عناصر الموضوع

مفهوم الحياة

الحياة في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

حقيقة الحياة وأهميتها

نظرة الناس للحياة

الحياة الدنيا في القرآن

الحياة البرزخية

الحياة الآخرة في القرآن

المقابلة بين الحياة الدنيا والآخرة

الحياة

مفهوم الحياة

أولًا: المعنى اللغوي:

الناظر في معاجم العربية يجد أن مادة (حيّ) تدور حول أصلين، كما أشار ابن فارس: «الحاء والياء والحرف المعتلّ أصلان: أحدهما خلاف الموت، والآخر الاستحياء الّذي (هو) ضدّ الوقاحة. فأمّا الأوّل فالحياة والحيوان، وهو ضدّ الموت والموتان. ويسمّى المطر حيًّا لأنّ به حياة الأرض. والأصل الآخر: قولهم استحييت منه استحياءً»1.

والحياء: «تغيير وانكسار يعتري الإنسان من خوف وما يعاب به»2.

«وأما الاستحياء بمعنى الاستبقاء: فحقيقته طلب الحياة وإرادة أن يكون فرد آخر حيًّا في مقابل من يريد الموت والهلاك، ( ) [البقرة:٤٩].

وقد ذكر في مقابل الذبح والقتل: ( ) [الأعراف:١٢٧]، ( ) [البقرة:٤٩]»3.

وبين الأصلين علاقة؛ «فالحياء من قوة الحس ولطفه وقوة الحياة»4.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

«الحياة: في الأصل: الروح وهي الموجبة لتحرك من قامت به، ذكره العكبري.

وقال الحرالي: الحياة تكامل في ذات ما أدناه حياة النبات بالنمو والاهتزاز مع انغراسه إلى حياة ما يدب بحركته وحسه إلى غاية حياة الإنسان في تصرفه وتصريفه إلى ما وراء ذلك من التكامل في علومه وأخلاقه. وقال في موضع آخر: الحياة كل خروج عن الجمادية من حيث إن معنى الحياة بالحقيقة تكامل الناقص»5.

وقال الشريف الجرجاني: «الحياة هي صفة توجب للموصوف بها أن يعلم ويقدر»6.

وقال الراغب: «الحياة تستعمل على أوجه:

الأوّل: للقوّة النّامية الموجودة في النّبات والحيوان، ومنه قيل: نبات حيٌّ، قال عزّ وجلّ: ( ) [الحديد:١٧].

وقال تعالى: ( ) [ق:١١]، ( ) [الأنبياء:٣٠].

الثاني: للقوّة الحسّاسة، وبه سمّي الحيوان حيوانًا، قال عزّ وجلّ: ( ) [فاطر:٢٢].

وقوله تعالى: ( ) [المرسلات:٢٥-٢٦].

وقوله تعالى: ( ) [فصلت:٣٩].

فقوله:( ) إشارة إلى القوّة النّامية، وقوله:( ) إشارة إلى القوّة الحسّاسة.

الثالث: للقوّة العاملة العاقلة، كقوله تعالى: ( ) [الأنعام:١٢٢].

وقول الشاعر:

وقد أسمعت لو ناديت حيًّا ولكن لا حياة لمن تنادي

والرابع: الحياة الأخرويّة الأبديّة، وذلك يتوصّل إليه بالحياة التي هي العقل والعلم، قال الله تعالى: ( ) [الأنفال:٢٤]، وقوله: ( ) [الفجر:٢٤]، يعني بها: الحياة الأخرويّة الدّائمة.

والخامس: الحياة التي يوصف بها الباري، فإنه إذا قيل فيه تعالى: هو حيّ، فمعناه: لا يصحّ عليه الموت، وليس ذلك إلّا لله عزّ وجلّ»7.

فالمعنى الاصطلاحي متوافق مع المعنى اللغوي على الأصل الأول الذي يدل على خلاف الموت.

الحياة في الاستعمال القرآني

وردت مادة (حيي) الدالة على الحياة في القرآن الكريم (١٧٥) مرة8.

والصيغ التي جاءت هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

الفعل الماضي

١٧

( ) [المائدة:٣٢]

الفعل المضارع

٤٦

( ﭿ ) [البقرة:٢٥٨]

فعل الأمر

١

( ) [غافر:٢٥]

المصدر

٧٩

( ) [البقرة:٨٦]

اسم الفاعل

٢

( ) [الروم:٥٠]

الاسم

٣٠

( ) [البقرة:٢٥٥]

وجاءت (الحياة) في القرآن الكريم على ثلاثة أوجه9:

الأول: الخلق الأول ونفخ الروح، قال تعالى: ( ) [البقرة:٢٨يعني: كنتم نطفًا فخلقكم وجعل فيكم الأرواح.

الثاني: الإيمان والهدى، قال تعالى: ( ) [الأنعام:١٢٢يعني: فهديناه للإيمان.

الثالث: الإبقاء على قيد الحياة، قال تعالى: ( ) [المائدة:٣٢يعني: ومن أبقاها فكأنما أبقى الناس جميعًا.

الألفاظ ذات الصلة

النماء:

النماء لغة:

يقول ابن فارس: «(نمى) النّون والميم والحرف المعتلّ أصلٌ واحدٌ يدلّ على ارتفاعٍ وزيادةٍ 10.

النماء اصطلاحًا:

لا يخرج عن المعنى اللغوي، فهو الزيادة سواء أكانت حقيقية أم تقديرية.

الصلة بين الحياة والنماء:

«أن الحياة هي ما تصير به الجملة كالشيء الواحد في جواز تعلق الصّفات بها، فأما قوله تعالى: ( ) [فاطر:٩] فمعناه: أنا جعلنا حالها كحال الحيّ في الانتفاع بها، والصّفة لله بأنّه حيّ مأخوذه من الحياة على التّقدير، والنماء يزيد الشّيء حالًا بعد حال من نفسه، لا بإضافة إليه فالنبات ينمي ويزيد وليس بحي، والله تعالى حيّ ولا ينام ولا يقال لمن أصاب ميراثا أو أعطي عطيّة: إنه قد نمى ماله، وإنّما يقال: نمى ماله إذا زاد في نفسه، والنماء في الماشية حقيقة؛ لأنّها تزيد بتوالدها قليلًا قليلًا، وفي الورق11 والذّهب مجاز، ويقال للأشجار والنبات: نوام؛ لأنّها تزيد في كل يوم إلى أن تنتهي إلى حد التّمام»12.

العيش:

العيش لغة:

يقول ابن فارس: «(عيش) العين والياء والشّين أصلٌ صحيحٌ يدلّ على حياةٍ وبقاءٍ، قال الخليل: العيش لغة: الحياة. والمعيشة: الّذي يعيش بها الإنسان: من مطعمٍ ومشربٍ وما تكون به الحياة.

العيش اصطلاحًا:

لا يخرج عن معناه اللغوي.

الصلة بين الحياة والعيش:

قال الراغب: «العيش: أخصّ من الحياة، لأنّ الحياة تقال في الحيوان، وفي الباري تعالى، وفي الملك، ويشتقّ منه المعيشة لما يتعيّش منه»13.

والحياة صفة ذاتية بها يستمر الوجود، وأما العيش فهو كيفية حادثة عارضة بعد الحياة14.

وقيل: بينهما عموم وخصوص، فالعيش هو الحياة المختصة بالأجسام، ويشتق منه المعيشة، وهو كل ما يتعيش منه ويقيم الأود، ويلبي رغبات الجسم، من مأكل ومشرب ومسكن ومنكح وغير ذلك15.

الروح:

الروح لغة:

أصل مادة (روح) تدلّ على سعةٍ وفسحةٍ واطّرادٍ، وأصل ذلك كلّه الرّيح. والرّوح: روح الإنسان، وهي مشتقّةٌ من الرّيح16.

الروح اصطلاحًا:

قال القرطبي: «والروح: جسم لطيف، أجرى الله العادة بأن يخلق الحياة في البدن مع ذلك الجسم»17.

وقال عنها المراغي: «إنها جسم نوراني، علويّ، خفيف، حي، متحرك، ينفذ في جوهر الأعضاء، ويسرى فيها سريان الماء في الورد، والنار في الفحم»18.

وقال البغوي في تفسيره: «والروح جسم لطيف يحيا به الإنسان»19.

الصلة بين الحياة والروح:

أن لكل كائن حي حياة تناسبه، ولا يلزم من ذلك أن يكون فيه الروح الخاصة بالحيوان الحي المتحرك بالإرادة، فالشجر والنباتات عامة ليس فيها روح، مع أن فيها حياة، وهذا أمر معلوم بالاضطرار.

حقيقة الحياة وأهميتها

«إن الحياة في مفهومها الإسلامي ليست هي هذه الفترة القصيرة التي تمثل عمر الفرد وعمر الأمة من الناس، كما أنها ليست هي الفترة المشهودة التي تمثل عمر البشرية في هذه الحياة الدنيا.

إن الحياة في مفهومها الإسلامي تمتد في الزمان، فتشمل هذه الفترة المشهودة-فترة الحياة الدنيا- وفترة الحياة الآخرة، وتمتد في المكان، فتضيف إلى هذه الأرض التي يعيش عليها البشر، دارًا أخرى: جنة عرضها كعرض السماوات والأرض، ونارًا تسع الكفرة من جميع القرون.

وتمتد الحياة في حقيقتها، فتشمل هذا المستوى المعهود في الحياة الدنيا، إلى تلك المستويات الجديدة في الحياة الآخرة... في الجنة والنار سواء، وهي ألوان من الحياة ذات مذاقات ليس من مذاقاته هذه الحياة الدنيا»20.

أولًا: حقيقة الحياة الدنيا:

١. دار استخلاف.

تكمن قيمة وأهمية الحياة الدنيا في ميزان القرآن أنها الدار التي استخلف الله عز وجل فيها عباده من أجل حمل أمانة الاستخلاف والقيام بمقتضيات العبودية وحق الربوبية.

قال الله عز وجل: ( ﭙﭚ ﭧﭨ ) [البقرة:٣٠].

«وإذن فهي المشيئة العليا تريد أن تسلم لهذا الكائن الجديد في الوجود، زمام هذه الأرض، وتطلق فيها يده، وتكل إليه إبراز مشيئة الخالق في الإبداع والتكوين، والتحليل والتركيب، والتحوير والتبديل، وكشف ما في هذه الأرض من قوى وطاقات، وكنوز وخامات، وتسخير هذا كله -بإذن الله- في المهمة الضخمة التي وكلها الله إليه. وإذن فقد وهب هذا الكائن الجديد من الطاقات الكامنة، والاستعدادات المذخورة كفاء ما في هذه الأرض من قوى وطاقات، وكنوز وخامات، ووهب من القوى الخفية ما يحقق المشيئة الإلهية»21.

هذه المهمة جعلت الإنسان موضع التكليف والمسئولية، والمكلف مأمور، تجب عليه الطاعة وهو مسئول عن عمله، كما قال الله عز وجل: ( ﯬﯭ ) [الأحزاب:٧٢].

ويرتبط الاستخلاف في الحياة الدنيا بعمارة الأرض وفق المنهج الرباني من أجل إقامة العدل وتحقيق الإصلاح، والبعد عن الظلم والطغيان، وكل ما من شأنه أن يكون وسيلة للإفساد والتخريب في هذه الأرض.

وهذا الإصلاح يرتبط بالإيمان الصادق والطاعة الدائمة والعبادة الخاشعة، والعلم النافع المثمر.

ولقد امتن الله تعالى على بني آدم بهذه النعمة الكبرى والتي تظهر تكريمه سبحانه لهم، وإحسانه إليهم فقال عز وجل: ( ﰕﰖ) [الأنعام:١٦٥].

«أي: إن ربكم الذي هو رب كل شىء هو الذي جعلكم خلائف هذه الأرض بعد أمم قد سبقت، وفى سيرها عبر وعظات لمن ادكر وتدبر، وكذلك هو قد رفع بعضكم فوق بعض درجات فى الغنى والفقر، والقوة والضعف، والعلم والجهل، ليختبركم فيما أعطاكم، أي: ليعاملكم معاملة المختبر لكم فى ذلك، ويبنى الجزاء على العمل، إذ قد جرت سنته فى أن سعادة الناس أفرادًا وجماعات فى الدنيا والآخرة أو شقاءهم فيهما تابعة لأعمالهم وتصرفاتهم»22.

وعلى هذا فإن الإنسان خليفة في الأرض«أيًّا كان مكانه فى المجتمع، غنيًّا أو فقيرًا، عالمًا أو جاهلًا، قويًّا أو ضعيفًا، ومن واجبه أن يعمل بمقتضى هذه الخلافة، ويجمع إلى يديه أسبابها ومقوّماتها، وإنه لمن ظلم الإنسان لنفسه، ومن استصغاره لوجوده، أن يسفّ وينحدر عن هذا المستوي الكريم الذي رفعه اللّه إليه، فيتحول إلى كائن حيوانيّ ذليل، يقاد فينقاد، ويستذل فيذلّ، حتى لينعزل عن العالم الإنساني، ويصبح على غير الخلق السويّ الذي خلقه اللّه عليه»23.

٢. دار ابتلاء.

اقتضت سنة الله في الحياة الدنيا أن تكون دار ابتلاء واختبار، يتقلب فيه العباد بين السراء والضراء، والشدة والرخاء، واليسر والعسر، «ذلك أن طبيعة الحياة الدنيا، وطبيعة البشر فيها، تجعلان من المستحيل أن يخلو المرء فيها من كوارث تصيبه، وشدائد تحل بساحته، فكم يخفق له عمل أو يخيب له أمل. أو يموت له حبيب أو يمرض له بدن، أو يفقد منه مال، أو.. أو.. إلى آخر ما يفيض به نهر الحياة...»24.

قال الله عز وجل: ( ﭢﭣ ) [الملك:٢].

وهكذا «ليست المسألة مصادفة بلا تدبير، وليست كذلك جزافًا بلا غاية، إنما هو الابتلاء لإظهار المكنون في علم الله من سلوك الأناسي على الأرض، واستحقاقهم للجزاء على العمل»25.

أما مادة الابتلاء فهي زينة هذه الأرض كما قال عز وجل: ( ﭿ ) [الكهف:٧-٨].

إن «جميع ما على وجه الأرض، من مآكل لذيذة، ومشارب، ومساكن طيبة، وأشجار، وأنهار، وزروع، وثمار، ومناظر بهيجة، ورياض أنيقة، وأصوات شجية، وصور مليحة، وذهب وفضة، وخيل وإبل ونحوها، الجميع جعله الله زينة لهذه الدار، فتنة واختبارا»26.

وقد عرضت آيات القرآن الكريم أهم شهوات الدنيا المادية وهي في ذاتها تمثل صورة من صور الزينة.

قال تعالى: ( ﮯﮰ ﯕﯖ ) [آل عمران:١٤].

«هذه زينة الحياة الدنيا، وهذه متعها، وهي مصدر الخير، ومصدر الشر فيها، وبها تكون الرفعة، وبها يكون السقوط، وبها تكون العزة، وبها تكون الذلة؛ والإرادة الإنسانية هي التي تجعلها في أحد الطريقين، فإن كانت الإرادة قوية حازمة جعلت من هذه الأمور مصدر خير وطريقًا إلى الجنة، وإن تحكّم الهوى وغلب الشيطان، وضعف الوجدان الديني، كانت هذه الأمور مصدر شر وطريقًا إلى النار؛ فهي طريق الجنة عند الأبرار، وطريق النار عند الأشرار، وكل امرئٍ وما تهوى نفسه»27.

والابتلاء في هذه الزينة والشهوات تارة يكون بالسراء وتارة بالضراء، بالمنع والعطاء، كما قال الله عز وجل (ﯿ ) [الأنبياء:٣٥].

وفي هذه الآية: إشارة إلى أن الابتلاء بما يمثله من امتحان لتقلب البشر بين السراء والضراء، والخير والشر ضروري لإظهار قوة الإيمان في النفس أو ضعفه فيها، حيث تقاوم النفس -في لحظات الضراء- مشاعر الجزع والهلع لتتذوق حلاوة الصبر والرضا والتسليم، كما تتمرس على الحمد والشكر في لحظات السراء بما يعصمها من البطر والعجب والغرور.

ثانيًا: أهمية الحياة الدنيا:

إن الحياة الدنيا حينما تقاس بمقاييسها الدنيوية، وتوزن بموازينها تبدو في العين والحس أمرًا عظيمًا هائلًا، وشيئًا جميلًا رائعًا، ولكنها حين تقاس بمقاييس الوجود، وتوزن بميزان الآخرة، تبدو شيئًا زهيدًا تافهًا؛ فهي لعب وضياع ولهو وتفاخر، وغرور خادع، وأمل كاذب، وظل زائل.

فما هذه الحياة إلا مرور عابر واستراحة مسافر، ولكنها مع كل ذلك يمكن أن يجعل منها الإنسان مجالًا لسروره، وميدانًا لحبوره، وفرصة لخلوده، ومقرًّا لرفعته، ومحطة لغناه، وسوقًا لمناه، وفوزًا بمبتغاه.

يقول الإمام ابن القيم: «فالدنيا فى الحقيقة لا تذم، وإنما يتوجه الذم إلى فعل العبد فيها، وهي قنطرة أو معبر إلى الجنة أو إلى النار، ولكن لما غلبت عليها الشهوات، والحظوظ والغفلة والإعراض عن الله والدار الآخرة، فصار هذا هو الغالب على أهلها وما فيها وهو الغالب على اسمها، صار لها اسم الذم عند الاطلاق، وإلا فهي مبنى الآخرة ومزرعتها، ومنها زاد الجنة، وفيها اكتسبت النفوس الايمان، ومعرفة الله ومحبته وذكره ابتغاء مرضاته، وخير عيش ناله أهل الجنة فى الجنة، إنما كان بما زرعوه فيها، وكفى بها مدحًا وفضلًا لأولياء الله فيها من قرة العيون، وسرور القلوب، وبهجة النفوس، ولذة الأرواح، والنعيم الذي لا يشبهه نعيم، بذكره ومعرفته ومحبته وعبادته والتوكل عليه والإنابة إليه والأنس به والفرح بقربه والتذلل له ولذة مناجاته والإقبال عليه والاشتغال به عن سواه، وفيها كلامه ووحيه وهداه وروحه الذى ألقاه من أمره، فأخبر به من شاء من عباده»28.

مما سبق يتضح أنه لا انفصال في التصور القرآني للحياة بين الدنيا والآخرة، فالطريق إلى صلاح الآخرة هو ذاته الطريق إلى صلاح الدنيا عبر بوابة الإيمان ومدارج التقوى.

فهما طريقان يكمل بعضهما البعض، طريق يجتمع فيه العمل مع العبادة في اتحادٍ وتعاضد، فكلاهما يحقق غاية وجود الإنسان على هذه الأرض وهو تحقيق العبودية الخالصة لله عز وجل. فكل أعمال المؤمن في هذه الحياة تتحول -إن صحت النية-إلى عبادة يجني ثمارها في الدنيا قبل الآخرة، حيث يتنعم في ظلالها بالحياة الطيبة التي وعده ربه عز وجل بها في كتابه مع ما ينتظره في الآخرة من النعيم والتكريم الذي لا يخطر على البال.

نظرة الناس للحياة

تختلف نظرة الناس للحياة وفقًا لاختلاف عقائدهم وأفكارهم وتصوراتهم التي تنبع من المنهج الذي يستقون منه معرفتهم، فالمؤمنون الذين يجعلون القرآن الكريم منهج حياتهم يعلمون أنها دار زائلة فانية يتزودون فيها بما ينفعهم للفوز والنجاة في الآخرة؛ لذا يترفعون عن الشهوات والملذات إلا بالقدر الذي يحقق لهم الحياة ويعينهم على أداء وظيفة العبودية.

أما غير المؤمنين وقد اتبعوا مناهج أرضية مختلفة وأعرضوا عن منهج القرآن فقد أضحت الدنيا أكبر همهم ومبلغ علمهم ومنتهى آمالهم، فكل سعيهم وجهدهم وتحركاتهم وعلاقاتهم من أجل نيل متاعها الزائل والافتخار بزخارفها الخادعة.

أولًا: نظرة المؤمنين:

ينظر المؤمنون إلى الحياة الدنيا فيرونها على حقيقتها كما وصفها كتاب ربهم: دار ابتلاء ومحن، دائمة التقلب وسريعة الزوال ولا تدوم على حال، مزينة بالشهوات، تغر الناظرين بزخارفها ومفاتنها، فيتخذونها وسيلة لا غاية، لا يتركونها بالكلية كما يفعل الرهبان أو يهجرون طيباتها أو يفرون من فتنتها بالعزلة والصمت، ولا يتكالبون على شهواتها وملذاتها بدون ضابط أو رادع. فهم يمارسون فيها وظيفة العبودية ويتقربون إلى ربهم بالأعمال الصالحات على أساس من الإيمان والتقوى، واضعين نصب أعينهم أن هذه الحياة مزرعة الآخرة، فما زرعه الإنسان في هذه الحياة سيحصد ثماره في الحياة الآخرة، تلك الحياة الحقيقية التي تهفو لها القلوب وتتطلع لها الأبصار حيث النعيم المقيم والسعادة الدائمة.

وهذه النظرة المتوازنة للحياة الدنيا يستقيها المؤمن من قول ربه عز وجل: ( ﯭﯮ ) [القصص:٧٧]

«لقد خلق الله طيبات الحياة ليستمتع بها الناس، وليعملوا في الأرض لتوفيرها وتحصيلها، فتنمو الحياة وتتجدد، وتتحقق خلافة الإنسان في هذه الأرض، ذلك على أن تكون وجهتهم في هذا المتاع هي الآخرة، فلا ينحرفون عن طريقها، ولا يشغلون بالمتاع عن تكاليفها، والمتاع في هذه الحالة لون من ألوان الشكر للمنعم، وتقبل لعطاياه، وانتفاع بها، فهو طاعة من الطاعات يجزي عليها الله بالحسنى.. وهكذا يحقق هذا المنهج التعادل والتناسق في حياة الإنسان، ويمكنه من الارتقاء الروحي الدائم من خلال حياته الطبيعية المتعادلة، التي لا حرمان فيها، ولا إهدار لمقومات الحياة الفطرية البسيطة»29.

كما يدرك المؤمنون قيمة هذه الحياة الدنيا من التشبيه النبوي الرائع لها (عن جابر بن عبد اللّه، أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مرّ بالسّوق، داخلًا من بعض العالية، والنّاس كنفته30، فمرّ بجديٍ أسكّ31 ميّتٍ. فتناوله فأخذ بأذنه. ثمّ قال: (أيّكم يحبّ أنّ هذا له بدرهمٍ)، قالوا: ما نحبّ أنّه لنا بشىءٍ. وما نصنع به؟ قال: (أتحبّون أنّه لكم)، قالوا: واللّه! لو كان حيًّا، كان عيبًا فيه، لأنّه أسكّ، فكيف وهو ميّتٌ؟ فقال:(فواللّه! للدّنيا أهون على اللّه، من هذا عليكم)32.

وهكذا.. عندما تكون الحياة الدنيا في حس المؤمن دار ممر إلى الحياة الحقيقية في الآخرة، عندها لاينخدع بزينتها وزخارفها، بل يجعلها وسيلة لعمارة هذه الأرض وفق المنهج الرباني، ويصبح شاغله الشاغل فيها هو استعمال ما وهبه الله فيها من نعم وقدرات فيما يقربه من مولاه، وفيما ينفعه في الآخرة، فكل ما يغرسه من أعمال صالحة في الدنيا يجد ثمراته في الآخرة، الحياة الحقيقية اللائقة بهذا المخلوق المكرم.

ثانيًا: نظرة الكافرين:

أما نظرة الكافرين إلى الحياة الدنيا فهي نظرة المخدوع بزينتها، العاشق لشهواتها، الغارق في أهوائها، فهم لا يمدون أبصارهم إلى أبعد من مواقع أقدامهم، يرونها الفرصة الوحيدة لإشباع ملذاتهم وشهواتهم.. أما الآخرة فلا تخطر على بالهم ولا تشغل همهم، فعشق الدنيا أعمى أبصارهم وطبع على قلوبهم، تمامًا كما وصفهم الله عز وجل في كتابه الكريم: ( ) [الروم:٧].

«أي: مبلغ علمهم لا يتعدى مابه معاشهم في الحياة الدنيا، بصيرين بسبل رخائهم المادي في الدنيا، عمين عن طريق سعادتهم في الدنيا والآخرة، فهي حياة الحواس واللذة. والحضارة المتنكرة للدين وخالق الكون، الفاقدة لكل إشارة إلى معنى وجود الإنسان ووظيفته وغايته ومصيره بعد الموت، فلا تجد في سلم قيمها إلا مصطلحات من قبيل: اختراع، واقتصاد، وتنمية، وتمويل، ومواد أولية، وسوق، واستهلاك، ودخل فردي، ومستوى معيشة، إلى آخر القاموس»33.

وهذه النظرة المنحرفة للحياة الدنيا -والتي تصدر عن عقيدة فاسدة- تدفعهم لاتباع الباطل والدفاع عنه، وسلوك سبيل الضلال، وإيثار الفساد على الإصلاح، والطغيان على العدل والإنصاف..

فعندما يتصور الإنسان أن هذه الحياة الدنيا هي نهاية المطاف وأنه لا حياة خالدة بعدها، عندها يندفع كالوحش المفترس نحو شهوات الدنيا وزينتها يغترف منها بلا ضابط أو رادع، ويتقاتل من أجل متاعها ويتصارع في سبيل الاستئثار بملذاتها، حتى أنه يرتكب في سبيل تحصيل لذاتها ومشتهياتها أبشع الجرائم وأخس الأفعال، ولم لا يفعل ذلك، وهي في حسه الفرصة الوحيدة المتاحة لإرواء شهواته وإشباع نهمه، وعندها تختفي كل معاني الإنسانية وتغيب القيم العليا والعواطف النبيلة لتتحول الأرض إلى غابة يفترس فيها القوي الضعيف، ويبغى الغني على الفقير، وهذا الأمر ظاهر للعيان -خاصة- في العالم الغربي الذي لايؤمن إلا بهذه الحياة الدنيوية.

لذا توعد الله عزوجل أولئك الذين يؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة، كما قال تعالى: ( ) [يونس:٧-٨].

مما سبق يتضح لنا الفرق بين نظرة المؤمنين ونظرة الكافرين إلى الحياة الدنيا، فشتان شتان بين نظرة تقود صاحبها إلى الحياة الطيبة والسكينة النفسية في الحياة الدنيا، والنعيم الخالد في الآخرة، وبين نظرة تلقي صاحبها في أتون الهم والشقاء، والقلق والحيرة والاضطراب في الحياة الدنيا، والعذاب والخسران والهوان في الآخرة..

شتان شتان بين مصير المؤمنين ومصير غير المؤمنين في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى واصفًا أحوال المؤمنين: ( ﮔﮕ ) [النحل:٩٧].

وقال سبحانه واصفًا أحوال غير المؤمنين: ( ﯿ) [طه:١٢٤].

فما أبعد الشقة بين الفريقين!

الحياة الدنيا في القرآن

أولًا: وصف الحياة الدنيا:

عرضت الآيات القرآنية صفات الحياة الدنيا بما يجلي حقيقتها، ويكشف عن قيمتها في ميزان الله عز وجل حتى لا ينخدع الناس بها أو يغفلون بسببها عن الحياة الحقيقية في الآخرة.

وفيما يلي نعرض بعض أوصاف الحياة الدنيا كما جاءت في القرآن:

١. متاع.

وردت لفظة متاع مضافة إلى (الحياة) في كتاب الله (٧) مرات: آل عمران ١٤، التوبة ٣٨، يونس ٢٣، القصص ٦٠، ٦١، الشورى ٣٦، الزخرف ٣٥.

ووردت مرة مضافة إلى (الدنيا) في النساء ٧٧.

ووردت مضافة إلى (الغرور) في موضعين: آل عمران ١٨٥، الحديد ٢٠.

ونستنتج من ذلك أن لفظ (المتاع) لم يضف إلا للدنيا وغرورها، ولم يوصف نعيم الآخرة بأنه متاع؛ لأنه نعيم كامل باق لا يفنى ولا يزول.

قال ابن منظور في اللسان: «قال الأزهري: فأما المتاع في الأصل فكل شيء ينتفع به ويتبلّغ به ويتزود، والفناء يأتي عليه في الدنيا»34.

وفي الاصطلاح العام هو كل ما أوتي الإنسان في الحياة الدنيا من نساء وبنين ومساكن وأموال، كما قال الله عز وجل ( ﮯﮰ ﯕﯖ ) [آل عمران:١٤]

وقد جعل هذا المتاع فتنة وإمتحانًا.

قال تعالى: ( ﮩﮪ ) [طه:١٣١].

ونقطة الابتلاء في حياة الإنسان هي هذا المتاع الذي وهبه ربه، هل يتناول منه القدر الذي أباحه الله وأحله، أم ينتهب ما حرم الله ولا يلتزم بطاعته؟

كما بينت الآيات أن هذا المتاع قليل وزائل لزوال الحياة الدنيا نفسها وانقضائها، قال عز وجل: ( ﭘﭙ ﭞﭟ ) [القصص:٦٠].

كما أنه متاع يخدع الغافلين ويغر المغرورين، قال الله عز وجل: ( ﮡﮢ ﮧﮨ ﮰﮱ ) [آل عمران:١٨٥]

«وما الحياة الدنيا التي نعيشها ونستمتع بها باللذات الجسدية من طعام وشراب والمعنوية من جاه ومنصب وسمو إلا كالمتاع المشترى بخداع وتغرير، ثم يتبين فساده ورداءته؛ لأن صاحبها دائمًا مغرور مخدوع بها، أو لأنها حقيرة متروكة فانية زائلة، كما قال تعالى: ( ) [الأعلى:١٦-١٧]، وفي الحديث: (واللّه ما الدنيا في الآخرة إلا كما يغمس أحدكم أصبعه في اليم، فلينظر بم يرجع)35»36.

وتهوين شأن الدنيا على هذا النحو لمن آثرها على الآخرة، قال سعيد بن جبير: «إنما هذا لمن آثرها على الآخرة، فأما من طلب الآخرة بها فإنها متاع بلاغ»37.

فهل ينخدع العاقل بهذا المتاع ويضحي من أجله بنعيم خالد وسعادة سرمدية ؟، ألا إنها الحماقة التي لا يرتكبها إنسان يسمع ويرى!

٢. لعب ولهو.

ورد اللعب واللهو صفة للدنيا في أربعة مواضع: الأنعام ٣٢، العنكبوت ٦٤، محمد ٣٦، الحديد ٢٠.

و«اللعب واللهو هما الاشتغال بما لايعني العاقل من لهو وطرب، سواء كان ذلك محرمًا أم غير محرم، بيان ذلك: أن هناك أمورًا ثبت تحريمها بالشرع، كالزنا واغتصاب الأموال، والاشتغال ببعض الآلات التي تشغل الإنسان عن القيام بواجبه، وهناك أمور أخرى لم يرد نص في تحريمها، وذلك كالألعاب التي ليس فيها نفع، كما هو شأن كثير من الألعاب المنتشرة في عصرنا، فهذا كله يصدق عليه أنه لهو ولعب، لأنه لا نفع فيه، أما إذا كانت هذه الألعاب تحقق غرضًا ومصلحة كأعمال الفروسية والرماية، فإن هذا مما أباحه الشرع ولا حرج فيه»38.

فاللهو واللعب بينهما عموم وخصوص؛ وذكر العسكري بينهما فرقًا، فقال: «لا لهو إلا لعب، وقد يكون لعب ليس بلهو ؛ لأن اللعب يكون للتأديب وغيره، ولا يقال لذلك: لهو، وإنما اللهو لعب لا يعقب... نفعًا، وسمي لهوًا؛ لأنه يشغل عما يعني، من قولهم: ألهاني الشيء، أي: شغلني، ومنه قوله تعالى: ( ) [التكاثر:١]»39.

ومن أمثلة اللهو ما يفعله الذين ينفقون أعمارهم وطاقاتهم في العبث بلعبة النرد، أو بألعاب الورق ذات الأرقام والصور، ونحو ذلك من وسائل لهو وعبث.

قال الله عز وجل: ( ﮦﮧ ﮬﮭ ) [الأنعام:٣٢].

وقال سبحانه: ( ﭗﭘ ﭝﭞ ) [العنكبوت:٦٤].

وقوله تعالى: ( ﭴﭵ ﭿ ﮁﮂ ﮊﮋ ) [الحديد:٢٠].

فما أشد بؤس المرء الذي تخلو حياته من الجد والعمل، وتقتصر على اللهو واللعب، فلا غرس عملًا صالحًا ولا حصّل خلقًا فاضلًا، والاستغراق في ممارسة اللهو واللعب يؤدي إلى الإنزلاق في مستنقع الغفلة، فينطلق المرء نحو زينة الحياة الدنيا في سعار محموم لا يتوقف ولا ينتهي، فينسى الآخرة، ويتشاغل عنها حتى إذا جاء وقت الحصاد في الآخرة لم يحصد إلا الخيبة والندم، ولم يجن سوى الهوان والخسران، فالجزاء من جنس العمل!

٣. زينة.

وصفت الحياة الدنيا بالزينة في القرآن الكريم في موضع واحد، في قول الله عز وجل: ( ﭴﭵ ﭿ ﮁﮂ ﮊﮋ ) [الحديد:٢٠].

ووردت مضافة للحياة الدنيا مرتين في سورة الكهف ٢٨-٤٦، وثلاث مرات مضافة للضمير العائد على الحياة الدنيا في سور: هود ١٥، والقصص ٦٠، والأحزاب ٢٨.

«الزينة هي في الأصل اسم جامع لكل ما يتزين به، والتزيين هو تحسين المظهر وتجميله حتى تميل إليه الحواس، وترتاح إليه النفوس، ولا يشترط فيما هو حسن المظهر أن يكون في حقيقته جوهرًا نافعًا، وذا قيمة حقيقية باقية، بل ربما يكون ضارًّا وجالبًا لشر وعذاب.

وقد أبان الله عز وجل أنه جعل ما على الأرض زينة لها ليبلوا الناس أيهم أحسن عملًا، فقال عز وجل: ( ) [الكهف:٧]»40.

«فكلّ ما عليها من قصور وأنهار، ومدائن وديار، وزروع وثمار، وبحيرات وغابات، وكنوز وثروات، وضيعاتٍ وروضات، ومراكب فارهة، وأسواقٍ عامرة، ومراتب عالية، كلّ ذلك من أعراض زينتها الفانية؛ امتحانٌ لأهلها ( )، وفي هذا: بيانٌ لحقيقة الدنيا وزينتها، ودعوةٌ إلى الاجتهاد في هذه الدار، فهي دار عملٍ وسعيٍ، ووعيدٌ لمن ركن إليها وافتتن بسرابها، وركن إلى متاعها بأن عمرها قصير وإلى الفناء تصير»41.

وقد سمى الله تعالى المال والبنين زينة من زينة الحياة الدنيا، قال الله عز وجل: ( ﭕﭖ ) [الكهف:٤٦].

«وفي الآية دليل على أن المال والبنين زينة وليسا قيمة، فلا يجوز وزن الناس بهما، قيمة الناس بالباقيات الصالحات لا بالفانيات الزائلات، وسبيل النجاة من فتنة الأموال والأولاد إنزالهما سلوكًا وعملًا في منزلهما الذي وضعهما الله فيه، فهما زينة لا قيمة، والإسلام لم يحرم الزينة ما دامت في حدود ما أحل الله.

قال تعالى: ( ﭿ) [الأعراف:٣٢]»42.

٤. تفاخر وتكاثر في الأموال والأولاد.

وصفت الحياة الدنيا ب(التفاخر والتكاثر) في القرآن الكريم في موضع واحد، في قول الله عز وجل: ( ﭴﭵ ﭿ ﮁﮂ ﮊﮋ ) [الحديد:٢٠].

قال ابن فارس: «الفاء والخاء والرّاء أصلٌ صحيحٌ، وهو يدلّ على عظمٍ وقدمٍ. من ذلك الفخر»43.

«قرأ الجمهور بتنوين «تفاخر» والظرف صفة له، وقرأ السّلميّ بالإضافة، أي: يفتخر به بعضكم على بعضٍ، وقيل: يتفاخرون بالخلقة والقوّة، وقيل:بالأنساب والأحساب كما كانت عليه العرب»44.

التكاثر:

قال ابن فارس: «الكاف والثاء والراء أصلٌ صحيح، يدل خلاف القلّة، من ذلك الشّيء الكثير، وقد كثر»45. «والمكاثرة والتكاثر: التباري في كثرة المال والعز، ثم شاع إطلاق صيغة التكاثر، فصارت تستعمل في الحرص على تحميل الكثير، من غير مراعاة مغالبة الغير ممن حصل عليه»46.

وفى قوله تعالى: ( ) «إشارة إلى ما يجرى بين الناس من تنافس فى الاستكثار من متاع الحياة الدنيا، وزينتها من أموال وأولاد، لا لسدّ الحاجة، وإنما لإشباع رغبة التعالي والتفاخر، تلك الرغبة التي كلما ألقى إليها ما تشتهيه، اشتد جوعها، وازداد نهمها، فلا تشبع أبدًا، إن من شأن التعالى والتفاخر أن يجور على حياة الإنسان نفسه، كما أن من شأن هذا أن يحمله على الجور على حقوق الناس، ابتغاء الوصول إلى الغاية التي يبلغ فيها حدّ التعالى الذي يملؤه فخرًا وتيهًا»47.

٥. عرض.

ورد لفظ (عرض) مضافة إلى (الحياة الدنيا) في سورتي النساء ٩٤، والنور ٣٣، كما ورت مضافة إلى (الدنيا) في سورة الأنفال ٦٧، ووردت دون إضافة في الأعراف ١٦٩.

قال الله عز وجل: ( ﯝﯞ ﯦﯧ ) [النساء:٩٤].

وقال تعالى: ( ﭿ ) [النور:٣٣].

«العرض: ما لا يكون له ثباتٌ، ومنه استعار المتكلّمون العرض لما لا ثبات له إلّا بالجوهر كاللّون والطّعم، وقيل: الدّنيا عرضٌ حاضرٌ، تنبيهًا أن لا ثبات لها»48.

وفي تسمية متاع الدنيا عرضًا ما يدل على كونه سريع الفناء، قريب الانقضاء، فهو عارض زائل غير باق.

وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكنّ الغنى غنى النّفس)49.

«قال ابن بطال: معنى الحديث ليس حقيقة الغنى كثرة المال، لأن كثيرًا ممن وسع الله عليه في المال لا يقنع بما أوتي، فهو يجتهد في الازدياد ولا يبالي من أين يأتيه، فكأنه فقير لشدة حرصه، وإنما حقيقة الغنى غنى النفس، وهو من استغنى بما أوتي، وقنع به ورضي ولم يحرص على الازدياد ولا ألح في الطلب، فكأنه غني. وقال القرطبي: معنى الحديث أن الغنى النافع أو العظيم أو الممدوح هو غنى النفس، وبيانه أنه إذا استغنت نفسه كفت عن المطامع فعزت وعظمت، وحصل لها من الحظوة والنزاهة والشرف والمدح أكثر من الغنى الذي يناله من يكون فقير النفس لحرصه فإنه يورطه في رذائل الأمور وخسائس الأفعال لدناءة همته وبخله، ويكثر من يذمه من الناس، ويصغر قدره عندهم فيكون أحقر من كل حقير وأذل من كل ذليل»50.

٦. زهرة.

وردت بصيغة (زهرة الحياة الدنيا) مرة واحدة في سورة طه، قال الله عز وجل ( ﮩﮪ ) [طه:١٣١].

وزهرة الحياة الدنيا أي:حسنها ونضارتها، وفي ذلك إشارة إلى أن الحياة الدنيا قصيرة وسريعة الزوال، كالزهرة تذبل بمرور الوقت.

ثانيًا: ضرب الأمثال للحياة الدنيا:

مثلت الحياة الدنيا في القرآن الكريم بثلاثة أمثال في سور يونس، الكهف، الحديد. وقد ذهب أكثر المتحدثين عن هذه الأمثال -من مفسرين وغيرهم- إلى أن الحياة، أو متعها كانت قد شبهت - لسرعة زوالها، وفنائها -بماءٍ أنبت نباتًا، أو بنباتٍ كسا الأرض بهجة ونضارة، ثم ما لبث أن ذبل وجف وتهشم، وتبدد هباءً منثورًا، فعادت الأرض وكأنها لم تكن قد اكتست به في يوم من الأيام.

وسنقف بإيجاز مع كل مثل من هذه الأمثال:

المثل الأول: قوله تعالى: ( ﯹﯺ ﯿ ) [يونس:٢٤].

يقول الإمام الطبري في شرح المثل الأول في سورة يونس: «إنما مثل ما تباهون في الدنيا وتفاخرون به من زينتها وأموالها، مع ما قد وكّل بذلك من التكدير والتنغيص وزواله بالفناء والموت، كمثل ماءٍ أنزلناه من السماء، يقول: كمطر أرسلناه من السماء إلى الأرض ( )، يقول: فنبت بذلك المطر أنواعٌ من النبات، مختلطٌ بعضها ببعض، فكذلك يأتي الفناء على ما تتباهون به من دنياكم وزخارفها، فيفنيها ويهلكها كما أهلك أمرنا وقضاؤنا نبات هذه الأرض بعد حسنها وبهجتها، حتى صارت كأن لم تغن بالأمس، كأن لم تكن قبل ذلك نباتًا على ظهرها»51.

وللإمام ابن القيم كلام لطيف في شرح هذا المثل فيقول: «شبه سبحانه الحياة الدنيا في أنها تتزين في عين الناظر فتروقه بزينتها وتعجبه، فيميل إليها ويهواها اغترارًا منه بها حتى إذا ظن أنه مالك لها قادر عليها سلبها بغتة (إما بالموت وهذا ظاهر، وإما بمرض ينزل بالمرء فلا يستفيد بها أو بآفة تجتاحها وتزيلها أحوج ما كان إليها وحيل بينه وبينها، فشبهها بالأرض الذي ينزل الغيث عليها فتعشب ويحسن نباتها ويروق منظرها للناظر، فيغتر به ويظن أنه قادر عليها مالك لها، فيأتيها أمر الله فتدرك نباتها الآفة بغتة، فتصبح كأن لم تكن قبل فيخيب ظنه وتصبح يداه صفرا منهما، فهكذا حال الدنيا والواثق بها سواء»52.

والمتأمل في المثل السابق يجد أنه يمثل طرقات قوية تهز القلب البشري الغافل الذي تخدعة زينة الحياة ونضارتها، فيتوهم فيها الخلود الخادع، ويغره الأمل الكاذب حتى ينسى في غمرة انشغاله بشهواتها الحياة الحقيقية التي وعد الله عز وجل بها عباده الصالحين ( ) [يونس:٢٥].

«فيالبعد الشقة بين دار يمكن أن تطمس في لحظة، وقد أخذت زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها فإذا هي حصيد كأن لم تغن بالأمس، ودار السلام التي يدعو إليها الله، ويهدي من يشاء إلى الصراط المؤدي لها، حينما تنفتح بصيرته، ويتطلع إلى دار السلام»53.

المثل الثاني: قوله تعالى: (ﯿ ﰏﰐ ) [الكهف:٤٥].

يقول الشيخ المراغي رحمه الله: «شبّهت الدنيا فى نضرتها ثم صيرورتها إلى الزوال بحال نبات اخضرّ والتف وأزهر، ثم صار هشيمًا متفتّتًا تنثره الرياح ذات اليمين وذات الشمال ومن ثم لا يغترّنّ أهلها بها، ولا يفخرنّ ذو الأموال الكثيرة بأمواله، ولا يستكبرنّ بها على غيره، فإنما هي ظل زائل، ( ) أي: وكان اللّه ذو الكمال والجلال قادرًا على كل شىء إنشاء وإفناء وإعادة، فهو يوجد الأشياء ثم ينمّيها ثم يفنيها، وما حال الدنيا إلا هذه الحال، فهي تظهر أولًا ناضرة زاهرة ثم تتزايد قليلا قليلا، ثم تأخذ في الانحطاط إلى أن تصير إلى الهلاك والفناء، فلا ينبغي للعاقل أن يبتهج بما يحوزه منها أو يفخر به أو يصعّر خذه استكبارًا» 54.

فما أضل الإنسان الذي تخدعه مظاهر الحركة والنمو والبهجة والنضارة والزهو والشباب.. وتثير في نفسه مشاعر الفرح والغرور والخيلاء، فينشغل بالزينة عن القيمة، وينخدع بظواهر الأمور، فيركن إليها، ويقصر اهتمامه عليها، ولا يستثمر من زينتها شيئًا لمستقبله الآخروي.

المثل الثالث: قوله تعالى: ( ﭴﭵ ﭿ ﮁﮂ ﮊﮋ ) [الحديد:٢٠]

يقول ابن كثير رحمه الله: «ضرب تعالى مثل الحياة الدنيا في أنها زهرة فانية ونعمة زائلة فقال: ( ) وهو: المطر الذي يأتي بعد قنوط الناس، وقوله: ( ) أي: يعجب الزراع نبات ذلك الزرع الذي نبت بالغيث؛ وكما يعجب الزراع ذلك كذلك تعجب الحياة الدنيا الكفار، فإنهم أحرص شيء عليها وأميل الناس إليها، ( ﭿ ) أي: يهيج ذلك الزرع فتراه مصفرًّا بعد ما كان خضرًا نضرًا، ثم يكون بعد ذلك كله حطامًا، أي: يصير يبسًا متحطمًا، هكذا الحياة الدنيا تكون أولًا شابة، ثم تكتهل، ثم تكون عجوزًا شوهاء، والإنسان كذلك في أول عمره وعنفوان شبابه غضًّا طريًّا لين الأعطاف، بهي المنظر، ثم إنه يشرع في الكهولة فتتغير طباعه وينفد (يفقد) بعض قواه، ثم يكبر فيصير شيخًا كبيرًا، ضعيف القوى، قليل الحركة، يعجزه الشيء اليسير، كما قال تعالى: ( ﭿ ﮉﮊ ﮍﮎ ) [الروم:٥٤]»55.

وهكذا فالمتدبر في هذه الأمثال الثلاثة يجد أن القرآن الكريم لم ينتقص من الحياة ذاتها، وإنما انتقص من انشغال الإنسان فيها بما لا يعود عليه بآجل الثواب، واغفاله مالا ينبغي أن يغفل عنه، فهذه الأمثال تدفع المرء للنظر إلى الحياة الدنيا من موقع الفكر والتأمل لا من موقع الانبهار والالتذاذ.

«إن الآيات ليست في صدد التزهيد في الدنيا وطيباتها والكسب والمال والولد. وكل ما في الأمر أن فيها تنبيهًا على عدم ميل المرء إلى الدنيا وجعل أعراضها أكبر همّه وقصارى آماله. وعلى عدم الاستغراق فيها استغراقًا ينسيه واجباته نحو الله ونحو الناس. ويجعله يغفل عن الآخرة وحسابها وهي دار الخلود في حين أن أمد الحياة الدنيا قصير جدًّا بالنسبة لكل إنسان يعيش فيها. والأسلوب بهذا البيان علاج روحاني شاف يفيد الإنسان في جميع ظروفه وبخاصة حينما تطغى المادة على الروح وتغطي أغراض الدنيا الغرارة مثل الإنسانية العليا وتقسي القلوب وتنزع منها خشية الله تعالى»56.

«فالناس -كل الناس- ليسوا في حاجة أبدا إلى من يدعوهم إلى الإقبال على الدنيا، وإلى أخذ حظوظهم منها، إذ هم مقبلون بطبعهم عليها، مدعوون بحكم غريزتهم إلى الاندفاع في هذا الإقبال إلى مالا نهاية له.

وإنما الناس -كل الناس- محتاجون إلى من يمسك زمامهم ويروّض غرائزهم، في تعاملهم مع الدنيا، وفي تنافسهم المهلك على ما فيها من مال ومتاع، فكل معرض يعرض فيه القرآن الكريم، الحياة الدنيا، مستخفًّا بها، مهونًا من شأنها، إنما هو دواء ملطف لهذا السّعار الذي يدفع الناس دفعًا في غير وعي، إلى أن يلقوا بأنفسهم إلى مواطن التهلكة، دون أن يأخذوا حذرهم مما يلقاهم على هذا الطريق المحفوف بالمخاطر»57.

الحياة البرزخية

قال الله عز وجل: ( ) [المؤمنون:١٠٠].

قال الطبري في تفسير هذه الآية: «ومن أمامهم حاجز يحجز بينهم وبين الرجوع، يعني: إلى يوم يبعثون من قبورهم، وذلك يوم القيامة، والبرزخ والحاجز والمهلة متقاربات في المعنى»58.

وقال الراغب: «البرزخ: الحاجز والحدّ بين الشيئين، والبرزخ في القيامة: الحائل بين الإنسان وبين بلوغ المنازل الرفيعة في الآخرة، وذلك إشارة إلى العقبة المذكورة في قوله عزّ وجل: ( ) [البلد:١١].

قال تعالى: ( ) [المؤمنون:١٠٠].

وتلك العقبة موانع من أحوال لا يصل إليها إلا الصالحون. وقيل: البرزخ ما بين الموت إلى القيامة»59.

«إن مقتضى العدل، وانطلاقًا من الشرع الحنيف، لا بد أن يكون هناك موقف يقفه الإنسان، ليحاسب على عمله، ويجازى على فعله، بعد انتهاء حياته الدنيا، وانتقاله إلى حياة أخرى التي هي بداية الحياة الأبدية، ألا إنها حياة البرزخ، لينعم أو ليعذب، حتى تتحقق العدالة الإلهية، ويوّفى الجميع وتطمئن قلوبهم، أن لهذا الكون إلهًا عادلًا، لا يظلم مثقال ذرة، والعقول السليمة، والفطرة المستقيمة ترى أن حياة الإنسان بعد موته لحسابه ومجازاته، ومنها حياة البرزخ، من أهم ضرورات الحياة الطبيعية، الحياة المستقرة الآمنة، التي تتمتع بالأمن والأمان، إذ لابد أن يكون هناك وقفة مع هذا الإنسان بعد الحياة الدنيا، لكي يجازى كل إنسان على عمله وفعله، وما كسبت يداه، وينعم المحسن، ويعذب المذنب»60.

أولًا: نعيم البرزخ:

ورد في القرآن الكريم آيات دالة على نعيم البرزخ، وكذلك تظاهرت الأحاديث النبوية على إثبات ذلك.

قال الله تعالى: ( ﭷﭸ ﭻﭼ ﭿ ) [إبراهيم:٢٧].

روى الإمام البخاري بسنده، عن البراء بن عازب، رضي الله عنه ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المسلم إذا سئل في القبر، شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فذلك قوله: ( ))61.

وفي الحديث الذي رواه البراء بن عازب رضي الله عنه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ما يؤكد نعيم البرزخ، حيث ذكر فيه قبض نفس المؤمن بسهولة ويسر، ثم توضع روحه في كفن من أكفان الجنة ويصعد بها إلى السماء حتي يصل إلى السماء الدنيا، فيشيعة الملائكة المقربون، ثم تعاد روحه مرة أخرى إلى جسده ويبدأ الحساب والسؤال في القبر، كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام فقال: (فتعاد روحه في جسده، فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله. فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام. فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله. فيقولان له: وما علمك؟ فيقول: قرأت كتاب الله، فآمنت به وصدقت. فينادي مناد من السماء: أن صدق عبدي، فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له بابًا إلى الجنة، قال: فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره. ويأتيه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد. فيقول له من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالخير. فيقول: أنا عملك الصالح. فيقول: رب أقم الساعة. رب، أقم الساعة، حتى أرجع إلى أهلي ومالي)62.

ومن النعيم الذي حدث عنه الرسول عليه الصلاة والسلام، ما يصيب الشهداء في حياة البرزخ، فقد صح عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: (لمّا أصيب إخوانكم بأحدٍ، جعل اللّه أرواحهم في أجواف طيرٍ خضرٍ، ترد أنهار الجنّة وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهبٍ معلّقةٍ في ظلّ العرش، فلمّا وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا: من يبلغ إخواننا عنّا أنّا في الجنّة نرزق، لئلّا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا في الحرب، فقال اللّه عزّ وجلّ: أنا أبلّغهم عنكم، فأنزل اللّه تعالى: ( ﮛﮜ ) [آل عمران:١٦٩])63.

ومن صور النعيم في البرزخ أن أرواح المؤمنين تتلاقى وتتذاكر في البرزخ.

قال الله عز وجل: ( ﮛﮜ ) [آل عمران:١٦٩-١٧٠].

«وفي هذه الآية دلالة على تلاقي أرواح الشهداء من ثلاثة أوجه:

أحدها: أنهم عند ربهم يرزقون، وإذا كانوا أحياء فهم يتلاقون.

الثاني: أنهم إنما استبشروا بإخوانهم لقدومهم ولقائهم لهم.

الثالث: أن لفظ () يفيد في اللغة أنهم يبشر بعضهم بعضًا مثل (يتباشرون)»64.

قال الله عز وجل: ( ﭿ ﮇﮈ ﮌﮍ ﮐﮑ ) [النساء:٦٩-٧٠].

يقول الإمام ابن القيم في التعقيب على هذه الآية: «وهذه المعية ثابتة في الدنيا وفي الدار البرزخ وفي دار الجزاء والمرء مع من أحب في هذه الدور الثلاث»65.

ثانيًا: عذاب البرزخ:

وردت نصوص كثيرة تدل على أن عذاب البرزخ حق، وأن الكافرين في الحياة البرزخية يعذبون حتى يبعثهم الله إليه يوم القيامة، ومن تلك النصوص:

قوله تعالى: ( ﮖﮗ ﮢﮣ ) [غافر:٤٥-٤٦].

قال ابن كثير رحمه الله: «وهذه الآية أصل كبير في استدلال أهل السنة على عذاب البرزخ في القبور، وهي قوله:( )»66.

وقوله تعالى: ( ﯿ) [طه:١٢٤]

قال الطبري بعد ذكر أقوال المفسرين في هذه الآية: «وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: هو عذاب القبر، وذكر حديث بسنده، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أتدرون فيم أنزلت هذه الآية ( ) أتدرون ما المعيشة الضّنك؟) قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: (عذاب الكافر في قبره، والّذي نفسي بيده أنّه ليسلّط عليه تسعةٌ وتسعون تنّينًا، أتدرون ما التّنين؟ تسعةٌ وتسعون حيّة، لكلّ حيّة سبعة رءوسٍ، ينفخون في جسمه ويلسعونه ويخدشونه إلى يوم القيامة)67.

وإن الله تبارك وتعالى أتبع ذلك بقوله: ( ) [طه:١٢٧] فكان معلومًا بذلك أن المعيشة الضنك التي جعلها الله لهم قبل عذاب الآخرة، لأن ذلك لو كان في الآخرة لم يكن لقوله: ( ) معنى مفهوم، لأن ذلك إن لم يكن تقدّمه عذاب لهم قبل الآخرة، حتى يكون الذي في الآخرة أشدّ منه، بطل معنى قوله ( )، فإذ كان ذلك كذلك، فلا تخلو تلك المعيشة الضنك التي جعلها الله لهم من أن تكون لهم في حياتهم الدنيا، أو في قبورهم قبل البعث، إذ كان لا وجه لأن تكون في الآخرة لما قد بيّنا، فإن كانت لهم في حياتهم الدنيا، فقد يجب أن يكون كلّ من أعرض عن ذكر الله من الكفار، فإن معيشته فيها ضنك، وفي وجودنا كثيرًا منهم أوسع معيشة من كثير من المقبلين على ذكر الله تبارك وتعالى، القائلين له المؤمنين في ذلك، ما يدلّ على أن ذلك ليس كذلك، وإذ خلا القول في ذلك من هذين الوجهين صحّ الوجه الثالث، وهو أن ذلك في البرزخ»68.

وقوله تعالى: ( ) [الطور:٤٧].

قال قتادة: «كان ابن عباس يقول: إنكم لتجدون عذاب القبر في كتاب الله ( )»69.

وقوله تعالى: ( ﭰﭱ ﭴﭵ ﭺﭻ ﭽﭾ ﭿ ) [التوبة:١٠١].

قال قتادة: «قال الله تعالى(ﭿ ) «قال: عذابًا في الدنيا وعذابًا في القبر»70.

وفي السنة النبوية نصوص كثيرة تثبت عذاب البرزخ، نأخذ منها هذين الحديثين:

روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: (إنّ أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشيّ، إن كان من أهل الجنّة فمن أهل الجنّة، وإن كان من أهل النّار فمن أهل النّار)71.

وروى البخاري ومسلم أيضًا عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: (إنّ العبد إذا وضع في قبره، وتولّى عنه أصحابه، إنّه ليسمع قرع نعالهم، أتاه الملكان، فيقعدانه، فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرّجل، محمد؟ فأمّا المؤمن فيقول: أشهد أنّه عبد اللّه ورسوله، فيقال له: انظر إلى مقعدك من النّار، قد أبدلك اللّه به مقعدًا من الجنّة. قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: (فيراهما جميعًا). قال قتادة: وذكر لنا أنه يفسح له في قبره سبعون ذراعًا، ثم رجع إلى حديث أنس: وأمّا الكافر أو المنافق، فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقول النّاس، فيقال: لا دريت ولا تليت، ثمّ يضرب بمطرقةٍ من حديدٍ ضربةً بين أذنيه، فيصيح صيحةً يسمعها من يليه إلّا الثّقلين)72.

إن إيمان المسلم بحياة البرزخ يدفعه إلى تزكية نفسه وتهذيبها، وتقويم المعوج من سلوكه، كما يحجزه عن الوقوع فيما حرمه الله بما يغرسه في قلبه من الخوف والخشية، فيحرص على ضبط أقواله وأفعاله، وعلاقاته ومعاملاته بما يتوافق مع الشرع الحنيف، لأنه يعلم أن الحياة البرزخية صورة مصغرة لما سيكون عليه الجزاء في الحياة الآخرة، فإما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، كما أن المسلم يوقن أن حياة البرزخ هي من النتائج الأولى للامتحان والاختبار في الحياة الدنيا، وليس هناك فرصة للعودة مرة أخرى لتصحيح الأخطاء أو تعديل المسار، وهذا ما يجعله في يقظة وحذر دائمين، يحاسب نفسه كلما شردت عن الصراط المستقيم أو جرفتها الشهوات إلى لجج الغفلة.

وهذا الإيمان بالحياة البرزخية هو السبب الرئيس في نشر الخير وتفشي العدل وسيادة الأمن والأمان على مستوى الأفراد والجماعات والأمم.

الحياة الآخرة في القرآن

جاء وصف القرآن الكريم للحياة الآخرة ليبين للناس حقيقتها، فلا تغيب عن أذهانهم صورتها وهم يعيشون في هذه الحياة الدنيا، ينشغلون بمعاشها وزخارفها، فتكون حافزًا لهم على النهوض للطاعات والعبادات، ومجاهدة النفس على إقامة الأوامر واجتناب المحظورات من أجل الفوز والنجاة في الآخرة.

أولًا: وصف الحياة الآخرة:

وصفت الحياة الآخرة بعدة أوصاف منها:

١. الحيوان.

الحيوان: مصدر حي، وقياسه حييان، فقلبت الياء الثانية واوًا، كما قالوا: حيوة، في اسم رجل، وبه سمى ما فيه حياة: حيوانًا. وفي بناء الحيوان زيادة معنى ليس في بناء الحياة، وهي ما في بناء فعلان من معنى الحركة والاضطراب، والحياة: حركة، كما أن الموت سكون، فمجيئه على بناء دال على معنى الحركة، مبالغة في معنى الحياة، ولذلك اختيرت على الحياة في هذا الموضع المقتضى للمبالغة73.

قال الله تعالى: ( ﭗﭘ ﭝﭞ ) [العنكبوت:٦٤].

قال الطبري في تفسير هذه الآية: «وإن الدار الآخرة لفيها الحياة الدائمة التي لا زوال لها ولا انقطاع ولا موت معها»74.

وأشار الإمام بن القيم إلى أن قوله تعالى: ( ) يحتمل معنيين:

«أحدهما: أن حياة الآخرة هي الحياة لأنها لا تنغيص فيها ولا نفاد لها، أي: لا يشوبها ما يشوب الحياة في هذه الدار، فيكون الحيوان مصدرا على هذا.

الثاني: أن يكون المعنى: أنها الدار التي تفنى ولا تنقطع ولا تبيد كما يفنى الأحياء في هذه الدنيا، فهي أحق بهذا الاسم من الحيوان الذي يفنى ويموت»75.

وفي قوله تعالى: ( ) بدلًا من «لهي الحياة»، إشارة إلى أن الحياة الآخرة هي الحياة، بل هي أصل الحياة، وما سواها من حيوات، ظل لها، أو فرع منها.

وقوله تعالى: ( ) إشارة إلى أن الغفلة المطبقة على العقول تمنعها من إيثار الباقي على الفاني، وتدفعها لاختيار الضلالة على الهدى، فما أضل الإنسان حين يترك عقله إلى جهله، وبصيرته إلى عماه، وفطرته النقية إلى شهواته الشائبة، فيضحي يالحياة الحقيقية من أجل سراب خادع !

مما سبق يتضح أن الدار الآخرة هي الحياة الدائمة التي لا موت فيها.. «الحياة الكاملة، التي من لوازمها، أن تكون أبدان أهلها في غاية القوة، وقواهم في غاية الشدة، لأنها أبدان وقوى خلقت للحياة، وأن يكون موجودًا فيها كل ما تكمل به الحياة، وتتم به اللذات، من مفرحات القلوب، وشهوات الأبدان، من المآكل، والمشارب، والمناكح، وغير ذلك، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر»76 .

فأين هذه الحياة الآخروية من حياتنا الدنيا المملؤة بالمنغّصات والمكدرات، لذاتها ممزوجة بالمتاعب والآلام، يعيش المرء في خوف وهمّ من فقدان متاعها في أي لحظة، فيا قرة أعين المؤمنين بالحياة الحقيقية في الآخرة التي تعوضهم عن كل نصب وشقاء أصابهم في الحياة الدنيا.

٢. دار القرار.

قال الله تعالى: ( ) [غافر:٣٩].

قال ابن كثير في قوله تعالى ( ): «الدار التي لا زوال لها، ولا انتقال منها ولا ظعن عنها إلى غيرها، بل إما نعيم وإما جحيم»77.

«وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه ( ) استقرّت الجنّة بأهلها واستقرت النّار بأهلها»78.

وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم أن الجنة والنار مستقرتان، فقال في وصف الجنة ( ﭿ ) [الفرقان:٢٤].

وقوله تعالى: ( ﯝﯞ ) [الفرقان:٧٥-٧٦].

كما قال عز وجل في وصف النار: ( ﮏﮐ ﮑﮒ ) [إبراهيم:٢٨-٢٩].

«وأي قرار هذا الذي يقر أو يستقر أو يستمر في جهنم، لو كان يدخل فيها يومًا أو يومين، أو شهرًا أو شهرين، أو سنة أو سنتين، أو مائة سنة أو مائتين، أو ألفًا أو ألفين، لا.. خالدين فيها أبدًا والعياذ بالله. الإنسان يعيش في الدنيا مستمتعًا باللذائذ والشهوات، ومن كل ما لذ وطاب من الحلال والحرام، فإذا جىء به يوم القيامة، وغمس في جهنم غمسة واحدة، ثم يسأل: «هل أصابك نعيم قط؟» هل مر بك نعيم قط؟ فيقول:لا، ما أصابني نعيم قط79. وغمسة واحدة تنسيه كل نعيم الدنيا، فما بالكم بمن يقر في جهنم ويقاسي حر نارها، وقبحت المستقر»80.

٣. دار الخلد.

قال الراغب: «الخلود: هو تبرّي الشيء من اعتراض الفساد، وبقاؤه على الحالة التي هو عليها»81.

وقال صاحب لسان العرب: «الخلد: دوام البقاء في دارٍ لا يخرج منها، خلد يخلد خلدًا وخلودًا: بقي وأقام. ودار الخلد: الآخرة لبقاء أهلها فيها»82.

ولقد وصف الله عز وجل الحياة الآخرة بالخلود، فقال تعالى في حق أهل الجنة: ( ﭶﭷ ) [الفرقان:١٥].

وقال تعالى في حق أهل النار: ( ﯩﯪ ﯮﯯ ) [فصلت:٢٨].

وقوله تعالى: ( ﯿ ) [يونس:٥٢].

أي: لهم الخلود الدائم، الذي لا يفتر عنهم العذاب ساعة، فشدة العذاب وعظمه، مستمر عليهم في جميع الآنات واللحظات.

روى الشيخان عن أبي سعيدٍ الخدريّ رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: (يؤتى بالموت كهيئة كبشٍ أملح83، فينادي منادٍ يا أهل الجنّة فيشرئبّون84 وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، وكلّهم قد رآه. ثمّ ينادي: يا أهل النّار، فيشرئبّون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، وكلّهم قد رآه. فيذبح. ثمّ يقول: يا أهل الجنّة، خلودٌ فلا موت، يا أهل النّار، خلودٌ فلا موت، ثمّ قرأ ( ) [مريم:٣٩]85.

٤. دار الجزاء.

من صفات الحياة الآخرة التي لابد أن نؤمن بها أنها دار الجزاء، وهذا الجزاء هو الجزاء الحقيقي، لأنه جاء من الملك الحق الذي لا يملك أحد معه في الحياة الآخرة حكمًا كملكهم في الدنيا.

قال تعالى: ( ) [الفاتحة:٤].

والدين الجزاء والحساب؛ كما قال تعالى: ( ) [النور:٢٥].

وقال: ( ) [الصافات:٥٣أي: مجزيون محاسبون86.

قال الله تعالى: ( ﭖﭗ ﭚﭛ ) [غافر:١٧].

وقوله تعالى: ( ﯿ ) [الجاثية:٢٢].

٥. دار الحق.

قال تعالى: ( ﮉﮊ ) [النبأ:٣٩].

«إنه اليوم الحق الذي يتقرر فيه الحق من حساب وجزاء وجنة ونار، يتقرر فيه ما وعد الله به وأرسل الرسل مبشرين ومنذرين، إنه اليوم الحق الذي يتلاشى مع وقوعه كل تعلق بباطل، ولايقول الناس جميعًا إلا الحق ولا يرون إلا الحق، إنه الحق الذي لا لبس فيه ولا شك»87.

فيا له من يوم عظيم لا موضع فيه لباطل ولا ادعاء، تبلى فيه السرائر وتنكشف الضمائر.

ثانيًا: وصف نعيم الآخرة:

وصف القرآن الكريم نعيم الآخرة بعدة صفات، منها:

١. دائم.

وصفت الآيات القرآنية نعيم الآخرة بأنه نعيم باق دائم على عكس نعيم الدنيا الزائل الفان.

قال تعالى: ( ﭹﭺ ) [النحل:٩٦].

«أي: يفرغ وينقضي، فإنه إلى أجل معدود محصور مقدّر متناه، ( ) أي: وثوابه لكم في الجنة باق لا انقطاع ولا نفاد له فإنه دائم لا يحول ولا يزول»88.

يقول الإمام الرازي في شرح هذه الآية: «الحس شاهد بأن خيرات الدنيا منقطعة، والعقل دل على أن خيرات الآخرة باقية، والباقي خير من المنقطع، والدليل عليه أن هذا المنقطع إما أن يقال: إنه كان خيرًا عاليًا شريفًا أو كان خيرًا دنيًّا خسيسًا، فإن قلنا: إنه كان خيرًا عاليًا شريفًا فالعلم بأنه سينقطع يجعله منغصًّا حال حصوله، وأما حال حصول ذلك الانقطاع فإنها تعظم الحسرة والحزن، وكون تلك النعمة العالية الشريفة كذلك ينغص فيها ويقلل مرتبتها وتفتر الرغبة فيها، وأما إن قلنا: إن تلك النعمة المنقطعة كانت من الخيرات الخسيسة فهمنا من الظاهر أن ذلك الخير الدائم وجب أن يكون أفضل من ذلك الخير المنقطع، فثبت بهذا أن قوله تعالى: ( ﭹﭺ ) برهان قاطع على أن خيرات الآخرة أفضل من خيرات الدنيا»89.

وقال تعالى: ( ) [ص:٥٤].

أي: أنّ النعم في الآخرة خالدة ولا تنفد ولا تزول كما في الحياة الدنيا، وأنّها تزداد دائمًا من خزائن الله المملوءة وغير المحدودة، ولا يظهر عليها أي نقص.

قوله تعالى:( ) دليل على أن نعيم الجنة دائم لا ينقطع؛ كما قال: ( ) [هود:١٠٨]، وقال: ( ﯿ ) [الانشقاق:٢٥]90.

كما وصف الله عز وجل أشجار الجنة بأنها دائمة العطاء، فهي ليست كأشجار الدنيا تعطي في وقت دون وقت، وفصل دون فصل، بل هي دائمة الإثمار والظلال.

قال تعالى: ( ) [الرعد:٣٥].

فيا له من فضل عظيم من الرب الكريم، الرءوف الرحيم، البر الجواد، الواسع الغني على عباده المؤمنين أن جعل لهم هذا النعيم الدائم المستقر في جميع الأوقات، متزايدًا في جميع الآنات.

٢. خير.

وصف الله عز وجل الدار الآخرة بأنها خير للمتقين في آيات كثيرة منها:

قوله تعالى: ( ﮎﮏ ﮑﮒ ﮘﮙ ﮜﮝ ) [النحل:٣٠].

قوله تعالى: ( ﮞﮟ ﮪﮫ ﮰﮱ ) [يوسف:١٠٩].

قوله تعالى: ( ﯟﯠ ﯯﯰ ﯵﯶ ) [الأعراف:١٦٩].

قوله تعالى: ( ﮦﮧ ﮬﮭ ) [الأنعام:٣٢].

يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله: «لا شيء يثبت على الغير والأحداث وتقلبات الأحوال في هذا الخضم الهائج وفي هذه المعركة الكبرى، إلا اليقين في الآخرة، وأنها خير للذين يتقون، ويعفون، ويترفعون، ويثبتون على الحق والخير في وجه الزعازع والأعاصير والفتن، ويمضون في الطريق لا يتلفتون، مطمئنين واثقين، ملأ قلوبهم اليقين»91.

وقد وصف الفخر الرازي وجوهًا عدة لوصف نعيم الآخرة بكونه خيرًا، فقال: «الأول: أن خيرات الدنيا ليست إلا قضاء الشهوتين، وهو في نهاية الخساسة، بدليل أن الحيوانات الخسيسة تشارك الإنسان فيه، بل ربما كان أمر تلك الحيوانات فيها أكمل من أمر الإنسان.

الثاني: أن هذين النوعين تشاركا في الفضل والمنقبة، إلا أن الوصول إلى الخيرات الموعودة في غد القيامة معلوم قطعًا، وأما الوصول إلى الخبرات الموعودة في غد الدنيا فغير معلوم بل ولا مظنون، فكم من سلطان قاهر في بكرة اليوم صار تحت التراب في آخر ذلك اليوم، وكم من أمير كبير أصبح في الملك والإمارة، ثم أمسى أسيرًا حقيرًا، وهذا التفاوت أيضا يوجب المباينة بين النوعين.

الثالث: هب أنه وجد الإنسان بعد هذا اليوم يومًا آخر في الدنيا، إلا أنه لا يدري هل يمكنه الانتفاع بما جمعه من الأموال والطيبات واللذات أم لا؟ أما كل ما جمعه من موجبات السعادات، فإنه يعلم قطعًا أنه ينتفع به في الدار الآخرة.

الرابع: هب أنه ينتفع بها إلا أن انتفاعه بخيرات الدنيا لا يكون خاليًا عن شوائب المكروهات، وممازجة المحرمات المخوفات.

الخامس: هب أنه ينتفع بتلك الأموال والطيبات في الغد، إلا أن تلك المنافع منقرضة ذاهبة باطلة، وكلما كانت تلك المنافع أقوى وألذ وأكمل وأفضل كانت الأحزان الحاصلة عند انقراضها وانقضائها أقوى وأكمل.

فثبت بما ذكرنا أن سعادات الدنيا وخيراتها موصوفة بهذه العيوب العظيمة، والنقصانات الكاملة وسعادات الآخرة مبرأة عنها، فوجب القطع بأن الآخرة أكمل وأفضل وأبقى وأتقى وأحرى وأولى»92.

٣. أكبر.

قال الله تعالى: ( ﯻﯼ ﯿﰀ ) [النحل:٤١].

وقال تعالى: (ﭿ ﮄﮅ ) [الإسراء:٢١].

«والمعنى: أن تفاضل الخلق في درجات منافع الدنيا محسوس، فتفاضلهم في درجات منافع الآخرة أكبر وأعظم، فإن نسبة التفاضل في درجات الآخرة إلى التفاضل في درجات الدنيا كنسبة الآخرة إلى الدنيا، فإذا كان الانسان تشتد رغبته في طلب فضيلة الدنيا فبأن تقوى رغبته في طلب فضيلة الآخرة أولى.

أو أن المراد أن الآخرة أعظم وأشرف من الدنيا، والمعنى أن المؤمنين يدخلون الجنة، والكافرين يدخلون النار، فيظهر فضل المؤمنين على الكافرين، ونظيره قوله تعالى: ( ﭿ ) [الفرقان:٢٤]»93.

«وفي هذا ترغيب للخلق في تحصيل الفضل في درجات الآخرة؛ فإنهم إنما يتهالكون في الدنيا على أن يفضل بعضهم بعضًا في شيء منها، وهي الدار الفانية. فلم لا يتسابقون فيما ينالون به الفضل في الدار الباقية؟! مع أن من عمل لنيل الفضل في الآخرة -وما عملها إلاّ الخير والمعروف- حاز الفضل والسعادة فيهما على أفضل وجه، وأكمل حال، فللآخرة ونيل درجاتها فليعمل العاملون، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون»94.

قال الله تعالى: ( ﯝﯞ ﯢﯣ ) [التوبة:٧٢].

وتأمل في قوله سبحانه: ( ) ثم اسأل نفسك: أي نعيم يفوق هذا النعيم؟! إن كل نعيم الآخرة ليتضاءل أمام رضوان الله عز وجل، وماذا يحتاج المؤمن بعد أن تغمره نسمات الرضا الإلهي.. فيا فوز المؤمنين بهذا المقام الكريم، ويا سعادتهم برضوان من الله يغمر أرواحهم، وتستشعره نفوسهم بلا انقطاع، ويا حسرة غير المؤمنين وهم يتجرعون مرارة سخط ربهم عليهم ويقاسون أشد أنواع الحرمان والخسران.

روى الإمام مسلم بسنده عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يقول لأهل الجنّة: يا أهل الجنّة، فيقولون: لبيك يا ربنا وسعديك، والخير في يديك، فيقول: هل رضيتم فيقولون: ربنا وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعطه أحدًا من خلقك، فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ قالوا: يا رب، وأي شيء أفضل من ذلك؟ قال: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدًا)95.

٤. مقام أمين.

قال الله تعالى: ( ) [الدخان:٥١].

«أي: في الآخرة وهو الجنة، قد أمنوا فيها من الموت والخروج، ومن كل هم وحزن وجزع وتعب ونصب، ومن الشيطان وكيده، وسائر الآفات والمصائب»96.

«والمقام: موضع الإقامة، والأمين: الآمن من كل سوء ومكروه، وهو الذي قد جمع صفات الأمن كلها، فهو آمن من الزوال والخراب وأنواع النقص، وأهله آمنون فيه من الخروج والنغص والنكد، وتأمل كيف ذكر سبحانه الأمن في قوله تعالى: ( )، وفي قوله تعالى: ( ) [الدخان:٥٥].

فجمع لهم بين أمن المكان وأمن الطعام، فلا يخافون انقطاع الفاكهة ولا سوء عاقبتها ومضرتها، وأمن الخروج منها، فلا يخافون ذلك، وأمن من الموت فلا يخافون فيها موتا»97.

«والأمن أكبر شروط حسن المكان؛ لأن الساكن أول ما يتطلب الأمن وهو السلامة من المكاره والمخاوف فإذا كان آمنًا في منزله كان مطمئن البال شاعرًا بالنعيم الذي يناله»98.

فيا لقرة أعين المؤمنين بهذا المقام الأمين، ويا لسعادتهم وهم يغادرون جميع المخاوف والمكاره إلى غير رجعة.

ثالثًا: وصف عذاب الآخرة:

إن المتدبر للقرآن الكريم يجد في آيات كثيرة وصف الله عز وجل لعذاب الحياة الآخرة بأوصاف كثيرة متنوعة، وذلك كعادة المنهج القرآنى في الجمع بين الترهيب والترغيب، فهذا «المنهج يتعامل مع الناس جميعًا، مع الطبيعة البشرية. والله يعلم من هذه الطبيعة حاجتها إلى هذا الوعد بالمغفرة والأجر العظيم، وحاجتها كذلك إلى معرفة جزاء الكافرين المكذبين! إن هذا وذلك يرضي هذه الطبيعة، يطمئنها على مصيرها وجزائها، ويشفي غيظها من أفاعيل الشريرين!»99.

ومن هذه الأوصاف مايأتي:

١. أشق وأشد.

قال الله تعالى: ( ﰐﰑ ﰔﰕ ) [الرعد:٣٤].

قال ابن كثير: « ( ) أي: المدّخر لهم مع هذا الخزي في الدنيا، () أي: من هذا بكثير، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين: (إن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة)100، فإن عذاب الدنيا له انقضاء، وذاك دائم أبدًا في نار هي بالنسبة إلى هذه سبعون ضعفًا، ووثاق لا يتصور كثافته وشدته، كما قال تعالى: ( ) [الفجر:٢٥-٢٦]»101.

وقد بين الرازي في تفسيره وجه زيادة عذاب الآخرة عن عذاب الدنيا فقال: «( ) لأنه أزيد إن شئت بسبب القوة والشدة، وإن شئت بسبب كثرة الأنواع، وإن شئت بسبب أنه لا يختلط بها شيء من موجبات الراحة، وإن شئت بسبب الدوام وعدم الانقطاع»102.

ومن هذه الآيات التي وصفت عذاب الآخرة بأنه أشق وأشد قوله تعالى: ( ) [طه:١٢٧].

وقوله تعالى: ( ﭿ ) [البقرة:٨٥].

وقوله تعالى: ( ﭿﮀ ﮅﮆ ) [التوبة:٨١].

٢. غرام.

قال الله تعالى: ( ﯫﯬ ) [الفرقان:٦٥].

«أي: لازمًا دائمًا غير مفارق، ومنه سمي الغريم لملازمته. ويقال: فلان مغرم بكذا، أي: لازم له مولع به، وقال الحسن: قد علموا أن كل غريم يفارق غريمه إلا غريم جهنم. وقال الزجاج: الغرام أشد العذاب. وقال ابن زيد: الغرام الشر. وقال أبو عبيدة: الهلاك. والمعنى واحد.

وقال محمد بن كعب: طالبهم الله تعالى بثمن النعيم في الدنيا فلم يأتوا به، فأغرمهم ثمنها بإدخالهم النار»103.

«والعذاب الغرام: هو العذاب المؤبّد أبدًا! لا ينقطع ولا يزول ما دامت السماوات‏ والأرض! فكيف إذا كان ذلك التأبيد الرهيب في قعر جهنم وجوف جحيمها؟ عذاب ولا كأي عذاب والعياذ بالله! أوليس هذا مما لا يطيق الخيال تصوره؟

ولا يستطيع القلب تحسسه لما يحمله من هول عظيم؟ ولذلك قالوا: ( ) [الفرقان:٦٦]. أي: بئس المنزل هي! وبئس القرار! وبئس المصير! فبأي عين يستحلي النوم والسبات أصحاب مثل هذه المشاهدات؟!»104.

فما أقسى ذلك العذاب الذي يلازم صاحبه، فلا يفارقه ولا يتحول عنه، يفقد معه أي أمل في النجاة أو الخلاص ( ﭙﭚ ) [المائدة:٣٧].

٣. العذاب المهين.

قال الله تعالى: ( ﭿ ﮀﮁ ﮅﮆ ) [البقرة:٩٠].

«لما كان كفرهم سببه البغي والحسد، ومنشأ ذلك التكبر، قوبلوا بالإهانة والصغار في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: ( ) [غافر:٦٠].

أي: صاغرين حقيرين ذليلين راغمين.

قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى، حدثنا ابن عجلان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الناس، يعلوهم كل شيء من الصغار حتى يدخلوا سجنًا في جهنم، يقال له: بولس، فيعلوهم نار الأنيار، يسقون من طينة الخبال: عصارة أهل النار)105»106.

والآيات التي وصفت العذاب بأنه مهين كثيرة منها:

قوله تعالى: ( ﮝﮞ ﮣﮤ ) [آل عمران:١٧٨].

وقوله تعالى: ( ) [النساء:١٤].

وقوله تعالى: ( ﯥﯦ ) [النساء:٣٧].

وقوله تعالى: ( ﭽﭾ ﭿ ) [لقمان:٦].

«مهين: أي مذل مخز. وهذا الإذلال والاحتقار له يكون في مقابل استهزائه بعناصر سبيل الله، واحتقاره لها في الحياة الدنيا، إذ كانت تشغله عنها الملهيات التي كان يجد فيها متعات تعلقت نفسه بها، فصار يحتقر من أجلها عناصر سبيل الله الموصل إلى السعادة الأبدية في جنات التعيم، إذ هو غير مؤمن بالآخرة»107.

٤. العذاب الأخزى.

قال الله تعالى: ( ﯓﯔ ﯗﯘ ) [فصلت:١٦].

«الخزى: الانكسار من الوقوع فى بليّةٍ وشهرة. وقد خزى كرضى خزيًا -بالكسر- وخزىً، واخزوى: بمعناه. وأخزاه الله: فضحه. والخزية والخزية بالفتح والكسر: البلية. وقيل الخزى: انكسار يلحق الإنسان إمّا من نفسه وإمّا من غيره. فالّذي يلحقه من نفسه هو الحياء المفرط ومصدره الخزاية، ورجل خزيان وامرأة خزيا. والّذي يلحقه من غيره يقال: هو ضرب من الاستخفاف ومصدره الخزى ورجل خز. وأخزى من الخزاية والخزى جميعًا»108.

«ونلاحظ عناية الآية بلفظ (الخزي) و(الأخزى)؛ لأن هذا هو المراد إبرازه لقدع تلك الأنوف المستكبرة والمتغطرسة، وكان يمكن أن تقول الآية: ولعذاب الآخرة أشد، وقد جاء ذلك كثيرًا فى الكتاب ولكل كلمة مقام»109.

ولما علم أولو الألباب أن عذاب النار هو الخزي الأكبر والهوان الأعظم توجهوا إلى ربهم في ضراعة وخشوع داعين إياه سبحانه أن ينجيهم من هذا الموقف المخزي والمصير المظلم، لأن قلوبهم قد عمرتها الخشية والإجلال والتعظيم لله عز وجل عبر ممارسة التفكر في الأنفس والآفاق، فأصبحت النجاة من خزي النار هو القضية التي تشغل بالهم، والهم الذي يسيطر على تفكيرهم.

وفي ذلك يقول تعالى: ( ﮱﯓ ) [آل عمران:١٩٠-١٩٢].

٥. العذاب الأليم.

قال ابن فارس: «(ألم) الهمزة واللّام والميم أصلٌ واحدٌ، وهو الوجع. قال الخليل: الألم: الوجع، يقال: وجعٌ أليمٌ، والفعل من الألم ألم، وهو ألمٌ، والمجاوز أليمٌ، فهو على هذا القياس فعيلٌ بمعنى مفعلٍ. وكذلك وجيعٌ بمعنى موجعٍ. قال ابن الأعرابيّ عذابٌ أليمٌ، أي: مؤلمٌ ورجلٌ أليمٌ ومؤلمٌ، أي: موجعٌ»110.

وردت نصوص كثيرة تدل على أن عذاب الآخرة هو العذاب الأليم، منها:

قوله تعالى: ( ﮘﮙ ﮜﮝ ﮨﮩ ) [يونس:٤].

قوله تعالى: ( ﮠ ﮡ ) [المزمل:١٢-١٣].

٦. العذاب العظيم.

وردت نصوص كثيرة تدل على أن عذاب الآخرة هو العذاب العظيم، منها:

قوله تعالى: ( ﭿﮀ ﮈﮉ ) [البقرة:١١٤].

وقوله تعالى: ( ﭳﭴ ﭹﭺ ﭿ ﮂﮃ ) [آل عمران:١٧٦].

٧. سوء العذاب.

قوله تعالى: ( ﯹﯺ ﯿ ) [الزمر:٤٧].

المقابلة بين الحياة الدنيا والآخرة

«متاع الدنيا واقع مشهود، ونعيم الجنة غيب موعود، والناس يتأثرون بما يرون ويشاهدون، ويثقل على قلوبهم ترك ما بين أيديهم إلى شيء ينالونه في الزمن الآتي، فكيف إذا كان الموعود ينال بعد الموت؟ من أجل ذلك قارن الحق تبارك وتعالى بين متاع الدنيا ونعيم الجنة، وبين أن نعيم الجنة خير من الدنيا وأفضل، وأطال في ذم الدنيا وبيان فضل الآخرة، وما ذلك إلا ليجتهد العباد في طلب الآخرة ونيل نعيمها»111.

أولًا: المقابلة بين متاع الدنيا ونعيم الآخرة:

تنوعت النصوص القرآنية التي تقارن بين متاع الدنيا الزائل وبين نعيم الآخرة الدائم، نقف مع بعضها بالشرح والتحليل:

قال الله تعالى: ( ﮯﮰ ﯕﯖ ﯡﯢ ﯲﯳ ) [آل عمران:١٤-١٥].

هذه الآيات تتحدث عن أفضلية النعيم الأخروي على المتاع الدنيوي.

«وهذا المتاع الأخروي الذي تذكره الآية هنا، ويؤمر الرسول عليه الصلاة والسلام أن يبشر به المتقين، هو نعيم حسي في عمومه، ولكن هنالك فارقًا أساسيًّا بينه وبين متاع الدنيا، إنه متاع لا يناله إلا الذين اتقوا. الذين كان خوف الله وذكره في قلوبهم. وشعور التقوى شعور مهذب للروح والحس جميعًا. شعور ضابط للنفس أن تستغرقها الشهوات، وأن تنساق فيها كالبهيمة. فالذين اتقوا ربهم حين يتطلعون إلى هذا المتاع الحسي الذي يبشرون به يتطلعون إليه في شفافية مبرأة من غلظة الحس! وفي حساسية مبرأة من بهيمية الشهوة! ويرتفعون بالتطلع إليه -وهم في هذه الأرض- قبل أن ينتهي بهم المطاف إلى قرب الله.

وفي هذا المتاع النظيف العفيف عوض كامل عن متاع الدنيا، وفيه زيادة. فإذا كان متاعهم في الدنيا حرثًا معطيًا مخصبًا، ففي الآخرة جنات كاملة تجري من تحتها الأنهار. وهي فوق هذا خالدة وهم خالدون فيها، لا كالحرث المحدود الميقات!

وإذا كان متاعهم في الدنيا نساء وبنين، ففي الآخرة أزواج مطهرة. وفي طهارتها فضل وارتفاع على شهوات الأرض في الحياة!

فأما الخيل المسومة والأنعام. وأما القناطير المقنطرة من الذهب والفضة. فقد كانت في الدنيا وسائل لتحقيق متاع. فأما في نعيم الآخرة فلا حاجة إلى الوسائل لبلوغ الغايات!

ثم هنالك ما هو أكبر من كل متاع، هنالك ( ) رضوان يعدل الحياة الدنيا والحياة الأخرى كليهما، ويرجح، رضوان بكل ما في لفظه من نداوة، وبكل ما في ظله من حنان»112.

وقوله تعالى: ( ﯡﯢ ﯲﯳ ) [آل عمران:١٥].

«والسؤال هنا سؤال إغراء وتحريض على طلب الجواب ومعرفة حقيقة الخبر!

( ) ألا ترغبون في معرفة ما هو أحسن مما أنتم فيه من متع وملذات؟ وما أنتم غارقون فيه من شهوات؟ ألا ترغبون في نعم لا تفنى أبدًا ولا تزول! إنها قطعًا خير مما أنتم فيه من الاستمتاع الفاني القريب! هذا الاستمتاع الشهواني الكاذب، الذي لا يتعدى أيام العمر البشري القصير! لكنه خبر يهم فقط المؤمنين المتقين، الذين لم يغتروا بشهوات الحياة الدنيا، ولم يفتنوا بها، فإذا كان الله قد ابتلاهم بشيء منها فقد أدوا حق الله فيها، وأنفقوها في وجوهها المشروعة، فكانوا بها لربهم عابدين، حامدين شاكرين!»113.

وقوله تعالى: ( ﮌﮍ ﮠﮡ ) [آل عمران:١٩٦-١٩٨].

وجملة معنى النص الكريم لا يصح أن يخدع أحد بما عليه أولئك الكفار من قوة وسطوة وتصريف في شئون البلاد، ورخاء ورفاهية وثراء فإن هذا إلى أمد قصير، وهو متاع قليل، ولذا قال سبحانه:( ﮌﮍ )، فما قيمة هذا المتاع -مهما تقلبوا في هذه الحياة الدنيا بشتى صنوف المتع والشهوات- إذا كانت نهاية المطاف ودار القرار هي جهنم؟!

( ).

«الاستدراك هنا ب «لكن» للمقابلة بين المتقين الأبرار والمشركين الفجار بالنسبة للمآل، فالكفار مآلهم جهنم ومتاعهم دنيوي قليل، والمتقون لربهم المدركون لمعنى الربوبية الشاكرون لنعمته مآلهم جنات تجري من تحتها الأنهار، وليست مدتها قليلة، بل لهم فيها الخلود، فالنعيم كثير والزمن طويل، بينما الآخرون نعيمهم ضئيل قصير، وعذابهم دائمٌ كثير»114.

وقوله تعالى: ( ﭘﭙ ﭞﭟ ) [القصص:٦٠-٦١].

«فهذه صفحة من وعده الله وعدًا حسنًا فوجده في الآخرة حقًّا وهو لا بد لاقيه. وهذه صفحة من نال متاع الحياة الدنيا القصير الزهيد، ثم ها هو ذا في الآخرة محضر إحضارًا للحساب. والتعبير يوحي بالإكراه ( ) الذين يجاء بهم مكرهين خائفين يودون أن لم يكونوا محضرين، لما ينتظرهم من وراء الحساب على ذلك المتاع القصير الزهيد!»115.

فشتان شتان بين مؤمن ساع للآخرة سعيها، قد عمل على وعد ربه له، بالثواب الحسن، الذي هو الجنة، وما فيها من النعيم العظيم، وبين من يعيش في الحياة الدنيا يغترف من الشهوات والملذات فهو يأخذ فيها ويعطي، ويأكل ويشرب، ويتمتع كما تتمتع البهائم، قد اشتغل بدنياه عن آخرته، فهو لا يزال كذلك، لا يتزود من دنياه إلا الخسار والهلاك.

وهكذا.. فالعاقل يوازن بين ما ينبغي إيثاره، وما ينبغي الإيثار عليه، وما هو أولى بالسعي إليه، والتقديم له على غيره، وأما من نظر إلى عاجل طفيف منقطع، يفوت نعيمًا عظيمًا باقيًا فأنى له العقل والرأي؟

وقال تعالى: ( ﭴﭵ ﭿ ﮁﮂ ﮊﮋ ) [الحديد:٢٠].

في هذه الآية مقابلة بين ما في الحياة الدنيا من متع وشهوات ورغبات لا ثبات لها ولا استقرار، وبين ما في الآخرة من العذاب الشديد، أو المغفرة والرضوان، فليختر العاقل لنفسه ما يشاء.

«وقوله تعالى: ( ﮊﮋ )، هو تعقيب على تلك الأوصاف التي وصفت بها الدنيا، من أنها لعب ولهو، وذلك بعرض ما يقابلها، وهو الآخرة، التي لا لعب فيها ولا لهو، بل كل أمرها جدّ فى جدّ.. ففيها عذاب شديد، وفيها مغفرة من اللّه ورضوان، وقدّم العذاب على المغفرة، لأن الآية فى مواجهة الذين خدعوا بالحياة الدنيا وأذهبوا طيباتهم فيها، ولهذا جاءت فاصلة الآية مؤكدة لما بدئت به: ( )»116.

«فكيف يسوغ لمؤمن بالله واليوم الآخر أن يضيع حياته فيما لا بقاء له ولا جدوى فيه، في الوقت الذي يدرك فيه أنه متوجه إلى حياة الجزاء، من ثواب وعقاب؟ ولهذا اختتم المثل بذكر الآخرة وما فيها، فقال تعالى: ( )، إذا لولا كون الآخرة حياة جزاء، لما كانت الدنيا حياة استعداد لها، فالتذكير بحياة الجزاء يصرف المؤمنين عما لا يعقب خيرا، ويدفع بهم إلى طاعة الله المجازي المثيب، والتقرب إليه بما أراد أن يتقرب به إليه»117.

وقال تعالى: ( ﭿ ﮂﮃ ﮈﮉ ) [التوبة:٣٨].

في هذه الآيات عاتب الله عز وجل الذين رضوا بلذات الدنيا الناقصة الزائلة بدلًا من نعيم الحياة الآخرة الكامل الباقي، «أفليست الدنيا -من أولها إلى آخرها- لا نسبة لها في الآخرة. فما مقدار عمر الإنسان القصير جدًّا من الدنيا حتى يجعله الغاية التي لا غاية وراءها، فيجعل سعيه وكده وهمه وإرادته لا يتعدى حياته الدنيا القصيرة المملوءة بالأكدار، المشحونة بالأخطار.

فبأي رأيٍ رأيتم إيثارها على الدار الآخرة الجامعة لكل نعيم، التي فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، وأنتم فيها خالدون، فوالله ما آثر الدنيا على الآخرة من وقر الإيمان في قلبه، ولا من جزل رأيه، ولا من عدّ من أولي الألباب»118.

والآيات التي تقارن بين متاع الدنيا ونعيم الآخرة كثيرة منها:

قوله تعالى: ( ﭿ ﮁﮂ ) [الشورى:٣٦].

وقوله تعالى: ( ﮡﮢ ﮭﮮ ) [النساء:٧٧].

وقوله تعالى: ( ﮦﮧ ﮬﮭ ) [الأنعام:٣٢].

مما سبق يتضح أن كل ما يناله الإنسان في هذه الحياة الدنيا من مال أو جاه أو سلطان هو متاع، أي زاد لا يلبث أن ينفد، أو ثوب لا بد أن يبلى، فكل ما فى الحياة الدنيا إلى نفاد، وزوال، وإن كثر وعظم، وما عند اللّه من الثواب والنعيم خير من زهرة الدنيا، لأنه باق سرمديّ، وما فيها زائل فان.

ثانيًا: المقابلة في قصد العباد لكل منهما:

قال تعالى: ( ﭷﭸ ﭿ ﮄﮅ ) [الإسراء:١٨-٢١].

في هذه الآيات مقابلة بين من قصر نظره على الدنيا، وعمل لها، وجعلها غايته، ومرمى همته، ومطرح نظره، ولم يكن له همٌّ سواها، ولم يلتفت إلى الآخرة، وبين من أراد الآخرة فاختار طريق الإيمان والعمل الصالح، والاستقامة على الصراط المستقيم.

يقول الأستاذ سيد قطب في ظلال هذه الآيات: «إن من أراد أن يعيش لهذه الدنيا وحدها، فلا يتطلع إلى أعلى من الأرض التي يعيش فيها، فإن الله يعجل له حظه في الدنيا حين يشاء، ثم تنتظره في الآخرة جهنم عن استحقاق. فالذين لا يتطلعون إلى أبعد من هذه الأرض يتلطخون بوحلها ودنسها ورجسها، ويستمتعون فيها كالأنعام، ويستسلمون فيها للشهوات والنزعات. ويرتكبون في سبيل تحصيل اللذة الأرضية ما يؤدي بهم إلى جهنم.

والذي يريد الآخرة لا بد أن يسعى لها سعيها، فيؤدي تكاليفها، وينهض بتبعاتها، ويقيم سعيه لها على الإيمان. والسعي للآخرة لا يحرم المرء من لذائذ الدنيا الطيبة، إنما يمد بالبصر إلى آفاق أعلى فلا يكون المتاع في الأرض هو الهدف والغاية. ولا ضير بعد ذلك من المتاع حين يملك إنسان نفسه، فلا يكون عبدا لهذا المتاع.

وإذا كان الذي يريد العاجلة ينتهي إلى جهنم مذمومًا مدحورًا، فالذي يريد الآخرة ويسعى لها سعيها ينتهي إليها مشكورًا يتلقى التكريم في الملأ الأعلى جزاء السعي الكريم لهدف كريم، وجزاء التطلع إلى الأفق البعيد الوضيء. إن الحياة للأرض حياة تليق بالديدان والزواحف والحشرات والهوام والوحوش والأنعام. فأما الحياة للآخرة فهي الحياة اللائقة بالإنسان الكريم على الله، الذي خلقه فسواه، وأودع روحه ذلك السر الذي ينزع به إلى السماء وإن استقرت على الأرض قدماه»119.

ونظير هذه الآيات من سورة الإسراء قول الله عز وجل في سورة الشورى: ( ﮝﮞ ) [الشورى:٢٠].

فيا لبعد الشقة بين من يريد الهدى والإيمان، ويعمل للآخرة، ويغرس فى مغارس الإحسان، فيزيد له اللّه سبحانه وتعالى فيما غرس، ويبارك عليه، ويضاعف له الجزاء أضعافًا مضاعفة، وبين من أعرض عن الآخرة، وعمل للدنيا، وغرس فى مغارسها، فأخذ ثمر ما غرس فى دنياه، واستوفى نصيبه منه، حتى إذا جاء إلى الآخرة، جاءها ولا نصيب له فى خيرها.

فما أشقى الذين يصرفون رغبتهم وسعيهم وعملهم في متع الحياة وشهواتها، غير ملتفتين إلى ما وراء هذه الدنيا، ولا منتظرين حسابًا ولا جزاء، فإذا كان يوم القيامة، وبعثوا من القبور، وسيقوا إلى الحساب والجزاء، فهنالك يرون سوء مصيرهم، وأنهم قد جاءوا إلى هذا اليوم مفلسين، لأنهم لم يعملوا له عملًا قال الله تعالى: ( ﭿ ﮍﮎ ) [هود:١٥-١٦].

موضوعات ذات صلة:

السعادة، اللعب، اللهو، الموت، اليوم الآخر


1 مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/١٢٢.

2 القاموس الفقهي، سعدي أبو جيب ص١٠٩.

3 التحقيق في كلمات القرآن الكريم، المصطفوي ٢/٣٩٥-٣٩٦.

4 المنهاج شرح صحيح مسلم، النووي ٢/٥.

5 التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص ١٤٩.

6 التعريفات، ص ٨٣.

7 المفرادات، الراغب الأصفهاني ص ١٣٨-١٣٩.

8 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي ص٢٢٣- ٢٢٥.

9 انظر: الوجوه والنظائر، مقاتل بن سليمان ص٢٢٠- ٢٢٢، الوجوه والنظائر، الدامغاني ص١٨٦- ١٨٨، نزهة الأعين النواظر، ابن الجوزي ص٢٥٣، ٢٥٤.

10 مقاييس اللغة ابن فارس٥/٤٧٩.

11 الوَرِق -بكسر الراء-: الفضة مضروبة كانت أو غير مضروبة.

انظر: المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ص ١٠٢٦.

12 الفروق اللغوية، العسكري ص١٠٢.

13 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٣٥٣.

14 التحقيق في كلمات القرآن، المصطفوي ٨/٣٣٨.

15 مفهوم الحياة في القرآن والحديث، د. محمد الأحمدي ص ١٠٧.

16 مقاييس اللغة، ابن فارس ص٤٥٤.

17 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٠/٢٤.

18 تفسير المراغي ٤/١٧٦.

19 معالم التنزيل، البغوي ٤/٣٨٠.

20 الحياة في القرآن الكريم، أحزمي سامعون ١/٢٣٩.

21 في ظلال القرآن، سيد قطب ١ /٥٦.

22 تفسير المراغي، ٣ /٢٥٤.

23 التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ٤/٣٥٩.

24 الإيمان والحياة، يوسف القرضاوي ص ١٧٨.

25 في ظلال القرآن، سيد قطب ٦ / ٣٦٣٢.

26 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٩٤٧.

27 زهرة التفاسير، محمد أبو زهرة ٢/١١٣١.

28 عدة الصابرين، ابن القيم ص٣٣١-٣٣٢.

29 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥ /٢٧١١.

30 وفي بعض النسخ: كنفتيه، معنى الأول جانبه، والثاني جانبيه.

انظر: صحيح مسلم بشرح النووي ٩/ ٢٩٤.

31 أي: صغير الأذنين.

انظر: صحيح مسلم بشرح النووي ٩/ ٢٩٤.

32 أخرجه مسلم في صحيحه، أول كتاب الزهد والرقائق، ٤/٢٢٧٢، رقم ٢٩٥٧.

33 مفهوم الحياة في القرآن والحديث، د. محمد الأحمدي ص ٢٥٧.

34 لسان العرب، ابن منظور ٦/٤١٢٧.

35 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة، وصفة نعيمها وأهلها، باب فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة، رقم ٢٨٥٨.

36 التفسير المنير، وهبة الزحيلي ٤/١٩٤.

37 الكشاف، الزمخشري ١/٦٧٠.

38 خماسيات مختارة في تهذيب النفس الأمارة، فضل عباس ص٩٧.

39 الفروق اللغوية، العسكري ص ٢٥٤.

40 الأخلاق الإسلامية وأسسها، عبدالرحمن حبنكة ٢ / ٥٤٢.

41 التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم، إعداد نخبة من علماء التفسير وعلوم القرآن بإشراف د. مصطفى مسلم ٤ / ٢٩٦.

42 العواصم من الفتن في سورة الكهف، الشيخ عبد الحميد طهماز ص ٧٨ .

43 مقاييس اللغة ابن فارس، ٤/٤٨٠.

44 فتح القدير، الشوكاني ص ١٤٦٠.

45 مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/١٦٠.

46 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٧/٤٠٣.

47 التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ١٤/ ٧٧٥- ٧٧٦.

48 المفرادات، الراغب الأصفهاني ص٣٣١.

49 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب الغنى غنى النفس، رقم ٦٤٤٦، ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب ليس الغنى عن كثرة العرض، رقم ١٠٥١.

50 انظر: فتح الباري، ابن حجر ١١/ ٣٢٨-٣٢٩ .

51 جامع البيان، الطبري ١١ /٧١-٧٢.

52 إعلام الموقعين ٢ / ٢٧٤.

53 في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/ ١٧٧٥.

54 تفسير المراغي، ٥/٤٠٥.

55 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨ / ٢٤.

56 التفسير الحديث، محمد عزة دروزة ٩/٣٢٤.

57 التفسير القرآني للقرآن، عبدالكريم الخطيب ١٤ / ٧٧٧.

58 جامع البيان، الطبري ٩/ ٢٤٣.

59 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٤٣.

60 حياة البرزخ في ضوء الكتاب والسنة، شادي فوزي محمد بشكار ص٩٧-٩٨.

61 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب قوله تعالى: ( )، رقم ٤٦٩٩.

62 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في عذاب القبر، رقم ١٣٧٤.

63 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب بيان أن أرواح الشهداء في الجنة وأنهم أحياء عند ربهم يرزقون، رقم ١٨٨٧.

64 الروح، ابن القيم ص ٢٦.

65 المصدر السابق ص٢٤.

66 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧ / ١٤٦.

67 أخرجه أبو يعلى في مسنده، رقم ٦٦٤٤، وابن حبان في صحيحه ٣١٢٢ .

وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب رقم ٣٥٥٢.

68 جامع البيان، الطبري ١٦ / ١٩٨-٢٠٠.

69 المصدر السابق ٢١ /٦٠٣.

70 جامع البيان، الطبري ١١ / ٦٤٤.

71 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب الميت يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي، رقم ١٣٧٩، ومسلم في صحيحه، كتاب الجنة، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه، رقم ٢٨٦٦.

72 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في عذاب القبر، رقم ١٣٧٤، ومسلم في صحيحه، كتاب الجنة، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه، رقم ٢٨٧٠.

73 انظر: الكشاف ٤ / ٥٦٠.

74 جامع البيان، الطبري ١٨/ ٤٤٠.

75 حادي الأرواح، ابن القيم ١/٢٠٠-٢٠١.

76 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٦٣٥.

77 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧ /١٤٥.

78 الدر المنثور، السيوطي ٥ / ٦٥٨.

79 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب صبغ أنعم أهل الدنيا في النار، وصبغ أشدهم بؤسًا في الجنة، رقم ٢٨٠٧، عن أنس بن مالك.

80 تفسير سورة إبراهيم، يوسف القرضاوي ص ١٨٣.

81 المفردات، الراغب الإصفهاني ص ١٥٤.

82 لسان العرب، ابن منظور ٢ /١٢٢٥.

83 الكبش الأملح: هو الذي فيه بياض وسواد، وبياضه أكثر.

انظر: المنهاج شرح صحيح مسلم، النووي ١٧/١٨٥.

84 فيشرئبون: بالهمز، أي يرفعون رؤوسهم إلى المنادي.

انظر: المصدر السابق.

85 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب قوله تعالى: ( )، رقم ٤٧٣٠، ومسلم في صحيحه، كتاب الجنة، وصفة نعيمها وأهلها، باب النار يدخلها الجبارون، والجنة يدخلها الضعفاء، رقم ٢٨٤٩.

86 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١ /٢٥.

87 كلمة الحق في القرآن الكريم موردها ودلالتها، محمد الراوي ١/٣٩٨.

88 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤ /٦٠٠.

89 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٠ /١١٣.

90 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٨ /٢٢٨.

91 في ظلال القرآن، سيد قطب ٣ /١٣٨٧.

92 مفاتيح الغيب، الرازي ١٢ /٢١١-٢١٢، باختصار.

93 المصدر السابق ٢٠ / ١٨٣.

94 تفسير ابن باديس ص ٦٠.

95 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة، وصفة نعيمها وأهلها، باب إحلال الرضوان على أهل الجنة، فلا يسخط عليهم أبدًا، رقم ٢٨٢٩.

96 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧ / ٢٦١.

97 حادي الأرواح، ابن القيم ١ / ٢٠٣.

98 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٥ /٣١٧.

99 في ظلال القرآن، سيد قطب ٢ / ٨٥٤.

100 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب اللعان، رقم ١٤٩٣، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

101 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤ /٤٦٤.

102 مفاتيح الغيب، الرازي ١٩ /٥٩.

103 المصدر السابق ١٥ / ٤٧٣.

104 مجالس القرآن، فريد الأنصاري ١/٢٤٤.

105 أخرجه أحمد في مسنده، ١١/٢٦٠، رقم ٦٦٧٧، والترمذي في سننه، أبواب صفة القيامة، ٤/٦٥٥، رقم ٢٤٩٢، والنسائي في السنن الكبرى، كتاب الرقائق، ١٠/٣٩٨، رقم ١١٨٢٧.

قال الترمذي: هذا حديث حسن.

وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١٣٣٥، رقم ٨٠٤٠.

106 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١ /٣٢٨.

107 معارج التفكر ودقائق التدبر، عبدالرحمن حبنكة ١١/٦٩٣.

108 بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٢/٥٣٥-٥٣٦.

109 آل حميم، غافر وفصلت، دراسة في أسرار البيان، د. محمد محمد أبو موسى ص٣٧٢.

110 مقاييس اللغة، ابن فارس ١/١٢٦-١٢٧.

111 العقيدة في ضوء الكتاب والسنة، الجنة والنار، د. عمر الأشقر ص ٢١٥.

112 في ظلال القرآن، سيد قطب ١ /٣٧٥.

113 مجالس القرآن، فريد الأنصاري ٣ / ٦٨٩.

114 زهرة التفاسير، محمد أبو زهرة ٣/ ١٥٥٨-١٥٥٩.

115 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥ / ٢٧٠٥.

116 التفسير القرآني للقرآن، عبدالكريم الخطيب ١٤ / ٧٧٨.

117 الأمثال في القرآن، محمد جابر فياض ص٣٠٦.

118 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٥٣.

119 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤ / ٢٢١٨-٢٢١٩.