبة في الدنيا والآخرة، أي: أخسر من كل خاسر حيث عاد سعيهم في إطفاء نور الحق برهانًا قاطعًا على أنه عليه السلام على الحق وهم على الباطل، وموجبًا لارتفاع درجته، واستحقاقهم لأشد العذاب، والأخسرون جمع أخسر، والمراد: من بلغوا أقصى درجات الخسران 67.
وقيل: (ﯢ ﯣ) أي: في أعمالهم، ورددنا مكرهم عليهم بتسليط أضعف خلقنا، قال ابن عباس: سلّط الله عليهم أضعف خلقه البعوض، فما برح نمرود حتى رأى عظام أصحابه وخيله تلوح، أكلت لحومهم وشربت دماءهم، ووقعت واحدة في منخره فلم تزل تأكل إلى أن وصلت دماغه وكان أكرم الناس عليه الذي يضرب رأسه بمرزبة من حديد، فأقام بهذا نحوًا من أربعمائة سنة68.
ثالثًا: قوم شعيب عليه السلام:
قال تعالى: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [الأعراف:٩٢].
هذه الآية جملة مبنية لما حل بقوم النبي شعيب عليه السلام من النقمة:
فيخبر الله تعالى عن شدة قوم شعيب وتمردهم وعتوهم، وما هم فيه من الضلال، وما جبلت عليه قلوبهم من المخالفة للحق، ولهذا أقسموا وقالوا: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [الأعراف:٩٠].
فلهذا أعقبه بقوله: ﭐ(ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [الأعراف:٩١].
والمناسبة في ذلك: أنهم لما تهكموا بنبي الله شعيب في قولهم: (ﮦ ﮧ) [هود:٨٧] فجاءت الصيحة فأسكتتهم، أصابهم عذاب يوم الظلة، وهي سحابة أظلتهم فيها شرر من نار ولهب ووهج عظيم، ثم جاءتهم صيحة من السماء، ورجفة من الأرض شديدة من أسفل منهم، فزهقت الأرواح، وفاضت النفوس، وخمدت الأجساد، فأصبحوا في دارهم جاثمين69.
وقوله: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) والغنى: المنزل، والجمع المغاني، وهي المنازل التي بها أهلها، يقال: غنيت بالمكان إذا أقمت به، وغني القوم في دارهم، أي: طال مقامهم فيها، وقال ابن عباس وقتادة في معناها: كأن لم يعيشوا فيها، وقال ابن عباس: كأن لم يعمروا فيها.
ومعنى الآية: كأن لم يقيموا في دارهم أصلًا ولم ينزلوها يومًا من الدهر، فإن الله سبحانه استأصلهم بالعذاب، وقيل: المعنى كأن لم يعيشوا فيها متنعمين مستغنين، يقال: غني الرجل إذا استغنى، وهو من الغنى الذي هو ضد الفقر، والأول أولى70.
(ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ): هذه الجملة متضمنة لبيان خسران القوم المكذبين، وهل هناك خسران أشد من أن يخسر الإنسان نفسه، بعذاب في الدنيا والآخرة؟ وإعادة الموصول والصلة كما هي، لزيادة التقرير والإيذان بأن ما ذكر في حيز الصلة هو الذي استوجب العقوبتين71.
فكل من عادى نبيًّا فهو خاسر في عاجل أمره وآجله؛ لأنه قد عادى الله الذي أرسل أنبياءه لخلقه.
بعد الانتهاء من بيان أسباب الخسران بالشرح والتوضيح والبيان، والإشارة إلى نماذج من الخاسرين في القرآن الكريم، كان لابد من وقفة على وسائل النجاة من الخسران التي هي بمثابة الذراع الحامي، والواقي للإنسان من الوقوع في الخسران، وهذه الوسائل هي التي تصل بالإنسان إلى الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة.
وسنتناول هذه الوسائل بالشرح والبيان؛ ليتضح للإنسان مدى أهميتها، ويتخذها وقايةً له من الوقوع في الخسران، ولذلك كان المثل المشهور: «درهم وقاية خيرٌ من قنطار علاج»72.
أولًا: الإيمان والعمل الصالح:
أول وسيلة من وسائل النجاة من الخسران يدور حول تحقيق الإيمان والعمل والصالح، وهذا العنوان يعتبر من أخطر العناوين شأنًا، وأعظمها قدرًا؛ لأنه أصل الأصول في النظام العام لحياة المسلم بكاملها، فالإيمان هو الذي أمرنا الله أن نلتزم به، ونحققه في حياتنا؛ لأنه السبيل إلى فلاحنا يوم القيامة، ونجاتنا من نار جهنم -والعياذ بالله- لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة)73.
وليتجنب أيضًا المؤمن الخسارة عليه بطاعة الله ورسله، إذ الإيمان بالأنبياء ركن من أركان الإيمان، فإن اختل هذا الركن اختل إيمان الإنسان؛ وذلك لأن الأنبياء هم رحمة الله إلى عباده؛ ليقودوهم إلى رضوان الله والجنة، والنجاة من سخطه والنار.
قال تعالى: ﭐ(ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [البقرة:٢٨٥].
فهذا حال المؤمنين الصادقين في إيمانهم، والله حصر الإيمان فيمن التزم الدين كله باطنًا وظاهرًا في قوله تعالى: ﭐ(ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [الأنفال:٢-٣].
وقوله تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [السجدة:١٥-١٧].
والإيمان الكامل هو الإيمان الشامل لكلٍّ من الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والقضاء خيره وشره، والإيمان بالغيب، والبعث، والحساب، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: إن وفد عبد القيس... أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأربع ونهاهم عن أربع، أمرهم بالإيمان بالله وحده، قال: (أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وأن تعطوا من المغنم الخمس) 74.
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [البقرة:١٧٧].
فالإيمان فرائض وشرائع، فمن استكملها استكمل الإيمان، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان75.
ومن تحقق الإيمان في قلبه حقًّا فقد نال أجره كاملًا؛ لقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [البقرة:٦٢].
وفاز فوزًا عظيمًا، وكان من المفلحين، ونال ما وعده الله سبحانه به يوم القيامة من نيل رضوان الله ورحمته ودخول جنته، قال تعالى: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [الفتح:٥].
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [البقرة:٢٥].
ومن الأعمال الصالحة التي لابد أن يقوم بها الإنسان، التزام الأخلاق والسلوكيات الصالحة، والأخلاق قسمان: أخلاق كريمة، وأخلاق ذميمة.
وقد جاءت الشريعة الإسلامية تدعو إلى تزكية النفوس وتطهيرها؛ حتى تكون كريمة الأخلاق، نبيلة السجايا، فلم تدع خلقًا كريمًا إلا رغّبت فيه، كالصدق، والوفاء بالعهد، والجود، والصبر، والتقوى إلى غيرها من الأخلاق الكريمة، ولم تدع خلقًا ذميمًا إلا حذّرت منه، كالكذب والبخل والتجسس والنميمة إلى غيرها من الأخلاق الذميمة، بل إن جميع الأحكام الشرعية تدور مع الأخلاق حيث دارت، فلا ترى حكمًا شرعيًّا يعارض الأخلاق ويصادمها، وحسبك أن الله أثنى على عبده ورسوله محمد بقوله: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [القلم:٤].
فالنبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا، فهو الأسوة والقدوة لنا جميعًا حيث بلغ بأخلاقه الكريمة منازل عالية.
والأخلاق الكريمة تدعو إليها الفطرة السليمة، فالبشر كانوا ولا يزالون يعدّون الصدق والوفاء بالعهد والجود والشجاعة والصبر أخلاقًا فاضلة، يستحق صاحبها الثناء والتكريم، ولا يزالون يعدون الكذب والغدر والجبن أخلاقًا سيئة، ترفضها العقول السليمة وتذم صاحبها، والشريعة جاءت داعية إلى المعروف من الأخلاق، والسلوكيات الصالحة، وتنهى عن المنكر منها، فدعا الحق عباده إلى المبادرة إلى رحمته وجنته التي أعدها للمتقين من عباده، وأول صفاتهم تحليهم بالأخلاق الفاضلة، من الإنفاق في حال اليسر والعسر، وكظم الغيظ، والعفو عن الناس في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [آل عمران:١٣٣-١٣٤].
وقوله تعالى: ﭐ(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [البقرة:١٧٧].
وكذلك رغّب النبي صلى الله عليه وسلم باتباع الأخلاق الحميدة، وحذّر من كل خلق ذميم، فالخير الحقيقي في ميزان الرسول هو الخلق الحسن، فعن النواس بن سمعان الأنصاري رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم فقال: (البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطّلع عليه الناس)76.
والخلق سبيل الارتقاء إلى مدارج الكمال، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن من خيركم أحسنكم خلقًا)77، و أيضًا عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وألطفهم بأهله) 78.
وأحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقربهم منه مجلسًا يوم القيامة أحسن المؤمنين خلقًا، فعن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن من أحبكم إليّ، وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا، وإن من أبغضكم إليّ، وأبعدكم مني مجلسًا يوم القيامة: الثرثارون، والمتشدقون، والمتفيهقون، قالوا: يا رسول الله؟ قد علمنا الثرثارون والمتشدقون، فما المتفيهقون؟ قال: المتكبرون) 79.
والمؤمن هو من يلتزم بأوامر الله سبحانه وتعالى ويتحلى بالأخلاق الحميدة، ويبتعد عن نواهيه، ويتجنب الأخلاق الذميمة 80.
فإن صار على ذلك فقد فاز وأفلح يوم القيامة؛ لأن الله سبحانه وتعالى أخبرنا بذلك في قوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ) [المؤمنون:١].
وقوله: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [البقرة:١٨٩].
ومن الآيات التي بينت الفوز والفلاح والثواب الذي يناله من يلتزم بالأخلاق الفاضلة، وفي ذلك وقاية له من الخسارة في الدنيا والآخرة: قوله تعالى: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ) [المائدة:١١٩].
تبيّن هذه الآية الجزاء الذي يليق بالصدق والصادقين، الذين التزموا بهذا الخلق الحميد، فيقول الله تعالى يوم القيامة عقب جواب عيسى عليه السلام مشيرًا إلى صدقه في ضمن بيان حال الصادقين الذين هو في زمرتهم، (ﭐﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) أي: يوم القيامة (ﭐﰀ ﰁ ﰂ)، ومعنى نفع الصدق صاحبه في ذلك اليوم، أن ذلك اليوم هو يوم الحق، فالصادق ينتفع فيه بصدقه؛ لأن الصدق خلق حسن، فلا يكون له في الآخرة إلا الأثر الحسن.
والصادقون: الرسل الناطقون بالصدق الداعون إلى ذلك، والأمم المصدّقون لهم، المعتقدون بهم قولًا وعملًا، لهم نعيم دائم، وثواب خالد، وهو الفوز الكبير، رضي الله عنهم بالطاعة، ورضوا عنه بنيل الكرامة والرضوان، وهو فيض زائد على الجنات لا غاية وراءه، ولذلك قال تعالى: (ﭐﰔ) أي: نيل الرضوان (ﰕ ﰖ) أي: النجاة الوافرة، وحقيقة الفوز نيل المراد، وقد عظّم الفوز لعظم شأن المطلوب، الذي تعلق به الفوز، وهو الرضى الذي لا مطلب وراءه أصلًا 81.
ثانيًا: التوبة من المعاصي:
من رحمة الله تعالى بعباده، أن شرع التوبة للعاصي؛ لئلا ييأس من رحمة الله بمجرد المعصية.
قال تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [الزمر:٥٣].
وكيلا يزداد العاصي انحرافًا وطغيانًا، فقد جعل له طريق الرجوع إلى الصواب، وهي مبدأ طريق السالكين، ومفتاح سعادة المريدين.
قال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [البقرة:٢٢٢].
وقال أيضًا: ﭐ(ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [النور:٣١].
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (قال الله تعالى: يا ابن آدم: إنك ما دعوتني ورجوتني، غفرت لك ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم: لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني، غفرت لك، يا ابن آدم: إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة)82.
قال الحسن البصري: التوبة النصوح: هي الندم بالقلب، والاستغفار، والترك بالجوارح، والإضمار أن لا يعود؛
ولهذا أوجب الله تعالى التوبة على عباده، دليل ذلك قوله تعالى: ﭐ(ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [النور:٣١].
والتوبة تكون بالقلب واللسان والجوارح، فبالقلب يكون التضرع، والتذلل، وباللسان الاعتراف بالظلم والاستغفار، فعن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من رجل يذنب ذنبًا، فيتوضأ ويحسن الوضوء، ثم يصلي ركعتين، ويستغفر الله عز وجل، إلا غفر له)8384.
وقال تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [القصص:٦٧].
وقوله تعالى: ﭐ(ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [النور:٣١].
أمر الله تعالى في هذه الآية المؤمنين والمؤمنات بالتوبة، وهي ترك ما من شأنه أن يغضب الله تعالى، وفعل ما وجب فعله، ومن ذلك غض البصر، وحفظ الفرج، والالتزام بالعفة، والستر، والتنزه عن الإثم صغيره وكبيره، فأعلنوا توبتكم، وارجعوا إلى الله بالطاعات، وامتثال أوامر الله عز وجل لتنالوا رضاه، وتتأهلوا للفلاح، الذي هو الفوز بالنجاة من المرهوب، والظفر بالمحبوب المرغوب -الجنة- والسعادة في الدنيا والآخرة 85.
ثالثًا: التواصي بالحق:
من صفات المؤمن التقي الذي يسعى لنيل رضا الله ورضوانه والفوز بجنته، أنه يحرص كل الحرص على التزام الحق في كل حياته وأمورها، ويحرص على دعوة الآخرين للتواصي بالحق، ومن استجاب فقد انطبق عليه قوله تعالى: ﭐ(ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [العصر:٣].
والله سبحانه تعالى يحق الحق بكلماته رغمًا عن المشركين الكارهين؛ لقوله تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [الأنفال:٧-٨].
وقوله: ﭐ(ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [الشورى:٢٤].
هذا هو حال الله، ولما لا نكون ممن يتمسك بالحق، ونحرص على نشره وتطبيقه، وأن نتقي الله في ذلك؛ لأن به الفلاح في الدنيا والآخرة؛ لقوله تعالى: ﭐ(ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [آل عمران:١٠٢].
رابعًا: التواصي بالصبر:
الصبر فضيلة من أمهات الفضائل، وهو من أبرز الأخلاق التي عني بها القرآن العظيم، ويعتبر من دلائل صدق الإيمان، ووسيلة ضرورية يستعان بها في هذه الدنيا، وهو الدواء الشافي لنفس المصاب حيث يخفّف حزنها وآلامها، فذلك الصبر ضروري للإنسان لما له من قيمة كبيرة دينية وخلقية، فهو ضرورة لازمة له ليرقى ماديًّا ومعنويًّا، ويسعد فرديًّا واجتماعيًّا، فلا ينتصر دين، ولا تنهض أمة إلا بالصبر، والصبر ضرورة دنيوية كما هو ضرورة دينية، فلا نجاح في الدنيا ولا فلاح في الآخرة إلا بالصبر.
وهو ضرورة لازمة لأهل الإيمان؛ لأنهم أشد الناس تعرضًا للأذى والابتلاء في أموالهم وأنفسهم، وفي كل عزيز لديهم، وكان أولوا العزم من الرسل أشد المرسلين ابتلاءً، فكان صبرهم محل القدوة والأسوة، كما قال تعالى: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) [الأحقاف:٣٥].
ولأهميته أمرنا الله به، في قوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [الأنفال:٤٦].
وأخبر الله أنه مع الصابرين في صبرهم في قوله تعالى أيضًا: ﭐ (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [البقرة:١٥٣].
يعينهم الله على المشاق، وما يواجهونه في حياتهم، ويكافئهم على ذلك كما في قوله تعالى: ﭐ(ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [النحل:٩٦].
وأنواع الصبر ثلاثة: الصبر على الطاعة، والصبر عن المعصية، والصبر على المصيبة86.
والمؤمن الذي يستجيب لأمر الله فيتحلى بخلق الصبر، ويصبر على ما يصيبه فقد أعد الله له الجزاء العظيم، فأولًا يستحق البشرى.
قال تعالى: ﭐ(ﭫ ﭬ ﭭ) [البقرة:١٥٥].
وقال أيضًا: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [النحل:١٢٦].
وكذلك يبيّن الله أنه يحب أهل الصبر في قوله تعالى: ﭐ(ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [آل عمران:١٤٦].
ويعدهم الله بمضاعفة الأجر، فقال:(ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [القصص:٥٤].
وبيّن الله أيضًا أن ثوابهم غير محدود، بل هو موكول لفضل الله تعالى الذي لا حدود له ولا قيود.
قال تعالى: ﭐ(ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ) [الزمر:١٠].
ولهم الفوز والفلاح يوم القيامة؛ لقوله تعالى: ﭐ(ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [المؤمنون:١١١].
قال تعالى: ﭐ(ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [آل عمران:٢٠٠].
يحض الله تعالى المؤمنين في هذه الآية على ما يوصلهم إلى الفلاح وهو: الفوز بالسعادة والنجاح، والطريق الموصل إلى ذلك هو: لزوم الصبر، الذي هو حبس النفس عما نكرهه، من ترك المعاصي، ومن الصبر على المصائب، وعلى الأوامر الثقيلة على النفوس، فأمرهم الله بالصبر على جميع ذلك، وأمرهم بالمصابرة أيضًا وهي: لزوم المحل الذي يخاف من وصول العدو منه87.
وقيل: «(ﯭ ﯮ) بمعنى واحد للتأكيد، وقال الحسن، وقتادة، والضحاك، وابن جريج: اصبروا على طاعة الله في تكاليفه، وصابروا أعداء الله في الجهاد. ورابطوا في الثغور في سبيل الله، وقيل: استعدوا للجهاد»88، كما قال تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [الأنفال:٦٠].
(ﯰ ﯱ) أي: «خافوه فلا تعصوه، واعملوا بما أنزل، ولا تهملوه، وارضوا بما قسم فلا تكفروه، واستعدوا ليوم الرحيل فلا تنسوه، ثم تأتي النتيجة بعد ذلك (ﭐﯲ ﯳ)، أي: لتفلحوا، وتلك نتيجة أكيدة ويقينية، فمن صبر، وصابر، ورابط، واتقى الله نال السعادة في الدنيا، ودار الكرامة في الآخرة، وسعد برضوان من الله ذلك هو الفوز العظيم»89.
ذكر القرآن الكريم بعضًا من العقوبات التي تلحق بالخاسرين في الدنيا والآخرة، وبيان ذلك فيما يأتي:
أولًا: عقوبة الخاسرين في الدنيا:
فعقوبة الخاسرين في الدنيا، حرمانهم من أفضل نعمة أنعمها الله علينا ألا وهي نعمة الإيمان؛ لقوله تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [الأنعام:٢٠].
يقول الماوردي: «ﭐ(ﭐﮅ ﮆ ﮇ) فيها تأويلان:
أحدهما: أنهم خسروا بالكفر منازلهم وأزواجهم في الجنة؛ لأنه ليس أحد من مؤمن ولا كافر إلا وله منازل وأزواج، فإن أسلموا كانت لهم، وإن كفروا كانت لمن آمن من أهلهم، وهو معنى قوله تعالى: ﭐ(ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [المؤمنون:١١].
والثاني: معناه: غبنوها فأهلكوها بالكفر والتكذيب»90.
وقوله تعالى: ﭐ(ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [المنافقون:٩].
وقوله: ﭐ(ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [نوح:٢١].
فتوضّح هذه الآيات أن سبب حرمانهم من الإيمان، انغماسهم في ملذات الدنيا وشهواتها وذلك بالانشغال في جمع الأموال وإكثارها، والانشغال بالأولاد، والسعي وراء الشهرة والمكانة، مع غيرها من الأسباب الأخرى، ألهاهم ذلك كله عن الإيمان بالله وعبادته وذكره، وبالفساد في الأرض بكل أشكاله، فكان سببًا في خسارتهم، وبإضلالهم وعدم هدايتهم، وعدم نيل مغفرة الله ورحمته، وأن يغفل عن شيء مهم، وهو أن الله عز وجل أوجدنا على سطح الأرض في هذه الحياة الدنيا لهدف وغرض، ألا وهو عبادة الله سبحانه وتعالى.
والدين إذا لم يصل بصاحبه إلى هذا الخضوع والانقياد لله تعالى كان رسومًا وتقاليد لا تجدي شيئًا، بل تزيد النفوس فسادًا، والقلوب ظلامًا، ويكون حينئذٍ مصدر الشحناء والعداوة بين الناس في الدنيا، ومصدر الخسران في الآخرة بالحرمان من النعيم المقيم، والعذاب الأليم، وبالتالي يكون جزاء من يقبل بغير الإسلام دينًا أنه في الآخرة من الخاسرين؛ لأنه أضاع ما جبلت عليه الفطرة السليمة من توحيد الله والانقياد له، كما جاء في الحديث الشريف: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كمثل البهيمة تنتج البهيمة، هل ترى فيها جدعاء)91.
فخسر نفسه بضياع رضوان الله، وخسر النعيم المقيم، ورحمة الله، فألقي في الجحيم92.
اللهم هب لنا الإخلاص، وأنر به بصائرنا، وامنحنا قبولك ورضاك يا أرحم الراحمين.
ومن العقوبات للخاسرين في الدنيا أيضًا حبوط الأعمال وخسارتها، فلو تساءلنا كيف يخسر الإنسان أعماله؟
كما نعلم أن العمل للآخرة ميدانه هذه الحياة الدنيا، ومدّته لكل إنسان عمره، من حين يبلغ الحلم، إلى أن يدركه الأجل، وهو لهذا جاء إليها، وأعطي الفرصة فيها، قال تعالى: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الملك:٢].
فكل إنسان يجازى على حسب عمله في الحياة الدنيا، فإن عمل عملًا حسنًا نال الجزاء الحسن، وإن عمل عملًا سيئًا، نال الجزاء السيء على حسب عمله، كما يقال: إن الجزاء من جنس العمل، عن أبي بكرة أن رجلًا قال: (يا رسول الله أي الناس خير؟ قال: (من طال عمره وحسن عمله). قال: فأي الناس شر؟ قال: (من طال عمره وساء عمله) 93.
والله يراقب أعمال العباد وينظر إليها، قال تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ) [يونس:٦١].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) 94.
إذن لابد للإنسان من الجد والاجتهاد للإكثار من القيام بالأعمال الصالحة التي يرضى الله عنها، حتى يكون مثواه الجنة.
عن عمران بن حصين قال: قال رجل: يا رسول الله، أيعرف أهل الجنة من أهل النار؟ قال: (نعم). قال: فلم يعمل العاملون؟ قال: (كلٌّ يعمل لما خلق له، أو: لما ييسّر له)95.
ولكن قد يخسر الإنسان كل أعماله فتصبح هباءً منثورًا؛ إن حاد عن الطريق المستقيم وأكثر من فعل المعاصي، وارتكاب الآثام.
قال تعالى: ﭐ(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [الفرقان:٢١-٢٣].
وقال تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [الكهف:١٠٣-١٠٥].
وقال أيضًا: ﭐ (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [التوبة:٦٩].
وقال تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [المائدة:٥٣].
في هذه الآية بيان أن أعمال المنافقين باطلة، وكما نعلم بأن البطلان كلمة مرادفة للخسارة، إذن حبوط وبطلان أعمالهم جعلهم يخسرون في الدنيا والآخرة.
يقول سيد قطب: «ولقد جاء الله بالفتح يومًا، وتكشفت نوايا، وحبطت أعمال، وخسرت فئات، ونحن على وعد من الله قائم بأن يجئ الفتح، كلما استمسكنا بعروة الله وحده، وكلما أخلصنا الولاء لله وحده، وكلما وعينا منهج الله، وأقمنا عليه تصوراتنا وأوضاعنا، وكلما تحركنا في المعركة على هدي الله وتوجيهه، فلم نتخذ لنا وليًّا إلا الله ورسوله والذين آمنوا»96.
ﱡﭐﮊ ﮋ ﮌ) يعني: المخلصون للمنافقين عبد الله بن أبي وأصحابه، أهؤلاء يعني: المنافقين الذين أقسموا بالله شدة أيمانهم، فإذا حلف الرجل بالله فقد حلف جهد يمينه، إن هؤلاء المنافقين مع المخلصين على دينكم في السر، فكانت النتيجة بطلان حسناتهم في الدنيا، فصاروا مغبونين بالعقوبة97.
ثانيًا: عقوبة الخاسرين في الآخرة:
إن أخص ما يملكه الإنسان في هذه الحياة الدنيا، وأقرب شيء إليه، هي نفسه التي بين جنبيه، وأهله المقربون إليه من زوجة وأبناء وأحفاد وأرحام، فإذا خسر نفسه أو أهله فقد خسر أخص شيء وأقربه إليه، وعلى ذلك فإن خسارته سواء أكانت في نفسه أم في أهله، أم في حياته أم في آخرته، فإنها هي المصيبة العظمى والطامة الكبرى، لكن كيف يمكن أن يخسر الإنسان نفسه؟ وكيف يمكن أن يخسر أهله في الأخرة؟ هذا ما ستوضحه الآيات مع تفسيرها:
قال تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الأنعام:١٢].
تتحدث الآية الكريمة عن قدرة الله في الخلق فهو الخالق والمالك والمتصرف به، وعن قدرته على بعث الخلائق، ولكن أبى الظالمون إلا جحودًا، وأنكروا قدرة الله على بعث الخلائق فأوضعوا في معاصيه، وتجرؤوا على الكفر به، فكانت النتيجة أنهم خسروا دنياهم وأخراهم، وحكموا على أنفسهم بالهلاك لمخالفة الفطرة الأولى وستر العقل السليم، فهم بسبب خسارتهم لأنفسهم بإهمال العقل، وإعمال الحواس، والتقيد بالتقليد لا يؤمنون، فصاروا كمن يلقي نفسه من شاهق ليموت لغرض من الأغراض الفاسدة98.
يقول سيد قطب: «هذه الآية ذات المد العالي والإيقاع الرهيب، تجيء في أعقاب الحديث عن التكذيب والإعراض والسخرية والاستهزاء، وما ختم به هذا الحديث، وما تخلله من التهديد المخيف، مع توجيه الأنظار والقلوب إلى الاعتبار بمصارع المكذبين المستهزئين، فيأتي بعد هذا التعرض لحقيقة الألوهية، ممثلة في الملك والفاعلية، وفي القدرة والقهر، كل ذلك لا لمجرد التقرير اللاهوتي أو الفلسفي النظري السلبي، ولكن لتقرير مقتضيات هذه الحقائق من توحيد الولاية والتوجه، وتوحيد الاستسلام والعبودية.
فيأتي موقف المواجهة للبيان والتقرير، ثم المفاصلة، ومن ثم يبدأ بتوجيه الرسول لهذه المواجهة مواجهة المشركين، الذين يعرفون أن الله هو الخالق، ولكنهم أغلقوا فطرتهم وعطلوها دون رؤية هذه الحقيقة، فعدلوا به من لا يخلق، فيجعلون له شركاء مع الله في تصريف حياتهم، مواجهتهم بالسؤال عن الملكية بعد الخلق لكل ما في السموات والأرض، وبالتالي لن يخسر في هذا اليوم إلا الذين لم يؤمنوا في الدنيا، وهؤلاء لن يخسروا شيئًا ويكسبوا شيئًا، هؤلاء خسروا كل شيء، فقد خسروا أنفسهم كلها فلم يعودوا يملكون أن يكسبوا شيئًا، ولم تعد لهم نفس تؤمن! وهو تعبير دقيق عن حالة واقعة، إن الذين لا يؤمنون بهذا الدين مع عمق ندائه وإيحائه للفطرة بموحيات الإيمان ودلائله، هؤلاء لابد أن يكونوا قد فقدوا قبل ذلك فطرتهم، وأجهزة الاستقبال، والاستجابة الفطرية في كيانهم معطلة مخربة، فهم في هذه الحالة قد خسروا أنفسهم ذاتها»99.
وقوله أيضًا: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [هود:٢١].
وقوله تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [هود:٢٢].
يقول محمد رضا في تفسيره: «كلمة (ﭶ ﭷ) تفيد التحقيق والتأكيد لما بعدها، قال الفراء: هي في الأصل بمعنى: لابد ولا محالة، ثم كثرت فحوّلت إلى معنى القسم وصارت بمعنى «حقًّا»، ولهذا تجاب باللام نحو: لاجرم لأفعلن كذا، أي: حقًّا أنهم في الآخرة لأشد الناس خسرانًا»100.
وفي الآية تأكيد وإثبات لما يناله هؤلاء الجاحدون المنكرون في الآية السابقة من العذاب الشديد، والخسران الأكيد، حيث أكد الله سبحانه وتعالى في الآية بأنهم لا محالة يوم القيامة أشد الناس خسرانًا، وأنهم بلغوا في الآخرة أقصى درجات الخسارة؛ لأنهم آثروا الحياة الفانية على الباقية، واشتروا الضلالة، ولذا جاء جمع «الأخسرون» فأفعل التفضيل يدل على أقصى درجات الخسارة، لا خسارة فوقها أو مثلها، بل هي فوق كل خسارة 101.
ومن العقوبات الآخروية أيضًا دخول نار جهنم والعياذ بالله، قال تعالى: (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [المؤمنون:١٠٣].
في هذه الآية يبيّن جزاء المكثرين من الأعمال السيئة، فيقول الله تعالى: (ﯸ ﯹ ﯺ أي: موازين أعماله الحسنة أو أعماله التي لا وزن لها ولا اعتداد بها، وهي أعماله السيئة كذا قيل، وهو مبني على اختلافهم في وزن أعمال الكفرة.
فهؤلاء ضيعوها بتضييع زمان استكمالها، وأبطلوا استعدادها لنيل كمالها، وبالتالي خسروا أنفسهم بزجّها في نار جهنم، وهم مستقرون خالدون فيها 102.
وقال تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [الأعراف:٩].
يقول محمد أبو زهرة: «وخسران نفوسهم في هذا يشير إلى معانٍ ثلاثة، وهي على النحو التالي:
أولها: أنهم هم الذين كانوا بأعمالهم في الدنيا عاملين على خسارتها، فلم تكن الخسارة لاحقة بهم من غيرهم.
ثانيها: أن العذاب خسارة للنفس أي خسارة، وأنهم هم الذين جلبوا لها هذه الخسارة الخالدة.
ثالثها: أنهم كانوا يحسبون في ضلالهم في الدنيا أنهم يكسبون بغطرستهم وكبريائهم واغترارهم بمظاهر القوة، فبيّن الله تعالى أنهم الأخسرون أعمالًا، وذلك عند ميزان الأعمال بميزان الخير والشر، لا بميزان الغرور والاستكبار»103.
ونختم بقوله تعالى: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [الأعراف:٥٣].
موضوعات ذات صلة: |
الإهلاك، الجنة، السعادة، العذاب، الفلاح، النار |
1 مقاييس اللغة، ابن فارس، ٢/١٨٢.
2 انظر: التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي، ص ٣١٢.
3 انظر: العذب النمير، ٣/٨٥.
4 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص ٢٣١-٢٣٢.
5 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص٢٠٢-٢٠٣.
6 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/ ٣٥٦، لسان العرب، ابن منظور ١١/ ٣٩٠، المصباح المنير، الفيومي ٢/ ٣٦٣.
7 الكليات، الكفوي ص ٥٦٧.
8 مقاييس اللغة، ابن فارس، ٤ /٤٥٠.
9 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١١/٣٥٠، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١/١٨٢.
10 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، رقم ٣٦٠٦.
11 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشهادات، باب ما قيل في شهادة الزور، رقم ٢٦٥٣.
12 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان الكبائر وأكبرها، رقم ٢٦٢.
13 انظر: جامع البيان، الطبري، ١/٦٦٠.
14 انظر: جامع البيان، الطبري، ١/٦٦٤، أنوار التنزيل، البيضاوي ، ١/٣٩٣.
15 انظر جامع البيان، الطبري ١/٦٦٥، زهرة التفاسير، محمد أبو زهرة ١/٣٨٩.
16 انظر: روح المعاني، الألوسي، ١/٥٨٧، زهرة التفاسير، محمد أبو زهرة، ١/٣٩٠، المبصر لنور القرآن، نائلة صبري، ١/٢٢٤.
17 انظر: التفسير المنير، الزحيلي، ٢١/١٥، المقتطف من عيون التفاسير، المنصوري، ٤/١٨٨.
18 في ظلال القرآن، ٢١/٢٧٤٧.
19 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الطهارة، باب فضل الوضوء، رقم ٥٣٤.
20 انظر: تفسير المراغي، ٢٨/١٤٩، الأساس في التفسير، سعيد حوى، ١٠/٥٩٨٣.
21 المستقصى في أمثال العرب، الزمخشري، ١/٤١٦.
22 تفسير المراغي، ٢٨/١٤٩.
23 الأساس في التفسير، سعيد حوى، ١٠/٥٩٨٣.
24 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب، ١١/١٨٢٠، أيسر التفاسير، الجزائري، ٢/٥٠٨، صفوة البيان لمعاني القرآن، لحسنين مخلوف، ص ٢٨٣، المقتطف من عيون التفاسير، للمنصوري، ٢/٤٩٨.
25 انظر: تفسير الشعراوي، ٦/٣٥١٨، زهرة التفاسير، محمد أبو زهرة، ٥/٢٤٤٤.
26 فتح القدير، الشوكاني، ٢/١١٨.
27 انظر: زهرة التفاسير، محمد أبو زهرة، ٥/٢٤٥٠.
28 انظر: منهاج المسلم، الجزائري، ص ٣٩.
29 انظر: زهرة التفاسير، محمد أبو زهرة، ٥/٢٤٨٠، المبصر لنور القرآن، نائلة صبري، ٧/٩٦.
30 الوسيط، الواحدي ٢/٢٦٣.
31 انظر: المصدر السابق، ٢/٢٦٤، زهرة التفاسير، محمد أبو زهرة، ٥/٢٤٨١.
32 محاسن التأويل، القاسمي، ٦/٢٢٨٥.
33 انظر: نظم الدرر، البقاعي، ٢/٦٢٥، محاسن التأويل، القاسمي، ٦/٢٢٨٦.
34 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الديات، باب ما جاء في تشديد قتل المؤمن، رقم ١٣٩٥.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٥٠٧٧.
35 تفسير المنار ٨/١٣٠-١٣١ بتصرف.
36 انظر: الدرر المنثور، السيوطي ٣/٣٦٦.
37 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب، ٨/١٢٢٢، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٨/٢٤٣.
38 انظر: جامع البيان، ١/٢٢٢، في ظلال القرآن، سيد قطب، ١/٥٢.
39 انظر: جامع البيان، الطبري، ١/٢٢٢.
40 مفاتيح الغيب، ٣٠/١٨.
41 مجموع فتاوى ابن تيمية ٣٢/٢٣٥.
42 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب، ٢٨/٣٥٨٠، المبصر لنور القرآن، نائلة صبري، ٢٨/٢٣٨.
43 انظر: الصد عن سبيل الله في ضوء القرآن الكريم، عبد السلام اللوح، وزكريا الزميلي، مجلة الجامعة الإسلامية، غزة، ص ٣٣.
44 انظر: أيسر التفاسير، الجزائري، ٢/٥٣٢، التحرير والتنوير، ابن عاشور، ١٢/٣٤.
45 انظر: أيسر التفاسير، الجزائري، ٢/٥٣٤، التحرير والتنوير، ابن عاشور، ١٢/٣٨، المقتطف من عيون التفاسير، المنصوري، ٢/٥١٨.
46 انظر: تفسير المنا، محمد رشيد رضا، ٥/٤٣٠.
47 أخرجه النسائي في سننه، كتاب الإمامة، باب التشديد في ترك الجماعة، رقم ٨٤٧.
وحسنه الألباني في تعليقه على مشكاة المصابيح، رقم ١٠٦٧.
48 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٤/١٤٩.
49 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٤/١٢١.
50 انظر: زهرة التفاسير، محمد أبو زهرة، ٣/١٤٤٤.
51 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ٣٠/١٨، المبصر لنور القرآن، نائلة صبري، ٩/٢٣٧.
52 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان خصال المنافق، رقم ٢١١.
53 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب، ١/٥١.
54 جامع البيان، ١/٢٤٢.
55 انظر: المصدر السابق ١/٢٢٢.
56 المقتطف من عيون التفاسير، المنصوري، ١/٦٠.
57 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب، ٨/١٢٧٠.
58 انظر: جامع البيان، الطبري، ٥/١٤٥.
59 انظر: روح المعاني، الألوسي، ٥/١٢٦، أضواء البيان، الشنقيطي، ٢/٢٦١.
60 انظر: نظم الدرر، البقاعي، ٣/٧٥، فتح القدير، الشوكاني، ٢/٢٦١.
61 زهرة التفاسير، محمد أبو زهرة، ٦/٢٩١٠.
62 انظر: زهرة التفاسير، محمد أبو زهرة، ٦/٢٩١١، المبصر لنور القرآن، نائلة صبري، ٩/١٠.
63 انظر: روح المعاني، الألوسي، ١٣/١٣٥، المبصر لنور القرآن، نائلة صبري، ٢٤/١٤٧.
64 النكت والعيون، ٢/٣٠، بتصرف.
65 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٢/٣١٧، إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٢/٤٦١.
66 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي٤/٨٠.
67 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب، ١٧/٢٣٨٨، إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٤/٦٨٢، تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص ٤٦٩، زهرة التفاسير، محمد أبو زهرة، ٩/٤٨٩٢.
68 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٦/٥٢٤.
69 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٤٠٢.
70 انظر: الدر المنثور، السيوطي ، ٣ /٥٠٤، فتح البيان، القنوجي ٤/٤١٣.
71 انظر: في رحاب التفسير، كشك، ٩/٣٦٣.
72 قالوا في المثل، موسوعة في الأمثال والحكم السائرة نثرًا وشعرًا، عيسى عطا الله، ١/١٥٥.
73 أخرجه الترمذي في سننه، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة التوبة، رقم ٣٠٩٢.
قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح».
74 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب أداء الخمس من الإيمان، رقم ٥٣.
75 انظر: معارج القبول، حافظ حكمي ٢/٥٩٧.
76 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والأدب، باب تفسير البر والإثم، رقم ٦٥١٦.
77 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب لم يكن النبي فاحشًا ولا متفحشًا، رقم ٦٠٢٩.
78 أخرجه الترمذي في سننه، كتاب الإيمان، باب في استكمال الإيمان والزيادة والنقصان، رقم ٢٦١٢.
قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح».
79 أخرجه الترمذي في صحيحه، كتاب البر والصلة عن رسول الله، باب ما جاء في معاني الأخلاق، رقم ٢٠١٨.
قال الترمذي: «هذا حديث حسن غريب».
وصححه الألباني في صحيح الترمذي، رقم ١٦٤٢.
80 انظر: نحو ثقافة إسلامية أصيلة، عمر الأشقر، ص ٢٥٠.
81 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٧/١١٨.
82 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الدعوات، رقم ٣٥٤٠.
قال الترمذي: «هذا حديث حسن غريب».
وصححه الألباني في صحيح الترمذي، رقم ٣٥٤٠.
83 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الصلاة، باب ما جاء في الصلاة عند التوبة، رقم ٤٠٦، وابن ماجه في سننه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في أن الصلاة كفارة، رقم ١٣٩٥.
وحسنه الترمذي.
84 انظر: الأربعين في أصول الدين، الغزالي، ص١٤٣، قطوف دانية من الكتاب والسنة، محمود القيسية، ص١٨١.
85 انظر: أيسر التفاسير، الجزائري، ٣/٥٦٧، المبصر لنور القرآن، لنائلة صبري، ١٨/١٣١.
86 انظر: الأخلاق في الإسلام، كايد فرعوس وخالد القضاة وغيرهم، ص ١٢٣.
87 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص١٢٩.
88 البحر المحيط، أبو حيان، ٣/٤٨٥.
89 في رحاب التفسير، كشك، ١/٧٦٣.
90 النكت والعيون، ٢/١٠٠.
91 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب ما قيل في أولاد المشركين، رقم ١٣٨٥.
92 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٢/٨٥، تفسير المراغي، ١/٢٠٤، زهرة التفاسير، محمد أبو زهرة، ٣/١٣٠٢.
93 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الزهد، باب أي الناس خير وأيهم شر، رقم ٢٣٣.
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
94 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والأدب، باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله، رقم ٦٥٤٣.
95 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب القدر، باب جف القلم على علم الله، رقم ٦٥٩٦.
96 في ظلال القرآن، ٦/٩١٧.
97 انظر: الواضح في تفسير القرآن الكريم، ابن وهب الدينوري، ١/٢٠١، أيسر التفاسير، أبو بكر الجزائري، ١/٥١٩.
98 انظر: نظم الدرر، البقاعي ٢/٥٩٥، تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص ٢١٤.
99 في ظلال القرآن، ٢/١٠٤٧- ١٠٥٣، باختصار.
100 تفسير المنار، ١٢/٥٧.
101 انظر: زهرة التفاسير، محمد أبو زهرة، ٧/٣٦٩٤، المبصر لنور القرآن، نائلة صبري، ١٢/٢٢
102 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٥/٨٣، روح المعاني، الألوسي، ١٧/٩٩.
103 زهرة التفاسير، ٥ / ٢٧٨٩.