عناصر الموضوع

مفهوم الحقوق

الحقوق في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

أنواع الحقوق

حقوق العباد

أداء الحقوق

الحقوق

مفهوم الحقوق

أولًا: المعنى اللغوي:

جاء في كتب اللغة في مادة (حقق) أنّ الحقّ نقيض الباطل وجمعه «حقوقٌ» و«حقاقٌ» وليس له بناء أدنى عدد، وهو مصدر قولهم:حقّ الشيء، أي: وجب، ويطلق في اللغة على عدة معانٍ، منها: الأمر الواجب، والموجود الثابت، وحقّ الشيء يحق بالكسر، أي: وجب، وأحققت الشيء، أي: أوجبته، وحقّ عليه القول وأحققته أنا، أي: ثبت.

وحقّ الأمر يحقّه حقًّا وأحقّه، كان منه على يقين تقول: حققت الأمر وأحققته إذا كنت على يقين منه، ويقال: ما لي فيك حقٌّ ولا حقاقٌ، أي: خصومة1.

وعرّف المناوي الحق في اللغة بأنه «الثابت الذي لا يسوغ إنكاره»2.

وقال الراغب الأصفهاني: «إن أصل الحق: المطابقة والموافقة»3.

وبهذا يمكن القول: إن المعنى اللغوي للحق يتضمن معاني: الوجوب، والإلزام، والثبات، والإحكام، والصحة.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

اختلفت عبارات العلماء وتعريفاتهم لمفهوم «الحقوق» في الاصطلاح، وأورد من ذلك عدة تعريفات مبتدأ بأقربها لموضوع البحث:

أولًا: أنّ الحق هو المطلب الذي يجب لأحد على غيره4.

ثانيًا: أنّ الحق مصلحة ثابتة للشخص على سبيل الاختصاص والاستئثار يقررها الشارع الحكيم5.

ثالثًا: أنّ الحق هو مجموعة القواعد والنصوص التشريعية التي تنظم على سبيل الإلزام علائق الناس من حيث الأشخاص والأموال6.

رابعًا: أنّ الحق هو الحكم المطابق للواقع، وهو يطلق على الأقوال والعقائد والأديان والمذاهب باعتبار اشتمالها على ذلك7.

وذكر بعض الباحثين أنه يمكن من خلال التعريفات السابقة استنباط أبرز ما يتضمنه مفهوم «الحقوق» اصطلاحًا ملخصة على هذا النحو:

  1. النصوص الشرعية من الكتاب والسنة.
  2. القواعد والمبادئ التي تضمنتها هذه النصوص.
  3. تنظيم علاقات الناس.
  4. الوجوب والإلزام في تطبيق تلك القواعد8.

    ويمكن استنادًا إلى كل ما سبق تعريف الحق بأنه: أمور واجبة على المرء نحو غيره ألزمه بها الشرع أو ألزم بها نفسه.

    فالمعنى الاصطلاحي تفصيل للمعنى اللغوي ولا يخرج عنه.

الحقوق في الاستعمال القرآني

  1. وردت مادة (حق) في القرآن (١٠) مرات9.

    والصيغ التي وردت هي:

    الصيغة

    عدد المرات

    المثال

    فعل الماضي

    ٢

    ( ) [المائدة:١٠٧]

    اسم

    ٨

    ( ) [الأنعام:١٤١]

    ولم يرد لفظ (الحقوق) في القرآن مجموعًا، وورد مفردًا بمعناه اللغوي، وهو: وجب10، ولم يخرج في استعماله القرآني عن معناه اللغوي.

الألفاظ ذات الصلة

  1. الواجبات:

    الواجبات لغة:

    أصل الوجوب في اللغة السقوط يقال: وجبت الشمس إذا سقطت، ووجب الحائط إذا سقط، وسمعت وجبةً يعني سقطة، والوجوب أيضًا بمعنى الإلزام، وجب الشيء يجب وجوبًا، أي: لزم وأوجبه هو وأوجبه اللّه واستوجبه، أي: استحقّه، ويقال: وجب الشيء يجب وجوبًا إذا ثبت ولزم11.

    الواجبات اصطلاحًا:

    والواجب في عرف الفقهاء ما ثبت وجوبه بدليل شرعي فيه شبهة العدم كخبر الواحد، وهو ما يثاب بفعله ويستحق بتركه عقوبة لولا العذر12.

    الصلة بين الواجبات والحقوق:

    الحقوق أمور واجبة على المرء نحو غيره ألزمه بها الشرع أو ألزم بها نفسه، والواجبات أعم منها؛ إذ إنها تشمل الحقوق نحو النفس ونحو الغير.

    المظالم:

    المظالم لغة:

    الظّلم هو وضع الشيء في غير موضعه، يقال: ظلمه يظلمه ظلمًا وظلمًا ومظلمةً، فالظّلم مصدرٌ حقيقيٌّ، والظّلم الاسم يقوم مقام المصدر، وتظلّم منه، أي: شكا من ظلمه، وتظلّم الرجل أحال الظّلم على نفسه، ويقال: تظلّم فلانٌ إلى الحاكم من فلانٍ فظلّمه تظليمًا، أي: أنصفه من ظالمه وأعانه عليه13.

    المظالم اصطلاحًا:

    والظّلامة، والظّليمة، والمظلمة بفتح اللام هي ما تطلبه عند الظالم وهو اسم ما يؤخذ من المرء بدون حق، تقول عند فلان ظلامتي14.

    وعرّف المناوي المظلمة بأنها الخصلة التي يقع فيها الظلم وليست مصدرًا، بل هي بمعنى الشيء المظلوم به15.

    الصلة بين المظالم والحقوق:

    يمكن الربط بين الحق والمظالم بأن رفع المظالم عن الناس هو صورة من صور الحق، أو معلم من معالمه، وأن المظالم هي سلب لحقوق الناس وإهدار لها.

    حقوق الإنسان:

    شاع في العصر الحاضر اصطلاح حقوق الإنسان، وأصبح يستخدم على نطاق واسع في المحافل العلمية والقانونية، والمنظمات الدولية والإقليمية، وأنشأت لأجله منظمات وهيئات، وعقدت بشأنه الندوات والمؤتمرات، وسعت الدول الغربية إلى تطبيقه على حسب أهوائها، فإذا كان الأمر يخصهم ويخص ذويهم، فإنهم ينادون بتطبيقه في كل وقت وحين، وإن كان الأمر لا يعنيهم ولا يعني أتباعهم، فإنهم أكثر الناس انتهاكًا لحقوق الإنسان وإهدارًا لها.

    الحقوق لغة:

    تتضمن معاني: الوجوب، والإلزام، والثبات، والإحكام، والصحة.

    حقوق الإنسان اصطلاحًا:

    هذه بعض التعريفات الخاصة بهذا المصطلح:

    أولًا: أنّ حقوق الإنسان المراد بها: حماية مصلحة الشخص سواء أكان حقًّا عامًّا كتحقيق الأمن، وقمع الجريمة، ورد العدوان، والتمتع بالمرافق العامة، أم خاصًّا كحق الزوجة في النفقة وحق الأم في الحضانة لطفلها، وحق الأب في الولاية على أولاده ونحوه..16.

    ثانيًا: أنّ المقصود بها حرمات الله -سبحانه وتعالى- فهو الذي تفضل بها على الإنسان؛ ولأنّ حمايتها والذود عنها قربى لله تعالى؛ فلا يجوز لصاحبها أن يفرط فيها17.

    ثالثًا: أنّ المراد بحقوق الإنسان: تلك المبادئ والقوانين العامة التي اتفقت عليها القوانين الدولية فيما يتعلق باحترام الإنسان في مجال عقيدته، وحريته، وثقافته، وفي مجال حقوق المرأة والطفل، والقضايا السياسية، وحرية التفكير... وهي حقوق كفلتها الشريعة الإسلامية وجميع الأديان والقوانين الدولية18.

    رابعًا: أنّ حقوق الإنسان تتمثل في المعايير الأساسية التي تفضل بها الله سبحانه وتعالى على العباد، وبما يكفل للناس كافة أن يعيشوا بكرامة كبشر19.

    وبالنظر إلى كل هذه التعريفات نجد أنها لا تخرج عن الإطار الشرعي الذي كفله الإسلام للإنسان أيًّا كان جنسه أو لونه أو عقيدته أو موطنه، فالله تعالى قد أمر بحفظ حقوق الإنسان في جميع مراحل حياته، وبعد مماته.

أنواع الحقوق

  1. تنقسم الحقوق إلى قسمين: حقوق الله عز وجل، وحقوق العباد، وهناك قسم ثالث يجتمع فيه الحقان، وهذه الحقوق على مراتب ودرجات، وبيان ذلك على النحو الآتي:

    أولًا: حقوق الله تعالى:

    حق الله عز وجل عرفه التفتازاني: بأنه ما يتعلق به النفع العام للعالم من غير اختصاصٍ بأحدٍ، فينسب إلى الله تعالى، لعظم خطره، وشمول نفعه20.

    وأشار ابن القيم إلى التفرقة بين حق الله تعالى وحق العبد بأن حق الله عز وجل هو ما لا مدخل للصلح فيه؛ كالحدود والزكوات والكفارات وغيرها21.

    ويمكن تعريف حق الله تعالى بأنه ما أوجبه الله عز وجل لنفسه؛ كعبادته، وشكره، وطاعة أمره، وغير ذلك.

    وأبرز حقوق الله تعالى على العباد حق العبادة وعدم الشرك به، كما قال تعالى: ( ﭽﭾ ﭿ ﮅﮆ ﮋﮌ ) [النور:٥٥].

    وقال جل شأنه: ( ) [الذاريات:٥٦].

    فهذه الآيات الكريمة تشير إلى حقوق الله تعالى التي من أجلها خلق الخلق ومكنهم في الأرض واستعمرهم فيها، ويسر لهم سبل العيش فيها، مما يقتضي معه من العباد أن يقوموا بتلك الحقوق لله تعالى.

    وفي حديث معاذ بن جبلٍ قال: (كنت ردف النّبي صلى الله عليه وسلم ليس بيني وبينه إلاّ مؤخرة الرّحل فقال: (يا معاذ بن جبلٍ). قلت: لبّيك رسول اللّه وسعديك، ثمّ سار ساعةً ثمّ قال: (يا معاذ بن جبلٍ). قلت: لبّيك رسول اللّه وسعديك. ثمّ سار ساعة ثمّ قال: (يا معاذ بن جبلٍ). قلت: لبّيك رسول اللّه وسعديك. قال: (هل تدري ما حقّ اللّه على العباد). قال: قلت: اللّه ورسوله أعلم. قال: (فإنّ حقّ اللّه على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا). ثمّ سار ساعةً، ثمّ قال: (يا معاذ بن جبلٍ). قلت: لبّيك رسول اللّه وسعديك. قال: (هل تدري ما حقّ العباد على اللّه إذا فعلوا ذلك). قال: قلت: اللّه ورسوله أعلم. قال: (أن لا يعذّبهم)22.

    وكل العبادات التي أمرنا الله تعالى بها على اختلاف درجاتها ومراتبها من صلاة وزكاة وصيام وحج وذكر واستغفار وقراءة قرآن وغير ذلك إنما هي حقوق لله تعالى علينا.

    ثانيًا: حقوق العباد:

    حق العبد: هو ما يتعلق به مصلحة خاصة له، كحرمة ماله. قال ابن القيم: «وأما حقوق العباد، فهي التي تقبل الصلح والإسقاط والمعاوضة عليها»23.

    وحقوق العباد في الشريعة تنقسم باعتبار ما يضاف إليه الحق، أما حق الإنسان فهو أكثر من أن يخص، وهو ينقسم إلى عام وخاص، فالعام ما ترتب عليه مصلحة عامة للمجتمع من غير اختصاص بأحد في مثل: التعليم -المساواة- القضاء. والخاص ما تعلقت به مصلحة خاصة بالفرد؛ كحقه في إدارة عمله، وحق الزوج على زوجته.

    وثمت أمور يجتمع فيها حقان حق لله عز وجل، وحق للعبد، وفي بعضها يكون حق الله تعالى هو الغالب، وفي بعضها الآخر يغلب حق العبد.

    فمن النوع الأول: الذي فيه الحقان وحق الله تعالى هو الغالب:

    حد القذف عند أكثر العلماء، فإنه من حيث إنه يقع نفعه عامًّا بإخلاء العالم عن الفساد حق الله تعالى؛ إذ لم يختص بهذا إنسان دون إنسان، ومن حيث إنّ فيه صيانة العرض ودفع العار عن المقذوف حق العبد؛ إذ هو الذي ينتفع به على الخصوص ثم في هذا حق الله تعالى أيضًا؛ لأنّ في النفس حقين حق الاستعباد لله وحق الانتفاع للعبد فكان الغالب حق الله تعالى، فليس للمقذوف إسقاط الحد؛ لأن حق الله لا يسقط باسقاط العبد وإن كان غير متمحض له كما يشهد به دلالة الإجماع على عدم سقوط العدة بإسقاط الزوج إياها لما فيها من حق الله عز وجل24.

    قلت: وبناء على كون حق الله تعالى هو الغالب فإنه لم يفوض استيفاء الحد إلى المقذوف ليقيمه؛ لأنّ حقوقه تعالى لا يستوفيها إلا الإمام، لاستنابة الله تعالى إياه في استيفائها دون غيره، كذلك فإن حد القذف لتهمة القاذف المقذوف بالزنا، وحد الزنا حق لله تعالى اتفاقًا، فلم يكن استيفاؤه للمقذوف.

    ومن النوع الثاني الذي اجتمع فيه الحقان وحق العبد هو الغالب:

    القصاص اتفاقًا، فإن لله تعالى في نفس العبد حق الاستعباد، وللعبد حق الاستمتاع؛ ففي شرعية القصاص إيفاء للحقين وإخلاء للعالم عن الفساد إلا أن وجوبه بطريقة المماثلة المنبئة عن معنى الجبر؛ وفيه معنى المقابلة بالمحل فكان حق العبد راجحًا؛ ولهذا فرض استيفاؤه للوارث وجرى فيه الاعتياض بالمال والعفو25.

حقوق العباد

  1. أولًا: حقوق الأنبياء والرسل:

    الأنبياء والرسل هم صفوة خلق الله تعالى، أرسلهم لهداية الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور، هم المبلغون عن رب العباد جل وعلا مراده من العباد، أودع الله تعالى فيهم خصائص وصفات كمال ليست في غيرهم، ليكونوا أقدر على تحمل عبء النبوة والرسالة، تحملوا الإيذاء والجحود من أقوامهم، فازدادوا بذلك رفعة عند الله.

    ولذلك كان من حقهم على الناس الطاعة والامتثال، والاقتداء بهم والاهتداء، وهذا طرف مما ورد في القرآن الكريم من حقوق الأنبياء عامة، ومن حقوق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خاصة، وأتناول ذلك في فرعين على هذا النحو:

    الفرع الأول: من حقوق الأنبياء والرسل على جهة العموم:

    ١. حق الإيمان بالأنبياء والرسل.

    الإيمان بالأنبياء والرسل واجب، نصت عليه آيات كثيرة في كتاب الله تعالى، ورتب الله تعالى على الإيمان بالرسل خيرًا كبيرًا ونفعًا عظيمًا في الدنيا والآخرة، وتنوعت هذه النصوص فجاءت في معرض الكلام عن نبي الله عيسى عليه السلام، وفي معرض الكلام عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وفي غيرها من المواضع العامة والخاصة، ومن هذه النصوص ما يلي:

    ١ - قوله تعالى ( ﯩﯪ ) [آل عمران:١٧٩].

    قال أبو جعفر الطبري: «يعني جل ثناؤه بقوله: «وإن تؤمنوا»، وإن تصدّقوا من اجتبيته من رسلي بعلمي وأطلعته على المنافقين منكم «وتتقوا» ربكم بطاعته فيما أمركم به نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم وفيما نهاكم عنه=«فلكم أجر عظيم»، يقول: فلكم بذلك من إيمانكم واتقائكم ربكم، ثوابٌ عظيم»26.

    ٢- قوله تعالى ( ﮞﮟ ﮫﮬ ﮯﮰ ) [البقرة:٢٨٥].

    ومن لطائف الآية ما ذكره الرازي مُبيِّنًا مراتب الإيمان بالرسل في أربعة أمور:

    المرتبة الأولى: أن يعلم كونهم معصومين من الذنوب. المرتبة الثانية: أن يعلم أن النبي أفضل ممن ليس بنبي.

    المرتبة الثالثة: تفضيلهم على الملائكة، على تفصيل واسع في هذه المسألة وخلاف لا محل لذكره هنا.

    المرتبة الرابعة: أن يعلم أن بعضهم أفضل من البعض على تفصيل في المسألة27.

    ٢. حق التقدير والتعظيم والنصرة للأنبياء والرسل.

    جعل الله تعالى تقدير الأنبياء والمرسلين وتعظيمهم ونصرتهم حق لهم واجب على أتباعهم، فقال جل شأنه: ( ﭽﭾﭿ ﮃﮄ ﮙﮚ ) [المائدة:١٢].

    قال أبو جعفر النحاس: «قال أبو عبيد: عزرتموهم عظمتموهم، وقال يونس: أثنيتم عليها، وأحسن من هذين القولين قول ابن أبي نجيح عن مجاهد أن معنى عزرتموهم: نصرتموهم، والتعظيم داخل في النصرة، والدليل على هذا قوله تعالى: (ﯤ ﯥ) [الفتح:٩] وأصل التعزير في اللغة: المنع، ومنه عزرت فلانًا، أي: أنزلت به ما يمتنع من أجله من المعاودة» 28.

    ٣. حق الطاعة لجميع الأنبياء والرسل.

    وذلك وارد في أكثر حوارات الأنبياء مع أقوامهم، حيث كلف الله تعالى أتباع الأنبياء بطاعتهم، وحث كل نبي أمته على ذلك كما في حوار سيدنا نوح عليه السلام مع قومه في قول الله تعالى: ( ) [الشعراء:١٠٨].

    وكذا في قوله تعالى في سورة: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [نوح:٣].

    وما فعله نبي الله نوح عليه السلام من أمره قومه بالطاعة، فعله غيره من الأنبياء مثل:سيدنا هود، وسيدنا صالح، ولوط، وشعيب، وهارون، وعيسى صلوات الله عليهم أجمعين، على نحو ما هو مبسوط في مواضع عدة من سور القرآن الكريم، لاسيما سورة الشعراء.

    والناظر في الآيات الكريمة التي أمر فيها الأنبياء أقوامهم بطاعتهم يلحظ فيها أمرين:

    أولهما: تأكيد الأنبياء والمرسلين عليهم السلام على قومهم بضرورة الطاعة، مع إعادة التأكيد مرة أخرى من بعضهم؛ كنبي الله نوح وهود وصالح وعيسى عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة أتم التسليم.

    وثانيهما: التذكير بنعم الله تعالى عليهم؛ كنعم الأمن، وسعة الرزق، والبسط في العمر والمال، والربط بين الطاعة وبين الفلاح والخير.

    الفرع الثاني: من حقوق النبي محمد صلى الله عليه وسلم على جهة الخصوص:

    ١. حق الطاعة من حقوق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

    وهذا مبسوط في آيات عدة من القرآن، حيث ورد مقرونًا في أكثر المواضع بطاعة الله تعالى ومن ذلك:

    قول الله تعالى: ( ﯿ ) [آل عمران:١٢٨].

    وقوله تعالى: ( ﯾﯿ) [النساء:٥٩].

    وفي الأمر بطاعة الرسول ومدلوله هنا يقول الطبري: «يعني بذلك جل ثناؤه: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ربكم فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه، وأطيعوا رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم، فإن في طاعتكم إياه لربكم طاعة، وذلك أنكم تطيعونه لأمر الله إياكم بطاعته»29.

    وقوله تعالى: ( ﭕﭖ ﭟﭠ ﭣﭤ ) [النور:٥٤].

    والآية تؤكد على ضرورة طاعة الله تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم مع التنبيه على أن الطاعة سبب الهداية.

    وقوله تعالى: ( ) [محمد:٣٣].

    وقد ذكر الماوردي فيها وجهين: أحدهما: أطيعوا الله بتوحيده، وأطيعوا الرسول بتصديقه، والثاني: أطيعوا الله في حرمة الرسول، وأطيعوا الرسول في تعظيم الله30.

    ومواضع أخرى في المائدة:٩٢، والأنفال:١، و٤٦، والنور:٥٦، والمجادلة:١١، والتغابن١٢، و١٦).

    ٢. حق الصلاة والسلام على النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

    أمر الله تعالى المسلمين بالصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، وجعل ذلك فرض عين على كل مسلم، فقال جل شأنه: ( ﭷﭸ ﭽﭾ ﭿ) [الأحزاب:٥٦].

    قال الجصاص: «قد تضمن الأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وظاهره يقتضي الوجوب، وهو فرض عندنا، فمتى فعلها الإنسان مرة واحدة في صلاة أو غير صلاة فقد أدى فرضه، وهو مثل كلمة التوحيد والتصديق بالنبي صلى الله عليه وسلم، متى فعله الإنسان مرة واحدة في عمره فقد أدى فرضه»31.

    وفي معنى قول الله تعالى: ( ﭷﭸ) ثلاثة أقاويل:

    أحدها: أن صلاة الله تعالى عليه ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة الدعاء، قاله أبو العالية.

    الثاني: أن صلاة الله تعالى عليه المغفرة له، وصلاة الملائكة الاستغفار له، قاله سعيد بن جبير.

    الثالث: أن صلاة الله تعالى عليه رحمته، وصلاة الملائكة الدعاء له، قاله الحسن، ومعنى قول عطاء بن أبي رباح.

    الرابع: أن صلاتهم عليه أن يباركوا عليه، قاله ابن عباس32.

    وحكى الماوردي عن ثعلب أن معنى قولنا: «اللهم صل على محمد»، أي: زد محمدًا بركة ورحمة، ويجري فيه التأويلات المذكورة، وأن قوله تعالى: ( ﭿ) يحتمل وجهين:

    أحدهما: سلموا لأمره بالطاعة له تسليمًا.

    الثاني: وسلموا عليه بالدعاء له تسليمًا، أي: سلامًا33.

    ٣. حق الاتباع والاقتداء من حقوق النبي محمد صلى الله عليه وسلم34.

    أمر الله تعالى المؤمنين باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والاقتداء به في غير موضوع من كتابه العزيز، فمن ذلك قوله جل شأنه: ( ﮮﮯ ﯖﯗ ) [الأعراف:١٥٨].

    قال ابن عادل الدمشقي: «وهذا الأمر يدلّ على وجوب متابعة الرّسول عليه الصّلاة والسّلام في كلّ ما يأتي به قولًا كان أو فعلًا أو تركًا إلا ما خصه الدّليل»35.

    وقوله جل ثناؤه: ( ﯿ) [الأحزاب:٢١].

    والأسوة هنا بمعنى القدوة، وأكثر المفسرين على أن الآية وإن كانت واردة في سبب خاص، وهو التأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم في الصبر ونحوه مما ابتلي به يوم أحد، فإنها تشير إلى ضرورة الاقتداء به في كل فعل وقول على جهة العموم36.

    ٤. حق توقير النبي صلى الله عليه وسلم واحترامه وعدم إيذائه أو إيذاء آل بيته.

    من حقوق النبي صلى الله عليه وسلم علينا التي وردت في القرآن الكريم وجوب تقديره وتكريمه واحترامه، وعدم التعرض له صلى الله عليه وسلم بإيذاء؛ بالقول أو بالفعل، سواء كان الإيذاء لشخصه الكريم أو لآل بيته الطيبين الأطهار؛ رجالًا كانوا أو نساء.

    وقد جاء هذا الحق في آية كريمة شاملة في سورة الأحزاب، وهي قوله تعالى: ( ﮮﮯ ﯗﯘ ﯝﯞ ﯥﯦ ﯪﯫ ﯹﯺ ﯿ ) [الأحزاب:٥٣].

    وقد ورد في سبب نزولها ما أخرجه الشيخان أنّ أنس بن مالكٍ قال: (أنا أعلم النّاس بهذه الآية آية الحجاب، لمّا أهديت زينب إلى رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - كانت معه فى البيت، صنع طعامًا، ودعا القوم، فقعدوا يتحدّثون، فجعل النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- يخرج، ثمّ يرجع، وهم قعودٌ يتحدّثون، فأنزل اللّه تعالى: ( ) إلى قوله: ( ﯥﯦ ) فضرب الحجاب، وقام القوم)37.

    ٥. حب النبي صلى الله عليه وسلم من حقوقه علينا.

    حب النبي صلى الله عليه وسلم واجب علينا، وهومن حقوقه المنصوص عليها في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.

    قال الله تعالى: ( ﭽﭾ ﭿ ﮖﮗ ) [التوبة:٢٤].

    قال القاضي عياض: «فكفى بهذا حضًّا وتنبيهًا ودلالة وحجة على إلزام محبته، ووجوب فرضها، وعظم خطرها، واستحقاقه لها صلى الله عليه وسلم، إذ قرع تعالى من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله وأوعدهم بقوله تعالى: ( ) ثم فسقهم بتمام الآية وأعلمهم أنهم ممن ضل ولم يهده الله 38.

    ٦. حرمة التقدم على النبي صلى الله عليه وسلم ورفع الصوت عليه.

    من حقوق النبي صلى الله عليه وسلم التي وردت في القرآن حرمة رفع الصوت أمامه عليه السلام؛ وذلك امتثالًا لقول الله تعالى: ( ﮖﮗ ﮙﮚ ﯤﯥ ﭙﭚ ) [الأحزاب:١-٥].

    والنهي عن التقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورد في معناه أقوال:

    الأول: أن ناسًا كانوا يقولون: لو أنزل فيّ كذا، لو أنزل فيّ كذا، فنزلت هذه الآية، قاله قتادة.

    الثاني: أنهم نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه، قاله ابن عباس.

    الثالث: معناه ألا يقتاتوا على الله ورسوله، حتى يقضي الله على لسان رسوله، قاله مجاهد.

    الرابع: أنها نزلت في قوم ضحوا قبل أن يصلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرهم أن يعيدوا الذبح، قاله الحسن.

    الخامس: لا تقدموا أعمال الطاعات قبل وقتها الذي أمر به الله تعالى ورسوله، قاله الزجاج39.

    والنهي عن رفع الصوت في الآية قيل: المراد به رفع الصوت أو الجهر به أمام النبي عليه الصلاة والسلام، وقيل: رفع الصوت عند منبره يوم الجمعة، وقيل:المراد داعؤه بإسمه فقط40.

    وأيًّا كان المقصود بالتقدم على النبي صلى الله عليه وسلم أو رفع الصوت عليه، فإن هذا يتنافى مع مكانة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يتفق مع مكارم الأخلاق، ونحن مأمورن بتعظيم شأن النبي وتقديره حق قدره.

    وفي سبب نزول مقدمة سورة الحجرات روايات عدة كلها في الصحيح.

    الأولى: ما رواه ابن أبى مليكة قال: كاد الخيّران أن يهلكا - أبا بكرٍ وعمر رضي الله عنهما رفعا أصواتهما عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه ركب بني تميمٍ، فأشار أحدهما بالأقرع بن حابسٍ أخي بني مجاشعٍ، وأشار الآخر برجلٍ آخر -قال نافعٌ لا أحفظ اسمه- فقال أبو بكرٍ لعمر: ما أردت إلاّ خلافي، قال: ما أردت خلافك. فارتفعت أصواتهما في ذلك، فأنزل اللّه ( ) الآية. قال ابن الزّبير: فما كان عمر يسمع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية حتّى يستفهمه. ولم يذكر ذلك عن أبيه، يعني: أبا بكرٍ41.

    الثاني: أخرجه مسلم عن أنس بن مالكٍ أنّه قال: لمّا نزلت هذه الآية ( ) إلى آخر الآية، جلس ثابت بن قيسٍ فى بيته وقال: أنا من أهل النّار. واحتبس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فسأل النّبيّ صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذٍ فقال: (يا أبا عمرٍو ما شأن ثابتٍ أشتكى). قال سعدٌ: إنّه لجاري وما علمت له بشكوى. قال: فأتاه سعدٌ فذكر له قول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فقال ثابتٌ: أنزلت هذه الآية ولقد علمتم أنّي من أرفعكم صوتًا على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فأنا من أهل النّار. فذكر ذلك سعدٌ للنّبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: (بل هو من أهل الجنّة)42.

    وذكر الواحدي أن قوله تعالى: ( ) نزلت في خلاف سيدنا أبي بكر وعمر، والنهي عن رفع الصوت نزلت في ثابت بن قيس بن شماس كان في أذنه وقر وكان جهوري الصوت وكان إذا كلم إنسانًا جهر بصوته فربما كان يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتأذى بصوته، فأنزل الله تعالى هذه الآية43.

    ثانيًا: حقوق الوالدين:

    من أعظم الحقوق على الإنسان بعد حق الله عز وجل حقوق الوالدين، حيث إن فضلهما كبير، ومنزلتهما عظيمة، ولهذا استحقا أن يقرن الله عز وجل شكرهما بشكر الله تعالى، وتعددت آيات القرآن الكريم التي توصي بالوالدين، وكذا نصوص السنة النبوية لا سيما بالأم. وأورد من ذلك ما يلي:

    ١. حق الإحسان إلى الوالدين مقترن بعبادة الله تعالى.

    وهذا ما وردت به آيات عديدة، منها قول الله تعالى: ( ) [البقرة:٨٣].

    ويلحظ في الآية أن الوصية بالوالدين أمر معروف في كل الشرائع السماوية، وليس في الشريعة الإسلامية فقط.

    ومنها: قوله تعالى: ( ﯘﯙ ﯝﯞ ) [الأنعام:١٥١].

    ومنها: قوله جل شأنه: ( ﮞﮟ) [الإسراء:٢٣].

    وبتدبر تلك الآيات الكريمة نجد أن الوصية بالإحسان للوالدين جاءت عقب الأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك، مما يدل على عظم منزلة الوالدين وفضلهما عند الله تعالى.

    قال الجصاص: «يدل على تأكيد حق الوالدين ووجوب الإحسان إليهما كافرين كانا أو مؤمنين؛ لأنه قرنه إلى الأمر بعبادته تعالى»44.

    وقال في موضع آخر: «فقرن تعالى ذكره إلزام بر الوالدين بعبادته وتوحيده وأمر به كما أمر بهما كما قرن شكرهما بشكره في قوله تعالى: ( ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) وكفى بذلك دلالة على تعظيم حقهما ووجوب برهما والإحسان إليهما»45.

    وفي طائفة آخرى من الآيات جاء النص بالإخبار في صورة أمر كما في قول الله تعالى: ( ﭡﭢ ﭭﭮ ) [العنكبوت:٨].

    وقال تعالى: ( ﭔﭕ ﭚﭛ ﭟﭠ) [الأحقاف:١٥].

    وهنا جاء الأمر بالإحسان مقرونًا ببيان فضل الأم وما لاقته من عنت ومشقة في الحمل والولادة والرضاع.

    وفسّر الإحسان بأنه تأدية حقوقهما ومجانبة عقوقهما والمحافظة على برهما46.

    ونكر لفظ الإحسان وجاء منونًا لمعان ذكرها بعض المفسرين، منها ما ذكره الألوسي من أن التنوين للتفخيم47.

    قال ابن العربي: «بر الوالدين ركن من أركان الدين في المفروضات، وبرهما يكون في الأقوال والأعمال؛ فأما في الأقوال فكما قال الله تعالى: ( ) [الإسراء:٢٣]. فإن لها حق الرحم المطلقة، وحق القرابة الخاصة؛ إذ أنت جزء منه، وهو أصلك الذي أوجدك، وهو القائم بك حال ضعفك وعجزك عن نفسك»48.

    هذا والإحسان إلى الوالدين فيه جوانب مادية؛ كالإنفاق عليهما من ماله، وجوانب معنوبة؛ كالبر والطاعة وحسن معاملتهما، على تفصيل مبسوط في كتب الفقه وكتب السنة وغير ذلك.

    ٢. طاعة الوالدين فيما لا يخالف شرع الله.

    أمر الله تعالى الأبناء بطاعة الوالدين، مع اشتراط أن لا تكون تلك الطاعة مخالفة لشرع الله تعالى، أو متضمنة الأمر بالشرك ونحوه كما نصت عليه الآيات في قوله تعالى: ( ﭡﭢ ﭭﭮ ) [العنكبوت:٨].

    وروى مسلم عن مصعب بن سعدٍ عن أبيه أنّه نزلت فيه آياتٌ من القرآن، قال: حلفت أمّ سعدٍ أن لا تكلّمه أبدًا حتّى يكفر بدينه ولا تأكل ولا تشرب. قالت: زعمت أنّ اللّه وصّاك بوالديك وأنا أمّك وأنا آمرك بهذا. قال: مكثت ثلاثًا حتّى غشى عليها من الجهد فقام ابنٌ لها يقال له عمارة فسقاها فجعلت تدعو على سعدٍ، فأنزل اللّه عزّ وجلّ في القرآن هذه الآية ( ﭡﭢ) ( ) وفيها ( ﮙﮚ)... الحديث49.

    وكما في قوله جل شأنه: ( ﭽﭾ ﭿ ﮔﮕ ﮙﮚ ﮟﮠ ) [لقمان:١٤-١٥].

    ومن أروع الأمثلة في الطاعة طاعة نبي الله إسماعيل عليه السلام لأبيه الخليل إبراهيم عليه السلام في قصة الذبح.

    قال الله تعالى: ( ﯿ ﰇﰈ ﰍﰎ ) [الصافات:١٠٢].

    ٣. عدم إيذائهما أو التأفف منهما.

    قال تعالى: ( )[الإسراء:٢٣].

    وهنا عبرت الآية بلفظ (أف) ونهي الإنسان عن قولها لوالديه أو لأحدهما، ومن معاني هذه الكلمة والمقصود منها لدى المفسرين ما قاله قتادة أنها «الكلام الرديء، كأن تقول: اللهم أرحني منهما، أو تغلظ عليهما في القول عند كبرهما، ومعالجتك إياهما وعند إماطة القذر عنهما»، وروي نحوه عن مجاهد50.

    وقيل: المقصود بها أنه استقذار الشيء وتغير الرائحة.

    وقيل: إنها كلمة تدل على التبرم والضجر، خرجت مخرج الأصوات المحكية، والعرب أف وتف، فالأف وسخ الأظفار، والتّف ما رفعته من الأرض بيدك من شيء حقير، وحكى الجصاص أن هذا دلالة على تحريم ما فوق هذه الكلمة من نحو الضرب والشتم51.

    وقال تعالى: ( ﯢﯣ ) [الأحقاف:١٦-١٨].

    ٤. إلانة القول لهما وخفض الجناح.

    قال الله تعالى: ( ) [الإسراء:٢٣-٢٤].

    أمر الله تعالى الأبناء بإلانة القول للوالدين وحسن اختيار الكلام معهما، وخفض الجناح بمعنى التذلل لهما وعدم الترفع عليهما أو التكبر، فاستعار للذل جناحًا، وأضافه إليه؛ مبالغة؛ فإنّ الطير إذا تذلل أرخى جناحه إلى الأرض، كذلك الولد، ينبغي أن يخضع لأبويه، ويلين جانبه، ويتذلل لهما غاية جهده، وقيل المراد: حسن التدبير لأمورهما وكفالتهما ورعايتهما52.

    ٥. الدعاء لهما في حياتهما وبعد وفاتهما.

    من حقوق الوالدين على الأبناء الدعاء لهما، سواء كانا حيين أو ميتين53، كما قال الله تعالى: ( ) [الإسراء:٢٤].

    وهذا الدعاء للمؤمنين فقط، كما قال الجصاص: «فيه الأمر بالدعاء لهما بالرحمة والمغفرة إذا كانا مسلمين؛ لأنه قال في موضع آخر: ( ) فعلمنا أن مراده بالدعاء للوالدين خاص في المؤمنين»54.

    ثالثًا: حقوق الأقارب:

    الأقارب أنواع، منهم الأصول، كالآباء والأجداد، ومنهم الفروع كالأبناء وأبناء الأبناء والبنات، ومنهم الحواشي كالإخوة والأخوات، وهناك ذوو الأرحام، وكل هؤلاء قرابة المرء، لهم عليه حقوق، بعضها فرض، وبعضها مستحب، وقد ورد ذكر ذوي القربى في مواضع عدة من كتاب الله تعالى مبينًا فيها حقوقهم والوصية بهم ماديًّا ومعنويًّا، ومن هذه الحقوق ما يلي:

    ١. الإنفاق عليهم.

    قال تعالى: ( ) [البقرة:١٧٧ ].

    قال الماوردي: «يريد قرابة الرجل من طرفيه من قبل أبويه، فإن كان ذلك محمولًا على الزكاة، روعي فيهم شرطان: أحدهما: الفقر، والثاني: سقوط النفقة، وإن كان ذلك محمولًا على التطوع لم يعتبر واحد منهما، وجاز مع الغنى والفقر، ووجوب النفقة وسقوطها؛ لأن فيهم مع الغنى صلة رحم مبرور»55.

    وقال تعالى: ( ﯷﯸ ﯿ ﰃﰄ ) [البقرة: ٢١٥].

    ٢. الإحسان إليهم والمراد به صلتهم، والبر بهم56.

    وقد ورد الأمر بالإحسان لذوي القربى في آيات، منها قوله تعالى: ( ﮜﮝ ﮯﮰ ) [النساء:٣٦].

    ومن لطائف الآية ما ذكره الرازي «اعلم أن الوالدين من الأقارب أيضًا، إلا أن قرابة الولاد لما كانت مخصوصة بكونها أقرب القرابات وكانت مخصوصة بخواص لا تحصل في غيرها، لا جرم ميزها الله تعالى في الذكر عن سائر الأنواع، فذكر في هذه الآية قرابة الولاد، ثم أتبعها بقرابة الرحم»57.

    ومنها: قوله تعالى: ( ) [البقرة: ٨٣].

    ٣. إيفاؤهم حقهم.

    أمر القرآن الكريم بإيفاء ذوي القربى حقوقهم من البر والصلة والعون والنصرة، وذلك في غير موضع، منها قول الله تعالى: ( ) [الإسراء: ٢٦].

    وقوله جل وعلا: ( ﮟﮠ ﮦﮧ ) [الروم: ٣٨].

    وفي هذا المعنى روي عن قتادة في قوله تعالى ( ) قال: «إذا كان لك ذو قرابة فلم تصله بمالك ولم تمش إليه برجلك فقد قطعته»58.

    ٤. جعل نصيب لهم عند حضور القسمة.

    قال الله تعالى: ( ) [النساء: ٨].

    عن عكرمة: ( ) قال: كان ابن عباس يقول: «إذا ولي شيئًا من ذلك، يرضخ لأقرباء الميت. وإن لم يفعل، اعتذر إليهم وقال لهم قولا معروفًا»59.

    وذكر الماوردي في هذه الآية ثلاثة أقاويل:

    أحدها: أنها ثابتة الحكم. قال سعيد بن جبير: هما وليان، أحدهما يرث وهو الذي أمر أن يرزقهم، أي: يعطيهم، والآخر لا يرث وهو الذي أمر أن يقول لهم قولًا معروفًا، وبإثبات حكمها قال ابن عباس، ومجاهد، والشعبي، والحسن، والزهري.

    وروي عن عبيدة أنه ولي وصية فأمر بشاة فذبحت، وصنع طعامًا لأجل هذه الآية وقال: لولا هذه الآية لكان هذا من مالي.

    والقول الثاني: أنها منسوخة بآية المواريث، وهذا قول قتادة، وسعيد بن المسيب، وأبي مالك، والفقهاء.

    والثالث: أن المراد بها وصية الميت التي وصّى بها أن تفرق فيمن ذكر وفيمن حضر، وهو قول عائشة.

    فيكون ثبوت حكمها على غير الوجه الأول60.

    فبان من هذه النصوص القرآنية مدى ما يتمتع به أولو القربى من حقوق كفلها لهم القرآن الكريم.

    رابعًا: حقوق الجار:

    أوصى القرآن الكريم بالجار على اختلاف أنواعه في آية كريمة اشتملت على الوصية بأصناف عدة وهي قول الله تعالى: ( ﮜﮝ ﮯﮰ ) [النساء:٣٦].

    والمراد بالجار ذي القربى هو الجار الذي يمت لك بصلة قرابة، والجار الجنب، هو جارك من قوم آخرين؛ هكذا روي عن ابن عباس ومقاتل وقتادة ومجاهد61، وهناك نوع آخر من الجيران وهو غير المسلم.

    ولهذا فإن الجار الذي بينك وبينه قرابة له ثلاثة حقوق (حق الجوار وحق القرابة وحق الإسلام)، والجار الذي ليس بقريب له حقان (حق الجوار وحق الإسلام)، والجار غير المسلم له حق واحد وهو الجوار62.

    وقد قال القرطبي بعد أن أورد تقسيم الجيران: «وعلى هذا فالوصاة بالجار مأمور بها مندوب إليها مسلمًا كان أو كافرًا، وهو الصحيح. والإحسان قد يكون بمعنى المواساة، وقد يكون بمعنى حسن العشرة وكف الأذى والمحاماة دونه»63.

    ومن أبرز حقوق الجار:

    ١. محبة الجار والتودد إليه.

    فقد أخرج مسلم عن أنس بن مالكٍ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال (لا يؤمن أحدكم حتّى يحبّ لأخيه - أو قال لجاره - ما يحبّ لنفسه)64.

    ٢. عدم إيذائه بقول أو فعل.

    فقد أخرج مسلم عن أبي هريرة أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل الجنّة من لا يأمن جاره بوائقه)65.

    ومن لطائف التفسير ما ذهب إليه أبي بن كعب بتفسير الفاحشة في قول الله تعالى بالبذاء على الجيران والإحماء أو على الزوج؛ بحيث أن بقاء أمثالهن في جوار أهل البيت يفضي إلى تكرر الخصام فيكون إخراجها من ارتكاب أخف الضررين66.

    ٣. عدم كشف ستره أو التجسس عليه.

    وذلك إعمالًا للنص الوارد في النهي عن التجسس مطلقًا ( ) [الحجرات:١٢].

    قلت: وإذا كان التجسس محرم على جهة العموم، في حق الجار وغير الجار، فلا شك أن حرمته في حق الجار أشد؛ نظرًا لقرب ما بين الجيران في السكن.

    وهناك حقوق أخرى للجار وردت في السنة النبوية، بعضها حقوق مادية وبعضها معنوية، لا يناسب ذكرها في هذا البحث التفسيري.

    خامسًا: حقوق الصحبة:

    قال الفيروزآبادي: «الصاحب هو الملازم، إنسانًا كان أو غيره، ولا فرق بين أن يكون مصاحبته بالبدن - وهو الأكثر - أو بالعناية والهمة. ولا يقال فى العرف إلا لمن كثرت ملازمته67.

    والصحبة من الأمور الهامة في حياة الناس، حيث لا يستطيع كثير من الناس العيش بمفردهم بل لابد لهم من أصحاب أو أصدقاء يأنسون لهم، ويستشيرونهم، ويتعاونون معهم على في السراء والضراء، والمعهود من قديم الزمان وجود الأصحاب والأصدقاء.

    وللصحبة ضوابطها في الإسلام، وللأصحاب حقوقهم في القرآن والسنة، ولقد اهتم القرآن الكريم بحقوق الصحبة ونصت الآيات الكريمة على بيان فضلها في مواطن، فمن ذلك ما يلي:

    ١. نصرة الصاحب لصاحبه ومعاونته إياه.

    وهذا يتجلى في موقف سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه من النبي صلى الله عليه وسلم في رحلة الهجرة، حيث أثنى الله تعالى على صحبة أبي بكر الصديق للنبي صلى الله عليه وسلم في رحلة الهجرة، وما أبلاه رضي الله عنه في هذه الرحلة، بل وما أبلاه نحو الإسلام ونحو الدعوة عبر حياته.

    قال تعالى: ( ﯜﯝ ﯪﯫ ﯯﯰ ) [التوبة:٤٠].

    ويتجلى من هذه الآية الكريمة طرف من العبر واللطائف بيانها على النحو الآتي:

    • أنّ سيدنا أبا بكر رضي الله عنه كان يخاف على نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى ذهاب التوحيد والإسلام، ولم يكن يخاف على نفسه68.
    • أنّ الآية تضمنت عتابًا لجميع الناس عدا أبي بكر الصديق رضي الله عنه، كما قال الشعبي: «عاتب الله عز وجل أهل الأرض جميعًا في هذه الآية غير أبي بكر الصديق رضي الله عنه»69.

      قلت: وما ذلك إلا لبلاء أبي بكر رضي الله عنه وجهوده في خدمة دين الله تعالى، ولذلك استحق هذا الثناء، وما لحقه من ثناء من النبي عليه الصلاة والسلام في أحاديث عدة مبسوطة في كتب المناقب من كتب السنة المطهرة.

      وقد ورد لفظ الصاحب في القرآن الكريم في عدة مواضع وتجلى في هذه المواضع بعض حقوق الصحبة منها:

      ٢. الإحسان إلى الصاحب.

      وذلك كما في قول الله تعالى: ( ﮜﮝ ﮯﮰ ) [النساء:٣٦].

      وفسر الصاحب بالجنب هنا بتفسيرات عدة منها: أن المراد به الرفيق الصالح، وهو مروي عن علي وابن مسعود وغيرهم70.

      ومنها: أنه الرفيق في السفر، حيث روي هذا عن مجاهد وابن جبير وعكرمة وقتادة والضحاك وغيرهم71.

      ومنها: أن المراد بها زوجة الرجل، حيث روي هذا أيضًا عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما72.

      ومنها: أنه الذي يلزمك ويصحبك رجاء نفعك، وهو قول ابن زيد73.

      وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير الأصحاب عند الله خيره لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره)74.

      ٣. دعوة الصاحب إلى الهدى والرشاد.

      وذلك كما فعل سيدنا يوسف عليه السلام من دعوته رفقاء السجن إلى دين الله عز وجل، كما في الآية ( ﭽﭾ ﭿ ﮆﮇ ﮋﮌ ﮑﮒ ) [يوسف:٣٩-٤٠].

      وهنا يلحظ أن نبي الله يوسف عليه السلام كرر النداء عليهم مرتين بـ ( ) حتى تجتمع أنفسهما لسماع الجواب، ونسبهما إلى السجن باعتبار أنهما من سكانه حينئذٍ75.

      ٤. اجتماع الأصحاب على الخير والطاعة وبذل النفس في سبيل الله.

      وهذا نراه واضحًا في أروع مثال ضربه فريق من الأصحاب (أهل الكهف) من البذل والتحمل في سبيل الله، والاتفاق على نصرة دينه، والصدع بالحق أمام الظالم، فنالوا من الأذى ما نالوا، وفروا بدينهم، فكرمهم الله تعالى بمعجزة باهرة وآية عظيمة.

      قال تعالى: ( [الكهف:٩-١٠].

      ثم تلا ذلك بضعة عشر آية تذكر قصتهم العجيبة، فانظر كيف اجتمعت صحبتهم على الطاعة واشتروا دينهم بدنياهم فكرّمهم الله تعالى في الدنيا والآخرة، ولله درها من صحبة، اجتمعت فيها القلوب على هدف واحد بالرغم من اختلافهم طبقاتهم ودرجاتهم، كما هو معلوم في القصة من وجود الغني والفقير فيهم، والراعي وأحد مستشاري الملك.

      ٥. تقديم النصيحة للصاحب إذا كان على غير رشد.

      وهذا ما نراه واضحًا في قصة صاحب الجنتين في سورة الكهف ( ﭽﭾ ﭿ ﮐﮑ ) [الكهف:٣٧-٣٩].

      قلت: ليس في الآيات ما يدل على نوع هذه الصحبة، فقد ذهب المفسرون إلى أقوال في ذلك: منها أنهما شريكان، ومنها أنهما كانا أخوين ورثا مالا عن أبيهما 76.

      سادسًا: حقوق العلماء:

      العلماء ورثة الأنبياء، وهم أهل الفضل والمنة على كثير من الناس، وهم منارات في الأرض يهتدي بها الناس، يفقهون الناس في دينهم، ويشرحون لهم ما أشكل عليهم، ويبينون لهم الحلال والحرام.

      روي عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سلك طريقًا يبتغي به علمًا سلك الله له طريقًا إلى الجنّة، وإنّ الملائكة لتضع أجنحتها رضًى لطالب العلم بما يصنع، وإنّ العالم ليستغفر له من في السّماوات ومن في الأرض حتّى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد، كفضل القمر على سائر الكواكب، وإنّ العلماء ورثة الأنبياء، وإنّ الانبياء لم يورّثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنّما ورّثوا العلم، فمن أخذ به فقد أخذ بحظٍّ وافرٍ)77.

      وقد اهتم القرآن الكريم بهم في غير موضع، وأمر بإيفائهم حقهم من التقدير والاحترام، قال تعالى: ( ﯣﯤ ) [فاطر:٢٨].

      قال الجصاص: «فيه الإبانة عن فضيلة العلم وأن به يتوصل إلى خشية الله وتقواه؛ لأن من عرف توحيد الله وعدله بدلائله أوصله ذلك إلى خشية الله وتقواه؛ إذ كان من لا يعرف الله ولا يعرف عدله وما قصد له بخلقه لا يخشى عقابه ولا يتقي»78.

      وقال جل شأنه: ( ﯱﯲ ﯺﯻ ﯿ) [الزمر:٩].

      وأورد هنا طرفًا من حقوق العلماء علينا:

      ١. تقديرهم واحترامهم وموالاتهم.

      قال الإمام ابن أبي العز الحنفي بعد آية( ﭽﭾ ﭿﮀ ) [النساء:١١٥]: «يجب على كل مسلمٍ بعد موالاة الله ورسوله موالاة المؤمنين، كما نطق به القرآن؛ خصوصًا الذين هم ورثة الأنبياء، الذين جعلهم الله بمنزلة النجوم يهتدي بهم في ظلمات البر والبحر، وقد أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم، فإنّهم خلفاء الرسول في أمته، والمحيون لما مات من سنته، فبهم قام الكتاب وبه قاموا، وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا»79.

      ٢. عدم غيبتهم وإيذائهم.

      حرم القرآن الكريم الغيبة، فقال الله تعالى: ( ﭢﭣ ﭫﭬ ﭮﭯ ) [الحجرات:١٢].

      وإذا كانت الغيبة محرمة على جهة العموم فقد ذهب بعض العلماء إلى أنّ غيبة العلماء أشدّ وآثم من غيبة غيرهم، لما يترتّب على ذلك من المفاسد العظيمة في غيبتهم، ولهذا نصّ بعض العلماء على أنّ الغيبة إذا كانت في أهل العلم وحملة القرآن الكريم فهي كبيرةٌ، وإلا فصغيرةٌ 80.

      ٣. طاعتهم فيما يأمرون به.

      من حقوق العلماء علينا حق الطاعة لهم فيما يأمروننا به من تعاليم وإرشادات، وقد ورد في القرآن الكريم الأمر بطاعة أولي الأمر، في قوله تعالى: ( ) [النساء:٥٩].

      وقد فسر بعض السلف كجابر بن عبد الله والحسن ومجاهد وعطاء رضي الله عنهم جميعًا أولي الأمر بأنهم العلماء81.

      فقد أخرج ابن أبي شيبة بسنده عن جابر بن عبد الله: ( ) قال: أولو الفقه أولو الخير82.

      وأخرج عبد الرزاق عن الحسن في قوله تعالى: ( ) قال: هم العلماء83.

      سابعًا: حقوق الضعفاء:

      الضعفاء أصناف شتى من الناس بعضهم ضعفه حسي؛ كالمرضى وذوي الإعاقات، وبعضهم ضعفه معنوي؛ كاليتيم وابن السبيل، والعبيد والخدم، وبعضهم ضعفه بأصل الخلقة التي خلقه الله عليها كالمرأة، وقد اهتم الإسلام ممثلًا في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة بحقوق هؤلاء على اختلاف أنواعهم، فحذرت النصوص القرآنية والنبوية من التعدي عليهم، أو الإساءة لهم بالقول أو بالفعل، أو أكل حقوقهم، كما أمرت بالإحسان إليهم، وهو ما أتناوله على النحو التالي:

      الفرع الاول:حقوق النساء:

      كرّم القرآن الكريم النساء أيما تكريم، وحسبهن أن سميت باسمهن سورة في كتاب الله تعالى اشتملت على طائفة من الأحكام والتشريعات الخاصة بالنساء، وبنحوهن من الضعفاء؛ كاليتامى والمساكين.

      وحقوق النساء أكثر من أن تذكر في هذه السطور القليلة، فهي مبسوطة في كتب السنة وأبواب الفقه المختلفة.

      وجعل سبحانه وتعالى بين الرجل والمرأة حقوقًا متبادلة، أجملها في آية وفصلها في آيات أخرى، فقال جل شأنه: ( ﮜﮝ ﮠﮡ ) [البقرة:٢٢٨].

      قال الجصاص: «أخبر الله تعالى في هذه الآية أن لكل واحد من الزوجين على صاحبه حقًّا، وإن الزوج مختص بحق له عليها ليس لها عليه مثله بقوله تعالى: ( ) ولم يبين في هذه الآية ما لكل واحد منهما على صاحبه من الحق مفسرًا، وقد بينه في غيرها وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم»84.

      وأشير هنا إلى طرف من حقوق النساء في القرآن الكريم بإيجاز على هذا النحو:

      ١. إحسان العشرة الزوجية.

      وذلك يتجلى في نصوص قرآنية حثت على إباحة تعدد الزوجات مع شرط العدل بينهن، ونصوص أخرى حثت على التعامل مع نشوز النساء بحلول شرعية تناسب كل النساء، ونصوص ثالثة حثت على إدخال التحكيم أو الصلح في نزاع المرأة مع زوجها، ونصوص رابعة تنهى عن الحيف على المرأة وتأمر بالاعتدال في حالة التعدد.

      فمن النوع الأول: قول الله تعالى: ( ﮒﮓ ﮜﮝ ) [النساء:٣].

      ومنه أيضًا قوله جل شأنه: ( ﯔﯕ ﯠﯡ ﯣﯤ ) [النساء:١٩].

      فنصت الآية على سبيل الوجوب بإحسان عشرة النساء مع الإشارة إلى أن الله تعالى قد يكون قدر الخير في تلك المرأة التي يبغضها زوجها.

      والمعاشرة بالمعروف المقصود بها المصاحبة لهن بالإحسان كما ذكره مقاتل85.

      وقال الشافعي رحمه الله في معناها في موضع: «وجماع المعروف إتيان ذلك بما يحسن لك ثوابه وكف المكروه»، وفي موضع آخر: «وجماع المعروف بين الزوجين: كف المكروه وإعفاء صاحب الحق من المؤنة في طلبه، لا بإظهار الكراهية في تأديته فأيهما مطل بتأخيره فمطل الغني ظلم»86.

      وذكر الزمخشري أن المراد بالمعاشرة بالمعروف النصفة في المبيت والنفقة والإجمال في القول87.

      ويفسر المعروف كذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: (لا يفرك مؤمنٌ مؤمنةً إن كره منها خلقًا رضى منها آخر). أو قال: (غيره)88.

      ومنه كذلك ( ﭹﭺ ﭽﭾ ﭿ ﮀﮁ ) [النساء: ١٢٩].

      ومن النوع الثاني من النصوص الآمرة بحسن العشرة: قوله جل شأنه: ( ﭯﭰ ﭶﭷ ) [النساء: ٣٤].

      ومن النوع الثالث: قول الله تعالى: ( ﭿ ﮎﮏ ) [النساء: ٣٥].

      وقوله تعالى: ( ﭟﭠ ﭢﭣ ﭦﭧ ) [النساء:١٢٨].

      ومن إحسان عشرة النساء عدم إمساكهن كرهًا، فإما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، قال الله تعالى: ( ﮧﮨ ﮭﮮ) [البقرة: ٢٢٩].

      وقال جل شأنه: ( ﭚﭛ ﭟﭠ ﭦﭧ ﭬﭭ ﭹﭺ ﭽﭾ ﭿ ) [البقرة: ٢٣١].

      ٢. إيفاء النساء صداقهن.

      جعل الله الصداق حقًّا من حقوق النساء، فأمر الأزواج بإيفائه لهن، وضرب مثالًا لعظمه ومقداره بالقنطار، ونهى عن أخذ شيء منه إلا عن طيب نفس من الزوجة، ونهى عن استرداده.

      فقال جل شأنه: ( ﮦﮧ ) [النساء:٤].

      وقال سبحانه وتعالى: ( ﭝﭞ ) [النساء:٢٠-٢١].

      والآيتان تدلان على عظم قدر الصداق، وفيها دليل على جواز المغالاة في المهور؛ لأنّ الله تعالى لا يمثل إلا بمباح وقد روي أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب على المنبر فقال: «أَلَا لا تغالوا في صداقات النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا وتقوى عند الله لكان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ما أصدق قط امرأة من نسائه ولا من بناته فوق اثنتي عشرة أوقية» فقامت إليه امرأة فقالت: يا عمر، يعطينا الله وتحرمنا أنت؟ أليس الله سبحانه يقول: ( ) فقال عمر: «امرأة أصابت وأمير أخطأ»89.

      والآية تدل كذلك عدم جواز أخذ شيء منه بعد الزواج، فالصداق حق كامل للمرأة بالدخول، أو المسيس أو الخلوة الشرعية، وحق متنصف إذا طلقت قبل الدخول على ما هو معروف في أبواب النكاح.

      وقال جل شأنه: ( ﭘﭙ ﭜﭝ ﭨﭩ ﭰﭱ ﭺﭻ ﭽﭾ ﭿ ) [النساء:٢٤].

      فأبانت الآية أن المهر حق للمرأة، فإن شاء تنازلت عنه أو عن شيء منه فلا حرج عليه ولا على الزوج في ذلك.

      ٣. حق النساء في الميراث.

      أعطى الإسلام للمرأة حقها في الميراث زوجة كانت أو بنتًا أو أمًّا أو جدةً، أو أختًا أو بنت ابن..الخ، وجعل نصيب المرأة نصف نصيب الرجل، وفي بعض الحالات تتساوى معه أو تزيد عليه.

      قال تعالى في شأن توريث النساء على جهة العموم: ( ﭡﭢ ) [النساء:٧].

      وأخرج البخاري عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما قال: «كان المال للولد، وكانت الوصيّة للوالدين، فنسخ اللّه من ذلك ما أحبّ، فجعل للذّكر مثل حظّ الأنثيين، وجعل للأبوين لكلّ واحدٍ منهما السّدس والثّلث، وجعل للمرأة الثّمن والرّبع، وللزّوج الشّطر والرّبع»90.

      وأورد الطبري عن قتادة في قول الله تعالى قوله: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [النساء:٣٢]، كان أهل الجاهلية لا يورّثون المرأة شيئًا ولا الصبيّ شيئًا، وإنما يجعلون الميراث لمن يحترف وينفع ويدفع، فلما نجز للمرأة نصيبها وللصبيّ نصيبه، وجعل للذكر مثل حظّ الأنثيين، قال النساء: «لو كان جعل أنصباءنا في الميراث كأنصباء الرجال»! وقال الرجال: «إنا لنرجو أن نفضّل على النساء بحسناتنا في الآخرة، كما فضلنا عليهن في الميراث»! فأنزل الله: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [النساء:٣٢]، يقول: المرأة تجزى بحسنتها عشر أمثالها، كما يجزى الرجل، قال الله تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [النساء:٣٢]91.

      وورد في سورة النساء آيات تنص على حق توريث المرأة بجميع حالاتها الأم والجدة، والبنت وبنت الابن، والاخت، والزوجة.... على ما هو معروف في آيات سورة النساء.

      ٤. عدم عضل المرأة في النكاح.

      نهى القرآن الكريم الأولياء عن عضل النساء في الزواج، سواء كانت المرأة ابنة الولي أو أخته أو يتيمة في حجره، فقال جل شأنه: ( ﮑﮒ ﮜﮝ ﮡﮢ ) [البقرة:٢٣٢].

      قال الإمام الشافعي: «حتم لازم لأولياء الأيامى، والحرائر البوالغ إذا أردن النكاح، ودعوا إلى رضى من الأزواج. أن يزوجوهن؛ لقول الله عز وجل: ( ) فإن شبّه على أحد بأن مبتدأ الآية على ذكر الأزواج؛ ففي الآية دلالة على أنه إنما نهى عن العضل الأولياء؛ لأن الزوج إذا طلق، فبلغت المرأة الأجل فهو أبعد الناس منها، فكيف يعضلها من لا سبيل ولا شرك له في أن يعضلها في بعضها؟!»92.

      وقال تعالى: ( ﯔﯕ ﯠﯡ) [النساء:١٩].

      وسبب نزول ذلك كما ذكره الماوردي: «أن أهل المدينة في الجاهلية كانوا إذا مات أحدهم عن زوجة، كان ابنه وقريبه أولى بها من غيره ومنها بنفسها، فإن شاء نكحها كأبيه بالصداق الأول، وإن شاء زوجها وملك صداقها، وإن شاء عضلها عن النكاح حتى تموت فيرثها أو تفتدي منه نفسها بصداقها، إلى أن توفّي أبو قيس بن الأسلت عن زوجته كبيشة بنت معن بن عاصم فأراد ابنه أن يتزوجها فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا نبي الله لا أنا ورثت زوجي، ولا أنا تركت فأنكح، فنزلت هذه الآية»93.

      ٥. تشريع كفارة الظهار من حقوق النساء.

      شرع الله تعالى كفارة الظهار حلًّا لإشكالية وقعت لامرأة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان في ذلك رحمة بكثير من الأسر التي توشك أن تنهار بسبب الظهار، بل إن الله تعالى قد أنزل سورة كاملًا تحمل اسم «المجادلة» والتي صدرت آياتها بقصة السيدة خولة ( ﭞﭟ ﭬﭭ ﭲﭳ ﭹﭺ ﭽﭾ ﭿ ﮍﮎ ﮑﮒ ﮡﮢ ﮨﮩ ﮭﮮ ﮱﯓ ) [المجادلة:١-٤].

      روي عن عبد اللّه بن سلامٍ عن خويلة بنت مالك بن ثعلبة قالت: (ظاهر منّي زوجي أوس بن الصّامت فجئت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أشكو إليه، ورسول اللّه صلى الله عليه وسلم يجادلني فيه، ويقول: (اتّقي اللّه فإنّه ابن عمّك)، فما برحت حتّى نزل القرآن ( ) إلى الفرض، فقال: (يعتق رقبةً)، قالت: لا يجد، قال: (فيصوم شهرين متتابعين)، قالت: يا رسول اللّه، إنّه شيخٌ كبيرٌ ما به من صيامٍ، قال: (فليطعم ستّين مسكينًا)، قالت: ما عنده من شيءٍ يتصدّق به، قالت: فأتى ساعتئذٍ بعرقٍ من تمرٍ، قلت: يا رسول اللّه، فإنّي أعينه بعرقٍ آخر، قال: (قد أحسنت اذهبي فأطعمي بها عنه ستّين مسكينًا وارجعي إلى ابن عمّك)94.

      ٦. النهي عن معاشرة المرأة في حال العذر الشرعي:

      من حقوق المرأة كذلك أن القرآن الكريم نهى الأزواج عن معاشرة زوجاتهم خلال الحيض ونحوه؛ كالنفاس، واصفًا ذلك بأنه أذى، وهذا وإن كان أمرًا شرعيًّا يتعلق بالطهارة، وحفظ الصحة، ونحوهما؛ فهو حق للمرأة كذلك، حيث لا يحل لزوجها إجبارها على المعاشرة وهي على هذه الحالة، قال تعالى: ( ﮢﮣ ﮪﮫ ﮯﮰ ﯘﯙ ) [البقرة:٢٢٢].

      وقد حكى الرازي - عند تفسير هذه الآية- اتفاق المسلمين على حرمة الجماع في زمن الحيض، واتفاقهم على حل الاستمتاع بالمرأة بما فوق السرة ودون الركبة، واستنبط من الآية فائدة جليلة جديدة وهي أن يكون قوله: ( ) نهيًا عن المباشرة في موضع الدم، وقوله: ( ) يكون نهيًا عن الالتذاذ بما يقرب من ذلك الموضع95.

      الفرع الثاني:حقوق اليتامى:

      اليتيم هو من فقد أباه دون البلوغ ويمكن أن يطلق أيضًا على من بلغ استصحابًا للأصل96.

      وقد ورد ذكر اليتامى في القرآن الكريم في اثنين وعشرين موضعًا، بعضها بالإفراد وأكثرها بالجمع، وموضع في الكهف بالتثنية.

      وقد أوصى القرآن الكريم باليتامى خيرًا في غير موضع، وحث على إيفائهم حقوقهم وعدم أكل أموالهم، وذكر نعمته جل وعلا على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم الذي نشأ يتيمًا فآواه الله عز وجل.

      وأبرز حقوق اليتامى التي ورد الأمر بها في القرآن الكريم ما يلي:

      ١. الإحسان إليهم.

      وذلك في آيات عدة منها:

      قول الله تعالى: ( ) [البقرة:٨٣].

      وقوله جل شأنه: ( ﮜﮝ ﮯﮰ ) [النساء:٣٦].

      ٢. عدم أكل مال اليتامى ظلمًا.

      كما في قوله تعالى: ( ﭲﭳ ﭷﭸ ﭽﭾ ﭿ ﮒﮓ ﮜﮝ ) [النساء:٣].

      وحذر القرآن الكريم من أكل أموال اليتامى مصورًا إياه في أبشع صورة ( ﮎﮏ ) [النساء:١٠].

      وأكل مال اليتامى ظلمًا معدود من أكبر الكبائر ومن السبع الموبقات بنص حديث أبى هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السّبع الموبقات). قالوا: يا رسول اللّه، وما هنّ؟ قال: (الشّرك باللّه، والسّحر، وقتل النّفس الّتي حرّم اللّه إلاّ بالحقّ، وأكل الرّبا، وأكل مال اليتيم، والتّولّي يوم الزّحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات)97.

      ٣. عدم الاقتراب من مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده.

      وذلك جاء في موضعين من مواضع الوصايا الواردة في سورتي الأنعام والإسراء، قوله تعالى: ( ﭛﭜ) [الأنعام:١٥٢] [الإسراء:٣٠].

      ٤. النصح لليتيم.

      من حقوق اليتيم النصح له، وذلك بالنظر فيما يصلح شأنه ماديًّا ومعنويًّا، وحسن التصرف في ذلك، مصداقًا، لقول الله تعالى: ( ﭗﭘ ﭜﭝ ﭠﭡ ﭦﭧ ﭫﭬ ) [البقرة:٢٢٠].

      وذكر البخاري أن ابن سيرين كان أحبّ الأشياء إليه في مال اليتيم أن يجتمع إليه نصحاؤه وأولياؤه فينظروا الّذي هو خيرٌ له. وكان طاوسٌ إذا سئل عن شيءٍ من أمر اليتامى قرأ ( ). وقال عطاءٌ فى يتامى الصّغير والكبير: ينفق الوليّ على كلّ إنسانٍ بقدره من حصّته 98..

      ٥. التصدق على اليتيم.

      ومن حقوقه أيضًا: التصدق عليه كما في قول الله تعالى: ( ) [البقرة:١٧٧].

      وكما في حديث أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (إنّ هذا المال خضرةٌ حلوةٌ، فنعم صاحب المسلم ما أعطى منه المسكين واليتيم وابن السّبيل)، أو كما قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: (وإنّه من يأخذه بغير حقّه كالّذي يأكل ولا يشبع، ويكون شهيدًا عليه يوم القيامة)99.

      ٦. الإحسان إلى يتامى النساء.

      أمر القرآن الكريم بالإحسان إلى اليتيمات من النساء خاصة؛ نظرًا لما كان عليه العرب من هضم حقوقهن، وإهدارها،والتزوج منهن كرهًا حتى يستولي عليها وعلى مالها، فقال تعالى: ( ﯔﯕ ﯱﯲ ) [النساء:١٢٧].

      وسبب نزولها كما في الصحيحين: ما رواه عروة بن الزّبير أنّه سأل عائشة عن قول اللّه تعالى: ( ). فقالت: يا ابن أختي، هذه اليتيمة تكون في حجر وليّها، تشركه في ماله ويعجبه مالها وجمالها، فيريد وليّها أن يتزوّجها، بغير أن يقسط في صداقها، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا عن أن ينكحوهنّ، إلاّ أن يقسطوا لهنّ، ويبلغوا لهنّ أعلى سنّتهنّ في الصّداق، فأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النّساء سواهنّ. قال عروة قالت عائشة وإنّ النّاس استفتوا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية فأنزل اللّه ( ) قالت عائشة وقول اللّه تعالى فى آيةٍ أخرى ( ) رغبة أحدكم عن يتيمته حين تكون قليلة المال والجمال، قالت: فنهوا أن ينكحوا عن من رغبوا في ماله وجماله في يتامى النّساء، إلاّ بالقسط، من أجل رغبتهم عنهنّ إذا كنّ قليلات المال والجمال100.

      الفرع الثالث: حقوق العبيد ونحوهم:

      العبيد والإماء صنف من الناس ابتلوا بالرق لظروف ألمت بهم، وقد اهتم الإسلام بأمرهم، وحث على الإحسان إليهم، ووردت في أكثر الكفارات صنف من خصال الكفارة عن عتق الرقاب، وقد كان الرق منتشرًا قبل الإسلام، فلما أنعم الله تعالى على البشرية بالرسالة المحمدية، سعت الشريعة إلى تضييق نطاق الرق بتجفيف منابعه، وذلك من خلال الحث على الإعتاق:

      فجاء الأمر بالعتق في كفارات (اليمين، والظهار، والقتل الخطأ، والجماع في رمضان)، وهذا أبرز حق من حقوق العبيد وهو: السعي في إعتاقهم، والنصوص القرآنية وافرة في هذا الشأن:

      قال الله تعالى في شأن كفارة القتل الخطأ: ( ﭘﭙ ﭧﭨ ﭳﭴ ﭽﭾ ﭿ ﮂﮃ ﮌﮍ ) [النساء:٩٢].

      وقال جل شأنه في كفارة اليمين: ( ﯝﯞ ﯬﯭ ﯳﯴ ﯹﯺ ﯼﯽ ﯿ ) [المائدة:٨٩].

      وقال عز من قائل في كفارة الظهار: ( ﮍﮎ ﮑﮒ ) [المجادلة:٣].

      وقال سبحانه وتعالى مرغبًا في الإعتاق على جهة العموم: ( ) [البلد:١١-١٣].

      ومن حقوق العبيد التي وردت في القرآن الكريم مكاتبتهم إن أرادوا التحرر من ربقة العبودية.

      قال تعالى: ( ﭺﭻ ﭽﭾ ﭿ ) [النور:٣٣].

      ومن حقوق الإماء عدم إكراههم على الفاحشة، تطبيقًا لقول الله تعالى: ( ﮎﮏ ) [النور:٣٣].

      وسبب الآية كما أخرجه مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنّ جاريةً لعبد اللّه بن أبيٍّ ابن سلول يقال لها: مسيكة، وأخرى يقال لها: أميمة، فكان يكرههما على الزّنى، فشكتا ذلك إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأنزل اللّه: ( ) إلى قوله: ( )101.

      ومن حقوق العبيد التصدق عليهم، وذلك من خصال البر، كما في قول الله: ( ) [البقرة:١٧٧].

      ومن حقوق العبيد والإماء ويلحق بهم الخدم عدم التقصير في نفقتهم، وتعليمهم أمور الشرع وحثهم على الطاعات.

      وعدم تكليفهم بما لا يطاق، فإن كلفوا بعمل شاق، فينبغي مساعدتهم، وهذا الحق وإن لم ينص عليه صراحة في كتاب الله تعالى إلا أنه مستفاد من نصوص قرآنية عامة، مثل قول الله تعالى: ( ) [البقرة:٢٣٣].

      وقد نصت السنة النبوية على هذا الحق كما في الصحيح عن المعرور بن سويدٍ قال: رأيت أبا ذرٍّ الغفاريّ رضي الله عنه وعليه حلّةٌ وعلى غلامه حلّةٌ فسألناه عن ذلك فقال: (إنّى ساببت رجلًا فشكاني إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال لي النّبيّ صلى الله عليه وسلم: (أعيّرته بأمّه؟). ثمّ قال: (إنّ إخوانكم خولكم جعلهم اللّه تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه ممّا يأكل، وليلبسه ممّا يلبس، ولا تكلّفوهم ما يغلبهم، فإن كلّفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم)102. وللعبيد حقوق أخرى مبسوطة في مواضعها من كتب الفقه.

      الفرع الرابع: حقوق المرضى وذوي الإعاقات:

      المرض ضعف في القوى يترتب عليه خلل في الأفعال، أو هو خروج البدن عن الاعتدال الخاص103.

      والأمراض من البلايا التي يبتلى بها البشر وغيرهم، وقد جعل الله تعالى المرض مشتملًا على فوائد وحكم متعددة، وللمرضى حقوق كفلتها لهم الشريعة الإسلامية مراعاة لأحوالهم وظروفهم، وأبرز حقوق المرضى والضعفاء التي وردت في القرآن الكريم هي التخفيف عن المرضى في العبادات وما يتعلق بها:

      حيث خفف الله تعالى عن المرضى في العبادات، ورخص لهم ويسر عليهم أمورهم في الطهارة، والصلاة، والصوم، والحج، والجهاد، والاستئذان، والأكل من بيوت الأقارب، ونحوها مما ورد في القرآن الكريم:

      ففي معرض الرخص في العبادات نجد في الطهارة قول الله تعالى: ( ) [المائدة:٦].

      وفي الصلاة قال الله تعالى: ( ﭽﭾ ﭿ ﮈﮉ ﮋﮌ ﮜﮝ ﮡﮢ ) [النساء:١٠٢-١٠٣].

      وفي الآيتين اعتبار لعذر المرض في صلاة الخوف، وفي الصلاة من قعود أو على جنب عند العجز عن القيام.

      وقال جل شأنه في معرض الأمر بالتخفيف في القراءة في الصلاة: ( ﭲﭳ ﭸﭹ ﭽﭾ ﭿ ﮁﮂ ﮇﮈ ) [المزمل:٣٠].

      وفي الصيام قال الله تعالى: ( ﭳﭴ ﭽﭾ ﭿﮀ ﮆﮇ ﮍﮎ ﮒﮓ ﮣﮤ ﮩﮪ ﯕﯖ ) [البقرة:١٨٢-١٨٣].

      وفي الحج قال الله تعالى: ( ﯤﯥ ﯵﯶ) [البقرة:١٩٦].

      وفي رفع الحرج عن المريض في الجهاد والإذن له بالتخلف، قال الله تعالى: ( ﮡﮢ ﮧﮨ ) [التوبة:٩١].

      وقال جلَّ شأنه أيضًا: ( ﭻﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮆﮇ ) [الفتح:١٧].

      وفي الأكل من بيوت الأقارب نجد قول الله تعالى: ( ﮱﯓ ﯛﯜ ﯨﯩ ) [النور:٦١].

      وفي المقصود بهذه الآية خمسة أقاويل:

      أحدها: أن الأنصار كانوا يتحرجون أن يؤاكلوا هؤلاء إذا دعوا إلى الطعام فيقولون: الأعمى لا يبصر أطيب الطعام، والأعرج لا يستطيع الزحام عند الطعام، والمريض يضعف عن مشاركة الصحيح في الطعام، وكانوا يقولون: طعامهم مفرد ويرون أنه أفضل من أن يكونوا شركاء، فأنزل الله هذه الآية فيهم ورفع الحرج عنهم في مؤاكلتهم، قاله ابن عباس، والضحاك، والكلبي.

      الثاني: أنه ليس على هؤلاء من أهل الزمانة حرج أن يأكلوا من بيوت من سمى الله بعد هذا من أهاليهم، قاله مجاهد.

      الثالث: أنه كان المذكورون من أهل الزمانة يخلفون الأنصار في منازلهم إذا خرجوا بجهاد وكانوا يتحرجون أن يأكلوا منها فرخص الله لهم في الأكل من بيوت من استخلفوهم فيها، قاله الزهري.

      الرابع: أنها نزلت في إسقاط الجهاد عمن ذكروا من أهل الزمانة.

      الخامس: ليس على من ذكر من أهل الزمانة حرج إذا دعي إلى وليمة أن يأخذ معه قائده104.

      هذا وللمريض حقوق كفلتها السنة النبوية؛ كالزيارة، والدعاء له بالشفاء ونحوها مما ورد في مواضعه، مما لا يتسع المقام لذكره لعدم صلته المباشرة بآيات قرآنية.

      الفرع الخامس: حقوق أبناء السبيل:

      ابن السبيل صنف من الأصناف التي ورد ذكرها في آية مصارف الزكاة، وقد اختلف في المقصود به وأشهر ما في ذلك قولان:

      أولًا: أنه المسافر الغريب أو عابر الطريق، الذي انقطعت به النفقة، وسمي بذلك كأن الطريق ولدته105.

      ثانيًا: أن المراد به الضيف، أو المسافر الذي يمر بحي من الأحياء، حيث يجب إكرامه106.

      ولابن السبيل جملة من الحقوق ورد ذكرها في القرآن الكريم بيانها على هذا النحو:

      ١. الأخذ من الزكاة.

      قال تعالى: ( ﮰﮱ ﯕﯖ ) [التوبة:٦٠].

      ٢. الإنفاق عليه.

      قال تعالى: ( ) [البقرة:١٧٧ ].

      وقال تعالى في آية النفقة: ( ﯷﯸ ﯿ ﰃﰄ ) [البقرة: ٢١٥].

      ٣. الإحسان إليه.

      قال تعالى: ( ﮜﮝ ﮯﮰ ) [النساء:٣٦].

      ٤. استحقاقه من الغنيمة.

      قال الله تعالى: ( ) [الأنفال:٤١].

      ٥. إيفاؤه حقه.

      قال تعالى: ( ) [الإسراء: ٢٦].

      وكما في قوله تعالى: ( ﮟﮠ ﮦﮧ ) [الروم: ٣٨].

      ٨. استحقاقه من الفيء.

      قال تعالى: ( ) [الحشر:٧].

      الفرع السادس: حقوق الأطفال:

      اهتم الإسلام بالطفولة الكريمة وجعلها أساس المجتمع السوي، وأعطاها اهتمامًا بالغًا، فحض على الزواج وعلى حسن اختيار كل من الزوجين للآخر لما في ذلك من أثر في حسن العشرة والنشأة الكريمة للأطفال، وورد في القرآن الكريم طائفة من حقوق الأطفال على هذا النحو:

      ١. حق الرضاعة.

      من أبرز حقوق الطفل بعد ولادته حق الرضاعة التي تقوم بها الأم أو أي امرأة أخرى بالأجر مع التزام والد الطفل بهذا الأجر، مع ملاحظة أن الرضاع ليس بواجب على الأم، ولا تجبر عليه، إلا إذا لم يوجد غيرها، مما يترتب على ترك الرضاع إضرار بالطفل، وقد نص القرآن الكريم على ذلك في غير موضع منها:

      قال الله تعالى: ( ﮮﮯ ﯕﯖ ﯜﯝ) [البقرة:٢٣٣].

      قال الطبري: «وليس ذلك بإيجاب من الله تعالى ذكره عليهن رضاعهم، إذا كان المولود له ولد، حيًّا موسرًا؛ لأن الله تعالى ذكره قال في سورة النساء القصرى: ( ) [الطلاق: ٦].

      فأخبر تعالى ذكره: أن الوالدة والمولود له إن تعاسرا في الأجرة التي ترضع بها المرأة ولدها، أن أخرى سواها ترضعه، فلم يوجب عليها فرضًا رضاع ولدها. فكان معلومًا بذلك أن قوله: ( ) دلالة على مبلغ غاية الرضاع التي متى اختلف الوالدان في رضاع المولود بعده، جعل حدًّا يفصل به بينهما، لا دلالة على أن فرضًا على الوالدات رضاع أولادهن»107.

      وجاء في نفس الآية: ( ﯿ ﰉﰊ ) [البقرة:٢٣٣].

      ٢. حق التربية والتقويم.

      تربية الأولاد وتقويمهم من الحقوق التي كفلها الإسلام لهم، وحض عليها الوالدين، وذلك وارد كثيرًا في السنة النبوية بتوسع، وأصول التربية وارد بعضها في كتاب الله تعالى، وأبرزها في موطنين:

      الموطن الأول: في وصف سيدنا إسماعيل عليه السلام حيث كان يأمر أهله بالصلاة والزكاة، وهذا جانب من جوانب التربية.

      قال تعالى: ( ﭤﭥ ) [مريم:٥٤-٥٥].

      الموطن الثاني: في تعليم الأطفال الاستئذان.

      قال تعالى: ( ﯚﯛ ﯨﯩ ﯬﯭ) [النور:٥٨].

      والمراد بهم الأطفال الأحرار دون البلوغ108، على تفصيل في الآية وخلاف هل المقصود بها الذكور والإناث أم الذكور فقط، وليس هذا موضع لبسط الخلاف في المسألة.

      قال الجصاص: «وقوله: ( ) يدل على أن من لم يبلغ وقد عقل يؤمر بفعل الشرائع وينهى عن ارتكاب القبائح وإن لم يكن من أهل التكليف على جهة التعليم؛ كما أمرهم الله تعالى بالاستئذان في هذه الأوقات»109.

      وفي نفس السورة: ( ﭛﭜ ﭡﭢ ) [النور:٥٩].

      هذا وحقوق الأطفال على جهة الإجمال كثيرة مبسوطة في كتب السنة النبوية مما لا مجال لذكره.

      وقد نص القرار رقم: ١١٣ (٧/١٢)[١] بشأن موضوع حقوق الأطفال والمسنين، والصادر عن مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثانية عشرة بالرياض في المملكة العربية السعودية، من ٢٥ جمادى الآخرة ١٤٢١هـ ـ ١ رجب ١٤٢١هـ الموافق ٢٣ - ٢٨ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٠م. على عدة توصيات تتعلق بحقوق الأطفال مستمدة من القرآن والسنة تصل في مجملها إلى عشرة بنود110.

      ثامنًا: حقوق الفقراء والمساكين:

      الفقراء والمساكين صنفان من أصناف الزكاة الواردة في قول الله تعالى: ( ﮰﮱ ﯕﯖ ) [التوبة:٦٠].

      وللعلماء كلام طويل في تعريف كل منهما والتفرقة بينهما أشير إليه بإيجاز:

    • أنّ الفقير هو الذي له بعض ما يكفيه ويقيمه111.
    • أنّ الفقير الذي لا يسأل الناس، كما قال الله تعالى في صفة الفقراء: ( ﮰﮱ) [البقرة: ٢٧٣]، والمسكين هو الذي يسأل الناس، كما قال الله تعالى: ( ) [الإنسان: ٨] وقد جاء يسأل112.
    • أنّ الفقير الذي يسأل ويظهر افتقاره وحاجته إلى الناس، استدلالًا بقوله عز وجل: ( )، والمسكين هو الذي به زمانة لا يسأل ولا يعطى له، كما قال الله تعالى: ( ) [البلد:١٦] أي: لاصقًا بالتراب من الجوع والعرى113.
    • أنّ الفقير هو الذي له بلغة لا تكفيه لعيش عامه، والمسكين هو من ليس لديه شيء بالكلية 114.
    • أن الفقير هو الذي يقدر على ما يقع موقعًا من كفايته إلا إنه لا يكفيه115.
    • أن الفقير هو الذي لا يجد شيئًا ألبته، أي: قطعًا، أو يجد شيئًا يسيرًا من الكفاية دون نصفها من كسب أو غيره مما لا يقع موقعًا من كفايته، والمسكين الذي يجد معظم الكفاية أو نصفها، من كسب أو غيره116.

      الفرق بين الفقير والمسكين:

      للعلماء في التفرقة بين الفقير والمسكين أو التشابه بينهما أقوال أوجزها في ثلاثة:

      القول الأول: أن الفقير أحسن حالًّا من المسكين، قال ابن السكيت: سألت أعرابيًّا أفقير أنت؟ فقال: لا والله، بل مسكينٌ.

      القول الثاني: أنّ المسكين أحسن حالًّا من الفقير؛ لأن الله تعالى قال: ( ) [الكهف:٧٩]. وكانت تساوي جملة، وقال في حقّ الفقراء: ( )[البقرة:٢٧٣].

      القول الثالث: أنهما صنف واحد، وهو الذي لا شيء له، فجعلهما سواء117.

      هذا وقد حثت نصوص القرآن الكريم على وجوب إيتاء حق المساكين في غير موضع كما في قوله تعالى: ( ) [الإسراء:٢٦].

      وقوله جل شأنه: ( ﮟﮠ ﮦﮧ ) [الروم: ٣٨].

      وأبرز ما يمكن ملاحظته من حقوق الفقراء والمساكين في القرآن الكريم ما يلي:

      ١. دفع الزكاة إليهم.

      وذلك بنص الآية: ( ﮰﮱ ﯕﯖ ) [التوبة:٦٠].

      هذا وقد لاحظ بعض العلماء أن الفقير والمسكين يأخذون منها أخذًا مستقرًّا، لا يجب عليهم رد ما أخذوه بأي حال حتى لو استغنوا118.

      ٢. مراعاة شعورهم في دفع الصدقات بأفضلية إخفاء الصدقة.

      كما في قوله تعالى: ( ﭦﭧ ﭮﭯ ﭳﭴ ) [البقرة: ٢٧١].

      وللعلماء كلام طويل في المقارنة بين الإخفاء والإظهار في هذا الصدد، لا مجال لذكره119.

      ٣. المبادرة بإعطائهم قبل السؤال، لا سيما المتعففون منهم الذين لا يسألون الناس إلحافًا.

      كما في قوله تعالى: ( ﮰﮱ ) [البقرة: ٢٧٣].

      ٤. الحث على تزوج الفقراء مع وعد الله تعالى لهم بالغنى بسبب الزواج.

      كما في قوله تعالى: ( ﭗﭘ )[النور:٣٢].

      ٥. جعل نصيب للفقراء والمساكين في الغنيمة.

      كما في قوله تعالى: ( ) [الأنفال:٤١].

      ٦. جعل نصيب لهم عند حضور القسمة.

      كما في قول الله تعالى: ( ) [النساء: ٨].

      ٧. جعل نصيب لهم من النفقة.

      كما في قول الله تعالى: ( ﯿ ﰃﰄ) [البقرة: ٢١٥].

      ٨. الإحسان إليهم.

      كما في قول الله تعالى: ( ) [البقرة: ٨٣].

      ٩. التصدق عليهم بالطعام والشراب.

      كما في قول الله تعالى: ( ) [الإنسان: ٨].

      وقوله جل شأنه في سورة البلد: ( ) [البلد:١٦].

      والمراد به: مسكينًا ذا لصوق بالأرض لحاجته وشدة فقره، يقال: ترب فلان: إذا افتقر والتصق بالتراب، ويقال أيضًا ترب بمعنى افتقر، وأترب، أي: استغنى، كأنّ الهمزة للسّلب120.

      ١. جعل نصيب للمساكين من الكفارات المالية.

      كما في قوله تعالى في كفارة اليمين: ( ﯬﯭ) [المائدة:٨٩].

      وقوله تعالى في جزاء الصيد: ( ) [المائدة:٩٥].

      وقوله تعالى في كفارة الظهار: ( ﮨﮩ ) [المجادلة: ٤].

      تاسعًا: حقوق غير المسلمين:

      كفل الإسلام لغير المسلمين جملة من الحقوق التي يتمتعون بها في ظل الإسلام، بغض النظر عن تقسيماتهم المختلفة، وينقسم غير المسلمين من حيث عداوتهم ومسالمتهم إلى صنفين: مسالمين ومحاربين، والمسالمون هم: الذميون، والمعاهدون، والمستأمنون، وهذا طرف مما ورد في القرآن الكريم من حقوقهم.

    1. البر والقسط مع المسالمين من غير المسلمين.

      وهم الذين لم يتعرضوا للمسلمين بضرر أو سوء، ولم يحاربوهم فهؤلاء لم ينه الله تعالى عن برّهم والإقساط إليهم، كما في قوله تعالى: ( ﭽﭾ ﭿ ﮉﮊ ﮟﮠ ) [الممتحنة:٧-٨].

      فهؤلاء لهم حقّ البرّ والقسط؛ وفي معنى القسط إليهم ثلاثة أوجه ذكرها الماوردي:

      أحدها: يعني وتعدلوا فيهم، قاله ابن حبان. فلا تغلوا في مقاربتهم، ولا تسرفوا في مباعدتهم.

      الثاني: معناه أن تعطوهم قسطًا من أموالكم، حكاه ابن عيسى.

      الثالث: أنه الإنفاق على من وجبت نفقته منهم، ولا يكون اختلاف الدين مانعًا من استحقاقها121.

      وهذه الآية ذهب بعض مفسري السلف إلى أنها منسوخة بآيات القتال، ولكن ذهب شيخ المفسرين الطبري إلى أن المعنى: «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين، من جميع أصناف الملل والأديان أن تبرّوهم وتصلوهم، وتقسطوا إليهم، إن الله عزّ وجلّ عمّ بقوله: (ﭽﭾ ﭿ ) جميع من كان ذلك صفته، فلم يخصص به بعضًا دون بعض، ولا معنى لقول من قال: ذلك منسوخ؛ لأن برّ المؤمن من أهل الحرب ممن بينه وبينه قرابة نسب، أو ممن لا قرابة بينه وبينه ولا نسب غير محرّم ولا منهيّ عنه إذا لم يكن في ذلك دلالة له، أو لأهل الحرب على عورة لأهل الإسلام، أو تقوية لهم بكراع أو سلاح»122.

    2. دعوة غير المسلمين إلى دين الإسلام.

      من حقوق غير المسلمين علينا أن ندعوهم إلى الدخول في دين الله تعالى، حرصًا على نشر دينه، وحرصًا على مصلحتهم وسلامتهم من العذاب يوم القيامة، والعديد من نصوص القرآن الكريم تأمر بذلك، ومن هذا القبيل قول الله تعالى: ( ﮬﮭ ﮱﯓ ﯛﯜ ) [النحل:١٢٥].

      والمراد بسبيل الله هنا هو دينه وطاعته سبحانه وتعالى123.

    3. عدم مجادلة أهل الكتاب إلا بالحسنى.

      قال الله تعالى: ( ﭝﭞ ) [العنكبوت:٤٦].

      وهذه الآية ذهب البعض كقتادة ومعمر إلى أنها منسوخة بآية السيف، وذهب آخرون كابن زيد إلى أنها ليست منسوخة124. وفي المقصود بالتي هي أحسن أربعة أقوال:

      أحدها: أن الّتي هي أحسن قول: (لا إله إلا الله)، قاله ابن عباس. والثاني: الكف عنهم عند بذل الجزية منهم وقتالهم إن أبوا، قاله مجاهد.والثالث: أنهم إن قالوا شرًّا فقولوا لهم خيرًا، رواه ابن أبي نجيح. والرابع: وهو أن يحتج لشريعة الإسلام ولا يذم ما تقدمها من الشرائع.

      وفي المراد بــ( ) أقوال:

      أحدها: أنهم أهل الحرب، قاله مجاهد.

      والثاني: من منع الجزية منهم، رواه خصيف.

      والثالث: ظلموا بالإقامة على كفرهم بعد قيام الحجة عليهم، قاله ابن زيد. والرابع: ظلموا في جدالهم فأغلظوا لهم، قاله ابن عيسى125.

    4. الوفاء بالعهود لهم.

      الأصل في العهد أو الالتزام أنه يجب الوفاء به امتثالًا لقوله تعالى: ( ﮎﮏ) [الأنعام:١].

      وجرى خلاف كبير في المقصود بالعقود في الآية على خمسة أقوال126.

      منها أن المراد بها العقود التي يتعاقدها الناس بينهم، ويعقدها المرء على نفسه وأشهرها خمسة: عقدة الأيمان، وعقدة النكاح، وعقدة العهد، وعقدة البيع، وعقدة الحلف. وهذا مروي عن عبد الرحمن بن زيد127.

      وفيما يتعلق بالعهد مع غير المسلمين يقول المولى عز وجل: ( ﮡﮢ ) [التوبة:٤].

      والآية تنص على على وجوب الوفاء بالعهد مع غير المسلمين الذين التزموا به إلى تمام وقته، فلا يجوز نقضه من جانب المسلمين إلا إذا غدر المشركون وخانوا128.

    أداء الحقوق

    1. لما كانت الحقوق على اختلاف أنواعها ودرجاتها ذات أهمية كبيرة في الدنيا والآخرة، فقد أمر الله تعالى الناس بأدائها، ورتب على ذلك الثواب الكبير والفضل العظيم، وحذّر من تضييعها أو إهدارها والتعدي عليها، ورتب على ذلك العواقب الوخيمة في الدنيا والآخرة.

      ونصوص القرآن الكريم وافرة في هذا الصدد، منها ما هو صريح أمرًا ونهيًا، ومنها ما استنبطه المفسرون والفقهاء من الآيات المتعددة التي تدل على استيفاء الحقوق، وما يسقط منها بالتوبة وما لا يسقط، وما تكفره الحسنات وما لا تكفره، وأتناول ذلك على النحو الآتي:

      أولًا: ثواب المؤدين للحقوق:

    1. الحقوق بجميع أقسامها أمانة اختص الإنسان بحملها.

      قال تعالى: ( ﯬﯭ ) [الأحزاب:٧٢].

      فسرت الأمانة في الآية الكريمة بتفسيرات عدة، ففسرها البعض بأنها طاعة الله عز وجل وفرائضه وشرائعه، روي هذا عن ابن عباس ومجاهد والضحاك، والحسن وأبي العالية، ومقاتل، وقتادة، وسعيد بن جبير وغيرهم129.

      وذهب بعضهم إلى أن الأمانة هي غسل الجنابة، وذهب أبو الدرداء وغيره إلى أن الأمانة هي حفظ الفرج للرجال والنساء130، وذهب السدي إلى أن المقصود بها ائتمان قابيل على أخيه131.

      وذهب ابن مسعود إلى أن الأمانة هنا المقصود بها أمانات الناس من الودائع ونحوها132، وأورد فيها حديث «القتل في سبيل اللّه يكفّر الذّنوب كلّها غير الأمانة، يؤتى بالشّهيد في سبيل اللّه فيقال: أدّ أمانتك، فيقول: من أين أؤدّيها فقد ذهبت الدّنيا؟ قال: فيقال: اذهبوا به إلى الهاوية، حتّى إذا انتهي به إلى قرار الهاوية، مثّلت له أمانته كهيئتها يوم ذهبت فيحملها فيضعها على عاتقه، فيتصعد في النّار حتّى إذا رأى أنّه قد خرج منها فهوت، وهوى في إثرها أبد الآبدين، ثمّ قرأ عبد اللّه: ( )»133.

    2. الحقوق أمانة واجبة الأداء.

      جميع الحقوق التي شرعها الله تعالى أمانة في أعناقنا يجب علينا أداؤها ( ﯧﯨ ﯭﯮ ) [النساء:٥٨].

      قال الطبري تعقيبًا على قول ابن جريج إنّ هذه الآية نزلت في عثمان بن طلحة، «إنه جائز أن تكون نزلت فيه، وأريد به كل مؤتمن على أمانة، فدخل فيه ولاة أمور المسلمين، وكلّ مؤتمن على أمانة في دين أو دنيا. ولذلك قال من قال: عني به قضاء الدين، وردّ حقوق الناس»134.

    3. إيفاء حقوق الناس عاقبته الفلاح.

      أمر الله تعالى بإيتاء حقوق الغير لا سيما إن كان له درجة خاصة، أو ظروف خاصة؛ كالأقارب والمساكين وأبناء السبيل.

      قال تعالى: ( ﮟﮠ ﮦﮧ ) [الروم:٣٨].

      والمعنى هنا يجوز أن يكون مراده الصدقات الواجبة في آية مصارف الزكاة، وجائز أن يكون الحق الذي يلزمه إعطاؤه عند الضرورة إليه135.

      وقيل: «المقصود إيتاء ذي القربى حقه من صلة المال وحسن المعاشرة ولين القول، قال الحسن «حقه» المواساة في اليسر وقول ميسور في العسر»136.

    4. إيفاء الحقوق من أهم وصايا الأنبياء إلى قومهم.

      أرسل الله تعالى أنبياءه ورسله لهداية الناس وإرشادهم وتحذيرهم من عاقبة مخالفة الله تعالى، وأكل حقوق الناس، ولهذا جاءت آيات القرآن لتبرز وصايا الأنبياء لقومهم في هذا الشأن.

      ومن أبرز الأمثلة على ذلك: وصية سيدنا شعيب عليه السلام لقومه ( ﮋﮌ ) [هود:٨٥].

      أي: لا تنقصوا الناس حقوقهم، كما روي عن صالح بن حي، وقتادة137.

    5. الوصايا القرآنية الإجمالية داخلة جميعها في الحقوق.

      وردت وصايا قرآنية على سبيل الإجمال في سورتي الأنعام والإسراء بلغت عشر وصايا في الأولى، واثنتا عشرة وصية في الثانية، واشتملت هذه الوصايا على طائفة كبيرة من الحقوق، سواء كانت حقوقًا لله تعالى أم للعباد.

      فوصية سورة الأنعام في قول الله تعالى: ( ﯘﯙ ﯝﯞ ﯠﯡ ﯦﯧ ﯪﯫ ﯳﯴ ﯼﯽ ﯿ ﭛﭜ ﭠﭡ ﭦﭧ ﭮﭯ ﭲﭳ ﭽﭾﭿ ﮆﮇ ) [الأنعام:١٥١-١٥٣].

      ووصية سورة الإسرء في قوله تعالى: ( ﮞﮟ ) إلى قوله: ( ﰅﰆ ) [الإسراء:٢٣-٣٩].

      قلت: وهذه الحقوق السابق ذكرها في الأنعام والإسراء ورد ذكر أكثرها بالتفصيل في المبحث السابق.

    6. استيفاء الحقوق في الدنيا.

      شرع الله عز وجل الولاية العظمى، وما يستتبعها من الولايات الأخرى، لإقامة العدل في الأرض، وأنزل الأحكام الشرعية لتكون دستورًا يحفظ للناس حقوقها، فكانت مشروعية القصاص والحدود والتعازير على نحو ما هو معروف في الشريعة الإسلامية، ولذلك نجد ضوابط الشريعة الإسلامية الحاكمة لاستيفاء الحقوق.

      وبالنظر إلى الحقوق من حيث استيفاؤها إلى ثلاثة أقسام:

      الأول: ما لا بد فيه من الرفع إلى القضاء، باتفاق الفقهاء؛ كتحصيل العقوبات وما يخاف من استيفائه الفتنة، وذلك لخطرها وكذلك ما كان من الحقوق مختلفًا في أصل ثبوته.

      الثاني: ما لا يحتاج إلى القضاء باتفاق الفقهاء، لتحصيل الأعيان المستحقة، وتحصيل نفقة الزوجة والأولاد.

      الثالث: ما اختلف في جواز تحصيله من غير قضاء، كاستيفاء الديون138.

      ثانيًا: عاقبة المفرطين في الحقوق:

      حذرت الشريعة الإسلامية من التعدي على الحقوق، سواء كانت من حقوق الله تعالى أو من حقوق العباد، وورد في نصوص الكتاب العزيز آيات تحذر من ذلك، وأورد في هذا المطلب جوانب من التحذير في تعدي الحدود والتفريط في الحقوق، وما يتعلق بها على النحو التالي:

    1. التعدي على الحقوق يعتبر كفر أو فجور.

      قال تعالى: ( ) [عبس:٤٠-٤٢].

      حيث ذهب بعض المفسرين إلى أن المراد: أن الموصوفين بهذا (كفرة) في حقوق الله تعالى، (فجرة) في حقوق العباد، وأنهم لما جمعوا الفجور إلى الكفر جمع إلى سواد وجوههم الغبرة139.

    2. حقوق العباد لا تكفرها الصدقة.

      يخطئ من يظن أن الصدقة وفعل الخيرات تكفر كل الذنوب، أو تعفي المرء من كل التبعات، فهي لا تعفيه من تبعات حقوق الناس؛ لأن حقوق الناس تقوم على المشاحَّة.

      قال الله تعالى: ( ﭦﭧ ﭮﭯ ﭳﭴ ) [البقرة:٢٧١].

      ذكر الإمام الماوردي أن كلمة (من) هنا للتبعيض؛ لأن حقوق العباد لا تكفرها الصدقة140.

    3. حقوق العباد لا تسقط بالتوبة.

      التوبة لها شروط معروفة عند العلماء، سواء تعلقت بحقوق الله تعالى أو بحقوق العباد، وأهم شرط فيما يتعلق بالتوبة من حقوق العباد هو التحلل من تبعاتهم ومظالمهم، وهذا معروف بلا خلاف في عامة الحقوق، وفيه خلاف يسير فيما إذا كانت حقوق الناس استولي عليها بالحرابة ونحوها.

      أما عن الأول فهذا مستفاد من نصوص قرآنية كثيرة، منها قوله تعالى: ( ﰊﰋ )[النساء:٦].

      حيث استنبط منها بعض المفسرين أن حقوق الناس لا تسقط بالتوبة141.

      ومنها قوله تعالى: ( ﯕﯖ ) [هود:١١٤].

      قال الألوسي: «ولا يمكن على ذلك التقدير حملها على الظاهر لما أن السيئة حينئذ تشمل حقوق العباد والإجماع على أن الحسنات لا تذهبها وإنما تذهبها التوبة بشروطها المعتبرة المعلومة»142.

      وأما عن الثاني وهو عدم سقوط حقوق الناس عن المحارب، فقد قال الله عز وجل: ( ﮧﮨ ) [المائدة:٣٤].

      استفيد من الآية أن المحارب إذا تاب منهم قبل القدرة عليهم وهو قبل أن يظفر به الإمام تسقط عنه كل عقوبة وجبت حقًّا لله، ولا يسقط ما كان من حقوق العباد فإن كان قد قتل في قطع الطريق يسقط عنه بالتوبة قبل القدرة عليه تحتم القتل، ويبقى عليه القصاص لولي القتيل فإن شاء عفا عنه وإن شاء استوفاه، وإن كان قد أخذ المال يسقط عنه القطع وإن كان قد جمع بينهما يسقط عنه تحتم القتل والصلب، ويجب ضمان المال وهو قول الشافعي رضي الله عنه143.

    4. حقوق العباد لا تسقط بالتقادم.

      المعروف في الشريعة الإسلامية أن الحقوق يطرأ عليها العفو والتقادم ونحوهما، فما مدى أثر العفو والتقادم على سقوط الحقوق من عدمه؟.

      يمكن القول بأن التقادم يسري على حقوق العباد، وعلى حقوق الله تعالى، فأما حقوق العباد فإنها لا تسقط بالتقادم بل تسمع الدعوى فيها متى ما تقدم صاحب الحق بالمطالبة بحقه، وأما الحقوق الخالصة لله تعالى كالحدود، فإن أقر بها الشخص بطوعه واختياره فلا أثر للتقادم فيها، وإن كانت أثيرت بناء على شهادة الشهود فهذا محل خلاف بين الفقهاء144.

    5. حقوق العباد لا يصح الرجوع فيها بعد الإقرار بها طوعًا.

      لا يجوز للمرء أن يرجع في حق أقر به من حقوق العباد، وإن رجع فلا يقبل رجوعه، فقد نصت المادة (١٥٨٨) من مجلة الأحكام العدلية على ما يلي: (لا يصح الرجوع عن الإقرار في حقوق العباد، فعليه لو قال أحد: إنني مدين لفلان بكذا درهمًا فيلزم بإقراره، ولا يعتبر قوله بعد ذلك: إنني رجعت عن إقراري)145.

      وهذا آخر ما يسره الله تعالى في هذا البحث، أسأل الله جل وعلا أن يرزقه رضى وقبولًا، وأن ينفع به من قرأه ووقف عليه، وأن يعفو عن زلاتي ويقيل عثراتي، إنه سبحانه وتعالى نعم المولى ونعم النصير.

      موضوعات ذات صلة:

      الأبوة، الأمومة، الألوهية، البنوة، الحق، الرحم


1 الصحاح، الجوهري ٤/١٤٦٠، لسان العرب، ابن منظور ١٠/٤٩.

2 التوقيف، المناوي ص ٢٨٧.

3 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ١٢٥.

4 المدخل الفقهي العام، مصطفى الزرقا ٣/١٠.

5 انظر: المدخل للفقه الإسلامي، أحمد عيسوي ص٣٣٨، الإسلام وحقوق الإنسان، القطب محمد ص٣٨.

6 انظر: المدخل الفقهي العام، مصطفى الزرقا ٣/٩-١٠.

7 التعريفات، الجرجاني ص ١٢٠.

8 المنهج الأخلاقي وحقوق الإنسان في القرآن الكريم، يحيى زمزمي ص ٢٠.

9 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي ص٦٠٤-٦٠٥.

10 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس، ٢/ ١٥.

11 لسان العرب، ابن منظور ١/٧٩٣.

12 انظر: التعريفات، الجرجاني ص ٣٢٢.

13 لسان العرب، ابن منظور١٢/٢٧٣.

14 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١٢/٢٧٣، مختار الصحاح، الرازي ص٤٠٧.

15 التوقيف، المناوي ص ٦٦٤.

16 الفقه الإسلامي وأدلته، الزحيلي ٤/١٤.

17 حقوق الانسان أمام القضاء، البشري الشوربجي، مجلة كلية الشريعة والقانون، جامعة الأزهر، عدد ٣، سنة ١٩٨١م، ص٢٨٣.

18 محمد النجيمي في جريدة الرياض بتاريخ ١٣/١٠/٢٠٠٣م.

19 حقوق الإنسان الثقافية بين الشريعة الإسلامية والمواثيق الدولية، داود درويش حلش ص٧.

20 التلويح على التوضيح، التفتازاني ٢/٣٠٠.

21 إعلام الموقعين، ابن القيم ١/٨٥.

22 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب من لقي اللّه بالإيمان وهو غير شاكٍّ فيه دخل الجنّة وحرم على النّار، رقم ١٥٢.

23 إعلام الموقعين، ابن القيم ١/٨٥.

24 انظر: تيسير التحرير، أمير باد شاه ٢/٢٥٩، التقرير والتحبير، ابن أمير الحاج ٢/١٤٨.

25 انظر: شرح التلويح على التوضيح، التفتازاني ٢/٣١٥، التقرير والتحبير، ابن أمير الحاج ٢/١٤٨.

26 جامع البيان، الطبري ٧/٤٢٨.

27 مفاتيح الغيب، ٧/١٠٥ بتصرف.

28 معاني القرآن، النحاس ٢/٢٧٩-٢٨٠.

29 جامع البيان، الطبري ٨/٤٩٥ بتصرف.

30 النكت والعيون، الماوردي ٥/٣٠٥-٣٠٦.

31 أحكام القرآن، الجصاص ٥/٢٤٣.

32 النكت والعيون، الماوردي ٤/٤٢١.

33 المصدر السابق.

34 الشفا بتعريف حقوق المصطفى، القاضي عياض ٢/٩.

35 اللباب في علوم الكتاب ٩/٣٤٦.

36 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٠/٢٣٥، الجواهر الحسان، الثعالبي ٣/٢٢٣، اللباب في علوم الكتاب، لابن عادل ١٥/٥٢٦.

37 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب (لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم)، رقم ٤٧٩٢، ومسلم في صحيحه، كتاب النكاح، باب زواج زينب بنت جحش ونزول الحجاب، رقم ٣٥٧٨.

38 الشفا بتعريف حقوق المصطفى، القاضي عياض٢/١٨ بتصرف يسير.

39 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٥/٣٢٦.

40 انظر: تفسير مقاتل ٣/٢٥٨، جامع البيان، الطبري ١٤/١٦٩، النكت والعيون، الماوردي ٥/٣٢٦.

41 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، تفسير سورة الحجرات، باب (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي)، رقم ٤٨٤٥.

42 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب مخافة المؤمن أن يحبط عمله، رقم ٣٢٩.

43 انظر: أسباب النزول، الواحدي ص ٢٨٦.

44 أحكام القرآن، الجصاص ١/٤٧.

45 المصدر السابق ٣/١٥٥.

46 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٢/١٨٥.

47 روح المعاني، الألوسي ٢٦/١٧.

48 أحكام القرآن، ابن العربي ٢/٣٥٨.

49 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب فضل سعد بن أبي وقاص، رقم ٦٣٩١.

50 انظر: تفسير مقاتل ٢/٢٥٤، جامع البيان، الطبري ١٧/٤١٥.

51 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٣/٢٨٣، أحكام القرآن، الجصاص ٢/٨٩.

52 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ٥/٢٥، البحر المحيط، أبو حيان ٦/٢٥-٢٦، البحر المديد، ابن عجيبة ٤/١٢٠.

53 انظر:أحكام القرآن، الجصاص ٥/٢٠، تفسير السمرقندي ٢/٣٠٧.

54 أحكام القرآن، ٥/٢٠.

55 النكت والعيون، ١/٢٢٦.

56 تفسير مقاتل ١/٢٢٩.

57 مفاتيح الغيب، ١٠/٧٥.

58 أخرجه عبد الرزاق في تفسيره ٣/١٠٣.

59 أخرجه الطبري في تفسيره ٧/١٦.

60 النكت والعيون، الماوردي ١/٤٦٥.

61 انظر: تفسير القرآن، عبد الرزاق الصنعاني ١/١٥٩، جامع البيان، الطبري ٨/٣٣٥.

62 تفسير السمرقندي، ١/٣٢٧.

63 الجامع لأحكام القرآن ٥/١٨٤.

64 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الدّليل على أنّ من خصال الإيمان أن يحبّ لأخيه المسلم ما يحبّ لنفسه من الخير، رقم ١٧٩.

65 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان باب تحريم إيذاء الجار، رقم ١٨١.

66 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٨/٢٧٠.

67 بصائر ذوي التمييز، ٣/٣٨٧ بتصرف.

68 انظر: تفسير السمرقندي، ٢/٦٠، معالم التنزيل، البغوي ٤/٤٩.

69 معالم التنزيل، البغوي ٤/٤٩.

70 جامع البيان، الطبري ٨/٣٤١.

71 انظر: تفسير القرآن، عبد الرزاق الصنعاني ١/٩٥، جامع البيان، الطبري ٨/٣٤١.

72 انظر: جامع البيان، الطبري ٨/٣٤٢.

73 انظر: النكت والعيون، الماوردي ١/٤٨٥.

74 أخرجه الترمذي في سننه، كتاب البر والصلة، باب حق الجوار، رقم ١٩٤٤.

قال الترمذي: حديث صحيح.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٦٢٠، رقم ٣٢٧٠.

75 انظر: جامع البيان، الطبري ١٦/١٠٤، تفسير القرآن، السمعاني ٣/٣١، المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/٢٥٦.

76 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي ٦/١٦٩.

77 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب العلم، باب الحث على طلب العلم، رقم ٣٦٤٣، والترمذي في سننه، أبواب العلم، باب ما جاء في فضل الفقة على العبادة، رقم ٢٦٨٢.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١٠٧٩، رقم ٦٢٩٧.

78 أحكام القرآن، الجصاص ٥/٢٤٦-٢٤٧.

79 شرح العقيدة الطحاوية ١/٣٢٧.

80 السراج المنير، الشربيني٤/٨٨ بتصرف.

81 انظر: تفسير القرآن، عبد الرزاق الصنعاني ١/١٦٦، جامع البيان، الطبري ٨/٥٠١.

82 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، ١٢/٢١٢، رقم ٣٣٢٠٠.

83 أخرجه عبدالرزاق في تفسيره ١/١٦٦.

84 أحكام القرآن، ٢/٦٨.

85 انظر: تفسير مقاتل ١/٣٦٤.

86 أحكام القرآن، الشافعي١/١٣٣، والموضع الثاني رواية ثانية عند المزني.

87 الكشاف ١/٥٢٢.

88 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الرضاع، باب الوصية بالنساء، رقم ٣٧٢١.

89 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه رقم١٠٤٢٠ ٦/١٨٠.

90 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب (ولكم نصف ما ترك أزواجكم)، رقم ٤٥٧٨.

91 أخرجه الطبري في تفسيره ٨/٢٦٥-٢٦٦.

92 أحكام القرآن، الشافعي ١/١٣١.

93 النكت والعيون، الماوردي ١/٤٦٦.

94 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الطلاق، باب في الظهار، رقم ٢٢١٦.

وصححه ابن الملقن في البدر المنير ٨/١٤٨.

95 مفاتيح الغيب، ٦/٤١٣.

96 معجم ألفاظ القرآن الكريم، ٢/١٢١٣.

97 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوصايا، باب قول اللّه تعالى: (إنّ الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنّما يأكلون فى بطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا)، رقم ٢٧٦٦.

98 علق هذه الآثار البخاري في صحيحه، كتاب الوصايا، باب قول اللّه تعالى: (ويسألونك عن اليتامى قل إصلاحٌ لهم خيرٌ)، ٤/١٠.

99 جزء من حديث طويل أخرجه البخاري رقم ١٤٦٥في كتاب الزكاة، باب الصدقة على اليتامى.

100 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى)، رقم ٤٥٤٧، ومسلم في صحيحه، كتاب التفسير، باب (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله)، رقم ٣٠٢٧.

101 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب التفسير، باب (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء) رقم ٣٠٢٩.

102 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العتق، باب قول النبي في العبيد: (إخوانكم خولكم)، رقم ٢٥٤٥.

103 التوقيف، المناوي ص٦٤٩.

104 النكت والعيون، الماوردي ٤/١٢٣.

105 انظر: البحر المديد، ابن عجيبة ١/٢١٩.

106 انظر: الكشاف، الزمخشري ١/٢٤٤، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٥/٧٧.

107 جامع البيان، الطبري ٥/٣١.

108 انظر: تفسير مقاتل ٢/٢٤٥، جامع البيان، الطبري ١٩/٢١٢.

109 أحكام القرآن، ٥/١٩٥.

110 انظر: قرارات المجمع ١/١٩٥، ومجلة مجمع الفقه الإسلامي، عدد ١٢، ص١٩٨٦.

111 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٨/١٦٩.

112 وهو رواية أبي يوسف عن أبي حنيفة، كما في المبسوط للسرخسي٣/١٤.

113 وهو رواية الحسن بن زياد عن أبي حنيفة، كما في المبسوط٣/١٤.

114 وهو مشهور عن ابن عرفة المالكي، كما في شرح خليل للخرشي٢/٢١٢.

115 تعريف الفقير هكذا مروي عن الشافعي وبعض أصحابه، كما في المجموع ٦/١٩٠، وتعريف المسكين مروي عن بعض الشافعية كما في المجموع، للنووي ٦/١٩٥.

116 كشاف القناع، البهوتي ٢/٢٧٢.

117 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٥/٦٠، ١٣/٢١١، المصباح المنير، الفيومي ١/٢٨٣.

118 كشاف القناع، البهوتي ٢/٢٨٥.

119 انظر: معاني القرآن، النحاس ١/٣٠١، زاد المسير، ابن الجوزي ١/٣٢٦، أحكام القرآن، ابن العربي ١/٤٧٢.

120 انظر: اللباب في علوم الكتاب٤/٣٨٩، البحر المديد ٨/٤٧٢.

121 النكت والعيون، الماوردي ٥/٥٢٠.

122 جامع البيان، ٢٣/٣٢٣.

123 انظر: تفسير السمرقندي، ٢/٢٩٧.

124 انظر:جامع البيان، الطبري ٢٠/٤٧، النكت والعيون، الماوردي ٤/٢٨٦.

125 انظر:النكت والعيون، ٤/٢٨٦.

126 انظر: تفسير مقاتل ١/٢٧٦، جامع البيان، الطبري ٩/٤٤٩- ٤٥١، النكت والعيون، الماوردي ٢/٥-٦.

127 انظر: جامع البيان، الطبري ٩/٤٥٣.

128 انظر: تفسير السمرقندي ٢/٣٩.

129 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٠/٣٣٦ - ٣٣٨، النكت والعيون، الماوردي ٤/٤٢٨.

130 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٠/٣٣٩، النكت والعيون، الماوردي ٤/٤٢٨.

131 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٤/٤٢٨.

132 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٠/٣٤٠.

133 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب الوديعة باب ما جاء فى الترغيب فى أداء الأمانات، رقم١٣٠٦٧.

وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، رقم ١٧٦٣.

134 جامع البيان، ٨/٤٩٣.

135 أحكام القرآن، الجصاص ٥/٢١.

136 المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٣٩٢.

137 انظر: تفسير مقاتل ٢/١٢٨، جامع البيان، الطبري ١٥/٤٤٣-٤٤٦.

138 الموسوعة الجنائية الإسلامية ١/٣٧١.

139 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٦/٢١٠.

140 المصدر السابق.

141 روح البيان، إسماعيل حقي ٢/١٣٤.

142 روح المعاني ٤/١٧٠.

143 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٣/٥٠.

144 الموسوعة الجنائية الإسلامية ١/٢٨٣ .

145 مجلة الأحكام العدلية ١/٣١١.