الحوار
أولًا: المعنى اللغوي:
(الحاء والواو والراء) ثلاثة أصول: أحدها لون، والآخر الرجوع، والثالث أن يدور الشيء دورًا، وتعود أصل كلمة الحوار إلى (الحور) وهو الرجوع عن الشيء وإلى الشيء، يقال: (حار بعدما كار)1، والحور النقصان بعد الزيادة؛ لأنه رجوع من حال إلى حال، والتحاور: التجاوب، نقول: كلمته فما حار إلي جوابًا، أي: ما رد جوابًا2، قال الله تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [الانشقاق: ١٤].
أي: «لن يرجع»3، وهم يتحاورون أي: يتراجعون الكلام، والمحاورة: مراجعة المنطق والكلام في المخاطبة4.
«تحاوروا: تراجعوا الكلام بينهم»5.
ويقصد بالمحاورة «المجاوبة ومراجعة النطق والكلام في المخاطبة»6.
إذن فالحوار لغة تعني المراجعة في الكلام بين اثنين فأكثر، فمعناه في اللغة واسع يشمل كل مناقشة بين اثنين أو أكثر في أي موضوع.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
الحوار هو: «نوع من الحديث بين شخصين أو فريقين، يتم فيه تداول الكلام بينهما بطريقة متكافئة فلا يستأثر به أحدهما دون الآخر، ويغلب عليه الهدوء والبعد عن الخصومة والتعصب»7.
الحوار هو: «محادثة بين شخصين أو فريقين، حول موضوع محدد، لكل منهما وجهة نظر خاصة به، هدفها الوصول إلى الحقيقة، أو إلى أكبر قدر ممكن من تطابق وجهات النظر، بعيدًا عن الخصومة أو التعصب، بطريق يعتمد على العلم والعقل، مع استعداد كلا الطرفين لقبول الحقيقة ولو ظهرت على يد الطرف الآخر»8.
ويلاحظ من التعاريف الثلاثة السابقة اتفاقهم على أن الحوار حديث متبادل بين طرفين أو أكثر، ويعجبني التعريف الثالث للدكتور بسام عجك، فهو تعريف جامع مانع مكتمل الأركان.
العلاقة بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي:
هناك علاقة قوية بين معنى الحوار في اللغة والاصطلاح، فالحوار هو نشاط عقلي ولفظي يقدم المتحاورون الأدلة والحجج والبراهين التي تبرر وجهات نظرهم بحرية تامة من أجل الوصول إلى حل لمشكلة أو توضيح لقضية ما، وهذا ما يتفق عليه المعنيون.
ولم يرد لفظ (الحوار) في القرآن الكريم، وإن ورد أصل مادته (حور).
الجدل:
الجدل لغةً:
اللدد في الخصومة والقدرة عليها، وجادله أي: خاصمه مجادلة وجدالًا، والجدل: مقابلة الحجة بالحجة؛ والمجادلة: المناظرة والمخاصمة، والجدال: الخصومة؛ سمي بذلك لشدته9.
الجدل اصطلاحًا:
الجدل: «هو عبارة عن دفع المرء خصمه عن فساد قوله بحجة أو شبهة، وهو لا يكون إلا بمنازعة غيره والنظر قد يتم به وحده»10.
وقيل: مقابلة المتنازعين الحجة بالحجة على سبيل التدافع والتخاصم؛ بالعبارة أو ما يقوم مقامها؛ لإلزام الخصم غالبًا، وتقرير المذهب، سواء أكان حقًّا أم باطلًا.
الصلة بين الحوار والجدل:
كل من الحوار والجدال عبارة عن تبادل للحديث بين أطراف معينة، ولكن القصد مختلف فالجدال كما بين الإمام أبو زهرة الغرض منه بقوله: «والجدل يكون الغرض منه إلزام الخصم والتغلب عليه في مقام الاستدلال»11، ومثال ذلك قوله تعالى (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [العنكبوت: ٤٦]
قال تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [النساء: ١٠٩].
المناظرة:
المناظرة لغةً:
المناظرة في اللغة مشتقة من المادة اللغوية (نظر)، ومن معانيها تأمل الشيء بالعين المجردة، وتقليب البصيرة لإدراك الشيء ورؤيته، والتّأمّل والفحص، وقد يراد بالنظر المعرفة الحاصلة بعد الفحص، والطلب؛ يقال: انظر لي فلانًا، أي: اطلبه، والمقابلة؛ والعرب تقول: داري تنظر إلى دار فلان، ودورنا تناظر، أي: تقابل، والإمهال والترقب والتوقع واللّمحة السّريعة12.
المناظرة اصطلاحًا:
المحاورة بين طرفين متضادين في الرأي، والقائمة على الأدلة المنطقية والبراهين والإحصائيات الدقيقة، يقصد كل منهما تصحيح قوله وإبطال قول الآخر بأدب رفيع، مع الرغبة في إظهار الحق، والراجح على المرجوح، وتحقيق الفائدة المبنية على المناصحة والحلم13.
الصلة بين الحوار والمناظرة:
وهكذا يتبين أن المناظرة ما هي إلا محاورة من أجل الوصول إلى الصواب.
المحاجة:
المحاجة لغةً:
الحجّ: الغلبة بالحجّة، يقال: حجّه يحجّه حجًّا، إذا غلبه على حجّته، ومنه الحجّة بالضّمّ: الدّليل والبرهان، وقيل: ما دفع به الخصم، وإنما سمّيت حجّةً لأنّها تحجّ، أي: تقصد؛ لأنّ القصد لها وإليها، وبها يقصد الحقّ المطلوب، وجمع الحجّة حججٌ وحجاجٌ14.
المحّاجة اصطلاحًا:
قدرة الفرد على توظيف ما يمتلكه من الأدلة والبراهين العقلانية الموضوعية في قضية خلافية؛ لإثبات دعواه، وأيضًا ح فكرته، مع تفنيد حجج مخالفيه، والوصول بهم إلى الاقتناع بهذه الفكرة، والإيمان بها، دون إلزامهم باتباعها، والسير عليها15.
الصلة بين الحوار والمحاجة:
هناك فرق بين الحوار والمحاجة حيث إن الحوار هو تبادل حديث بقصد الوصول لحل مشكلة ما، أما المحاجة ففيها يثبت كل طرف صحة دعواه، ومثال ذلك قوله تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ)[ البقرة: ٢٥٨]
قال تعالى: (ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ) [الأنعام: ٨٠].
المخاصمة:
المخاصمة لغةً:
المخاصمة في اللغة مشتقة من المادة اللغوية (خصم)، ويأتي بمعنى الجدل والمنازعة؛ يقال: خاصمه خصامًا وخصومة، أي: جادله ونازعه، وبمعنى الشّقِّ؛ يقال للخصمين: خصمان؛ لأخذ كلّ واحد منهما في شقٍ من الحجاج والدّعوى، والطرف والجانب والزاوية، تلقين الحجة؛ يقال: أخصم صاحبه إذا لقّنه حجّته على خصمه16.
المخاصمة اصطلاحًا:
اللجاج في الكلام من أجل المعارضة والمعاندة ابتداءً؛ يستوفي به المخاصم مراده من خصمه، في جو من التشاحن والتباغض ورفض الآخر17.
الصلة بين الحوار والتخاصم:
هناك فرق واضح بين المعنيين حيث إن الأول المقصود منه إيجاد حل لمشكلة ما بالتوافق، أما الثاني فهو يؤدي للتنازع دون إيجاد حلول ومثال ذلك قوله تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [ص: ٢٢].
قال تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [الحج: ١٩].
القرآن الكريم تناول كثيرًا من الأدلة والبراهين التي حاور بها وحاج بها خصومه في صورة واضحة جلية يفهمها العامة والخاصة، وأبطل كل شبهة فاسدة، فللحوار في القرآن الكريم مقاصد عدة، منها: إقامة الحجة على البشر و الهداية إلى الحق وحل الخلافات، وبيان ذلك فيما يأتي:
أولًا: إقامة الحجة:
إنّ من الأساليب التي استخدمها القرآن الكريم من أجل إقامة الحجّة على العباد، والدّلالة على وحدانيّته سبحانه وتعالى، وعلى صدق ما جاؤوا به من رسالات، وبلّغوا به دين الله في الأرض، هو الحوار فالغاية من الحوار إقامة الحجة ودفع الشبهة والفاسد من القول والرأي، والسير بطرق الاستدلال الصحيح للوصول إلى الحق.
من أجل ذلك ورد السياق القرآني الجليل مصدرًا بصيغة الأمر (قل) المشعرة بأن الداعية ينبغي أن يتخذ من القول المبين والحجة البالغة منهاجًا وغاية، ونجد فعل الأمر: (قل) وردت (٣٣٢) مرة في القرآن الكريم، 18 من تأملها وتدبرها وقف على منهاج متكامل في صيغ البيان وطرائق الأداء ومسالك إقامة الحجة في إحقاق الحق ودحض الباطل19.
نلاحظ من الآيات السابقة كيف أقام القرآن الكريم الحجة على الناس أجمعين مؤمنهم وكافرهم، وأظهرت قدرة الله عز وجل وعظيم شأنه جل جلاله.
وإذا نظرنا في المحاورات التي أثبتها الله في كتابه العزيز، فسنلاحظ صنفين منها:
صنف يبتدئ فيه المتحاورون بالتخاصم من أول الأمر، كل يريد إثبات دعواه فيما ذهب إليه، وهذا الصنف نستطيع تسميته «مناظرة أو جدل».
ومثال ذلك: عندما حاور سيدنا إبراهيم عليه السلام النمرود في المناظرة التي أثبتها الله عز وجل في آياته الكريمة.
ومن الواضح من خلال هذه الآية، أن النمرود بدأ مخاصمًا لإبراهيم عليه السلام من أول الأمر، وهذه مناظرة.
قال سبحانه وتعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [البقرة: ٢٥٨].
فهذا الملك الذي حاج إبراهيم في ربه لم يكن منكرًا لوجود الله أصلًا إنما كان منكرًا لوحدانيته في الألوهية والربوبية ولتصريفه للكون وتدبيره لما يجري فيه وحده، وهذا شأن الكثير من الناس في الجاهلية يعترفون بوجود الله، ولكنهم يجعلون له اندادًا ينسبون إليها الأعمال، وسبب هذه المحاجة لأنه أعطاه جل جلاله الملك فبطر وتكبر ولم يشكره سبحانه على هذه النعمة، بل استعملها في غير ما خلقت له فنسب لنفسه الإحياء والإماتة بطريقة سخيفة غير منطقية20.
وكان رد سيدنا إبراهيم عليه السلام على ذلك الملك في مقام التدليل على وحدانية الله أنه عز وجل هو المستحق للعبادة، ربي وحده هو الذي ينشئ الحياة ويوجدها، ويميت الأرواح ويفقدها حياتها، ولا يوجد أحد سواه يستطيع أن يفعل ذلك، فالتحدي قائم، والأمر ظاهر، ولا سبيل إلى سوء الفهم، أو الجدال والمراء، وكان التسليم أولى والإيمان أجدر، ولكن الكبر عن الرجوع إلى الحق يمسك بالذي كفر، فيبهت ويبلس ويتحير، ولا يهديه الله إلى الحق؛ لأنه لم يتلمس الهداية، ولم يرغب في الحق ولم يلتزم القصد والعدل21.
صنف ثان يبتدئ فيه الطرفان لا على أنهما خصمان يختلفان في الاعتقاد والمذهب، بل هما شريكان فيه، وهذا ما نستطيع تسميته بالحوار.
حوار آخر في القرآن لإبراهيم عليه السلام أيضًا وهو يحاور قومه: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [الأنعام: ٧٥ - ٧٩].
فسيدنا إبراهيم عليه السلام يحاكي قومه في اعتقادهم، ولا يعلن مخالفته لهم، ولم يسفه أحلامهم، فذلك أدعى إلى إنصاتهم لقوله، وتفهمهم لحجته، ثم لم يلبث أن كرّ على قولهم ينقضه، ولكن من طرف خفي ينبئ عن سداد في الرأي ونفاذ للبصيرة22.
ولم يكن إبراهيم عليه السلام يعتقد هذه العبادة، ولكنه نصّب نفسه في أول الأمر شريكًا لقومه فيها، استدراجًا لهم واستهواء لقلوبهم، حتى إذا أحس منهم الإصغاء راح ينقض هذه العبادة شيئًا فشيئًا، وقومه لا يبدون التخاصم معه، حتى إذا أعلن انصرافه عن آلهتهم وبراءته من عبادتهم، عندها حاجوه في ذلك الذي فاجأهم به حيث لا يتوقعونه، وفي هذه المرحلة بدأت المناظرة.
فيلاحظ هنا أنه بدأ معهم شريكًا في الاعتقاد، وهو يحاورهم ويحاورونه في جو من الهدوء حتى إذا أعلن مخالفته لهم انقلب الحوار إلى مناظرة بينه وبينهم كل يريد إثبات رأيه23.
فلما ستره الليل بظلامه، أبصر كوكبًا ظاهرًا في السماء فقال عليه السلام مستعظمًا شأن هذا الكوكب: هذا ربي، مجاراة لقومه وتأليفًا لقلوبهم، حتى بلغوا بقلوبهم إلى التأمل في موضع الحجة، فلما غاب هذا الكوكب وأفل قال: لا أحب اتخاذ الآفلين أربابًا، لأن الرب الحقيقي، الجدير بالربوبية، يستحيل عليه التغير والانتقال من حال إلى حال؛ لأن ذلك من شأن الحوادث فلم ينتفعوا بهذا الاستدلال24.
فانتقل إلى الاستدلال التالي حين أبصر إبراهيم القمر قال مستعظمًا شأنه: إنه ربه، مجاراةً لقومه أيضًا، فلما أفل وغاب قال إبراهم: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الأنعام: ٧٧]، قصد به تنبيه قومه للنظر في معرفة الرب الحق وأنه واحد، وأن الكوكب والقمر كليهما لا يستحقان ذلك، مع أنه عرّض في كلامه بأن له ربًّا يهديه وهم لا ينكرون عليه ذلك؛ لأنهم قائلون بعدة أرباب، وفي هذا تهيئة لنفوس قومه لما عزم عليه من التصريح بأن له ربًّا غير الكواكب.
ثم عرَّض بقومه أنهم ضالون وهيأهم قبل المصارحة للعلم بأنهم ضالون.
وإنما تريث إلى أفول القمر فاستدل به على انتفاء إلهيته، ولم ينفها عنه بمجرد رؤيته بازغًا، مع أن أفوله محقق بحسب المعتاد؛ لأنه أراد أن يقيم الاستدلال على أساس المشاهدة على ما هو المعروف في العقول؛ لأن المشاهدة أقوى.
فلما طلعت الشمس قال: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ)، فعلل ربوبية الشمس بكونها أكبر من الكوكب والقمر، وهي أكثر إضاءة، فأولى باستحقاق الإلهية25.
فلما غابت الشمس أعلن براءته مما كانوا يعبدون من دون الله، وأعلن الإيمان الذي استقر في قلبه حقًّا ويقينًا و بين عليه السلام بالحجة الدامغة على أن لا اله إلا الله عز وجل، والذي يستحق العبادة الذي أنشأ السموات والأرض وما فيهما مائلًا عن الاعتقادات الباطلة، إلى عقيدة التوحيد المؤيدة بالدلائل26.
وعن هذا يقول الزمخشري رحمه الله تعالى: «فأراد أن ينبههم على الخطأ في دينهم، وأن يرشدهم إلى طريق النظر والاستدلال، ويعرفهم أن النظر الصحيح مؤدّ إلى أن شيئًا منها لا يصح أن يكون إلهًا، لقيام دليل الحدوث فيها، وأن وراءها محدثًا أحدثها، وصانعًا صنعها، ومدبرًا دبر طلوعها وأفولها وانتقالها ومسيرها وسائر أحوالها، هذا ربّي، قول من ينصف خصمه مع علمه بأنه مبطل، فيحكى قوله كما هو غير متعصب لمذهبه؛ لأنّ ذلك أدعى إلى الحق وأنجى من الشغب، ثم يكرّ عليه بعد حكايته فيبطله بالحجة أنه لا أحب عبادة الأرباب المتغيرين عن حال إلى حال»27.
ومن خلال ما سبق يتضح لنا أن القرآن الكريم قد أقام الحجة على المشركين بالله بالحوار بطريق الاستدلال العقلي للوصول إلى الحقيقة الكامنة بأن لا إله يستحق العبادة سوى الله جل جلاله.
ثانيًا: الهداية إلى الحق:
كشف الشبهات والرد على الأباطيل، لإظهار الحق وإزهاق الباطل هو واحد من مقاصد الحوار في القرآن الكريم، كما قال تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [الأنعام: ٥٥]، ومن أمثلة هذه الحوارات الهادية للحق في القرآن الكريم:
١. حوار الرجل المؤمن مع صاحبه الكافر.
والحوار في الآيات التالية ينحو نحوًا إيجابيًّا لإحقاق الحق وإبطال الباطل، والآيات تقرر أن الطرفين المتحاورين ليسا عدوّين ابتداءً.
قال تعالى: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [الكهف: ٣٧ - ٤١].
وفى هذه الرؤية العاقلة، والحوار البناء نرى بصيصًا من نور في قلب وفكر يعرف طريق الحق، فينصح ويبذل الخير لغيره حتى يهتدى، يصور هذا كله في صورة رجلين:
أحدهما: له جنتان مثمرتان، وقد حوتا ألوان الثمار، وزخرتا بكل ألوان الجمال البادي في المياه الجارية، والزروع، والنخيل، والأعناب، مما كان دافعًا بصاحبها إلى الغرور، والتباهي على الآخر بكثرة ما لديه، وأنه لن يفنى أبدًا، وأن حظه في الآخرة، إن كانت هناك آخرة، سيكون أوفر ثراء، وأكثر رزقًا، ظلم نفسه بهذا التفكير الأخرق، وبكفره، وضعف يقينه بالله، وإعجابه بالحياة الدنيا، ونسيانه للآخرة، وبذلك عرضها للعقاب يوم القيامة28.
والثاني: المؤمن الواعظ لأخيه الناصح له بالحوار الهادئ الزاجر عما هو فيه الآخر من الكفر الراضي عن الله عز وجل والذي ادخر ما عنده للآخرة التي هي خير وأبقى29.
هذه صورة مؤلمة لمن يخدع بالمظاهر البراقة التي قد تخدع، وتغري بما لا تحمل في طياتها من القيم الرفيعة التي يعتز بها الإنسان، يخدع بمتاع زائل، وجاه عريض، وسلطان مزيف، ولذائذ رخيصة، وينسى تلك القيم التي تعلي من شأن الإنسان، وإن كان فقيرًا مجردًا من المال والسلطان، من جهاد النفس، والزهد في الحياة، والعلم، والعمل، والبذل في سبيل الدعوة فالحق بين وإن كان الباطل الخبيث أوفر حظًّا من الطيب30.
وصيغة (يحاوره) و(تحاوركما) تقتضي المشاركة من الطرفين في هذا النقاش والحوار وأن كلًّا منهما يسمع للآخر دون مصادرة للرأي أو قصدٍ لمجرد الإفحام، والملاحظ أن الطرف المؤمن في هذا الحوار على درجة من الوعي الديني والثبات والعلم، فكان الهدف من هذا الحوار أن يرجع الكافر الضال عما هو فيه من الغي والظلم لنفسه ويعود للحق الذي لا مراء فيه، وأخيرًا اتضحت هذه الحقائق أمام عينيه وتكشفت الحقائق، فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهى خاوية على عروشها، ويقول (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [الكهف: ٤٢].
٢. حوار موسى عليه السلام وفرعون.
(ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [طه: ٤٩-٥٢].
أمر الله عز وجل موسى وهارون عليهما السلام بالتوجه إلى فرعون وإخباره أنهما رسولان من ربه، وأن يطلبا منه رفع العذاب عن بنى إسرائيل، ويخبراه أن السلام على من اتبع الهدى، والعذاب على من كذب وتولى فتوجها إليه وأبلغاه، فبدأ يناقشهما فيما جاءاه به.
وأول ما بدأ به مناقشته أن قال: إذا كنتما رسولي ربكما الذي أرسلكما فأخبراني من ربكما الذي تدعوني إلى الإيمان به يا موسى.
فكان جواب موسى عليه السلام لفرعون: ربّنا يعرف بصفاته، ولا يدرك بذاته، فهو الذي أعطى كل شيءٍ ما خلقه عليه من المادة والصورة والوظيفة، وأعطاه ما يحقق به ما خلق له، وهداه إلى تحقيقه31.
فلما وضح الحق في جانب موسى عليه السلام وظهر جليًّا للعيان، خاف فرعون أن يتأثر الناس بما قاله موسى عليه السلام، فيكفوا عن القول بألوهيته، والاندماج في عبوديته، فلهذا وجه إليه سؤالًا يريد أن يحرجه به، ويظهر ضعفه أمام سامعيه، فقال له: إن كنت رسولًا يا موسى فأخبرنى: ما حال أهل القرون الماضية، وماذا جرى عليهم من الحوادث مفصلة؟ فقال موسى عليه السلام (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [طه: ٥٢].
فعلم أحوال القرون الماضية يختص به ربّى الذي أرسلني وما أنا إلا عبد له تعالى، فلا علم لي إلا بما أخبرني من شئون الرسالة، وقد بلغ من علم الله أنه سبحانه وتعالى لا يضل ولا يغيب عنه شيء في الوجود، فلا يفوته علم شيءٍ منه ابتداءً، ولا ينسى معلومًا دخل دائرة علمه، فقد أحصى وأحاط بكل شيءٍ علمًا أزلًا وأبدًا32.
هذا هو ديدن الكفار والظالمين على مر الزمان، جدال عقيم من أجل إضلال الناس، وغطوا أعينهم عن الحق وأبوا إلا المشي في طريق الضلال وكذبوا الرسل بما جاؤوا به من عند الله، فقال الحق سبحانه وتعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [غافر: ٥].
يجادلون في آيات الله جل جلاله الواضحة البيان، المؤيدة بالبرهان، ويكفرون بالحق مع وضوحه، فهمت كل أمة برسولهم ليقتلوه، وخاصموا رسولهم بالباطل ليبطلوا بجدالهم إياه وخصومتهم له الحق الذي جاءهم به من عند الله، من الدخول في طاعته، والإقرار بتوحيده، والبراءة من عبادة ما سواه.
فما كان عقابهم إلا أن أخذ الله عز وجل الذين هموا برسولهم ليأخذوه بالعذاب، فأهلكهم وجعلهم للخلق عبرة، ولمن بعدهم عظة33.
ونظير ذلك من قبيل المناظرة التي تهدف إلى إظهار الحق، وإقامة البرهان على صحته، وهي الطريقة التي يشتمل عليها جدل القرآن في هداية الكافرين وإلزام المعاندين، بخلاف مجادلة أهل الأهواء فإنها منازعة باطلة، قوله عز وجل: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [الكهف: ٥٦].
فهنا أيضًا يجادل الذين كفروا رسلهم بالجدال الباطل، ليزيلوا به الحق الذي جاء به هؤلاء الرسل ويدحضوه ويبطلوه، والله سبحانه وتعالى متم نوره ولو كره الكافرون، فإن الباطل مهما طال فإن مصيره إلى الاضمحلال والزوال34.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: «ويستفاد من الآية أن كل إنسان يجادل من أجل أن يدحض الحق فإن له نصيبًا من هذه الآية، يعني: أن فيه نصيبًا من الكفر والعياذ بالله؛ لأن الكافرين هم الذين يجادلون بالباطل ليدحضوا به الحق»35.
ثالثًا: حل الخلافات:
الحوار الهادئ مفتاح للقلوب وطريق إلى النفوس الطيبة وسبيل مضمون لحل الخلافات.
قال تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ) [النحل: ١٢٥].
فالحوار المشتمل على الموعظة الحسنة التي يستحسنها السامع، وتكون في نفسها حسنة باعتبار انتفاع السامع بها والتي تساعد في حل المشكلات، ولكن الداعي قد يحتاج مع الخصم الألد إلى استعمال المعارضة والمناقضة ونحو ذلك من الجدل، ولهذا قال سبحانه وتعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ) [النحل: ١٢٥]، أي: بالطريق التي هي أحسن طرق المجادلة، وإنما أمر الله عز وجل بالمجادلة الحسنة لكون الداعي محقًّا وغرضه صحيحًا، وكان خصمه مبطلًا وغرضه فاسدًا، والغرض الرئيس من ذلك الجدال الحسن هو السير قدمًا نحو الأفضل36.
فمن ثمرات الحوار تضييق هوة الخلاف، وتقريب وجهات النظر، وإيجاد حل وسط يرضي الأطراف في زمن كثر فيه التباغض والتناحر.
ومن ضمن المشكلات التي تحل بالحوار من أجل تقارب وجهات النظر ومحاولة إيجاد حلول مرضية المشاكل الزوجة، ولنا في القرآن الكريم أسوة حسنة في الحوار الجاد من أجل إنقاذ بيت الزوجية.
فعن عروة، قال: قالت عائشة رضي الله عنها: (تبارك الذي وسع سمعه كل شيء، إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى علي بعضه، وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تقول: يا رسول الله، أكل شبابي ونثرت له بطني، حتى إذا كبرت سني وانقطع له ولدي ظاهر مني، اللهم إني أشكو إليك، قالت عائشة: فما برحت حتى نزل جبريل عليه السلام بهؤلاء الآيات (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [المجادلة: ١]، قال: وزوجها أوس بن الصامت37.
نلاحظ هنا:
ثم يقرر أصل القضية، وحقيقة الوضع فيها والحل الجذري لمثل هذه المشاكل، فالحوار البناء الهادف هو الذي تنتج عنه الحلول، فكان الحل من رب السموات والأرض.
قال تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [المجادلة: ٣ -٤].
فهو علاج للقضية من أساسها إن هذا الظهار قائم على غير أصل، فالزوجة ليست أما حتى تكون محرمة كالأم، فالأم هي التي ولدت، ولا يمكن أن تستحيل الزوجة أما بكلمة تقال، إنها كلمة منكرة ينكرها الواقع42.
ونلاحظ أن الخلافات بين الناس قد لا تحل نهائيًّا ولا تحسم القضية فيها، لكن الحوار على الأقل قد يزيل بعض ما في الصدور، حتى تجمع بين المختلفين على الأقل ليخف شيء من الشحناء إذن قد تكون غاية الحوار ليست بالضرورة أن تصل إلى ما تريد في هذه المرحلة، إنما تكون الغاية إيجاد حل وسط يرضي الأطراف، فأحيانًا يكون مقصود المحاور التعرف على وجهات نظر الأطراف الأخرى.
أما وقوع الخلاف بين الناس فقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى أن الخلاف موجود، كما أن الله جعل الناس مختلفين في صورهم ومختلفين في أشكالهم؛ قال جل جلاله: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [الروم:٢٢].
نبه سبحانه وتعالى على خلق السماوات والأرض واختلاف اللغات والألوان واختلاف ضروب بني آدم وأنواعهم43.
هذا الاختلاف الخلقي يترتب عليه اختلاف في الرؤى، واختلاف في التصورات، ولهذا قال الله سبحانه وتعالى في مقام آخر: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [هود:١١٨ - ١١٩]، فالخلاف موجود، ولا يمكن أن تنفك الدنيا عن الخلاف، ولو أراد الله سبحانه وتعالى أن يكون الناس جماعة واحدة في دينها وتقواها واتزان عقولها، بحيث لا يقع من أحد منهم كفر ولا إفساد، لو أراد الله عز وجل ذلك لوقع، ولكنه لم ولا يزال الناس مختلفين، بعضهم على الحق، وبعضهم على الباطل، بعضهم يستعمل عقله، ويسترشد مما رسمه له الرسل فيهتدى، وبعضهم لا ينتفع بذلك، بل يتبع هواه فيضل ويغوى44.
ومن أروع نماذج الحوار الهادف لحل المشكلات في السنة المطهرة حوار عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يربي أصحابه على الحوار حتى في أحلك الظروف وفي المواقف التي تستدعي أناة وترويًّا، ومثاله ما كان يوم الحديبية لما كتب الصلح ورأى بعض المسلمين فيها إجحافًا، وقع حوار بين بعضهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: فأتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ألست نبي الله حقًّا.
قال: (بلى).
قلت: ألسنا على الحق، وعدونا على الباطل.
قال: (بلى).
قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذًا؟
قال: (إني رسول الله، ولست أعصيه، وهو ناصري).
قلت: أَوَ ليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟
قال: (بلى، فأخبرتك أنا نأتيه العام).
قال: قلت: لا.
قال: (فإنك آتيه ومطوف به).
قال: فأتيت أبا بكر فقلت: يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقًّا؟
قال: بلى.
قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟
قال: بلى.
قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذًا؟
قال: أيها الرجل إنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس يعصي ربه، وهو ناصره، فاستمسك بغرزه 45، فوالله إنه على الحق.
قلت: أليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟
قال: بلى، أفأخبرك أنك تأتيه العام؟
قلت: لا.
قال: فإنك آتيه ومطوف به)46.
لقد استخدم القرآن الكريم أسلوب الحوار، كأحد أهم الأساليب لإيصال دعوة التوحيد لكافة المكلفين، فكان منها الحوار العقدي، والذي يهدف لترسيخ العقيدة الصحيحة، والحوار الدعوي، والحوار العتابي، والحوار الإصلاحي، والحوار العلمي، وفيما يأتي تفصيل ذلك.
أولًا: الحوار العقدي:
إرساء العقيدة الصحيحة هو الأساس المتين الذي يقوم عليه صرح الإسلام العظيم؛ لذا فقد اهتم القرآن الكريم في إرساء تلك القواعد والمفاهيم من خلال أساليب كثيرة، والتي كان أبرزها أسلوب الحوار العقدي، والذي كان فيه الأنبياء وأقوامهم هم طرفي الحوار، وفيما يأتي بعضًا من تلك النماذج.
١. حوار نوح عليه السلام مع قومه.
أخبرنا الله عز وجل أنه بعث نوحًا رسولًا إلى قومه، حيث قال: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [الأعراف:٥٩].
ونرى بأن حواره صيغ بصياغة واضحة بألفاظ دقيقة ومحددة الدلالات؛ لأن الكلمات الفضفاضة والتعابير المطاطة تلقى بالناس في متاهات لا صلة لها بالواقع.
قال تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [هود:٢٧ - ٢٩].
فلما دعا سيدنا نوح عليه السلام قومه إلى عبادة الله كان ردّهم: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [هود:٢٧]، قال الطبري: قال الكبراء من قوم نوح وأشرافهم الذين كفروا بالله وجحدوا نبوة نبيهم نوح عليه السلام: ما نراك يا نوح إلا بشرًا مثلنا، يعنون بذلك أنه آدمي مثلهم في الخلق والصّورة والجنس، كأنهم كانوا منكرين أن يكون الله يرسل من البشر رسولًا إلى خلقه47.
بعد أن سمعهم سيدنا نوح عليه السلام وتأمل في أدلتهم وما اشتملت عليه من شبهات، رد عليهم بأسلوب رقيق وجذاب بأدلة تفنّد مزاعمهم: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [هود:٢٨ - ٢٩]48.
قال المراغي: بعد أن ذكر مقالتهم وطعنهم في نوح عليه السلام بتلك الشبه السالفة، قفى على ذلك بدحض نوح لها، ورد شبهات أخرى قد تكون صدرت منهم ولم يحكها، لعلها من الرد عليها، وربما لم يقولوها وإن كان كلامهم يستلزمها، وهذا من خواصّ أسلوب الكتاب الكريم، وسرّ من أسرار بلاغته49.
فلقد ردّ نوح على كل شبهة على حده، وحاول أن يرجعهم إلى الموضوع الرئيسي وهو عبادة الله.
٢. حوار إبراهيم عليه السلام مع قومه.
حاور إبراهيم عليه السلام أبيه وقومه وعلى رأسهم الطاغية النمرود حوارات متعددة، وذلك لإرساء قواعد العقيدة الصحيحة، وكانت حواراته كلها مفعمة بأدب الحوار، وتبيين ذلك فيما يلي:
أولًا: في كلامه الموجّه إلى رب العالمين والذي يظهر في قوله تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [الشعراء:٧٩ - ٨٠]، أسند المرض إلى نفسه تأدبًا في كلامه الموجّه إلى الله، وأسند الشفاء إلى الله، وإلا فالممرض والشافي هو الله تعالى بإجماع أهل الدين50.
ثانيًا: في حواره مع أبيه آزر حينما قال له: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ) [مريم:٤٦]، تهديد من الأب بالرجم والهجر الطويل، فما كان من نوح إلا أن قال: (ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [مريم:٤٧]، إنه أدب الحوار، وردّ نية الإساءة بالإحسان، قال الرازي: «واعلم أن إبراهيم عليه السلام رتب هذا الكلام في غاية الحسن؛ لأنه نبه أولًا على ما يدل على المنع من عبادة الأوثان، ثم أمره باتباعه في النظر والاستدلال وترك التقليد، ثم نبه على أن طاعة الشيطان غير جائزة في العقول، ثم ختم الكلام بالوعيد الزاجر عن الإقدام على ما لا ينبغي، ثم إنه عليه السلام أورد هذا الكلام الحسن مقرونًا باللطف والرفق، فإن قوله في مقدمة كل كلام: (ﮁ ) دليل على شدة الحب والرغبة في صونه عن العقاب وإرشاده إلى الصواب، وختم الكلام بقوله: ( ﮛ ﮜ ) وذلك يدل على شدة تعلق قلبه بمصالحه»51.
ثالثًا: حتى في حواره مع الملائكة مع جهله بحقيقتهم في بداية الأمر فقد ظنهم ضيوفًا، وذلك في قوله تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [هود:٦٩].
يبيّن أدب المعاملة وكرم الضيافة حتى مع الأغراب فقد قالوا له سلامًا، فرد عليهم بقوله: سلامٌ، أي: عليكم، قال علماء البيان: هذا أحسن مما حيّوه به؛ لأن الرفع يدل على الثبوت والدوام52.
رابعًا: في حواره مع أبنائه عندما وصّاهم بالتمسك بالدين في قوله تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [البقرة:١٣٢].
ويظهر ما في لهجته مع أبنائه من تحبب وتقرب يدلان على أدب رفيع في الحوار مع الآخرين، متلازمًا مع غرز عقيدة الإسلام الصحيحة؛ والتي تمثلت بالتمسك بالإسلام الذي هو الشق العقدي من رسالة الأنبياء جميعًا، وقضية الموت عليه؛ فقوله: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ): إيجاز بليغ، وذلك أنّ المقصود من أمرهم بالإسلام الدوام عليه، فأتى بلفظ موجزٍ يقتضي المقصود، ويتضمّن وعظًا وتذكيرًا بالموت، وذلك أن المرء يتحقّق أنه يموت، ولا يدري متى، فإذا أمر بأمر لا يأتيه الموت إلاّ وهو عليه، فقد توجّه من وقت الأمر دائبًا لازمًا.
خامسًا: في حواره مع الكفار والنمرود الذي ادّعى الألوهية وهو واحد منهم؛ ويتضح ذلك في قوله تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [البقرة:٢٥٨].
وفي هذا الحوار أيضًا تناول قضية الربوبية والتي تمثلت في قضية الإحياء والإماتة، وقضية التحكم بالشمس التي جزء من الكون الفسيح؛ قال السمعاني: «كانت تلك المحاجة في الربوبية من نظر الملك وطغيانه»53.
وبعد هذا، فليس غريبًا أن يقول الله سبحانه وتعالى في سيدنا إبراهيم عليه السلام: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [النحل:١٢٠]، وقد امتزج إرساء قواعد العقيدة بالأدب الحواري الجم.
٣. حوار شعيب عليه السلام مع قومه.
أرسل الله تعالى نبيه شعيبًا عليه السلام إلى أصحاب الأيكة، وهم مدين؛ (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [الأعراف:٨٥].
وقد اشتملت قصته مع قومه على أفضل الأساليب في الحوار مع الطرف الآخر، لتبليغ دعوة الله، حيث اشتمل حواره على الجانبين: جانب العقيدة، وجانب الحياة، وقد برع وأبدع في حواره حيث لون في الخطاب، ورغب ورهب، وفيما يلي بيان ذلك:
قال تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [الأعراف:٨٥ - ٨٩].
عند تحليل حوار شعيب مع قومه نقف على براعة الحوار وقوة الأسلوب لتحقيق الأهداف، ويظهر ذلك فيما يأتي 54:
ثانيًا: الحوار العلمي:
هذا النوع من الحوار الذي يكون موضوعه التعليم والتلقين ظهر واضحًا جليًّا في قصة موسى عليه السلام مع العبد الصالح، والتي حملت في ثناياها دروسًا كثيرة في التواضع وأدب المتعلم واحترام العلماء.
قال تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [الكهف:٦٥ - ٧٠].
هذه رحلة موسى بن عمران نبي بني إسرائيل مع فتاه يوشع عليهما السلام للقاء العبد الصالح، وهو الخضر عليه السلام، لتعليمه التواضع في العلم، وأنه وإن كان نبيًّا مرسلًا، فقد يكون بعض العباد أعلم منه، وفي هذا من الفقه: رحلة العالم لطلب الازدياد من العلم، والاستعانة على ذلك بالخادم والصاحب، واغتنام لقاء الفضلاء والعلماء، وإن بعدت أقطارهم، كما كان دأب السلف الصالح59.
وقد اشتمل ذلك الحوار على مجموعة كبيرة من آداب المتعلم والتي منها:
ثالثًا: الحوار الدعوي:
الحوار الدعوي من الأساليب الناجعة لتبليغ دعوة الله واقناع الآخرين، وإبراز الصورة واضحة جلية، وقد استخدم القرآن الكريم هذا الأسوب كثيرًا، ومثاله: قصة صاحب الجنتين حيث تضرب مثلًا للقيم الزائلة والقيم الباقية، وترسم نموذجين واضحين للنفس المعتزة بزينة الحياة، والنفس المعتزة بالله، وكلاهما نموذج إنساني لطائفة من الناس، صاحب الجنتين نموذج للرجل الثري، تذهله الثروة، وتبطره النعمة، فينسى القوة الكبر التي تسيطر على أقدار الناس والحياة، ويحسب هذه النعمة خالدة لا تفنى، فلن تخذله القوة ولا الجاه.
وصاحبه نموذج للرجل المؤمن المعتز بإيمانه، الذاكر لربه، يرى النعمة دليلًا على المنعم، موجبة لحمده وذكره، لا لجحوده وكفره66.
قال تعالى: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [الكهف:٣٢ - ٤٢].
تخبرنا آيات القصة عن وجود رجلين في الماضي، كان بينهما صلة وصحبة، أحدهما مؤمن، والآخر كافر، وقد أبهمت الآيات اسميّ الرجلين، كما أبهمت تحديد زمانهما ومكانهما وقومهما، فلا نعرف من هما، ولا أين عاشا، ولا في أيّ زمان وجدا، وقد ابتلى الله الرجل المؤمن بضيق ذات اليد، وقلة الرزق والمال والمتاع، لكنه أنعم عليه بأعظم نعمة، وهي نعمة الإيمان واليقين والرضا بقدر الله وابتغاء ما عند الله، وهي نعمٌ تفوق المال والمتاع الزائل، أما صاحبه الكافر فقد ابتلاه الله بأن بسط له الرزق، ووسّع عليه في الدنيا، وآتاه الكثير من المال والمتاع، ليبلوه هل يشكر أم يكفر؟ وهل يطغى أم يتواضع؟ وقد دار بينهما حوار دعوي مفعم باللفتات الدعوية التربوية والتي نذكر منها ما يأتي:
رابعًا: الحوار العتابي:
الحوار العتابي نوع من أنواع الحوارات المختلفة، يتعاتب الفرقاء فيما اختلفوا فيه، وقد يتعاتب الرؤساء والمرؤوسين فيه يوم يكونون سواء أمام رب العالمين، كما ويتعاتب أهل النار وهم في النار وكلٌّ منهم يلقي المسؤولية على الآخر، ويكون نقاشهم عقيمًا لا فائدة ترجى منه، وفيما يأتي بعض النماذج لذلك الحوار:
١. حوار ابني آدم عليه السلام.
يقدم هذا الحوار نموذجًا لطبيعة الشر والعدوان ونموذجًا كذلك من العدوان الصارخ الذي لا مبرر له. كما تقدم نموذجًا لطبيعة الخير والسماحة ونموذجًا كذلك من الطيبة والوداعة. وتقفهما وجهًا لوجه، كل منهما يتصرف وفق طبيعته، وترسم الجريمة المنكرة التي يرتكبها الشر، والعدوان الصارخ الذي يثير الضمير ويثير الشعور بالحاجة إلى شريعة نافذة بالقصاص العادل، تكف النموذج الشرير المعتدي عن الاعتداء وتخوفه وتردعه بالتخويف عن الإقدام عن الجريمة فإذا ارتكبها- على الرغم من ذلك- وجد الجزاء العادل، المكافئ للفعلة المنكرة، كما تصون النموذج الطيب الخير وتحفظ حرمة دمه، فمثل هذه النفوس يجب أن تعيش، وأن تصان، وأن تأمن في ظل شريعة عادلة رادعة74.
قال تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [المائدة:٢٧ - ٣٢].
ولقد ظهر في الحوار بعض اللطائف واللفتات والتي نذكر منها ما يأتي:
٢. الحوار بين الأتباع والمتبوعين.
هذا الحوار من الحوارات العقيمة بالنسبة لجدواها للمتحاورين، حيث لا تجلب لهم نفعًا، فهم يتعاتبون بعد انقضاء وقت العمل، ويتمنوا لو تكون لهم كرة ليتبرأوا منهم، وتكون عاقبة أمرهم خسرًا، ويريهم الله أعمالهم حسرات.
قال تعالى: (ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [البقرة:١٦٥- ١٦٧].
لقد تضمنت الآيات السابقة مجموعة من الفوائد والدروس والعبر والتي نذكر منها:
٣. التحاور بين أهل النار.
كما في الجنة نعيمٌ مادي ونعيمٌ معنوي، هناك في النار أيضًا عذاب مادي وآخر نفسي معنوي، والذي يتمثل في التشفّي والانتقام من بعضهم البعض، ولقد ظهر واضحًا جليًّا في محاورة أهل النار لبعضهم وتعاتبهم الذي أفضى لطلب المزيد من العذاب، وفيما يلي توضيح ذلك:
قال الله تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [الأعراف:٣٧-٣٩].
أخبر الله تعالى في هذه الآيات الكريمات أنه لا أحد أخطأ فعلًا، وأجهل قولًا، وأبعد ذهابًا عن الحق والصواب ممن اختلق على الله زورًا من القول، فقال إذا فعل فاحشة: إن الله أمرني بها، أو كذب بأدلته، وأعلامه الدّالة على وحدانيته، ونبوّة أنبيائه، فجحد حقيقتها ودافع صحتها، فهذا سينال العقاب من الله تعالى، وسيصل إليه حظهم مما كتب الله له في اللوح المحفوظ، وسيأخذوا حظوظهم التي قدرها الله تعالى لهم في الدنيا، إلى أن يتوفاهم فينالوا مصيرهم في الآخرة95.
ولقد تضمنت هذا الآيات العديد من الدروس والعبر واللفتات والهدايات، نقتطف منها ما يأتي:
خامسًا: الحوار العقيم:
الغاية من الحوار هي الوصول إلى ما يريح النفس من اقتناعٍ وتسليم، ولكن هناك حوارات عديدة وردت في القرآن الكريم، لم تكن هذه الغاية هدفها؛ فجاءت عقيمة الفائدة للمتحاورين، وذلك زيادة في تعذيبهم عذابًا نفسيًا بجانب العذاب الجسدي، ومن أمثل هذا النوع: الحوار الذي دار بين المستكبرين والأتباع وخزنة النار، وحوار الضعفاء والمستكبرين بين يدي الله، وحوار الشيطان وأتباعه في النار، وحوار الكافر وقرينه الشيطان بين يدي الله، وفيما يأتي تفصيل ذلك.
١. حوار المستكبرين والأتباع وخزنة النار.
يخبر تعالى عن تخاصم أهل النار، وعتاب بعضهم بعضًا واستغاثتهم بخزنة النار، وعدم الفائدة في ذلك فقال: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [غافر:٤٧ - ٥٠].
يحتج التابعون بإغواء المتبوعين، ويتبرأ المتبوعون من التابعين، فيقول الضّعفاء: أنتم أغويتمونا، وأضللتمونا، وزينتم لنا الشرك والشر، فهل تستطيعوا أن تخففوا عنا من عذاب الله ولو قليلًا؟؛ فيرد عليهم القادة المستكبرون: إن الله جعل لكل منا قسطًا من العذاب، فلا يزاد في ذلك ولا ينقص منه، ولا يغير ما حكم به الحكيم115.
قال الفخر الرازي: «واعلم أن أولئك الأتباع يعلمون أن أولئك الرؤساء لا قدرة لهم على ذلك التخفيف، وإنما مقصودهم من هذا الكلام المبالغة في تخجيل أولئك الرؤساء، وإيلام قلوبهم؛ لأنهم هم الذين سعوا في إيقاع هؤلاء الأتباع في أنواع الضلالات، فعند هذا يقول الرؤساء: (ﯥ ﯦ ﯧ)، يعني: أن كلنا واقعون في هذا العذاب، فلو قدرت على إزالة العذاب عنك لدفعته عن نفسي، ثم يقولون: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ)، يعني: يوصل إلى كل أحد مقدار حقه من النعيم أو من العذاب»116.
ولما يئسوا من السادة اتّجهوا إلى خزنة جهنم يطلبون منهم الدعاء:
أهل النار: ادعوا اللّه ربّكم لعله أن يخفف عنا مقدار يوم من العذاب.
خزنة النار: أو ما جاءتكم الرسل في الدنيا بالحجج والأدلة الواضحة على توحيد اللّه، والتحذير من سوء العاقبة ؟
أهل النار: بلى، قد جاءتنا الرسل، فكذبناهم، ولم نؤمن بهم ولا بما جاؤوا به من الحجج.
خزنة النار: إذا كان الأمر كما ذكرتم، فادعوا أنتم لأنفسكم، فنحن لا ندعو لمن كفر باللّه وكذّب رسله، ولا فائدة من دعائكم117.
ويظهر من خلال هذا الحوار بعض الدروس والعبر واللفتات، نذكر منها:
٢. الحوار بين الضعفاء والمستكبرين.
قال الله تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [إبراهيم:٢١].
بين الله تعالى في هذه الآية الكريمة أن الله تعالى يجمع الخلائق كلها، برها وفاجرها، في براز من الأرض، وهو المكان الذي ليس فيه شيء يستر أحدا، ويبدأ الجدال بين الأتباع وسادتهم، حيث يقول الأتباع لقادتهم وسادتهم وكبرائهم الذين استكبروا عن عبادة، الله وحده لا شريك له، وعن موافقة الرسل: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ).
أي: فهل تدفعون عنا شيئًا من عذاب الله، كما كنتم تعدوننا وتمنوننا؟ فقالت القادة لهم: (ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ)، ولكن حق علينا قول ربنا، وسبق فينا وفيكم قدر الله، وحقت كلمة العذاب على الكافرين.
(ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ)، أي: ليس لنا خلاص مما نحن فيه إن صبرنا عليه أو جزعنا منه120.
قال سيد قطب رحمه الله : «والضعفاء هم الضعفاء، هم الذين تنازلوا عن أخص خصائص الإنسان الكريم على الله، حين تنازلوا عن حريتهم الشخصية في التفكير والاعتقاد والاتجاه، وجعلوا أنفسهم تبعًا للمستكبرين والطغاة، ودانوا لغير الله من عبيده واختاروها على الدينونة لله.
والضعف ليس عذرًا، بل هو الجريمة، فما يريد الله لأحد أن يكون ضعيفًا، وهو يدعو الناس كلهم إلى حماه يعتزون به والعزة لله، وما يريد الله لأحد أن ينزل طائعًا عن نصيبه في الحرية التي هي ميزته ومناط تكريمه أو أن ينزل كارهًا، والقوة المادية كائنة ما كانت لا تملك أن تستعبد إنسانًا يريد الحرية، ويستمسك بكرامته الآدمية، فقصارى ما تملكه تلك القوة أن تملك الجسد، تؤذيه وتعذبه وتكبله وتحبسه، أما الضمير، أما الروح، أما العقل: فلا يملك أحد حبسها، ولا استذلالها، إلا أن يسلمها صاحبها للحبس والإذلال»121.
٣. الحوار بين الشيطان وأتباعه.
قال الله تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [إبراهيم:٢٢].
لما ذكر المناظرة التي وقعت بين الرؤساء والأتباع من كفرة الإنس: أردفها بالمناظرة التي وقعت بين الشيطان وبين أتباعه من الإنس122، وموضوع المناظرتين واحد، وهو: تبرؤ المتبوع من التابع، ولكن الشيطان كان أصدق في هذه المحاورة من الإنسان ؛ لأنه أعلن أن اللّه وعد الناس وعد الحق، وهو البعث والجزاء على الأعمال، فوفى لهم بما وعدهم، وأما هو فوعد الناس بخلاف ذلك، وأنه لا بعث ولا جزاء، فأخلف الوعد123.
ففي الآية: يخبر الله تعالى عن موقف إبليس يوم القيامة، فبعد أن يقضى الأمر ويدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، ويستقرّ كل فريق منهم قرارهم124، ينادي إبليس في جماعته الذين أغواهم: إن الله وعدكم، أيها الأتباع، النار، ووعدتكم النّصرة، فأخلفتكم وعدي، ووفى الله لكم بوعده، وما كان لي عليكم، فيما وعدتكم من النصرة، من حجة تثبت لي عليكم بصدق قولي: (ﮟ ﮠ ﮡ)، وهذا من الاستثناء المنقطع عن الأول، بمعنى: ولكن دعوتكم فاستجبتم لي، استجبتم إلى طاعتي، ومعصية الله، فلا تلوموني على إجابتكم إياي، ولكن لوموا أنفسكم، فلا أنا مغيثكم من عذاب الله، ولا أنتم مغيثي؛ لأني جحدت أن أكون شريكًا لله فيما أشركتموني فيه من عبادتكم في الدنيا، فالعذاب لكل من كفر بالله125.
قال ابن عاشور: «وقد جيء في هذه الآية بوصف حال الفرق يوم القيامة، ومجادلة أهل الضلالة مع قادتهم، ومجادلة الجميع للشيطان، وكون المؤمنين في شغل عن ذلك بنزل الكرامة، والغرض من ذلك تنبيه الناس إلى تدارك شأنهم قبل الفوات، فالمقصود: التحذير مما يفضي إلى سوء المصير»126.
٤. حوار الكافر وقرينه (الشيطان) بين يدي الرحمن.
قال تعالى: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [ق:٢٧ - ٢٩].
يخبر الله تعالى أن الكافر يقول يوم القيامة عن قرينه، وهو الشيطان الذي وكل به: يا رب، هذا أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني، فيقول القرين: ما أضللته، بل كان هو في نفسه ضالًّا قابلًا للباطل معاندًا للحق، فيقول الرب عز وجل لهما: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) أي: عندي، (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) أي: قد أعذرت إليكم على ألسنة الرسل، وأنزلت الكتب، وقامت عليكم الحجج والبينات والبراهين127 على أن من كفر بالله وأشرك به وعصى رسله فإن له نار جهنم خالدًا فيها أبدًا)128.
ثم يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيله للمشركين وقرنائهم من الجنّ يوم القيامة، إذ تبرأ بعضهم من بعض: ما يغير القول الذي قلته لكم في الدنيا، وهو قوله: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [الأعراف:١٨]، ولا قضائي الذي قضيته فيهم فيها)129.
أهم الفوائد والدروس والعبر المستفادة من هذه الحوارات:
إن قواعد الحوار والاختلاف وضوابطه هي العاصم للمتحاورين من الغلو وشتم الآخرين إن كان الحق هو الرائد والمطلوب، أما إذا كان الخلاف انتصارًا لأهواء سياسية وتعصبًا أعمى، فهذا أمر لا ينفع معه قواعد ولا ضوابط، إذ إن الهوى ليس له ضوابط ولا موازين، ولذلك حذرنا الله تعالى من اتباع الهوى فقال سبحانه وتعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [القصص:٥٠]، لذا فلابد من تسليط الضوء على بعض تلك القواعد القرآنية والتي منها:
أولًا: الحوار بالتي هي أحسن:
إن من أهم ما يتوجه إليه المحاور في حواره، التزام الحسنى في القول والمجادلة، قال تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ)[الإسراء:٥٣].
وقال عز وجل: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ)، وقوله تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ) [البقرة:٨٣]؛ فعلى المحاور اللبيب طالب الحق، أن ينأى بنفسه عن أسلوب الطعن والتجريح والهزء والسخرية، وألوان الاحتقار والإثارة والاستفزاز، حتى لو تعرض للاحتقار والازدراء؛ قال الطبري: وخاصمهم بالخصومة التي هي أحسن من غيرها أن تصفح عما نالوا به عرضك من الأذى139.
ومن لطائف التوجيهات الإلهية لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الباب، الانصراف عن التعنيف في الردّ على أهل الباطل، حيث قال الله لنبيه: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [الحج: ٦٨ -٦٩]، وقوله: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ) [سبأ:٢٤]، مع أن بطلانهم ظاهر، وحجتهم داحضة.
ويلحق بهذا الأصل: تجنب أسلوب التحدي والتعسف في الحديث، ويعتمد إيقاع الخصم في الإحراج، ولو كانت الحجة بينه والدليل دامغًا، فإن كسب القلوب مقدم على كسب المواقف، وقد تفحم الخصم ولكنك لا تقنعه، وقد تسكته بحجة ولكنك لا تكسب تسليمه وإذعانه، وأسلوب التحدي يمنع التسليم، ولو وجدت القناعة العقلية. والحرص على القلوب واستلال السخائم أهم وأولى عند المنصف العاقل من استكثار الأعداء واستكفاء الإناء. وإنك لتعلم أن إغلاظ القول، ورفع الصوت، وانتفاخ الأوداج، لا يولّد إلا غيظًا وحقدًا وحنقًا، ومن أجل هذا فليحرص المحاور؛ ألا يرفع صوته أكثر من الحاجة فهذا رعونة وإيذاء للنفس وللغير، ورفع الصوت لا يقوّي حجة ولا يجلب دليلًا ولا يقيم برهانًا؛ بل إن صاحب الصوت العالي لم يعل صوته -في الغالب -إلا لضعف حجته وقلة بضاعته، فيستر عجزه بالصراخ ويواري ضعفه بالعويل، وهدوء الصوت عنوان العقل والاتزان، والفكر المنظم والنقد الموضوعي140.
ثانيًا: الإنصات الجيد وحسن الاستماع:
الإنصات الجيد هو بداية الحوار الفعّال الناجح مع الآخرين، والغريب أن الذين يتقنون هذه المهارة قلائل جدًّا، لذلك كان من الضروري أن نتعلم هذه المهارة؛ لأنها ستفتح لنا مجالًا أكبر للتواصل مع من حولنا والتحاور بصورة أفضل وستفتح لنا المجال في بناء علاقات مميزة مع الآخرين.
والإنصات: هو السكوت للاستماع141، وهناك فرق بين السماع والاستماع: فالسماع قد يكون بغير قصد ولا انتباه، أما الاستماع فهو بقصد وانتباه وتركيز كما جاء في معجم الفروق اللغوية: إن الاستماع هو استفادة المسموع بالإصغاء إليه ليفهم، ولهذا لا يقال: إن الله يستمع، وأما السماع فيكون اسمًا للمسموع يقال لما سمعته من الحديث: هو سماعي، ويقال للغناء: سماع، ويكون بمعنى السمع، تقول: سمعت سماعًا، كما تقول: سمعت سمعًا142.
ويظهر ذلك جليًّا في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [الجنّ:١]، يقول البقاعي: (ﭕ) أي: بغاية الإصغاء والإقبال والتقبل والإلف استماعًا هو الاستماع في الحقيقة143.
أهمية الاستماع والإنصات في الحوار:
إن عملية الاستماع هي المقدمة الطبيعية لغالب العمليات الفكرية والعقلية الموجهة للسلوك البشري التنموي التحاوري، والسماع هو مفتاح الفهم والتأثر والإقناع والتشبع بالأفكار؛ لذا قال الله تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [فصّلت:٢٦]، فما داموا لا يسمعون له فلن يتأثروا به، كما أنهم لمّا انقشع عنهم الغمام تمنوا لو أنهم كانوا قد أحسنوا السماع، (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [الملك:١٠]، إننا نستمع أحيانًا بدون وعي، فإذا اجتمع مع الاستماع وعيٌ يكون الإصغاء، وهو سماع الأذن بوعي وتفهّم، والإصغاء الفعال هو الاستماع والإنصات المركّز لمجموعة من المعلومات حول موضوع ما لغرض التفهّم الكامل لذلك الموضوع. وهو مهارة مهمة إذ إنه يبني نوعًا من الثقة والمودة المتبادلة ويعزز التفاهم والتواصل، ومعظم المشاكل التي تحدث في العلاقات بين الناس يكون عدم الإلمام بهذه المهارة سببًا رئيسًا فيها144.
ومن أهم فنون التواصل مع الآخرين عند دعوتهم أو الحوار معهم: أن تستمع إليهم لكي تعطيهم فرصة للتكلم والتعبير عن آرائهم ووجهة نظرهم، «والواجب على العاقل أن ينصف أذنيه من فيه، ويعلم أنّه إنّما جعلت له أذنان وفم واحدٌ ليسمع أكثر ممّا يقول؛ لأنّه إذا قال ربّما ندم، وإن لم يقل لم يندم، وهو على ردّ ما لم يقل أقدر منه على ردّ ما قال، والكلمة إذا تكلّم بها ملكته، وإن لم يتكلّم بها ملكها»145.
وقد ترتب في سورة الأحقاف على حسن الاستماع والإنصات دعوة أمة الجن بأسرها كما يصور ذلك المشهد سيد قطب رحمه الله في تفسيره لقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [الأحقاف:٢٩]، حيث قال: وتلقي هذه الكلمة ظلال الموقف كله طوال مدة الاستماع. وهذه تصور الأثر الذي انطبع في قلوبهم من الإنصات للقرآن. فقد استمعوا صامتين منتبهين حتى النهاية. فلما انتهت التلاوة لم يلبثوا أن سارعوا إلى قومهم، وقد حملت نفوسهم ومشاعرهم منه ما لا تطيق السكوت عليه، أو التلكؤ في إبلاغه والإنذار به. وهي حالة من امتلأ حسه بشيء جديد، وحفلت مشاعره بمؤثر قاهر غلاب، يدفعه دفعًا إلى الحركة به والاحتفال بشأنه، وإبلاغه للآخرين في جد واهتمام146.
قال المراغي: فلما حضروا الرسول قال بعضهم لبعض: أنصتوا مستمعين، فلما فرغ من تلاوته رجعوا إلى قومهم لينذروهم بأس الله وشديد عذابه147.
والإنصات الجيد يؤثر في النفس أبلغ الأثر، ويزيد القدرة على الاستيعاب، فقد جاء في تفسير هذه الآية: قال بعضهم لبعض: أنصتوا؛ لنستمع القرآن، فلما فرغ الرسول من تلاوة القرآن، وقد وعوه وأثّر فيهم، رجعوا إلى قومهم منذرين ومحذرين لهم بأس الله، إن لم يؤمنوا به148.
وحسن الاستماع من الآداب الإسلامية والأخلاق الرفيعة؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه من يناقشه استمع إليه وأنصت لكلامه حتى يفرغ من حديثه ثم أجابه.
وخير مثال على ذلك من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم إنصاته الجيد لعتبة بن ربيعة في القصة المشهورة، حيث قال عتبة: (.... إنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فرقت به جماعتهم، وسفهت به أحلامهم، وعبت به آلهتهم ودينهم، وكفرت به من مضى من آبائهم، فاسمع مني أعرض عليك أمورًا تنظر فيها، لعلك تقبل منها بعضها. قال: فقال رسول صلى الله عليه وسلم: قل يا أبا الوليد أسمع، قال: يا ابن أخي، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالًا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالًا، وإن كنت تريد به شرفًا سوّدناك علينا، حتى لا نقطع أمرًا دونك، وإن كنت تريد به ملكًا ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيًا تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه- أو كما قال له- حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع منه: قال: أو قد فرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم، قال: فاسمع مني، قال: أفعل، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [فصّلت:١-٥].
ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها يقرؤها عليه، فلما سمعها منه عتبة أنصت لها، وألقى يديه خلف ظهره معتمدًا عليهما، يسمع منه، ثم انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة منها فسجد، ثم قال: قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك. فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به.
فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: ورائي أني سمعت قولًا والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر، ولا بالسحر، ولا بالكهانة، يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي، وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه، فاعتزلوه، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم، وعزّه عزّكم، وكنتم أسعد الناس به، قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه، قال: هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم)149.
وهكذا نلاحظ أنه لما جاء عتبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحاوره في دينه ويبين له على ما ترتب على دعوته إلى دين الإسلام من أمور يظنها مفاسد من التفريق بين الوالد والولد، وجعل ذلك تسفيهًا لدين الآباء والأجداد، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أو قد فرغت يا أبا الوليد؟) قال: نعم، فالنبي صلى الله عليه وسلم استمع له وأنصت له حتى أكمل كلامه كله، فلما قضى كلامه قرأ عليه من سورة فصلت فكان ذلك سببًا في تغيير شيء من موقفه150.
فمن هذا الموقف العظيم ندرك كم لأهمية الإنصات الجيد وحسنه من أثر إيجابي على الآخرين؛ فقد أثر على صنديد من صناديد قريشٍ أبلغ التأثير.
ثالثًا: إبراز الحقائق:
إن من القواعد والمبادئ الأساسية للحوار والتي جاءت بها شريعة الإسلام لقطع الخلاف: إبراز الدليل الناصع، والبرهان الساطع151، والتي تتمثل في أمرين: إبراز الحقائق المثبتة، وصحة النقل، وعليها وضع العلماء قاعدتهم المشهورة: (إن كنت ناقلًا فالصحة، أو مدّعيًا فالدليل)152.
وقد وردت الإشارة إلى مضمون هذه القاعدة في كثير من الآيات القرآنية التي تطالب الطرف الآخر بتقديم البراهين والحجج المنطقية، منها قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [النمل:٦٤]، وقوله تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋﰌ ﰍ ﰎ) [الأنبياء:٢٤].
ففي هذه النصوص يأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يطالب المشركين بتقديم براهينهم وأدلتهم على ما يقدمون من دعاوى إن كانوا على يقين من الأمور التي يعتقدونها: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [البقرة:١١١].
وهكذا نجد أن المحاورة في القرآن الكريم تعتمد على العقل والمنطق، ولا تتأثر بأي عامل أو مؤثر خارجي كالنبوة والرسالة والوحي، ولاشك أن الحوار الذي يعتمد على الحجة الواضحة والدليل المنطقي القوي سيؤدي في النهاية إلى الحرية في التفكير، والتخلص من التعصب والانحياز، فنحن نرى أن إبراهيم عليه السلام في حواره مع الله عز وجل يتقدم للمحاورة وكأنه متجردٌ من النبوة، بل من الإيمان: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ) [البقرة:٢٦٠].
فإبراهيم في هذه المحاورة يريد التحاور ضمن قواعد العقل والمنطق، ويرفض وجود أي مؤثر في المحاورة غير العقل153.
ولقد ظهرت تلك القاعدة أيضًا واضحة جلية في حوار إبراهيم عليه السلام مع الملك الكافر الظالم الذي كان يعيش في عصره.
قال تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [البقرة:٢٥٨].
أراد إبراهيم عليه السلام: أن الله هو الذي يخلق الحياة والموت في الأجساد، وأراد الكافر: أنه يقدر أن يعفو عن القتل فيكون ذلك إحياء، وعلى أن يقتل فيكون ذلك إماتة، فكان هذا جوابًا أحمق، لا يصح نصبه في مقابلة حجة إبراهيم، لأنه أراد غير ما أراد الكافر، فلو قال له: ربه الذي يخلق الحياة والموت في الأجساد فهل تقدر على ذلك؟ لبهت الذي كفر بادئ بدء وفي أول وهلة، ولكنه انتقل معه إلى حجة أخرى تنفيسًا لخناقه، وإرسالًا لعنان المناظرة فقال: فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب لكون هذه الحجة لا تجري فيها المغالطة، ولا يتيسر للكافر أن يخرج عنها بمخرج مكابرة ومشاغبة. قوله: (ﮑ ﮒ ﮓ) بهت الرجل وبهت وبهت: إذا انقطع وسكت متحيرًا154.
رابعًا: الإنصاف:
إن العدل والإنصاف مع الخصم مبدأ مهم صعب جليل، وإن المفترض في المسلم أن يكون عادلًا منصفًا، حيث منهج دين الإسلام هو الأمر بالعدل والتهي عن الظلم.
قال تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ)[النحل:٩٠]، والعدل والإنصاف مطلوبان في القول: (ﭨ ﭩ ﭪ) [الأنعام:١٥٢]، كما هما مطلوبان في الحكم: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [النساء:٥٨]، ولو اتبع المسلمون هدي دينهم في هذا الأمر لما وقع كثير من المسلمين فيما وقعوا فيه من الظلم والاختلاف والنزاع والشقاق، ومن تمام الانصاف قبول الحق من الخصم والتفريق بين الفكرة وصاحبها، وأن يبدي المحاور إعجابه بالأفكار الصحيحة والأدلة الجيدة، والمعلومات الجديدة التي يوردها خصمه، وهذا الإنصاف له أثره الإيجابي لقبول الحق، ويضفي على المحاور روح الموضوعية155.
وإنما كان الإنصاف والعدل صعبًا لما اتصف به الإنسان من الجهل والظلم.
قال تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [الأحزاب:٧٢].
فأكثر الناس مجبول على عدم الانصاف إلا من رحم الله، ولذلك قال الإمام الشعبي رحمه الله: «والله لو أصبت تسعًا وتسعين مرة، وأخطأت مرة لأعدوا عليّ تلك الواحدة»156.
وقد ذكر العلماء ضوابط في العدل والإنصاف: فمن ذلك قول عبد الله بن المبارك رحمه الله: «إذا غلبت محاسن الرجل على مساوئه لم تذكر المساوئ، وإذا غلبت المساوئ على المحاسن لم تذكر المحاسن»157.
وذكر عن حاتم الأصم أنه قال: «معي ثلاث خصال أظهر بها على خصمي، قالوا: وما هي؟ قال: أفرح إذا أصاب خصمي، وأحزن إذا أخطأ، وأحفظ نفسي لا تتجاهل علي، فبلغ ذلك الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله فقال: سبحان الله ما كان أعقله من رجل»158.
ولا شك أن الآيات والأحاديث، والأمثلة والنماذج والسير كثيرة جدًّا في تقرير هذا المبدأ وتأصيله، وهناك نصوص عامة تأمر بالعدل والإنصاف في الحوار وغيره.
قال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [النساء:١٣٥]، (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ)[المائدة:٨].
قال الزمخشري: «وفيه تنبيه عظيم على أن وجود العدل مع الكفار الذين هم أعداء اللّه إذا كان بهذه الصفة من القوة، فما الظنّ بوجوبه مع المؤمنين الذين هم أولياؤه وأحباؤه»159.
فالآيات تفرض العدل في جميع الأحوال، كما تحذر الظلم وتحرم الجور في جميع الأوقات، وقد مضت سنة الله العادلة في خلقه بأن جزاء ترك العدل وعدم إقامة القسط في الدنيا، هو ذل الأمة وهوانها، واعتداء غيرها من الأمم على استقلالها، ولجزاء الآخرة أذل وأخزى وأشد وأبقى 160.
وكما يروى عن شيخ الإسلام قوله: إن الله ينصر الأمة العادلة ولو كانت كافرة، ويذل الأمة الظالمة وإن كانت مسلمة161.
ومن نماذج الإنصاف في القرآن ما جاء في وصف أهل الكتاب وذكر بعض مثالبهم كما في قوله تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [آل عمران:١١٢].
ثم أنصف الله عز وجل المتقين منهم بقوله: (ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [آل عمران:١١٣].
ومثلها إنصافهم في قوله تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [آل عمران:٧٥].
قال سيد قطب: «وهذا غاية الإنصاف والعدل للقلة الخيرة منهم، التي وعدها بالوعد الصادق لهم: أنهم لن يبخسوا حقًّا، ولم يفكروا أجرًا مع الإشارة إلى أن الله سبحانه علم أنهم من المتقين»162.
خامسًا: الرفق واللين:
إن إظهار الحق وإيصاله للآخرين وإقناعهم به ودحض شبهاتهم وأباطيلهم يحتاج إلى معرفة طبيعة النفس البشرية، وما يصلح لها وما يسوؤها، ومن أهم سمات النفوس أنها تميل إلى اللين والملاطفة والتعامل بالحسنى، وتنفر من الشدة والإذلال والإفحام، إذ إن لها كبرياء، فمن أكرمها فأنه يستطيع أن يقودها وأن يسيّرها كيفما شاء، ومن خدش كبرياءها، فلن يظفر منها بطاعة ولا تصديق ولا انقياد، ولا يلومنّ بعد ذلك إلا نفسه! لذا فمن أراد أن يمسح الشبهات من عقول الناس، أو أراد أن يدحضها، فعليه أن يلج إلى ذلك بالحسنى، وأن يتجّنب العنف والشدة والتحدي163.
ولا شك أن القلوب تميل إلى من يلين ويرفق بها، وتنفر الطبائع البشرية من الفظ الغليظ، حتى لو كان خير الناس! كما قال الله: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [آل عمران:١٥٩].
والمحاور الناجح في أمسّ الحاجة إلى التفاف الناس حوله، وتحّليه بالرفق واللين يساعد في تحقيق ذلك. إلى جانب ذلك، فقد ينشأ عند كثير من الناس نفور تجاه المحاور بسبب دعوته، وذلك إذا خالف رغبات كثير منهم أو عارض شهواتهم، لكنّ اتصافه بالرفق يساهم في إزالة أو تقليل هذا النفور164.
إنّ الرفق سمة واضحة في دعوة الأنبياء عليهم السلام لأقوامهم، فما من نبي بعث إلا ودعا قومه وحاورهم بالتي هي أحسن، فها هو نبي الله شعيب عليه السلام يحاور قومه بكل رفق قائلًا: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [هود:٨٨].
فهذا تلطف منه في العبارة ودعوة لهم إلى الحق بأبين إشارة، يقول لهم: أرأيتم أيها المكذبون إن كنت على بينة من ربي ورزقني النبوة والرسالة، وعمّي عليكم معرفتها، فأي حيلة لي فيكم؟ ولست آمركم بالأمر إلا وأنا أول فاعل له، وإذا نهيتكم عن الشيء فأنا أول من يتركه165، فهو يتلطف معهم ليشعرهم أنه على بينة من ربه، وأنه على ثقة مما يقول لهم، وأنه يدعوهم إلى الأمانة في المعاملة، وسيتأثر مثلهم بنتائجها، لأنه ذو مال وعلاقات تجارية، فهو لا يبغي كسبًا شخصيًّا من وراء دعوته لهم، فلن ينهاهم عن شيء ثم يفعله لينفرد بالكسب وحده! إنما هي دعوة الإصلاح للناس أجمعين بكل حكمة وروية ولين166.
ولقد أمر الله نبييه موسى وهارون عليهم السلام أن يحاورا فرعون، ذلك الطاغية الذي ادعى الربوبية فقال: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [النّازعات:٢٤]، ثم ادعو الألوهية فقال: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ) [القصص:٣٨]، ورغم ذلك أمرهم الله بالرفق واللين معه فقال: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [طه:٤٤].
قال ابن كثير: «هذه الآية فيها عبرة عظيمة، وهو أن فرعون في غاية العتو والاستكبار، وموسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك، ومع هذا أمر ألا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين167.
قال الزمخشري: «اذهبا على رجائكما وطمعكما، وباشرا الأمر مباشرة من يرجو ويطمع أن يثمر عمله ولا يخيب سعيه، فهو يجتهد بطوقه، ويحتشد بأقصى وسعه»168.
إن الحوار أو الجدال الذي يدور بين الناس، إذا كان يقوم على التواضع ولين الجانب، وعلى الأسلوب المهّذب الخالي من كل ما لا يليق، كانت نتائجه طيبة وآثاره حميدة، لأنه يوصل إلى الحقيقة المرجوة، وإلى الاتفاق ولو على معظم المسائل التي دار من أجلها الحوار. أما الحوار أو الجدال الذي يكون مبعثه الغرور والتعالى والتباهي بالأقوال، فمن المستبعد أن يأتي بنتيجة توصل إلى الحقيقة أو إلى اتفاق على ما ينفع، وإنما المتوقع من هذا الحوار الذي سداه الغرور، أن تتولد عنه الآثام والشرور وهكذا نتيقن أن الرفق يزين الحوار ويقوده إلى نتائج طيبة وثمار ناضجة، أسوتنا في ذلك الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام169.
موضوعات ذات صلة: |
الإنصاف، التربية، الجدال، الدعوة، النصيحة |
1 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس، ١/ ٢٨٧.
2 انظر: لسان العرب، ابن منظور٥/٢٩٧.
3 فتح القدير، الشوكاني ٥/ ٥١٥.
4 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٥/ ٢١٨.
5 القاموس المحيط، الفيروزآبادي، ص ٤٨٧.
6 تاج العروس، الزبيدي ٦/ ٣١٧.
7 الحوار ، آدابه وضوابطه في ضوء الكتاب والسنة، يحي بن محمد زمزمي ص ٣٢.
8 الحوار الإسلامي المسيحي، بسام عجك، ص ٢٠
9 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١١/ ١٠٥، مجمل اللغة، ابن فارس ١/ ١٧٩.
10 الكليات، الكفوي ص ٣٥٣.
11 تاريخ الجدل، ص ٥.
12 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/٤٤٤، لسان العرب، ابن منظور ٥/ ٢١٥، تاج العروس، الزبيدي ١٤/ ٢٤٥، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ٢/ ٩٣٢.
13 انظر: التعريفات، الجرجاني ص٢٥٠، آداب البحث والمناظرة، محمد الأمين الشنقيطي ص٤، حلية طالب العلم، بكر أبو زيد ص٦٨، منهج الجدل والمناظرة في تقرير مسائل الاعتقاد، عثمان علي حسن ١/ ٣٠.
14 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/ ٢٩-٣٠، لسان العرب، ابن منظور ٢/ ٢٢٦، تاج العروس، الزبيدي ٥/ ٤٥٩-٤٦٤.
15 انظر: المحاجة طرق قياسها وأساليب تنميتها، طريف شوقي محمد ص٣، الجدل في القرآن الكريم، خصائصه ودلالته دراسة لغوية دلالية، يوسف عمر العساكر ص٣٠.
16 انظر: تهذيب اللغة، للأزهري ٧/١٥٤-١٥٥، مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/ ١٥٠، لسان العرب، ابن منظور ١٢/١٨٠-١٨١.
17 انظر: فن الحوار، فيصل الحاشدي ص٢٠.
18 انظر: المعجم المفهرس، محمد فؤاد عبد الباقي، ص٥٧١.
19 انظر: وسطية الإسلام ودعوته إلى الحوار، عبدالرب آل نواب، ص ٣٤.
20 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ١/ ٢٩٧ التفسير الوسيط، طنطاوي ١/ ٥٩٣.
21 انظر: منهج القرآن الكريم في إقامة الدليل والحجة، مجاهد محمود ص١٠٢.
22 انظر: قصص القرآن، جاد المولى، ص١٣٢.
23 انظر: التفسير الوسيط، مجمع البحوث ٣/١٢٧٥.
24 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/ ٢٦.
25 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٧/٣٢١-٣٢٢.
26 انظر: جامع البيان، الطبري ١١/ ٤٨٠، في ظلال القرآن، سيد قطب ٢/ ١١٣٩.
27 الكشاف ٢/ ٤٠.
28 السراج المنير، الشربيني ٢/ ٣٧٥.
29 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ٧/ ٣٢.
30 انظر: عون الحنان في شرح الأمثال في القرآن، الطهطاوي ص ٢٦٠.
31 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/ ٢٦٢.
32 انظر: التفسير الوسيط، مجمع البحوث ٦/ ١٠٣٠.
33 انظر: جامع البيان، الطبري ٢١/ ٣٥٣.
34 انظر: مباحث في علوم القرآن، مناع القطان، ص ٣١٠.
35 تفسير القرآن الكريم، سورة الكهف، ابن عثيمين ص ١٠٠.
36 انظر: نيل المرام من تفسير آيات الأحكام، القنّوجي، ص ٣٦٣
37 أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الطلاق، باب الظهار، ١/٦٦٦، رقم ٢٠٦٣، والحاكم في المستدرك على الصحيحين، كتاب التفسير، تفسير سورة المجادلة ٢/ ٥٢٣، رقم ٣٧٩١.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد.
وصححه الألباني في إرواء الغليل، ٧/١٧٥، رقم ٢٠٨٧.
38 نظرات في كتاب الله، الساعاتي، ص٤٨٥.
39 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/ ٣٧.
40 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/ ٣٥٠٥.
41 انظر: نظرات في كتاب الله، الساعاتي، ص٤٨٦.
42 انظر: تفسير القرآن، السمعاني ٥/ ٣٨٣.
43 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/ ٣٣٣.
44 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٢/ ٦٠٥.
45 بغرزه: «أي: أمسكه وأتبع قوله وفعله، كمن يمسك بركاب راكب ويسير بسيره»، مجمع بحار الأنوار ٤/ ٢٧.
46 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط، ٣/ ١٩٦، رقم ٢٧٣١.
47 انظر: جامع البيان، الطبري ١٥/ ٢٩٥.
48 انظر: دراسة عن أسلوب الحوار في القرآن الكريم، إسحاق رحماني على موقع النور للدراسات الحضارية والفكرية.
49 انظر: تفسير المراغي ١٢/ ٢٦.
50 انظر: تفسير القرآن، السمعاني ٤/ ٥٣.
51 انظر: مفاتيح الغيب٢١/ ٥٤٥.
52 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٤/ ٣٣٢.
53 تفسير القرآن، السمعاني ١/ ٢٦١.
54 انظر: دراسة بعنوان: حوار شعيب عليه السلام مع قومه في القرآن الكريم، محمد أحمد الكردي، على موقع حيران انفوا.
55 انظر تفسير المراغي ٨/ ٢١٠.
56 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/ ٢٠١.
57 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٤/ ٢٣٤.
58 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب٣/ ١٣٢٢.
59 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ١٥/ ٢٩٦.
60 انظر: البحر المحيط في التفسير، ابن حيان٧/ ٢٠٥.
61 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢١/ ٤٨٣.
62 جامع البيان، الطبري ١٨/ ٧١.
63 انظر: البحر المحيط في التفسير، ابن حيان ٧/ ٢٠٦.
64 انظر: إرشاد العقل السليم ٥/ ٢٣٥.
65 انظر: الكشاف، الزمخشري ٢/ ٧٣٤.
66 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب٤/ ٢٢٧٠.
67 انظر: مفاتيح الغيب ٢١/ ٤٦٢.
68 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٧٧.
69 انظر: المصدر السابق.
70 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٣/ ٣٣٩، في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/ ٢٢٧١، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٧٧.
71 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٢/٤٦٢، فتح القدير، الشوكاني ٣/ ٣٣٩، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٧٨، في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/ ٢٢٧٢، التفسير المنير، الزحيلي ١٥/ ٢٥٦.
72 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ٤٧٨، في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/ ٢٢٧٢، التفسير المنير، الزحيلي ١٥/ ٢٥٦.
73 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٢/٤٦٢، فتح القدير، الشوكاني ٣/ ٣٣٩، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ٤٧٨، في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/ ٢٢٧٢، التفسير المنير، الزحيلي ١٥/ ٢٥٦.
74 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٢/ ٨٧٤.
75 التفسير المنير، الزحيلي ٦/ ١٥٧.
76 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٢/ ٨٧٥.
77 انظر: الكشاف، الزمخشري ١/ ٦٢٤.
78 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٦/ ١٧٠.
79 انظر: المصدر السابق.
80 انظر: مفتاح دار السعادة، ابن القيم ١/ ٢٣٩.
81 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ٦/ ١٥٩.
82 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٤٧٦.
83 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٧٩.
84 انظر: تفسير المنار، محمد رشيد رضا ٢/٥٥-٥٦.
85 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ١/٢١٦-٢١٧.
86 انظر: تفسير القرآن العظيم ١/٤٧٧.
87 انظر: جامع البيان، الطبري ٣/٢٩٤.
88 أخرجه البخاري، في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، سورة البقرة، باب قوله تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ)، ٦/ ١٨، رقم ٤٤٧٧.
89 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ١/٤٣٢.
90 تفسير المنار، محمد رشيد رضا ٢/٦٣.
91 التفسير المنير، الزحيلي ١/٤٣٣.
92 انظر: الأساس في التفسير، سعيد حوى ٢/١٤١.
93 انظر: تفسير المنار، محمد رشيد رضا ٢/٦٩.
94 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢/٢٠٧.
95 انظر: جامع البيان ١٢/٤٠٨.
96 تفسير البحر المحيط، أبو حيان ٤/٢٩٧.
97 تفسير السمرقندي ١/٥٣٠.
98 التفسير المنير، الزحيلي٤/٥٦٤.
99 تفسير السمرقندي ١/٥٣٠.
100 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي ٤/٢٣٢.
101 انظر: الكشاف، الزمخشري ٢/٩٨.
102 الأساس في التفسير، سعيد حوى ٤/ ١٩٠٠.
103 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٢٨٨.
104 انظر: أيسر التفاسير، الجزائري ٢/١٧٣.
105 في ظلال القرآن ٣/٥١٥.
106 التفسير المنير، الزحيلي ٤/٥٦٦.
107 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢/٢١١.
108 انظر: المصدر السابق ١٦/٧٥.
109 انظر: المصدر السابق ٢/٢١١.
110 انظر: أيسر التفاسير، الجزائري ١/ ١٤٥.
111 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ١٠/٤٨٨.
112 انظر: أيسر التفاسير، الجزائري ١/ ١٤٥.
113 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢/ ٢١٢.
114 انظر: تفسير المنار، محمد رشيد رضا ٨/٣٦٩.
115 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٧٣٩.
116 مفاتيح الغيب ٢٧/٦٥.
117 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ١٢/٤٥٩.
118 أيسر التفاسير، الجزائري ٤/٥٤٠.
119 المصدر السابق ٤/٥٤١.
120 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/ ٤٨٨.
121 في ظلال القرآن ٥/١٥٠.
122 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٩/ ٨٧.
123 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ٧/ ٢٥٨.
124 وزمن الخطبة يكون بعد فصل القضاء وقبل دخول النار، والله أعلم.
انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٤٩٠.
125 انظر: جامع البيان، الطبري ١٦/٥٦٠-٥٦١.
126 التحرير والتنوير ١٣/ ٢١٦.
127 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٤٠٣.
128 انظر: أيسر التفاسير، الجزائري ٥/١٤٧.
129 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٢/ ٣٥٩.
130 انظر: أيسر التفاسير، الجزائري ٣/ ٥٤.
131 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ٧/٢٥٨.
132 انظر: أيسر التفاسير، الجزائري ٣/ ٥٤.
133 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٩/٨٨.
134 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ٧/٢٥٩.
135 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/١٥١.
136 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ١٣/ ٦٣٨.
137 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٢/ ٣٥٨.
138 انظر: أيسر التفاسير، الجزائري ٥/ ١٤٨.
139 انظر: جامع البيان، الطبري ١٧/ ٣٢١.
140 انظر: الحوار أصوله المنهجية وآدابه السلوكية، أحمد بن عبد الرحمن الصويان، ص١٨٧.
141 انظر: الصحاح، الجوهري ١/٢٦٨.
142 انظر: الفروق اللغوية، العسكري ٤٩.
143 انظر: نظم الدرر، البقاعي٢٠/٤٦٢.
144 انظر: الإدارة المدرسية والإشراف التربوي، قسم أصول التربية، ص١٢٣.
145 انظر: الانتصار للصحابة الأخيار، عبدالمحسن البدري، ص١٤٢.
146 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٦ /٣٢٧٣.
147 انظر: تفسير المراغي،٢٦،/٣٦.
148 انظر: الرحيق المختوم، المباركفوري ص٦٠.
149 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٧/١٦٣.
150 انظر: أدب الحوار، سعد بن ناصر الشثري، ص٣٦.
151 انظر: أدب الحوار في الإسلام،، محمد سيد طنطاوي ٢٥.
152 انظر: مناظرات ابن تيمية لأهل الملل والنحل، عبد العزيز آل عبد اللطيف، ص ٦٧.
153 انظر: الحوار في الإسلام، عبد الله الموجان، ص٣٧.
154 انظر: فتح القدير، الشوكاني ١/ ٣١٨.
155 انظر: الحوار آدابه وضوابطه في ضوء الكتاب والسنة، يحيى زمزمي، ص١٤١.
156 أعلام النبلاء، الذهبي، ٤/٣٠٨.
157 المصدر السابق ٨/٣٩٨.
158 إحياء علوم الدين، الغزالي ١/ ٦٧.
159 الكشاف، الزمخشري ١/ ٦١٣.
160 انظر: تفسير المنار، محمد رشيد رضا ٦/ ٢٢٧.
161 انظر: الاستقامة ٢/٢٤٧.
162 في ظلال القرآن ٥/٢٦٩٩.
163 انظر: منهجية التعامل مع الشبهات، الحمادي ٢/١٤.
164 انظر: الحوار في القرآن الكريم، معن محمود ص ١٢٤.
165 انظر: قصص الأنبياء، ابن كثير ص٤٤٦.
166 انظر: ديماس، فنون الحوار والإقناع ص٩١.
167 تفسير القرآن العظيم ٥/ ٢٩٤.
168 الكشاف ٣/ ٦٥.
169 انظر: أدب الحوار في الإسلام، طنطاوي ٣٠.