عناصر الموضوع

مفهوم الحوار

الألفاظ ذات الصلة

مقاصد الحوار

أنواع الحوار في القرآن

قواعد الحوار

الحوار

مفهوم الحوار

أولًا: المعنى اللغوي:

(الحاء والواو والراء) ثلاثة أصول: أحدها لون، والآخر الرجوع، والثالث أن يدور الشيء دورًا، وتعود أصل كلمة الحوار إلى (الحور) وهو الرجوع عن الشيء وإلى الشيء، يقال: (حار بعدما كار)1، والحور النقصان بعد الزيادة؛ لأنه رجوع من حال إلى حال، والتحاور: التجاوب، نقول: كلمته فما حار إلي جوابًا، أي: ما رد جوابًا2، قال الله تعالى: ( ) [الانشقاق: ١٤].

أي: «لن يرجع»3، وهم يتحاورون أي: يتراجعون الكلام، والمحاورة: مراجعة المنطق والكلام في المخاطبة4.

«تحاوروا: تراجعوا الكلام بينهم»5.

ويقصد بالمحاورة «المجاوبة ومراجعة النطق والكلام في المخاطبة»6.

إذن فالحوار لغة تعني المراجعة في الكلام بين اثنين فأكثر، فمعناه في اللغة واسع يشمل كل مناقشة بين اثنين أو أكثر في أي موضوع.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

الحوار هو: «نوع من الحديث بين شخصين أو فريقين، يتم فيه تداول الكلام بينهما بطريقة متكافئة فلا يستأثر به أحدهما دون الآخر، ويغلب عليه الهدوء والبعد عن الخصومة والتعصب»7.

الحوار هو: «محادثة بين شخصين أو فريقين، حول موضوع محدد، لكل منهما وجهة نظر خاصة به، هدفها الوصول إلى الحقيقة، أو إلى أكبر قدر ممكن من تطابق وجهات النظر، بعيدًا عن الخصومة أو التعصب، بطريق يعتمد على العلم والعقل، مع استعداد كلا الطرفين لقبول الحقيقة ولو ظهرت على يد الطرف الآخر»8.

ويلاحظ من التعاريف الثلاثة السابقة اتفاقهم على أن الحوار حديث متبادل بين طرفين أو أكثر، ويعجبني التعريف الثالث للدكتور بسام عجك، فهو تعريف جامع مانع مكتمل الأركان.

العلاقة بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي:

هناك علاقة قوية بين معنى الحوار في اللغة والاصطلاح، فالحوار هو نشاط عقلي ولفظي يقدم المتحاورون الأدلة والحجج والبراهين التي تبرر وجهات نظرهم بحرية تامة من أجل الوصول إلى حل لمشكلة أو توضيح لقضية ما، وهذا ما يتفق عليه المعنيون.

ولم يرد لفظ (الحوار) في القرآن الكريم، وإن ورد أصل مادته (حور).

الألفاظ ذات الصلة

الجدل:

الجدل لغةً:

اللدد في الخصومة والقدرة عليها، وجادله أي: خاصمه مجادلة وجدالًا، والجدل: مقابلة الحجة بالحجة؛ والمجادلة: المناظرة والمخاصمة، والجدال: الخصومة؛ سمي بذلك لشدته9.

الجدل اصطلاحًا:

الجدل: «هو عبارة عن دفع المرء خصمه عن فساد قوله بحجة أو شبهة، وهو لا يكون إلا بمنازعة غيره والنظر قد يتم به وحده»10.

وقيل: مقابلة المتنازعين الحجة بالحجة على سبيل التدافع والتخاصم؛ بالعبارة أو ما يقوم مقامها؛ لإلزام الخصم غالبًا، وتقرير المذهب، سواء أكان حقًّا أم باطلًا.

الصلة بين الحوار والجدل:

كل من الحوار والجدال عبارة عن تبادل للحديث بين أطراف معينة، ولكن القصد مختلف فالجدال كما بين الإمام أبو زهرة الغرض منه بقوله: «والجدل يكون الغرض منه إلزام الخصم والتغلب عليه في مقام الاستدلال»11، ومثال ذلك قوله تعالى ( ) [العنكبوت: ٤٦]

قال تعالى: ( ) [النساء: ١٠٩].

المناظرة:

المناظرة لغةً:

المناظرة في اللغة مشتقة من المادة اللغوية (نظر)، ومن معانيها تأمل الشيء بالعين المجردة، وتقليب البصيرة لإدراك الشيء ورؤيته، والتّأمّل والفحص، وقد يراد بالنظر المعرفة الحاصلة بعد الفحص، والطلب؛ يقال: انظر لي فلانًا، أي: اطلبه، والمقابلة؛ والعرب تقول: داري تنظر إلى دار فلان، ودورنا تناظر، أي: تقابل، والإمهال والترقب والتوقع واللّمحة السّريعة12.

المناظرة اصطلاحًا:

المحاورة بين طرفين متضادين في الرأي، والقائمة على الأدلة المنطقية والبراهين والإحصائيات الدقيقة، يقصد كل منهما تصحيح قوله وإبطال قول الآخر بأدب رفيع، مع الرغبة في إظهار الحق، والراجح على المرجوح، وتحقيق الفائدة المبنية على المناصحة والحلم13.

الصلة بين الحوار والمناظرة:

وهكذا يتبين أن المناظرة ما هي إلا محاورة من أجل الوصول إلى الصواب.

المحاجة:

المحاجة لغةً:

الحجّ: الغلبة بالحجّة، يقال: حجّه يحجّه حجًّا، إذا غلبه على حجّته، ومنه الحجّة بالضّمّ: الدّليل والبرهان، وقيل: ما دفع به الخصم، وإنما سمّيت حجّةً لأنّها تحجّ، أي: تقصد؛ لأنّ القصد لها وإليها، وبها يقصد الحقّ المطلوب، وجمع الحجّة حججٌ وحجاجٌ14.

المحّاجة اصطلاحًا:

قدرة الفرد على توظيف ما يمتلكه من الأدلة والبراهين العقلانية الموضوعية في قضية خلافية؛ لإثبات دعواه، وأيضًا ح فكرته، مع تفنيد حجج مخالفيه، والوصول بهم إلى الاقتناع بهذه الفكرة، والإيمان بها، دون إلزامهم باتباعها، والسير عليها15.

الصلة بين الحوار والمحاجة:

هناك فرق بين الحوار والمحاجة حيث إن الحوار هو تبادل حديث بقصد الوصول لحل مشكلة ما، أما المحاجة ففيها يثبت كل طرف صحة دعواه، ومثال ذلك قوله تعالى: ( ﭽﭾ ﭿ )[ البقرة: ٢٥٨]

قال تعالى: ( ﯕﯖ ) [الأنعام: ٨٠].

المخاصمة:

المخاصمة لغةً:

المخاصمة في اللغة مشتقة من المادة اللغوية (خصم)، ويأتي بمعنى الجدل والمنازعة؛ يقال: خاصمه خصامًا وخصومة، أي: جادله ونازعه، وبمعنى الشّقِّ؛ يقال للخصمين: خصمان؛ لأخذ كلّ واحد منهما في شقٍ من الحجاج والدّعوى، والطرف والجانب والزاوية، تلقين الحجة؛ يقال: أخصم صاحبه إذا لقّنه حجّته على خصمه16.

المخاصمة اصطلاحًا:

اللجاج في الكلام من أجل المعارضة والمعاندة ابتداءً؛ يستوفي به المخاصم مراده من خصمه، في جو من التشاحن والتباغض ورفض الآخر17.

الصلة بين الحوار والتخاصم:

هناك فرق واضح بين المعنيين حيث إن الأول المقصود منه إيجاد حل لمشكلة ما بالتوافق، أما الثاني فهو يؤدي للتنازع دون إيجاد حلول ومثال ذلك قوله تعالى: ( ﮆﮇ ) [ص: ٢٢].

قال تعالى: ( ﮢﮣ ) [الحج: ١٩].

مقاصد الحوار

القرآن الكريم تناول كثيرًا من الأدلة والبراهين التي حاور بها وحاج بها خصومه في صورة واضحة جلية يفهمها العامة والخاصة، وأبطل كل شبهة فاسدة، فللحوار في القرآن الكريم مقاصد عدة، منها: إقامة الحجة على البشر و الهداية إلى الحق وحل الخلافات، وبيان ذلك فيما يأتي:

أولًا: إقامة الحجة:

إنّ من الأساليب التي استخدمها القرآن الكريم من أجل إقامة الحجّة على العباد، والدّلالة على وحدانيّته سبحانه وتعالى، وعلى صدق ما جاؤوا به من رسالات، وبلّغوا به دين الله في الأرض، هو الحوار فالغاية من الحوار إقامة الحجة ودفع الشبهة والفاسد من القول والرأي، والسير بطرق الاستدلال الصحيح للوصول إلى الحق.

من أجل ذلك ورد السياق القرآني الجليل مصدرًا بصيغة الأمر (قل) المشعرة بأن الداعية ينبغي أن يتخذ من القول المبين والحجة البالغة منهاجًا وغاية، ونجد فعل الأمر: (قل) وردت (٣٣٢) مرة في القرآن الكريم، 18 من تأملها وتدبرها وقف على منهاج متكامل في صيغ البيان وطرائق الأداء ومسالك إقامة الحجة في إحقاق الحق ودحض الباطل19.

  1. بدأ شعيب عليه السلام دعوة قومه بالتوحيد، وهي الدعوة التي جاء بها جميع الأنبياء والرسل عليهم السلام؛ لأن الخصم إذا آمن بالله وحده، واستسلم له، فإنه يمتثل لكل ما أمر الله به ونهى عنه، ( )، وفي العنكبوت: ( ) [العنكبوت:٣٦]؛ فوحدانية الله هي القاعدة التي يعلم أن منها تنبثق كل مناهج الحياة، وكل أوضاعها، كما أن منها تنبثق قواعد السلوك والخلق والتعامل، ولا تستقيم كلها إلا إذا استقامت هذه العقيدة. ولقد جرت سنة الأنبياء أن يبدأوا بدعوة أقوامهم إلى التوحيد، ثم علاج المشكلات القائمة عندهم55.
  2. استعمال الألفاظ المحببة: ( ) [الأعراف: ٦٥].
  3. استعمال الفصاحة والبيان والبلاغة: فشعيب عليه السلام هو خطيب الأنبياء، وحواره مع قومه كان حوارًا فصيحًا بليغًا، بعيدًا عن الغموض والتشدق، والمقصود أن يتكلم المحاور عندما يحاور الآخرين، بكلام واضح مفهوم، ليس فيه غموض ولا لبس.
  4. تلوين الخطاب في الحوار: للنهي عن المخالفات الخطيرة التي يفعلها قومه بأكثر من أسلوب، فبعد أن نهى شعيب عليه السلام قومه عن الشرك، ودعاهم للتوحيد، وجههم إلى الالتزام بطاعة الله، حذرهم من معاصي خطيرة تهدد وجودهم ومصيرهم، ومن أبرز ذلك: لا شك أن أعظم مخالفة كان يفعلها قوم شعيب بعد الشرك، هي: التطفيف في الكيل والميزان، وبخس الناس أشياءهم.
  5. ضبط النفس: فقد اتهموه بالسحر والكذب، فلم ينفعل، ولم يغضب، بل تحلى بسعة الصدر، وهكذا الداعية المسلم المحاور، ( ﯔﯕ ) [هود:٨٧]56.
  6. الإقناع بالأدلة والبراهين والحجج الدامغة: فقد ردّ شعيب عليه السلام على قومه بالأدلة المقنعة، فبهتهم، ( ﯧﯨ ﯰﯱ ﯷﯸ ﯼﯽ ﯿ ) [هود:٨٨]، هذا تلطف معهم في العبارة ودعوة لهم إلى الحق بأبين إشارة. يقول لهم: أرأيتم إن كنت على أمر بيّن من الله تعالى، وأنه أرسلني إليكم، ورزقني النبوة والرسالة، وعمي عليكم معرفتها، فأي حيلة لي فيكم57، وهكذا يبين المحاور أنه يمتلك الحجة والدليل، وأن رأيه ليس مبنيًّا على الهوى والمزاج.
  7. الثبات عند الخلاف على العقيدة: «لقد وقف شعيب عليه السلام عند النقطة التي لا يملك أن يتزحزح وراءها خطوة، إنها عقيدة الوحدانية التي لا يملك أي محاور التنازل عنها، تحت أي ضغط أو أي تهديد من الطواغيت وإلا لتنازل كلية عن الحق الذي يمثله؛ ( ﭽﭾﭿ ﮂﮃ ﮒﮓ ) [هود: ٩١ - ٩٢].
  8. طلب النصرة من الله: فشعيب عليه السلام استفتح على قومه، واستنصر ربه عليهم في تعجيل ما يستحقونه إليهم فقال: ( ) [الأعراف: ٨٩]، إنه يعرف مصدر القوة، وملجأ الأمان، ويعلم أن ربه هو الذي يفصل بالحق بين الإيمان والطغيان، ويتوكل على ربه وحده في خوض المعركة المفروضة عليه وعلى المؤمنين معه، والتي ليس منها مفر، إلا بفتح من ربه ونصر 58.

    ثانيًا: الحوار العلمي:

    هذا النوع من الحوار الذي يكون موضوعه التعليم والتلقين ظهر واضحًا جليًّا في قصة موسى عليه السلام مع العبد الصالح، والتي حملت في ثناياها دروسًا كثيرة في التواضع وأدب المتعلم واحترام العلماء.

    قال تعالى: (ﭿ ) [الكهف:٦٥ - ٧٠].

    هذه رحلة موسى بن عمران نبي بني إسرائيل مع فتاه يوشع عليهما السلام للقاء العبد الصالح، وهو الخضر عليه السلام، لتعليمه التواضع في العلم، وأنه وإن كان نبيًّا مرسلًا، فقد يكون بعض العباد أعلم منه، وفي هذا من الفقه: رحلة العالم لطلب الازدياد من العلم، والاستعانة على ذلك بالخادم والصاحب، واغتنام لقاء الفضلاء والعلماء، وإن بعدت أقطارهم، كما كان دأب السلف الصالح59.

    وقد اشتمل ذلك الحوار على مجموعة كبيرة من آداب المتعلم والتي منها:

  1. لقد جعل موسى عليه السلام نفسه تبعًا للعبد الصالح رغم كونه هو النبي وقال: ( )، وفي هذا دليل على التواضع للعالم، وفي هذه القصة دليل على الحث على الرحلة في طلب العلم، وعلى حسن التلطف والاستنزال والأدب في طلب العلم، بقوله: ( )، وفيه المسافرة مع العالم لاقتباس فوائده60.
  2. أنه استأذن في إثبات هذه التبعية، فقال: هل تأذن لي أن أجعل نفسي تابعًا لك؛ ( )، وهذه مبالغة عظيمة في التواضع.
  3. أنه قال: ( )، وهذا إقرار منه على نفسه بعدم المعرفة، وعلى أستاذه بالعلم.
  4. أنه قال: ( )، وصيغة ما للتبعيض، فطلب منه تعليم بعض ما عّلمه الله، وهذا أيضًا يشعر بالتواضع، كأنه يقول له: لا أطلب منك أن تجعلني مساويًا في العلم لك، بل أطلب منك أن تعطيني جزءًا من أجزاء علمك، كما يطلب الفقير من الغني أن يدفع إليه جزءًا من أجزاء ماله.
  5. إنّ قول موسى: ( ) اعتراف بأن الله علمه ذلك العلم.
  6. إن قوله: () فيه طلب للإرشاد والهداية، والإرشاد هو الأمر الذي لو لم يحصل لحصلت الغواية.
  7. إن قوله: ( ) معناه: أنه طلب منه أن يعامله بمثل ما عامل الله به، وفيه إشعار بأنه يكون إنعامك عليّ عند هذا التعليم شبيهًا بإنعام الله عليك في هذا التعليم61.
  8. وفي قول العبد الصالح لموسى عليه السلام: ( ) [الكهف: ٦٨]، احترام للعقل الذي يؤمن بالأمور الظاهرة، وقد ينكر الأمور الغائبة؛ قال الطبري: «وكيف تصبر يا موسى على ما ترى مني من الأفعال التي لا علم لك بوجوه صوابها، وتقيم معي عليها، وأنت إنما تحكم على صواب المصيب وخطأ المخطئ بالظاهر الذي عندك، وبمبلغ علمك، وأفعالي تقع بغير دليل ظاهر لرأي عينك على صوابها، لأنها تبتدئ لأسباب تحدث آجلة غير عاجلة، لا علم لك بالحادث عنها، لأنها غيب، ولا تحيط بعلم الغيب خبرًا»62.
  9. ويظهر في توجيهات العبد الصالح لموسى عليه السلام أدب المتعلم حيث علمه تلك القاعدة الأدبية: ( ) [الكهف: ٧٠]، ( ) أي: إذا رأيت مني شيئًا خفي عليك وجه صحته، فأنكرت في نفسك فلا تفاتحني بالسؤال حتى أكون أنا الفاتح عليك، وهذا من أدب المتعلم مع العالم المتبوع63، وقال أبو السعود: وفي قوله: ( ) التزام موسى عليه السلام للصبر والطاعة، وهذا من أدب المتعلم من العالم والتابع مع المتبوع64.
  10. وقد ظهر الحرص على التعلم مقرونًا بالاستعانة بالله، وذلك في قول موسى عليه السلام: ( ) [الكهف: ٦٩]، فقد طلب موسى عليه السلام لحرصه على العلم وازدياده، أن يستطيع معه صبرًا بعد إفصاح الخضر عن حقيقة الأمر، فوعده بالصبر معلقًا بمشيئة الله، علمًا منه بشدّة الأمر وصعوبته، وأن الحمية التي تأخذ المصلح عند مشاهدة الفساد شيء لا يطاق65.

    ثالثًا: الحوار الدعوي:

    الحوار الدعوي من الأساليب الناجعة لتبليغ دعوة الله واقناع الآخرين، وإبراز الصورة واضحة جلية، وقد استخدم القرآن الكريم هذا الأسوب كثيرًا، ومثاله: قصة صاحب الجنتين حيث تضرب مثلًا للقيم الزائلة والقيم الباقية، وترسم نموذجين واضحين للنفس المعتزة بزينة الحياة، والنفس المعتزة بالله، وكلاهما نموذج إنساني لطائفة من الناس، صاحب الجنتين نموذج للرجل الثري، تذهله الثروة، وتبطره النعمة، فينسى القوة الكبر التي تسيطر على أقدار الناس والحياة، ويحسب هذه النعمة خالدة لا تفنى، فلن تخذله القوة ولا الجاه.

    وصاحبه نموذج للرجل المؤمن المعتز بإيمانه، الذاكر لربه، يرى النعمة دليلًا على المنعم، موجبة لحمده وذكره، لا لجحوده وكفره66.

    قال تعالى: ( ﯶﯷ ﯿ ﭽﭾ ﭿ ﮐﮑ ) [الكهف:٣٢ - ٤٢].

    تخبرنا آيات القصة عن وجود رجلين في الماضي، كان بينهما صلة وصحبة، أحدهما مؤمن، والآخر كافر، وقد أبهمت الآيات اسميّ الرجلين، كما أبهمت تحديد زمانهما ومكانهما وقومهما، فلا نعرف من هما، ولا أين عاشا، ولا في أيّ زمان وجدا، وقد ابتلى الله الرجل المؤمن بضيق ذات اليد، وقلة الرزق والمال والمتاع، لكنه أنعم عليه بأعظم نعمة، وهي نعمة الإيمان واليقين والرضا بقدر الله وابتغاء ما عند الله، وهي نعمٌ تفوق المال والمتاع الزائل، أما صاحبه الكافر فقد ابتلاه الله بأن بسط له الرزق، ووسّع عليه في الدنيا، وآتاه الكثير من المال والمتاع، ليبلوه هل يشكر أم يكفر؟ وهل يطغى أم يتواضع؟ وقد دار بينهما حوار دعوي مفعم باللفتات الدعوية التربوية والتي نذكر منها ما يأتي:

  1. في قوله: ( ).
    • قال الرازي: اعلم أن المقصود من هذا أن الكفار افتخروا بأموالهم وأنصارهم على فقراء المسلمين فبين الله تعالى أن ذلك مما لا يوجب الافتخار لاحتمال أن يصير الفقير غنيًّا والغني فقيرًا، أما الذي يجب حصول المفاخرة به فطاعة الله وعبادته وهي حاصلة لفقراء المؤمنين، وبين ذلك بضرب هذا المثل المذكور في الآية67.
    • وقال السعدي: الافتخار بأمر خارجي ليس فيه فضيلة نفسية، ولا صفة معنوية، وإنما هو بمنزله فخر الصبي بالأماني، التي لا حقائق تحتها، ثم لم يكفه هذا الافتخار على صاحبه، حتى حكم، بجهله وظلمه68.
  2. وفي قوله: ( ) [الكهف: ٣٥ - ٣٦]:
    • اطمئنان الرجل إلى الدنيا ورضاه بها وإعجابه بجنتيه حتى نسي أن الدنيا لا تبقى لأحد.
    • القياس الفاسد وإنكار البعث؛ حيث ظن أن الله لما أنعم عليه في الدنيا فلابد أن ينعم عليه في الآخرة، ولا تلازم بين هذا وذاك، بل إن الكفار ينعّمون في الدنيا وتعجّل لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا، ولكنهم في الآخرة يعذّبون.
    • تمرده وعناده ؛ لقوله: ( ) قاله على وجه التهكم والاستهزاء!.
    • الغالب أن الله يزوي الدنيا عن أوليائه وأصفيائه، ويوسّعها على أعدائه الذين ليس لهم في الآخرة من نصيب 69.
  3. وفي قوله: ( ﭽﭾ ﭿ ) [الكهف: ٣٧ - ٣٨].
    • إن عزة الإيمان في النفس المؤمنة تنتفض، فلا تبالي المال والنفر، ولا تداري الغنى والبطر، ولا تتلعثم في الحق، ولا تجامل فيه الأصحاب. وهكذا يستشعر المؤمن أنه عزيز أمام الجاه والمال، وأن ما عند الله خير من أعراض الحياة، وأن فضل الله عظيم وهو يطمع في فضل الله، وأن نقمة الله جبارة وأنها وشيكة أن تصيب الغافلين المتبطرين.
    • نصح صاحبه المؤمن له وتذكيره بنعم الله عليه، وكيف خلقه ونقله من طور إلى طور، ويسر له الأسباب، فكيف يليق بك أن تكفر بالله ؟!.
    • أن منكر البعث كافر، وفي قول المؤمن (ﭽﭾ ﭿ) دليل على أن صاحب الجنتين قد أشرك.
    • أن في تذكر الإنسان مبدأ أمره وخلقه موعظة عظيمة وذكرى70.
  4. وفي قوله: ( ﮐﮑ ) [الكهف: ٣٩].
    • أن نعمة الله على الإنسان بالإيمان والإسلام ولو مع قلة المال والولد هي النعمة الحقيقية، وما عداها معرض للزوال والعقوبة.
    • ينبغي للإنسان إذا أعجبه شيء أن يقول: ( ) حتى يفوض الأمر إلى الله لا إلى حوله وقوته.
    • من اعترف بفضل الله عليه، فإنه يبارك الله له فيما أعطاه، وأما من أشر وبطر، فلا يبارك الله له فيما آتاه ولا ينتفع به.
    • أن ما عند الله خير وأبقى، وما يرجى من خيره وإحسانه أفضل من جميع الدنيا التي يتنافس فيها المتنافسون71.
  5. وفي قوله: ( ) [الكهف: ٤٠]:
    • الإرشاد إلى التسلي عن لذات الدنيا وشهواتها بما عند الله من الخير.
    • الدعاء بتلف مال من كان ماله سبب طغيانه وكفره وخسرانه، خصوصًا إن فضّل نفسه بسبب ماله على المؤمنين وفخر عليهم.
    • أن دعاء المؤمن على جنتيّ الكافر كان غضبًا لله ؛ لكونها غرته وأطغته، لعله ينيب ويراجع رشده ويبصر في أمره.
    • لا حرج على الإنسان أن يدعو على ظالمه بمثل ما ظلمه.
    • في قوله: ( )، خص السماء لأن ما جاء من الأرض قد يدافع، لكن ما نزل من السماء يصعب دفعه ويتعذر. ابن عثيمين
    • قوله: ( )، أي: أفضل منها، وهي جنة الآخرة، وجنة الدنيا هي الفرح بفضل الله والالتذاذ بطاعته، والاغتباط بالأعمال الصالحة، والأنس بذكر الله وشكره، فهذا خير من متاع الدنيا متاع الغرور72.
  6. وفي قوله: ( ) [الكهف: ٤٢]:
    • استجابة الله لدعاء من دعاه.
    • كان مآل الجنتين الانقطاع والاضمحلال، وكأنه لم يتمتع بها.
    • الندم بعد فوات الأوان لا ينفع، إنما ينتفع من سمع القصة واعتبر بها.
    • أن ما افتخر به لم يدفع عنه من العذاب شيئًا.
    • أن سبب عقوبته لأنه أشرك بالله، ونسب نعمة الله إلى غيره، وفضل الله إلى نفسه وقوته وحيلته، وتناسى عطاء الله له73.

      رابعًا: الحوار العتابي:

      الحوار العتابي نوع من أنواع الحوارات المختلفة، يتعاتب الفرقاء فيما اختلفوا فيه، وقد يتعاتب الرؤساء والمرؤوسين فيه يوم يكونون سواء أمام رب العالمين، كما ويتعاتب أهل النار وهم في النار وكلٌّ منهم يلقي المسؤولية على الآخر، ويكون نقاشهم عقيمًا لا فائدة ترجى منه، وفيما يأتي بعض النماذج لذلك الحوار:

      ١. حوار ابني آدم عليه السلام.

      يقدم هذا الحوار نموذجًا لطبيعة الشر والعدوان ونموذجًا كذلك من العدوان الصارخ الذي لا مبرر له. كما تقدم نموذجًا لطبيعة الخير والسماحة ونموذجًا كذلك من الطيبة والوداعة. وتقفهما وجهًا لوجه، كل منهما يتصرف وفق طبيعته، وترسم الجريمة المنكرة التي يرتكبها الشر، والعدوان الصارخ الذي يثير الضمير ويثير الشعور بالحاجة إلى شريعة نافذة بالقصاص العادل، تكف النموذج الشرير المعتدي عن الاعتداء وتخوفه وتردعه بالتخويف عن الإقدام عن الجريمة فإذا ارتكبها- على الرغم من ذلك- وجد الجزاء العادل، المكافئ للفعلة المنكرة، كما تصون النموذج الطيب الخير وتحفظ حرمة دمه، فمثل هذه النفوس يجب أن تعيش، وأن تصان، وأن تأمن في ظل شريعة عادلة رادعة74.

      قال تعالى: ( ﮖﮗ ﮩﮪ ﯛﯜ ﯵﯶ ﯿ ﰁﰂ ) [المائدة:٢٧ - ٣٢].

      ولقد ظهر في الحوار بعض اللطائف واللفتات والتي نذكر منها ما يأتي:

    • العبرة في قصة ابني آدم عليه السلام أن الحسد كان سبب أول جريمة قتل في البشر، وأنه هو أس المفاسد والمعايب والرذائل في المجتمع، فالأمة المتحاسدة متمزقة متعادية متباغضة، لا تجتمع على خير، ولا تلتقي على فضيلة، ولا تتعاون على بر وصلاح وتقدم، مما يؤدي إلى الضعف والذل والهوان وعبودية أفرادها لمن سواهم75.
    • إن ابني آدم هذين في موقف لا يثور فيه خاطر الاعتداء في نفس طيبة، فهما في موقف طاعة بين يدي الله76.
    • إنّ اللّه تعالى لا يقبل طاعة إلا من مؤمن متقٍ77.
    • لم يسم الله سبحانه وتعالى المتقبل منه والذي لم يتقبل منه إذ لا جدوى لذلك في موقع العبرة، وإنما حمله على قتل أخيه حسده على مزية القبول، والحسد أول جريمة ظهرت في الأرض78.
    • وقوله: ( ) إلخ موعظة لأخيه ليذكره خطر هذا الجرم الذي أقدم عليه، وفيه إشعار بأنه يستطيع دفاعه ولكنه منعه منه خوف الله تعالى79.
    • ( ) دليل على الاستفادة من تجارب الآخرين.
    • قال ابن القيم: تأمل الحكمة في إرسال الله تعالى لابن آدم الغراب المؤذن اسمه بغربة القاتل من أخيه وغربته هو من رحمة الله وغربته من أبيه وأهله واستيحاشه منهم واستيحاشهم منه.
      والغراب أحد الفواسق الخمسة، وفعل ابن آدم وهو القتل من أعظم الفسق فناسب ما بعث إليه هذا الفعل، والله أعلم بمراد كتابه80.
    • ودلت آية: ( ) على تشريع القصاص في حق القاتل على بني إسرائيل. وقوله: ( ) ليس إشارة إلى قصة قابيل وهابيل، بل هو إشارة إلى ما ذكر في هذه القصة من أنواع المفاسد الحاصلة بسبب القتل الحرام وهو القتل العمد العدوان81.

      ٢. الحوار بين الأتباع والمتبوعين.

      هذا الحوار من الحوارات العقيمة بالنسبة لجدواها للمتحاورين، حيث لا تجلب لهم نفعًا، فهم يتعاتبون بعد انقضاء وقت العمل، ويتمنوا لو تكون لهم كرة ليتبرأوا منهم، وتكون عاقبة أمرهم خسرًا، ويريهم الله أعمالهم حسرات.

      قال تعالى: (ﭽﭾ ﭿ ﮇﮈ ﮍﮎ ﯘﯙ ﯟﯠ ) [البقرة:١٦٥- ١٦٧].

      لقد تضمنت الآيات السابقة مجموعة من الفوائد والدروس والعبر والتي نذكر منها:

    1. يذكر تعالى حال المشركين به في الدنيا وما لهم في الدار الآخرة، حيث جعلوا له أندادًا، أي: أمثالًا ونظراء يعبدونهم معه ويحبونهم كحبه، وهو الله لا إله إلا هو، ولا ضد له ولا ندّ له، ولا شريك معه82. وهؤلاء الذين يتخذون الأنداد مع الله، لا يسوونهم بالله في الخلق والرزق والتدبير، وإنما يسوونهم به في العبادة، فيعبدونهم، ليقربوهم إليه، وفي قوله: () دليل على أنه ليس لله ند، وإنما المشركون جعلوا بعض المخلوقات أندادًا له، تسمية مجردة، ولفظًا فارغًا من المعنى، كما قال تعالى: ( ﯭﯮ ﯹﯺ) [الرعد: ٣٣]83.
    2. من أسباب الحب: اعتقاد المحب أن في المحبوب قدرة فوق قدرته، ونفوذًا يعلو نفوذه، مع ثقته بأنه يهتم لأمره، ويعطف عليه بحيث يمكنه اللجأ إليه عند الحاجة فيستعين به على ما لا سبيل له إليه بدونه، فهذا الاعتقاد يحدث انجذابًا من المعتقد يصحبه شعور خفي بأن له قوةً عاليةً مستمدةً ممن يحب، ويعظم هذا النوع من الحب بمقدار ما يعتقد في المحبوب من الصفات والمزايا التي بها كان مصدر المنافع وركن اللاجئ، وكل ما للمخلوق من ذلك فهو داخل في دائرة الأسباب والمسببات والأعمال الكسبية84.
    3. وفي قوله: ( ) حبًّا مطلقًا من كل موازنة، ومن كل قيد، أشد حبًّا لله من كل حب يتجهون به إلى سواه، والتعبير هنا بالحب تعبير جميل، فوق أنه تعبير صادق، فالصلة بين المؤمن الحق وبين الله هي صلة الحب، صلة الوشيجة القلبية، والتجاذب الروحي، صلة المودة والقربى، صلة الوجدان المشدود بعاطفة الحب المشرق الودود85.
    4. موقف المشركين يوم القيامة عندما يرون جزاء أعمالهم وجزاء إتباعهم لرؤسائهم على معصية الله تعالى، حينما يرون العذاب هو التخلي، قال تعالى: ( ) [البقرة: ١٦٥]. قال ابن كثير: «لو عاينوا العذاب لعلموا حينئذ أن القوة لله جميعًا، أي: إن الحكم له وحده لا شريك له، وأن جميع الأشياء تحت قهره، وغلبته، وسلطانه»86، ثم يبدأ المتبوعون بالتخلي عن أتباعهم87.
    5. إن أعظم جريمة عند اللّه هي: الشرك به قال تعالى: ( ) [النساء:٤٨]، وفي الصحيحين عن عبد اللّه بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أيّ الذنب أعظم عند الله ؟ قال: (أن تجعل للّه ندًّا وهو خلقك)8889.
    6. تحذير العلماء من أن يتخذوا السلاطين أندادًا من دون الله، و«هم علماء الدنيا فإنهم يحلون لمرضاتهم ويحرمون، ويخالفون النصوص الصريحة بضروب سخيفة من التأويل لموافقة أهوائهم، فإن لم يفتوهم بخلاف النص التماسًا لخيرهم، أو هربًا من سخطهم كتموا حكم الله من أجل ذلك، فترى أحدهم إذا سئل: أهذا حق أم باطل وحلال أم حرام ؟ يغض من صوته بالجواب، ولا يجهر بالقول مداراةً للعوام، إذا كان الجواب على غير ما هم عليه، ولا سيما إذا كان هؤلاء العامة من الأغنياء وأصحاب السلطة90.
    7. «يتبرأ العابدون أيضًا من معبوديهم، ويتمنون الرجوع إلى الدنيا حتى يعملوا صالحًا ويتبرأوا من الآلهة المزعومة، بل إنهم يطلبون من اللّه مضاعفة العذاب لهم، كما قال اللّه تعالى: ( ﭽﭾ ﭿ ) [الأحزاب:٦٦ -٦٧]، وهم في هذا التمني كاذبون، بل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه، وإنهم لكاذبون»91.
    8. دلت الآيات على أن الإتباع في غير طريق الله شرك يعقب ندامة يوم القيامة فلينظر الإنسان من يتبع ؟ وعلى ماذا ؟ وبماذا؟ وإلا فإنه سيكون من النادمين فإذا قال الله: ( ) [التوبة:٣١] لمن تابعوا رجال دينهم في تحليل الحرام وتحريم الحلال، فكيف بمن يتبع من لا يعترف بحلال وحرام أصلًا؟!92.
    9. لا عذر لأحد في التقليد المحض ولا الاتباع المحض، فالاتباع لا بد أن يكون مبنيًّا على بصيرة وعلم، وليس على هوى ومعصية، ولا يعذر الإنسان في اتباع مثل هذا الاتباع93.
    10. قوله تعالى: ( ) دليل على خلود الكفار فيها، وأنهم لا يخرجون منها، وهذا قول جماعة أهل السنة لهذه الآية، ولقوله تعالى: ( )[الأعراف:٤٠]94، وهذا الخلود والاشتراك في العذاب إنما يعم الأتباع والمتبوعين.

      ٣. التحاور بين أهل النار.

      كما في الجنة نعيمٌ مادي ونعيمٌ معنوي، هناك في النار أيضًا عذاب مادي وآخر نفسي معنوي، والذي يتمثل في التشفّي والانتقام من بعضهم البعض، ولقد ظهر واضحًا جليًّا في محاورة أهل النار لبعضهم وتعاتبهم الذي أفضى لطلب المزيد من العذاب، وفيما يلي توضيح ذلك:

      قال الله تعالى: ( ﯷﯸ ﯽﯾ ﯿ ﰋﰌ ﭽﭾ ﭿ ) [الأعراف:٣٧-٣٩].

      أخبر الله تعالى في هذه الآيات الكريمات أنه لا أحد أخطأ فعلًا، وأجهل قولًا، وأبعد ذهابًا عن الحق والصواب ممن اختلق على الله زورًا من القول، فقال إذا فعل فاحشة: إن الله أمرني بها، أو كذب بأدلته، وأعلامه الدّالة على وحدانيته، ونبوّة أنبيائه، فجحد حقيقتها ودافع صحتها، فهذا سينال العقاب من الله تعالى، وسيصل إليه حظهم مما كتب الله له في اللوح المحفوظ، وسيأخذوا حظوظهم التي قدرها الله تعالى لهم في الدنيا، إلى أن يتوفاهم فينالوا مصيرهم في الآخرة95.

      ولقد تضمنت هذا الآيات العديد من الدروس والعبر واللفتات والهدايات، نقتطف منها ما يأتي:

    1. ( ) [الأعراف: ٣٨]، أي: يقول الله لكفار العرب، وهم المفترون الكذب والمكذبون بالآيات وذلك يوم القيامة «وعبر بالماضي لتحقّق وقوعه، وقوله ذلك على لسان الملائكة»96: ( ) على مذهبكم ( )، يعني: النار (): جماعة، ( ) يعني: «لعنت الأمة التي دخلت قبلها النار»97، «إذ هي قد ضلّت باتّباعها وتقليدها في الكفر، كما قال تعالى: ( ﭽﭾ ﭿ )[العنكبوت:٢٥].وهكذا يلعن أصناف الكفار بعضهم بعضًا، ويتبرّأ بعضهم من بعض»98، قال مقاتل: «يعني: لعنوا أهل ملتهم»99، فيلعن المشركون المشركين واليهود اليهود، وكذلك النصارى النصارى والمجوس المجوس ويلعن الأتباع القادة يقولون: لعنكم الله أنتم غررتمونا100.
    2. ( )، أي: تداركوا بمعنى تلاحقوا واجتمعوا في النار، ( ) منزلة، وهي: الأتباع والسفلة () منزلة، وهي القادة والرؤوس، ومعنى (): لأجل أولاهم؛ لأن خطابهم مع الله لا معهم، ( ): مضاعفًا، ( )101، «للقادة ضعف؛ لغوايتهم وإغوائهم؛ لضلالهم وإضلالهم، وللأتباع ضعف؛ لكفرهم؛ ولاقتدائهم؛ ولتقويتهم أمر القادة، فلولا الأتباع ما كان للقادة سلطان، أو للمستقدمين ضعف بضلالهم وإضلالهم، وللمتأخرين ضعف بضلالهم ومتابعتهم»102.
    3. (ﭽﭾ ﭿ)، أي: الرؤساء قالوا لأتباعهم: ( ) أي: قد اشتركنا جميعًا في الغي والضلال، وفي فعل أسباب العذاب، فأي فضل لكم علينا، ( )، ولكنه من المعلوم أن عذاب الرؤساء، وأئمة الضلال أبلغ وأشنع من عذاب الأتباع، كما أن نعيم أئمة الهدى ورؤسائه أعظم من ثواب الأتباع، قال تعالى: ( ) [النحل:٨٨]، فهذه الآيات ونحوها، دلت على أن: سائر أنواع المكذبين بآيات اللّه مخلدون في العذاب، مشتركون فيه وفي أصله، وإن كانوا متفاوتين في مقداره، بحسب أعمالهم وعنادهم وظلمهم وافترائهم، وأن مودتهم التي كانت بينهم في الدنيا تنقلب يوم القيامة عداوة وملاعنة103.
    4. شر الظلم ما كان كذبًا على الله تعالى، وتكذيبا بشرائعه104.
    5. بينت هذه الآيات أن هؤلاء الناس اجتمعوا في الدنيا على الباطل، ثم يوم القيامة تتفكك الروابط، وتنقلب المحبة إلى عداوة وبغضاء، قال سيد قطب: «كانت هذه الأمم، والجماعات، والفرق في الدنيا من الولاء بحيث يتبع آخرها أولها، ويملي متبوعها لتابعها، فلننظر اليوم كيف تكون الأحقاد بينها، وكيف يكون التنابز فيها، كلما دخلت أمة لعنت أختها، فما أبأسها نهاية تلك التي يلعن فيها الابن أباه، ويتنكر فيها الولي لمولاه»105، وهذا كما أخبر الله تعالى: ( ) [الزّخرف:٦٧]، «السّادة والأتباع في الكفر سواء، يدخلون النّار، ويضاعف لهم العذاب، إما بالإضلال وهو فعل السّادة، أو بالتّقليد وإهمال العقل، وهو فعل الأتباع، والتّعذيب ليس تشفّيًا وانتقامًا، وإنما هو بسبب اقتراف السّيئات واعتقاد الكفر»106.
    6. بينت الآيات أن من أعظم أسباب الانحراف لدى الناس هو: التقليد الأعمى لبعضهم في مسائل الاعتقاد، وقد ذم اللّه تعالى الكفار باتباعهم لآبائهم في الباطل107، «واقتدائهم بهم في الكفر والمعصية، وتركهم النظر فيما دعاهم إليه الرسول صلى الله عليه وسلم108، وهذا في الباطل صحيح، أما التقليد في الحق فأصل من أصول الدين109. ولعل القرطبي أراد بالتقليد الذي يعتبر أصلًا من أصول الدين هو التقليد: في فرعيات مسائل الدين. قال الشيخ أبو بكر الجزائري: يحرم التقليد في العقائد مطلقًا110، وإنما لا بدّ من غرس العقيدة بالحجة والبرهان111، أما في الفروع فهو أهون، والتقليد هو قبول الحكم بلا دليل ولا حجة112، وقال ابن عطية: أجمعت الأمة على إبطال التقليد في العقائد113.
    7. كل دعاة التقليد الأعمى من هؤلاء المضلين الذين يضاعف لهم العذاب، وأن أئمة الهدى من علماء السلف ليسوا منهم ؛ لأنهم كانوا يستنبطون الأحكام من الكتاب والسنة ؛ ليفتحوا للناس أبواب الفهم والفقه فيهما، مع نهيهم عن تقليدهم، وأمرهم بعرض كلامهم على الكتاب والسنة، وأخذ ما وافقهما ورد ما عداه، ومنهم الأئمة الأربعة الذين تنتمي إليهم طوائف السنة، وأئمة العترة الذين تنتمي إليهم الشيعة114.

      خامسًا: الحوار العقيم:

      الغاية من الحوار هي الوصول إلى ما يريح النفس من اقتناعٍ وتسليم، ولكن هناك حوارات عديدة وردت في القرآن الكريم، لم تكن هذه الغاية هدفها؛ فجاءت عقيمة الفائدة للمتحاورين، وذلك زيادة في تعذيبهم عذابًا نفسيًا بجانب العذاب الجسدي، ومن أمثل هذا النوع: الحوار الذي دار بين المستكبرين والأتباع وخزنة النار، وحوار الضعفاء والمستكبرين بين يدي الله، وحوار الشيطان وأتباعه في النار، وحوار الكافر وقرينه الشيطان بين يدي الله، وفيما يأتي تفصيل ذلك.

      ١. حوار المستكبرين والأتباع وخزنة النار.

      يخبر تعالى عن تخاصم أهل النار، وعتاب بعضهم بعضًا واستغاثتهم بخزنة النار، وعدم الفائدة في ذلك فقال: ( ﭖﭗ ﭙﭚ ﭜﭝ ) [غافر:٤٧ - ٥٠].

      يحتج التابعون بإغواء المتبوعين، ويتبرأ المتبوعون من التابعين، فيقول الضّعفاء: أنتم أغويتمونا، وأضللتمونا، وزينتم لنا الشرك والشر، فهل تستطيعوا أن تخففوا عنا من عذاب الله ولو قليلًا؟؛ فيرد عليهم القادة المستكبرون: إن الله جعل لكل منا قسطًا من العذاب، فلا يزاد في ذلك ولا ينقص منه، ولا يغير ما حكم به الحكيم115.

      قال الفخر الرازي: «واعلم أن أولئك الأتباع يعلمون أن أولئك الرؤساء لا قدرة لهم على ذلك التخفيف، وإنما مقصودهم من هذا الكلام المبالغة في تخجيل أولئك الرؤساء، وإيلام قلوبهم؛ لأنهم هم الذين سعوا في إيقاع هؤلاء الأتباع في أنواع الضلالات، فعند هذا يقول الرؤساء: ( )، يعني: أن كلنا واقعون في هذا العذاب، فلو قدرت على إزالة العذاب عنك لدفعته عن نفسي، ثم يقولون: ( )، يعني: يوصل إلى كل أحد مقدار حقه من النعيم أو من العذاب»116.

      ولما يئسوا من السادة اتّجهوا إلى خزنة جهنم يطلبون منهم الدعاء:

      أهل النار: ادعوا اللّه ربّكم لعله أن يخفف عنا مقدار يوم من العذاب.

      خزنة النار: أو ما جاءتكم الرسل في الدنيا بالحجج والأدلة الواضحة على توحيد اللّه، والتحذير من سوء العاقبة ؟

      أهل النار: بلى، قد جاءتنا الرسل، فكذبناهم، ولم نؤمن بهم ولا بما جاؤوا به من الحجج.

      خزنة النار: إذا كان الأمر كما ذكرتم، فادعوا أنتم لأنفسكم، فنحن لا ندعو لمن كفر باللّه وكذّب رسله، ولا فائدة من دعائكم117.

      ويظهر من خلال هذا الحوار بعض الدروس والعبر واللفتات، نذكر منها:

      • «هذه كانت خصومة بين الأتباع مع المتبوعين، ولم تنته إلى طائل إلا زيادة الحسرة والغم والهم»118.
      • التنديد بالكبر والاستكبار؛ إذ الكبر عائق عن الطاعة والاستقامة.
      • «لا يستجاب دعاء الكافر في الدنيا والآخرة إلا ماشاء الله، ولا تقبل المعذرة يوم القيامة، ولا يستجاب الدعاء لمن في النار»119.

        ٢. الحوار بين الضعفاء والمستكبرين.

        قال الله تعالى: ( ﭺﭻ ﭽﭾ ﭿ ﮀﮁ ) [إبراهيم:٢١].

        بين الله تعالى في هذه الآية الكريمة أن الله تعالى يجمع الخلائق كلها، برها وفاجرها، في براز من الأرض، وهو المكان الذي ليس فيه شيء يستر أحدا، ويبدأ الجدال بين الأتباع وسادتهم، حيث يقول الأتباع لقادتهم وسادتهم وكبرائهم الذين استكبروا عن عبادة، الله وحده لا شريك له، وعن موافقة الرسل: ( ).

        أي: فهل تدفعون عنا شيئًا من عذاب الله، كما كنتم تعدوننا وتمنوننا؟ فقالت القادة لهم: ( ﭽﭾ ﭿ )، ولكن حق علينا قول ربنا، وسبق فينا وفيكم قدر الله، وحقت كلمة العذاب على الكافرين.

        ( )، أي: ليس لنا خلاص مما نحن فيه إن صبرنا عليه أو جزعنا منه120.

        قال سيد قطب رحمه الله : «والضعفاء هم الضعفاء، هم الذين تنازلوا عن أخص خصائص الإنسان الكريم على الله، حين تنازلوا عن حريتهم الشخصية في التفكير والاعتقاد والاتجاه، وجعلوا أنفسهم تبعًا للمستكبرين والطغاة، ودانوا لغير الله من عبيده واختاروها على الدينونة لله.

        والضعف ليس عذرًا، بل هو الجريمة، فما يريد الله لأحد أن يكون ضعيفًا، وهو يدعو الناس كلهم إلى حماه يعتزون به والعزة لله، وما يريد الله لأحد أن ينزل طائعًا عن نصيبه في الحرية التي هي ميزته ومناط تكريمه أو أن ينزل كارهًا، والقوة المادية كائنة ما كانت لا تملك أن تستعبد إنسانًا يريد الحرية، ويستمسك بكرامته الآدمية، فقصارى ما تملكه تلك القوة أن تملك الجسد، تؤذيه وتعذبه وتكبله وتحبسه، أما الضمير، أما الروح، أما العقل: فلا يملك أحد حبسها، ولا استذلالها، إلا أن يسلمها صاحبها للحبس والإذلال»121.

        ٣. الحوار بين الشيطان وأتباعه.

        قال الله تعالى: ( ﮗﮘ ﮣﮤ ﮨﮩ ﮯﮰ ﯗﯘ ) [إبراهيم:٢٢].

        لما ذكر المناظرة التي وقعت بين الرؤساء والأتباع من كفرة الإنس: أردفها بالمناظرة التي وقعت بين الشيطان وبين أتباعه من الإنس122، وموضوع المناظرتين واحد، وهو: تبرؤ المتبوع من التابع، ولكن الشيطان كان أصدق في هذه المحاورة من الإنسان ؛ لأنه أعلن أن اللّه وعد الناس وعد الحق، وهو البعث والجزاء على الأعمال، فوفى لهم بما وعدهم، وأما هو فوعد الناس بخلاف ذلك، وأنه لا بعث ولا جزاء، فأخلف الوعد123.

        ففي الآية: يخبر الله تعالى عن موقف إبليس يوم القيامة، فبعد أن يقضى الأمر ويدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، ويستقرّ كل فريق منهم قرارهم124، ينادي إبليس في جماعته الذين أغواهم: إن الله وعدكم، أيها الأتباع، النار، ووعدتكم النّصرة، فأخلفتكم وعدي، ووفى الله لكم بوعده، وما كان لي عليكم، فيما وعدتكم من النصرة، من حجة تثبت لي عليكم بصدق قولي: ( )، وهذا من الاستثناء المنقطع عن الأول، بمعنى: ولكن دعوتكم فاستجبتم لي، استجبتم إلى طاعتي، ومعصية الله، فلا تلوموني على إجابتكم إياي، ولكن لوموا أنفسكم، فلا أنا مغيثكم من عذاب الله، ولا أنتم مغيثي؛ لأني جحدت أن أكون شريكًا لله فيما أشركتموني فيه من عبادتكم في الدنيا، فالعذاب لكل من كفر بالله125.

        قال ابن عاشور: «وقد جيء في هذه الآية بوصف حال الفرق يوم القيامة، ومجادلة أهل الضلالة مع قادتهم، ومجادلة الجميع للشيطان، وكون المؤمنين في شغل عن ذلك بنزل الكرامة، والغرض من ذلك تنبيه الناس إلى تدارك شأنهم قبل الفوات، فالمقصود: التحذير مما يفضي إلى سوء المصير»126.

        ٤. حوار الكافر وقرينه (الشيطان) بين يدي الرحمن.

        قال تعالى: ( ) [ق:٢٧ - ٢٩].

        يخبر الله تعالى أن الكافر يقول يوم القيامة عن قرينه، وهو الشيطان الذي وكل به: يا رب، هذا أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني، فيقول القرين: ما أضللته، بل كان هو في نفسه ضالًّا قابلًا للباطل معاندًا للحق، فيقول الرب عز وجل لهما: ( ) أي: عندي، ( ) أي: قد أعذرت إليكم على ألسنة الرسل، وأنزلت الكتب، وقامت عليكم الحجج والبينات والبراهين127 على أن من كفر بالله وأشرك به وعصى رسله فإن له نار جهنم خالدًا فيها أبدًا)128.

        ثم يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيله للمشركين وقرنائهم من الجنّ يوم القيامة، إذ تبرأ بعضهم من بعض: ما يغير القول الذي قلته لكم في الدنيا، وهو قوله: ( ﮚﮛ ) [الأعراف:١٨]، ولا قضائي الذي قضيته فيهم فيها)129.

        أهم الفوائد والدروس والعبر المستفادة من هذه الحوارات:

      1. بيان أن التقليد والتبعية لا تكون عذرًا لصاحبها عند الله تعالى130.
      2. العتاب والنزاع والخصام قائم بين أهل النار، فهذه محاورة بين القادة والأتباع تدل على عجز السادة عن تحقيق أي شيء لأتباعهم الذين اتبعوهم في الدنيا، فهم لا يستطيعون تخليص أنفسهم من عذاب اللّه، ولا تحقيق أي نفع لذواتهم، فبالأولى لا يتمكنون من نفع غيرهم، والكل لا يجدون مهربًا ولا ملجأ من عذاب اللّه، وعقابه على الكفر والعصيان، وذلك سواء صبروا على العذاب، أو جزعوا وضجروا.
      3. إقرار السادة بالضلال، فدعوا أتباعهم إلى الضلال، ولو هدوا وأرشدوا لأرشدوا غيرهم، وهذا كذب منهم، كما قال تعالى حكاية عن المنافقين: ( ﯬﯭ )[ المجادلة: ١٨]131.
      4. بيان أن الشيطان هو المعبود من دون الله تعالى، إذ هو الذي دعا إلى عبادة غير الله وزينها للناس132.
      5. استنبط الرازي من هذه الآيات «أن الشيطان الأصلي هو النفس، وذلك؛ لأن الشيطان بين أنه ما أتى إلا بالوسوسة، فلولا الميل الحاصل بسبب الشهوة، والغضب، والوهم والخيال، لم يكن لوسوسته تأثير البتة، فدل هذا على أن الشيطان الأصلي هو النفس»133.
      6. كانت مواعيد الشيطان باطلة، ووعد اللّه هو الحق، واتبع الناس قول الشيطان بلا حجة ولا برهان، وتبرأ الشيطان منهم، ومن عملهم، فليس لهم لوم عليه، إنما عليهم اللوم، وأيأسهم بأنه لا نصر عنده، ولا عون، ولا إغاثة، بل هو محتاج إلى من ينصره، وكفر بشركهم له في الدنيا، وهذا تنبيه لهم مما سيلقونه من العذاب134.
      7. لم يكن للطغاة أن يتسلطوا على الضعفاء إلا لما أهدر الضعفاء حرياتهم في العقيدة، والتفكير، وفي كل شيء، وأسلموها للطغاة، واشتروا بعقولهم أهواءهم فصاروا عبيدًا للشيطان، قال سيد قطب: إن الطغاة لا يملكون أن يستذلوا الجماهير إلا برغبة هذه الجماهير، فهي دائمًا قادرة على الوقوف لهم لو أرادت، فالإرادة هي التي تنقص هذه القطعان، إن الذل لا ينشأ إلا عن قابلية للذل في نفوس الأذلاء، وهذه القابلية هي وحدها التي يعتمد عليها الطغاة 135.
      8. كل من الشيطان والفاجر الكافر يلقي التبعة في كفره على الآخر، ويتبرأ الشيطان من الكافر، ويكذبه يوم القيامة، وينسب الطغيان والكفر له، لا لنفسه، والحق أن كلا الفريقين في النار، وقد أعذر من أنذر، واللّه تعالى أرسل الرسل، وأنزل الكتب لهداية الإنس والجن، فاختار كل منهما ما يحلو له136.
      9. أخبر تعالى ذكره هذا الخبر، عن قول قرين الكافر له يوم القيامة إعلامًا منه عباده: تبرأ بعضهم من بعض يوم القيامة 137.
      10. نفي الظلم عن الله تعالى، وهو كذلك فلا يظلم الله أحدًا من خلقه138.

        قواعد الحوار

        إن قواعد الحوار والاختلاف وضوابطه هي العاصم للمتحاورين من الغلو وشتم الآخرين إن كان الحق هو الرائد والمطلوب، أما إذا كان الخلاف انتصارًا لأهواء سياسية وتعصبًا أعمى، فهذا أمر لا ينفع معه قواعد ولا ضوابط، إذ إن الهوى ليس له ضوابط ولا موازين، ولذلك حذرنا الله تعالى من اتباع الهوى فقال سبحانه وتعالى: ( ﯸﯹ ﯿ) [القصص:٥٠]، لذا فلابد من تسليط الضوء على بعض تلك القواعد القرآنية والتي منها:

        أولًا: الحوار بالتي هي أحسن:

        إن من أهم ما يتوجه إليه المحاور في حواره، التزام الحسنى في القول والمجادلة، قال تعالى: ( )[الإسراء:٥٣].

        وقال عز وجل: ( ﮬﮭ )، وقوله تعالى: ( ) [البقرة:٨٣]؛ فعلى المحاور اللبيب طالب الحق، أن ينأى بنفسه عن أسلوب الطعن والتجريح والهزء والسخرية، وألوان الاحتقار والإثارة والاستفزاز، حتى لو تعرض للاحتقار والازدراء؛ قال الطبري: وخاصمهم بالخصومة التي هي أحسن من غيرها أن تصفح عما نالوا به عرضك من الأذى139.

        ومن لطائف التوجيهات الإلهية لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الباب، الانصراف عن التعنيف في الردّ على أهل الباطل، حيث قال الله لنبيه: ( ) [الحج: ٦٨ -٦٩]، وقوله: ( ﭽﭾ) [سبأ:٢٤]، مع أن بطلانهم ظاهر، وحجتهم داحضة.

        ويلحق بهذا الأصل: تجنب أسلوب التحدي والتعسف في الحديث، ويعتمد إيقاع الخصم في الإحراج، ولو كانت الحجة بينه والدليل دامغًا، فإن كسب القلوب مقدم على كسب المواقف، وقد تفحم الخصم ولكنك لا تقنعه، وقد تسكته بحجة ولكنك لا تكسب تسليمه وإذعانه، وأسلوب التحدي يمنع التسليم، ولو وجدت القناعة العقلية. والحرص على القلوب واستلال السخائم أهم وأولى عند المنصف العاقل من استكثار الأعداء واستكفاء الإناء. وإنك لتعلم أن إغلاظ القول، ورفع الصوت، وانتفاخ الأوداج، لا يولّد إلا غيظًا وحقدًا وحنقًا، ومن أجل هذا فليحرص المحاور؛ ألا يرفع صوته أكثر من الحاجة فهذا رعونة وإيذاء للنفس وللغير، ورفع الصوت لا يقوّي حجة ولا يجلب دليلًا ولا يقيم برهانًا؛ بل إن صاحب الصوت العالي لم يعل صوته -في الغالب -إلا لضعف حجته وقلة بضاعته، فيستر عجزه بالصراخ ويواري ضعفه بالعويل، وهدوء الصوت عنوان العقل والاتزان، والفكر المنظم والنقد الموضوعي140.

        ثانيًا: الإنصات الجيد وحسن الاستماع:

        الإنصات الجيد هو بداية الحوار الفعّال الناجح مع الآخرين، والغريب أن الذين يتقنون هذه المهارة قلائل جدًّا، لذلك كان من الضروري أن نتعلم هذه المهارة؛ لأنها ستفتح لنا مجالًا أكبر للتواصل مع من حولنا والتحاور بصورة أفضل وستفتح لنا المجال في بناء علاقات مميزة مع الآخرين.

        والإنصات: هو السكوت للاستماع141، وهناك فرق بين السماع والاستماع: فالسماع قد يكون بغير قصد ولا انتباه، أما الاستماع فهو بقصد وانتباه وتركيز كما جاء في معجم الفروق اللغوية: إن الاستماع هو استفادة المسموع بالإصغاء إليه ليفهم، ولهذا لا يقال: إن الله يستمع، وأما السماع فيكون اسمًا للمسموع يقال لما سمعته من الحديث: هو سماعي، ويقال للغناء: سماع، ويكون بمعنى السمع، تقول: سمعت سماعًا، كما تقول: سمعت سمعًا142.

        ويظهر ذلك جليًّا في قوله تعالى: ( ) [الجنّ:١]، يقول البقاعي: () أي: بغاية الإصغاء والإقبال والتقبل والإلف استماعًا هو الاستماع في الحقيقة143.

        أهمية الاستماع والإنصات في الحوار:

        إن عملية الاستماع هي المقدمة الطبيعية لغالب العمليات الفكرية والعقلية الموجهة للسلوك البشري التنموي التحاوري، والسماع هو مفتاح الفهم والتأثر والإقناع والتشبع بالأفكار؛ لذا قال الله تعالى: ( ) [فصّلت:٢٦]، فما داموا لا يسمعون له فلن يتأثروا به، كما أنهم لمّا انقشع عنهم الغمام تمنوا لو أنهم كانوا قد أحسنوا السماع، ( ) [الملك:١٠]، إننا نستمع أحيانًا بدون وعي، فإذا اجتمع مع الاستماع وعيٌ يكون الإصغاء، وهو سماع الأذن بوعي وتفهّم، والإصغاء الفعال هو الاستماع والإنصات المركّز لمجموعة من المعلومات حول موضوع ما لغرض التفهّم الكامل لذلك الموضوع. وهو مهارة مهمة إذ إنه يبني نوعًا من الثقة والمودة المتبادلة ويعزز التفاهم والتواصل، ومعظم المشاكل التي تحدث في العلاقات بين الناس يكون عدم الإلمام بهذه المهارة سببًا رئيسًا فيها144.

        ومن أهم فنون التواصل مع الآخرين عند دعوتهم أو الحوار معهم: أن تستمع إليهم لكي تعطيهم فرصة للتكلم والتعبير عن آرائهم ووجهة نظرهم، «والواجب على العاقل أن ينصف أذنيه من فيه، ويعلم أنّه إنّما جعلت له أذنان وفم واحدٌ ليسمع أكثر ممّا يقول؛ لأنّه إذا قال ربّما ندم، وإن لم يقل لم يندم، وهو على ردّ ما لم يقل أقدر منه على ردّ ما قال، والكلمة إذا تكلّم بها ملكته، وإن لم يتكلّم بها ملكها»145.

        وقد ترتب في سورة الأحقاف على حسن الاستماع والإنصات دعوة أمة الجن بأسرها كما يصور ذلك المشهد سيد قطب رحمه الله في تفسيره لقوله تعالى: ( ) [الأحقاف:٢٩]، حيث قال: وتلقي هذه الكلمة ظلال الموقف كله طوال مدة الاستماع. وهذه تصور الأثر الذي انطبع في قلوبهم من الإنصات للقرآن. فقد استمعوا صامتين منتبهين حتى النهاية. فلما انتهت التلاوة لم يلبثوا أن سارعوا إلى قومهم، وقد حملت نفوسهم ومشاعرهم منه ما لا تطيق السكوت عليه، أو التلكؤ في إبلاغه والإنذار به. وهي حالة من امتلأ حسه بشيء جديد، وحفلت مشاعره بمؤثر قاهر غلاب، يدفعه دفعًا إلى الحركة به والاحتفال بشأنه، وإبلاغه للآخرين في جد واهتمام146.

        قال المراغي: فلما حضروا الرسول قال بعضهم لبعض: أنصتوا مستمعين، فلما فرغ من تلاوته رجعوا إلى قومهم لينذروهم بأس الله وشديد عذابه147.

        والإنصات الجيد يؤثر في النفس أبلغ الأثر، ويزيد القدرة على الاستيعاب، فقد جاء في تفسير هذه الآية: قال بعضهم لبعض: أنصتوا؛ لنستمع القرآن، فلما فرغ الرسول من تلاوة القرآن، وقد وعوه وأثّر فيهم، رجعوا إلى قومهم منذرين ومحذرين لهم بأس الله، إن لم يؤمنوا به148.

        وحسن الاستماع من الآداب الإسلامية والأخلاق الرفيعة؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه من يناقشه استمع إليه وأنصت لكلامه حتى يفرغ من حديثه ثم أجابه.

        وخير مثال على ذلك من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم إنصاته الجيد لعتبة بن ربيعة في القصة المشهورة، حيث قال عتبة: (.... إنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فرقت به جماعتهم، وسفهت به أحلامهم، وعبت به آلهتهم ودينهم، وكفرت به من مضى من آبائهم، فاسمع مني أعرض عليك أمورًا تنظر فيها، لعلك تقبل منها بعضها. قال: فقال رسول صلى الله عليه وسلم: قل يا أبا الوليد أسمع، قال: يا ابن أخي، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالًا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالًا، وإن كنت تريد به شرفًا سوّدناك علينا، حتى لا نقطع أمرًا دونك، وإن كنت تريد به ملكًا ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيًا تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه- أو كما قال له- حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع منه: قال: أو قد فرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم، قال: فاسمع مني، قال: أفعل، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم: ( ) [فصّلت:١-٥].

        ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها يقرؤها عليه، فلما سمعها منه عتبة أنصت لها، وألقى يديه خلف ظهره معتمدًا عليهما، يسمع منه، ثم انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة منها فسجد، ثم قال: قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك. فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به.

        فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: ورائي أني سمعت قولًا والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر، ولا بالسحر، ولا بالكهانة، يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي، وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه، فاعتزلوه، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم، وعزّه عزّكم، وكنتم أسعد الناس به، قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه، قال: هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم)149.

        وهكذا نلاحظ أنه لما جاء عتبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحاوره في دينه ويبين له على ما ترتب على دعوته إلى دين الإسلام من أمور يظنها مفاسد من التفريق بين الوالد والولد، وجعل ذلك تسفيهًا لدين الآباء والأجداد، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أو قد فرغت يا أبا الوليد؟) قال: نعم، فالنبي صلى الله عليه وسلم استمع له وأنصت له حتى أكمل كلامه كله، فلما قضى كلامه قرأ عليه من سورة فصلت فكان ذلك سببًا في تغيير شيء من موقفه150.

        فمن هذا الموقف العظيم ندرك كم لأهمية الإنصات الجيد وحسنه من أثر إيجابي على الآخرين؛ فقد أثر على صنديد من صناديد قريشٍ أبلغ التأثير.

        ثالثًا: إبراز الحقائق:

        إن من القواعد والمبادئ الأساسية للحوار والتي جاءت بها شريعة الإسلام لقطع الخلاف: إبراز الدليل الناصع، والبرهان الساطع151، والتي تتمثل في أمرين: إبراز الحقائق المثبتة، وصحة النقل، وعليها وضع العلماء قاعدتهم المشهورة: (إن كنت ناقلًا فالصحة، أو مدّعيًا فالدليل)152.

        وقد وردت الإشارة إلى مضمون هذه القاعدة في كثير من الآيات القرآنية التي تطالب الطرف الآخر بتقديم البراهين والحجج المنطقية، منها قوله تعالى: ( ﭚﭛ ﭞﭟ ) [النمل:٦٤]، وقوله تعالى: ( ﯹﯺ ﯽﯾ ﯿ ﰅﰆ ﰋﰌ ) [الأنبياء:٢٤].

        ففي هذه النصوص يأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يطالب المشركين بتقديم براهينهم وأدلتهم على ما يقدمون من دعاوى إن كانوا على يقين من الأمور التي يعتقدونها: ( ﯰﯱ ﯳﯴ ) [البقرة:١١١].

        وهكذا نجد أن المحاورة في القرآن الكريم تعتمد على العقل والمنطق، ولا تتأثر بأي عامل أو مؤثر خارجي كالنبوة والرسالة والوحي، ولاشك أن الحوار الذي يعتمد على الحجة الواضحة والدليل المنطقي القوي سيؤدي في النهاية إلى الحرية في التفكير، والتخلص من التعصب والانحياز، فنحن نرى أن إبراهيم عليه السلام في حواره مع الله عز وجل يتقدم للمحاورة وكأنه متجردٌ من النبوة، بل من الإيمان: ( ﭘﭙ ﭜﭝ ) [البقرة:٢٦٠].

        فإبراهيم في هذه المحاورة يريد التحاور ضمن قواعد العقل والمنطق، ويرفض وجود أي مؤثر في المحاورة غير العقل153.

        ولقد ظهرت تلك القاعدة أيضًا واضحة جلية في حوار إبراهيم عليه السلام مع الملك الكافر الظالم الذي كان يعيش في عصره.

        قال تعالى: ( ﭽﭾ ﭿ ﮃﮄ ﮓﮔ ) [البقرة:٢٥٨].

        أراد إبراهيم عليه السلام: أن الله هو الذي يخلق الحياة والموت في الأجساد، وأراد الكافر: أنه يقدر أن يعفو عن القتل فيكون ذلك إحياء، وعلى أن يقتل فيكون ذلك إماتة، فكان هذا جوابًا أحمق، لا يصح نصبه في مقابلة حجة إبراهيم، لأنه أراد غير ما أراد الكافر، فلو قال له: ربه الذي يخلق الحياة والموت في الأجساد فهل تقدر على ذلك؟ لبهت الذي كفر بادئ بدء وفي أول وهلة، ولكنه انتقل معه إلى حجة أخرى تنفيسًا لخناقه، وإرسالًا لعنان المناظرة فقال: فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب لكون هذه الحجة لا تجري فيها المغالطة، ولا يتيسر للكافر أن يخرج عنها بمخرج مكابرة ومشاغبة. قوله: ( ) بهت الرجل وبهت وبهت: إذا انقطع وسكت متحيرًا154.

        رابعًا: الإنصاف:

        إن العدل والإنصاف مع الخصم مبدأ مهم صعب جليل، وإن المفترض في المسلم أن يكون عادلًا منصفًا، حيث منهج دين الإسلام هو الأمر بالعدل والتهي عن الظلم.

        قال تعالى: ( ﭽﭾ ﭿ ﮇﮈ )[النحل:٩٠]، والعدل والإنصاف مطلوبان في القول: ( ) [الأنعام:١٥٢]، كما هما مطلوبان في الحكم: ( ) [النساء:٥٨]، ولو اتبع المسلمون هدي دينهم في هذا الأمر لما وقع كثير من المسلمين فيما وقعوا فيه من الظلم والاختلاف والنزاع والشقاق، ومن تمام الانصاف قبول الحق من الخصم والتفريق بين الفكرة وصاحبها، وأن يبدي المحاور إعجابه بالأفكار الصحيحة والأدلة الجيدة، والمعلومات الجديدة التي يوردها خصمه، وهذا الإنصاف له أثره الإيجابي لقبول الحق، ويضفي على المحاور روح الموضوعية155.

        وإنما كان الإنصاف والعدل صعبًا لما اتصف به الإنسان من الجهل والظلم.

        قال تعالى: ( ) [الأحزاب:٧٢].

        فأكثر الناس مجبول على عدم الانصاف إلا من رحم الله، ولذلك قال الإمام الشعبي رحمه الله: «والله لو أصبت تسعًا وتسعين مرة، وأخطأت مرة لأعدوا عليّ تلك الواحدة»156.

        وقد ذكر العلماء ضوابط في العدل والإنصاف: فمن ذلك قول عبد الله بن المبارك رحمه الله: «إذا غلبت محاسن الرجل على مساوئه لم تذكر المساوئ، وإذا غلبت المساوئ على المحاسن لم تذكر المحاسن»157.

        وذكر عن حاتم الأصم أنه قال: «معي ثلاث خصال أظهر بها على خصمي، قالوا: وما هي؟ قال: أفرح إذا أصاب خصمي، وأحزن إذا أخطأ، وأحفظ نفسي لا تتجاهل علي، فبلغ ذلك الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله فقال: سبحان الله ما كان أعقله من رجل»158.

        ولا شك أن الآيات والأحاديث، والأمثلة والنماذج والسير كثيرة جدًّا في تقرير هذا المبدأ وتأصيله، وهناك نصوص عامة تأمر بالعدل والإنصاف في الحوار وغيره.

        قال تعالى: ( ) [النساء:١٣٥]، ( ﯘﯙ ﯝﯞ ﯠﯡ )[المائدة:٨].

        قال الزمخشري: «وفيه تنبيه عظيم على أن وجود العدل مع الكفار الذين هم أعداء اللّه إذا كان بهذه الصفة من القوة، فما الظنّ بوجوبه مع المؤمنين الذين هم أولياؤه وأحباؤه»159.

        فالآيات تفرض العدل في جميع الأحوال، كما تحذر الظلم وتحرم الجور في جميع الأوقات، وقد مضت سنة الله العادلة في خلقه بأن جزاء ترك العدل وعدم إقامة القسط في الدنيا، هو ذل الأمة وهوانها، واعتداء غيرها من الأمم على استقلالها، ولجزاء الآخرة أذل وأخزى وأشد وأبقى 160.

        وكما يروى عن شيخ الإسلام قوله: إن الله ينصر الأمة العادلة ولو كانت كافرة، ويذل الأمة الظالمة وإن كانت مسلمة161.

        ومن نماذج الإنصاف في القرآن ما جاء في وصف أهل الكتاب وذكر بعض مثالبهم كما في قوله تعالى: ( ﮈﮉ ﮘﮙ ﮣﮤ ) [آل عمران:١١٢].

        ثم أنصف الله عز وجل المتقين منهم بقوله: ( ﮭﮮ ) [آل عمران:١١٣].

        ومثلها إنصافهم في قوله تعالى: ( ﮱﯓ ) [آل عمران:٧٥].

        قال سيد قطب: «وهذا غاية الإنصاف والعدل للقلة الخيرة منهم، التي وعدها بالوعد الصادق لهم: أنهم لن يبخسوا حقًّا، ولم يفكروا أجرًا مع الإشارة إلى أن الله سبحانه علم أنهم من المتقين»162.

        خامسًا: الرفق واللين:

        إن إظهار الحق وإيصاله للآخرين وإقناعهم به ودحض شبهاتهم وأباطيلهم يحتاج إلى معرفة طبيعة النفس البشرية، وما يصلح لها وما يسوؤها، ومن أهم سمات النفوس أنها تميل إلى اللين والملاطفة والتعامل بالحسنى، وتنفر من الشدة والإذلال والإفحام، إذ إن لها كبرياء، فمن أكرمها فأنه يستطيع أن يقودها وأن يسيّرها كيفما شاء، ومن خدش كبرياءها، فلن يظفر منها بطاعة ولا تصديق ولا انقياد، ولا يلومنّ بعد ذلك إلا نفسه! لذا فمن أراد أن يمسح الشبهات من عقول الناس، أو أراد أن يدحضها، فعليه أن يلج إلى ذلك بالحسنى، وأن يتجّنب العنف والشدة والتحدي163.

        ولا شك أن القلوب تميل إلى من يلين ويرفق بها، وتنفر الطبائع البشرية من الفظ الغليظ، حتى لو كان خير الناس! كما قال الله: ( ﭞﭟ ) [آل عمران:١٥٩].

        والمحاور الناجح في أمسّ الحاجة إلى التفاف الناس حوله، وتحّليه بالرفق واللين يساعد في تحقيق ذلك. إلى جانب ذلك، فقد ينشأ عند كثير من الناس نفور تجاه المحاور بسبب دعوته، وذلك إذا خالف رغبات كثير منهم أو عارض شهواتهم، لكنّ اتصافه بالرفق يساهم في إزالة أو تقليل هذا النفور164.

        إنّ الرفق سمة واضحة في دعوة الأنبياء عليهم السلام لأقوامهم، فما من نبي بعث إلا ودعا قومه وحاورهم بالتي هي أحسن، فها هو نبي الله شعيب عليه السلام يحاور قومه بكل رفق قائلًا: ( ﯧﯨ ﯰﯱ ﯷﯸ ﯼﯽ ﯿ ) [هود:٨٨].

        فهذا تلطف منه في العبارة ودعوة لهم إلى الحق بأبين إشارة، يقول لهم: أرأيتم أيها المكذبون إن كنت على بينة من ربي ورزقني النبوة والرسالة، وعمّي عليكم معرفتها، فأي حيلة لي فيكم؟ ولست آمركم بالأمر إلا وأنا أول فاعل له، وإذا نهيتكم عن الشيء فأنا أول من يتركه165، فهو يتلطف معهم ليشعرهم أنه على بينة من ربه، وأنه على ثقة مما يقول لهم، وأنه يدعوهم إلى الأمانة في المعاملة، وسيتأثر مثلهم بنتائجها، لأنه ذو مال وعلاقات تجارية، فهو لا يبغي كسبًا شخصيًّا من وراء دعوته لهم، فلن ينهاهم عن شيء ثم يفعله لينفرد بالكسب وحده! إنما هي دعوة الإصلاح للناس أجمعين بكل حكمة وروية ولين166.

        ولقد أمر الله نبييه موسى وهارون عليهم السلام أن يحاورا فرعون، ذلك الطاغية الذي ادعى الربوبية فقال: ( ) [النّازعات:٢٤]، ثم ادعو الألوهية فقال: ( ﭽﭾ ﭿ ) [القصص:٣٨]، ورغم ذلك أمرهم الله بالرفق واللين معه فقال: ( ) [طه:٤٤].

        قال ابن كثير: «هذه الآية فيها عبرة عظيمة، وهو أن فرعون في غاية العتو والاستكبار، وموسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك، ومع هذا أمر ألا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين167.

        قال الزمخشري: «اذهبا على رجائكما وطمعكما، وباشرا الأمر مباشرة من يرجو ويطمع أن يثمر عمله ولا يخيب سعيه، فهو يجتهد بطوقه، ويحتشد بأقصى وسعه»168.

        إن الحوار أو الجدال الذي يدور بين الناس، إذا كان يقوم على التواضع ولين الجانب، وعلى الأسلوب المهّذب الخالي من كل ما لا يليق، كانت نتائجه طيبة وآثاره حميدة، لأنه يوصل إلى الحقيقة المرجوة، وإلى الاتفاق ولو على معظم المسائل التي دار من أجلها الحوار. أما الحوار أو الجدال الذي يكون مبعثه الغرور والتعالى والتباهي بالأقوال، فمن المستبعد أن يأتي بنتيجة توصل إلى الحقيقة أو إلى اتفاق على ما ينفع، وإنما المتوقع من هذا الحوار الذي سداه الغرور، أن تتولد عنه الآثام والشرور وهكذا نتيقن أن الرفق يزين الحوار ويقوده إلى نتائج طيبة وثمار ناضجة، أسوتنا في ذلك الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام169.

        موضوعات ذات صلة:

        الإنصاف، التربية، الجدال، الدعوة، النصيحة


1 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس، ١/ ٢٨٧.

2 انظر: لسان العرب، ابن منظور٥/٢٩٧.

3 فتح القدير، الشوكاني ٥/ ٥١٥.

4 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٥/ ٢١٨.

5 القاموس المحيط، الفيروزآبادي، ص ٤٨٧.

6 تاج العروس، الزبيدي ٦/ ٣١٧.

7 الحوار ، آدابه وضوابطه في ضوء الكتاب والسنة، يحي بن محمد زمزمي ص ٣٢.

8 الحوار الإسلامي المسيحي، بسام عجك، ص ٢٠

9 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١١/ ١٠٥، مجمل اللغة، ابن فارس ١/ ١٧٩.

10 الكليات، الكفوي ص ٣٥٣.

11 تاريخ الجدل، ص ٥.

12 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/٤٤٤، لسان العرب، ابن منظور ٥/ ٢١٥، تاج العروس، الزبيدي ١٤/ ٢٤٥، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ٢/ ٩٣٢.

13 انظر: التعريفات، الجرجاني ص٢٥٠، آداب البحث والمناظرة، محمد الأمين الشنقيطي ص٤، حلية طالب العلم، بكر أبو زيد ص٦٨، منهج الجدل والمناظرة في تقرير مسائل الاعتقاد، عثمان علي حسن ١/ ٣٠.

14 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/ ٢٩-٣٠، لسان العرب، ابن منظور ٢/ ٢٢٦، تاج العروس، الزبيدي ٥/ ٤٥٩-٤٦٤.

15 انظر: المحاجة طرق قياسها وأساليب تنميتها، طريف شوقي محمد ص٣، الجدل في القرآن الكريم، خصائصه ودلالته دراسة لغوية دلالية، يوسف عمر العساكر ص٣٠.

16 انظر: تهذيب اللغة، للأزهري ٧/١٥٤-١٥٥، مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/ ١٥٠، لسان العرب، ابن منظور ١٢/١٨٠-١٨١.

17 انظر: فن الحوار، فيصل الحاشدي ص٢٠.

18 انظر: المعجم المفهرس، محمد فؤاد عبد الباقي، ص٥٧١.

19 انظر: وسطية الإسلام ودعوته إلى الحوار، عبدالرب آل نواب، ص ٣٤.

20 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ١/ ٢٩٧ التفسير الوسيط، طنطاوي ١/ ٥٩٣.

21 انظر: منهج القرآن الكريم في إقامة الدليل والحجة، مجاهد محمود ص١٠٢.

22 انظر: قصص القرآن، جاد المولى، ص١٣٢.

23 انظر: التفسير الوسيط، مجمع البحوث ٣/١٢٧٥.

24 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/ ٢٦.

25 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٧/٣٢١-٣٢٢.

26 انظر: جامع البيان، الطبري ١١/ ٤٨٠، في ظلال القرآن، سيد قطب ٢/ ١١٣٩.

27 الكشاف ٢/ ٤٠.

28 السراج المنير، الشربيني ٢/ ٣٧٥.

29 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ٧/ ٣٢.

30 انظر: عون الحنان في شرح الأمثال في القرآن، الطهطاوي ص ٢٦٠.

31 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/ ٢٦٢.

32 انظر: التفسير الوسيط، مجمع البحوث ٦/ ١٠٣٠.

33 انظر: جامع البيان، الطبري ٢١/ ٣٥٣.

34 انظر: مباحث في علوم القرآن، مناع القطان، ص ٣١٠.

35 تفسير القرآن الكريم، سورة الكهف، ابن عثيمين ص ١٠٠.

36 انظر: نيل المرام من تفسير آيات الأحكام، القنّوجي، ص ٣٦٣

37 أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الطلاق، باب الظهار، ١/٦٦٦، رقم ٢٠٦٣، والحاكم في المستدرك على الصحيحين، كتاب التفسير، تفسير سورة المجادلة ٢/ ٥٢٣، رقم ٣٧٩١.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد.

وصححه الألباني في إرواء الغليل، ٧/١٧٥، رقم ٢٠٨٧.

38 نظرات في كتاب الله، الساعاتي، ص٤٨٥.

39 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/ ٣٧.

40 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/ ٣٥٠٥.

41 انظر: نظرات في كتاب الله، الساعاتي، ص٤٨٦.

42 انظر: تفسير القرآن، السمعاني ٥/ ٣٨٣.

43 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/ ٣٣٣.

44 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٢/ ٦٠٥.

45 بغرزه: «أي: أمسكه وأتبع قوله وفعله، كمن يمسك بركاب راكب ويسير بسيره»، مجمع بحار الأنوار ٤/ ٢٧.

46 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط، ٣/ ١٩٦، رقم ٢٧٣١.

47 انظر: جامع البيان، الطبري ١٥/ ٢٩٥.

48 انظر: دراسة عن أسلوب الحوار في القرآن الكريم، إسحاق رحماني على موقع النور للدراسات الحضارية والفكرية.

49 انظر: تفسير المراغي ١٢/ ٢٦.

50 انظر: تفسير القرآن، السمعاني ٤/ ٥٣.

51 انظر: مفاتيح الغيب٢١/ ٥٤٥.

52 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٤/ ٣٣٢.

53 تفسير القرآن، السمعاني ١/ ٢٦١.

54 انظر: دراسة بعنوان: حوار شعيب عليه السلام مع قومه في القرآن الكريم، محمد أحمد الكردي، على موقع حيران انفوا.

55 انظر تفسير المراغي ٨/ ٢١٠.

56 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/ ٢٠١.

57 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٤/ ٢٣٤.

58 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب٣/ ١٣٢٢.

59 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ١٥/ ٢٩٦.

60 انظر: البحر المحيط في التفسير، ابن حيان٧/ ٢٠٥.

61 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢١/ ٤٨٣.

62 جامع البيان، الطبري ١٨/ ٧١.

63 انظر: البحر المحيط في التفسير، ابن حيان ٧/ ٢٠٦.

64 انظر: إرشاد العقل السليم ٥/ ٢٣٥.

65 انظر: الكشاف، الزمخشري ٢/ ٧٣٤.

66 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب٤/ ٢٢٧٠.

67 انظر: مفاتيح الغيب ٢١/ ٤٦٢.

68 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٧٧.

69 انظر: المصدر السابق.

70 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٣/ ٣٣٩، في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/ ٢٢٧١، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٧٧.

71 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٢/٤٦٢، فتح القدير، الشوكاني ٣/ ٣٣٩، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٧٨، في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/ ٢٢٧٢، التفسير المنير، الزحيلي ١٥/ ٢٥٦.

72 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ٤٧٨، في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/ ٢٢٧٢، التفسير المنير، الزحيلي ١٥/ ٢٥٦.

73 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٢/٤٦٢، فتح القدير، الشوكاني ٣/ ٣٣٩، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ٤٧٨، في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/ ٢٢٧٢، التفسير المنير، الزحيلي ١٥/ ٢٥٦.

74 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٢/ ٨٧٤.

75 التفسير المنير، الزحيلي ٦/ ١٥٧.

76 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٢/ ٨٧٥.

77 انظر: الكشاف، الزمخشري ١/ ٦٢٤.

78 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٦/ ١٧٠.

79 انظر: المصدر السابق.

80 انظر: مفتاح دار السعادة، ابن القيم ١/ ٢٣٩.

81 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ٦/ ١٥٩.

82 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٤٧٦.

83 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٧٩.

84 انظر: تفسير المنار، محمد رشيد رضا ٢/٥٥-٥٦.

85 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ١/٢١٦-٢١٧.

86 انظر: تفسير القرآن العظيم ١/٤٧٧.

87 انظر: جامع البيان، الطبري ٣/٢٩٤.

88 أخرجه البخاري، في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، سورة البقرة، باب قوله تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ)، ٦/ ١٨، رقم ٤٤٧٧.

89 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ١/٤٣٢.

90 تفسير المنار، محمد رشيد رضا ٢/٦٣.

91 التفسير المنير، الزحيلي ١/٤٣٣.

92 انظر: الأساس في التفسير، سعيد حوى ٢/١٤١.

93 انظر: تفسير المنار، محمد رشيد رضا ٢/٦٩.

94 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢/٢٠٧.

95 انظر: جامع البيان ١٢/٤٠٨.

96 تفسير البحر المحيط، أبو حيان ٤/٢٩٧.

97 تفسير السمرقندي ١/٥٣٠.

98 التفسير المنير، الزحيلي٤/٥٦٤.

99 تفسير السمرقندي ١/٥٣٠.

100 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي ٤/٢٣٢.

101 انظر: الكشاف، الزمخشري ٢/٩٨.

102 الأساس في التفسير، سعيد حوى ٤/ ١٩٠٠.

103 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٢٨٨.

104 انظر: أيسر التفاسير، الجزائري ٢/١٧٣.

105 في ظلال القرآن ٣/٥١٥.

106 التفسير المنير، الزحيلي ٤/٥٦٦.

107 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢/٢١١.

108 انظر: المصدر السابق ١٦/٧٥.

109 انظر: المصدر السابق ٢/٢١١.

110 انظر: أيسر التفاسير، الجزائري ١/ ١٤٥.

111 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ١٠/٤٨٨.

112 انظر: أيسر التفاسير، الجزائري ١/ ١٤٥.

113 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢/ ٢١٢.

114 انظر: تفسير المنار، محمد رشيد رضا ٨/٣٦٩.

115 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٧٣٩.

116 مفاتيح الغيب ٢٧/٦٥.

117 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ١٢/٤٥٩.

118 أيسر التفاسير، الجزائري ٤/٥٤٠.

119 المصدر السابق ٤/٥٤١.

120 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/ ٤٨٨.

121 في ظلال القرآن ٥/١٥٠.

122 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٩/ ٨٧.

123 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ٧/ ٢٥٨.

124 وزمن الخطبة يكون بعد فصل القضاء وقبل دخول النار، والله أعلم.

انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٤٩٠.

125 انظر: جامع البيان، الطبري ١٦/٥٦٠-٥٦١.

126 التحرير والتنوير ١٣/ ٢١٦.

127 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٤٠٣.

128 انظر: أيسر التفاسير، الجزائري ٥/١٤٧.

129 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٢/ ٣٥٩.

130 انظر: أيسر التفاسير، الجزائري ٣/ ٥٤.

131 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ٧/٢٥٨.

132 انظر: أيسر التفاسير، الجزائري ٣/ ٥٤.

133 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٩/٨٨.

134 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ٧/٢٥٩.

135 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/١٥١.

136 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ١٣/ ٦٣٨.

137 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٢/ ٣٥٨.

138 انظر: أيسر التفاسير، الجزائري ٥/ ١٤٨.

139 انظر: جامع البيان، الطبري ١٧/ ٣٢١.

140 انظر: الحوار أصوله المنهجية وآدابه السلوكية، أحمد بن عبد الرحمن الصويان، ص١٨٧.

141 انظر: الصحاح، الجوهري ١/٢٦٨.

142 انظر: الفروق اللغوية، العسكري ٤٩.

143 انظر: نظم الدرر، البقاعي٢٠/٤٦٢.

144 انظر: الإدارة المدرسية والإشراف التربوي، قسم أصول التربية، ص١٢٣.

145 انظر: الانتصار للصحابة الأخيار، عبدالمحسن البدري، ص١٤٢.

146 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٦ /٣٢٧٣.

147 انظر: تفسير المراغي،٢٦،/٣٦.

148 انظر: الرحيق المختوم، المباركفوري ص٦٠.

149 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٧/١٦٣.

150 انظر: أدب الحوار، سعد بن ناصر الشثري، ص٣٦.

151 انظر: أدب الحوار في الإسلام،، محمد سيد طنطاوي ٢٥.

152 انظر: مناظرات ابن تيمية لأهل الملل والنحل، عبد العزيز آل عبد اللطيف، ص ٦٧.

153 انظر: الحوار في الإسلام، عبد الله الموجان، ص٣٧.

154 انظر: فتح القدير، الشوكاني ١/ ٣١٨.

155 انظر: الحوار آدابه وضوابطه في ضوء الكتاب والسنة، يحيى زمزمي، ص١٤١.

156 أعلام النبلاء، الذهبي، ٤/٣٠٨.

157 المصدر السابق ٨/٣٩٨.

158 إحياء علوم الدين، الغزالي ١/ ٦٧.

159 الكشاف، الزمخشري ١/ ٦١٣.

160 انظر: تفسير المنار، محمد رشيد رضا ٦/ ٢٢٧.

161 انظر: الاستقامة ٢/٢٤٧.

162 في ظلال القرآن ٥/٢٦٩٩.

163 انظر: منهجية التعامل مع الشبهات، الحمادي ٢/١٤.

164 انظر: الحوار في القرآن الكريم، معن محمود ص ١٢٤.

165 انظر: قصص الأنبياء، ابن كثير ص٤٤٦.

166 انظر: ديماس، فنون الحوار والإقناع ص٩١.

167 تفسير القرآن العظيم ٥/ ٢٩٤.

168 الكشاف ٣/ ٦٥.

169 انظر: أدب الحوار في الإسلام، طنطاوي ٣٠.