عناصر الموضوع
الحمد
أولًا: المعنى اللغوي:
يقول ابن فارس: «الحاء والميم والدال، كلمة واحدة وأصل واحد، يدل على خلاف الذم، يقال: حمدت فلانًا أحمده، ورجل محمود ومحمد: إذا كثرت خصاله المحمودة غير المذمومة»1.
ويقال: حمدت الرجل أحمده حمدًا: إذا رأيت منه فعلًا محمودًا، وأحمدت الأرض أحمدها إحمادًا: إذا رضيت سكناها أو مرعاها2.
ومن أسماء الله سبحانه وتعالى (الحميد)، أي: المحمود على كل حال، فعيل بمعنى مفعول3، ولهذا سمي نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم4.
ويقول العرب: حماداك أن تفعل كذا، أي: غايتك وفعلك المحمود منك غير المذموم، ويقال: أحمدت فلانًا: إذا وجدته محمودًا. قال الفرزدق:
فلم تجر إلا جئت في الخير سابقًا ولا عدت إلا أنت في العود أحمد5
ويستخلص مما سبق أن الحمد: الوصف بالكمال في الخصال الحسنة بحسب الموصوف، مع سلامتها من عارض الذم والعيب والنقص.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
ذكر الجرجاني عدة تعريفات لـ (الحمد) باعتبارات مختلفة، وهي:
الحمد: هو الثناء على الجميل من جهة التعظيم من نعمة وغيرها.
الحمد القولي: هو حمد اللسان وثناؤه على الحق بما أثنى به على نفسه على لسان أنبيائه.
الحمد الفعلي: هو الإتيان بالأعمال البدنية ابتغاء لوجه الله تعالى.
الحمد الحالي: هو الذي يكون بحسب الروح والقلب، كالاتصاف بالكمالات العلمية والعملية، والتخلق بالأخلاق الإلهية.
الحمد اللغوي: هو الوصف بالجميل على جهة التعظيم والتبجيل باللسان وحده.
الحمد العرفي: فعل يشعر بتعظيم المنعم بسبب كونه منعمًا، أعم من أن يكون فعل اللسان أو الأركان6.
ويجمع بين هذه التعريفات ما عرفه به ابن القيم بقوله: «إخبار عن محاسن المحمود مع حبه وإجلاله وتعظيمه»7.
فالمعنى الاصطلاحي لا يخرج عن معناه اللغوي؛ إذ كلاهما يدلان على إخبار عن محاسن المحمود.
وردت مادة (حمد) في القرآن الكريم (٦٨) مرة8.
والصيغ التي جاءت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
١ |
(ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [آل عمران:١٨٨] |
المصدر |
٤٣ |
(ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [الفاتحة:٢] |
اسم الفاعل |
١ |
(ﭑ ﭒ ﭓ) [التوبة:١١٢] |
اسم المفعول |
٥ |
(ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [الإسراء:٧٩] |
الصفة المشبهة |
١٧ |
(ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [البقرة:٢٦٧] |
أفعل التفضيل |
١ |
(ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الصف:٦] |
وجاء الحمد في الاستعمال القرآني بمعناه اللغوي، وهو: الثناء بالفضيلة9.
الشكر:
الشكر لغة:
هو عرفان الإحسان ونشره10. وقال الرازي: الشكر الثناء على المحسن بما أولاكه من المعروف11.
الشكر اصطلاحًا:
هو عرفان الإحسان، والاعتراف بالنعمة، وأداء ما يترتب عليه، والقيام بحق مسديها12.
قال ابن قيم الجوزية: «الشكر: ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده ثناءً واعترافًا وعلى قلبه شهودًا ومحبة وعلى جوارحه انقيادًا وطاعة» 13.
الصلة بين الحمد والشكر:
أولًا: مما تقدم يتبين أن الحمد لا يكون إلا باللسان، وأما الشكر فإنه يكون باللسان وغيره، ودليله قول الله سبحانه وتعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [سبأ: ١٣].
فالحمد من جهة ما يكون به أخص من الشكر.
ثانيًا: سبق البيان أن الحمد يكون على جميع أسماء الله وصفاته وأفعاله، وأما الشكر فإنه لا يكون إلا على النعم14.
فالحمد من جهة ما يكون عليه أعم من الشكر، فهما بينهما عموم وخصوص، كما قرره المحققون من أهل العلم15.
المدح:
المدح لغة:
هو وصف المحاسن بكلام جميل، يقابله الهجاء16.
المدح اصطلاحًا:
هو الثناء باللسان على الجميل الاختياري قصدًا17.
الصلة بين الحمد والمدح:
المدح يستعمل فيما يكون من الإنسان باختياره، ومما يصدر منه أو يجبل عليه ويكون فيه بالتسخير، فقد يمدح الإنسان على جمال هيئته، كما يمدح بحسن خلقه وسخائه وعلمه، والحمد يكون في الثاني ولا يكون في الأول18، وهذا باعتبار المخلوق بينما هو باعتبار الخالق فهو يكون في الصفات الذاتية والفعلية، وذلك أن صفات الله الذاتية والفعلية متعدية بالإنعام على من عبده.
لقد حمد الله سبحانه وتعالى نفسه في القرآن الكريم في مواضع كثيرة، على أمور متنوعة، منها:
أولًا: حمد الله لنفسه على ربوبيته العامة والخاصة:
أول ما حمد الله نفسه عليه في مفتتح كتابه العزيز: ربوبيته العامة.
قال تعالى: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [الفاتحة: ٢].
ثم نثر ذلك على بعض مظاهرها في ثنايا كتابه في سور متعددة، والأمر الذي قام الدليل على إثباته في فضل سور القرآن، هو أن أعظم سورة فيه هي الفاتحة، حيث جاء الحديث عن أبي سعيد بن المعلّى، قال: (كنت أصلّي في المسجد، فدعاني رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فلم أجبه، فقلت: يا رسول اللّه، إنّي كنت أصلّي، فقال: (ألم يقل اللّه: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الأنفال: ٢٤])، ثمّ قال لي: (لأعلّمنّك سورةً هي أعظم السّور في القرآن، قبل أن تخرج من المسجد). ثمّ أخذ بيدي، فلمّا أراد أن يخرج، قلت له: ألم تقل: لأعلّمنّك سورةً هي أعظم سورةٍ في القرآن، قال: ((ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [الفاتحة: ٢] هي السّبع المثاني، والقرآن العظيم الّذي أوتيته)19.
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: «اعلم أن هذه السورة اشتملت على أمهات المطالب العالية أتم اشتمال، وتضمنتها أكمل تضمن، فاشتملت على التعريف بالمعبود تبارك وتعالى بثلاثة أسماء، مرجع الأسماء الحسنى والصفات العليا إليها، ومدارها عليها، وهي: الله، والرب، والرحمن.
وبنيت السورة على الإلهية والربوبيّة والرحمة»20.
وهي أيضًا بمثابة الديباجة للقرآن، حيث حوت على وجازتها وجزالتها، عامة ما جاء في القرآن من معاني في آيات سبع، فكانت كل آية منها جامعة لما في بابها من المعاني، وأول هذه الآيات هي قوله: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [الفاتحة: ٢]21.
لذلك يمكن القول بأنها أجمع آية للمحامد كلها، فالله سبحانه وتعالى قد أثبت فيها الحمد لنفسه حالة كونه موصوفًا بربوبيته لكل مربوب، وهم العالمون وكل ما سوى الله عالم، والرب يطلق في اللغة على المالك، والسيد، والمدبّر، والمربّي، والقيم، والمنعم؛ والمتمم، ولا يطلق مفردًا إلا على الله عز و جل، وإذا أطلق على غيره أضيف، فقيل: رب كذا. ورب كل شيء: مالكه ومستحقه22.
فهو باعتبار اجتماع هذه المعاني كلها فيه، وبالنظر إلى آثارها في مخلوفاته يسلّم المتأمل، ويقر المتفكر بأنه حاز أعظم وأجل مراتب الحمد سبحانه وتعالى.
وتوحيد الربوبية عرّفه أهل العلم بأنه: «إفراد الله بأفعاله؛ من خلق، ورزق، وإحياء، وإماتة، وإعطاء، ومنع، وضر، ونفع...، إلخ»23، والأفعال بآثارها لا تنفك عن انصباغها بصفات فاعلها، والحاصل بعد ذلك أن الحمد على الربوبية، هو حمد عليها مطابقة، وعلى صفات صاحبها تضمنًا والتزامًا، وبهذا كانت هذه الآية هي أجمع آية لإثبات الحمد لله سبحانه وتعالى، خاصة أنها مبتدأ الكلام وافتتاحه، ولم تأت تعقيبًا على فعل بذاته، أو وصف بعينه، أو أمر مخصوص، فكان المراد منها الإطلاق على جميع الأفعال، وكامل الأوصاف، مما يوجب لله حق الألوهية، فبحمد الله جل جلاله في هذه الآية ثبتت حقوق الله جميعًا، ألا وهي: توحيده ربًّا، أي: في أفعاله، وتوحيده في أسمائه وصفاته، وتوحيده في ألوهيته.
الحمد على بعض مظاهر الربوبية العامة:
لاشك أن الله سبحانه وتعالى يحمد على كل فعل منه، وجميع أفعاله وصفاته فيها تربية لخلقه، إلا أن هناك آيات ذكر الله تعالى فيها بعض معالم ربوبيته، المستوجبة لحمده بما ذكر فيها أفعال كانت آثارها مستوعبة لجميع مخلوقاته، أو لجميع المكلفين على وجه التحديد، فمنها خلقه للسماوات والأرض، وجعله الظلمات والنور، وإنزال المطر، وإحياء الأرض به، وانفراده بالملك لخلقه، وأنه هو الذي بدأ الخلق ونوع وأبدع، وفرق وجمع، وجعل ملائكة رسلًا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع، ويرحم خلقه فينزل عليهم ما يخرج به قوتهم، بعد حصول قنوطهم، وهو رب السماوات ومن فيها، ورب الأرض ومن عليها، ورب العالمين أجمعين، وقد جاءت هذه المظاهر على وجه التخصيص في الآيات الواردة في كتاب الله عز و جل، كما سيبين في هذا المطلب إن شاء الله تعالى.
يقول سبحانه وتعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [الأنعام:١].
يحمد الله نفسه في هذه الآية على أنه خلق السموات والأرض، خصهما بالذكر؛ لأنهما أعظم مخلوقاته فيما يراه العباد وفيهما العبر والمنافع للعباد، وجعل الظلمات والنور، والجعل بمعنى الخلق، وقال الواقدي: «كل ما في القرآن من الظلمات والنور فهو الكفر والإيمان، إلا في هذه الآية فإنه يريد بهما الليل والنهار»، وقال غيره: «ويدخل في ذلك الإيمان والكفر، وظلمة القلب والوجه ونور القلب والوجه»24.
وفي الآية الآتية إلزام لهم بما أثبتوه من توحيد الربوبية على وجوب التسليم بتوحيد الألوهية، يقول سبحانه وتعالى: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [العنكبوت: ٦٣].
فأنت لو سألتهم من خلق السماوات والأرض، ومن نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها، ومن بيده تدبير جميع الأشياء؟ (ﯺﯻﯼ) وحده، ولاعترفوا بعجز غيره عن القيام بشيء من ذلك، فقل: الحمد لله، الذي خلق العالم العلوي والسفلي، وقام بتدبيرهم ورزقهم، وبسط الرزق على من يشاء، وضيقه على من يشاء؛ حكمة منه، ولعلمه بما يصلح عباده وما ينبغي لهم25.
ذكر الله سبحانه وتعالى عموم ملكه، وأن جميع ما في السماوات والأرض -وهذا شامل لجميع العالم العلوي والسفلي- أنه ملكه، يتصرف فيهم بأحكام الملك الكونية والشرعية والجزائية، وهو واسع الغنى، وأن أعمال الناس الصالحة لا تنفع الله شيئًا فهو غني عنهم، وعن أعمالهم، (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [لقمان: ٢٥- ٢٦].
ثم أخبر سبحانه وتعالى عن سعة حمده، وأن حمده من لوازم ذاته، فلا يكون إلا حميدًا من جميع الوجوه، فهو حميد في ذاته، وهو حميد في صفاته، فكل صفة من صفاته، يستحق عليها أكمل حمد وأتمه، لكونها صفات عظمة وكمال، وجميع ما فعله وخلقه يحمد عليه، وجميع ما أمر به ونهى عنه يحمد عليه، وجميع ما حكم به في العباد وبين العباد، في الدنيا والآخرة، يحمد عليه26.
(ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ) [فاطر: ١].
أثنى جل جلاله على نفسه بهذا الحمد العظيم، مقترنًا بكون مبدأ الخلق منه جل جلاله، وأنه جعل الملائكة رسلًا على هيئات متعددة، وذلك يدل على أن خلقه للسماوات والأرض، وما ذكر معه يدل على استحقاقه للحمد لذاته لعظمته وجلاله وكمال قدرته، لما في خلق السماوات والأرض من النعم على بني آدم، فهو بخلقهما مستحق للحمد لذاته، ولإنعامه على الخلق بهما، وكون خلقهما جامعًا بين استحقاق الحمدين المذكورين27.
يخبر الله سبحانه وتعالى أنه ينزل المطر على عباده بعد انتظاره مدة طويلة أورثتهم يأسًا من نزول المطر، حتى استحق التعبير عنه بالغيث بإزالته علامات اليأس والبؤس والشقاء عن وجوههم، لينشر بذلك المطر رحمته بما نتج عنه من الخيرات والبركات والأرزاق التي انتظروها بفارغ الصبر، (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [الشورى: ٢٨].
فهو سبحانه وتعالى الذي يتولى عباده بالإحسان والفضل والإنعام؛ وهذا لأن الله حميد في أفعاله وتصرفاته28، (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [الجاثية: ٣٦].
يخص الله سبحانه وتعالى نفسه بالحمد على أياديه على خلقه، فإياه فاحمدوا، وله فاعبدوا، فكل ما بكم من نعمة فهو مصدرها، وليس لأحد سواه في أدنى أثر أو فضل، فهو مالك السموات السبع، ومالك الأرضين السبع، ومالك جميع ما فيهنّ29.
الحمد على ربوبيته الخاصة وبعض مظاهرها:
إن الله سبحانه وتعالى الذي ربى جميع مخلوقاته بربوبيته العامة؛ لتستقيم الحياة الكونية على هذا النحو البديع، وكذلك كان شأنه مع الحياة الشرعية التي جعل لها ما تستقيم به، من إنزال الكتب المنظمة لحياتهم على وجه محكم، لا عوج فيها ولا ظلم؛ بحيث تنظم علاقاتهم مع كل من يتصلون به، وأرسل إليهم الرسل؛ ليقتدوا بهم، وليهتدوا بهديهم، ورعى من استجاب له رعاية خاصة يصلحون بها بحسب منازلهم، وأكرم أهل طاعته، وأهلك من عصاه، في الدنيا والآخرة، وقد جاءت هذه المظاهر مقرونة بالحمد في القرآن الكريم، بعد تتبع البحث لها على النحو الآتي:
١. حمد الله لنفسه على إنزال الكتب.
يحمد الله سبحانه وتعالى نفسه في آيات عدة من كتابه على نعمة هي من أجل النعم على عباده، بأن أنزل لهم الكتب التي تتحقق لهم بها المنافع في الدنيا والآخرة، وذلك أنّ ما وهبهم إياه بمقتضى ربوبيته العامة لا يكون نعمة إلا إذا عمل فيه بمقتضى ربوبيته الخاصة، فجاءت هذه الكتب متضمنة لإصلاح الحياة، من غير اعوجاج، (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ) [الكهف: ١] وعلى طريق واضح بيّن قويم، (ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﯣ) [إبراهيم: ١].
ولا يعلم حقيقة هذه الهداية إلا من أقبلوا على هذه الكتب وقرءوها، وتدبروا معانيها، وطبقوها واقعًا عمليًّا في حياتهم، فعاشوا بها الحياة الهانئة، (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [سبأ:٦].
بخلاف الذين أعرضوا عنها فإنهم لم يرفعوا بعلومهم الدنيوية رأسًا، وإن دالت لهم الدولة ساعة من الزمن، فهم على الباطل، والباطل لا يثبت بل هو مدموغ، وعاقبته إلى زوال، (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [فصلت: ٤١، ٤٢].
وأما هذه الكتب فما فيها من الباطل شيء، بل كل ما فيها حق وصدق وعدل ورحمة وحكمة من حكمة الحميد في أقواله وأفعاله وتشريعاته30.
٢. حمد الله لنفسه على إرسال الرسل.
يختم الله سبحانه وتعالى سورة الصافات بتسبيح نفسه وحمدها، بقوله عز وجل: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) [الصافات: ١٨٠-١٨٢].
وهي من السور التي تخصصت في بيان أحوال الرسل مع أممهم ما بين الإجمال والتفصيل القليل، وبيان ما أعقبهم الله على قيامهم بحقه وحق رسالته من توفيقهم، وإهلاك أعدائهم، وتمكينهم في الأرض، وحسن الثناء في الآخرين، وجزائه لهم بما جعله للمحسنين، وقد جعل السلام على المرسلين في خاتمة السورة واقعًا بين تسبيحه وحمده؛ إشارة إلى أن من مقتضيات تنزهه عن النقص وحمده بصفات الكمال؛ إرسال الرسل هداية للناس، وإقامة للحجة31، وقد حبا الله سبحانه وتعالى الرسل بصفات الكمال البشري الحميدة، الأمر الذي يؤهلهم لأن يكونوا قدوة للعالمين، وهو لم يرسلهم لحاجة به للخلق، بل هو غني عنهم، ولكنه غني حميد، فمع غناه عنهم لم يحرمهم من إرسال الرسل الذين يهدونهم إلى الحق، وهم على أحسن خلق، ولهم أحسن سيرة، وقد حمد نفسه على ذلك بقوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [الممتحنة: ٦]32.
٣. حمد الله لنفسه على فضله في إهلاك الكافرين.
يبين الله سبحانه وتعالى أنه أرسل رسلًا للأمم السابقة، فكذبوهم؛ فابتلاهم الله بالشدة والفقر والأمراض والعلل؛ لعلهم يلجئون إلى الله بالدعاء، ويؤمنون برسل الله ويصدقونهم، فما فعلوا!. ثم نهج معهم نهجًا آخر بأن بدّلهم مكان الفقر والشدة السعة في الرزق، ومكان المرض والأسقام الصحة والعافية؛ لعلهم يشكرون الله على نعمه، فما فعلوا!. فأمهلهم الله تبارك وتعالى مدة ثم قطع دابرهم وأهلكهم، يقول جل جلاله: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [الأنعام: ٤٢-٤٥].
وفي النصر والتأييد من الله لرسله بأن يقطع حجة الكافرين ويهلكهم من الربوبية الخاصة لأنبيائه وأوليائه ما حمد الله نفسه عليه، وهو للحمد أهل33.
ثانيًا: حمد الله لنفسه لإثبات الكمال له وحده:
١. حمد الله لذاته على كمال حياته، وتفرده بالألوهية.
الحياة الكاملة هي الحياة التي لا يعتريها نقص بنوم، أو مرض، أو موت، أو سآمة، أو أي عارض من عوارض النقص في حياة المخلوقين، وقد انفرد الله عز و جل به عن سائر الموجودات، يقول جل جلاله: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [غافر: ٦٥].
يثبت الله سبحانه وتعالى في هذه الآية الحياة الكاملة الدائمة لنفسه، وأن كل من عداه لهم أعمار محدودة، وأزمان معدودة، وآجال مكتوبة، تنتهي بها حياتهم، وأنه هو المتفرد بالألوهية حقًّا، وأن نسبتها لغيره زعم باطل، وذلك بما له من الحمد على كماله الذي لم يبلغه سواه، لا في ذاته ولا في صفاته34.
٢. حمد الله لذاته بتنزهه عن المثيل والشريك.
يضرب الله سبحانه وتعالى الآية التالية مثلًا لنفسه ولمن عبد من دونه برجلين: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [النحل: ٧٥].
أحدهما حر مالك لأمر نفسه ولماله يتصرف فيه كيف يشاء، ويأمر وينهى كيفما أراد، والآخر عبد مملوك هو وماله لسيده، ليس له من الأمر والنهي شيء، فالحر جعله الله مثلًا لنفسه -وله المثل الأعلى- والعبد مثلًا لمن عبد من دونه، فأيهما أكمل35، والفرق بينهما في الكمال هو دون الفرق بين الله ومخلوقاته بكثير، فالفرق بين الحر والعبد هو باعتبارات مقيدة من بعض الوجوه، ولكن الفرق بين الله ومخلوقاته مطلق، فالله له الكمال من كل وجه، والمخلوق ناقص من كل وجه.
مثل آخر ضربه الله لعبادة الله وحده، وعبادة الشرك به، يقول سبحانه وتعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الزمر: ٢٩].
فالله وحده أمره واحد، ونهيه واحد، وكله حكمة ورحمة، بخلاف الشركاء الذين لكل واحد منهم وجهة ورأي مختص به، وبذلك يكون لكل واحد فيهم أمر يختلف عن الآخر، ونهي لايتفق فيه مع غيره، ولهم أهواء ومصالح يتناحرون عليها، ولايعبئون لذلك بمصلحة من عبدوهم، وشأنهم على النقيض من أمر الله سبحانه وتعالى ونهيه36.
فالله غني عن ذلك؛ لذا فأوامره ونواهيه كلها في مصلحة العبد، ونفعها مردود عليه، يقول الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: (ياعبادي إنّكم لن تبلغوا ضرّي فتضرّوني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني)37، فمن كان هذا حاله فهو الكامل المستحق لأن يفرد في العبادة، وغيره على عكس ذلك.
ثالثًا: حمد الله لنفسه حمدًا ملء خلقه:
١. حمد الله لنفسه حمدًا يستغرق الزمان.
يحمد الله سبحانه وتعالى نفسه في هذه الآية، يقول فيها: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) [القصص: ٧٠].
حمدًا استغرق الزمان؛ وذلك لأنه هو الإله المتفرد بالألوهية على مدار الزمان، وأن الإفضال والإنعام فيه منه وحده لا شريك له، وأنه جعل الأولى مزرعة للآخرة، وهو الذي له الحكم في الآخرة لئلا يضيع عمل عامل في الدنيا فلا يحصل له الأجر في الآخرة، أويفلت طاغٍ أو ظالم في الدنيا فلا ينال جزاءه، وأن من أنكر ألوهيته في الدنيا فسيقر له بها في الآخرة38.
٢. حمد الله لنفسه حمدًا يستوعب المكان.
أثبت الله تعالى الحمد المطلق لنفسه في السماوات والأرض؛ لأن كل ما فيهما دال على كماله وجلاله واقتداره واتقانه دلالة ظاهرة، خضع كل ما في السماوات والأرض لأن يسبحوا له، طوعًا أو كرهًا.
يقول سبحانه وتعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [التغابن:١].
فاستحق بذلك أن يشهد لنفسه بالحمد صدقًا وعدلًا، وأن يعترف له بذلك كل شيء فيهما39.
٣. حمد الله نفسه حمدًا يشمل الزمان والمكان معًا.
يعلن الله جل جلاله أن الحمد ثابت لذاته، ومن موجبات ذلك ملكيته التامة لكل ما في السماوات والأرض، (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [سبأ:١].
وهو حمد ملء المكان، وممتد إلى انتهاء الزمان، لا منازع ولا شريك، فحمده كامل شامل قد ملأ المكان وأحاط بالزمان40.
٤. حمد الله لنفسه حمدًا مقرونًا بالتسبيح ملء المكان على مدار الأزمان.
يأمر الله سبحانه وتعالى عباده بتسبيحه في الأوقات الأربعة، ذكرها في آية من سورة الروم بقوله جل وعلا: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [الروم: ١٧-١٨].
وهذه هي الأوقات الممتدة على مدار النهار والليل41، وهذا على سبيل الإنشاء والطلب، وجعل جملة الحمد الخبرية متوسطة بين الأوقات المأمور بالتسبيح فيها؛ ليبين أنه ثابت ملء السماوات والأرض وفي كل وقت42؛ لما له من كمال الصفات وجميل الأفعال في كل زمان ومكان، فله الحمد حمدًا كثيرًا، وسبحانه وتعالى بكرة وأصيلًا.
أولًا: التمجيد والثناء:
حمد الله سبحانه وتعالى ذاته في آيات كثيرة، وكان لذلك الحمد موجبات عدة، منها:
١. حمد الله والثناء عليه بمقتضى أسمائه الحسنى، وتنزهه عن الولد والشريك والولي.
يأمر الله سبحانه وتعالى عباده في خواتيم سورة الإسراء أن يدعوه بأي اسم من أسمائه؛ لأنها الحسنى البالغة في الحسن غايته في ألفاظها ومعانيها، وهي معانٍ ذات دلالات متعددة، منها:
يقول سبحانه وتعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ) [الإسراء:١١٠-١١١].
فالقارئ لهاتين الآيتين يجد أن الله سبحانه وتعالى عقّب بحمد نفسه مع زيادة بيان لموجبات أخرى للحمد، وهي أنه لم يتخذ الولد؛ فالذي يتخذ الولد سيأتي عليه يوم ويكون مربوبًا لولده الذي سيقوم على رعايته والقيام على شئونه؛ لأن هذه هي سنة الأسرة، وأنه تنزه عن الشريك الذي يكون مماثلًا ومنازعًا لشريكه، وله سلطان يضاهي سلطانه، قد يحول بينه وبين أمر قضاه فلا يستطيع أن يمضيه، وأنه لا يحتاج إلى حليف يستنصر به من هزيمة قد تلحق به الذل، تعالى وتقدس ربنا عن كل عيب ونقص، وله الحمد المطلق والثناء كما أثنى على نفسه فليس أحد يستطع الثناء عليه بما هو أهله إلا هو45.
وهذا من دلائل كبريائه جل جلاله، «وتكبيره تعالى وتنزيهه يكون:
٢. حمد الله والثناء عليه بمقتضى تفرده بالملك الأبدي للموجودات.
يحمد الله نفسه في آية من كتابه على أن ما في السماوات والأرض كلهم له ملك وعبيد، يتصرف فيهم بحمده، حمدًا دائمًا مستمرًا لا ينقطع إلى يوم القيامة؛ لأنه في الآخرة، يظهر من حمده، والثناءعليه، ما لا يكون في الدنيا، فإذا قضى الله سبحانه وتعالى بين الخلائق كلهم، ورأى الناس والخلق كلهم، ماحكم به، وكمال عدله وقسطه، وحكمته فيه، حمدوه كلهم على ذلك، حتى أهل العقاب ما دخلوا النار إلا وقلوبهم ممتلئة من حمده، وأن هذا من جراء أعمالهم، وأنه عادل في حكمه بعقابهم47، يقول تعالى: (...ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [الزمر: ٧٥].
أما ظهور حمده لأهل الجنة فذلك لما يظهر لأهل الجنة من عظمة ربهم، وجلاله، وجماله، وسعة كماله حين يرونه، ما يوجب له كمال الحمد، والثناء عليه48، يقول الله عز وجل: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [سبأ: ١].
وأورد ابن جرير في تفسيره ما معناه: «أن الحمد التام الكامل كله للمعبود الذي هو مالك جميع ما في السماوات السبع وما في الأرضين السبع دون كل شيء سواه، لا مالك لشيء من ذلك غيره، فالمعنى: الذي هو مالك ذلك جميعه، وله الحمد التام الكامل في الآخرة كالذي هو له ذلك في الدنيا العاجلة؛ لأن كل من في السماوات والأرض في الدنيا هو الذي خلقهم وأوجدهم من العدم، وهو المتصرف فيهم، والمالك لهم ملكًا تامًّا خالصا دون ما سواه في عاجل الدنيا وآجل الآخرة، وهو الحكيم في تدبير خلقه، الخبير بهم وبما يصلحهم، وبما عملوا، وماهم عاملون، محيط بجميع ذلك»49.
٣. تمجيد الله بمقتضى غناه عن عباده.
يخاطب الله سبحانه وتعالى الناس جميعًا معلمًا إياهم ومعلنًا لهم بأنه خلقهم وهو غني عنهم، وذلك بأنهم فقراء محتاجون لمن يدبر أمورهم من كل وجه، (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [فاطر:١٥].
وليس أحد إلا الله عز و جل يقوم بهذا الأمر، فهم الفقراء بكل أنواع الفقر، وهو الغني بكل أنواع الغنى، محمود في غناه؛ ولولا ذلك لما تنعموا في هذه الحياة، ولما قامت للكافرين منهم قائمة كالذين خاطبهم موسى عليه السلام بهذا الخطاب.
يقول مولانا جل في علاه: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [إبراهيم: ٨].
وبيّن لهم أنه غني عن إيمانهم به وعبادتهم له، وإذا رأوا أنهم لا يحتاجون إلى الله بكونهم يرزقون، ويأكلون ويتمتعون بشتى أنواع الملذات، فما ذلك إلا لأنه حميد في غناه، يرزق ويعطي ويمد ويزيد، حتى وإن كفر به من خلقه من كفر، وكان رده على نبيه إبراهيم عليه السلام حين سأله أن يرزق من آمن من عباده ممن سكن البلد الحرام أنه سيرزق أيضًا من كفر منهم أيضًا.
وهذا ما جاء في قوله سبحانه وتعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑﰒ ﰓ ﰔ) [البقرة: ١٢٦].
وهذا من كمال حمده أنه مع قدرته على حرمانهم بسبب امتناعهم عن أداء ما أوجبه عليهم، لم يمنعهم ما أوجبه لهم على نفسه على سبيل الوعد، (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [التوبة: ١١١] سبحانه جل جلاله.
ثانيًا: الإنعام:
إن نعم الله سبحانه وتعالى أمر لا يطيق إحصاءه إلا الله جل جلاله، وقد توقفنا مع الآية التي جمع الله سبحانه وتعالى لحمده فيها كل ما يقتضيه الحمد، وهي قوله: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [الفاتحة: ٢].
وذلك أن تربية الله سبحانه وتعالى للعالمين جميعًا تشمل تربيته لهم بكل نعمة يحتاجون ليتم لهم التكيف والانسجام مع المحيط الذي يحيون فيه، سواء أكانت النعمة مادية أم معنوية، وبيان ذلك ما جاء في جواب موسى لفرعون حين سأله عن ربه، فقال عليه السلام كما جاء ذكره في القرآن: (ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ) [طه: ٤٩، ٥٠].
فقد أعطى كل شيء خلقه صورته وهيئته التي هي أليق به وأنسب له، وهداه للكيفية التي تناسب البيئة التي وجد فيها، وهذا من أعظم مظاهر الإنعام على كل المخلوقات؛ لذلك أخبر الله سبحانه وتعالى عن حالهم وانشغالهم بحمده عليه بقوله: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [الإسراء:٤٤].
إن هناك من الإنعام ما اختص الله به الناس دون غيرهم، ومنه ما فضل الله به بعض الناس على بعض؛ ولذلك نجد أنه يحمد نفسه عند ذكره لهذه النعم، أو أن من أكرمهم بها يحمدونه عليها على ما ستأتي الإشارة إليه، وسنجتهد في ترتيب الآيات بحسب فضل النعم المضمنة فيها من خلال نماذج نذكرها تقتضي حمد المنعم سبحانه وتعالى، وذلك فيما يأتي:
١. نعمة إنزال الكتب ذات الصراط المستقيم الذي لا عوج له.
يختم الله عز و جل الآية الأولى من سورة إبراهيم باسمه الحميد، بقوله سبحانه وتعالى: (ﭢﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [إبراهيم: ١]؛ ليكون فاصلة مناسبة لما ورد في الآية من ذكره لنعمة إنزال الكتب؛ التي يخرج الله بها الناس من ظلمات الكفر والضلال إلى نور التوحيد والرشاد، ليسيروا على صراط مستقيم، ينتهي بهم إلى رضا ربهم العزيز الحميد في إنعامه وإكرامه وجزائه.
وفي أول آية من سورة الكهف تقرير لما جاء في آية سورة إبراهيم، ولكن بصورة أخرى، ببيان استغراق المحامد كلها على إنزال الكتاب بدون عوج أو تعارض أو اختلاف، لا إبهام فيه ولا اضطراب، (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ) [الكهف: ١].
وذلك أن الاهتداء بهدي هذا الكتاب تستقيم عليه الحياة، بل والأرض والسماء وما فيهما، وبدون ذلك يكون الفساد، يقول سبحانه وتعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [المؤمنون:٧١].
فإن الحق الذي يجب عليهم أن يتبعوه، لا أن يتبع هو أهواءهم؛ هو ما كان فيه ذكرهم، ألا وهو القرآن، وإلا فإن السماوات والأرض وما فيهما سيكون فيه من الفساد بحسب إعراضهم عن الحق الذي في هذا الكتاب؛ لذلك فإن الساعة لا تقوم، ولا يأذن الله بخراب الدنيا حتى لا يبقى فيها من يؤمن بالله.
جاء في الصحيح عن عبد الرّحمن بن شماسة المهريّ، قال: «كنت عند مسلمة بن مخلّدٍ، وعنده عبد الله بن عمرو بن العاص، فقال عبد الله: لاتقوم السّاعة إلّا على شرار الخلق، هم شرٌّ من أهل الجاهليّة، لا يدعون الله بشيءٍ إلّا ردّه عليهم، فبينما هم على ذلك أقبل عقبة بن عامرٍ، فقال له مسلمة: يا عقبة، اسمع ما يقول عبد الله، فقال عقبة: هوأعلم، وأمّا أنا فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: (لا تزال عصابةٌ من أمّتي يقاتلون على أمر الله، قاهرين لعدوّهم، لايضرّهم من خالفهم، حتّى تأتيهم السّاعة وهم على ذلك)، فقال عبد الله: أجل، (ثمّ يبعث الله ريحًا كريح المسك مسّها مسّ الحرير، فلاتترك نفسًا في قلبه مثقال حبّةٍ من الإيمان إلّا قبضته، ثمّ يبقى شرار النّاس عليهم تقوم السّاعة)50.
فالحمد لله الذي أنزل كتابًا لا عوج له تستقيم به الحياة في الدنيا والآخرة.
يبين الله سبحانه وتعالى موقف من أنعم الله عليهم بنعمة العلم، أن الذي يجدونه ويقرون به أن ما أنزله الله على نبيه صلى الله عليه وسلم هو الحق، (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [سبأ:٦].
وهو الهدى إلى الصراط المستقيم، الذي فيه أقوم الطرق إلى حياة كريمة صحيحة مطمئنة، وأنه يعطي كل ذي حق حقه، فلا ظلم ولا هضم، ولا كذب ولا وهم.
قال عز وجل: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [الأنعام: ١١٥].
صدقًا في أخباره الماضية والمستقبلة، وعدلًا في أحكامه الدينية والدنيوية.
٢. نعمة العلم وتفضيل الله به الأنبياء على غيرهم من الناس.
يخبرنا الله في آية من كتابه عما آتاه الله نبيّين كريمين من أنبيائه وهما داود وسليمان عليهما السلام حيث أنعم الله عليهما بالعلم الذي جعل الله الحظ الأوفر منه للأنبياء.
يقول عز وجل: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [النمل:١٥].
وقد جعل الله العلم أنفس ما يتركونه من بعدهم، وهو الميراث الذي يستفاد من بعدهم، لا تركة لهم ينتفع بها سواه، قال صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقًا يطلب فيه علمًا سلك اللّه به طريقًا من طرق الجنّة، وإنّ الملائكة لتضع أجنحتها رضًا لطالب العلم، وإنّ العالم ليستغفر له من في السّموات، ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء، وإنّ فضل العالم على العابد، كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإنّ العلماء ورثة الأنبياء، وإنّ الأنبياء لم يورّثوا دينارًا، ولا درهمًا ورّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظٍّ وافرٍ)51.
وقد علما أن هذا الذي أنعم الله به عليهما من العلم هو أفضل ما ينعم به على إنسان؛ لذلك فقد حمدا الله على أن فضّلهما بهذا العلم على كثير من عباده المؤمنين الذين ليسوا بأنبياء.
٣. نعمة هداية التوفيق ومن ثم إلى الجنة.
بعد أن يدخل أهل الجنة الجنة، ويتنعموا فيها بسلامة الصدر من العلل التي كان يتنغص بها عموم المؤمنين بحكم طبيعتهم البشرية في الدنيا، وهو نعيم لا يعرف لذته إلا من بلغ من الخيرية مبلغًا، بحيث يترفع عن أن يتأذى بما يتأذى به سائر الناس من أنواع الأذى، إلا ما كان لأجل انتهاك حرمات الله، يقول الله سبحانه وتعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) [الأعراف: ٤٣].
وهو مقام سامٍ رفيع، قد بلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما انتقم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لنفسه إلّا أن تنتهك حرمة اللّه، فينتقم للّه بها)52، وخواص المؤمنين ممن سار على هديه متمسكًا بسنته على وجه الكمال، وهذا للصحابة منه النصيب الأوفر، بحيث لا يذكر بينهم إلا الهنات من خلافه، فإنه ربما وجد منهم الاختلاف على حكم شرعي قد اجتهدوا فيه؛ فربما وقع القتال بينهم في تطبيق حكم شرعي اجتهد كل فريق منهم عن دليل وهدى، وقصد للحق، لا اتباع للهوى، فلم يحملهم هذا على تكفير بعضهم بعضًا، فقد حفظوا لأنفسهم أعراضهم من أن ينتهكوها، وأموالهم من أن يستحلوها، مما يدل على أن الأمر لم يكن على خلاف دنيوي، ولا انتصار للنفس، وعلى هذا الطريق سار جمع من الأئمة الأعلام، كالإمام أحمد الذي ثبت في الفتنة؛ إلا أنه كان يدعو لولاة أمر المسلمين الذين وقع له الأذى على أيديهم، وصفح عنهم وعفا53، وما وجد في نفسه شيئًا إلا على من علم أنه لم يصدع بالحق عالمًا به، وكذا كان ابن تيمية رحمه الله مع خصومه، حين تمكن منهم، وقد كانوا لايألون جهدًا في التحريض عليه والتأليب عليه عند السلطان، ولما قدر عليهم عفا عنهم وصفح، وهذا بشهادتهم أنفسهم54، وكان يقول: «ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري، إن رحت فهي معي لا تفارقني، إنّ حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة»55.
وما كان ذاك منه إلا لسلامة صدره رحمه الله، وما نسبة الفرق بين هذه السلامة لما في الجنة، إلا كالفرق بين ثمر الدنيا وثمر الجنة، وما بلغوا تلك المنزلة التي حمدوا الله عليها إلا بهداية الرحمن التي أكرمهم بها.
٤. نعمة إقامة آياته الدالة عليه.
الحمد لله في الأولى والآخرة ومن جميع الخلق، خصوصًا أهل الاختصاص والصفوة من عباده، الذين كان رسول الله واحدًا منهم؛ على ما اختصهم به من رفعة الدرجات، وكمال القرب منه، وكثرة خيراته عليهم، سيريكم آياته أيها الناس عمومًا والمنكرين خصوصًا، فتعرفونها معرفة تدلكم على الحق والباطل، فلابد أن يريكم من آياته ما تستنيرون به في الظلمات، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حيّ عن بينة56، وما الله بغافل عما تعملون.
يقول سبحانه وتعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [النمل:٩٣].
وهذا تفضل من الله عز و جل، وإنعام على الخلق؛ ليتيسر لهم الهدى، وتقوم الحجة على المعاندين، ولتطمئن بالحق نفوس المؤمنين، كما جاء عن إبراهيم حين سأل الله أن يريه ما تطمئن به نفسه.
يقول الله سبحانه وتعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [البقرة: ٢٦٠].
فاستجاب الله جل جلاله له وأراه ما طلب منه رؤيته.
٥. نعمة نصر المرسلين والمؤمنين وإهلاك الكافرين.
يأمر الله نبيه نوحًا عليه السلام أن يشكر الله بالثناء عليه تعظيمًا وإجلالًا وفرحًا بفضله ورحمته؛ أن نجّاه من بطش قومه الذين استحبوا العمى على الهدى، ومن المعاناة التي كان يلاقيها هو ومن معه من المؤمنين استهزاءً وسخرية وإيذاءً في الدين والبدن57.
يقول سبحانه وتعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [المؤمنون: ٢٨].
وفي هذا من الإنعام ما لا يستشعره ولا يعرف قدره على الحقيقة إلا من جرب إيذاء أعداء الله لعباده الموحدين، أو شاهد أو سمع -وكان له قدرة على تصور صحيح- بالغ الأذى والألم الذي يجده المؤمنون جراء ذلك.
لطالما وجد المسلمون في أنفسهم من العجب من حال الكفار في تنعمهم على الرغم من كفرهم بالله، وإمعانهم في إيذاء أعداء الله، وقد كانت هذه الفتنة مما يترتب عليه انتكاس ضعاف النفوس، ما يوهن من عزم المؤمنين الذين لولا فضل الله عليهم لاتبعوا الشيطان، ومما يترتب عليه أيضًا التشكيك في طريق الإيمان، ثم ما أن يلبثوا أن يأتيهم الفرج من الله سبحانه وتعالى بإهلاك الظالمين؛ يقول الله سبحانه وتعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [الأنعام: ٤٥].
فهو أمر يوجب إثبات الحمد لله الذي لا يقضي أمرًا إلا لحكمة، ومن حكمته إمهال الظالمين، وتقليب أحوالهم ما بين ضراء وسراء لعلهم يعودون؛ وإن سبق في علمه عدم رجوعهم؛ فيفعل هذا لأجل إقامة الحجة عليهم، فالحمد لله على ما قضاه وقدره من تقليب الأمور، وتثبيت قلوب الموحدين58.
بعد أن أتم الله على نبيه النعماء بنصره وفتح مكة له، وأقر عينه بدخول الناس في دين الله عز و جل، وبين له أن مهمته أنجزت على أحسن حال، أمره الله سبحانه وتعالى أن يتوجه إليه حامدًا مستغفرًا؛ ليبلغ به هذا العمل الذي أراد الله أن يختم لنبيه به، فأنزل الله سورة النصر.
يقول الله عز وجل: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﮊ ﮋ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [النصر:١-٣].
يقول العلامة الشنقيطي رحمه الله: «وهنا قرن التسبيح بحمد الله، وفيه ارتباط لطيف بأول السورة وموضوعها، إذ هي في الدلالة على كمال مهمة الرسالة بمجيء نصر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين ولدينه، ومجيء الفتح العام على المسلمين لبلاد الله بالفعل أو بالوعد الصادق كما تقدم، وهي نعمة تستوجب الشكر ويستحق موليها الحمد، فكان التسبيح مقترنا بالحمد في مقابل ذلك وقوله: (ﮀ ﮁ)؛ ليشعر أنه سبحانه المولي للنعم»59.
وقد كان دخول الناس في دين الله قرة عين للنبي صلى الله عليه وسلم، فكم كان يحزنه إعراضهم، أما وقد أقر الله عينه بنصره على أعدائه، وانتشار الدين، فقد أوجب الله عليه أن يقوم بواجب حمده على هذه النعمة، وقد كان فيها إعلام النبي بإنجاز مهمته وأداء رسالته، فهو أيضًا إنعام آخر من الله يستوجب حمده عليه، وفيها إيذان بدنو أجل النبي صلى الله عليه وسلم وانتقاله إلى الرفيق الأعلى، وهو أمر يستدعي من النبي صلى الله عليه وسلم الإقبال على ما يحبه ربه سبحانه وتعالى من الأعمال، فأرشده تبارك وتعالى إلى الإقبال على التسبيح والحمد، ثناءً على الله، والاستغفار من القصور الذي يتلبس بالعمل بطاعة الله أداءً لشكر الله على نعمه.
٦. نعمة إنزال الغيث من السماء.
بين الله سبحانه وتعالى في مواضع كثيرة من كتابه ما يقر به الكفار الذين جحدوا حق التوحيد في الألوهية لله عز و جل، من أنه وحده هو الذي ينزل المطر من السماء، فيحيي لهم الأرض بعد موتها، فتصبح بعد أن كانت جدباء عديمة النفع مليئة بالخيرات التي يكون بها معاشهم، وهم مع ذلك لايعقلون أن تمام نفعهم لا يكون إلا بتوحيدهم لله ربهم60.
يقول سبحانه وتعالى: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [العنكبوت: ٦٣].
وهذه الآية جاءت في سياق الحديث عن رزق الله لعباده، فيكون الحمد فيها متعلقه إنعام الله عليهم بنزول الغيث، الذي يأتيهم بالماء الذي جعل الله منه كل شيء حي، وقد قرر كثير من المفسرين أن مقام الحمد هنا هو الحمد على قيام الحجة على الكافرين61.
وهو أمر يحتمله النص، لكن السياق الذي جاء فيه الحمد أقرب لأن يوجّه ذلك لما لله على الناس من إنعام بإحياء الأرض بالمطر الذي ينزله الله عليهم من السماء، وهم لو بذلوا كل ما بوسعهم وتوسلوا لآلهتهم لكي تأتيهم بشيء من هذا لعجزوا عن القيام به؛ فله الحمد على ذلك حمدًا كثيرًا، فهو الذي ينزل المطر الغزير الذي أيسوا من نزوله ليغيث الله به البلاد والعباد، من بعد قنوطهم منه وانقطاعه عنهم مدة، فظنوا أنه لا يأتيهم.
يقول المولى جل جلاله: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [الشورى: ٢٨].
وكانوا قد عملوا لذلك الجدب أعمالًا؛ فينزل الله الغيث وينشر به رحمته من إخراج الأقوات للآدميين وبهائمهم، فيقع عندهم موقعًا عظيمًا، ويستبشرون بذلك ويفرحون؛ وذلك أن الله هو الولي الذي يتولى عباده بأنواع التدبير، ويتولى القيام بمصالحهم دينًا ودنيا، فهو المحمود في ولايته وتدبيره62.
٧. نعمة الذرية الصالحة.
جاء الخبر عن إبراهيم عليه السلام وحمده ربّه لما أكرمه به من الذرية بعد أن بلغ من الكبر عتيًّا، وذلك بعد أن انقطعت أسبابها، فقد كبرت زوجته سارة حتى بلغت سنّ اليأس، قال الله سبحانه وتعالى: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [إبراهيم: ٣٩].
وقد كان طمعه انقطع بعد بلوغه من العمر مبلغًا ربما لا يولد لمثله فيه، فتأتيه البشرى به؛ وفي ذلك من الفرح والسرور أكثر مما في مجيء الولد المرتقب المتوقع مجيئه، وفيه من النعمة برعاية الولد لهما في حال ظنهما أن لا يكون لهما من يقوم على خدمتهما، وفيها أن هذين الولدين نبيان سيقومان بعده على دعوته التي جاء بها، وضحى من أجلها، الملة الحنيفية التي تنسب إليه، وفيها حصر النبوة في ذريته، ليصبح أبا الأنبياء63.
والحمد مطلقًا، لا يكون إلا لله عز وجل، ودليله قول الله سبحانه وتعالى: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [الفاتحة: ٢].
وقد اقترن الحمد بأل الاستغراقية التي تفيد استغراق جميع المحامد وجعلها لله جل جلاله وحده64. والحمد مقيدًا، يجوز في حق غيره كما سبق بيانه في المعنى اللغوي، ودليله قول الله عز وجل: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [آل عمران: ١٨٨].
فقد أنكر عليهم حبهم أن يحمدوا بما لم يفعلوا، ولم ينكر عليهم حب الحمد مطلقًا، يقول السعدي رحمه الله: «ودلت الآية بمفهومها على أن من أحب أن يحمد ويثنى عليه بما فعله من الخير واتباع الحق، إذا لم يكن قصده بذلك الرياء والسمعة، أنه غير مذموم، بل هذا من الأمور المطلوبة، التي أخبر الله أنه يجزي بها المحسّنين له الأعمال والأقوال، وأنه جازى بها خواص خلقه، وسألوها منه، كما قال إبراهيم عليه السلام: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ) [الشعراء: ٨٤]» 65.
وهو مما يجوز لغير الله سبحانه وتعالى، لكن بحسبه، فحمد الله يستلزم محبته وإجلاله وتعظيمه، وكذلك حمد الرسول يستلزم محبته وتوقيره وتعزيزه وإجلاله، وكذلك حمد الوالدين والعلماء وملوك العدل، وأما حمد الرب عبده فإنه يستلزم إعزازه لعبده، وإكرامه إياه، والتنويه بذكره، وإلقاء التعظيم والمهابة له في قلوب أوليائه66.
إذا تأملنا المواطن التي ورد فيها الحمد، ظهر أنه ورد في سبعة مقامات، على ما سيأتي بيانه:
أولًا: الألوهيةوالتوحيد:
إن الألوهية والتوحيد يتطلبان الحمد على عدة أحوال، وقد جاءت مقامات الحمد فيه على النحو الآتي:
١. الحمد في مقام التفرد بالألوهية.
الواجب أن يكون صاحب الحق في التأله وصرف العبودية واحد، فهذا ما يستقيم عليه الوجود، وبه ينتفي الاضطراب، يقول المولى عز وجل: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الأنبياء: ٢٢].
ولو أن الناس عملوا بمقتضى هذا المعنى، لما كانوا على هذه الحال التي يعيشونها، بل ولما بدا مثل هذا الفساد الذي ملأ السماوات والأرض، وما هو إلا ببعض ما كسبت أيديهم.
وفي ذلك يقول الله سبحانه وتعالى: (ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ) [الروم:٤١].
ويقول أيضًا: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [المؤمنون:٧١].
فلو اتبع الحق أهواءهم في زعمهم أن الآلهة متعددة لكان ذلك سببًا في فساد السماوات والأرض67؛ حيث استنكروا الدعوة إلى توحيد الله سبحانه وتعالى كما قال عنهم جل جلاله: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﮊ ﮋ) [ص: ٥].
فكان المقام الأول الذي يكون فيه الحمد هو كون الإله واحدًا، ألا وهو الله جل جلاله.
يقول سبحانه وتعالى: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) [القصص: ٧٠].
يحمد الله سبحانه وتعالى نفسه في هذه الآية على أنه هو الإله المتفرد بألوهيته بدلالة ما تقدم من تدبيره لخلقه، وانفراده بذلك، فلو كان غيره معه شريك في ذلك، لكان الحاصل أن لا يكون التدبير على ما ذكره، فلو أراد إهلاك قوم، ربما خالفه شريكه، ولو أراد نصر آخرين ربما خالفه، ولو صح وجود غيره لما صح تفرده بالكمال، ولصار في الوجود معبودان يتنازعان طاعة العباد، ولشق عليهم هذا الأمر مشقة بالغة68.
وقد ضرب الله سبحانه وتعالى لذلك مثلًا ليظهر للمتأمل ما فيه من حرج: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الزمر: ٢٩].
المثل المضروب هو لرجل مملوك لشركاء ذوي أخلاق سيئة، يتنازعون طاعته، ليسوا على وفاق، ورجل مملوك لرجل واحد، ليس له شريك لتحدث بينهما المشاكسة وما يؤدي إلى سوء الأخلاق، فهو واحد متفرد محمود في ذاته وأوصافه وأفعاله، فلا يمكن لعاقل أن يقول: إن حال العبد في الصورة الأولى كحال الثاني، لذلك فالذي يختار الموضع الأول للعبد ليكون على حاله، لا يمكن أن يدرج في عداد العلماء69.
وفي الصورة الثانية يأتي بالحمد على ألوهيته التي تفرد بها ما يدعو العاقل للاستسلام لها، وهذا في قوله جل جلاله: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [غافر: ٦٥]؛ لأنه يتصف بكمال الحياة المستلزم لكمال الصفات، ويأمر عباده أن يخلصوا له في عبادته، وجاء بعبادة هي من أحب العبادات إليه، ألا وهي الدعاء، حيث جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إنّ الدّعاء هو العبادة)70.
وهي سلاح العبد الذي إذا ما تسلح به كفي في كل ما يصلحه، وذلك بعد بيان فضله على الموجودات عامة والإنسان خاصة في الآيات السابقة لهذه الآية؛ مما يدعو السامع ليطمئن لإفراده لله بالعبادة71.
٢. الحمد في مقام الربوبية المطلقة.
تقدم الحديث عن ربوبية الله المطلقة، وهو أمر إذا ما تأمله القارئ في كتاب الله عز و جل يعلم أنه مقام عظيم من مقامات الحمد، وذلك بالتفكر في إحكام الله لهذ الخلق العظيم، في خلقه وتدبيره وحفظه، يستحق استغراق المحامد كلها لهذا الرب العظيم؛ لذا افتتح كتابه بهذه الآية: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [الفاتحة:٢].
فله الحمد التام، وإن عميت بصائر وطمست أبصار، فذهبت تسوي بين من كانت ربوبيته على هذه الحال، وبين سواه من خلقه، قال سبحانه وتعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [الأنعام:١].
سبحانه وتعالى، وله الحمد والجلالة، على عظمته وقدرته وكماله.
٣. الحمد في مقام تفرده بالقدرة الكاملة.
بأسلوب ضرب المثل مرة أخرى ينبه الله عباده على المعادلة الصحيحة بالقياس الصحيح لاختيار المعبود، ولكن بالمقارنة بين قدرتين، الأولى صاحبها عاجز ضعيف لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، وهو عالة على غيره، والثاني قادر نافع لنفسه، ويجري نفعه على غيره، فالفرق بينهما عظيم، وقد تساويا في الأصل والذات والهيئة والصورة، فكيف إذا افترقا في ذلك، بل الفرق بينهما من وجوه لا حصر لها72.
يقول سبحانه وتعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [النحل: ٧٥].
وبعد المثل يقرر النتيجة الصحيحة للمعادلة بأن له الحمد، وأن غيره لا يستحق أن يذكر، ومن قبل غير هذا فهو من جنس من حرموا العلم النافع.
٤. الحمد في مقام تفرده بالأسماء الحسنى، وانتفاء الولد والشريك والولي.
تقدم الحديث عن هذه الأسباب لإثبات الحمد له جل جلاله؛ فإن له الأسماء الحسنى التي لا يصح منها للمخلوق إلا ألفاظها، وليس إلا في بعضها، أما من جهة المعاني، فلا مماثلة ولا تشابه ولا تناظر، وهو الغني عن الولد اختيارًا لا اضطرارًا، كما لا يرقى إلى مشاركته في شيء أحد، ولا يستنصر بأحد من ذلة، وإن أمر عباده بنصره، فهذا على سبيل التكليف والابتلاء مع غناه عنهم، وهو الذي له التكبير المطلق وجوبًا على عباده، لما جاء من تأكيد ذلك بالمصدر، كما جاء في قوله سبحانه وتعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ) [الإسراء: ١١٠-١١١].
٥. الحمد في مقام تنزهه عما نسب إليه من صفات النقص.
ختم الله سبحانه وتعالى سورة الصافات وهي من السور التي استعرضت أحوال الأنبياء مع أممهم بقوله: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) [الصافات:١٨٠-١٨٢]؛ ليرد سبحانه وتعالى بذلك على العقائد التي حملتها تلك الأمم، وجاءت الرسل لمحوها من وصف الله بما تنزه عز و جل عن الاتصاف به من صفات النقص، فنزه نفسه عمّا حوته عقائدهم، وأثنى على الرسل لما جاءوا به من العقائد الصحيحة في الله سبحانه وتعالى، وأثبت الحمد مطلقًا له جلّ جلاله73.
ثانيًا: إرسال الرسل وإنزال الكتب:
١. الحمد في مقام فضل الله بإرسال الرسل.
لم يخلق الله سبحانه وتعالى الخلق عبثًا ولم يتركهم سدى، بل خلقهم لمهمة عبادته، وأرسل لهم من يبصرهم بطريق الهدى، ليخرجوهم من ظلمات الجهل، وينقذوهم من دياجير ظلم النفس، فقد خلقوا جهالًا، والظلم قرين الجهل، كما جاء وصف الإنسان في القرآن: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [الأحزاب:٧٢].
فكان إرسال الرسل من أعظم ما يدل على عظمة الله وفضله وعدله؛ لذا كان أرسال الرسل مقامًا من المقامات التي يستحق الله الحمد عليها، قال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ) [النمل: ٥٩].
فالحمد لله، ومن معالم حمده في هذه الآية الرسل الذين أرسلهم سالمين من صفات النقص البشري، مبرئين من كل عيب74؛ ليرشدوا الناس إلى توحيد خالقهم، وبيان بطلان الشرك، وليكونوا لهم قدوة يتأسون بهم.
قال سبحانه وتعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [الممتحنة:٦].
وإنه لما لهذا الأمر من قدر عظيم في أفعال الله عز و جل، جعله مكتنفًا بالتسبيح والتحميد، مقدمًا له بالتسبيح، معقبًا عليه بالتحميد75، فقال سبحانه وتعالى: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) [الصافات:١٨٠-١٨٢].
٢. الحمد في مقام إنزال الكتب.
مهمة الرسل كما سبق هي التعليم، لكنها مهمة مؤقتة بوقت محدد وتنتهي، والناس بعد الرسل يحتاجون لما يرجعون إليه عند الحاجة لتبين الحق، فما الذي يلجئون إليه، هل تركهم الله حيارى؟! جلّ الله أن يكون منه مثل هذا؛ فإنه قد أنزل على رسله كتبًا ليحفظ الله لهم بها دينهم، وهم على ذلك ما حافظوا على هذه الكتب ولم يحرفوها أو يضيعوها، وهذا كان في الأمم السابقة، أما هذه الأمة فقد امتن الله عليها بأن تكفّل الله لها بحفظ كتابها من مثل هذا، لكن بقي لهم أن يحفظوه من الهجر والإعراض، والتصرف في المعاني على حسب الأهواء، فقد أنزل لهم كتابًا لا عوج له، قال سبحانه وتعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ) [الكهف:١].
وتكفّل لهم بالسلامة ما التزموا فيه الاستقامة، فقال جل جلاله: (...ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [طه: ١٢٣].
وحذرهم من فساد أحوالهم، إذا هم لم يتبعوه أفعالهم، في دنياهم وأخراهم، فقال: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [طه:١٢٤].
وأي ضنك بعد الضنك الناتج عن ورطة الإعراض عن الهدى وتنكب طريقه، والتخبط والحيرة والسعي في غير سبيله الموصل إلى المصالح، فلك الحمد ربنا على ما أنزلته؛ لتستقيم به معايشنا وحياتنا76.
ثالثًا: الخلق والتدبير:
١. الحمد في مقام الخلق.
أمرٌ أقر به المشركون، ألا وهو خلق الله لهذا الوجود.
يقول سبحانه وتعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [لقمان: ٢٥].
ولم يتمكن الجاحدون من إقامة الحجة على إنكاره؛ بل إن أنفسهم مستيقنة به.
يقول سبحانه وتعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [النمل:١٤].
فهو لقوة ثبوته، وشدة وضوحه أمر يدل على مقام الحمد لله تبارك وتعالى77.
٢. الحمد في مقام التدبير.
إن من رحمة الله عز و جل أن تكفّل لعباده بما لا يطيقونه من الأعمال التي لا تقوم الحياة إلا بها، ومن بعض هذه الأعمال، إنزال الماء من السماء78.
وهي أيضًا من القضايا التي يسلّم بها الكافرون، يقول سبحانه وتعالى: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [العنكبوت: ٦٣].
وهذا من كمال تدبيره لأمور عباده، مقام يتفرد بالحمد من كان له.
ومن تدبيره بعد أن فطر السماوات والأرض، أن خلق ملائكة مسخرة لطاعته بما كلّفهم به من الأوامر الشرعية التي يكون بها إصلاح العباد، والأمور الكونية التي يكون بها صلاح الكون على هيئات متباينة، كل بحسب ما أنيط به من مهام79.
فالحمد له الملك العلّام، كما قال في هذا المقام: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [فاطر: ١].
وإن تدبيره جل جلاله لا ينحصر في هذا الفعل، فهو المدبر للعالمين أجمعين كما يقول: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [الجاثية: ٣٦].
ومن تدبيره ما قد يخفى على كثير من خلقه، حيث يعتقدون أنهم هم القائمون به، فمنه ما يكون من التدبير المضاف إلى العباد، من قيامهم بالتصرفات، وهذا التدبير في حقيقته تدبير من الله80، يقول سبحانه وتعالى في بيان جواب موسى عليه السلام الذي ألهمه إياه عند سؤال فرعون له عن ربه: (ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ) [طه:٤٩-٥٠].
فالحمد لله أولًا وآخرًا، خالقًا ومدبرًا.
رابعًا: الرزق والإنعام:
١. الحمد في مقام الرزق.
إن حمد الله في مقام الرزق يأتي في سياق الحديث عن الرزق الذي تكفل الله سبحانه وتعالى به لخلقه جميعًا المكلف منهم والمسخر، المؤمن منهم والكافر، والناظر في ما يظهر من كيفية قيام الله سبحانه وتعالى بهذا الأمر لتصيبه الدهشة والحيرة، غير أن من آمن بالله سبحانه وتعالى وأسمائه وصفاته تزول دهشته؛ لما يعلم من عظمة خالقه وكرمه وإحسانه لعباده، وإن أساءوا إليه، لكنه جل جلاله قد أمر عباده بأداء ما أوجب عليهم، فمنهم القائم بها على وجه التسخير، وهذا لا ثواب له ولا عقاب؛ لأنه لا خيار له، وهناك من كان الأمر متعلقًا باختياره، وهؤلاء لا يكون الرزق الذي رزقهم الله إنعامًا عليهم من كل وجه، فإنما هو إنعام من جهة كونه سببًا في طول عمرهم؛ لعلهم يستكثرون من الخير، وهؤلاء هم المؤمنون القائمون بشكر الله على نعمه بطاعته فيما أمرهم به من القيام من الإنفاق والإحسان.
يقول عز وجل: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [البقرة:٢٦٧].
أو لعلهم يتوبون إلى الله إن كانوا من أهل العصيان، وهو إنعام عليهم من جهة أنه سبب في استمرار جنسهم، لكن لا تكون النعمة تامة به إلا أن يكون عونًا على طاعة الله، والقيام بحق شكرها81.
فقد يرزق الإنسان بالولد فيكون سببًا في هلاكه82، وبالمال فيكون سببًا في عطبه83، وبالزوجة فتكون سببًا في فساده84، وبالصحة فتكون سببًا في طغيانه85، وكذا في سائر ألوان الرزق86، إن لم يحسن تسخيرها لخدمته وإعانته على طاعة الله، وقد تقدم من ألوان الحمد ومقاماته ما يعدّ من باب رزق الله، في الحمد على ربوبية الله العامة في رزقه لجميع المرزوقين، وربوبيته الخاصة في رزقه لخواص عباده الذين آمنوا به.
٢. الحمد في مقام الإنعام.
إنعام الله على عباده مقام لا يطيق العباد القيام بحق شكره إلا أن يستجيبوا لله فيما كلفهم به، وهو شكر يسير بالنسبة لما تغمدهم الله به من مظاهر الإنعام، فنعم الله لا تحصى.
يقول سبحانه وتعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [النحل: ١٨].
فهي أعمال يطيقها من غير حرج ولا مشقة، وأقوال يقولها من غير كلفة ولا مؤنة، وإن عجز عن شيء أعاضه بما هو أهون منه سبحانه وتعالى من رب عظيم الإنعام على عباده، ولكن أكثرهم لا يعلمون، والأمر لا يمكن استعراض مظاهره، لكن التأمل في بعضها يكفي، وقد سبق الوقوف معه بشيء من التفصيل الموجز.
خامسًا: النصر والتأييد:
منذ خلق الإنسان وعدوه يتربص به، ويكيد له، ويقسم على إهلاكه، وهو عدو إن خلّي بينه وبين الإنسان، فإنه على ما توعد به لقادر، فهو يرى الإنسان هو وقبيله من حيث لا يراهم، لكن الله سبحانه وتعالى أخسأه، وخنّسه، وقهره، وأبلسه من مراده، وهذا العدو قد كثر أتباعه وجنوده وخيلهم ورجلهم، لكنهم أمام من كان الله معه قليل، وقد أخبرنا عن نوح أنه تحدى قومه ولم يكن له سلاح إلا التوكل على الله.
يقول سبحانه وتعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [يونس: ٧١].
فالله سبحانه وتعالى هو الولي الحميد، الذي لا يتخلى عن أوليائه، يقول سبحانه وتعالى: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [البروج:٨-١٠].
فقد توعدهم سبحانه وتعالى بجهنم وعذاب حريقها، وهو الذي لايعلم جنوده إلا هو، فجعل النصر حليفهم، والتأييد رديفهم، لو قاموا بما أرشدهم إليه.
١. الحمد في مقام التأييد.
ما جاء رسول إلى أمة من الأمم إلا كذبوه، ولكن الله سبحانه وتعالى أقام حجتهم على أقوامهم، فأيدهم بالمعجزات، فأفحم مناوئيهم، وأبهت معاديهم، وألجم معانديهم، وأعجز مخالفيهم، فله الحمد على صدقه وعده في تأييد أوليائه، وإن من أظهر الأمثلة على ذلك رسول الله إبراهيم عليه السلام، فكم من موقف قطع الله حجة أعدائه، حين كسر آلهة قومه، وحين مناظرة النمرود الذي أخبر الله عنها في قوله: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [البقرة: ٢٥٨].
وغيرها من المواقف التي أيد الله فيها إبراهيم، يقول سبحانه وتعالى: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [الأنعام:٨٣]87.
ومثل هذا كثير قد أيد الله عز و جل به رسله عليه السلام فكانت عاقبة المعاندين للحق قوله عز وجل: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [الأنعام: ٤٥]88، وإن من تأييد الله لرسله بإقامة الحجة على مخالفيهم قطع لدابر القوم الذين ظلموا، فالحمد لله على كمال نصره لأوليائه بكل ألوان النصر والتأييد.
٢. الحمد في مقام النصر.
عجز أعداء الله وأعداء أوليائه عن تكذيبهم، وهذا مثال لأمة من هذه الأمم أمة فرعون.
يقول سبحانه وتعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [المؤمنون: ٤٤].
ولم يكتفوا بمجرد التكذيب، بل طغوا وبغوا سعيًا في ردهم عن دينهم، يقول سبحانه وتعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [غافر:٢٣-٢٦].
فشنوا حروبهم، بشتى صنوفها، النفسية، والإعلامية، والسياسية، والاقتصادية، والعسكرية، ولم يتركوا ميدانًا إلا ورفعوا فيه لواء حربهم على أهل الحق، ومن نصر الله فإن الله عز و جل ناصره89.
يقول وهو أصدق القائلين: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [غافر:٢٢].
وهذه سنة لله ماضية، لكن ربما لم يأت النصر على ما يريده أولياء الله من العجلة، فيتأخر؛ وما ذاك إلا لأن الله سبحانه وتعالى يعلم ما لا يعلمون، وإن في صبرهم على تأخره من الأجر الذي لو علموه لفرحوا بالابتلاء أكثر من فرحهم بالعافية90.
ولكن حكمة الله تقتضي أن يحجب عنهم ليسعوا في رفع البلاء، وإعمار الأرض الذي كلفهم الله به من القيام بألوان الطاعات ما بين صبر على الضراء، وشكر على السراء، ثم يأتيهم النصر في وقت لو تقدم عليه لما قرت أعين المؤمنين بما تقر به حين يأتي في وقته الذي وقّته الله له91.
وكذلك ما كان من نصر نبينا صلى الله عليه وسلم، يقول الله سبحانه وتعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [النصر:١-٣].
فالحمد كل الحمد، لله الذي يأتي بنصره في أنسب أوقاته، وأحسن هيئاته.
سادسًا: الهداية:
الهداية التي من الله على ضربين: هداية الدلالة والإرشاد، وهي هداية لجميع المخلوقات، فمنها ما يكون بالتسخير92، وهي شاملة لكل الأحياء والجمادات، قال الله سبحانه وتعالى: (ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ) [طه:٥٠].
ومنها ما يكون بالتخيير، وهي خاصة بالمكلفين من خلقه، وذلك بهداية الدلالة والإرشاد، وهداية أخرى غيرها هي هداية التوفيق والسداد، وكل منهما لها مقامها الذي يحمد الله عليه.
١. الحمد في مقام هداية الدلالة والإرشاد.
والهداية التي وردت في مقام الحمد هي الهداية التي يستوي فيها جميع من بلغتهم الرسالات، ونزلت عليهم الآيات البينات، بالهدايات الواضحات، ليخرجهم مولاهم من درك الظلمات، ووحل الضلالات، إلى طرق السعادة والكمالات، فله بذلك الفضل والمنة، لكن العباد منهم من لم يرفع بذلك رأسًا، ولم يزكّ بها نفسًا، وهذا أمر يذم عليه من أعرض عن رحمة ربه، ورفض أن يكون من أهل حزبه.
إنها الهداية التي تمثلت بإرسال رسله، وإنزال كتبه، وبإقامة الآيات في الأنفس والآفاق على تقرير ما فطرهم عليه، ودعاهم إليه، وقال سبحانه وتعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [النمل:٩٣].
لكن هذه لهداية وحدها وإن كانت كافية في بيان الحق، إلا أنها ليست التي تحصل بها النجاة والفوز والفلاح، يقول سبحانه وتعالى في بيان شأن أمة من الأمم التي هداها الله بهذه الهداية: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [فصلت: ١٧].
فالحمد لله على بيان الحق93، بأوضح الآيات، وأظهر المعجزات، إلا أن هناك مقامًا آخر للحمد على الهداية التي كانت سبب الخيرات.
٢. الحمد في مقام هداية التوفيق والسداد.
وهي التي يقول الله سبحانه وتعالى فيها: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [الأعراف: ٤٣].
فهي الهداية إلى سعادة الدارين، فالقائلون أهل الجنة بعد دخولها في الدار الآخرة، وأما عن حالهم في الدنيا فهم الذين ظفروا بالحياة الطيبة كما وعد الله: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [طه: ١٢٣].
فالحياة الخالية من الشقاء والضلال هي الحياة الطيبة؛ وما بلغوها إلا لأنهم وفّقوا للقيام بأسبابها من الإيمان والأعمال الصالحات.
يقول سبحانه وتعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [الحج: ٢٤].
وقد حازها من هذه الأمة الذين قال الله فيهم: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [محمد: ٢].
إنها هداية التوفيق والسداد من الله عز وجل، إنه فضل الله سبحانه وتعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [يونس: ٥٨].
وهو أعظم فضل على العبد ليقوم بحمد الله عليه، مع غيره من الإفضال94.
سابعًا: الإثابة والجزاء:
ما أعظمها من غاية ينالها من حبسوا أنفسهم عن ملذات الدنيا وشهواتها، وصبروا على طاعة الله، وعن معصية الله، وعلى أقدار الله، لينجز الله لهم وعده الذي آمنوا به، وعملوا من أجله.
يقول الله سبحانه وتعالى عنهم: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [الزمر:٧٤].
فقد فتح الله عليهم، وهداهم إلى خير القول في الآخرة، كما هدوا إلى مثله في الدنيا95.
فله الحمد على ما أنجزه لهم من الوعد الذي قد جاءتهم به الرسل، ويخبرنا الله عن حالهم بقوله: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) [الأعراف:٤٣].
نعيم دائم، وثواب طمعوا بتحصيله، ففاق الذي وجدوه ما توقعوه96، فصار مفتتح كلامهم بالتسبيح الذي ألهموه، أحشاؤه سلام عليهم وفيهم وبينهم، وأعلاه وأرقاه حمدهم لربهم جل في علاه97.
وهذا الخبر عنهم جاء في قول الله: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [يونس:١٠].
وقد بين حالهم النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه جابرٌ، قال: سمعت النّبيّ صلى الله عليه وسلم، يقول: (إنّ أهل الجنّة يأكلون فيها ويشربون، ولايتفلون، ولا يبولون، ولا يتغوّطون، ولا يمتخطون، قالوا: فما بال الطّعام؟ قال: جشاءٌ ورشحٌ كرشح المسك، يلهمون التّسبيح والتّحميد، كما تلهمون النّفس)98.
فمقام التسبيح والتحميد مقام يقتضي الطهارة، وهم في تلك الحال في أطهر مكان وهو الجنة، وعلى أطهر حال، فلا نجس ولا قذر، فلا أجمل ولا أبهى مما هم عليه، فيتأهلون لتلك الرتبة، ويلهمون ما يحبه ربهم منهم ليزدادوا من فضله99، ويتنعموا برضوانه، والحمد لله رب العالمين في هذا المقام حمدًا حتى يرضى، على ثوابه الذي به أهل الجنة أرضى.
أولًا: الله الحامد الأعظم:
القرآن الكريم مليء بحمد الله عز وجل لنفسه، نحو قوله تعالى: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [الفاتحة: ٢].
وقوله عز وجل: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [الأنعام:١].
وغير ذلك من الآيات التي سبق ذكرها.
ثانيًا: الملائكة عليه السلام:
الملائكة الكرام أكثر المخلوقات تسبيحًا وتحميدًا لله عز وجل.
يقول سبحانه وتعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [غافر: ٧].
ويقول جل جلاله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [الزمر: ٧٥].
وإن تسبيحهم لله وتحميدهم له بالنسبة لهم، كالطعام والشراب والنفس بالنسبة للإنسان، بل إنهم قد ألهموا القيام به100، كأنما هو عمل غريزي لا كلفة فيه، ولا يتودّع لسواه، يلتزم ولا يصدر عنه، ولا يترك لعداه، فهو نعيمهم وكمال لذتهم أن يقوموا بعبادة المولي به.
ثالثًا: الأنبياء عليهم السلام:
شواهد القرآن على حمد الأنبياء لربهم كثيرة، وقد جاءوا موصوفين بالحمد بصور مختلفة، فهم أهل الطاعة والاستجابة لأوامر الله سبحانه وتعالى.
فجاءت صفتهم على أنهم مأمورون به.
وقد وردت هذه الصفة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، قال الله سبحانه وتعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [النصر:٣].
وجاءت لنبي الله نوح عليه السلام في قوله سبحانه وتعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [المؤمنون:٢٨].
وجاءت بصيغة الإخبار عن نبيّين كريمين قال الله فيهما: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [النمل:١٥].
وكذلك لنبي الله موسى عليه السلام: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [إبراهيم: ٨].
وهذه أمثلة لما جاء من حمد الأنبياء والرسل لربهم، وإن كانت حالهم دوام الحمد، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا رأى ما يحبّ قال: (الحمد للّه الّذي بنعمته تتمّ الصّالحات)، وإذا رأى ما يكره قال:(الحمد للّه على كلّ حالٍ)101.
رابعًا: المؤمنون:
ومن جملة الحامدين: المؤمنون.
وقد ساروا على طريق الأنبياء، حتى استحقوا المدح والثناء بذلك، فقد أثنى الله عليهم في كتابه بقوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ) [التوبة: ١١٢].
وقد جاء في الثناء عليهم بيان أن من أبرز عباداتهم الحمد، حيث ذكرها أولًا، فالحمد صفة لازمة لهم، كما كانت للأنبياء عليه السلام أو غالبة على حالهم102، بحسب ما تقتضيه مقاماتهم، بينما العبادات الأخرى لها أوقات وأحوال خاصة، تؤدى فيها، أما الحمد فهم يحمدون الله قيامًا وركوعًا وسجودًا، ومجاهدين، وهم تاركون لما حرم الله، حافظون لحدوده، وهم قيام وهم نيام، وفي كل حال.
وعندما يدخل المؤمنون الجنة، يحمدون ربهم، مستشعرين عظيم إنعامه عليهم، حين يجدون ما وعدهم به.
يقول الله عنهم: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [الزمر:٧٤].
فهم في هذه الحال قد بلغوا مأمنهم الذي يرجونه، وتحقق لهم النعيم الذي كانوا يسألونه103.
خامسًا: سائر المخلوقات:
السماوات السبع وما حوين، والأرضون السبع وما طوين، بل كل مخلوق يسبح بحمد الله عز وجل 104.
يقول جل جلاله: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [الإسراء: ٤٤].
وهذا التسبيح وهذا الحمد على الحقيقة، ولكن الإنسان بما أوتي من أدوات للإدراك عاجز عن فقه هذا التسبيح105، فالله يقول: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) ولم يقل: لا تسمعون أو ترون.
موضوعات ذات صلة: |
الاستغفار، التسبيح، الذكر، الذنب، الشكر، المدح |
1 مقاييس اللغة ٢/ ١٠٠.
2 انظر: جمهرة اللغة، ابن دريد ١/ ٥٠٥.
3 انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير ١/٤٣٦.
4 انظر: الصحاح، الجوهري ٢/ ٤٦٧.
5 لسان العرب، ابن منظور ٣/ ١٥٨.
6 التعريفات ص٩٣.
7 بدائع الفوائد، ابن القيم ٢/ ٩٣.
8 انظر: المعجم المفهرس الشامل لألفاظ القرآن الكريم، عبد الله جلغوم، باب الحاء، ص٤٥٣-٤٥٤.
9 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/١٠٠، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٢/٤٩٩.
10 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ١٠/١٠.
11 مختار الصحاح ص ٣٤٤.
12 انظر: العين، الفراهيدي ٥/ ٢٩٢، جمهرة اللغة، ابن دريد ٢/ ٧٣٢، الصحاح، الجوهري ٢/ ٧٠٢، المخصص، ابن سيده ٣/ ٤٢٤.
13 مدارج السالكين ٢/٢٤٤.
14 انظر: غريب القرآن، ابن قتيبة ص٢٠.
15 انظر: تفسير القرآن، أبو المظفر السمعاني ١/ ٣٥، الكشف والبيان عن تفسير القرآن، الثعلبي ١/ ١٠٨، الكشاف، الزمخشري ١/ ٨، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/ ١٢٨.
16 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/ ٣٠٨، العين، الفراهيدي ٣/ ١٨٨.
17 التعريفات، الجرجاني ص١١٦.
18 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص٢٥٦.
19 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب ما جاء في فاتحة الكتاب، ٦/ ١٧، رقم ٤٤٧٤.
20 التفسير القيم، ابن القيم ص١١.
21 وردت هذه الجملة في مواضع أخر من كتاب الله تعالى؛ فوردت في سور: الأنعام: ٤٥، يونس: ١٠، الصافات: ١٨٢، الزمر: ٧٥، غافر: ٦٥، وقد جاءت في معرض التعقيب على مظهر من مظاهر الربوبية كما سيأتي بيانه لاحقًا.
22 انظر: العين، الفراهيدي ٨/ ٢٥٦، الزاهر، أبو بكر الأنباري ١/ ٤٦٧، الصحاح، الجوهري ١/١٣٠، مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/٣٨٢، لسان العرب، ابن منظور ١/٤٠٠، تاج العروس، الزبيدي ٢/٤٥٩.
23 المفيد في مهمات التوحيد، عبدالقادر بن محمد عطا صوفي ص٦٣.
24 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٢/ ١٠٨.
25 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٣٥.
26 انظر: المصدر السابق ص٦٥٠.
27 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٦/ ٢٧٦.
28 انظر: التفسير الوسيط، الطنطاوي ١٣/ ٣٦.
29 انظر: تفسير المراغي، ٢٥/ ١٦٧.
30 انظر: تفسير القرآن، السمعاني ٣/ ١٠٢، إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٧/ ١٢٠، فتح القدير، الشوكاني ٤/٥٩٥، أيسر التفاسير، الجزائري ٣/٢٣٦.
31 انظر: روح المعاني، الألوسي ١٢/ ١٥٠، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٣/ ١٩٨، التفسير المنير، الزحيلي ٢٣/ ١٥٨.
32 انظر: نظم الدرر، البقاعي ١٩/ ٥٠٥، محاسن التأويل، القاسمي ٩/ ٢٠٦، التفسير الواضح، الحجازي ٣/ ٦٥٩.
33 انظر: جامع البيان، الطبري ١١/ ٣٦٤، معالم التنزيل، البغوي ٢/ ١٢٤، إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٣/ ١٣٤، محاسن التأويل، القاسمي ٤/ ٣٦١، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٢٥٦.
34 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/ ٥٦٧، محاسن التأويل القاسمي، ٨/ ٣١٨، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٤/١٩٢، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٧٤١، التفسير المنير، الزحيلي ٢٤/ ١٥٤.
35 انظر: جامع البيان، الطبري ١٧/ ٢٦٢، أنوار التنزيل، البيضاوي، ٣/ ٢٣٤، درء تعارض العقل والنقل، ابن تيمية ٨/ ٥٢٨، الأمثال في القرآن، ابن القيم ص٢١.
36 انظر: جامع المسائل، ابن تيمية ٦/١٧٧، الأمثال في القرآن، ابن القيم ص٥٤، الأمثال القرآنية، الجربوع ١/٩٥.
37 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الآداب، باب تحريم الظلم، ٨/ ١٦، رقم ٦٦٦٤.
38 انظر: الهداية الى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ٨/ ٥٥٦٦، إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٧/ ٢٣، تفسير المراغي،٢٠/٨٧، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٠/١٦٧، التفسير الميسر، مجموعة من العلماء ص ٣٩٣.
39 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٥/ ٢٨٠، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٨٦٦، التفسير الواضح، الحجازي ٣/ ٦٨٤، أيسر التفاسير، الجزائري ٥/ ٣٦٠.
40 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٤/ ٢٤١، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/ ٤٩٤، نظم الدرر، البقاعي ١٥/ ٤٢٩.
41 ولهذه الآيات التي ورد الحمد فيها معتبرًا للزمان والمكان نظائر سنوردها في مواضع أخر.
42 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٧/ ٥٤، روح المعاني، الألوسي ١١/ ٢٩، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢١/ ٦٦.
43 انظر: القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى، ابن عثيمين ص١١.
44 انظر: جامع البيان، الطبري ١٧/٥٨٠، محاسن التأويل، القاسمي ٦/ ٥٢٢.
45 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٠/٣٤٥، لباب التأويل، الخازن ٣/ ١٥٠، فتح القدير، الشوكاني ٣/ ٣١٧.
46 تفسير المراغي، ١٥/ ١١١.
47 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٧٣١.
48 انظر: فتح البيان، القنوجي ١١/ ١٦١، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٧٤، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٢/ ١٣٥، التفسير الوسيط، الطنطاوي ١١/ ٢٦٢.
49 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٠/ ٣٤٦.
50 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الأمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خالفهم، ٣/١٥٢٤، رقم ١٩٢٤.
51 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب العلم، باب الحث على طلب العلم، ٣/ ٣١٧، رقم ٣٦٤١.
وصححه الألباني في صحيح الجامع ٢/١٠٧٩، رقم ٦٢٩٢.
52 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ٤/١٨٩، رقم ٣٥٦٠.
53 انظر: التعريف بكتاب محنة الإمام أحمد بن حنبل، محمد نغش ص٣٨٤.
54 انظر: البداية والنهاية، ابن كثير ١٤/٦١.
55 الوابل الصيب من الكلم الطيب، ابن القيم ص٤٨.
56 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦١١.
57 انظر: التفسير الوسيط، الطنطاوي ١٠/ ٢٩، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥٥١.
58 انظر: الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ٣/ ٢٠٢٤، فتح البيان، القنوجي ٤/١٤٣.
59 أضواء البيان، الشنقيطي ٩/١٤٠.
60 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٠/ ٥٩، تفسير القرآن، أبو المظفر السمعاني ٤/ ١٩٢.
61 انظر: معالم التنزيل، البغوي٣/٥٦٧، إرشاد العقل السليم، أبو السعود٧/٤٦.
62 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٨/٣٢، تيسير الكريم الرحمن السعدي ص٧٥٩.
63 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ٦/٣٢٠، تفسير المراغي، ١٣/١٦١، تفسير الشعراوي، ١٢/٧٥٨٢، التفسير الوسيط، طنطاوي ٧/٥٧٠.
64 انظر: جامع البيان، الطبري ١/١٣٨.
65 تيسير الكريم الرحمن، ص١٦١.
66 انظر: بدائع الفوائد، ابن القيم ٢/٩٤.
67 انظر: تفسير القرآن، أبو المظفر السمعاني ٣/٤٨٣، محاسن التأويل، القاسمي ٧/٢٩٧.
68 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٠/١٦٧.
69 انظر: جامع البيان، الطبري ٢١/ ٢٨٣، تفسير القرآن، أبو المظفر السمعاني ٤/٤٦٨.
70 أخرجه البخاري في الأدب المفرد، ص٣٢٧.
وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد ص٢٦٥.
71 انظر: نظم الدرر، البقاعي ١٧/١٠٤.
72 انظر: الوجيز، الواحدي ص٦١٣، تفسير القرآن، السمعاني ٣/١٨٩، أنوار التنزيل، البيضاوي ٣/٢٣٤.
73 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ٨/ ٢٣٦، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٧٠٩.
74 انظر: نظم الدرر، البقاعي ١٤/ ١٨٤، التفسير الحديث، محمد عزة دروزة ٣/ ٢٩٤.
75 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٥/٢١، اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ١٦/٣٦١.
76 انظر: التفسير القيم، ابن القيم ص٣٧٦، نظم الدرر، البقاعي ١٢/٣٦٢.
77 انظر: تفسير، المراغي ١٩/١٢٥، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٠٢.
78 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٤/ ٢٤٣، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢١/٢٨.
79 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٤/٣١٩، أنوار التنزيل، البيضاوي ٤/٢٥٣.
80 انظر: روح المعاني الألوسي ١٣/١٦٠، أضواء البيان، الشنقيطي ٧/٢٠٤.
81 انظر: شرح العقيدة الواسطية، سعيد بن على بن وهف القحطاني ص١٩.
82 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ٣/ ١٠٣، إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٥/٢٣٨.
83 انظر: جامع البيان، الطبري ١٩/ ٦١٦، الكشاف، الزمخشري ٣/ ٤٣١.
84 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٨٦٨، أيسر التفاسير، الجزائري ٥/٣٦٨.
85 انظر: الكشاف، الزمخشري ٤/١٩٣..
86 انظر: التفسير الميسر، مجمع الملك فهد ص٣٨٠.
87 انظر: تفسير القرآن، السمعاني ١/٣٦٠، أنوار التنزيل، البيضاوي ٢/٣٩، مراح لبيد، محمد بن عمر الجاوي ١/١٥٥، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص١٤٩.
88 انظر: جامع البيان، الطبري ١١/٥٠٦، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٢٦٣، أضواء البيان، الشنقيطي ١/٤٨٦.
89 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/١٣٩، تفسير المراغي، ٢٤/٦٠، روح المعاني، الألوسي ١٢/٣١٥، التفسير الوسيط، طنطاوي ١٢/ ٢٧٨، التفسير المنير، الزحيلي ٢٤/ ١٠٤.
90 انظر: جامع البيان، الطبري ٥/٣٧٢، التفسير القيم، ابن القيم ص١٤٧.
91 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/١٣٩، تفسير المراغي، ٢٤/٦٠، روح المعاني، الألوسي ١٢/٣١٥، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٩٦.
92 انظر: جامع البيان، الطبري ١٨/٣١٧،٤٣٦.
93 انظر: نظم الدرر، البقاعي ١٤/ ٢٣٠، إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٦/٣٠٧، تفسير المراغي، ٢٤/١١٧، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٥/١٨.
94 انظر: جامع البيان، الطبري ١٢/ ٤٣٩، الوجيز، الواحدي ص٧٣١، المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/ ٦٨، زاد المسير، ابن الجوزي ٤/ ١١٥، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/ ٤٠٨، إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٣/٢٢٨، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٣٦٧، أيسر التفاسير، الجزائري ٢/٤٨٣.
95 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/١٢٣، التحرير والتنوير ابن عاشور ٢٤/٧٢.
96 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٧/٨٥، محاسن التأويل، القاسمي ٨/٤٢، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٥٥.
97 انظر: تفسير القرآن، أبو المظفر السمعاني ٢/٣٦٨، التفسير الوسيط، طنطاوي ٧/٣٠.
98 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب في صفات الجنة وأهلها وتسبيحهم فيها بكرة وعشيًا، ٤/٢١٨٠، رقم ٢٨٣٥.
99 انظر: الهداية الى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ١٠/٦٣٩٣، زهرة التفاسير، محمد أبو زهرة ٧/٣٥٢٤، المنتخب في تفسير القرآن الكريم، مجموعة علماء ص٢١١.
100 انظر: مراح لبيد، محمد بن عمر الجاوي ٢/٣٤٠.
101 أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الأدب، فضل الحامدين ٢/١٢٥٠، رقم ٣٨٠٣.
وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة ١/٥٣٠، رقم ٢٦٥.
102 انظر: نظم الدرر، البقاعي ٩/٢٦، تفسير المراغي، ١١/٣٣.
103 انظر: تفسير المراغي، ٢٤/٣٩.
104 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٣/١٣٥، اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ١٢/٢٩٦.
105 انظر: جامع البيان، الطبري ١٧/٤٥٧، زاد المسير، ابن الجوزي ٣/٢٦، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤٥٩.