عناصر الموضوع
الحفظ
أولًا: المعنى اللغوي:
الحاء والفاء والظاء أصل واحد يدلّ على مراعاة الشيء1، فالحفظ لغةً2: نقيض النسيان، وهو التعاهد وقلّة الغفلة. وحفظ الشيء حفظًا: استظهره، وحرسه، وراقبه، ورعاه. ورجلٌ حافظٌ، وقومٌ حفّاظٌ، وهم الّذين رزقوا حفظ ما سمعوا، وقلّما ينسون شيئًا يعونه.
والحفيظ: الموكّل بالشيء يحفظه، يقال: فلان حفيظنا عليكم وحافظنا. والاحتفاظ: خصوص الحفظ، تقول: احتفظت به لنفسي. والتحفّظ: قلة الغفلة، والتيقّظ؛ حذرًا من السّقطة في الكلام والأمور. وتحفّظت الكتاب، أي: استظهرته شيئًا بعد شيء. وحفّظته الكتاب: حملته على حفظه. واستحفظته كذا، أي: سألته أن يحفظه. ويقال: استحفظت فلانًا مالًا إذا سألته أن يحفظه عليّ، واستحفظته سرًّا، أي: ائتمنته عليه. وقال الله في أهل الكتاب: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [المائدة: ٤٤]، أي: استودعوه وائتمنوا عليه.
والمحافظة: المواظبة على الأمور، كالصلاة ونحوها. وحافظ على الأمر وثابر: بمعنًى. وحافظت على الرجل محافظةً وحفاظًا إذا حفظته في غيبته، ووفيت بعهده، وراعيت ودّه. والمحافظة: الـمراقبة.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
لا يختلف معنى الحفظ في الاصطلاح عن معناه في اللغة، فالحفظ: منعٌ للشيء بتفقّده ورعايته. ويقال تارةً لهيئة النفس التي بها يثبت ما يؤدي إليه الفهم، ومنه: ضبط الصّور الـمدركة. وتارة يقال لضبط في النفس يؤدّي إلى تأكّد المعقول واستحكامه في العقل، ويضادّه النسيان. وتارةً يقال لاستعمال تلك القوة في الرعاية الحسيّة، ثمّ يستعمل في كلّ تفقّدٍ ورعايةٍ. وعليه يمكن أن يعرّف الحفظ بأنه: منع الشيء وتفقّده ورعايته؛ علمًا وهيئةً ووقتًا، والقيام بجميع ما يحصل به أصله، ويتمّ به عمله، وينتهي إليه كماله3.
وردت مادة (حفظ) في القرآن (٤٤) مرة4.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
٣ |
(ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [النساء:٣٤] |
الفعل المضارع |
٧ |
(ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [يوسف:٦٥] |
فعل الأمر |
٢ |
(ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [المائدة:٨٩] |
المصدر |
٣ |
(ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [الصافات:٧] |
اسم الفاعل |
١٥ |
(ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [الطارق:٤] |
الجمع |
١ |
(ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [الأنعام:٦١] |
الصفة المشبهة |
١١ |
(ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [هود:٥٧] |
اسم المفعول |
٢ |
(ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [البروج:٢٢] |
وجاء الحفظ في الاستعمال القرآني على ستة أوجه5:
الأول: العلم: ومنه قوله تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [المائدة: ٤٤]، أي: بما علموا ووعوا.
الثاني: الصيانة والعفة: ومنه قوله تعالى: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [النساء: ٣٤]، أي: صائنات لأنفسهن.
الثالث: الحفظ بعينه: ومنه قوله تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [الحجر: ٩]، يعني به: الرعاية.
الرابع: الشفقة: ومنه قوله تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [يوسف: ١٢]، يعني: مشفقين.
الخامس: الضمان: ومنه قوله تعالى: (ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) [يوسف: ٦٣]، أي: ضامنون لرده إليك.
السادس: الشهادة: ومنه قوله تعالى: (ﭐﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [الانفطار: ١٠- ١١]، أي: رقباء وشهداء.
الذكر:
الذكر لغة:
الذّكر هو حفظ الشيء وتذكره عن ظهر قلبٍ6. والذكر يقال ويراد به هيئةٌ للنفس بها يمكن للإنسان أن يحفظ ما يقتنيه من المعرفة.
الذكر اصطلاحًا:
لا يخرج عن معناه اللغوي.
الصلة بين الذّكر والحفظ:
الذكر كالحفظ، إلا أنّ الحفظ يقال اعتبارًا بإحرازه، والذكر يقال اعتبارًا باستحضاره. كما يقال لاستحضار الشيء بالقلب أو بالقول؛ ولذا قيل: الذّكر ذكران: ذكرٌ بالقلب، وذكر باللسان، وكلّ واحد منهما ضربان: ذكر عن نسيانٍ، وذكر لا عن نسيان، بل عن إدامة الحفظ7.
الجمع:
الجمع لغة:
هو ضمّ الشيء بتقريب بعضه من بعض.
الجمع اصطلاحًا:
جاء (الجمع) بمعنى: إثبات القرآن في الصدر وحفظه عن ظهر قلب، في قوله تعالى: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [القيامة: ١٧].
أي: إنّ علينا جمع القرآن في صدرك يا محمد؛ حتى نثبته فيه، وعلينا قرآنه حتى تقرأه بعد أن جمعناه في صدرك8. فالمراد: إنّ علينا جمع الوحي وأن تقرأه، وتبيّنه للناس بلسانك، أي: نتكفّل لك بأن يكون جمعه وقرآنه بلسانك، أي: عن ظهر قلبٍ، لا بكتابة تقرؤها؛ فيكون محفوظًا في الصدور بيّنًا لكل سامعٍ، لا يتوقّف على مراجعةٍ، ولا على إحضار مصحفٍ من قربٍ أو بعدٍ9.
وعن قتادة قال: قوله: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [القيامة: ١٧]، يقول: حفظه وتأليفه10.
وقيل: (ﰁ) يعني: حفظه في قلبك، (ﰂ) يعني: يقرأ عليك جبريل حتى تحفظه11.
الصلة بين الجمع والحفظ:
أنّ الجمع يقال: باعتبار الضّم بين الأجزاء، والحفظ يقال: لإبقاء تلك الأجزاء على تأليفها، ففيه إشعارٌ بالتعاهد لا يستفاد من الجمع.
الوعي:
الوعي لغة:
وعى الشيء والحديث، يعيه وعيًا وأوعاه: حفظه وفهمه وقبله؛ فهو واعٍ. والوعيّ الحافظ الكــيّس الفقيه12. ومن ذلك قوله تعالى: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [الحاقة: ١٢]؛ يعني: أذنٌ حافظةٌ عقلت عن الله ما سمعت13. والوعيّ: الفهم المنوّر القلب، يسمع القول فيتلّقاه بفهمٍ وتدبّرٍ14.
الوعي اصطلاحًا:
لا يخرج عن معناه اللغوي.
الصلة بين الوعي والحفظ:
الحفظ على إطلاقه يشمل الوعي وهو حفظ القلب، والإيعاء وهو حفظ الشيء في وعاء؛ لما في الإيعاء من معنى الحياطة والجمع اللازمين للحفظ. فحفظ العلم وعيٌّ، وحفظ غيره إيعاءٌ.
الرعاية:
الرّعاية لغةً:
الحفظ15؛ يقال: رعاه يرعاه رعــيًا ورعاية: حفظه. وكلّ من ولي أمر قوم فهو رعاية.
الرعاية اصطلاحًا:
وقد استرعاه إياهم: استحفظه، واسترعيته الشيء فرعاه: حفظه. وفي المثل: من استرعى الذئب ظلم؛ لأنّ من ائتمن خائنًا فقد وضع الأمانة في غير موضعها.
الصلة بين الرعاية والحفظ:
أنّ الرّعاية سببٌ للحفظ16.
النسيان:
النسيان لغة:
ترك الإنسان ضبط ما استودع؛ إما لضعف قلبه، وإما عن غفلة، وإما عن قصدٍ؛ حتى ينحذف عن القلب ذكره17. فالنّسيان ضدّ الذّكر والحفظ، والنسيان: التّرك والتضييع والتفريط18.
النسيان اصطلاحًا:
لا يخرج عن معناه اللغوي.
الصلة بين النسيان والحفظ:
النسيان مشعر بالتفريط والتضييع والإهمال التي هي نقيض الحفظ والرعاية.
أولًا: الحفظ صفة لله تعالى:
الحفيظ والحافظ اسمان من أسماء الله تعالى، والحفيظ: الموثوق به بترك التضييع19، والحفيظ الذي يضع المحفوظ حيث لا يناله أحدٌ غير حافظه20.
وقال الخطّابي: «الحفيظ هو الحافظ؛ فعيلٌ بمعنى فاعل؛ كالقدير والعليم. يحفظ السماوات والأرض وما فيهما؛ لتبقى مدة بقائها؛ فلا تزول ولا تدثر؛ كقوله تعالى: (ﯷ ﯸ ﯹ) [البقرة: ٢٥٥].
(ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [الصافات: ٧]؛ أي: حفظناها حفظًا. والله أعلم. وهو الذي يحفظ عبده من المهالك والمعاطب، ويقيه مصارع السوء؛ كقوله سبحانه: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [الرعد: ١١]؛ أي: بأمره. ويحفظ على الخلق أعمالهم، ويحصي عليهم أقوالهم، ويعلم نيّاتهم وما تكنّ صدورهم، ولا تغيب عنه غائبة، ولا تخفى عليه خافية. ويحفظ أولياءه فيعصمهم عن مواقعة الذنوب، ويحرسهم عن مكايدة الشيطان؛ ليسلموا من شرّه وفتنته»21.
وتختلف معاني اسم الله الحفيظ، ومرجعها إلى رعاية الشيء والعناية به، ويكثر أن يستعمل كنايةً عن مراقبة أحوال المرقوب وأعماله.
وقال الطيبي: «الحفظ صون الشيء عن الزوال والاختلال، إما في الذّهن، وبإزائه النسيان، وإما في الخارج، وبإزائه التضييع. والحفيظ يصحّ إطلاقه على الله تعالى بكل واحد من الاعتبارين؛ فإنّ الأشياء كلها محفوظةٌ في علمه تعالى، لا يمكن زوالها عنه بسهو أو نسيان. وهو تعالى يحفظ الموجودات عن الزوال والاختلال ما شاء، ويصون المتضادات والمتعاديات بعضها عن بعض، فيحفظها في المركبات محمية عن إفناء بعضها بعضًا، فلا يطفئ الماء النار، ولا تحلل النار الماء. ويحفظ على العباد أعمالهم، ويحصي عليهم أفعالهم، وأقوالهم»22.
وما جاء مصرّحًا فيه باسم الله (الحفيظ) ثلاث آياتٍ؛ قوله تعالى على لسان هودٍ: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [هود: ٥٧]؛ أي: رقيبٌ؛ فلا تخفى عليه أعمالكم، ولا يغفل عن مجازاتكم، ومن كان رقيبًا على الأشياء كلها حافظًا لها وكانت مفتقرة إلى حفظه من المضارّ، لم يضرّ مثله مثلكم23.
وقوله تعالى: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [سبأ: ٢١].
أي: وربّك على أعمال هؤلاء الكفرة حفيظٌ؛ لا يعزب عنه علم شيءٍ، وهو مجازٍ جميعهم يوم القيامة؛ بما كسبوا في الدنيا من خير وشر24.
وقوله تعالى: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [الشورى: ٦]؛ يعني: الله حفيظ عليه يحصي عليهم أفعالهم، ويحفظ أعمالهم؛ ليجازيهم بها يوم القيامة جزاءهم، ولست أنت يا محمّد؛ بالوكيل عليهم بحفظ أعمالهم، وإنما أنت منذرٌ؛ فبلّغهم ما أرسلت به إليهم، فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب25.
وباختلاف معاني الاسم تختلف تعديته بنفسه أو بحرف جر يناسب المعنى، وقد عدّي في القرآن في الآيات المذكورات بحرف (على) كما يعدّى الرقيب والوكيل والمحيط؛ لأنّه بمعناها26.
وأمّا الحافظ؛ فمعناه الصائن عبده عن أسباب الهلكة في أمور دينه ودنياه27.
قال تعالى: (ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [يوسف: ٦٤].
أي: حفظ الله خيرٌ من حفظكم، وقرئ: (حفظًا)28، والقراءتان بمعنًى، وذلك أنّ من وصف الله بأنه خيرهم حفظًا فقد وصفه بأنه خيرهم حافظًا، ومن وصفه بأنه خيرهم حافظًا فقد وصفه بأنه خيرهم حفظًا29.
وقال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [الحجر: ٩].
وسيأتي الكلام عليها مفصّلًا.
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [الأنبياء: ٨٢]؛ يحتمل أن يكون المعنى: وكنّا لأعمالهم وأعدادهم حافظين، لا يؤودنا حفظ ذلك كلّه30، أو كنّا للشياطين حافظين أن يخرجوا من أمر سليمان أو يفسدوا ما عملوا31، فعلى هذا يعود الضمير في (ﭜ) إلى الشياطين، وهو الأشبه بسياق الآية.
ويحتمل أن يكون الضمير عائدًا على داود وسليمان وأوليائهما، فيكون المقصود: كنّا حافظين أن ينالهم أحدٌ من الشياطين بسوء، بل كلٌّ في قبضة سليمان وتحت قهره، لا يتجاسر أحد منهم على الدّنوّ إليه، وهو محكّم فيهم، إن شاء أطلق، وإن شاء حبس منهم من يشاء؛ ولهذا قال: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [ص: ٣٨]32.
ويلاحظ أنّ اسمي الله (الحفيظ) و(الحافظ) لم يقترنا بغيرهما من الأسماء الحسنى في القرآن الكريم، فهما من الأسماء التي لم ترد إلا مفردة، ولعلّ حكمة ذلك -والله أعلم- أنّ اسم الحفيظ والحافظ دالّان بالتضمّن على كثيرٍ من الأسماء الحسنى؛ فصفة الحفظ تدلّ على من له حفظٌ، وتتضمّن الحياة والعلم والقدرة وسائر مشروطاتها؛ فإنّ من جهل الشيء أو عجز عن الشيء لا يستطيع أن يحفظه من أن يوجد فيه ما لا يريده وما لا يرضاه33.
والحفظ يكون من أوصاف الذات ومن أوصاف الفعل؛ ففي صفات الذات يرجع إلى العليم؛ لأنّه يحفظ بعلمه جميع المعلومات فلا يغيب عنه شيء منها، كما يقال: فلانٌ يحفظ القرآن؛ أي: هو حاضرٌ في قلبه، وفي مقابلة هذا الحفظ النسيان، وعلى هذا خرج قوله تعالى: (ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ) [مريم: ٦٤].
وقوله: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [طه: ٥٢].
كما يرجع إلى الهيمنة والإحاطة والرقابة، وضدّه العزوب والغفلة والغياب، ودلّ عليه قوله: (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) [يونس: ٦١].
وقوله: (ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [إبراهيم: ٤٢].
وقوله: (ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [الأعراف: ٧].
وإذا كان الحفظ من صفات الفعل فيرجع إلى حفظه للوجود وكلاءته ورعايته، وضد هذا الحفظ الإهمال والتفريط34.
ثانيًا: نماذج من محفوظات الله عز وجل المذكورة في القرآن الكريم:
إنّ حفظ الله عز وجل شاملٌ جميع خلقه؛ فهو سبحانه وتعالى القيّم بحفظ كل شيء وتدبيره ورزقه، وتصريفه فيما شاء وأحبّ، من تغيير وتبديل وزيادة ونقص، يقول تعالى: (ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ) [سبأ: ٢١].
حافظٌ لأمور خلقه على ما قدّر ودبّر35.
وقال تعالى: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [البقرة: ٢٥٥]؛ أي: لا يثقله ولا يشقّ عليه حفظ السماوات والأرض ومن فيهما ومن بينهما؛ بل ذلك سهلٌ عليه يسير لديه، وهو القائم على كل نفس بما كسبت، الرقيب على جميع الأشياء، فلا يعزب عنه شيء ولا يغيب عنه شيء36.
وإذا كان الكرسي يسع السماوات والأرض على عظمتهما وعظمة من فيهما، والكرسيّ ليس أكبر مخلوقات الله تعالى، بل هناك ما هو أعظم منه وهو العرش، وما لا يعلمه إلا هو، وفي عظمة هذه المخلوقات تكلّ الأبصار وتحير الأفكار، فكيف بعظمة خالقها ومبدعها الذي أودع فيها من الحكم والأسرار ما أودع، والذي قد أمسك السماوات والأرض أن تزولا من غير تعب ولا نصبٍ؟37.
١. اللوح المحفوظ.
إنّ الله تعالى علم ما الخلق عاملون بعلمه القديم الذي هو موصوفٌ به أزلًا، وعلم جميع أحوالهم من الطاعات والمعاصي والأرزاق والآجال، ثم كتب في اللوح المحفوظ مقادير الخلق؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنّ أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب. قال: ما أكتب؟ قال: اكتب القدر ما كان وما هو كائنٌ إلى الأبد)38، فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، جفّت الأقلام وطويت الصحف، كما قال سبحانه وتعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [الحج: ٧٠].
فأحصى ما هو كائن قبل أن يكون، فخلقهم على ذلك العلم السابق فيهم. وقال: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [الحديد: ٢٢].
وأجرى القدر على علم ما كتبه في اللوح المحفوظ. وإذا خلق جسد الجنين قبل نفخ الروح فيه بعث إليه ملكًا، فيؤمر بأربع كلمات فيقال له: اكتب رزقه وأجله وعمله وشقيًّا أو سعيدًا39.
وفي كتابة المقادير الأزلية جاء قوله تعالى: (ﮉﮊ ﮋﮌ ﮍ) [القلم: ١].
وقوله عز وجل: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [الجاثية: ٢٩]؛ فأقسم في الآية الأولى بالقلم الذي سطر المقادير في الأزل، ودلّت الآية الثانية على أنّ الملائكة الموكلين بحفظ أعمال العباد اليوميّ وكتابتها كانوا يستنسخون من الكتاب السابق الذي كتبه القلم في أمّ الكتاب أزلًا، فيكون عمل الرجل اليوميّ مطابقًا لما يستنسخ من اللوح المحفوظ، فسّره بذلك حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما40.
وقال تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [الأنعام: ٣٨]؛ أي: ما تركنا شيئًا إلا قد كتبناه في أمّ الكتاب41، فصانه الله عن التضييع والتفريط. ووصفه بأنّه كتابٌ مبينٌ، كما في قوله: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ) [الأنعام: ٥٩].
ثمّ عبّر القرآن عن اللوح المحفوظ بأكثر من عبارةٍ؛ فهو الإمام المبين، كما في قوله تعالى: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [يس: ١٢].
فهو الإمام المبين، سمّي كذلك؛ لأنه يبين عن حقيقة جميع ما أثبت فيه، فالمعنى: وكلّ شيء كان أو هو كائنٌ أحصيناه، فأثبتناه في أم الكتاب42.
وهو الكتاب الحفيظ؛ قال تعالى: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [ق: ٢-٤]؛ أي: يقولون: أإذا متنا وبلينا، وتقطّعت الأوصال منّا، وصرنا ترابًا، كيف يمكن الرجوع بعد ذلك إلى هذه البنية والتركيب؟ ذلك رجعٌ بعيد الوقوع، فيعتقدون استحالته وعدم إمكانه. قال الله تعالى رادًّا عليهم: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) أي: ما تأكل من أجسادهم في البلى، نعلم ذلك ولا يخفى علينا أين تفرّقت الأبدان؟ وأين ذهبت؟ وإلى أين صارت (ﭲ ﭳ ﭴ) أي: حافظ لذلك كله، وسمّاه الله تعالى حفيظًا؛ لأنه لا يدرس ما كتب فيه، ولا يتغير ولا يتبدّل43. ويحتمل أن تكون (ﭴ) مفعول بمعنى محفوظٌ؛ أي: محفوظٌ من الشياطين ومن أن يدرس أو يتغيّر، وهو اللوح المحفوظ44. ولا تدافع بين المعنين؛ إذ يلزم لصحّة كونه حافظًا أن يكون محفوظًا حفظه الله عز وجل. والله أعلم.
وهو أمّ الكتاب، كما في قوله: (ﯛ ﯜ ﯝ) [الرعد: ٣٩].
وفي قوله: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [الزخرف: ٤]؛ أي: إنّ نسخة هذا القرآن في أصل الكتاب، وهو اللوح المحفوظ45. وهو الكتاب المكنون، كما جاء به قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [الواقعة: ٧٧-٧٩]؛ أي: مصون عند الله في اللوح المحفوظ، وهو كقوله تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ) [عبس: ١٣-١٦].
قال ابن بطة: «ولقد جاءت الآثار عن الأئمة الراشدين وفقهاء المسلمين الذين جعلهم الله هداة للمسترشدين، وأنسًا لقلوب العقلاء من المؤمنين، مما أمروا به من إعظام القرآن وإكرامه، مما فيه دلالة على أن ما يقرأه الناس ويتلونه بألسنتهم هو القرآن الذي تكلّم الله به، واستودعه اللوح المحفوظ، والرّقّ المنشور، حيث يقول الله تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [البروج: ٢١].
ويقول: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [الطور: ٢-٣]»46.
٢. حفظ الله عز وجل للقرآن الكريم.
قال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [الحجر: ٩].
أي: حافظون له من التبديل والتغيير في كلّ وقتٍ، فلا يزاد فيه باطلٌ، أو ينقص منه ما هو منه47.
وقد حفظ الله عز وجل القرآن في اللوح المحفوظ: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [البروج: ٢١-٢٢]. واللوح المحفوظ هو الذي فيه جميع الأشياء.
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) [الواقعة: ٧٧-٧٨ ].
أي: هو في كتاب مصون عند الله لا يمسه شيءٌ من أذىً ولا غبار ولا غيره48.
كما حفظه الله من التبديل والتحريف في تنزيله؛ بأن نزّل به الروح الأمين جبريل عليه السلام، وحباه الله عز وجل بصفاتٍ تجعله مؤهّلًا لتبليغه على الوجه الذي أراده الحقّ سبحانه، فقال تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [النجم: ٥- ٦].
وقال: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ)[التكوير: ١٩-٢١].
وقال: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الشعراء: ١٩٢-١٩٣].
فذكر من أوصاف جبريل عليه السلام أنّه شديد القوى، وذو قوة، ذو مرّة، والقوى جمع قوّة، والمراد استطاعة تنفيذ ما يأمر الله به من الأعمال العظيمة العقلية والجسمانية49.
وقال ابن عباس: «(ﭪ ﭫ) يعني: ذو منظر حسن».
وتطلق على قوة الذات، وتطلق على متانة العقل وأصالته، وهو المراد هنا؛ لأنه قد تقدّم قبله وصفه بشديد القوى50.
وقال الزمخشري: «ذو حصافة في عقله ورأيه، ومتانة في دينه»51.
ووصفه بأنه مكينٌ عند الربّ، مطاعٌ في السماوات أمينٌ. وهذه الصفات تتضمّن تزكية سند القرآن، وأنّه سماع محمد صلى الله عليه وسلم من جبريل، وسماع جبريل من رب العالمين، فحسبك بهذا السند علوًّا وجلالة تزكية الله عز وجل له52.
وفي هذا ضمانٌ لحفظ القرآن الكريم عن طريق حفظ واسطته الملكيّة.
وحفظ الله عز وجل القرآن من الشياطين أن يتقوّلوا مثله، أو يزيدوا فيه وينقصوا ويبدلوا، فقال: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [الشعراء: ٢١٠-٢١١].
وقال: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [التكوير: ٢٥].
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) [الواقعة: ٧٧-٧٨ ].
قال ابن زيد: «هو كتابٌ لا يمسّه إلا المطهرون؛ زعموا أنّ الشياطين تنزّلت به على محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فأخبرهم الله عز وجل أنها لا تقدر على ذلك، ولا تستطيعه، وما ينبغي لهم أن ينزلوا بهذا، وهو محجوب عنهم»53.
وقال تعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [فصلت: ٤١-٤٢].
والباطل هو إبليس؛ لا يستطيع أن يزيد فيه باطلًا أو ينتقص منه حقًّا54.
ثم حفظه الله بأن تكفّل بجمعه في صدر النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينساه: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [القيامة: ١٧].
وقال جلّ ذكره: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ) [الأعلى: ٦-٧].
وحفظه الله عز وجل بأن هيّأ أسباب حفظه، وجعله ميسّرًا للحفظ والفهم، فقال: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [القمر: ١٧].
فكثر حفّاظه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبعده، حتى وصلنا بالتواتر، فلو غيّر أحدٌ نقطة أو حركة، أو بدل لفظةً لقال له الصبيان قبل العلماء: كذبت أو أخطأت؛ بل صوابه كذا وكذا.
ومن لوازم حفظ القرآن الكريم روايةً أن ييسّر سبيل تعاهده؛ إذ ليس الحافظ على الحقيقة من استظهر في وقتٍ ثمّ نسي عن قريبٍ ما استظهره، فهذا لا يقال له: حافظٌ.
وليس حفظ القرآن الكريم مقصورًا على تكفّل الله بحفظ روايته، بل لقد تكفّل سبحانه وتعالى بحفظ رعايته، فلا تزال طائفة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم على الحقّ ظاهرين حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، وهذا مرويٌّ من أكثر من وجهٍ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «ما من حرف أو آية إلا وقد عمل بها قوم، أو لها قوم سيعملون بها»55.
وقال الحسن: «حفظه بإبقاء شريعته إلى يوم القيامة». وقيل: يحفظه في قلوب من أراد بهم خيرًا56.
وهذا مستلزمٌ بالضرورة لحفظ درايته؛ إذ لا يعمل بالقرآن على مراد الله إلا بفهم مراد الله عز وجل. ومن ظهور الطائفة المنصورة على الحقّ إقامتهم للشّرع ظاهرًا وباطنًا، وفي القلب منه تدبّر القرآن، ولا سبيل له إلا بفهم معاني القرآن، فلزم أنّ معاني القرآن محفوظة كحفظ مبانيه.
وقد خصّ القرآن بهذه الخصيصة بخلاف غيره من الكتب المتقدمة، فإنه تعالى لم يتكفّل بحفظها بل استحفظها الأنبياء إياها فحفظوها وحفظها من اتّبعهم بإحسان من الربّانيين والأحبار: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [المائدة: ٤٤].
ثم خلف من بعدهم خلف (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [الأعراف: ١٦٩].
فحرّفوا وبدلوا وكتموا ونسوا حظًّا مما ذكّروا به، قال تعالى في اليهود: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [النساء: ٤٦].
وقال: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ) [المائدة: ١٣].
وقال في النصارى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [المائدة: ١٤].
وقال في أهل الكتاب عمومًا: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [آل عمران: ١٨٧].
وعن أبي الحسن بن المنتاب، قال: «كنت عند إسماعيل (ابن حمّاد الأزديّ) يومًا فسئل: لـم جاز التبديل على أهل التّوراة ولم يجز على أهل القرآن؟ فقال: قال الله في أهل التّوراة: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) فوكل الحفظ إليهم، وقال في القرآن: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [الحجر: ٩].
فتعهّد الله بحفظه فلم يجز التّبديل على أهل القرآن». قال: «فذكرت ذلك للمحاملي، فقال: ما سمعت كلامًا أحسن من هذا»57.
٣. حفظ السماوات والأرض.
حفظ الله عز وجل السماوات والأرض أن تزولا.
قال تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [فاطر: ٤١].
فلا يقدر على حفظهما وإمساكهما عن الزوال والاضطراب إلا هو سبحانه. ونظرة إلى السماوات والأرض وإلى هذه الأجرام التي لا تحصى منتثرةً في ذلك الفضاء الذي لا تعلم له حدود. وكلّها قائمة في مواضعها، تدور في أفلاكها محافظةً على مداراتها، لا تختلّ، ولا تخرج عنها، ولا تبطئ أو تسرع في دورتها، (ﮂ ﮃ ﮄ) [الرحمن: ٥].
(ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [يس: ٤٠].
وكلها لا تقوم على عمدٍ، ولا تشدّ بأمراسٍ، ولا تستند على شيءٍ من هنا أو من هناك. إنّ نظرةً إلى تلك الخلائق الهائلة العجيبة جديرةٌ بأن تفتح البصيرة على قدرة الله التي تمسك هذه الخلائق، وتحفظها أن تزول. ولئن زالت السماوات والأرض عن مواضعها، واختلّت وتناثرت بددًا؛ فما أحدٌ بقادرٍ على أن يمسكها بعد ذلك أبدًا. وذلك هو الموعد الذي ضربه القرآن لنهاية هذا العالم؛ حين يختلّ نظام الأفلاك، فتضطرب وتتحطم وتتناثر، ويذهب كل شيء في الفضاء لا يمسك أحدٌ زمامه58.
وذلك (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [إبراهيم: ٤٨].
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [الحج: ٦٥].
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [الروم: ٢٥]؛ أي: إنّ من آياته العظيمة أن قامت السماوات والأرض واستقرتا وثبتتا بأمره، فلم تتزلزلا، ولم تسقط السماء على الأرض، فقدرته العظيمة التي بها أمسك السماوات والأرض أن تزولا، يقدر بها أنّه إذا دعا الخلق دعوة من الأرض يخرجون59.
وقال تعالى: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [الأنبياء: ٣١-٣٢].
فلمّا كانت الأرض لا تستقر إلا بالجبال، أرساها بها وأوتدها؛ لئلا تميد بالعباد وتضطرب، فلا يتمكنوا من الاستقرار والسكون فيها ولا عمارتها، فأرساها بالجبال، فحصل من المصالح والمنافع ما به قوام حياتهم. ولما كانت الجبال المتّصل بعضها ببعضٍ قد تمتدّ سلاسلها، فلو بقيت بحالها جبالًا شامخاتٍ، وقللًا باذخاتٍ؛ لتعطل الاتصال بين كثير من البلدان. فمن حكمة الله ورحمته أن جعل بين تلك الجبال طرقًا سهلةً لعلهم يهتدون فيصلون إلى حاجاتهم، ولعلهم يهتدون بالاستدلال بذلك على المنان60.
وجعل الله السماء سقفًا محفوظًا، بألا تسقط على الأرض، كما تقدّم. وحفظها من التشقّق والانفطار؛ فقال تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [ق: ٦]؛ أي: وما لها من صدوع وفتوق وشقوق61.
وقال عزّ من قائل: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [الملك: ٣]؛ أي: هل ترى من صدوعٍ وشقوقٍ وخللٍ؟62
وحفظ الله عز وجل السماء من الشياطين؛ فقال تعالى: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [فصلت: ١٢].
وقال تعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [الحجر: ١٧-١٨].
وهو كقوله تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [الصافات: ٦-١٠].
والمراد بحفظ السماء من الشياطين منعهم من الاطّلاع على ما أراد الله عدم الاطّلاع عليه من أمر التكوين ونحوه، مما لو ألقته الشياطين في علم أوليائهم لكان ذلك فسادًا في الأرض، وفتنة للناس في الحقّ63. وهذا الحفظ متحقّقٌ بترصّد الملائكة الموكّلة بحراسة السماء منهم؛ فترميهم بالشهب، في قول مؤمني الجنّ: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [الجنّ: ٨-٩].
٤. حفظ الله عز وجل للعباد جميعًا (الحفظ العامّ).
حفظ الله عز وجل لخلقه وكلاءتهم نوعان:
النوع الأول: حفظٌ عامٌّ لجميع المخلوقات بتيسيره لها ما يقيتها ويحفظ بنيتها، ويهديها إلى مصالحها بهدايته العامة المذكورة في قوله تعالى: (ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ) [طه: ٥٠].
فهداهم إلى ما فيه بقاؤهم ونماؤهم، بما ركّبه فيهم من فطرةٍ يسمّيها العلماء غريزة البقاء، ويسّر لهم سبل اتّقاء المكروهات والمضارّ ودفعها، بما حباهم به من أسلحةٍ ومهارتٍ طبعيّة. وهذا يشترك فيه عموم الخلائق؛ الحيوان والبشر، والبر والفاجر، والمؤمن والكافر. ووكّل بالآدميّ ملائكة يحفظونه ويكلؤونه بأمر الله64.
والنوع الثاني: حفظه الخاصّ لأوليائه سوى ما تقدّم، وأعلاه حفظهم عمّا يضرّ إيمانهم وصيانة عقودهم في التوحيد عن اكتفائهم بالتقليد، وتحقيق العرفان في أسرارهم بجميل التأييد، وليس كل الحفظ أن يحفظ عبدًا بين البلاء عن البلاء، وإنما الحفظ أن يحفظ قلبًا على خلوص المعرفة من الأهواء؛ حتى لا يزلّ عن الطريقة المثلى، ولا يحيد إلى البدع والهوى. وقيل: من حفظ لله جوارحه حفظ الله عليه قلبه، ومن حفظ لله حقّه حفظ الله عليه حظه65.
قال ابن تيمية: علّق الله سبحانه الوعد والوعيد والثواب والعقاب والحمد والذمّ بالإيمان به وتوحيده وطاعته، فمن كان أكمل في ذلك كان أحقّ بتولّي الله له بخير الدنيا والآخرة، وحفظه وكلاءته. ثم جميع عباده مسلمهم وكافرهم هو الذي يرزقهم، وهو الذي يدفع عنهم المكاره، وهو الذي يقصدونه في النوائب. قال تعالى: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) [النحل: ٥٣].
وقال تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [الأنبياء: ٤٢]؛ أي: بدلًا عن الرحمن. هذا أصحّ القولين. فلا يكلؤ الخلق بالليل والنهار؛ فيحفظهم ويدفع عنهم المكاره إلا الله.
قال تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [الملك: ٢٠-٢١]66.
وقال تعالى: (ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [الأنعام: ٦٤].
وقال تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [النحل: ٨١].
فهذا -وأمثاله في الكتاب المسطور كثيرٌ- من كلاءته للخلق عامّةً.
وفي الكتاب المنظور آياتٌ معجزاتٌ شاهداتٌ على كلاءة الله عز وجل خلقه، وقد نظر علماء الفلك والكونيّات وطبقات الأرض والطبّ وغيرها من العلوم، فرأوا من ذلك ما لا يحصيه كتابٌ، حتّى لقد ألّف أحد علماء الكونيات البريطانيين كتابًا بعنوان (ستّة أرقام فقط)، ذكر فيه ستّة ثوابت عددية مسئولة عن صفات الكون التي تناسب نشأة حياة المخلوقات واستمرارها، بحيث إنّ تغيّرًا طفيفًا فيها بالزيادة أو النقصان يستحيل معه وجود الحياة واستمرارها. وقد أضاف العلماء -كلٌّ في تخصّصه- عشرات الأرقام والثوابت الدقيقة، ومئات الشواهد البيّنة التي تدلّ من كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيدٌ؛ على بديع صنع الله، وجميل حفظه للخلق جميعًا، وللبشر خاصّةً.
ومن دلائل حفظ الله لمخلوقاته أن جعل الأرض مهادًا وكفاتًا، وجعل فيها رواسي شامخاتٍ، وأجرى فيها الأنهار والبحار، وأحاطها بغلاف من طبقاتٍ يحميها من الأشعة الضارة والنيازك والمذنّبات وغيرها من التكوينات الفضائية التي لو وصل بعضها إلى الأرض لما تهيّأ لسكّانها عيشٌ، ولا استقرّ بهم قرارٌ.
وحفظ الجنين في بطن أمّه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [المرسلات: ٢٠-٢٣].
فهيّأ له هذا القرار المكين، وأمدّه بغذائه، وعزله عن الروائح الكريهة، وعدّل وضعه بما ييسّر خروجه إذا حان القدر المعلوم، ثمّ أخرجه من بطن أمّه لا يعلم، فجعل له من العقل والإدراك والحواسّ ما هو سببٌ -بقدرة الله وتدبيره- لبقائه ومعاشه؛ هذا مع غناه عز وجل عنهم، وافتقارهم وحاجتهم إليه.
وكما حفظ الله الناس في أمور معاشهم ممّا فيه صيانة أبدانهم وأركانهم، فقد حفظهم في أمر معادهم، مما فيه فوزهم بالجنان، ونجاتهم من النيران، ذلك أنّه خلق العباد حنفاء كلّهم على الفطرة، وهداهم السبيل، فأتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرّمت عليهم ما أحلّ الله لهم، وأمرتهم أن يشركوا بالله ما لم ينزّل به سلطانًا، فبعث الله إليهم الرّسل مبشّرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط. وفي هذا ما إن أخذوه بحقّه كان صيانةً لهم عن النار. وهذا من عظيم كلاءته ورحمته.
٥. حفظ الله عز وجل لأوليائه (الحفظ الخاصّ).
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [يونس: ٦٢-٦٤].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله قال: من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب)67.
والوليّ فعيلٌ بمعنى مفعول، وهو من يتولى الله تعالى أمره فلا يكله إلى نفسه لحظة، فهؤلاء لسان حالهم ومقالهم: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ)[الأعراف: ١٩٦].
أو هو فعيلٌ بمعنى فاعل؛ مبالغةً، وهو الذي يتولى عبادة الله تعالى وطاعته. وكلا الوصفين شرطٌ في ولاية الوليّ، فيجب قيامه بحقوق الله تعالى على الاستقصاء والاستبقاء؛ ليدوم حفظ الله تعالى له، وتولي أموره في السراء والضراء68.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره، فإنه لا يدري ما خلفه عليه، ثمّ يقول: باسمك ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين)69.
فأثبت أنّ للصّالحين حفظًا خاصًّا؛ وإلا كان تقييده بهم لغوًا. ويشهد لذلك قوله تعالى: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [النساء: ٣٤]؛ أي: حافظاتٌ لأنفسهنّ عند غيبة أزواجهنّ عنهنّ في فروجهنّ وأموالهم، وللواجب عليهنّ من حقّ الله في ذلك وغيره (ﭤ ﭥ ﭦ) أي: بحفظ الله إياهنّ إذ صيّرهنّ كذلك70. وقد صرن كذلك لصلاحهنّ.
ومن حفظ الله لأوليائه أن يحول بينهم وبين المعصية؛ قال تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الأنفال: ٢٤]؛ قال ابن عبّاس والضحّاك بن مزاحم: «يحول بين المؤمن وبين معصيته»71.
ومن أنواع حفظ الله لعبده في دينه أنّ العبد قد يسعى في سبب من أسباب الدنيا إما الولايات أو التجارات ونحوها؛ فيحول الله عز وجل بينه وبين ما أراد لما يعلم له من الخيرة في ذلك وهو لا يشعر مع كراهته لذلك. وأعجب من هذا أنّ العبد قد يطلب بابًا من أبواب الطاعات ولا يكون له فيه خير فيحول الله بينه وبينه وهو لا يشعر72.
وأولى الأولياء بالحفظ والنصرة هم الأنبياء؛ قال تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ) [الزمر: ٣٦]، أي: أليس الله بكافٍ عبده محمدًّا صلى الله عليه وسلم وسائر أنبيائه من قبله ما خوّفتهم أمـمهم من أن تنالهم آلهتهم بسوء؟73.
حفظ الله عز وجل نوحًا عليه السلام :
فهو سبحانه قد حفظ نوحًا عليه السلام، ولم يزل يحوطه بكلاءته ورعايته؛ إذ كذّبه قومه، (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ)[القمر: ١٠].
فأوحى إليه (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ)[المؤمنون: ٢٧]؛ أي: بمرأى منّا وبحفظنا74، ثمّ لما قضي الأمر، وفاض الموج كالجبال أنجاه ومن معه من المؤمنين في الفلك (ﮋﮌ) [القمر: ١٤].
محفوظةً بكلّ من فيها؛ لتبقى آيةً للعالمين.
حفظ الله عز وجل خليله إبراهيم عليه السلام :
ويحفظ الله عز وجل خليله إبراهيم -وهو الفتى الفذّ- عن الضلال بمعتقد قومه، (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [الأنعام: ٧٥].
فيقلّب لهم وجوه الحجج، ويصرّف لهم البراهين على وحدانية الله عز وجل، فيخوّفونه، ولكنّه -وقد ربط الله على قلبه بالإيمان- يجابههم؛ (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [الأنعام: ٨٢].
وهو -في كلّ مرّة- يقيم عليهم الحجّة، (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [العنكبوت: ٢٤].
ثمّ يحفظ الله إبراهيم في زوجه سارة حين أرادها أحد الملوك الجبابرة على نفسها75، ويحفظه في زوجه هاجر وولده إسماعيل: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [إبراهيم: ٣٥-٣٧].
فيحفظه الله عز وجل في زوجه وابنه إسماعيل، ويفجّر لهما بئر زمزم، ويبشّر المـلك هاجر: «لا تخافوا الضّيعة؛ فإنّ ها هنا بيت اللّه يبني هذا الغلام وأبوه، وإنّ اللّه لا يضيع أهله»76.
حفظ الله عز وجل يوسف عليه السلام :
حفظ الله عز وجل يوسف عليه السلام إذ أجمع إخوته أن يجعلوه في غيابات الجبّ، وهم الذين ما أقنعوا أباه بإرساله معهم إلا بعد أن أكّدوا له أنّهم حافظوه: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [يوسف: ١٢].
فقيّض الله له بعض السيّارة، فالتطقوه، وباعوه إلى أحد رجال الدّولة في مصر، وكان من أمر امرأة العزيز أن راودته عن نفسه، فحفظه الله عز وجل وصرف عنه السوء والفحشاء: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [يوسف: ٢٤]؛ فمن أخلص لله خلّصه من السوء والفحشاء وعصمه منهما من حيث لا يشعر، وحال بينه وبين أسبابهما77.
ولـمّا سووم على فعل الفاحشة أو السجن (ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [يوسف: ٣٣-٣٤].
وهو حفظٌ وإن بدا في ظاهره لبعض الناس بلاءً، فإنّ البلاء بسجنٍ يسلمه إلى الجنّة خيرٌ من دعةٍ ورغدٍ في المعصية ينزع عنه به منشور الولاية، ويتردّى به في النار.
ثمّ يمكّن الله له في الأرض، ويؤتيه من الملك ويعلّمه من تأويل الأحاديث ويتمّ نعمته عليه وعلى آل يعقوب كما أتمّها على آبائه إبراهيم وإسماعيل وإسحاق.
حفظ الله عز وجل الكليم موسى عليه السلام :
وحفظ الله عز وجل موسى بأنواع الحفظ والكلاءة؛ فقال: (ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [طه: ٣٧-٤١].
فحمله في اليمّ، وربّاه في بيت عدوّه، وردّه إلى أمّه، وساق إليه من أقصى المدينة من يحذّره ترصّد أعدائه به، فألجأه إلى مدين، وقيّض له عبدًا صالحًا يحفيه ويزوّجه ابنته. ثمّ بعثه الله رسولًا إلى فرعون وقومه، فقال موسى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [القصص: ٣٣-٣٥].
ثمّ تتجلّى عظمة الحفظ والكلاءة حين سرى بالمؤمنين فارًّا من بطش فرعون وجنوده، فأتبعوهم؛ حتّى كان الغرق أمامهم وحصد الأسنّة والسيوف خلفهم، (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ) [الشعراء: ٦١-٦٨].
حفظ الله عز وجل عيسى عليه السلام :
وحفظ عيسى عليه السلام حين قام في قومه مذكّرًا بنعم الله عز وجل عليهم، وبما جاءهم به من الآيات البيّنات والمعجزات الواضحات، فمكروا به، (ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [آل عمران: ٥٢-٥٧].
فرفعه الله عز وجل إلى السماء، ثمّ ينزل قبل القيامة؛ ليقتل الدّجّال، ويقيم الملّة والعدل، وليعصم الله به المؤمنين من الفتن. ولم يعهد حفظٌ لبشرٍ بالتشبيه على أعدائه، ورفعه إلى السماء، كما كان لعيسى عليه السلام . والله أعلم.
حفظ الله عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم:
تواردت آيات القرآن على تأكيد حفظ الله للنبي صلى الله عليه وسلم وعصمته من الكفّار، فمن ذلك قوله تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ) [المائدة: ٦٧]؛ أي: بلّغ أنت رسالتي، وأنا حافظك وناصرك ومؤيّدك على أعدائك ومظفرك بهم، فلا تخف ولا تحزن، فلن يصل أحد منهم إليك بسوء يؤذيك78. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزلت هذه الآية: (ﮊ ﮋﮌ ﮍ) [المائدة: ٦٧].
فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من القبّة، فقال لهم: (يا أيها الناس، انصرفوا فقد عصمني الله)79.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل منزلًا نظروا أعظم شجرة يرونها، فجعلوها للنبي صلى الله عليه وسلم، فينزل تحتها، وينزل أصحابه بعد ذلك في ظلّ الشجر، فبينما هو نازل تحت شجرة -وقد علّق السيف عليها- إذ جاء أعرابيٌّ، فأخذ السيف من الشجرة، ثم دنا من النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم، فأيقظه، فقال: يا محمّد؛ من يمنعك مني الليلة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الله). فأنزل الله: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ) [المائدة: ٦٧]80.
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [الأنفال: ٦٢].
وقال تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ) [الحجر: ٩٥].
وقال تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [الزمر: ٣٦].
والآيات في هذا المعنى كثيرة، والوقائع في هذا الباب متواترة تربو على الحصر في هذا المقام. قال الحافظ ابن كثير: «ومن عصمة الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم حفظه له من أهل مكة وصناديدها وحسّادها ومعانديها ومترفيها؛ مع شدة العداوة والبغضة، ونصب المحاربة له ليلًا ونهارًا، بما يخلقه الله تعالى من الأسباب العظيمة بقدره وحكمته. فصانه في ابتداء الرسالة بعمّه أبي طالب، إذ كان رئيسًا مطاعًا كبيرًا في قريش، وخلق الله في قلبه محبّةً طبيعيةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا شرعية، ولو كان أسلم لاجترأ عليه كفّارها وكبارها، ولكن لما كان بينه وبينهم قدر مشترك في الكفر هابوه واحترموه، فلما مات أبو طالب نال منه المشركون أذى يسيرًا، ثم قيّض الله له الأنصار فبايعوه على الإسلام، وعلى أن يتحول إلى دارهم، وهي المدينة، فلما صار إليها حموه من الأحمر والأسود، فكلما همّ أحدٌ من المشركين وأهل الكتاب بسوء كاده الله وردّ كيده عليه، ولما كاده اليهود بالسحر حماه الله منهم، وأنزل عليه سورتي المعوّذتين؛ دواءً لذلك الداء، ولما سمّ اليهود ذراع تلك الشاة بخيبر، أعلمه الله به وحماه منه؛ ولهذا أشباه كثيرة جدًّا يطول ذكرها»81.
فإن قيل: فأين ضمان العصمة وقد شجّ جبينه، وكسرت رباعيته، وبولغ في أذاه؟ فالجواب: أنّ الله عز وجل عصمه من القتل والأسر وتلف الجملة، فأمّا عوارض الأذى والمرض، فلا تمنع عصمة الجملة82.
حفظ الله عز وجل أصحاب الكهف:
ومن حفظ الله لأوليائه حفظه لأصحاب الكهف. والمتفكّر في حالهم يجدهم قد جمعوا في الظاهر كلّ أسباب الضّعف، فهم فتيةٌ ولو كانوا أكبر من ذلك فربّما صحّ لهم من التجارب ما يمدّهم بالخبرة والحكنة لمواجهة ما هم فيه. ولعلّهم لو كانوا أكبر من ذلك لكان بعضهم قد ارتقى في المناصب إلى ما يحصل لهم به منعةٌ، ولكنّهم دون ذلك سنًّا. وهم مع ذلك قلّةٌ أصحّ ما قيل في عددهم وأكثره أنهم كانوا سبعة، ولو كانوا أكثر من ذلك لكانت لهم شوكةٌ يدفعون بها عن أنفسهم. ولكنّ الله عز وجل قد ربط على قلوبهم بصدق اليقين وحلاوة الإيمان، وصانهم في كهفهم؛ ليكونوا لمن خلفهم آيةً على حفظ الله عز وجل أولياءه بعجيب التقدير ومحكم التدبير.
حفظ الله عز وجل مؤمن آل فرعون رضي الله عنه:
هو رجلٌ بالتعبير القرآنيّ، ومؤمنٌ بالوصف الربّانيّ، وإذا كان خير الجهاد كلمة حقٍّ عند سلطانٍ جائرٍ؛ فإنّ هذا الرجل أمّةٌ في الصدع بالحقّ في وجه أمّةٍ لا ترعى في مؤمنٍ إلًّا ولا ذمَّة. لم يزل يتلطّف مع قومه في النصح بما يدلّ على حكمته وسعة أفقه وبصره بمذاهب القول والإقناع، وما أعدل قوله وأجدله: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [غافر: ٢٨].
ولم يزل يحذّرهم مغبّة كفرهم وعنادهم وتعاميهم عن الحقّ الواضح المبين، ولم يزل يخوّفهم مصائر قوم نوحٍ وعاد وثمود وغيرهم ممّا كانوا يعلمون ومما لا يعلمون، ثمّ يخوّفهم هول اليوم الأكبر؛ يوم التنادي، يوم التصايح والتناوح، وانقطاع الحجّة بالمبطلين، فيولّون مدبرين؛ ولكن إلى أين؟ وليس ثمّ من الله عاصمٌ. ويذهب في مكاشفتهم بعيدًا؛ يوقّفهم على حقيقة الدنيا، وأنّ الآخرة هي دار القرار والنعيم المقيم، وأنّ ما هم عليه من الشّرك دعوةٌ إلى النار. ويبدو أنّهم ضجروا بما يدعوهم إليه، وخافوا أن يتأثّر به أحدٌ؛ فيكتب لهذا الصوت المعارض الذيوع والانتشار، فأخذوا يمكرون به؛ ليئدوا دعوته في مهدها. ويستشعر هو بفطنة المؤمن وبصيرته ما يبيّتون، فيختم الجدال معهم بقوله: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [غافر: ٤٤].
وكما وقاه الله عز وجل وحفظ عليه قلبه أن يتأثّر بشركهم، ويشايعهم على ضلالهم فقد حفظه (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [غافر: ٤٥].
حفظ الله عز وجل كنز العبد الصالح لولديه:
انطلق موسى والخضر في رحلتهما (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الكهف ٧٧-٨٧].
فكان تعليل الخضر: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الكهف: ٨٢].
قال ابن عبّاس وغيره: «حفظا بصلاح أبيهما، وما ذكر منهما صلاحٌ»83.
فلو أنّ الجدار ترك على حاله لانقضّ، ولو كان انقضّ لنهبته القرية التي لا يرعى أهلها قرى ضيفين، ولا يقومون به. وما كان في طوق غلامين يتيمين أن يحفظا كنزهما من أمثال هؤلاء. فلمّا كان أبوهما صالحًا قيّض الله عز وجل لهما من أوليائه من يقيم الجدار حتّى يكبرا فيستخرجا كنزهما وقد اكتسبا من القوّة ما يحميه من النّهبة، ومن العقل ما يربيه ولا يضيّعه.
كلّف الله عز وجل ملائكته بأعمالٍ متنوعةٍ؛ منها ما يتعلّق ببني آدم؛ من لحظة نفخ الرّوح فيه في رحم أمّه، إلى ما بعد استقراره في مثواه في دار القرار، فهم الذين يقومون عليه عند خلقه، ويتوفّونه إذا جاء أجله، ويتنزّلون على الأنبياء والمرسلين بالوحي، ويقومون بحفظه وكلاءته بأمر الله وتدبيره، ويحصون على بني آدم أعمالهم... وغير ذلك84.
وقد وصف الله عز وجل الملائكة بأنهم حفظةٌ، فقال تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ) [الأنعام: ٦١].
ووصفهم بأنهم حافظون في قوله تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ) [الانفطار: ١٠].
وفي قوله تعالى: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ)[الطارق: ٤]؛ على بعض معانيها.
ولحفظ الملائكة بني آدم معنيان؛ الأول: حفظ الكتابة؛ فهم يحفظون أعمال بني آدم؛ بكتابتها في كتابٍ لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً، وهم لا يفرّطون في ذلك شيئًا، وهم يحفظون رزقه وأجله. والمعنى الثاني: أنهم يكلؤون بني آدم ويحرسونه بأمر الله وتقديره. ومما يلتحق بحفظ الكلاءة حفظهم للسماء وحراستهم لها من الشياطين، وحفظهم بعض بقاع الأرض. وفيما يأتي تفصيل القول في ذلك.
أولًا: حفظ الكتابة والإحصاء:
يقول تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ)[الأنعام: ٦١].
ويقول تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [الانفطار: ١٠-١٢].
والحفظة والحافظون ملائكةٌ يحفظون على بني آدم أعمالهم ويحصونها؛ فلا يفرّطون في حفظ ذلك وضبطه وإحصائه، ولا يضيّعون85. وعن قتادة قال: «حفظةٌ يا ابن آدم يحفظون عليك رزقك وعملك وأجلك»86. وهو كقوله: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ)[الطارق: ٤].
وقد اختار أكثر المفسّرين تفسير حفظ الملائكة في هذه الآيات بحفظ الكتابة والضبط والإحصاء، وهو الأقرب إلى سياقاتها دون حفظ الكلاءة والتعهد والرّعاية، ويضاف إلى قرينة السياق قرينة تعدية الحفظ إلى المعمول بحرف الجرّ (على)؛ لتضمّنه معنى المراقبة. والحفيظ من معانيه الرقيب، كما في قوله تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ) [الشورى: ٦].
وهذا الاستعمال هو غير استعمال الحفظ الـمعدّى بنفسه إلى المفعول؛ فإنّه بمعنى الحراسة؛ نحو قوله: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ)[الرعد: ١١].
فالحفظ بهذا الإطلاق يجمع معنى الرعاية والقيام على ما يوكل إلى الحفيظ87.
وجمع سبحانه الملائكة الحفظة والحافظين باعتبار أنّ المخاطب جملة النّاس، وقد وكّل الله عز وجل بكلّ عبدٍ ملكين يكتبان عمله، ويترصّدانه؛ (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [ق: ١٦-١٨]؛ أي: عنده رقيبٌ حافظٌ يرقب أعماله ويحفظها، عتيدٌ؛ أي: حاضرٌ معه أين ما كان88. فالملائكة أقرب إلى الإنسان من حبل وريده إليه بإقدار الله لهم على ذلك، والمتلقّيان هما الملكان اللذان يكتبان عمل الإنسان، يترصّدانه عن اليمين وعن الشمال، فما يلفظ ابن آدم من قول، ولا يتكلّم بكلمة، إلا وهما يراقبانه ويكتبان عليه ما لفظه، فما يتركان من كلمة ولا حركة89.
وقد يقال: إنّ الله تعالى غنيٌّ بعلمه عن كتابة الملائكة؛ فما الحكمة منها؟ والجواب -والله أعلم-: إنّ في الكتابة لطفًا للعباد؛ لأنهم إذا علموا أنّ الله رقيب عليهم، والملائكة الذين هم أشرف خلقه موكّلون بهم، يحفظون عليهم أعمالهم، ويكتبونها في صحائف تعرض على رؤوس الأشهاد في مواقف القيامة كان أزجر لهم عن القبيح، وأبعد عن السوء90.
وعلى كلٍّ؛ فإنّ اللّه يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، ويجب علينا الإيمان بكل ما ورد به الشرع، سواء عقلناه أم لم نعقله.
وفي تعظيم الكتبة بالثناء عليهم تعظيمٌ لأمر الجزاء، وأنه عند الله من جلائل الأمور، ولولا ذلك لما وكّل بضبط الملائكة الكرام الحفظة الكتبة ما يحاسب عليه، ويجازي به. وفيه إنذار وتهويل وتشويرٌ للعصاة ولطف للمؤمنين91.
ثانيًا: حفظ الكلاءة والحراسة:
لله عز وجل ملائكةٌ يحفظون بأمره بني آدم مما يترصّدهم من المضارّ والآفات إلا ما قدّر عليهم قدرًا نافذًا؛ فلا رادّ له من الله. يقول تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ) [الرعد: ١١].
وقد اختلف أهل التفسير في المراد بالمعقّبات، فقيل: هم الملائكة، وقيل: هم الحرس من البشر، وعلى كلّ قول منهما تتأتّى وجوهٌ مختلفة.
فقالت طائفة: إنّ الـمعقّبات هي الملائكة؛ قاله ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة وعطاء وابن جريج وغيرهم92. وقيل: لهم (ﮡ)؛ لأنّهم يتعاقبون مرّة بعد مرّة، وذلك أنّ ملائكة الليل إذا صعدت أعقبتها ملائكة النهار، فإذا انقضى النهار صعدت ملائكة النهار فأعقبتها ملائكة الليل93. ومن عمل عملًا ثم عاد إليه فقد عقّب، والتعقيب أن يأتي بشيءٍ بعد آخر، والمعقبات من الإبل اللواتي يقمن عند أعجاز الإبل المعتركات على الحوض، فإذا انصرفت ناقة دخلت مكانها أخرى94. ويدلّ على هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم ربهم؛ وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلّون)95.
ثمّ يختلف القول في تفسير الآية عند من قال: إنّ المعقّبات هم الملائكة؛ فإذا كان الضمير من (ﮠ) يعود على اسم الله عز وجل يكون المعنى: لله ملائكة تتعاقّب في العباد يحفظونهم، وإذا كان الضمير يعود على العبد المستخفي بالليل والسارب بالنهار المذكور قبلًا؛ تكون اللام للاختصاص؛ أي: إنّ للعبد ملائكةً يحفظونه؛ لتكليف الله لهم بذلك. ثم اختلفوا في قوله تعالى: (ﮨ ﮩ ﮪ)، فقال بعضهم: يحفظونه بأمر الله وبإذنه، أو عن أمر الله، يعني: حفظهم هذا عن أمر الله لا من عند أنفسهم، وهو راجعٌ للأوّل. فيكون المعنى: إنّ لله ملائكة أمرهم بحفظ عباده مما يترصّدهم من المضارّ والآفات، فهو توكيل الملائكة بهم لحفظهم من الوحوش والهوامّ والأشياء الـمضرّة؛ لطفًا منه بهم، فإذا جاء القدر خلّوا بينه وبينه، قاله عليٌّ وابن عباس رضي الله عنهم، وجاء رجل من مرادٍ إلى عليٍّ رضي الله عنه فقال: «احترس فإن ناسًا من مراد يريدون قتلك. فقال: إنّ مع كل رجل ملكين يحفظانه ما لم يقدّر، فإذا جاء القدر خلّيا بينه وبين قدر الله، وإن الأجل حصنٌ حصينة»96.
وقيل: المعقّبات هي من أمر الله، وهي الملائكة؛ أي: له معقباتٌ من أمر الله يحفظونه؛ ففي الكلام تقديم وتأخيرٌ، وحاصل هذا القول كسابقيه، ولا تعارض97.
وقيل: (ﮨ ﮩ ﮪ) على بابها؛ أي: يحفظونه من ما أمر به الله؛ أي: يحفظونه من ملائكة العذاب؛ حتى لا تحلّ به عقوبة؛ لأنّ الله لا يغيّر ما بقوم من النعمة والعافية حتى يغيّروا ما بأنفسهم بالإصرار على الكفر، فإن أصرّوا حان الأجل المضروب ونزلت بهم النقمة، وزالت عنهم الحفظة المعقّبات98. وملائكة العذاب من أمر الله، وخصّهم بأن قال: (ﮨ ﮩ ﮪ)؛ لأنّهم غير معاينين، قال: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [ الإسراء: ٨٥ ]؛ أي: ليس مما تشاهدونه أنتم99.
وقيل: يحفظونه من الجن، وأمر الله الجنّ. قال كعب: «لولا أنّ الله وكّل بكم ملائكة يذبّون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم لتخطفتكم الجنّ»100.
ويحتمل أنّ هؤلاء الملائكة الحرس مما يخصّ كل إنسان؛ كالحفظة الكاتبين، ويحتمل أن يكون من جملة الملائكة لجملة الناس101.
والقول الثاني: أنّ المعقبّات هم الحرس من البشر الذين يكونون بين يدي السلاطين والأمراء يحتمون بهم من أمر الله، ولن يغنوا عنهم من الله شيئًا إذا جاء أمر الله، ونفذ قدره، فإنّ الله إذا أراد بقوم سوءًا فلا مردّ له وما لهم من دونه من والٍ، فالمذكور ملك من ملوك الدنيا له حرسٌ من دونه حرسٌ، ومواكب من بين يديه ومن خلفه، وهو مرويٌّ عن ابن عباس وعكرمة102.
وقال تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [فصلت: ٣١].
وهو خطابٌ من الملائكة للعبد المسلم، وذهب جمهور العلماء إلى أنّ قول الملائكة هذا إنّما يكون عند الاحتضار، قال ابن كثير: «تقول الملائكة للمؤمنين عند الاحتضار: نحن كنّا أولياءكم، أي: قرناءكم في الحياة الدنيا، نسدّدكم ونوفّقكم ونحفظكم بأمر الله، وكذلك نكون معكم في الآخرة نؤنس منكم الوحشة في القبور، وعند النفخة في الصور، ونؤمّنكم يوم البعث والنشور، ونجاوز بكم الصراط المستقيم، ونوصلكم إلى جنات النعيم»103. قال السدّيّ، في معناه: «نحن الحفظة الذين كنّا معكم في الدنيا، ونحن أولياؤكم في الآخرة»104.
قال ابن القيم: «فالملك يتولّى من يناسبه بالنصح له والإرشاد، والتثبيت، والتعليم، وإلقاء الصواب على لسانه، ودفع عدوه عنه، والاستغفار له إذا زلّ، وتذكيره إذا نسي، وتسليته إذا حزن، وإلقاء السكينة في قلبه إذا خاف، وإيقاظه للصلاة إذا نام عنها، وإيعاد صاحبه بالخير، وحضّه على التصديق بالوعد، وتحذيره من الركون إلى الدنيا، وتقصير أمله، وترغيبه فيما عند الله. فهو أنيسه في الوحدة، ووليّه ومعلّمه ومثبّته، ومسكّن جأشه، ومرغّبه في الخير، ومحذّره من الشرّ، يستغفر له إن أساء، ويدعو له بالثبات إن أحسن، وإن بات طاهرًا يذكر الله بات معه في شعاره، فإن قصده عدو له بسوء وهو نائم دفعه عنه»105.
فهذا حفظٌ خاصٌّ وولايةٌ معقودةٌ من الملائكة للمسلم، لا يشاركه فيها من بني آدم إلا من كان مسلمًا. فهي تختلف عن الكلاءة العامّة من الملائكة لبني آدم.
ومن حفظ الملائكة لبني آدم حراستهم للسماء من استراق الشياطين، هو مذكورٌ على لسان مؤمني الجنّ: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [الجنّ: ٨].
قال ابن كثير: «يخبر تعالى عن الجن حين بعث الله رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه القرآن، وكان من حفظه له أنّ السماء ملئت حرسًا شديدًا، وحفظت من سائر أرجائها، وطردت الشياطين عن مقاعدها التي كانت تقعد فيها قبل ذلك؛ لئلا يسترقوا شيئًا من القرآن، فيلقوه على ألسنة الكهنة، فيلتبس الأمر ويختلط، ولا يدرى من الصادق. وهذا من لطف الله بخلقه، ورحمته بعباده، وحفظه لكتابه العزيز»106.
ومن حفظ الملائكة حراستها لمكة والمدينة من الدجّال؛ عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس من بلد إلا سيطؤه الدّجّال إلا مكة والمدينة، ليس له من نقابها نقب إلا عليه الملائكة صافّين يحرسونها، ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات فيخرج الله كل كافر ومنافق)107. وهذا من الحفظ الخاصّ للمسلمين المعتصمين -يومئذ- بمكّة والمدينة، والله أعلم.
وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا طوبى للشام، يا طوبى للشام، قالوا: يا رسول الله وبم ذلك؟ قال: تلك ملائكة الله باسطو أجنحتها على الشام)108. أي: حفظًا لها عن الشرور، واستجلابًا لكل خير، تجلب إليه الخيرات وتدفع عنه الهلكات109.
ومن حفظ الملائكة للمسلمين قتالهم مع المؤمنين وتثبيتهم عند ملاقاة العدوّ؛ (ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ) [الأنفال: ١٢].
ومن حفظ الملائكة للمؤمنين دعاؤهم لهم؛ (ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﰑ ﰒ ﰓ) [الأحزاب: ٤٣].
وفي دعاء الملائكة للمؤمنين بالرحمة حفظٌ لهم، ودعاء الملائكة مرجوّ الإجابة بإذن الله، فكان دعاء الملائكة للمؤمنين أحد أسباب الحفظ في الدّنيا والآخرة.
حفظ الملائكة: هدايات ودلالات:
من الواجب على المسلم أن يتأمّل في حفظ الملائكة لبني آدم وكلاءتهم لهم، وكتابتهم عليهم أعمالهم وأرزاقهم وآجالهم، فإنّ تأمّله يثمر له أطايب الثمر، ويعود عليه بأماثل العبر، فمن ذلك:
الهداية الأولى:
يجب على المسلم أن يستحيي من هؤلاء الحافظين الكرام، وأن يكرمهم ويجلّهم أن يروا منه ما يستحيي أن يراه عليه من هو مثله. والملائكة تتأذى مما يتأذّى منه بنو آدم، فإذا كان ابن آدم يتأذّى ممن يفجر ويعصي بين يديه -وإن كان قد يعمل مثل عمله- فما الظنّ بأذى الملائكة الكرام الكاتبين؟!110.
الهداية الثانية:
يقول الله تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [الانفطار: ١٠-١٢].
فأجرى سبحانه وتعالى على الملائكة الموكّلين بإحصاء أعمال بني آدم أربعة أوصاف؛ هي: الحفظ والكرم والكتابة والعلم بما يعلمه الناس. وابتدئ منها بوصف الحفظ؛ لأنّه الغرض الذي سيق لأجله الكلام الذي هو إثبات الجزاء على جميع الأعمال، ثم ذكرت بعده ثلاث صفات بها كمال الحفظ والإحصاء، وفيها تنويهٌ بشأن الملائكة الحافظين. ثمّ وصفهم بالكرم، وهو النفاسة في النوع؛ فالكرم صفتهم النفيسة الجامعة للكمال في المعاملة وما يصدر عنهم من الأعمال. وأمّا صفة الكتابة فمرادٌ بها: ضبط ما وكّلوا على حفظه ضبطًا لا يعتريه نسيانٌ ولا إجحاف ولا زيادة. وأما صفة العلم بما يفعله الناس فهو: الإحاطة بما يصدر عن الناس من أعمال، وما يخطر ببالهم من تفكير مما يراد به عمل خير أو شرٍّ، وهو الهمّ. وقوله: (ﮆ ﮇ ﮈ) يعمّ كل شيء يفعله الناس، وطريق علم الملائكة بأعمال الناس مما فطر الله عليه الملائكة الموكّلين بذلك.
ويستهدى بذلك في أنّ هذه الصفات الأربع هي عماد الصفات المشروطة في كلّ من يقوم بعمل للأمّة من الولاة وغيرهم، فإنهم حافظون لمصالح ما استحفظوا عليه، فيجب أن يكونوا أمناء حافظين، طاهري النّفس والفطرة، ضابطين لما يجري على أيديهم؛ بأن يكون ما يصدرونه مكتوبًا مضبوطًا لا يستطاع تغييره، فيمكن لكلّ من يقوم بذلك العمل بعد القائم به، أو في مغيبه أن يعرف ماذا أجرى فيه من الأعمال. وهذا أصلٌ عظيمٌ في وضع الملفات للنوازل والتراتيب، ومنه نشأت دواوين القضاة، ودفاتر الشهود، والخطاب على الرسوم، وإخراج نسخ الأحكام والأحباس وعقود النكاح.
كذلك؛ يجب أن يكونوا على علمٍ كافٍ بما يتعلق بالأحوال التي توكل إليهم أماناتها؛ بحيث لا يستطيع أحد من المخالطين أن يموّه عليهم شيئًا، أو أن يلبس عليهم في حقيقتها. فيجب أن ينتفي عنهم الغلط والخطأ في تمييز الأمور بأقصى ما يمكن. ويختلف العلم المطلوب باختلاف الأعمال؛ فيقدّم في كل ولاية من هو أعلم بما تقتضيه ولايته من الأعمال، وما تتوقف عليه من المواهب والدراية، فليس ما يشترط في القاضي يشترط في أمير الجيش مثلًا، وبمقدار التفاوت في الخصال التي تقتضيها إحدى الولايات يكون ترجيح من تسند إليه الولاية على غيره؛ حرصًا على حفظ مصالح الأمة، فيقدّم في كل ولاية من هو أقوى كفاءة لإتقان أعمالها وأشد اضطلاعًا بممارستها111.
كذلك؛ يستهدى به في أهمية الكتابة للمعاملات المالية والتجارية كالديون والشراكات والإجارات والوكالات، ونحو ذلك. وقد جاءت أطول آيةٍ في القرآن الكريم في بيان ذلك والحثّ عليه وتفصيل بعض الأحكام المتعلّقة به، وفيها تعليل لأهمية الكتابة بقوله تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ)[البقرة: ٢٨٢].
الهداية الثالثة: لوازم الإيمان بحفظ الملائكة:
حفظ الملائكة فيه إثبات للبعث؛ فهو كالدليل على إثباته؛ لأنّ إقامة الحافظ تستلزم شيئًا يحفظه، وهو الأعمال خيرها وشرّها، وذلك يستلزم إرادة المحاسبة عليها، والجزاء بما تقتضيه جزاءً مؤخرًا بعد الحياة الدنيا؛ لئلّا تذهب أعمال العاملين سدًى، وذلك يستلزم أنّ الجزاء مؤخّرٌ إلى ما بعد هذه الحياة؛ إذ الـمشاهد تخلّف الجزاء في هذه الحياة بكثرة، فلو أهمل الجزاء لكان إهماله منافيًا لحكمة الإله الحكيم مبدع هذا الكون، قال: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [المؤمنون: ١١٥].
وهذا الجزاء المؤخّر يستلزم إعادة الحياة للذوات الصادرة منها الأعمال112.
الهداية الرابعة: من أسباب تحصيل الحفظ الخاصّ للملائكة:
الإيمان والاستقامة سبب تحصيل ولاية الملائكة للعبد المسلم؛ (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [فصلت: ٣٠-٣١].
وكلّ ما يقرّب العبد من ربّه فهو من أسباب تولّي الملائكة له، ويأتي على رأس ذلك ما يفعله المرء من خير متعدٍّ نفعه إلى الغير، فلما كان المرء في حاجة النّاس وتعليمهم من العلم ما يثبّتهم ويحفظهم في أمر دنياهم وأخراهم؛ كان الملائكة في تثبيته وحفظه والدّعاء له، والجزاء من جنس العمل. عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله وملائكته وأهل السماوات وأهل الأرض حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت ليصلّون على معلّم الناس الخير)113.
وكلّ ما هو من الطهارة الحسيّة والمعنوية فإنّه مما يحصّل به حفظ الملائكة، فمن الطهارة الحسيّة أن يكون الإنسان طيّب البدن طاهرًا، حسن الرّيح والملبس.
ومن الطهارة المعنوية طهارة القلب من أمراضه، وأكل الحلال، وحفظ اللسان عن الفحش، ومقابلة السيئة بالحسنة طمعًا في صفح الله وعفوه؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلًا شتم أبا بكر رضي الله عنه والنبي صلى الله عليه وسلم جالس فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه ويبتسم، فلما أكثر ردّ عليه بعض قوله، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقام فلحقه أبو بكر، فقال: يا رسول الله، كان يشتمني وأنت جالس، فلما رددتّ عليه بعض قوله غضبت وقمت! قال: (إنه كان معك ملكٌ يردّ عنك، فلما رددتّ عليه بعض قوله وقع الشيطان، فلم أكن لأقعد مع الشيطان)114.
ومن ذلك: الإكثار من ذكر الله، وقراءة آية الكرسيّ قبل النّوم. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آتٍ، فجعل يحثو من الطعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذكر الحديث؛ فقال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسيّ؛ لن يزال عليك من الله حافظٌ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (صدقك وهو كذوب؛ ذاك شيطانٌ)115.
ولعلّ في تدبّرها توقيفًا على حكمة تخصيص آية الكرسيّ بتلك الفضيلة، ففيها قوله تعالى: (ﯷ ﯸ ﯹ) [البقرة: ٢٥٥]؛ أي: حفظ السماوات والأرض وما فيهما، فهل يعجزه حفظ مخلوقٍ له من مخلوق؟! فمن قرأها متدبّرًا كان جديرًا بتلك الكلاءة بأمر الله. والله المستعان.
بيّن القرآن الكريم أن وظيفة الرسل هي تبليغ دعوة الله بلاغًا مبينًا، فقاموا عليهم السلام بذلك خير القيام، وأعفاهم سبحانه من مسئولية هداية التوفيق للحق؛ لأنه حق اختص به سبحانه، وأعفاهم أيضًا من مسئولية حفظ أعمال العباد ومجازاتهم عليها، وسوف نبيّن ذلك فيما يأتي:
أولًا: حفظ الرسل للرسالة وتبليغها:
اصطفى الله عز وجل رسلًا من النّاس، فكلّفهم بأداء الرسالة إلى من أرسلهم الله إليهم من البشر، وفي سبيل ذلك حباهم بمقوّمات البلاغ، ولا شكّ أنّ الأنبياء والرسل يمثّلون الكمال البشريّ في أرقى صوره؛ ذلك أنّ الله اختارهم واصطفاهم لنفسه، فهم أطهر البشر قلوبًا، وأزكاهم أخلاقًا، وأجودهم قريحةً، وأحدّهم ذهنًا، وأوفرهم عقلًا، وأقواهم قلبًا، والله أعلم حيث يجعل رسالته. فجمعوا إلى كمال الخلق تمام الخلق، وكانوا أوسط الناس نسبًا في أقوامهم116.
ومما حبا الله به أنبياءه أن عصمهم بحفظه إيّاهم بما خصّهم به من صفاء الجوهر، ثم بما أولاهم من الفضائل الجسمية، ثم بالنّصرة وبتثيبت أقدامهم، ثم بإنزال السكينة عليهم، وبحفظ قلوبهم، وبالتوفيق إلى البلاغ117. وعصمهم في اعتقادهم أن يشركوا بالله ولو طرفة عين: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [الزمر: ٦٥].
وعصمهم من مقارفة الكبائر والصغائر عمدًا، وعلى ذلك إجماع الأمّة، والأكثرون على عدم وقوع الذنوب منهم سهوًا.
وقد أجمع من يعتدّ بإجماعه من العلماء على أنّه لا يجوز على الرسل الكذب في التبليغ، أو تحريفه، أو التقصير فيه، أو الخيانة فيه، أو كتمانه لا عمدًا ولا سهوًا، وإلا لم يبق الاعتماد على شيء من الشرائع، ولما تميّز الغلط والسهو من غيره، ولاختلط الحقّ بالباطل. ومن قال بجواز السهو والنسيان في التبليغ فمراده عدم منع ذلك عقلًا، ولكنّه يرى عصمتهم عن ذلك بورود الشرع وإجماع الأمة118.
وقال تعالى آمرًا محمّدًا صلى الله عليه وسلم: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ)[المائدة: ٦٧].
ومحمّدٌ صلى الله عليه وسلم ومن قبله من المرسلين في هذا الأمر سواءٌ. ولـمّا ذكر الله من سمّى من الأنبياء، قال جلّ ذكره: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ) [الأنعام: ٨٩-٩٠].
فلم يأمره صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهم إلا إذا كانوا قد بلّغوا الرسالة وحفظوا الأمانة.
وأمره بالاقتداء بهم يضيء لنا طريقًا مهمًّا لفهم مستويات حفظ الرّسالة؛ ذلك أنّ الله عز وجل أنزل من الرّسالات نسخةً مسطورةً، وأقام من الأنبياء أسوةً منظورةً تترجم عن مراد الله، كما في قوله تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ)[النحل: ٤٤].
والآيات في هذا المعنى كثيرةٌ، فلا عبرة بتبليغ الألفاظ ما لم يكن مراد الله عز وجل منها واضحًا بيّنًا، ثمّ إنّ الأسوة لا تكتمل إلا بالترجمة العمليّة السلوكيّة، وهو ما أمر الله به نبيّه صلى الله عليه وسلم (ﯱ ﯲ)، وقد وفّى به النبي صلى الله عليه وسلم، فوصفه ربّه عز وجل: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [القلم: ٤].
وأمر المسلمين بالتأسّي به فقال: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الأحزاب: ٢١].
وأكّدت أمّ المؤمنين عائشة بقولها حين سئلت عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: (كان خلقه القرآن)119. ولا شكّ أن الرّسل جميعًا قد بلّغوا وبيّنوا البيان العلميّ والعمليّ.
قال تعالى في عموم الرسل: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [النحل: ٣٦].
فما حقّت الضلالة على المكذّبين إلا بعد أن أقام الرسل عليهم الحجّة؛ لأنّ الله عز وجل يقول: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الإسراء: ١٥]؛ أي: حتى نبعث رسولًا فيبلّغ بالبلاغ المبين. فلمّا أخبر سبحانه أنّهم قد حقّت عليهم الضلالة، ووصفهم بالمكذّبين؛ علم أن هؤلاء الرّسل قد بلّغوا رسالاتهم على التمام والكمال.
وهاهو هودٌ عليه السلام يحذّر قومه: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [هود: ٥٧].
وصالح عليه السلام بعد أن كذّبه قومه، فحلّ بهم العذاب، (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [الأعراف: ٧٩].
وشعيبٌ عليه السلام بعد أن أخذت الرجفة الكفّار من قومه، (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [الأعراف: ٩٣].
وقد صحّت الأحاديث بأنّ الرّسل قد بلّغوا ما أرسلوا به؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يجيء النبيّ يوم القيامة ومعه الرجل، والنبيّ ومعه الرجلان، والنبيّ ومعه الثلاثة، وأكثر من ذلك؛ فيقال له: هل بلّغت قومك؟ فيقول: نعم. فيدعى قومه فيقال لهم: هل بلّغكم هذا؟ فيقولون: لا. فيقال له: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته. فيدعى محمد صلى الله عليه وسلم وأمّته، فيقال لهم: هل بلّغ هذا قومه؟ فيقولون: نعم. فيقال: وما علمكم بذلك؟ فيقولون: جاءنا نبيّنا فأخبرنا أنّ الرسل قد بلّغوا فصدّقناه. فذلك قوله: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [البقرة: ١٤٣])120.
وعنه أيضًا رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يجيء نوحٌ وأمته، فيقول الله تعالى: هل بلّغت؟ فيقول: نعم أي ربّ. فيقول لأمته: هل بلّغكم؟ فيقولون: لا، ما جاءنا من نبيٍّ. فيقول لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمد صلى الله عليه وسلم وأمته. فنشهد أنه قد بلّغ)121.
فهذه البيّنات شواهد صدقٍ وعدلٍ على حفظ الرّسل لأماناتهم ووفائهم بها على الوجه الأكمل، نشهد أنّهم قد بلّغوا، ونصحوا، وأقاموا الحجّة.
ثانيًا: نفي حفظ الرسل لأعمال قومهم ومجازاتهم عليها:
لاشكّ أنّ الدّعاة إلى الله -وفي مقدّمتهم الأنبياء- يتعرّضون في دعوتهم إلى جملةٍ من الأمور التي قد تصرفهم بصورة أو بأخرى عن بعض دعوتهم. وإن لم يربط الله على قلب الداعية فقد يقع فريسة الهمّ خوف التقصير، وهو في حدّ ذاته من أخطر الضغوط النفسية التي يتعرض لها الداعية، فإذا أضيف إليها خوفه وحسرته على قومه؛ لإعراضهم وانصرافهم عن الهداية، وخوفه من أذاهم بالقول والفعل وصدّهم عن دعوته، فإنّ كلّ ذلك قد يثبّط الدّاعية، فيحتاج إلى تذكيره بأنّ حدود المسئولية المكلّف بها لا تتجاوز البلاغ المبين، وأنّ عليه هداية الدلالة والإرشاد، وأمّا التوفيق فذاك محض فضل الله يهدي من يشاء، ويضلّ من يشاء. ولا يكون الرسول رقيبًا على قومه أو حسيبًا عليهم أو مجازيًا لهم على أعمالهم، فذاك إلى الله عز وجل هو الرقيب الحسيب سبحانه .
والمتفكّر في القرآن الكريم يجد هذا المعنى من أكثر المعاني تكرارًا فيه؛ كقوله تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [الأنعام: ١٠٤]؛ أي: وما أنا عليكم برقيب أحصي عليكم أعمالكم وأفعالكم، وإنما أنا رسول أبلّغكم ما أرسلت به إليكم، والله الحفيظ عليكم، لا يخفى عليه شيءٌ من أعمالكم122. وقوله تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [الأنعام: ١٠٦-١٠٧]؛ أي: إنما بعثناك إليهم رسولًا مبلّغًا، ولم نبعثك حافظًا عليهم ما هم عاملوه، ومحصيًا ذلك عليهم، فإن ذلك إلينا دونك، ولست عليهم بوكيلٍ ولا بقيّم تقوم بأرزاقهم وأقواتهم، ولا بحفظهم فيما لم يجعل إليك حفظه من أمرهم123. وقوله: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ)[الشورى: ٦]؛ أي: إنّ الله حفيظٌ عليهم يحصي عليهم أفعالهم، ويحفظ أعمالهم؛ ليجازيهم بها يوم القيامة جزاءهم، ولست أنت يا محمّد بالوكيل عليهم بحفظ أعمالهم، وإنما أنت منذر، فبلّغهم ما أرسلت به إليهم، فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب124، وقوله: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [الشورى: ٤٨].
وقوله على لسان شعيب: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [هود: ٨٦].
فهو تأكيد على أنّ ذلك الأمر عامٌّ مطّردٌ لجميع الرّسل؛ كقوله: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [النحل: ٣٥].
وقوله: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [النور: ٥٤].
وقوله: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [التغابن: ١٢].
(ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [الرعد: ٤٠].
وقوله تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [الغاشية: ٢١-٢٦].
(ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [يونس: ١٠٨].
إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة في المعنى نفسه. وكلّها تنفي عن النبيِّ أن يكون حفيظًا على قومه أو وكيلًا عليهم أو محاسبًا لهم، وفيها تأكيدٌ على أنّ البلاغ المبين لا يشمل الرقابة على المدعوّ، ولا حسابه، وأنّ المبلّغ مأجورٌ على البلاغ، وليس أجره مرهونًا باستجابة أحدٍ، وإلا فإنّ بعض الأنبياء يأتي يوم القيامة وليس معه أحدٌ، وهو -مع ذلك- قد بلّغ فوفّى.
فإذا علم الرسل والدّعاة هذا الأمر فقد تحقّق لهم الاستقرار والأمن النفسيّ الذي يصقل عزائمهم ويشحذ هممهم، فإذا أصابه حزنٌ على المعرضين يجد تسلية الله عز وجل: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [الشعراء: ٣-٤].
فإن كان المعرض حبيبًا إلى النّفس وهو ممن يحرص الداعية على هدايته تسلّى بقوله تعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [القصص: ٥٦].
وإذا حدّثته نفسه بأن يقدّم بعض التنازلات أو أن يكتم بعض رسالته ارعوى بقوله تعالى: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [هود: ١٢].
ولما كانت الدّعوة إلى الله على بصيرةٍ هي مضمار إثبات التبعيّة للنبيّ صلى الله عليه وسلم؛ لقوله تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [يوسف: ١٠٨]؛ فإنّ الدّعاة أكثر الناس حاجةً إلى تدبّر هذه الآيات والتفكّر فيها؛ فلعلّ حكمة تكرارها -والله أعلم- حتى لا يمرّ يومٌ على الدّعاة أهل القرآن؛ من غير أن يذكّرهم بها لأهميتها.
وأمّا الذين ينصّبون أنفسهم رقباء على النّاس، كأنّهم اطّلعوا على القلوب فعلموا ما فيها، فحكموا -بغير بيّنةٍ- على هذا بالضلال وعلى هذا بالفسوق = فقد حدّثنا القرآن عنهم: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ) [المطففين: ٣٣]؛ أي: وما بعث هؤلاء الكفار القائلون للمؤمنين: إن هؤلاء لضالون، حافظين عليهم أعمالهم، يقول: إنما كلّفوا الإيمان بالله، والعمل بطاعته، ولم يجعلوا رقباء على غيرهم، يحفظون عليهم أعمالهم ويتفقّدونها125. فتلك رذيلةٌ لا يليق بعاقل أن يتورّط فيها؛ فضلًا عن مسلمٍ داعيةٍ.
ذكر القرآن الكريم مجالات الحفظ في حق العباد، وهذا ما سنبينه فيما يأتي:
أولًا: حفظ حدود الله على الإجمال:
إنّ الحفظ المنوط بالعباد هو حفظ حدود الله وحقوقه وأوامره ونواهيه، ويكون ذلك بالوقوف عند أوامره بالامتثال، وعند نواهيه بالاجتناب، وعند حدوده فلا يتجاوز ولا يتعدّى ما أمر به إلى ما نهي عنه، فدخل في ذلك فعل الواجبات جميعها، وترك المحرّمات كلّها، فمن فعل ذلك فهو من الحافظين لحدود الله126. يقول الله تعالى في سياق بيان صفات المؤمنين المجاهدين الذين اشترى الله منهم أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنّة: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ) [التوبة: ١١٢].
فقوله: (ﭜ ﭝ ﭞ) معناه: المؤدّون فرائض الله، المنتهون إلى أمره ونهيه، الذين لا يضيّعون شيئًا ألزمهم الله عز وجل العمل به، ولا يرتكبون شيئًا نهاهم عن ارتكابه127.
وقال ابن عباس: «يعني: القائمين على طاعة الله. وهو شرطٌ اشترطه على أهل الجهاد؛ إذا وفّوا الله بشرطه وفّى لهم شرطهم»128.
فحدود الله تشمل جميع التكاليف الشرعيّة من أوامر ونواهٍ، وعباداتٍ ومعاملاتٍ.
ثانيًا: حفظ القرآن والعلم:
العلم وضبط الشريعة -وإن كان فرض كفاية- فإنه يتعيّن له طائفةٌ من الناس وهم من جاد حفظهم، ورقّ فهمهم، وحسنت سيرتهم، وطابت سريرتهم، فهؤلاء هم الذين يتعين عليهم الاشتغال بالعلم؛ فإن عديم الحفظ أو قليله أو سيئ الفهم لا يصلح لضبط الشريعة، وكذلك من ساءت سيرته لا يحصل به الوثوق للعامة، فلا تحصل به مصلحة التقليد فتضيع أحوال الناس، وإذا كانت هذه الطائفة متعينة بهذه الصفات تعيّنت بصفاتها وصار طلب العلم عليها فرض عين129.
والقرآن رأس العلم، من لم يأخذ بحظّه منه فليس معدودًا في العلماء. ولا يبرّز طالب العلم الشرعيّ، ولا يتأهّل في أيّ فرعٍ من فروعه إلا بقدر أخذه من علم القرآن؛ إذ هو الأصل الـمقدّم على غيره. قال تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [العنكبوت: ٤٨-٤٩].
قال ابن كثير: «القرآن آيات بينةٌ واضحة في الدلالة على الحق، أمرًا ونهيًا وخبرًا، يحفظه العلماء، يسّره الله عز وجل عليهم حفظًا وتلاوةً وتفسيرًا»130. وقال البيضاوي: «بل هو القرآن آياتٌ بيّناتٌ في صدور الّذين أوتوا العلم يحفظونه لا يقدر أحد على تحريفه»131. وفيه إشارةٌ إلى صفة من صفات الذين أوتوا العلم، وهي أنّ القرآن محفوظٌ في صدورهم بيّن الدلالة ظاهر الحجّة، ولم تكن هذه صفته فقد انخرم في حقّه أحد أهمّ شروط الإمامة في العلم. والله أعلم.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «إذا أردتم العلم فأثيروا القرآن؛ فإنّ فيه علم الأوّلين والآخرين»132.
وقد كان علماء السّلف يوصون طلّاب العلم أن يبدؤوا بالقرآن الكريم، يتعلّمون حروفه ومعانيه، فإذا رأوا أنّهم قد حصّلوا من ذلك قدرًا كافيًا نقلوهم إلى التخصّص، قال ابن عبد البر: «طلب العلم درجات ومناقل ورتب، لا ينبغي تعدّيها، ومن تعدّاها جملة فقد تعدى سبيل السلف رحمهم الله، ومن تعدّى سبيلهم عامدًا ضلّ، ومن تعداه مجتهدًا زلّ. فأوّل العلم حفظ كتاب الله عز وجل وتفهّمه، وكلّ ما يعين على فهمه فواجبٌ طلبه معه. ولا أقول: إنّ حفظه كلّه فرضٌ، ولكني أقول: إنّ ذلك شرط لازمٌ على من أحبّ أن يكون عالـمًا فقيهًا ناصبًا نفسه للعلم»133.
غير أنّ الاستظهار والجمع أولى ما يستعان به على الفهم والتدبّر، والمكثر من التلاوة حريٌّ بجني القرآن وقطافه؛ علمًا وعملًا، فهمًا وتطبيقًا؛ ولذا تتوارد النصوص على التأكيد على فضيلة التلاوة واقترانها بالأركان العملية؛ كقوله تعالى: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [فاطر: ٢٩]، يخبر الله تعالى عن عباده المؤمنين الذين يتلون كتابه ويؤمنون به ويعملون بما فيه، من إقامة الصلاة، والإنفاق مما رزقهم الله في الأوقات المشروعة ليلًا ونهارًا، سرًّا وعلانية، يرجون ثوابًا عند الله لابدّ من حصوله134. قال قتادة: «كان مطرّف إذا قرأ هذه الآية يقول: هذه آية القرّاء»135.
وتلاوة كتاب الله تعني شيئًا آخر غير المرور بكلماته بصوت أو بغير صوت، تعني: تلاوته عن تدبّرٍ، ينتهي إلى إدراك وتأثّر، وإلى عمل بعد ذلك وسلوك، ومن ثمّ يتبعها بإقامة الصلاة، وبالإنفاق سرًّا وعلانية من رزق الله136. وقوله تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [البقرة: ١٢١].
فقوله: (ﭷ ﭸ ﭹ) أي: يتبعونه حقّ اتّباعه، وإجماع الحجة من أهل التأويل على أنّ ذلك تأويله137. وهو قول ابن مسعود وابن عبّاس والحسن وقتادة وعكرمة ومجاهد وغيرهم138.
وقوله تعالى: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [الأعراف: ١٧٠].
والذين يعملون بما في كتاب الله، وأقاموا الصلاة بحدودها، ولم يضيّعوا أوقاتها، فإنّ الله لا يضيع أجر عملهم الصالح139. والتعبير بقوله: (ﰃ)، وما فيه من إشعارٍ بتعدّي صلاحهم في أنفسهم إلى إصلاحهم غيرهم؛ يصيّرنا إلى القول بأنّ تمسيكهم بالكتاب لم يقتصر على إمساكهم هم؛ بل مسّكوا به غيرهم نصحًا وأمرًا وتعليمًا وتفهيمًا، والله تعالى أعلم.
إنّ استقراء الآيات التي صرّحت بمقاصد إنزال القرآن الكريم لا يدع مدخلًا لـمـراءٍ، ولا تهوّكًا لهويٍّ: أنّ الـمراد بحفظ القرآن هو حفظ مبانيه ومعانيه والعمل بما فيه، وهاك طرفًا منها: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [النحل: ٤٤].
(ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ-) [ص: ٢٩].
(ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [الأنعام: ١٥٥].
وحفظ العلم من حفظ القرآن، والعلماء الحقيقون باسمهم موصوفون بالعبودية ومعروفون بالخشية؛ (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [فاطر: ٢٨]، قال ابن مسعود: «ليس العلم بكثرة الرواية، ولكنّ العلم الخشية»140. وقال: «كفى بخشية الله علمًا، وكفى بالاغترار جهلًا»141. وقال مسروق: «بحسب الرجل من العلم أن يخشى الله»142. وعن يحيى بن أبي كثير قال: «العالم من خشي الله»143. وقال الحسن: «العلم علمان: علمٌ على اللسان، فذاك حجّة الله على ابن آدم، وعلمٌ في القلب، فذاك العلم النافع»144.
فالعلم ما أورث الخشية والتقوى، وكلّما ازداد المرء علمًا يجب أن يرى ذلك في عمله وتقواه؛ هذا هو الحفظ الحقّ، فإذا قام المرء بالعلم أورثه الله علم ما لم يعلم، ورزقه فهم ما يجمع؛ فالعمل بالعلم وتقوى الله والخشية تورث العلم والحفظ، يقول تعالى: (ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ) [البقرة: ٢٨٢].
نزع منها كثيرٌ من أهل العلم أنّ تقوى الله تفتح قلوبهم للمعرفة وتهيّئ أرواحهم للتعليم؛ ليقوموا بحق هذا الإنعام بالطاعة والرضى والإذعان145. وقال عمر بن عبد العزيز: «إنما قصّر بنا عن علم ما جهلنا تقصيرنا في العمل بما علمنا»146. فالقيام بحقّ العلم بالعمل به وتعليمه يثبّته، والعلم يزكو على الإنفاق.
قال تعالى: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ) [آل عمران: ٧٩].
واختلف القرّاء فقرأ المكيّان والمدنيان والبصريان (يعلمون) بفتح الياء وسكون العين وفتح اللام مخفّفة، من العلم أي: بعلمكم الكتاب. وقرأ ابن عامر والكوفيّون (ﮆ) بضمّ التاء وفتح العين وكسر اللام مشدّدة147: أي: بتعليمكم الناس الكتاب، ودراستكم إيّاه، فوصفهم بالتعليم متضمّنٌ وصفهم بالعلم؛ إذ لا يعلّمون إلا بعد علمهم بما يعلّمون، فلا موصوف بأنه يعلّم إلا وهو موصوفٌ بأنه عالم، وأما الموصوف بأنه عالم فغير موصوف بأنه معلّمٌ غيره، فهو أبلغ في مدح القوم بوصفهم بأنهم كانوا يعلمون الناس الكتاب148.
قال ابن عاشور: «و(ﮊ) معناه تقرؤون؛ أي: قراءة بإعادة وتكرير؛ لأنّ مادة (درس) في كلام العرب تحوم حول معاني التأثّر من تكرّر عملٍ يعمل في أمثاله، فمنه قوله: درست الرّيح رسم الدار: إذا عفته وأبلته، فهو دارسٌ، يقال: منزل دارس، والطريق الدارس العافي الذي لا يتبيّن، وثوب دارسٌ خلقٌ، وقالوا: درس الكتاب إذا قرأه بتمهّل لحفظه، أو للتدبّر، وفي الحديث: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة)149. فعطف التدارس على القراءة، فعلم أنّ الدراسة أخصّ من القراءة. ومادة (درس) تستلزم التمكن من المفعول؛ فلذلك صار درس الكتاب مجازًا في فهمه وإتقانه؛ ولذلك عطف في هذه الآية (ﮈ ﮉ ﮊ) على (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ)»150.
ثالثًا: حفظ الصلاة:
إنّ من أعظم ما يجب حفظه من الشرائع الصلاة. وقد أمر الله عز وجل بالمحافظة عليها، فقال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [البقرة: ٢٣٨].
وامتدح المؤمنين بالمحافظة عليها: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [الأنعام: ٩٢].
وقال: (ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [المؤمنون: ٩].
(ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [المعارج: ٣٤].
وتوعّد الله عز وجل مضيّعها؛ فقال: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [مريم: ٥٩].
والغيّ وادٍ في جهنم، وقيل: غيًّا: هلاكًا، وقيل: يلقون غيًّا، أي: يلقون جزاء غيّهم151.
والصلاة معظّمٌ قدرها، وظاهرٌ خطرها، ومعلومٌ منزلتها؛ فهي عمود الدين، المفروضة من فوق سبع سماواتٍ، وهي آخر ما يرفع من الشرائع، وأوّل ما يحاسب عليه المرء من الأعمال، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله. وإقامة الصلاة من أكثر ما المسلم به مأمورٌ في الوحيين بعد تحقيق التوحيد. ولا تتحقّق إقامة الصلاة إلا بالمحافظة على ثمانية أمورٍ، إذا أتمّها العبد على وجهها، وأدّاها على مقصودها، فقد حفظ الصلاة على تمامها، وإن قصّر في أحدها أو فرّط، فقد فرّط في أصلها أو في كمالها، بحسب ما هو فيه مقصّرٌ، وبقدر ما نزل عن التمام. وإليك البيان باختصار:
الأمر الأول: إخلاص النية في الصلاة لله؛ لقوله تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [البينة: ٥].
وقوله تعالى: (ﮊ ﮋﮌ) [الكوثر: ٢].
وقوله تعالى: (ﭖ ﭗ ﭘ) [البقرة: ٢٣٨].
وقوله في وصف عباد الرحمن: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [الفرقان: ٦٤].
وقوله في وصف المنافقين: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [النساء: ١٤٢].
وعن حنظلة الكاتب؛ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من حافظ على الصلوات الخمس: على وضوئها، ومواقيتها، وركوعها، وسجودها، يراها حقًّا لله عليه، حرّم على النار)152. فقوله صلى الله عليه وسلم: (يراها حقًّا لله عليه) إشارةٌ إلى إخلاص النيّة فيها لله. والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرةٌ.
الأمر الثاني: المحافظة على إحسان الوضوء لها، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خمسٌ من جاء بهنّ مع إيمانٍ دخل الجنّة: من حافظ على الصلوات الخمس: على وضوئهنّ وركوعهنّ وسجودهنّ ومواقيتهنّ، وصام رمضان، وحجّ البيت إن استطاع إليه سبيلًا، وأعطى الزكاة طيّبة بها نفسه وأدّى الأمانة) قالوا: يا أبا الدرداء، وما أداء الأمانة؟ قال: الغسل من الجنابة153. وعن ثوبان رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أنّ خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن)154.
الأمر الثالث: المحافظة على وقتها؛ يقول تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [النساء: ١٠٣].
ويقول: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [الماعون: ٤-٥]، قال جماعة من أهل العلم: أي: يؤخّرونها عن وقتها، فلا يصلّونها إلا بعد خروج وقتها155. وقال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [البقرة: ٢٣٨].
أي: واظبوا على الصلوات المكتوبات في أوقاتهنّ، وتعاهدوهنّ والزموهنّ، وحافظوا على الصلاة الوسطى منهنّ156. وإنّ أخصّ ما فسّر به المحافظة على الصلاة هو المحافظة على وقتها. عن مسروق قال: «المحافظة عليها: المحافظة على وقتها، وعدم السهو عنها»157. وعن ابن مسعود رضي الله عنهم قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أي العمل أحبّ إلى الله؟ قال: (الصلاة على وقتها) الحديث158. وعن أبي قتادة بن ربعيّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله عز وجل: إني فرضت على أمّتك خمس صلوات، وعهدتّ عندي عهدًا: أنّه من جاء يحافظ عليهن لوقتهنّ أدخلته الجنّة، ومن لم يحافظ عليهنّ فلا عهد له عندي)159.
الأمر الرابع: المحافظة على مكانها وجماعتها؛ (ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [النور: ٣٦-٣٧].
والأحاديث في فضل الصلاة في جماعةٍ في المسجد مشهورة؛ فمن الترغيب قوله صلى الله عليه وسلم: (من غدا إلى المسجد أو راح أعدّ الله له نزله في الجنة كلّما غدا أو راح)160، ومن الترهيب قوله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده، لقد هممت أن آمر بحطبٍ فيحطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذّن لها، ثم آمر رجلًا فيؤمّ الناس، ثمّ أخالف إلى رجال فأحرّق عليهم بيوتهم)161.
الأمر الخامس: المحافظة على خشوعها وصفتها، يقول تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [المؤمنون: ١-٢].
ويقول: (ﭖ ﭗ ﭘ) [البقرة: ٢٣٨].
وفسّر القنوت في هذه الآية بالخشوع في الصلاة؛ أي: وقوموا لله في صلاتكم خاشعين، خافضي الأجنحة، غير عابثين، ولا لاعبين162. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (وصلّوا كما رأيتموني أصلّي)163. وعن عبادة قال: أشهد أنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (خمس صلوات افترضهن الله عز وجل، من أحسن وضوءهنّ، وصلّاهنّ لوقتهنّ، وأتمّ ركوعهنّ وخشوعهنّ، كان له على الله عهدٌ أن يغفر له، ومن لم يفعل فليس له على الله عهدٌ؛ إن شاء غفر له، وإن شاء عذّبه)164. والخشوع في الصلاة يقتضي المحافظة على هيئتها من الركوع والسجود... وغير ذلك، والصلاة على الصفة التي صحّت بها الأحاديث والآثار يعين على تحقيق الخشوع.
الأمر السادس: المحافظة على نوافلها؛ كقيام الليل؛ لقوله: (ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) [المزمل: ٢].
وقوله: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ)[الإسراء: ٧٩].
وليس هذا خاصًّا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فنحن مأمورون بالتأسّي به واتّباعه صلى الله عليه وسلم: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [المزمل: ٢٠].
وفي الحديث القدسي: (وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها)165. وهذا كناية عن حفظ الله عز وجل لعبده.
وعن أم حبيبة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرّمه الله على النار)166. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وإنما غرضنا الإشارة.
الأمر السابع: الأمر بإقامة الصلاة، وخصوصًا من هم في مسئولية المرء، يقول تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [طه: ١٣٢].
وأثنى الله على إسماعيل أنّه كان آمرًا بالصلاة: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [مريم: ٥٥].
الأمر الثامن: المواظبة على كلّ ما مضى، والمداومة عليه، وبذا يكون العبد من المصلّين (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [المعارج: ٢٣].
وإدامتها ألا يتركها أبدًا، عن أبي سلمة، عن عائشة، قالت: (كان أحبّ الصلاة إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم ما داوم عليها وإن قلّت، وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا صلّى صلاةً داوم عليها)، وقال أبو سلمة: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [المعارج: ٢٣]167.
وقد فسّر عقبة ابن عامر الدوام بقوله: «هم الذين إذا صلّوا لم يلتفتوا خلفهم، ولا عن أيمانهم، ولا عن شمائلهم،168، وبنحوه عن عمران بن حصين169.
وقيل: إدامتها هو إقامتها في أوقاتها170. ولا تعارض بين ذلك كلّه على ما ذهبنا إليه من أنّ المحافظة على الصلاة تتضمّن المحافظة على كلّ ما سبق الإشارة إليه، فإنّ فاعل بعضه في كلّ الوقت، أو فاعله كلّه في بعض الوقت لا يقال له محافظٌ. قال المروزي: «ولم نجد الله عز وجل مدح أحدًا من المؤمنين بمواظبته على شيء من الأعمال مدح من واظب على الصلوات في أوقاتها، ألا تراه كيف ذكرها مبتدأةً من بين سائر الأعمال.
قال الله: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [المعارج: ١٩-٢١].
ثم لم يبرئ أحدًا من هذين الخلقين المذمومين من جميع الناس قبل المصلين فقال: (ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [المعارج: ٢٢-٢٣].
ثم أعاد ذكرهم في آخر الآيات بذكر آخر فقال: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [المعارج: ٣٤-٣٥].
وقال: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [فاطر: ٢٩]؛ في كلّ ذلك يبدأ بمدح الصلاة قبل سائر الأعمال، تبعها ما تبعها من سائر الطاعات، فكرّر الثناء عليهم، ومدحهم بالمحافظة عليها؛ ليدوموا عليها، كل ذلك تأكيدًا لها، وتعظيمًا لشأنها»171.
وإنّها لكبيرةٌ إلا على ما يسّر الله عليه ذلك؛ ولذا يقترن الأمر بالصلاة بالأمر بالصبر؛ كقوله تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [البقرة: ٤٥].
(ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [البقرة: ١٥٣].
وقوله تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [طه: ١٣٢].
والصبر يحفظ على المرء الاستدامة على الطاعة، ويحمله على احتمال مشاقّها وتبعاتها.
رابعًا: حفظ الفرج:
يتبوّأ حفظ الفرج مكانًا بين ما أمر به المكلّفون في القرآن الكريم، ولا تتجلّى أهميّته بتكراره الملموس فحسب؛ وإنّما بالتنوّع والتقصّي الـمعبّد سبيل تحقيق حفظ الفرج، فأمر بحفظ مقدّماته تأثيرًا وتأثّرًا، فأمر سبحانه بحفظ العورات وسترها؛ لأنّ المرء مجبول على التأثّر بما يراه من عوراتٍ. ولما كانت الحواسّ: البصر والسمع والشمّ واللمس، هي مداخل هذا التأثّر ومعابره، أمر العبد بحفظها. فوضع لحفظ الفرج حاجزان: ستر العورات، وحفظ الحواسّ الـمفضية إليها، والـمطلعة عليها. ولو اقتصر على أحدهما ثمّ تحرّاه المكلّفون لتمّ الأمر، ولكن لخطورته لم يكتف بواحدٍ؛ بل فرض الاستئذان، ومنعت الخلوة، وشرع الحجاب. وحياطةً لهذا كلّه عظّم أمر العفاف والحياء، وزكاة القلب، وطهارة الخواطر، ثمّ هيّأ بالزواج مصرفًا شرعيًّا؛ لترشيد الشهوة، ووضعها موضعًا طيّبًا لا دنس فيه ولا رذيلة.
ثمّ لم يقتصر الأمر على خطاب الـمكلّفين، ومعلومٌ أنّ الـمكلّفات يدخلن فيه ضمنًا؛ بل اختصّهنّ بخطابٍ مستقلٍّ؛ لأنّ الطّرفين فاعلان في تحقيق المقصد، ولو حقّقه طرفٌ دون الآخر لانتقض على المجموع. ثمّ يتأكّد الأمر على فئامٍ من الـمكلّفين قد يظنّ أنّ التحفّظ في حقّهم لا ضرورة له؛ لغياب الباعث على الخرق؛ كشأن القواعد من النّساء، أو لسموّ المنزلة وجلالتها في قلوب المسلمين؛ كشأن أمّهات المؤمنين. ثمّ يتعدّى الخطاب إلى بعض غير الـمكلّفين؛ كالأطفال المدركين المميّزين. وعلى كلّ ذلك دلّت الأدلّة الـمستفيضة من الوحيين. ولسنا بصدد تقصّيها، ولكن لنأخذ منها ما يحصل به المقصود بإذن الله.
يقول تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ) [النور: ٣٠].
والآية الكريمة جاءت بعد تفصيل بعض آداب الاستئذان وقواعده، ثمّ يأمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن يرشد المؤمنين إلى غضّ البصر عن العورات والمحارم. وقد بلّغ النبيّ صلى الله عليه وسلم، فكان يعلّم أصحابه وربّما خصّهم فرادى بالأمر، فيقول لعليّ رضي الله عنه: (يا عليّ؛ لا تتبع النظرة النظرة؛ فإنّ لك الأولى، وليست لك الآخرة)172.
وأمر جرير بن عبد الله رضي الله عنه أن يصرف بصره بعد نظرة الفجاءة173.
ونهى عن وصف المرأة أمام الرجل، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا تباشر المرأة المرأة لتنعتها لزوجها كأنّه ينظر إليها)174.
ثمّ يأمرهم بحفظ فروجهم، وحفظ الفرج يكون بحفظه عن الحرام؛ كالزّنى، قال تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [المؤمنون: ٥-٦].
فمن التمس لفرجه منكحًا سوى زوجته وملك يمينه؛ فهم العادون حدود الله، المجاوزون ما أحلّ الله لهم إلى ما حرّم عليهم175.
وفي تكرار ثلاث آيات متتابعاتٍ بألفاظها في سورتين ما يستقدح التأمّل المليّ، ويشحذ النّظر الحفيّ، وهو -على كلٍّ- أحد أبلغ أساليب التنبيه والتأكيد.
كما يكون حفظ الفرج بستره أن يراه غير زوجٍ؛ كقول النبي صلى الله عليه وسلم: (احفظ عورتك إلا على زوجتك أو ما ملكت يمينك)176.
ثمّ يتكرّر الأمر للمؤمنات مع كونهنّ داخلاتٍ في عموم الأمر للمؤمنين؛ على عادة الخطاب القرآنيّ، (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [النور: ٣١].
فلمّا أمرهنّ بغضّ البصر وحفظ الفرج أمرهنّ بكفّ ما يمكن أن يحدث به التأثير على الرجال؛ كاتّخاذ الزينة إلا ما لا يمكن إخفاؤه، والتبرّج، والسفور (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ).
وكان النساء في الجاهلية يمشين في الطريق وفي أرجلهنّ الخلاخيل فيضربن بأرجلهنّ الأرض، فيعلم الرجال طنين الخلاخيل، فنهى الله المؤمنات عن مثل ذلك (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ). وتنهى كذلك إذا كان شيءٌ من زينتها مستورًا أن تتحرّك بحركةٍ لتظهر ما هو خفيٌّ177.
ومما يبعث كوامن الاشتهاء ويحرّكها أن يجد الرجال ريح طيب المرأة، فنهيت النساء عن ذلك، وغلّظ فيه القول، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيّما امرأة استعطرت فمرّت على قومٍ ليجدوا ريحها فهي زانية)178.
لقد أوضح النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّ أكثر ما يدخل الناس النار الفم والفرج179، فحدّ لهم حدًّا واضحًا: (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنّة)180.
وبشّر الله تعالى المؤمنين (ﯔ ﯕ ﯖ) [الأحزاب: ٣٥] بأنّ لهم مغفرة وأجرًا عظيمًا.
ومدح العفيفات بقوله تعالى: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [النساء: ٣٤].
أي: حافظات لأنفسهنّ عند غيبة أزواجهن عنهنّ في فروجهنّ وأموالهم181.
خامسًا: حفظ الأمانات:
الأمانة في اللغة: تقع على الطاعة والعبادة والوديعة والثقة والأمان182.
وكلّ ما استودع المرء حفظه حياطةً وأداءً فهو أمانة، فمنه أمانات الناس وودائعهم، ومنه الفرائض والطاعات الشرعية.
والشرع كلّه أمانةٌ، يدلّ عليه قوله تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الأحزاب: ٧٢].
وحسبك بقول أنس رضي الله عنه: ما خطبنا نبيّ الله صلى الله عليه وسلم إلا قال: (لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له)183.
وعن عبد الله بن عمرو أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (أربعٌ إذا كنّ فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا: حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعفّة طعمة)184.
وعن جابر رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا حدّث الرجل الحديث ثم التفت فهي أمانة)185.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (إنّ من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرّها)186.
يعني: إنّ من أعظم خيانة الأمانة؛ على حذف المضاف.
وقال ابن عباس وسعيد بن جبير: «الأمانة: الفرائض التي افترضها الله عز وجل على عباده»187.
وقال أبو العالية: «الأمانة ما أمروا به ونهوا عنه»188.
وقال الضحّاك: «الأمانة الدّين»189.
وقال أبيّ بن كعب رضي الله عنه: «من الأمانة أنّ المرأة اؤتمنت على فرجها»190.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «من تضييع الأمانة النظر في الحجرات والدور»191.
فبعضهم فسّرها بالعموم والإجمال، وبعضهم فسّرها ببعض الـمهمّات، ولا تعارض.
ويقول تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [النساء: ٥٨].
وهذا يعمّ جميع الأمانات الواجبة على الإنسان، من حقوق الله عز وجل على عباده، من الصلوات والزكوات، والكفّارات والنذور والصيام... وغير ذلك، مما هو مؤتمن عليه لا يطّلع عليه العباد، ومن حقوق العباد بعضهم على بعض كالودائع... وغير ذلك، مما يأتمنون به بعضهم على بعض من غير ضمانٍ على ذلك، فأمر الله عز وجل بأدائها192. وامتدح الله عز وجل المؤمنين (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [المؤمنون: ٨].
فإذا اؤتمنوا لم يخونوا، بل يؤدونها إلى أهلها، وإذا عاهدوا أو عاقدوا أوفوا بذلك193، لا كصفات المنافقين الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان)194.
ومن الأمانة بمعنى: الوديعة ما تحمّله إخوة يوسف إذ عاهدوا أباهم على ردّه، وهم قد أضمروا به السّوء؛ (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [يوسف: ١١-١٢]؛ أي: نحوطه ونكلؤه. ولم يكن منهم وفاءٌ، وكان من شأنهم ما كان.
ثمّ لـمّا أدال الله عز وجل عليهم، ودخلوا على يوسف -وهم لم يعرفوه- يطلبون الميرة لأهليهم، فطلب منهم أن يرجعوا إليه ومعهم أخوهم، (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [يوسف: ٦٣-٦٤].
وإنّما لم يأتمنهم يعقوب عليه؛ لأنّ لهم سابقةً مع يوسف لم يوفوا فيها. ولـمّا كان تفريطهم وتضييعهم في المرّة الأولى بتخطيطٍ منهم وإصرارٍ، فقد شاء الله عز وجل أن يعجزوا عن صيانة الأمانة للمرّة الثانية؛ إذ كان ليوسف إرادةٌ في استبقاء أخيه لأمرٍ أراده الله. فلمّا تمّ له ذلك ذهبوا يترجّون يوسف في افتداء أخيهم بأحدهم، فأبى، وهنا لم يجدوا مخرجًا إلا الاعتراف بعجزهم وتقصيرهم: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [يوسف: ٨٠-٨١].
لما يئسوا من تخليص أخيهم وهم قد التزموا لأبيهم بردّه إليه، وعاهدوه على ذلك، انفردوا عن الناس يتناجون فيما بينهم، فيذكّرهم كبيرهم بالميثاق الذي أخذه عليهم أبوهم، ويذكّرهم بتفريطهم في يوسف؛ فإنّ الثانية غير الأولى، ولو كانت أوّل سقطةٍ لأمّلوا في صفح أبيهم ورضائه. ثمّ يقترح عليهم كبيرهم الحلّ الذي قد يبرئ ساحتهم عند أبيهم بأن يخبروه أنّ ابنه سرق، وما قلنا: إنّه سرق إلا بظاهر علمنا بأنّ ذلك كذلك؛ لأنّ صواع الملك أصيب في وعائه دون أوعية غيره، وما كنا للغيب حافظين، وما كنا نرى أنّ ابنك يسرق ويصير أمرنا إلى هذا، وإنما تعهّدنا بأن نحفظ أخانا مما لنا إلى حفظه منه السبيل، وهذا ليس منه195.
ولا نزال مع قصّة يوسف؛ لنرى تحمّل يوسف الأمانة، وهو المشهود له من صاحبي السجن: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [يوسف: ٣٦].
والمشهود له من النسوة: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [يوسف: ٥١].
والمشهود له من امرأة العزيز وهي خصمه: (ﯿ ﰀ ﰁ) [يوسف: ٥١].
فلم يكن من المستغرب أن يقول له الملك حين رآه: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [يوسف: ٥٤]؛ أي: إنك يا يوسف لدينا مكينٌ أمينٌ؛ أي: متمكّنٌ مما أردتّ، وعرض لك من حاجةٍ؛ لرفعة مكانك ومنزلتك لدينا، أمين على ما اؤتمنت عليه من شيء196.
سادسًا: حفظ الأيمان:
الأيمان: جمع يمين، وأصلها العضو، واستعملت في الحلف مجازًا؛ لأنّهم كانوا يتماسحون بأيمانهم فيتحالفون197.
وقد أمر الله عز وجل بحفظ الأيمان بقوله تعالى: (ﯻ ﯼ) [المائدة: ٨٩].
وفي بيان الـمراد بحفظ الأيمان عدة أقوال للـمفسّرين والأصوليين وغيرهم، ليس بينها -في الجملة- تعارضٌ ولا تدافعٌ، ولذا سنوردها على أنّها صورٌ لحفظ الأيمان، من فرّط في واحدةٍ منها فقد فرّط في قدرٍ من حفظ الأيمان المأمور به في الآية الكريمة. وترتيب هذه الصّور من لحظة العزم على عقد اليمين؛ لا بترتيب أخطرها أثرًا، ولا أرجحها معنًى.
الأولى: حفظ اليمين بالإقلال منها، والضنّ بها، وعدم بذلها لكلّ أمرٍ198، وقد ذهب جماعةٌ إلى أنّه المراد بقوله تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [البقرة: ٢٢٤]؛ أي: لا تستكثروا من الأيمان؛ فإنّ من كثر يمينه فقد جعل اسم الله عرضةً للهتك، وقد ذمّ الله عز وجل كثرة الحلف في قوله تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [القلم: ١٠]؛ ذلك أنّ من حلف بالله في كلّ قليل وكثير، انطلق لسانه بذلك، فلم يبق لليمين في قلبه وقعٌ، فلا يؤمن إقدامه على الأيمان الكاذبة. وكلما كان الإنسان أكثر تعظيمًا لله كان أكمل في العبودية، ومن كمال التعظيم أن يكون ذكر الله أجلّ وأعلى عنده من أن يستشهد به في غرض من الأغراض الدنيوية199.
الثانية: فإن كان حالفًا فليحفظ يمينه أن يحلف بغير الله، فعن ابن عمر رضي الله عنهما، أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)200.
وعن عمر رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا إنّ الله عز وجل ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت)201. والأحاديث في الباب كثيرةٌ.
الثالثة: حفظ اليمين أن يحلف على إثمٍ، أو قطيعة رحم، أو أن يحلف فيما لا يملك؛ قال تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [النور: ٢٢]؛ نزلت في شأن أبي بكر ومِسْطَح رضي الله عنهما وكان ابن خالة أبي بكر رضي الله عنه وفي نفقته، وهو رجل من أهل بدر من المهاجرين الأوّلين رضي الله عنهم، فلما ذكر في عائشة ما ذكر في حادث الإفك، ونزلت براءتها من السماء، حلف أبو بكر ألا ينفق عليه، وكان مسكينًا لا شيء له، فنزلت هذه الآية202.
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (لا نذر ولا يمين فيما لا يملك ابن آدم، ولا في معصية الله، ولا في قطيعة رحمٍ)203.
الرابعة: حفظ اليمين بعدم تعمّد الأيمان الكاذبة، فقوله تعالى: (ﯻ ﯼ) يحتمل أن يكون الـمراد منه: لا تتعمّدوا الأيمان الكاذبة، وهو قول سعيد بن جبير204، وبه قال مقاتل205.
وإنّ متعمّد اليمين الكاذبة بغير ضرورة تصيّره إليها، قد اجترح كبيرةً من الكبائر؛ وهي اليمين الغموس.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [النحل: ٩٤].
حذّر الله تعالى عباده من اتخاذ الأيمان خديعةً ومكرًا؛ لئلا تزلّ قدمٌ بعد ثبوتها؛ مثل لمن كان على الاستقامة فحاد عنها وزلّ عن طريق الهدى بسبب الأيمان الحانثة المشتملة على الصدّ عن سبيل الله؛ لأن الكافر إذا رأى أن المؤمن قد عاهده ثم غدر به، لم يبق له وثوقٌ بالدين، فانصد بسببه عن الدخول في الإسلام206.
وقد قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: (الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس)207.
واليمن الغموس هو أن يحلف الرجل على الماضي متعمّدًا الكذب؛ بأن يقول: والله فعلت كذا، أو: والله ما فعلت كذا، وهو يعلم أنّه كاذب ما فعله، أو أنه فعله. وأعظمها أن يحلف الرجل كاذبًا؛ ليذهب بمال أحد أو حقّه. وسمّي غموسًا؛ لأنه يدخل صاحبه في النار، أو في الإثم208. وفاعل ذلك مفرّطٌ -ولا شكّ- في حفظ الأيمان.
الخامسة: حفظ اليمين من الحنث فيها209. فمن حلف فليجتهد أن يوفّي كما حلف.
السادسة: ومن حفظ الأيمان ألّا يجعلها تحول بينه وبين البرّ والتقوى والإصلاح بين الناس، فيحلف على عدم فعل البرّ، ويتذرّع إلى القطيعة والركود عن السعي في الإصلاح؛ بأنّه أقسم على ألا يصل وألا يصلح، وهو أحد وجهي تفسير قوله تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [البقرة: ٢٢٤]؛ معناه: ولا تجعلوه علّة لأيمانكم؛ وذلك إذا سئل أحدكم الشيء من الخير والإصلاح بين الناس.
قال: عليّ يمينٌ بالله إلا أفعل ذلك، أو: قد حلفت بالله أن لا أفعله. فيعتلّ في تركه فعل الخير، والإصلاح بين الناس بالحلف بالله210.
وهو كقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: (من حلف على يمينٍ فرأى غيرها خيرًا منها، فليأت الذي هو خيرٌ وليترك يمينه)211.
فمن فعل ترك إتيان الذي هو خيرٌ متذرّعًا بيمينه فقد أعرض وضيّع وفرّط بقدر ما ترك من الخير؛ لأنّه وضعها في غير موضعها الذي شرعه الله عز وجل من أجلها، وترك الامتثال لله ورسوله، وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (والله لأن يلجّ أحدكم بيمينه في أهله آثم له عند الله من أن يعطي كفارته التي افترض الله عليه)212.
يريد به أنّ الرجل إذا حلف على شيءٍ وأصرّ عليه لجاجًا مع أهله، كان ذلك أدخل في الوزر وأفضى إلى الإثم من أن يحنث في يمينه ويكفّر عنها؛ لأنّه جعل الله بذلك عرضة الامتناع عن البرّ والمواساة مع الأهل وأصرّ على اللجاج213.
والفرق بين هذه الصورة وبين الصورة الثالثة: أنّ هذه الصورة فيمن عقد اليمين ثمّ رأى غيرها خيرًا منها، أمّا الصورة الثالثة: ففي من عقد اليمين ابتداءً مع كونه يعلم أنّ غيرها خيرٌ منها وأبرّ، أو يعلم أنّه فيما ينويه ويحلف عليه آثمٌ أو تاركٌ للأولى.
وهذه الصورة مخصوصةٌ من عموم وجوب عدم الحنث في الأيمان، فلا تعارض.
السابعة: من صور حفظ الأيمان أن يحفظ المرء كيف حلف بها، وعلام حلف تحديدًا، فلا ينسى ذلك تهاونًا بها214. وأمّا الذي غلب على النسيان فهو معذورٌ بنسيانه.
الثامنة: حفظ الأيمان من أن يحنث فيها ثم يضيّع كفّارتها، بل عليه أن يبادر لأداء الكفّارة إذا حنث215.
فهذه الصّور كلّها داخلةٌ في حفظ الأيمان، من وعاها وراعاها فقد أدّى ما عليه. والله المستعان.
ثواب الحافظين، وعاقبة المضيّعين
أولًا: ثواب الحافظين في الدنيا والآخرة:
رأينا أنّ الحفظ عقدٌ فريدٌ ينتظم درّ الطاعات، فهو رعايةٌ ووفاءٌ وتقوى، وهو جهادٌ في تزكية النّفس، وترقيتها في مراقي الكمال. وإذًا فكلّ ثمرةٍ مخصوصةٍ لطاعةٍ مخصوصةٍ فهو ثمرةٌ للحفظ في الدنيا والآخرة. وما وعد حافظٌ بأفضل من قول الله تعالى: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [الأنفال: ٢٩].
وبقوله: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [العنكبوت: ٦٩].
وأمثال ذلك من الآيات، وبقول النبي صلى الله عليه وسلم: (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك)216، ولو لم يكن إلا هذا الحديث لكفى به حاديًا للحفظة.
ومن حفظ حدود الله، وراعى حقوقه، حفظه الله، فإنّ الجزاء من جنس العمل217.
ومن حفظ الله للحافظ الـمراعي أن يحفظه في مصالح دنياه؛ فيحفظه في عقله، ومن سنن الله عز وجل في خلقه أن يجد الـمعمّر وهنًا في قوّته، وضعفًا في قدراته العقلية، فطبعيٌّ أن ينكر من نفسه وينكر منه بعض ما كان يمدح به من رجاحة العقل، وحدّة الذاكرة، وجودة التفكير. ونحو ذلك.
يقول تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [النحل: ٧٠].
إلا أنّ العلماء العاملين وقرّاء القرآن الحافظين لا يجري عليهم هذا القانون بمثل ما يجري على غيرهم؛ قال ابن عباس: «من قرأ القرآن لم يردّ إلى أرذل العمر، وذلك قوله تعالى: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [التين: ٥-٦].
قال: إلا الذين قرؤوا القرآن»218.
وعن عكرمة قال: «من قرأ القرآن لم يردّ إلى أرذل العمر»219.
وعن الشّعبيّ قال: «من قرأ القرآن لم يخرف»220.
وعن طاوس قال: «إن العالم لا يخرف»221.
وعن عبد الملك بن عمير قال: «كان يقال: إنّ أبقى الناس عقولًا قرأة القرآن»222.
وعن محمد بن كعب قال: «من قرأ القرآن متّع بعقله وإن بلغ مائتي سنة»223.
قال الشنقيطي: «وقال بعض العلماء: إنّ العلماء العاملين لا ينالهم هذا الخرف، وضياع العلم والعقل من شدة الكبر. ويستروح لهذا المعنى من بعض التفسيرات في قوله تعالى: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [التين: ٥-٦]»224.
ومن ذلك حفظ الله أبدان الحافظين؛ ومن حفظ الله في صباه وقوته، حفظه الله في حال كبره وضعف قوته، ومتّعه بسمعه وبصره وحوله وقوته وعقله.
قال القاضي ابن بكران الشاميّ: «قلت للقاضي أبي الطيب الطبريّ شيخنا وقد عمّر: لقد متّعت بجوارحك أيها الشيخ! قال: ولم؟ وما عصيت الله بواحدة منها قطّ. أو كما قال»225.
وقد توفّي أبو الطيّب الطبريّ عن مائة وسنتين، لم يختلّ عقله، ولم يتغيّر فهمه، يفتي مع الفقهاء، ويستدرك عليهم الخطأ، ويقضي، ويشهد، ويحضر المواكب إلى أن مات226.
ومن ثمرات الحفظ أن يحفظ المرء في ولده وفي ذرّيته، بل يحفظ بصلاحه بعد موته في ذريته، في قصة صاحب الكنز؛ إذ حفظ لولديه كنزهما بصلاحه: (ﯦ ﯧ ﯨ) [الكهف: ٨٢].
وقال ابن المسيّب: «إنّي لأصلّي فأذكر ولدي فأزيد في صلاتي». وقال محمد بن المنكدر: «إنّ الله يحفظ بصلاح العبد ولده وولد ولده وعترته وعشيرته وأهل دويراتٍ حوله، فما يزالون في حفظ الله ما دام فيهم»227.
ومن ثمرات الحفظ في الدنيا أن يحفظ الله على الحافظ ماله ويوسّع رزقه وينفّس كربه؛ قال تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [الطلاق: ٢-٣].
وأهمّ ثمرات الحفظ أن يحفظ الله عز وجل على المرء دينه، ويعصمه من الزلل والتردّي في هوى المعاصي ونتنها وحمأتها؛ وذلك أنّ التقوى تفتح للعبد نور البصيرة: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ) [الأنفال: ٢٩].
وقال تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ)[الأنفال: ٢٤].
قال ابن عبّاس والضحّاك بن مزاحم في معناه: «يحول بين المؤمن وبين معصيته»228.
وفي قصة حادث الإفك تقول عائشة رضي الله عنها: (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل زينب بنت جحش عن أمري، فقال: يا زينب، ما علمت، ما رأيت؟ فقالت: يا رسول الله، أحمي سمعي وبصري، والله ما علمت عليها إلا خيرًا. قالت: وهي التي كانت تساميني، فعصمها الله بالورع)229. كيف لا وقد وصفتها السيدة عائشة، قالت: (ولم أر امرأةً قطّ خيرًا في الدين من زينب، وأتقى لله، وأصدق حديثًا، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة، وأشد ابتذالًا لنفسها في العمل الذي تصدّق به، وتقرّب به إلى الله تعالى)230.
ومن ذلك أنّ الله عز وجل يحفظ المرأة الصالحة بما حفظت حدود الله، كما دلّ عليه قوله تعالى: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [النساء: ٣٤].
وأمّا جزاء الحافظين في الآخرة فقد وعدهم ربّهم: (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ ﰢ) [ق: ٣١-٣٥].
والأوّاب الحفيظ هو الحفيظ لكلّ ما قرّبه إلى ربه من الفرائض والطاعات والذنوب التي سلفت منه بالتوبة والاستغفار231.
والحفظ ملكةٌ تورث التحفّظ والتيقّظ والإدمان على محاسبة النّفس وحفظ أخطائها عليها ومجازاتها بها حرمانًا من ملذّاتها، ومنعها من الاسترسال في نيل شهواتها، ولذا نقل عن ابن عبّاس: «أنّ الحفيظ هو الذي حفظ ذنوبه حتّى رجع عنها وتاب منها»232. وإنّما خفّ الحساب على أمثال هؤلاء، فكانوا جديرين بالمغفرة، حقيقين بمنازل الأبرار: (ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [المؤمنون: ١٠-١١].
و(ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [المعارج: ٣٥].
وفوق ذلك: (ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ ﰢ) [ق: ٣٥].
وهو النّظر إلى وجه الله الكريم.
ثانيًا: مغبّات التضييع في الدنيا والآخرة:
لو لم يكن من مغبّات التضييع إلا أنّ صاحبه محرومٌ مما حظي به الحافظون، لكفاه ذلك غبنًا، فمن ضيّع الله ضيّعه الله، فضاع بين خلقه؛ حتى يدخل عليه الضرر والأذى ممّن كان يرجو نفعه من أهله وغيرهم، كما قال الفضيل بن عياض: «إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق خادمي ودابّتي»233.
ومن التضييع أن يكلهم الله إلى أنفسهم وإلى شياطينهم؛ فيزيّنوا لهم سوء عملهم فيروه حسنًا، وهم مع ذلك محجوبون عن الانتفاع بالذكرى، والاتّعاظ بالموعظة؛ لإعراضهم عن ذلك كلّه: (ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [الكهف: ٥٧].
قال الشنقيطي: «وما ذكره في هذه الآية الكريمة من أنّ الإعراض عن التذكرة بآيات الله من أعظم الظلم، قد زاد عليه في مواضع أخر بيان أشياء من النتائج السيئة، والعواقب الوخيمة الناشئة من الإعراض عن التذكرة؛ فمن نتائجه السيئة: ما ذكره هنا من أنّ صاحبه من أعظم الناس ظلمًا، ومن نتائجه السيئة: جعل الأكنّة على القلوب حتى لا تفقه الحقّ، وعدم الاهتداء أبدًا. ومنها: انتقام الله عز وجل من المعرض عن التذكرة، كما قال تعالى: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [السجدة: ٢٢].
ومنها: الإنذار بصاعقة مثل صاعقة عاد وثمود، كما قال تعالى: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [فصلت: ١٣].
ومنها: المعيشة الضنك والعمى، كما قال تعالى: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [طه: ١٢٤].
ومنها: سلكه العذاب الصعد، كما قال تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [الجنّ: ١٧].
ومنها: تقييض القرناء من الشياطين، كما قال تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [الزخرف: ٣٦].
.. إلى غير ذلك من النتائج السيئة والعواقب الوخيمة الناشئة عن الإعراض عن التذكير بآيات الله جل وعلا»234.
فالمضيّعون مضيّعون في أمر معاشهم ودنياهم، وفي أبدانهم وقواهم، وفي أولادهم وأهليهم، مضيّعون في الدّنيا ضيّقةٌ أرزاقهم ممحوقة بركتها، ومعذّبون في قبورهم، ومنسيّون في النار؛ لقوله: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [طه: ١٢٤].
والضنك من المنازل والأماكن والمعايش: الشديد، يقال: هذا منزل ضنك: إذا كان ضيقًا، وعيش ضنك: شقيٌّ. قال بعض أهل التفسير: جعل ذلك لهم في الآخرة في جهنم؛ وذلك أنهم جعل طعامهم فيها الضريع والزقوم. وقال آخرون: بل عنى بذلك أنّ له معيشة في الدنيا حرامًا، ووصف الله عز وجل معيشتهم بالضنك؛ لأنّ الحرام وإن اتسع فهو ضنك. وقال فريقٌ ثالث: بل عنى بذلك أن ذلك لهم في البرزخ، وهو عذاب القبر235.
ولـمّا أتبع الله عز وجل ذلك بقوله: (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) علم أنّ المعيشة الضنك التي جعلها الله لهم قبل عذاب الآخرة؛ لأنّ ذلك لو كان في الآخرة لم يكن لقوله: (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) معنى مفهومٌ، فلا تخلو تلك المعيشة الضنك التي جعلها الله لهم من أن تكون في حياتهم الدنيا، أو في قبورهم قبل البعث، فإن كانت لهم في حياتهم الدنيا، لزم أن يكون كلّ من أعرض عن ذكر الله من الكفار في معيشة ضنك، ونحن نجد كثيرًا منهم أوسع معيشة من كثيرٍ من المقبلين على ذكر الله تبارك وتعالى، القانتين له المؤمنين، ففي ذلك دليلٌ على أنّ ذلك ليس كذلك، وإذ خلا القول في ذلك من هذين الوجهين صحّ الوجه الثالث، وهو أنّ المعيشة الضنك في البرزخ236.
ويجوز أن يكون المراد في الدّنيا؛ لأنّ الكافر -وإن بدا في الظاهر أنّه في رغد وعيشٍ طيّب- يتقلّب في أحوالٍ من القلق والضّيق النفسيّ؛ فلا طمأنينة له، ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيّقٌ حرجٌ لضلاله، وإن تنعّم ظاهره، ولبس ما شاء وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء، فإن قلبه -ما لم يخلص إلى اليقين والهدى- في قلق وحيرة وشكٍّ، فلا يزال في ريبة يتردد، فهذا من ضنك المعيشة237.
ويشهد بذلك المتخصّصون بالطبّ النفسيّ المعاصر في إحصاءاتهم وأبحاثهم ومقالاتهم.
وعندما يواقع الهالك من أمره ما هو مذكورٌ يبادر بالتساؤل: (ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [طه: ١٢٥-١٢٦].
يقول: كنت في الدّنيا ذا بصرٍ أبصر به الأشياء. فيقول له ربّه: فعلت ذلك بك فحشرتك أعمى، أتتك آياتي -وهي الحجج والأدلّة والبيان الذي جاءت به الكتب وبلّغت الرّسل- فتركتها وأعرضت عنها، ولم تؤمن بها، ولم تعمل238.
ومن عواقب التضييع والنسيان ومغبّاته ما ذكره الله عز وجل من عذاب البغتة في الدنيا بما يقطع دابرهم ويستأصل شأفتهم: (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ) [الأنعام: ٤٤-٤٥].
ومن عواقبه أنّ الله عز وجل ينسيهم أنفسهم: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [الحشر: ١٩].
وفوق ذلك هم موصوفون بالفسق وبئس الاسم الفسوق. ومن عواقبه ترك الله لهم في النار وإعراضه عنهم: (ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) [الأعراف: ٥١].
(ﯓ ﯔ ﯕ) [التوبة: ٦٧].
ومن عواقبه ما يلاقونه من العذاب الشديد: (ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ) [ص: ٢٦].
نسأل الله السلامة.
موضوعات ذات صلة: |
القرآن، القراءة، الكتابة، الوحي |
1 انظر: مقاييس اللغة ٢/٨٧.
2 انظر: العين، الفراهيدي ٣/١٩٨-١٩٩، جمهرة اللغة، ابن دريد ١/٥٥٢، تهذيب اللغة، الأزهري ٤/٤٥٨-٤٦٠.
3 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص١٦٤، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٢/٤٨٠، التوقيف، المناوي ص ٢٩٨.
4 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص٢٠٧-٢٠٨.
5 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص١٨٣.
6 لسان العرب، ابن منظور ٣/٥١٢.
7 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص٢٣٧، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٣/٩.
8 انظر: تفسير مقاتل ٤/٥١٢، جامع البيان، الطبري ٢٣/٥٠٠.
9 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٩/٣٥٠.
10 جامع البيان، الطبري ٢٣/٥٠١.
11 انظر: معاني القرآن، الفرّاء ٣/٢١١، تفسير السمرقندي ٣/٤٢٧.
12 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٩/٣٥٢، وعمدة الحفاظ، السمين الحلبي ٤/٣٢٥.
13 جامع البيان، الطبري ٢٣/٢٢١.
14 انظر: تفسير القرآن، السمعاني ٦/٣٦، المحرر الوجيز ٥/٣٥٨، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٢١٠.
15 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ٣/١٦٢-١٦٤، لسان العرب، ابن منظور ٤/١٨١-١٨٣.
16 الفروق اللغوية، العسكري ص ٢٠٥.
17 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٦٣٤.
18 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني ص ٤٥٤-٤٥٥، نزهة الأعين النواظر، ابن الجوزي ص ٥٧٩-٥٨٠.
19 المنهاج في شعب الإيمان، الحليمي ١/٢٠٥.
20 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٢/١٠٣.
21 شأن الدعاء ص ٦٧-٦٨.
22 الكاشف عن حقائق السنن ٦/١٧٩٢.
23 الكشاف، الزمخشري ٣/٢١٠.
24 جامع البيان، الطبري ١٩/٢٧٢.
25 المصدر السابق ٢٠/٤٦٩.
26 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٥/٣٢.
27 المنهاج في شعب الإيمان، الحليمي ١/٢٠٤.
28 قرأ حمزة والكسائي وخلف العاشر وحفص حافظًا بألفٍ بعد الحاء وكسر الفاء، وقرأ الباقون حفظًا بكسر الحاء وإسكان الفاء من غير ألف.
النشر في القراءات العشر، ابن الجزري ٢/٢٢٢.
29 جامع البيان، الطبري ١٣/٢٣٢.
30 المصدر السابق ١٦/٣٣٣.
31 انظر: معاني القرآن، الفرّاء ٢/٢٠٩، معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٣/٤٠١.
32 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٣٥٩.
33 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٥/٢٠٣، البحر المحيط، أبو حيان ٧/٢٦٣.
34 انظر: الأسنى في شرح الأسماء الحسنى، القرطبي ١/٣٠٨-٣٠٩.
35 تفسير القرآن، السمعاني ٢/٤٣٧.
36 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٦٨٢.
37 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١١٠.
38 أخرجه الترمذي في سننه، كتاب القدر، باب ١٧، رقم ٢١٥٥.
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، رقم ١٣٣.
39 انظر: الإبانة الكبرى، ابن بطة ٣/٣٦٧.
40 المصدر السابق ٣/١٥٤.
41 انظر: جامع البيان، الطبري ٩/٢٣٤.
42 انظر: المصدر السابق ١٩/٤١٢.
43 انظر: جامع البيان، الطبري ٢١/٤٠٤، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٣٩٥.
44 تفسير مقاتل ٤/١١٠.
45 انظر: تفسير مقاتل ٣/٧٨٩، جامع البيان، الطبري ٢٠/٥٤٦-٥٤٧.
46 الإبانة الكبرى ٥/٣٢١.
47 انظر: جامع البيان، الطبري ١٤/١٨.
48 انظر: المصدر السابق ٢٢/٣٦٢.
49 التحرير والتنوير ٢٧/٩٥.
50 المصدر السابق.
51 الكشاف، الزمخشريّ ٥/٦٣٦.
52 انظر: التبيان في أيمان القرآن، ابن القيم ص ١٩٢-١٩٤.
53 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٢/٣٦٣.
54 انظر: جامع البيان، الطبري ١٤/١٩، معالم التنزيل، البغوي ٤/٣٧١٠.
55 أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن ١/٢٧٨ رقم ٨٤.
56 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ٥/٤٣٥.
57 ترتيب المدارك، القاضي عياض ٤/٢٨٣.
58 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٢٩٤٨-٢٩٤٩.
59 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٤٠.
60 انظر: المصدر السابق ص ٥٢٢.
61 جامع البيان، الطبري ٢١/٤٠٨.
62 المصدر السابق ٢٣/١٢٠.
63 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٤/٣١.
64 انظر: الحق الواضح المبين، السعدي ص ٥٩-٦١.
65 الكاشف عن حقائق السنن، الطيبي ٦/١٧٩٣.
66 مجموع فتاوى ابن تيمية ٢٧/٤٤١ بتصرّفٍ واختصار.
67 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب التواضع، رقم ٦٥٠٢.
68 الكاشف عن حقائق السنن، الطيبي ٥/١٧٢٦.
69 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الدعوات، باب ١٣، رقم ٦٣٢٠.
70 انظر: جامع البيان، الطبري ٦/٦٩٢-٦٩٤.
71 أخرجه الطبري في تفسيره ١١/١٠٩-١١٠.
72 نور الاقتباس، ابن رجب ص ٦٢.
73 جامع البيان، الطبري ٢٠/٢٠٩.
74 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٤/١٧٣.
75 كما صحّ بذلك الحديث عند البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب شراء المملوك من الحربيّ وهبته وعتقه، رقم ٢٢١٧.
76 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب ٩، رقم ٣٣٦٤.
77 انظر: نور الاقتباس، ابن رجب ص ٥٨.
78 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/١٥١- ١٥٢.
79 أخرجه الترمذي في سننه، كتاب التفسير، باب سورة المائدة، رقم ٣٠٤٦.
وصحّحه الألباني في السلسلة الصحيحة، رقم ٢٤٨٩.
80 أخرجه ابن حبّان في صحيحه، كما في موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان، ١/٤٣٠، رقم ١٧٣٩.
وحسّنه الألباني في السلسلة الصحيحة، رقم ٢٤٨٩.
81 تفسير القرآن العظيم، ٣/١٥٤.
82 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ١/٥٦٩، مفاتيح الغيب، الرازي ١٢/٤٠١.
83 جامع البيان، الطبري ١٥/٣٦٦.
84 انظر: عالم الملائكة الأبرار، عمر الأشقر ص٤١-٨٢.
85 انظر: جامع البيان، الطبري ٩/٢٨٩.
86 أخرجه الطبري في تفسير ٩/٢٨٩، وابن أبي حاتم في تفسيره ٤/١٣٠٦.
87 انظر: البحر المحيط ٤/١٥١، والتحرير والتنوير ٧/٢٧٨، ٣٠/١٧٩-١٨٠.
88 لوامع الأنوار البهية ١/٤٥٠.
89 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧ /٣٩٨.
90 الكشاف، الزمخشري ٢/٣٥٦.
91 المصدر السابق ٦/٣٣١.
92 انظر: جامع البيان، الطبري ١٣/٤٥٦- ٤٥٩، تفسير ابن أبي حاتم ٧/٢٢٣٠.
93 انظر: معاني القرآن، الفرّاء ٢/٦٠، جامع البيان، الطبري ١٣/٤٥٦.
94 انظر: الصحاح، الجوهري ١/١٨٦، المفردات، الراغب الأصفهاني ص٤٤٢.
95 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل صلاة العصر، رقم ٥٥٥، ومسلم في صحيحه، كتاب المساجد، باب فضل صلاتي الصبح والعصر، رقم ٦٣٢، عند أبي هريرة رضي الله عنه.
96 أخرجه الطبري في تفسيره ١٣/٤٦٦.
97 معاني القرآن، الفرّاء ٢/٦٠.
98 تفسير مقاتل ٢/٣٦٩.
99 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٢/٢٨-٢٩.
100 جامع البيان، الطبري ١٣/٤٦٥-٤٦٦.
101 انظر: إكمال المعلم، القاضي عياض ٢/٥٩٨، الكاشف عن حقائق السنن، الطيبي ٣/٨٩٦.
102 انظر: جامع البيان، الطبري ١٣/٤٦٥، تفسير ابن أبي حاتم ٧/٢٢٢٩-٢٢٣٠.
103 تفسير القرآن العظيم، ٧/١٧٧.
104 جامع البيان، الطبري ٢٠/٤٢٨.
105 روضة المحبين ص ٣٦٧-٣٦٨.
106 تفسير القرآن العظيم، ٨/٢٤٠.
107 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل المدينة، باب لا يدخل الدجال المدينة، رقم ١٨٨١، ومسلم في صحيحه، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب حديث الجسّاسة، رقم ٢٩٤٣.
108 أخرجه أحمد في مسنده، ٣٥/٤٨٣، رقم ٢١٦٠٦، والترمذي في سننه، أبواب المناقب، باب في فضل الشام واليمن، ٥/٧٣٤، رقم ٣٩٥٤.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/٧٢٨، رقم ٣٩١٨.
109 التنوير شرح الجامع الصغير ٧/١٤٤.
110 انظر: الداء والدواء، ابن القيم ص ٢٥٦.
111 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣٠/١٧٩-١٨١.
112 المصدر السابق ٣٠/٢٦٠.
113 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب العلم، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة، رقم ٢٦٨٥.
قال الترمذي: «حسن صحيح غريب». وحسّنه الألباني في تعليقه على المشكاة، رقم ٢١٣.
114 أخرجه أحمد في مسنده، ١٥/٣٩٠، رقم ٩٦٢٤، وجوّد الألبانيّ إسناده في السلسلة الصحيحة، ٥/٢٧١، رقم ٢٢٣١.
115 أخرجه البخاري هكذا مختصرًا، كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، رقم ٣٢٧٥.
116 انظر: الرسل والرسالات، الأشقر ص ٧٤-٨٣.
117 انظر: المفردات، الرغب الأصفهاني ص٤٣٨.
118 إعلام المسلمين بعصمة النبيين، إسحاق المكي ص ١٩.
119 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب جامع صلاة الليل، رقم ٧٤٦.
120 أخرجه أحمد في مسنده، ١٨/١١٢، رقم ١١٥٥٨، والنسائي في السنن الكبرى، كتاب التفسير، باب قوله تعالى: (وكذلك جعلناكم أمةً وسطًا)، رقم ١٠٩٤٠.
وصحّحه الألباني في السلسلة الصحيحة، رقم ٢٤٤٨.
121 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قوله تعالى: (إنا أرسلنا نوحًا إلى قومه)، ٤/١٣٤، رقم ٣٣٣٩.
122 جامع البيان، الطبري ٩/٤٧٠-٤٧١.
123 انظر: المصدر السابق ٩/٤٧٩-٤٨٠.
124 المصدر السابق ٢٠/٤٦٨.
125 جامع البيان، الطبري ٢٤/٢٢٧.
126 جامع العلوم والحكم، ابن رجب ص ٤٣٤.
127 جامع البيان، الطبري ١٢/١٦.
128 أخرجه الطبري في تفسيره ١٢/١٧.
129 أنوار البروق في أنواء الفروق، القرافي ١/١٤٦.
130 تفسير القرآن العظيم، ٦/٢٨٦.
131 أنوار التنزيل، البيضاوي ٤/١٩٧.
132 أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن، ١/٢٧٦، رقم ٧٩.
133 جامع بيان العلم وفضله ٢ /١١٢٩.
134 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٥٤٥.
135 أخرجه الطبري في تفسيره ١٩/٣٦٦.
136 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٢٩٤٣.
137 حكى هذا الإجماع الطبري في تفسيره ٢/٤٩٣.
138 انظر: جامع البيان، الطبري ٢/٤٨٧-٤٩٣، تفسير ابن أبي حاتم ١/٢١٨.
139 انظر: جامع البيان، الطبري ١٠/٥٤١.
140 أخرجه أحمد في الزهد، رقم ٨٧٢.
141 أخرجه أحمد في الزهد، رقم ٨٦٩.
142 أخرجه أحمد في الزهد، رقم ٢٠٧٤.
143 انظر: الدر المنثور، السيوطي ١٢/٢٧٩.
144 أخرجه الدارمي في سننه، ١/٣٧٣-٣٧٤، رقم ٣٧٦.
145 في ظلال القرآن، سيد قطب ١/٣٣٧.
146 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٣٢٦.
147 انظر: النشر في القراءات العشر، ابن الجزري ٢/١٨١.
148 انظر: جامع البيان، الطبري ٥/٥٣١.
149 أخرجه مسلم في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، كتاب الذكر والدّعاء والتوبة والاستغفار، باب الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذّكر، رقم ٢٦٩٩.
150 التحرير والتنوير ٣/٢٩٥.
151 انظر: جامع البيان، الطبري ١٥/٥٧١-٥٧٤.
152 أخرجه أحمد في مسنده، ٣٠/٢٧٨، رقم ١٨٣٤٥.
وجوّد الألباني إسناده، في صحيح الترغيب، رقم ٣٨١.
153 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب المحافظة على الصلوات، رقم ٤٣٠.
وحسّنه الألباني في صحيح الترغيب، رقم ٧٣٨.
154 أخرجه أحمد في مسنده، ٣٧/٦٠، رقم ٢٢٣٧٨.
وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم ١١٥.
155 جامع البيان، الطبري ٢٤/٦٥٩- ٦٦١.
156 المصدر السابق ٤/٣٤٢.
157 المصدر السابق.
158 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل الصلاة لوقتها، رقم ٥٢٧، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال، رقم ٨٥.
159 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب المحافظة على الصلوات، رقم ٤٢٩.
وحسّنه الألباني في السلسة الصحيحة، رقم ٤٠٣٣.
160 أخرجه البخاري في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، كتاب الأذان، باب فضل من غدا إلى المسجد ومن راح، رقم ٦٦٢، ومسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا وترفع به الدرجات، رقم ٦٦٩.
161 أخرجه البخاري في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، كتاب الأذان، باب وجوب صلاة الجماعة، رقم ٦٦٤، ومسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلّف عنها، رقم ٦٥١.
162 جامع البيان، الطبري ٤/٣٨١.
163 أخرجه البخاري في صحيحه، عن مالك ابن الحويرث رضي الله عنه، كتاب الأذان، باب أذان المسافرين إذا كانوا جماعة، رقم ٦٣١.
164 أخرجه أحمد في مسنده، ح ٢٢٧٠٤، وأبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب المحافظة على الصلوات، ١/١١٥، رقم ٤٢٥.
وصحّحه الألباني في المشكاة، رقم ٥٧٠.
165 أخرجه البخاري في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، كتاب الرقاق، باب التواضع، رقم ٦٥٠٢.
166 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب الأربع قبل الظهر وبعدها، رقم ١٢٦٩، والترمذي في سننه، كتاب مواقيت الصلاة، باب ما جاء في الركعتين بعد الظهر، رقم ٤٢٨.
وصحّحه الألباني في المشكاة، رقم ١١٦٧.
167 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ٢٤٥٤٠، واللفظ والزيادة له، والبخاري في صحيحه، كتاب الصوم، باب صوم شعبان، رقم ١٩٧٠، ومسلم في صحيحه، كتاب الصيام، باب صيام النبي صلى الله عليه وسلم في غير رمضان، رقم ٧٨٢.
168 جامع البيان، الطبري ٢٣/٢٦٨.
169 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، ٢/٤٢، رقم ٤٥٨٠.
170 تفسير القرآن، السمعاني ٦/٤٨.
171 تعظيم قدر الصلاة ١/١٣٦.
172 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ٢٢٩٧٤، وأبو داود في سننه، كتاب النكاح، باب في يؤمر به من غضّ البصر، رقم ٢١٤٩، والترمذي في سننه، كتاب الأدب، باب ما جاء في نظرة المفاجأة، رقم ٢٧٧٧، عن بريدة الأسلميّ رضي الله عنه.
وحسّنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب، رقم ١٩٠٣.
173 أخرجه مسلم في صحيحه، عن جرير رضي الله عنه، كتاب اللباس والزينة، باب نظر الفجاءة، رقم ٢١٥٩.
174 أخرجه البخاري في صحيحه، عن ابن مسعود رضي الله عنه، كتاب النكاح، باب لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها، رقم٥٢٤٠، ٥٢٤١.
175 جامع البيان، الطبري ١٧/١٢.
176 أخرجه أحمد في مسنده، ٣٣/٢٣٥، رقم ٢٠٠٣٤، وأبو داود في سننه، كتاب الحمّام، باب ما جاء في التعرّي، رقم ٤٠١٧.
وحسّنه الألباني في مشكاة المصابيح، رقم ٣١١٧.
177 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٤٩.
178 أخرجه النسائي في سننه، كتاب الزينة، باب ما يكره للنساء من الطّيب، رقم ٥١٢٦.
وحسّنه الألباني في المشكاة، رقم ١٠٦٥.
179 أخرجه أحمد في مسنده، عن أبي هريرة رضي الله عنه، رقم ٧٩٠٧، والترمذي في سننه، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في حسن الخلق، رقم ٢٠٠٤، وابن ماجه في سننه، كتاب الزهد، باب ذكر الذنوب، رقم ٤٢٤٦.
وصحّحه الألباني في السلسلة الصحيحة، رقم ٩٧٧.
180 أخرجه البخاري في صحيحه، عن سهل بن سعد، كتاب الرقاق، باب حفظ اللسان، رقم ٦٤٧٤.
181 جامع البيان، الطبري ٦/٦٩٢.
182 لسان العرب، ابن منظور ١/٢٣٣
183 أخرجه أحمد في مسنده، ١٩/٣٧٦، رقم ١٢٣٨٣.
وحسنه الألباني في المشكاة، رقم ٣٥.
184 أخرجه أحمد مسنده، ١١/٢٣٣، رقم ٦٦٥٢.
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، رقم ٧٣٣.
185 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب في نقل الحديث، رقم ٤٨٦٨، والترمذي في سننه، كتاب البرّ والصلة، باب ما جاء أنّ المجالس أمانة، رقم ١٩٥٩.
وحسّنه الألباني في السلسلة الصحيحة، رقم ١٠٨٩.
186 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب النكاح، باب تحريم إفشاء سرّ المرأة، رقم ١٤٣٧.
187 أخرجه الطبري في تفسيره ١٩/١٩٧.
188 أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ١٠/٣١٥٩.
189 انظر: الدر المنثور، السيوطي ١٢/١٦٠.
190 أخرجه الطبري في تفسيره، ١٩/٢٠٠.
191 أخرجه البيهقي في شعب الإيمان، رقم ٤٩٠٦.
192 تفسير القرآن العظيم، ٢/٣٣٨.
193 المصدر السابق ٥/٤٦٣.
194 أخرجه البخاري في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، كتاب الإيمان، باب علامة المنافق، رقم ٣٣، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان خصال المنافق، رقم ١٠٧.
195 انظر: جامع البيان، الطبري ١٣/٢٨٨-٢٨٩.
196 المصدر السابق ١٣/٢١٦.
197 أساس البلاغة، الزمخشري ٢/٣٩١.
198 انظر: الوجيز، الواحدي ١/٣٣٣، مفاتيح الغيب، الرازي ١٢/٤٢٣.
199 انظر: تفسير القرآن، السمعاني ١/٢٢٧، الكشاف، الزمخشري ١/٢٦٨، البحر المحيط، أبو حيان ٢/١٨٧.
200 أخرجه أحمد في مسنده، ١٠/٢٤٩، رقم ٦٠٧٢، وأبو داود في سننه، كتاب الأيمان والنّذور، باب اليمين بغير الله، ٣/٢٢٣، رقم ٣٢٥١، والترمذيّ في سننه، كتاب الأيمان والنّذور، باب ما جاء في كراهية الحلف بغير الله، ٤/١١٠، رقم ١٥٣٥.
وصحّحه الألباني في السلسلة الصحيحة، رقم ٢٠٤٢.
201 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الأيمان، باب النهي عن الحلف بغير الله تعالى، ٣/١٢٦٧، رقم ١٦٤٦.
202 أخرج قصة الإفك البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب حديث الإفك، رقم ٤١٤١، ومسلم في صحيحه، كتاب التوبة، باب في حديث الإفك، رقم ٢٧٧٠.
203 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأيمان والنّذور، باب اليمين في قطيعة الرّحم، رقم ٣٣٢١، والنسائي في سننه، كتاب الأيمان والنذور، باب اليمين في ما لا يملك، رقم ٣٧٩٢.
204 انظر: تفسير ابن أبي حاتم ٤/١١٩٥.
205 تفسير مقاتل ١/٥٠٠.
206 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٦٠٠.
207 أخرجه البخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، كتاب الأيمان، باب اليمين الغموس، رقم ٦٦٧٥.
208 انظر: إكمال المعلم، القاضي عياض ١/٤٣٤، الكاشف عن حقائق السنن، الطيبي ٢/٥٠٥.
209 تفسير القرآن، السمعاني ٢/٦١، مفاتيح الغيب، الرازي ١٢/٤٢٣.
210 انظر: جامع البيان، الطبري ٤/٥.
211 أخرجه مسلم في صحيحه، عن عديّ بن حاتم رضي الله عنه، كتاب الأيمان، باب ندب من حلف يمينًا فرأى غيرها خيرًا منها، رقم ١٦٥١.
212 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأيمان والنّذور، باب قوله تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم)، رقم ٦٦٢٥، ومسلم في صحيحه، كتاب الأيمان، باب النهي عن الإصرار على اليمين فيما يتأذى به أهل الحالف مما ليس بحرام، رقم ١٦٥٥.
213 الكاشف عن حقائق السنن، الطيبي ٨/٢٤٤٠.
214 الكشاف، الزمخشري ١/٦٧٤.
215 انظر: جامع البيان، الطبري ٨/٦٥٥.
216 أخرجه أحمد في مسنده عن ابن عبّاس، ٥/١٩، رقم ٢٨٠٣، والترمذي في سننه، أبواب صفة القيامة والرقائق والورع، باب ٥٩، ٤/٦٦٧، رقم ٢٥١٦.
قال الترمذي: «حسن صحيح». وصحّحه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١٣١٧، رقم ٧٩٥٧.
217 جامع العلوم والحكم ص ٤٣٦.
218 أخرجه الحاكم في مستدركه، كتاب التفسير، باب تفسير سورة والتين، رقم ٤٠١٠.
قال الحاكم: «صحيح الإسناد». وصححه الألباني في صحيح الترغيب، رقم ١٤٣٥.
219 أخرجه ابن أبي شيبة في المصنّف، ١٠/٤٦٨، رقم ٣٠٥٧٨.
220 أخرجه ابن أبي الدنيا في العمر والشيب ص٧٥.
221 أخرجه ابن أبي شيبة في المصنّف، ١٤/٥٤، رقم ٣٦٨٤٥.
222 أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف،١٠/٤٦٨، رقم ٣٠٥٧٦.
223 انظر: صفة الصفوة، ابن الجوزي ٢/١٣٣.
224 أضواء البيان ٢/٤١٠.
225 انظر: سير أعلام النبلاء، الذهبي ١٧/٦٧٠.
226 المصدر السابق ١٧/٦٧٠.
227 معالم التنزيل، البغوي ٥/١٩٦.
228 جامع البيان، الطبري ١١/١٠٩-١١٠.
229 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب حديث الإفك، رقم ٤١٤١، ومسلم في صحيحه، كتاب التوبة، باب في حديث الإفك، رقم ٢٧٧٠.
230 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب فضل عائشة رضي الله عنها، رقم ٢٤٤٢.
231 جامع البيان، الطبري ٢١/٤٥٢.
232 المصدر السابق.
233 انظر: جامع العلوم والحكم، ابن رجب ص ٤٣٩.
234 أضواء البيان ٤/١٨٢-١٨٣، باختصار.
235 انظر: جامع البيان، الطبري ١٦/١٩٢-١٩٨.
236 انظر: المصدر السابق ١٦/١٩٩.
237 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٣٢٣.
238 انظر: جامع البيان، الطبري ١٦/٢٠٢.