عناصر الموضوع
الحسد
أولًا: المعنى اللغوي:
إن الباحث في معاجم اللغة العربية يجد أن معنى الحسد يحمل مفهوم: كراهية الحاسد وجود النعمة عند غيره وتمني زوالها من المحسود، وأصل الحسد مستفاد من: الحسدل وهو: القراد، ومن القشر لأن الحسد يقشر القلب كما تقشر القراد الجلد فتمص دمه؛ ولذلك يقال: حسد الشجر إذا قشر لحاها، ومعلوم أن الشجرة إذا قشر عنها لحاؤها يبست، قال أبو تمام1:
يعيش المرء ما استحيا بخيرٍ ويبقى العود ما بقي اللّحاءُ
والحسد مصدر فعله الماضي: حسد بفتح السين، ومضارعه: يحسد - يحسد، بكسر السين وضمها، ويأتي المصدر على حسود، وحسّده: إذا تمنى أن تتحول إليه نعمته وفضيلته أوتسلب منه، ويقال: تحاسد القوم، وقومٌ حسّدٌ وحسدةٌ، ورجل حاسد من قوم حسّد، وهو من طبعه الحسد ذكرًا كان أو أنثى.
وقد يأتي الحسد بمعنى العقوبة كما هو عند العرب من قولهم: «حسدني الله إذا كنت أحسدك» أي: عاقبني الله على حسدي إياك، وأما الحسد على الشجاعة ونحو ذلك فهو: الغبطة وفيه معنى التعجب، وليس فيه تمني زوال ذلك عن المحسود، فإن تمناه فهو الحسد، وهو المنهي عنه شرعًا2.
مما سبق نستخلص أن تعريف الحسد في اللغة: تمني زوال نعمة مّا من يد صاحبها، على أن تتحول إلى الحاسد وتنتقل إليه.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
إن معنى الحسد في الاصطلاح لايبعد عن معناه في اللغة، فقد قال الفيروزآبادي: «تمني زوال نعمة المحسود، وإن لم يصر للحاسد مثلها، أو تمني عدم حصول النعمة للغير»3.
وقال الكفوي: «اختلاف القلب على الناس؛ لكثرة الأموال والأملاك»4.
وقال صاحب التحرير والتنوير: «إحساس نفساني مركب من استحسان نعمة في الغير، مع تمني زوالها عنه؛ لأجل غيرة على اختصاص الغير بتلك الحالة، أو على مشاركته الحاسد»5.
وقال النووي: «الحسد: تمني زوال النعمة عن صاحبها، سواء كانت نعمة دين أو دنيا»6.
وقال الشوكاني: «الحسد: تمني زوال النعمة التي أنعم الله بها على المحسود، (إذا حسد) إذا أظهر ما في نفسه من الحسد، وعمل بمقتضاه، وحمله الحسد على إيقاع الشر بالمحسود»7.
وقال ابن تيمية رحمه الله: «والتحقيق أن الحسد هو: البغض والكراهة؛ لما يراه من حسن حال المحسود»8.
وبذلك لا يخرج المعنى اللغوي عن المعنى الاصطلاحي، فمن رأى شيئًا ربما استحسنه، ومن استحسن ربما تمنى لنفسه، ومن تمنى ربما حسد، لكن المعنى الاصطلاحي زاد في بعض المحترزات والتقييدات منها: أن مبعث الحسد هو شدة الأسى على الخير لدى المرء، ودافعه الكراهية المؤدي إلى تمني زوال النعمة عن المنعم عليه، وأن تكون هذه النعمة له دون المنعم عليه9.
والحاسد تشتد محبته لإزالة نعمة الغير إليه، ولا يكاد يكون كذلك إلا ولو تمكن من ذلك بالحيل لفعل؛ فلذلك أمر الله بالتعوذ منه10.
وردت مادة (حسد) في القرآن (٥) مرات 11.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
١ |
(ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [الفلق:٥] |
الفعل المضارع |
٢ |
(ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [النساء:٥٤] |
المصدر |
١ |
(ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [البقرة:١٠٩] |
اسم الفاعل |
١ |
(ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [الفلق:٥] |
وجاء الحسد في القرآن بمعناه اللغوي، وهو: تمنّي زوال نعمة المحسود12.
المنافسة:
المنافسة لغة:
مأخوذة من الفعل «نافس» يقال: نافس في الشّيء منافسةً، إذا رغب فيه على وجه المباراة في الكرم، وتنافسوا فيه، أي: رغبوا 13، أو مشتقة من النّفاسة، يقال: شيءٌ نفيسٌ، أي: ذو نفاسةٍ وخطر يتنافس به، والتّنافس: أن يبرز كلّ واحدٍ من المتبارزين قوّة نفسه14.
المنافسة اصطلاحًا:
تعني: «مجاهدة النفس للتشبه بالأفاضل واللحوق بهم، من غير إدخال ضرر على غيره» (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [المطففين: ٢٦]15.
الصلة بين المنافسة والحسد:
«قد تسمى المنافسة حسدًا والحسد منافسة، ويوضع أحد اللفظين موضع الآخر، ولا حجر في الأسامي بعد فهم المعاني، وهذا يدل على أن المنافسة قد تجر إلى الحسد إن لم ينتبه المنافس ويتق الله؛ إذ إن المنافسة في المباحات تنقص من الفضائل، وتناقض الزهد، والرضا، والتوكل»16.
الإيثار:
الإيثار لغة:
تقديم الشيء.
قال ابن فارس رحمة الله تعالى: «الهمزة والثاء والراء، له ثلاثة أصول: تقديم الشيء، وذكر الشيء، ورسم الشيء الباقي»17، والمعنى الأول هو الذي يعنينا هنا.
الإيثار اصطلاحًا:
تفضيل المرء غيره على نفسه.
قال القرطبي رحمه الله تعالى: «الإيثار: تقديم الغير على النفس وحظوظها الدنيوية؛ رغبة في الحظوظ الدينية، وذلك ينشأ عن قوة اليقين، وتوكيد المحبة، والصبر على المشقة»18.
وأضاف الجرجاني رحمه الله تعالى معنىً لطيفًا فقال: «الإيثار: أن يقدم غيره على نفسه في النفع له والدفع عنه، وهو النهاية في الأخوة»19.
الصلة بين الإيثار والحسد:
المؤثر متصف بخلق أهل الجود والكرم، والحاسد متصف بخلق أهل البخل؛ لتمنيه منع النعمة عن الغير.
الغبطة:
الغبطة لغة:
أن يتمنى المرء مثل ما للمغبوط من النعمة من غير أن يتمنى زوالها عنه20.
الغبطة اصطلاحًا:
لا يخرج عن معناه اللغوي.
الصلة بين الحسد والغبطة:
قال ابن منظور: «الغبط: أن يرى المغبوط في حال حسنة، فيتمنى لنفسه مثل تلك الحال الحسنة، من غير أن يتمنى زوالها عنه، وإذا سأل الله مثلها فقد انتهى إلى ما أمره به ورضيه له، وأما الحسد فهو أن يشتهي أن يكون له ما للمحسود، وأن يزول عنه ما هو فيه»21.
وقال الرازي: «إذا أنعم الله على أخيك بنعمة، فإن أردت زوالها؛ فهذا هو الحسد، وإن اشتهيت لنفسك مثلها؛ فهذا هو الغبطة»22.
وقد تسمى الغبطة حسدًا، كما جاء في حديث عبد الله بن مسعود، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالًا فسلط على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها)23. وقد فسّر النووي الحسد في الحديث فقال: «هو أن يتمنى مثل النعمة التي على غيره من غير زوالها عن صاحبها»24.
تعددت مجالات الحسد التي تحدث عنها القرآن، وهي كما يأتي:
أولًا : الحسد في الدين:
كما أن الحسد يكون في متاع الحياة الدنيا، فإنه قد يكون في الدين من النبوة، والرسالة، والصلاح، والتوفيق، وهذا ظاهر في حسد المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم، على مقام الرسالة (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ)[الزخرف: ٣١-٣٢].
وقال أيضًا: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ)[ص: ٨].
فقد نظر المشركون إلى النبي صلى الله عليه وسلم نظر حسد على هذه المنزلة التي حباه الله تعالى بها من اختياره رسولًا ونبيًّا قائلين: لماذا أنزل الله هذا القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم؟ ولم ينزله على رجل عظيم من القريتين، مكة أو الطائف؟25.
فهل هم الذين يقسمون رحمة ربك بين خلقه، فيجعلون كرامته لمن شاءوا وفضله لمن أرادوا، أم الله هو الذي يقسم ذلك فيعطيه لمن يحب؟ وهذا تبكيت من الله تعالى لهؤلاء القوم الذين اعترضوا على قسمة الله وفضله حسدًا وبغيًا من عند أنفسهم. كما أن في ذلك نفيًا للشبهة المتعلقة بالنبوات، وهي قولهم: إن محمدًا لما كان مساويًا لغيره في الذات، والصفات والخلقة الظاهرة، والأخلاق الباطنة، فكيف يعقل أن يختص بهذه الدرجة العالية، والمنزلة الشريفة؛ إذ أنهم ظنوا أن الشرف لا يحصل إلا بالمال والأعوان، وذلك باطل26.
ومراد قولهم: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ) إنكار كونه ذكرًا منزلًا من عند الله تعالى، وهذا دليل على أن مناط تكذيبهم ليس إلا الحسد، وقصر النظر على الحطام الدنيوي27.
ثانيًا: الحسد في نعم الدنيا:
يقع الحسد في أمور الحياة الدنيا سواء أكانت مالًا، أم جاهًا، أم منصبًا، أم جمالًا، أم غير ذلك من الجوانب، ويكثر هذا بين الأقران في العلم وغيره من الصناعات والتجارات، ولا يختص به العامة، بل يتعداهم إلى أهل العلم الشرعي، الذين يبتغون به عرض الدنيا، ثم إن بعض أهل الدين والتقوى قد يقع فيه، ذلك أنه من جملة الذنوب التي لا يسلم منها إلا المعصومون، وهم الأنبياء.
قال تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [النساء: ٣٢].
«ينهى تعالى المؤمنين عن أن يتمنى بعضهم ما فضّل الله به غيره من الأمور الممكنة وغير الممكنة. فلا تتمنى النساء خصائص الرجال التي بها فضّلهم على النساء، ولا صاحب الفقر والنقص حالة الغنى والكمال تمنيًا مجردًا؛ لأن هذا هو الحسد بعينه، تمني نعمة الله على غيرك أن تكون لك ويسلب إياها. ولأنه يقتضي السخط على قدر الله، والإخلاد إلى الكسل، والأماني الباطلة التي لا يقترن بها عمل ولا كسب. وإنما المحمود أمران: أن يسعى العبد على حسب قدرته بما ينفعه من مصالحه الدينية والدنيوية، ويسأل الله تعالى من فضله، فلا يتكل على نفسه ولا على غير ربه»28.
«والنص عام في النهي عن تمني ما فضّل الله بعض المؤمنين على بعض.. من أي أنواع التفضيل، في الوظيفة والمكانة، وفي الاستعدادات والمواهب، وفي المال والمتاع.. وفي كل ما تتفاوت فيه الأنصبة في هذه الحياة..
والتوجه بالطلب إلى الله، وسؤاله من فضله مباشرة بدلًا من إضاعة النفس حسرات في التطلع إلى التفاوت وبدلًا من المشاعر المصاحبة لهذا التطلع من حسد وحقد ومن حنق كذلك ونقمة، أو من شعور بالضياع والحرمان، والتهاوي والتهافت أمام هذا الشعور.. وما قد ينشأ عن هذا كله من سوء ظن بالله وسوء ظن بعدالة التوزيع.. حيث تكون القاصمة، التي تذهب بطمأنينة النفس، وتورث القلق والنكد، وتستهلك الطاقة في وجدانات خبيثة، وفي اتجاهات كذلك خبيثة. بينما التوجه مباشرة إلى فضل الله، هو ابتداء التوجه إلى مصدر الإنعام والعطاء، الذي لا ينقص ما عنده بما أعطى، ولا يضيق بالسائلين المتزاحمين على الأبواب! وهو بعد ذلك موئل الطمأنينة والرجاء ومبعث الإيجابية في تلمس الأسباب، بدل بذل الجهد في التحرق والغيظ أو التهاوي والانحلال! النص عام في هذا التوجيه العام»29.
يقول الإمام الغزالي: «يكثر الحسد بين المتحاسدين من الناس الذين يجمعهم زخرف الدنيا والغرور بها، وتجمعهم روابط يجتمعون بسببها في مجالس المخاطبات ويتواردون على الأغراض، فإذا خالف واحد منهم صاحبه في غرض من الأغراض، نفر طبعه عنه، وأبغضه، وثبت الحقد في قلبه، فعند ذلك يريد أن يستحقره، ويتكبر عليه، ويكافئه على مخالفته لغرضه، ويكره تمكنه من النعمة التي توصله إلى أغراضه.
وتترادف جملة من الأسباب؛ إذ لا رابطة في بلدتين متنائيتين، فلا يكون محاسدة بينهما، أما إذا تجاورا في مسكن أو سوق، أو مدرسة، أو مسجد وتواردا على مقاصد تتناقض فيها أغراضهما، فيثور من التناقض والتنافر والتباغض ما يؤدي إلى الحسد؛ لذلك ترى العالم يحسد العالم دون العابد، والعابد يحسد العابد دون العالم، والتاجر يحسد التاجر، والشجاع يحسد الشجاع ولا يحسد العالم، وحسد الواعظ للواعظ أكثر من حسده للفقيه والطبيب؛ لأن التزاحم بينهما على مقصود واحد أخص، فأصل هذه المحاسدات العداوة، وأصل العداوة التزاحم بينهما على غرض، والغرض الواحد لا يجمع متباعدين بل متناسبين؛ لذلك يكثر الحسد بينهما، نعم فمن اشتد حرصه على الجاه، وأحب الصيت في جميع أطراف العالم بما هو فيه، فإنه يحسد كل من هو في العالم ومنشأ ذلك كله حب الدنيا؛ فإن الدنيا تضيق على المتزاحمين»30.
والحسد قد يقع بين المتحاسدين، ولو كانا متباعدين إذا علم أحدهما حال الآخر وذكر أمامه، أو وصف حاله أمامه، وقد يقع الحسد على غرض بين متباعدين أو متقاربين، ولو لم يكن الغرض من اختصاص الاثنين، بل من اختصاص أحدهما، لكن في الغالب لا يقع إلا بين متقاربين أو متنافسين أو متماثلين.
للحسد أسباب متعددة يتعلق بعضها بالحاسد، وبعضها يتعلق بالمحسود، وفيما يأتي بيان بعضها:
أولًا: الأسباب المتعلقة بالحاسد:
١. العدواة والبغضاء.
وهو أشد أسباب الحسد، فإن من آذاه شخص بسبب من الأسباب وخالفه في غرض بوجه من الوجوه، أبغضه قلبه، ورسخ في نفسه الحقد، والحقد يقتضي التشفي والانتقام، فإن عجز المبغض عن أن يتشفى بنفسه، أحب أن يتشفى منه الزمان... فالحسد يلزم البغض والعداوة ولا يفارقهما، وإنما غاية التقى أن لا يبغي، وأن يكره ذلك من نفسه31.
فهي مفضية للحسد، ومنها تكون الأحقاد، وذلك مذكور في القرآن الكريم، فهؤلاء أهل مكة يحكي القرآن عنهم (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [آل عمران: ١٩٩].
فمسيس الحسنة يسؤهم، ونزول البلاء بالمسلمين يسعدهم (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [آل عمران: ١٢٠].
٢. التعزز والتكبر.
وهو أن يثقل عليه أن يترفّع عليه غيره، وهكذا كان حسد أكثر الكفار لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قالوا: كيف يتقدم علينا غلام يتيم، وكيف نطأطئ رؤوسنا؟ فقالوا: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [الزخرف: ٣١].
أي: كان لا يثقل علينا أن نتواضع له ونتبعه إذا كان عظيمًا، وقال يصف قول قريش: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ) [الأنعام: ٥٣].
إن الله تعالى بيّن في هذه الآية أن كل واحد مبتلى بصاحبه، فأولئك الكفار الرؤساء الأغنياء كانوا يحسدون فقراء الصحابة على كونهم سابقين في الإسلام، مسارعين إلى قبوله، فقالوا: لو دخلنا في الإسلام لوجب علينا أن ننقاد لهؤلاء الفقراء المساكين، وأن نعترف لهم بالتبعية فكان ذلك يشق عليهم32.
وهذا الحسد هو الذي دعاهم إلى الطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرد فقراء الصحابة ليجلسوا معه فكان الرد الإلهي: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [الأنعام: ٥٢-٥٣].
٣. خبث النفس وشحّها بالخير لعباد الله تعالى.
«فإنك تجد من لا يتشغل برياسة ولا تكبر ولا طلب مال، إذا وصف عنده حسن حال عبد من عباد الله تعالى فيما أنعم الله به عليه يشق ذلك عليه، وإذا وصف له اضطراب أمور الناس وإدبارهم، وفوات مقاصدهم، وتنغص عيشهم فرح به، فهو أبدًا يحب الإدبار لغيره، ويبخل بنعمة الله على عباده، كأنهم يأخذون ذلك من ملكه وخزائنه، وهذا ليس له سبب ظاهر إلا خبث في النفس، ورذالة في الطبع»33.
ويدل على ذلك قوله تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ) [آل عمران: ١٢٠].
٤. عدم رضى الحاسد، وكذا النظر إلى النعم عند غيره.
وهذا مخالف لقول المصطفى وأمره بألا ينظر أحدنا إلى من زاد عليه في نعمة من مال أو غيره، ولكن لينظر إلى من هو أقل منه ليعلم نعمة الله عليه، وإذا اشتاقت أو امتدت عينه إلى ما عند غيره من نعم فلربما جرّه ذلك إلى الاعتراض على قضاء الله عز وجل الذي فضّل بعض الناس على بعض في الرزق.
يقول سبحانه: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [النحل: ٧١].
فلا حرج على فضل الله، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، ثم إن ذلك يمثّل اعتراضًا على الله عز وجل فلابد لنا من رضا بما قسم الله لنا، ولا تزال نار الحقد تؤججها هذه الرغبة الجامحة في إزالة النعمة من عند الله حتى تصل بصاحبها إلى أن يحسد المنعم عليه، فيقتل نفسه وربما غيره بحسده، وهل يعلم الحاسد المعترض على قضاء الله أن الحسد لا يجتمع مع الإيمان في قلب مؤمن، فقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يجتمعان في قلب عبد: الإيمان، والحسد)34.
٥. بسط الدنيا وتنافسها.
إذا فتحت الدنيا وبسطت على الناس، جعلتهم يتصارعون تصارع الثيران على ما فيها، مستخدمين في ذلك كل ما أوتوا من قوة ومن وسائل، وصدق ربنا إذ يقول: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [الشورى: ٢٧].
ثانيًا: الأسباب المتعلقة بالمحسود:
إن من أسباب الحسد أمورًا تتعلق بالمحسود سواء أكانت جمالًا، أم مالًا، أم جاهًا، أم سلطة أم غيرها، وفيما يأتي بيان بعض هذه الأسباب:
١. الحسن والجمال.
وفي القرآن نماذج لذلك، منها:
يعد الحسن والجمال من الأمور التي يحسد عليها صاحبها، وهذا ظاهر في قصة يوسف عليه الصلاة والسلام الذي أوتي شطر الحسن كما بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث المعراج: (ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة فاستفتح جبريل فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بيوسف صلى الله عليه وسلم، إذا هو قد أعطي شطر الحسن)35.
وقد قص الله سبحانه علينا خبر النسوة مع يوسف عليه السلام فقال: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [يوسف: ٣٠-٣١].
إن خبر حب يوسف عليه الصلاة والسلام وتغلغله في قلب امرأة العزيز حتى وصل شغاف قلبها وأحاط به إحاطة السوار بالمعصم، قد انتشر في المدينة36.
فما كان من النسوة إلا أن دبّرن مكيدة ليفزن برؤية هذا الغلام الذي أخذ بلبّ امرأة العزيز وقلبها.
فهؤلاء النسوة فعلن ما فعلن من كيد ومكر وكشف الأسرار غيرة وحسدًا منهن لامرأة العزيز؛ لاستئثارها به دونهن لما سمعن من حسنه وجماله، وكل واحدة منهن تتمنى أن تفوز به ظنًّا منهن أنه صيد سهل كباقي البشر.
«اعلم أن أبناء يعقوب لما عزموا على الخروج إلى مصر، وكانوا موصوفين بالكمال، والجمال، وأبناء رجل واحد قال لهم: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ) [يوسف: ٦٧].
وفيه إثبات أن العين حق»37.
وهكذا يتبين أن الحسن والجمال، والبنية القوية قد تكون من الأسباب التي هي مطية للحاسد والعائن؛ كي يبث سمومه، ويقضي حاجته ومآربه من الحسد والإصابة بالعين.
٢. الحسد على المال.
مثال ذلك قصة قارون في قوله تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [القصص: ٧٩].
إن الناس لما رأوه -قارون- على تلك الزينة قال من كان منهم يرغب في الدنيا (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) من هذه الأمور والأموال، والراغبون يحتمل أن يكونوا من الكفار، وأن يكونوا من المسلمين الذين يحبون الدنيا38.
وقد جاء التحذير الرباني من هذا الفعل: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [الحجر: ٨٨].
إن الناظر في هذه الآية يلحظ مدى اهتمام القرآن بقطع الطريق على النفس ولجمها قبل أن تتوغل في مستنقع الحسد الذي يبدأ بمد العين إلى ما في أيدي الناس، بل تبين أن النظرة الصحيحة عند رؤية النعيم الذي يتمتع به الآخرون تكون بتذكر ما عند الله من النعيم المقيم.
٣. الحسد على الصلاح.
إن من الأمور التي تكون في الإنسان ويحسد عليها، صلاحه وتقواه، يدل على ذلك قصة يوسف، قال تعالى حكاية عن يعقوب لولده يوسف عليهما الصلاة والسلام: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [يوسف: ٥].
فقد قال يعقوب لابنه يوسف: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) هذه (ﭖ ﭗ) فيحسدوك، (ﭘ ﭙ ﭚﭛ) يقول: فيبغوك الغوائل، ويناصبوك العداوة، ويطيعوا فيك الشيطان، (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) إن الشيطان لآدم وبنيه عدو، وقد أبان لهم عن عداوته وأظهرها، يقول: فاحذر الشيطان أن يغري إخوتك بك، بالحسد منهم لك إن أنت قصصت عليهم رؤياك39.
«وقد علم يعقوب عليه السلام أن إخوة يوسف عليه السلام العشرة كانوا يغارون منه؛ لفرط فضله عليهم خلقًا وخلقًا، وعلم أنهم يعبّرون الرؤيا إجمالًا وتفصيلًا، وعلم أن تلك الرؤيا تؤذن برفعة ينالها يوسف عليه السلام على إخوته الذين هم أحد عشر، فخشي إن قصها يوسف عليه السلام عليهم أن تشتد بهم الغيرة إلى حد الحسد، وأن يعبرّوها على وجهها فينشأ فيهم شر الحاسد إذا حسد، فيكيدوا له كيدًا ليسلموا من تفوقه عليهم وفضله فيهم»40.
يتضح مما تقدم أن إخوة يوسف عليه الصلاة والسلام، حسدوه على صلاحه وتقواه، وأضمروا له العداوة، والكيد؛ حسدًا منهم له على تقدمه عليهم، وكذا حال الحساد، يفعل الحسد فعله في نفوسهم سواء أكان الحسد للصلاح والتقوى أم لغيرهما.
نماذج من الحاسدين في القرآن الكريم
أولًا: حسد إبليس لآدم:
من سنن الله الثابتة: الصراع بين الحق والباطل من اللحظة الأولى التي خلق الله سبحانه وتعالى فيها آدم عليه السلام، وأمر الملائكة بالسجود له، وكان ممن شملهم الأمر إبليس -عليه لعنة الله-، فاستجاب الملائكة للأمر الرباني، ورفض إبليس ذلك، ومنذ تلك اللحظة اشتعلت نار الحسد في قلب إبليس، وقد ظهر هذا الحسد من خلال عدة صور بيّنها الله سبحانه وتعالى وهي كالآتي:
الصورة الأولى: رفض إبليس الاستجابة لأمر الله تعالى بالسجود لآدم، (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [البقرة: ٣٤].
فقد أمر الله تعالى الملائكة وإبليس معهم بالسجود لآدم؛ إكرامًا له وتعظيمًا؛ وعبودية الله تعالى، فامتثلوا أمر الله، وبادروا كلهم بالسجود، إلا إبليس امتنع عن السجود؛ واستكبر عن أمر الله وعلى آدم، إباءً واستكبارًا نتيجة الكفر الذي هو منطو عليه41.
إن الآية الكريمة السابقة تحمل في طياتها معاني وإرشادات كثيرة.
إذ أنها تبيّن مدى امتثال الملائكة أمر الله تعالى، وتطبيقهم الفوري، حيث عقب الأمر بالسجود بالفاء (ﮫ)، أما إبليس اللعين فأبى السجود، وأصر على ذلك مستكبرًا، رافضًا أمر الله تعالى42.
الصورة الثانية: التفاخر بالخلقة على آدم، بأنه ناري الخلقة وآدم طيني، (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [الأعراف: ١٢].
فقد حسد عدو الله إبليس آدم على ما أعطاه الله من الكرامة، قائلًا: أنا ناري، وهذا طيني، فكان بدء الذنوب الكبر43، والذي دفعه إلى التكبر عن أوامر الله تعالى، والتعالي عليها، والادعاء أن النار لها الأفضلية على الطين؛ هو الحسد، وفي هذا مراوغة في الإجابة، وادعاء للخيرية بغير دليل، وهي إطاعة للعقل وإهمال للأمر، وترك للدليل وذهاب إلى القياس؛ بادعاء أن النار أفضل من الطين، فخسر وخاب44.
الصورة الثالثة: طلب إنظاره إلى يوم القيامة، وأخذ العهد على نفسه بإغواء بني آدم، (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [الأعراف: ١٤-١٧]
وفي هذه الآيات الكريمة يظهر أثر الحسد المهلك؛ إذ قاده للتمادي والإصرار على معصية الله تعالى، بل والتوعد بالعمل على إغواء عباد الله.
وهكذا يلحظ أثر الحسد السيء، وكيف قاد إبليس للاستكبار على أمر الله تعالى، وعدم الاستجابة له، ثم إلى الغرور والتفاخر بالنفس، ثم إلى التمادي في المعصية والتوعد أمام الجبار سبحانه بالعمل على إغواء عباده.
ومعنى قوله: (ﭮ ﭯ ﭰ) [الأعراف: ١٣].
أي: من أهل الصغار والهوان على الله وعلى أوليائه لتكبرك، وذلك بسبب إظهاره الاستكبار فكانت النتيجة أن ألبس الصغار45، وقوله: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ) [الأعراف: ١٨].
أي: «خروج صغار واحتقار، لا خروج إكرام، بل مذمومًا مبعدًا عن الله وعن رحمته، وعن كل خير»46.
إن المطالع للآيات التي جاء فيه ذكر قصة إبليس مع آدم عليه الصلاة والسلام يجد أن رد إبليس فيها على أمر الله، كان بالرفض والتكبر، والامتناع من السجود لآدم عليه السلام، فحذّر سبحانه وتعالى بني آدم من اتباعه في خطابه لأبيهم آدم، وبيّن لهم أن عداوته قائمة دائمة إلى يوم الدين.
ولكن ما سبب تلك العداوة؟ والجواب: «أن إبليس كان حسودًا، فلما رأى آثار نعم الله تعالى في حق آدم عليه السلام حسده، فصار عدوًّا له»47.
فـ «المقصود من ذكر هذه القصة المنع من الحسد والكبر؛ لأن إبليس إنما وقع فيما وقع فيه بسبب الحسد والكبر، والكفار إنما نازعوا محمدًا صلى الله عليه وسلم، بسبب الحسد والكبر، فذكر الله تعالى هذه القصة هاهنا ليصير سماعها زاجرًا لهم عن هاتين الخصلتين المذمومتين»48.
ثانيًا: حسد ابن آدم عليه السلام قابيل لأخيه هابيل:
إن الله سبحانه وتعالى، وهو يقص علينا القصص في كتابه، يوضح لنا أن تغلغل آفة الحسد في النفس يجعل الإنسان يقدم على ارتكاب جريمة القتل، حتى في حق أقرب الناس إليه (أخيه)، وهذا واضح في قصة ابني آدم عليه السلام .
يقول تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [المائدة: ٢٧-٣١].
إن في إخبار الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم هذه الحادثة، في ظل ما يلقاه من تكذيب وإعراض من قومه، ومن أهل الكتاب، الذين كفروا به حسدًا من عند أنفسهم، من التسلية الشيء الكثير، وكأنه يقول له: لا تتعب من حسد هؤلاء ومكرهم، فقد حسد الأخ أخاه حتى أوصله حسده إلى قتله، فلا تحزن بما فعل هؤلاء واصبر حتى يأتي أمر الله.
فقد قرّب كل واحد منهما قربانًا إلى الله تعالى، فتقبّل الله تعالى قربان أحدهما دون الآخر، فتحرّك الحسد في قلبه، ودفعه إلى التحرك والعمل، فقال لأخيه (ﮖﮗ)، فهو بهذا يتمثّل أمر الحسد في تنفيذ القتل ليتخلص منه، ويضمن عدم تقدّمه وتفوّقه عليه، وهذا دأب الحاسد، وديدنه، فهو لا يرتاح، ولا يهدأ له بال، ولا يبرد الحسد في عروقه؛ حتى ينفذ مقصده ومآربه49.
وهنا يردّ عليه التقي الورع الواثق بالله تعالى، الذي تقبّل الله تعالى قربانه، منبّهًا له، ومبيّنًا أن تقوى الله تعالى، والإخلاص له من أهم أسباب القبول عند الله تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ)، وإن كنت مصرًّا على قتلي، فلن أفعل فعلك، فخوفي من الله تعالى، ربي وربك يمنعني فعل ذلك، والإقدام عليه، فهذه جريمة لا أجرؤ على الإقدام عليها، (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ)، وبعد هذا التذكير، والتحذير والتخويف له، لعله يرجع عن رأيه، وما يريد فعله، أردف ذلك أن غرضي من هذا، إن لم ترجع عن فعلك، أن تحمل إثمي وإثمك، وتبوء بهما، وهذا يجعلك من أصحاب النار، وهذا مصير الظالمين50.
ومع كل ما تقدم من الوعظ والإرشاد، والتخويف والتحذير، لم يتعظ ولم يرجع عما يخطط له، وبقيت نار الحسد مشتعلة في صدره، تحثه على الإقدام لارتكاب جريمته، (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ)، مع كل ما تقدم من التذكير بالله تعالى، والتخويف، والتحذير من سوء العاقبة والمصير، لم يرتدع، فجاء التعبير بفاء التعقيب، (ﯡ) وشبّه الفعل بأمر عصي على الانقياد فطوّعه حتى سهل وروض، أو بشيء صلب شديد الصلابة، يصعب كسره، وتنفيذه، فألانته نفسه، وسهّلته، وزيّنته له، وذلك نتج عن الحرب القائمة في نفسه بين عنصري الخير والشر، فانتصر عنصر الشر في نفسه، ودفعه الحسد الذي يغلي في صدره إلى ارتكاب جريمته، فناله الخسران بسبب فعلته51.
إن الآيات الكريمة السابقة قد تضمّنت بيانًا لأخلاق صاحب الحسد، وسوء طويته وشنيع فعله؛ إذ أن حسده قد يحمله «على إهلاك نفسه بقتل أقرب الناس إليه قرابة، وأمسّه به رحمًا، وأولاهم بالحنو عليه، ودفع الأذية عنه»52.
ثالثًا: حسد إخوة يوسف عليه السلام:
لقد قصَّ الله تعالى علينا هذا الخبر في سورة وصفها بأنها أحسن القصص؛ لما تضمنته من الدروس والعبر المهمة، (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [يوسف: ٣].
وقال الشوكاني: «واختلف في وجه كون ما في هذه السّورة هو أحسن القصص؟ فقيل: لأنّ ما في هذه السّورة من القصص يتضمّن من العبر والمواعظ والحكم ما لم يكن في غيرها، وقيل: لما فيها من حسن المحاورة، وما كان من يوسف من الصبر على أذى إخوته وعفوه عنهم، وقيل: لأنّ فيها ذكر الأنبياء والصّالحين والملائكة والشّياطين والجنّ والإنس والأنعام والطّير وسير الملوك والمماليك والتجّار والعلماء والجهّال والرجال والنّساء وحيلهنّ ومكرهنّ، وقيل: لأنّ فيها ذكر الحبيب والمحبوب وما دار بينهما، وقيل: إنّ (أحسن) هنا بمعنى (أعجب)، وقيل: إنّ كلّ من ذكر فيها كان مآله السّعادة»53.
«ووجه أحسنيتها اشتمالها على: حاسد ومحسود، مالك ومملوك، وشاهد ومشهود، وعاشق ومعشوق، وحبس وإطلاق، وخصب وجدب، وذنب وعفو، وفراق ووصال، وسقم وصحة، وحل وارتحال، وذل وعز، وقد أفادت أنه لا دافع لقضاء الله تعالى، ولا مانع من قدره، وأنه سبحانه إذا قضى لإنسان بخير ومكرمة، فلو أن أهل العالم اجتمعوا على دفع ذلك لم يقدروا، وأن الحسد سبب الخذلان والنقصان، وأن الصبر مفتاح الفرج، وأن التدبير من العقل، وبه يصلح أمر المعاش، إلى غير ذلك مما يعجز عن بيانه بنان التحرير»54. لقد كان يوسف وأخوه أصغر أبناء يعقوب عليه السلام، وكان يحبهما حبًّا كثيرًا، فكان هذا الأمر دافعًا لاشتعال نار الحسد في قلوب الإخوة55.
وذات ليلة رأى يوسف عليه السلام رؤيا قصّها على أبيه، فكانت رؤيا تبشّر بمستقبل زاهر لهذا الغلام الصغير؛ إذ أنها بشرى بأنه سيحمل لواء النبوة كما حملها آباؤه من قبل إبراهيم وإسحاق ويعقوب، فكانت هذه الرؤيا عنوانًا آخر من عناوين شدة محبة يعقوب عليه السلام له، قال تعالى مسطرًا ذلك في كتابه: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [يوسف: ٤].
وهنا يقف الأب موقف الرجل الحكيم الحريص على أبنائه، الخبير بطبائع البشر، حاثًّا إياه على عدم قص هذه الرؤيا على الإخوة الذين كانوا في الأصل يحسدونه على قربه من قلب أبيهم ومحبته له؛ إذ بسماعهم لهذه الرؤيا سيزداد حسدهم أكثر، (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [يوسف: ٥]56.
وتعليل أمره بعدم قص الرؤيا قوله: (ﭘ ﭙ ﭚﭛ) أي: فيحسدوك ويبغوك الغوائل، ويناصبوك العداوة، ويطيعوا فيك الشيطان، (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) الشيطان عدو لآدم وبنيه، قد أبان لهم عن عداوته وأظهرها، فاحذر الشيطان أن يغري إخوتك بك فيحسدوك، إن أنت قصصت عليهم رؤياك57، وقد وقع ما حذّر منه عليه السلام، فوقع الحسد في قلوب الإخوة، واتخذ صورًا متنوعة قصها القرآن الكريم.
الصورة الأولى: وصفهم لأبيهم بأنه في ضلال مبين بمحبته ليوسف عليه السلام، (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [يوسف: ٨].
فقد كان هذا القول حسدًا منهم ليوسف وأخيه لما رأوا من ميل يعقوب إليه وكثرة شفقته عليه، (ووصف أبيهم بالضلال المبين) يعني لفي خطأ بيّن في إيثاره حب يوسف علينا مع صغره لا نفع فيه، ونحن عصبة ننفعه ونقوم بمصالحه، من أمر دنياه، وإصلاح أمر مواشيه، وليس المراد من ذكر هذا الضلال: الضلال عن الدين؛ إذ لو أرداوا ذلك لكفروا به، ولكن أرادوا به الخطأ في أمر الدنيا، وما يصلحها58.
الصورة الثانية: التفكير بقتل يوسف والتخلص منه، (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [يوسف: ٩].
يقولون: هذا الذي يزاحمكم في محبة أبيكم لكم، أعدموه من وجه أبيكم؛ ليخلوا لكم وحدكم، إما بأن تقتلوه، أو تلقوه في أرض من الأراضي تستريحوا منه، وتختلوا أنتم بأبيكم، وتكونوا من بعد إعدامه قومًا صالحين59.
فقد قادهم الحسد إلى التفكير في قتل يوسف والتخلص منه؛ ليحوزوا على قلب أبيهم ومحبته الكاملة لهم، التي لا يشاركهم فيها أحد، وهذه آية من عبر الأخلاق السيئة، وهي: التخلص من مزاحمة الفاضل بفضله لمن هو دونه فيه، أو مساويه، بإعدام صاحب الفضل، وهي أكبر جريمة؛ لاشتمالها على الحسد، والإضرار بالغير، وانتهاك ما أمر الله بحفظه60.
الصورة الثالثة: إصرارهم على ارتكاب الخطأ مع معرفتهم التامة بذلك، وتعليل ذلك بأنهم سيتوبون بعد ذلك إلى الله، (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [يوسف: ٩].
الصورة الرابعة: التخلص منه بإلقائه في غيابة الجبّ، (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [يوسف: ١٥].
إن يوسف عليه السلام لما برز مع إخوته أظهروا له العداوة الشديدة، وجعل هذا الأخ يضربه فيستغيث بالآخر فيضربه ولا يرى فيهم رحيمًا، فضربوه حتى كادوا يقتلونه، فانطلقوا به إلى الجبّ يدلونه فيه وهو متعلق بشفير البئر، حتى إذا بلغ نصفها ألقوه ليموت61.
الصورة الخامسة: الكذب على أبيهم والادعاء على الذئب بأنه قد أكل يوسف وهم عنه غافلون، (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [يوسف: ١٦-١٨].
لقد فعلوا فعلتهم النكراء، فجاءوا أباهم مساءً باكين كي لا يظهر عليهم أثر التآمر، مظهرين أسفهم وندمهم على تقصيرهم في الحفاظ عليه، وتتابعت الحجج أنهم كانوا يتسابقون ويلعبون، وتركوا يوسف عند المتاع، فأكله الذئب، ودليلهم في ذلك الدم الكذب على قميصه، ولكنها حجة تحمل في طياتها إدانتهم62.
رابعًا: حسد أهل الكتاب للنبي صلى الله عليه وسلم:
أولًا: حسد اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم.
إن الله سبحانه وتعالى قد بيّن لأهل الكتاب على لسان أنبيائهم عليهم السلام، أنه سيكون نبي في آخر الزمان، واضح الصفات، (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [الأعراف: ١٥٧].
معروف الاسم، يقول سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [الصف: ٦].
فتمنى اليهود أن يكون هذا النبي منهم، متوعّدين العرب به، مستنصرين به عليهم، (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [البقرة: ٨٩].
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن اليهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بعثته، فلما بعثه الله من العرب كفروا به، وجحدوا ما كانوا يقولون فيه، فقال لهم معاذ بن جبل وبشر بن البراء بن معرور: يا معشر اليهود، اتقوا الله وأسلموا، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم ونحن أهل شرك، وتخبروننا أنه مبعوث، وتصفونه لنا بصفته، فقال سلام بن مشكم: ما جاءنا بشيء نعرفه، وما هو بالذي كنا نذكر لكم فأنزل الله الآية، فهم قد رجعوا بغضب من الله جديد؛ لكفرهم بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله أنزل عليه الكتاب من فضله، وكانوا لجهلهم يدعون أنهم أحق، وباءوا بغضب على غضب سابق؛ لكفرهم بالأنبياء قديمًا ولهم عذاب مهين63.
وظهر حسد اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم في صور، منها:
الصورة الأولى: القتل، كما قال سبحانه: (ﯣ ﯤ)[البقرة: ٨٧].
فإنهم حاولوا قتل النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لولا عصمة الله سبحانه وتعالى له، إذ أنهم سحروه وسمّموا له الشاة64.
الصورة الثانية: كتمان الحق، وادعاؤهم أنه ليس بالنبي المرسل، (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ)[البقرة: ١٤٦].
يخبر تعالى أنه قد تقرر عندهم -أي: علماء اليهود- وعرفوا أن محمدًا رسول الله وأن ما جاء به حق وصدق، وتيقنوا ذلك، كما تيقنوا أبناءهم بحيث لا يشتبهون عليهم بغيرهم، فمعرفتهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وصلت إلى حد لا يشكّون فيه ولا يمترون، ولكن فريقًا منهم -وهم أكثرهم- الذين كفروا به، كتموا هذه الشهادة مع تيقنها65.
الصورة الثالثة: العناد وكراهية تنزل الخير على محمد صلى الله عليه وسلم، (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ)[البقرة: ٩٠].
أي: بئس الشيء الذي باعوا به أنفسهم وبذلوها -الكفر بما أنزل الله-، وهو الكتاب المصدق لما معهم، أي أنهم اختاروا الكفر على الإيمان، وبذلوا أنفسهم فيه... أي: أنهم كفروا لمحض العناد الذي هو نتيجة الحسد، وكراهة أن ينزل الله الوحي من فضله على من يختار من عباده، ولا بغي أقبح من بغي من يريد الحجر على الله، فلا يرضى أن يجعل الوحي في آل إسماعيل، كما جعله من قبل في آل إسحاق66.
الصورة الرابعة: كراهية تنزل الخير على المؤمنين، (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [البقرة: ١٠٥].
والسبب في ذلك أنهم يرون أنفسهم أحق بأن يوحى إليهم، فيحسدونكم، وما يحبون أن ينزل عليكم شيء من الوحي، ثم بيّن سبحانه أن ذلك الحسد لا يؤثر في زوال ذلك، فإنه سبحانه وتعالى يختص برحمته وإحسانه من يشاء67.
والمراد من الخير في الآية: إما الوحي، أو القرآن، أو النصرة، أو ما اختص به رسول الله صلى الله عليه وسلم من المزايا، أو عام في أنواع الخير كلها؛ لأن المذكورين لا يودون تنزيل جميع ذلك على المؤمنين، عداوةً وحسدًا وخوفًا من فوات الدراسة وزوال الرياسة... (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) تذييل لما سبق68.
الصورة الخامسة: تمنيهم ردة المؤمنين عن دينهم، وعودتهم إلى دائرة الكفر ليكونوا سواء، (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [البقرة: ١٠٩].
إن التعبير بجملة: (ﮚ ﮛ ﮜ) متعلق بمحذوف وقع صفة؛ إما للحسد، أي: حسدًا كائنًا من أصل نفوسهم، فكأنه ذاتي لها، وفيه إشارة إلى أنه بلغ مبلغًا متناهيًا، وهذا يؤكد أمر التنوين إذا جعل للتكثير أو التعظيم، وإما الوداد المفهوم من (ﮎ)، أي: ودادًا كائنًا (ﮚ ﮛ ﮜ)، وتشهّيهم لا من قبل التدبر والميل إلى الحق69.
فهم يتمنون أن يرتد أهل الإيمان عن دينهم، ويتخلوا عن شريعة ربهم ليكونوا سواء في الباطل، إذ أنهم يشعرون؛ بل ويوقنون أن إيمان المؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم يكمن فيه الخير والصلاح، وبالتالي فنار الحسد لا تهدأ إلا إن ارتد هؤلاء عن دينهم، فخسروا هذا الخير المتمثل في الإسلام والقرآن.
وقال ابن عجيبة: «يتمنون ذلك من عند أنفسهم وتشهّيهم، أي: حسدًا حاصلًا من تلقاء أنفسهم، لم يستندوا فيه إلى شبهة ولا دليل»70.
إن للحسد آثارًا سيئة بغيضة مذمومة، يلمس شرها عامة الناس والتعرّف على هذه الآثار أمر مهم إعمالًا لمبدأ تهذيب النفس لتتجنبه وتبتعد عن مسبباته، وبيان ذلك فيما يأتي:
١. تكبّر الحاسد على أوامر الله سبحانه وتعالى، وسخط الله عليه.
والحاسد بفعله هذا يكون مشاركًا لإبليس -اللعين- عندما تكبر على أوامر الله عز وجل رافضًا السجود لآدم عليه الصلاة والسلام حسدًا منه لأبينا آدم على النعمة، والمكانة التي حباها الله تعالى بها، (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [البقرة: ٣٤].
قال قتادة: «حسد عدو الله إبليس آدم عليه السلام ما أعطاه من الكرامة، وقال: أنا ناري، وهذا طيني»71.
قال ابن القيم: «الحاسد شبيه بإبليس، وهو في الحقيقة من أتباعه؛ لأنه يطلب ما يحبه الشيطان من فساد الناس، وزوال نعم الله عنهم، كما أن إبليس حسد آدم لشرفه وفضله، وأبى أن يسجد له حسدًا، فالحاسد من جند إبليس»72.
٢. ادعاء الخيرية.
فقد ادعى إبليس الخيرية والأفضلية على آدم عليه السلام، كما في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [الأعراف: ١٢].
قال القرطبي: «قوله تعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) أي: منعني من السجود فضلي عليه»73. وقال الطبري: «يريد إبليس من جوابه: أنه أشد وأقوى وأفضل من آدم لفضل النار التي خلق منها، على الطين الذي خلق منه آدم»74.
٣. التسخط على قضاء الله لتفاوت الإنعام على الناس.
إن الحسد يجعل الفرد عدوًّا لنعم الله تعالى التي أنعم بها على عباده، فلسان حاله يقول: لم أنعمت هذه النعم على فلان وليس علي؟ ويكون متسخّطًا على قضاء الله سبحانه، والله تعالى يقول: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [الأنبياء: ٢٣].
فالمعنى: لا يسأله الخلق عن قضائه في خلقه، وهو يسأل الخلق عن عملهم؛ لأنهم عبيد75.
ومن هنا، فقد جعل سبحانه وتعالى الناس متفاوتين؛ لتستمر الحياة ويحصل التكامل بين البشر، وتتم سنة الابتلاء (ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ) [الأنعام: ١٦٥].
٤. النميمة.
وهي نقل الحديث من قوم إلى قوم على جهة الإفساد والشر76، أو من فرد إلى فرد، وقيل: النميمة: الوشاية، وأصل النميمة الهمس والحركة الخفيفة77.
فظهور هذه الآفة السيئة يؤدي إلى الإضرار بالمجتمع، واضطرابه، واهتزاز أركانه، وفساده؛ لأن الحاسد والعائن إن لم يستطع التأثير بنظره وقلبه، فإنه يسلك هذا السلوك؛ ليقضي مأربه ومبتغاه، بحسده وإيقاع الفساد بين الناس، وقد نهى الشارع الحكيم عن هذه الخصلة الذميمة، وهذا الخلق الدنيء، وحذّر من عاقبة النمّام الوخيمة، (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [القلم: ١٠-١١].
«أي: يمشي بالنميمة بين الناس؛ ليفسد بينهم»78، وقوله: (ﯣ) أي: كثير المشي، (ﯤ) «أي: بنقل ما قاله الإنسان في آخر وأذاعه سرًّا، لا يريد صاحبه إظهاره على وجه الإفساد للبين، مبالغ في ذلك بغاية جهده»79.
وفي الحديث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة نمام)80.
وفي رواية: (لا يدخل الجنة قتات)81.
٥. القتــل.
والحسد -هذه الصفة الذميمة المكروهة عند الناس- عندما تغلي في قلب الإنسان ونفسه، ولا يظهر أثرها العملي في المحسود، فإنها تجعل صاحبها يحرّك أعضاءه إلى جانب فكره؛ حتى يصل به الأمر إلى محاولة القتل، وهذا الأمر الجلي واضح في قصة ابني آدم عليه الصلاة والسلام حيث دفعه الحسد إلى ارتكاب جريمته في قتله أخيه.
قال تعالى في بيان هذه الحادثة: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [المائدة: ٢٧-٣٠].
قال ابن عاشور: «وإنما حمله على قتل أخيه حسده على مزية القبول، والحسد أول جريمة ظهرت على الأرض»82.
٦. انتشار الحقد والضغينة.
الحسد يزرع في القلب الضيق والكراهية، ويعمي البصيرة أن تنشرح لنعم غيرها من الناس، فتتقوى بسبب ذلك عوامل الحقد، وقطع التواصل، وتقل سلامة الصدر، ويدخل الحاسد في دائرة ذوي القلوب المريضة الحاقدة البغيضة.
قال تعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ)[محمد: ٢٩].
قال القرطبي: «الأضغان: ما يضمر من المكروه، واختلف في معناه، قال ابن عباس: حسدهم، والمعنى أم حسبوا أن لن يظهر الله عداوتهم وحقدهم لأهل الإسلام»83.
إن سلامة القلب ونقاءه تزهّد الشخص في الدنيا، بل تزيل الحسد من نفسه، كما وصف تعالى به أهل الجنة من صفاء للقلوب ونزع للغل من صدورهم، (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ)[الأعراف: ٤٣].
وقال الزحيلي: «ومن نعم الله تعالى على أهل الجنة صفاء نفوسهم وسلامة صدورهم، لا يكدرهم كدر، ولا يؤلمهم ألم، ولا يحزنهم فزع، ولا يحدث بينهم شر؛ لأن الله نزع ما في صدورهم من حسد وحقد وعداوة وغل ونحوها من أمراض النفس في الدنيا»84.
آثاره على المجتمع:
وكما أن الحسد له آثار على الفرد، فكذلك له آثار على المجتمع، فالفرد هو نواة المجتمع، وقد بيّن العلامة ابن جبرين رحمه الله آثار الحسد على المجتمع، فقال رحمه الله: «لقد أمر الله تعالى بالاستعاذة من شر الحاسد في قوله: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ)[الفلق: ٥].
وهذا دليل على أن له شرًّا وفيه ضررًا، ولا يتحصن منه إلا بالاستعاذة بالله تعالى؛ حيث إن الحسد من أعظم الأمراض الفتاكة بالمجتمع؛ فهو يجبر صاحبه على أصعب الأمور، ويبعده عن التقوى، فيضيق صدر الحسود، ويتفطّر قلبه إذا رأى نعمة الله على أخيه المسلم، ولقد كثر الحسد بين الأقران، والإخوان، والجيران، وكان من آثار ذلك التقاطع والتهاجر، والبغضاء والعداوة، فأصبح كل من الأخوين أو المتجاورين يتتبع العثرات، ويفشي أسرار أخيه، ويحرص على الإضرار به، والوشاية به عند من يضره أو يكيد له، ولا شك أن ذلك من أعظم المفاسد في المجتمعات الإسلامية، فإن الواجب على المسلمين أن يتحابوا، ويتقاربوا، ويتعاونوا على الخير والبر والتقوى، وأن يكونوا يدًا واحدة على أعدائهم من الكفار والمنافقين، فمتى أوقع الشيطان بينهم العداوة والبغضاء، وتمكنت من قلوبهم الأحقاد والضغائن، حصل التفرق والتقاطع، وصار كل فرد يلتمس من أخيه عثرة، أو زلة فيفشيها، ويعيبه بها، ويكتم ما فيه من الخير، ويسيء إلى سمعته»85.
١. تنفير الحاسد من الحسد.
إن الحسد خصلة ذميمة مكروهة لدى الناس الأتقياء الأنقياء، والله عز وجل أمرنا بالاستعاذة من الحاسد وشره (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [الفلق: ٥].
أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد نهى عن الحسد وحذر منه، فقال: (لا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا)86.
قال ابن حجر في شرح الحديث: «إن النهي عن التحاسد ليس مقصورًا على وقوعه بين اثنين فصاعدًا، بل الحسد مذموم، ومنهي عنه، ولو وقع من جانب واحد؛ لأنه إذا ذم مع وقوعه مع المكافأة فهو مذموم مع الإفراد بطريق الأولى»87.
٢. مباركة ما يعجبه إذا رآه.
إن مباركة الحاسد تكون بترديد ما يقرّر عظمة الله على لسانه مع استشعار ذلك بقلبه بجعله رطبًا بذكره سبحانه، وهذا من أولويات الأمور، والأسباب التي تمنع الحسد وتقضي عليه؛ لأن تفويض الأمر إلى الله تعالى من أعظم معاني عمق الإيمان.
يقول تعالى في الحث على التبريك: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ)[الكهف: ٣٩].
قال الطبري: «أي هلا إذا دخلت بستانك فأعجبك ما رأيت منه قلت: ما شاء الله كان، لا قوة على ما نحاول من طاعته إلا به سبحانه»88.
٣. حث الحاسد على إفشاء السلام.
إن لإفشاء السلام ميزة طيبة في حياة الفرد من صفاء القلب وسكون النفس، ونقائها؛ لما يشكله من محاولة دائمة لتوثيق علاقات المودة والقربى بين أفراد الجماعة المسلمة.
«وإفشاء السلام والرد على التحية بأحسن منها من خير الوسائل لإنشاء هذه العلاقات وتوثيقها»89، (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇ)[النساء: ٨٦].
٤. قراءة المحسود آيات من القرآن الكريم.
إن الله عز وجل لما أنزل القرآن الكريم جعله رحمة للناس وشفاء لقلوبهم وأبدانهم، وقد جاء في بعض آياته ما يتخذ كأوراد معالجات للأدواء وخاصة الحسد منها، مثل:
وهي قوله تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ)[البقرة: ٢٥٥].
قال القرطبي: «هذه آية الكرسي سيدة آي القرآن وأعظم آية..، نزلت ليلًا، ودعا النبي صلى الله عليه وسلم زيدًا فكتبها»90.
وقال ابن الجوزي عن تفسير هذه الآية: «روى مسلم في صحيحه عن أبي بن كعب91 أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله أعظم؟) قال: قلت: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ)؛ قال فضرب على صدري: وقال: (ليهنك العلم يا أبا المنذر)»92.
وهما قوله تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ) [البقرة: ٢٨٥-٢٨٦].
جاء في الحديث الصحيح عن أبي مسعود الأنصاري البدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه)93، وهما من قوله تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) إلى آخر السورة، قيل معناه: «كفتاه بركة وتعوذًا من الشياطين والمضار»94.
قال ابن حجر: «معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (كفتاه): كفتاه كل سوء، وقيل: كفتاه شر الشيطان، وقيل: دفعتا عنه شر الجن والإنس»95، وقال ابن بطال: «إذا كان من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة كفتاه، ومن قرأ آية الكرسي كان عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح، فما ظنك بمن قرأها كلها من كفاية الله له، وحرزه، وحمايته من الشيطان وغيره، وعظيم ما يدخر له من ثوابها»96.
يقول الرازي في تفسير قوله تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [الفلق: ٥].
«من المعلوم أن الحاسد هو الذي تشتد محبته لإزالة نعمة الغير إليه، ولا يكاد يكون كذلك؛ إلا ولو تمكن من ذلك بالحيل لفعل، فلذلك أمر الله بالتعوذ منه، وقد دخل في هذه السورة كل شر يتوقى ويتحرّز منه دينًا ودنيا؛ فلذلك لما نزلت فرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بنزولها؛ لكونها مع ما يليها جامعة في التعوذ لكل أمر»97.
وقال الطبري: «أي نستعيذ بالله من شر الحاسد الذي يحسد»98.
وقال ابن عاشور: «والغرض منها تعليم النبي صلى الله عليه وسلم كلمات للتعوذ بالله من شر ما يتقى شره من المخلوقات الشريرة، والأوقات التي يكثر فيها حدوث الشر، فعلّم الله نبيه هذه المعوذة ليتعوذ بها، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ بهذه السورة وأختها99، ويأمر أصحابه بالتعوذ بهما، فكان التعوذ بهما من سنة المسلمين»100، عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألم تر آيات أنزلت الليلة لم ير مثلهن قط؟ (قل أعوذ برب الفلق)، و(قل أعوذ برب الناس)101، قال النووي: «في هذا الباب؛ أي باب فضل قراءة المعوذتين: فيه بيان عظم فضل هاتين السورتين»102.
«وقد دل فعل النبي صلى الله عليه وسلم في رقية نفسه عند شكواه، وعند نومه متعوذًا بهما على عظيم البركة في الرقي بهما، والتعوذ بالله من كل ما يخشى في النوم»103.
٥. الاستعاذة بالله من الشيطان وأتباعه.
إن الاستعاذة بالله -أي: اللجوء بحماه- سلاح قوي شديد الفعالية وخاصة في جانب الشيطان، فإنك عندما تستعيذ بالله منه فإنه يخنس ويضعف أو تنعدم وسوسته لابن آدم فلا يرتكب المحظور، (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ)[الأعراف: ٢٠٠].
«ونزغ الشيطان: وساوسه، (ﭾ): يصيبنك، ويعرض لك عند الغضب وسوسة بما لا يحل، (ﮂ ﮃ) أي: اطلب النجاة من ذلك بالله، فأمره تعالى أن يدفع الوسوسة بالالتجاء إليه، والاستعاذة به»104.
«وتأمل حكمة القرآن كيف جاء في الاستعاذة من الشيطان الذي نعلم وجوده ولا نراه بلفظ «السميع العليم» و«حم» السجدة، وجاءت الاستعاذة من شر الإنس الذين يؤنسون، ويرون بالأبصار بلفظ «السميع البصير في حم المؤمن» فقال تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ)[غافر: ٥٦].
لأن أفعال هؤلاء معاينة ترى بالبصر، وأما نزغ الشيطان، فوساوس، وخطرات يلقيها في القلب، يتعلق بها العلم، فأمر بالاستعاذة بالسميع العليم فيها، وأمر بالاستعاذة بالسميع البصير في باب ما يرى بالبصر، ويدرك بالرؤية»105.
٦. المحافظة على الأذكار والاستغفار.
(ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ)[البقرة: ١٥٢].
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من عبد يقول في صباح كل يوم، ومساء كل ليلة: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات، فيضره شيء)106.
ويقول أيضًا: (من نزل منزلًا ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك)107، وقوله صلى الله عليه وسلم: (أعوذ بكلمات الله التامات)، قيل معناه: «الكاملات لا يدخل فيها نقص ولا عيب، وقيل: النافعة الشافية، وقيل: المراد بالكلمات هنا القرآن»108، فالإتيان بالأذكار السابقة تحصيل لحفظ الله تعالى من السوء والمكروه، ومن كيد الشيطان ووسوسته، ومن كيد الحساد وعيونهم وأضرارهم.
٧. المحافظة على صلاة الفجر.
إن لصلاة الفجر وقعًا خاصًّا في نفس المسلم وقلبه؛ فهي تذكّر ظلمة القبر ورهبته، إلا أن قلب الإنسان ونفسه سرعان ما تهدأ وتطمئن، عند تذكر قوله تعالى: (ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ)[الإسراء: ٧٨].
فهي صلاة تشهدها الملائكة، وتحضرها، وتشهد لمن صلاها، وهذا من الأمور التي تعطي المسلم شيئًا من الطمأنينة بجانب الخوف والرجاء والرهبة.
قال الرازي: «قوله: (ﭴ ﭵ)؛ أجمعوا على أن المراد منه صلاة الصبح»109.
فمن يصلي الفجر في جماعة فهو في حماية الله تعالى وكنفه، ورعايته، وحفظه، يدافع عنه ويمنع التعرض له بأي سوء سواء أكان من حسد أم غيره.
٨. الصبر.
إن الصبر على المصاب وعدم التفكير فيه يجعل العبد يرضى عن الله بلا ضجر أو تسخط، وهو من الأمور المعالجة للنفس والبدن من جميع الآفات بما فيها الحسد؛ لأن من صبر مع فهمه عمق الاحتساب عند الله، وتلذذه بحب الطاعات؛ فقد عالج نفسه، وأتى لها بما يحقق لها السعادة والاطمئنان بأن الله تعالى بيده الخير، وهو قادر على رد كل أذى أو كيد أو شر، (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ)[آل عمران: ١٢٠].
«وقصة سيدنا يعقوب عليه السلام خير شاهد في الصبر على البلاء؛ حيث مكث فترة طويلة، ورجاؤه لا يتغير بعودة يوسف، فلما ضم إلى فقد يوسف، فقد بنيامين لم يتغير أمله، وقال: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ)[يوسف: ٨٣].
وبعد انتظاره وجلده جمعه الله تعالى بولديه، ولمّ شمل الأهل بعد الفراق الذي سببه الحسد الواقع من قبل أولاده لأخيهم يوسف، وكان إكرام الله ليوسف عليه السلام لصبره، واحتسابه أن رفعه على إخوته، وأعطاه حكم مصر بعد أن لقي ما لقي من التعب والعنت»110.
١. الإخلاص لله تعالى.
إن إخلاص المسلم لله تعالى من القربات والطاعات التي يتحصل بها الحفظ والحماية من الله لعباده المخلصين (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ)[يوسف: ٢٤].
قال الرازي: «قوله (ﮁ)؛ فيه قراءتان، تارة اسم الفاعل، وأخرى اسم المفعول، فوروده باسم الفاعل يدل على كونه آتيًا بالطاعات، والقربات مع صفة الإخلاص، ووروده باسم المفعول يدل على أن الله تعالى استخلصه لنفسه، واصطفاه لحضرته، وعلى كلا الوجهين، فإنه من أدل الألفاظ على كونه منزهًا عما أضافوه إليه، وقوله تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ)، فكان هذا إقرار من إبليس بأنه ما أغواه، وما أضله عن طريقة الهدى»111.
٢. الإيمان بقضاء الله تعالى وقدره.
«فالله سبحانه قدّر الأشياء، أي: علم مقاديرها، وأحوالها، وأزمانها قبل إيجادها، ثم أوجد منها ما سبق في علمه أنه يوجد على نحو ما سبق في علمه، فلا يحدث حدث في العالم العلوي والسفلي إلا وهو صادر عن علمه تعالى، وقدرته وإرادته دون خلقه، وأن الخلق ليس لهم فيها إلا نوع اكتساب، ومحاولة ونسبة، وإضافة، وأن ذلك كله إنما حصل لهم بتيسير الله تعالى، وبقدرته، وتوفيقه، وإلهامه»112.
«فمذهب أهل الحق إثبات القدر، ومعناه: أن الله سبحانه وتعالى قدّر الأشياء في القدم، وعلم سبحانه وتعالى أنها ستقع في أوقات معلومة عنده سبحانه وتعالى، وفي أمكنة معلومة، وهي تقع على حسب ما قدّره الله سبحانه وتعالى»113.
٣. تقوى الله والتوكل عليه.
إن تقوى الله عز وجل وحفظه والتوكل عليه، والالتجاء بكنفه وتفويض الأمر إليه تمثّل أمرًا عظيمًا في حياة الأمة، وبناء النفوس على أساس الرضا والمحبة والسلامة، وبالتالي الإعانة في الاستشفاء من الآفات والأمراض بعمومها، (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ)[الطلاق: ٣].
(ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) ومن يتق الله في كل أموره ويفوّضها إليه، فهو حسبه وكافيه، وقوله: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) والمعنى أن الله بالغ أمره على كل حال، سواء توكل العبد على ربه أو لم يتوكل عليه غير أن المتوكل عليه يكفر عنه سيئاته، ويعظم له أجرًا.
قال ابن مسعود: «إن أكبر آية في القرآن تفويضًا، هي قوله تعالى: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮮ ﮯ ﮰ ﮱ)»114، «أي من فوّض إليه أمره كفاه ما أهمّه»115.
فكل من الحاسد والمحسود إذا أرادا أن يتخلصا من الآفات والمسببات، من الحسد وآثاره، فقد وجب عليهما أن يجعلا من تقوى الله والتوكل عليه سلاحًا مانعًا؛ ليتحقق لهما الخير والسعادة والعيش براحة ودون مكدرات.
٤. الدعاء.
إن الدعاء سلاح قوي وله أثر فعّال، ويكون بالاتصال المباشر مع الله عز وجل من غير وساطة بين العبد وربه، ومما يدل عليه قوله تعالى: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ)[البقرة: ١٨٦].
عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الدعاء هو العبادة، ثم قرأ: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ)[غافر: ٦٠])، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس شيء أكرم على الله سبحانه من الدعاء)116.
٥. الصدقة والإحسان.
إن للإحسان أثرًا عظيمًا في حياة المسلم، وسلوكه؛ إذ يحمله على التنازل عن المسيء، وهذه الدرجة عالية ليست إلا للمحسنين، (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ)[آل عمران: ١٣٤].
وفي الآية التي قبلها جاء الأمر من العلي الجليل بالمسارعة إلى المغفرة وطلبها منه سبحانه: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ)[آل عمران: ١٣٣].
فجاء الترغيب في الجنة، والعمل من أجلها، وأنها أعدّت للمتقين، الذين وصفهم الله تعالى بأنهم يبذلون ويتصدقون في الرخاء والشدة مما أعطاهم الله سبحانه، ويكبحون جماح غيظهم، وغضبهم، وأذاهم عمن أساء بل يصل الأمر إلى العفو وفوق ذلك الإحسان إلى المسيء أيضًا، فهذه صفات عظيمة من اتصف بها وتربع في رحابها جعله الله سبحانه من أهل الجنان117.
فالمحسن من الناس يستولي على قلوب المحسن إليهم، فيجعلهم يلهجون بالدعاء له ويدافعون عنه فلا يصل إليه حاقد ولا ينظر إليه حاسد، وإن كان من الجانب الآخر (المحسود) فإن عفوه عمن ظلمه وأساء إليه من أسباب علاجه وتحقق الرضا له.
٦. التوبة.
قد يغفل الإنسان أحيانًا، وخاصة عندما يتعلق قلبه بالدنيا وأمورها، فيكون التنبيه والتحذير من الله عز وجل للإنسان ليرعوي ويعود إليه سبحانه، فمنهم من يعتبر ومنهم من يتمادى -ولا حول ولا قوة إلا بالله-، (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ)[الشورى: ٣٠].
«فقوله تعالى: (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ)، أي مصيبة كانت من مصائب الدنيا، كالمرض وسائر النكبات، (ﰁ ﰂ ﰃ)، أي: سبب معاصيكم التي اكتسبتموها، (ﰄ ﰅ ﰆ)، أي: من الذنوب فلا يعاقب عليها بمصيبة عاجلة، وجوز كون الموراد بالكثير من الناس، والظاهر الأول، وهو الذي تشهد له الأخبار»118.
قال سيد قطب رحمه الله: «في الآية يتجلى عدل الله، وتتجلى رحمته بهذا الإنسان الضعيف، فكل مصيبة تصيبه لها سبب مما كسبت يداه، ولكن الله لا يؤاخذه بكل ما يقترف؛ وهو يعلم ضعفه وما ركّب في فطرته من دوافع تغلبه في أكثر الأحيان، فيعفو عن كثير»119.
٧. الاغتسال للمعين إذا عرف العائن.
إن الحسد شر مستطير، وآفة مقيتة مبغوضة، تعافها النفوس الطائعة لله تعالى، السائرة على صراطه المستقيم وتكرهها، فإن من اتصف بهذه الصفة، إن حدثته نفسه بذلك استعاذ بالله من شرها وعصاها؛ ومع ذلك فقد يقع الحسد أو تصادف العين ما يعجبها فتؤثر فيه، وهذا كله بأمر الله تعالى، فإذا عرف الحاسد، أو العائن، فقد جاء الأمر من النبي صلى الله عليه وسلم بأن يغتسل العائن للمعين بقوله صلى الله عليه وسلم: (العين حق... وإذا استغسلتم فاغسلوا)120.
وفي حديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن أباه حدّثه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وساروا معه نحو مكة حتى إذا كانوا بشعب الخرار من الجحفة اغتسل سهل بن حنيف، وكان رجلًا أبيض، حسن الجسم والجلد، فنظر إليه عامر بن ربيعة أخو بني عدي بن كعب، وهو يغتسل، فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة، فلبط سهل، أي: صرع، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل له: يا رسول الله، هل لك في سهل، والله ما يرفع رأسه، وما يفيق، قال: (هل تتهمون فيه أحدًا؟) قالوا: نظر إليه عامر بن ربيعة، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عامرًا، فتغيظ عليه، وقال: (علام يقتل أحدكم أخاه؟ هلا إذا رأيت ما يعجبك برّكت، ثم قال له: اغتسل له)، فغسل وجهه، ويديه، ومرفقيه، وركبتيه، وأطراف رجليه، وداخلة إزاره121 في قدح، ثم صب ذلك الماء عليه، يصبّه رجل على رأسه، وظهره من خلفه، ثم يكفئ القدح وراءه، ففعل به ذلك، فراح سهل مع الناس ليس به بأس)122.
وطريقة الغسل هي: «يؤتى بقدح من ماء، ولا يوضع القدح بالأرض، فيأخذ منه العائن غرفة فيتمضمض بها، ثم يمجها في القدح، ثم يأخذ منها ما يغسل به وجهه، ثم يأخذ بشماله ما يغسل به كفه اليمنى، ثم بيمينه ما يغسل به كفه اليسرى، وبشماله ما يغسل به مرفقه الأيمن، ثم بيمينه ما يغسل به مرفقه الأيسر، ولا يغسل ما بين المرفقين والكفين، ثم قدمه اليمنى، ثم اليسرى، ثم ركبته اليمنى ثم اليسرى على الصفة، والرتبة المتقدمة، وكل ذلك في القدح، ثم داخلة إزاره، وهو الطرف الذي يلي حقوه الأيمن، وقد ذكر بعضهم: أن داخلة الإزار يكنى به عن الفرج، وجمهور العلماء على ما قلناه، فإذا استكمل هذا صبه من خلفه على رأسه...، وهذا المعنى لا يمكن تعليله، ومعرفة وجهه»123.
موضوعات ذات صلة: |
الشر، الشيطان، الظلم |
1 ديوان أبي تمام، ٢/٣١١.
2 انظر: مقاييس اللغة/ ابن فارس ٢/٦١، الصحاح، الجوهري ٢/٥٤٦، لسان العرب، ابن منظور ٣/١٤٨-١٤٩.
3 لسان العرب، ابن منظور ٣/٤٣٨، القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص٢٧٧.
4 الكليات، الكفوي ص٤٠٨.
5 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٣٠/٦٢٩.
6 رياض الصالحين، النووي ص ٤٦٦.
7 فتح القدير، الشوكاني ٥/١٩٤.
8 مجموع فتاوى ابن تيمية، ١٠/١١١.
9 العين والحسد وعلاجها، ملفي الشهري، ص ١٤.
10 مفاتيح الغيب، الرازي ١٦/ ١٩٥.
11 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص٢٠١، المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، باب الحاء ص٤٣٣.
12 انظر: الصحاح، الجوهري، ٢/٤٦٥، مقاييس اللغة، ابن فارس، ٤/٤١١، لسان العرب، ابن منظور، ٣/١٤٨-١٤٩، القاموس المحيط، الفيروآبادي، ص٢٧٧.
13 مختار الصحاح، لرازي ص٣١٦.
14 مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/٤٦١.
15 المفردات، الأصفهاني، ص ٨١٨.
16 إحياء علوم الدين، الغزالي، ٣/ ١٨٩.
17 مقاييس اللغة، ابن فارس ١/ ٥٣.
18 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٨/ ٢٦.
19 التعريفات، الجرجاني ص ٤٠.
20 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٧/٣٥٩، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ٢/٦٤٣.
21 لسان العرب، ابن منظور ٧/٣٥٩.
22 مفاتيح الغيب ٣/٦٤٦.
23 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب الاغتباط في العلم، ١/٢٥، رقم ٧٣، ومسلم في صحيحه، كتاب، باب فضل من يقوم بالقرآن، ١/٥٥٨، رقم ٨١٥.
24 المنهاج شرح صحيح مسلم ٦/٩٧.
25 جامع البيان، الطبري، ٢٥/ ٩٥.
26 مفاتيح الغيب، الرازي، ٢٦/١٧٩، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير،، ٧/ ٤٧.
27 روح المعاني، الألوسي، ٢٣/ ١٦٨، اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل الحنبلي ١٦/٣٧٩.
28 تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص ١٧٦.
29 في ظلال القرآن ٢/٦٤٢.
30 إحياء علوم الدين، ٣/ ١٩٤.
31 انظر: إحياء علوم الدين، الغزالي ٣/ ١٩٢.
32 مفاتيح الغيب، الرازي، ١٢/ ٢٣٧، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٣/ ٢٣٣، روح المعاني، الألوسي، ٧/ ١٦٢.
33 إحياء علوم الدين، الغزالي، ٣/ ١٩٤.
34 أخرجه النسائى في سننه، ٦/١٢، رقم ٣١٠٩، والحاكم في المستدرك، ٢/٨٢، رقم ٢٣٩٤. وقال: «صحيح على شرط مسلم»، ولم يتعقبه الذهبي.
35 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الإسراء إلى السماوات، وفرض الصلوات، رقم ١٦٢، ١/ ١٤٥-١٤٦، جزء من حديث طويل.
36 التفسير المنير، الزحيلي ١٢/ ٢٥٨.
37 مفاتيح الغيب، الرازي، ١٨/ ١٧٢، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٤/ ٣٤٢، روح المعاني، الألوسي، ١٣/ ١٥، التفسير المنير، الزحيلي، ١٣/ ٢٥.
38 انظر: جامع البيان، الطبري، ٢٠/ ١١٥، مفاتيح الغيب، الرازي، ٢٥/ ١٧.
39 انظر: جامع البيان، الطبري، ١٢/ ١٥٢، التفسير المنير، الزحيلي، ١٢/ ٢٠٧.
40 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٢/٢١٣.
41 تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص ٤٢.
42 البحر المحيط، أبو حيان، ١/ ٢٤٥.
43 تفسير ابن أبي حاتم، ١/ ٧٢.
44 مفاتيح الغيب، الرازي، ١٤/ ٣٢.
45 الكشاف، الزمخشري، ٢/ ٦٩.
46 تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص ٤٧١.
47 مفاتيح الغيب، الرازي، ٢٢/ ١٢٤.
48 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل، ١٦/ ٤٥٣.
49 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ١١/ ٢٠٤، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٣/ ٧٥، تفسير المراغي، المراغي، ٦/ ٩٧.
50 جامع البيان، الطبري، ٤/١٩١، تفسير المراغي، المراغي، ٦/ ٩٨.
51 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ١١/٢٠٨، زاد المسير، ابن الجوزي، ٢/ ٢٠٠، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٦/١٣٣.
52 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٦/ ١٣٥.
53 فتح القدير، ٣/ ٦-٧.
54 روح المعاني، الألوسي، ١٢/ ١٧٦.
55 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ١٨/ ٩٣، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٤/ ٣١٩.
56 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/ ٣١٨، زاد المسير، ابن الجوزي، ٤/ ١٣٨.
57 انظر: جامع البيان، الطبري، ١٢/ ١٥٢.
58 تفسير الخازن المسمى لباب التأويل، ٣/ ٦.
59 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٤/ ٣١٩.
60 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ١٢/ ٢٢٣.
61 مفاتيح الغيب، الرازي، ١٨/ ٩٩.
62 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ١٨/ ١٠٠، روح المعاني، الألوسي، ١٢/ ١٩٩.
63 التفسير الواضح، محمد حجازي، ١/ ٥٣.
64 انظر: روح المعاني، الألوسي، ١/ ٣١٨.
65 تيسير الكريم الرحمن، السعدي،ص ٨٨.
66 تفسير المراغي، ١/ ١٦٨.
67 مفاتيح الغيب، الرازي، ٣/ ٢٢٥.
68 روح المعاني، الألوسي، ١/ ٣٥٠.
69 روح المعاني، الألوسي، ١/ ٣٤٧.
70 البحر المديد، ابن عجيبة، ١/ ١٢٧.
71 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ١/٢٣١.
72 بدائع الفوائد ٢/٢٣٤.
73 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٧/ ١٥٣.
74 جامع البيان، الطبري، ٨/ ١٣١.
75 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١١/ ٢٤٦.
76 النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير، ٥/ ١٢٠.
77 المفردات، الأصفهاني،ص ٨٢٥.
78 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي، ٨/ ٩٥، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٨/٢٠٣، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٨/ ٢٠٩.
79 نظم الدرر، البقاعي ٨/ ١٠١.
80 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان غلظ تحريم النميمة، ١/ ١٠١، رقم ١٠٥.
81 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب مايكره من النميمة، ٧/١١٤، رقم ٦٠٥٦، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان غلظ تحريم النميمة، ١/ ١٠١، رقم ١٠٥.
والقتات: هو النمام، وقيل: النمام الذي يكون مع القوم يتحدثون فينم عليهم، والقتات الذي يتسمع على القوم وهم لا يعلمون ثم ينم.
انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير ٤/ ١١.
82 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٦/ ١٧٠.
83 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٦/ ٢١٤.
84 التفسير المنير، الزحيلي، ٨/ ٢٠٩.
85 رسالة في الحسد، ابن جبرين ص ١٠.
86 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب ما ينهى عن التحاسد والتدابر، ٧/ ١١٦، رقم ٦٠٦٤، ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة، باب تحريم الظن والتجسس والتناجس، ٤/ ١٩٨٥، رقم ٢٥٦٣.
87 فتح الباري، ابن حجر، ١١/ ٢٧٤.
88 جامع البيان ١٥/ ٢٤٥.
89 في ظلال القرآن، سيد قطب، ٢/ ٧٢٦.
90 الجامع لأحكام القرآن، ٣/ ٢٥٦.
91 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل سورة الكهف وقراءة آية الكرسي، ١/٥٥٦، رقم ٨١٠.
92 زاد المسير، ابن الجوزي، ١/ ٢٥٠.
93 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل القرآن، باب فضل سورة البقرة، ٦/١٢٦، رقم ٥٠٠٩، ومسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل الفاتحة وخواتيم سورة البقرة، ١/٥٥٥، رقم ٨٠٨.
94 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٣/ ١٤٣.
95 فتح الباري، ابن حجر، ١٠/٦٧.
96 شرح صحيح البخاري، ١٠/ ٢٤٧.
97 مفاتيح الغيب، الرازي، ١٦/ ١٩٦.
98 جامع البيان، الطبري، ٣٠/ ٣٥٤.
99 أي: سورة الناس.
100 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٣٠/ ٦٢٥.
101 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل قراءة المعوذتين، ١/٥٥٨، رقم ٨١٤.
102 المنهاج شرح صحيح مسلم، النووي، ٦/ ٩٦.
103 المصدر السابق.
104 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٧/ ٣٠٤، روح المعاني، الألوسي، ٩/ ١٤٧.
105 تفسير المعوذتين، ابن تيمية، ص ١٢٩.
106 أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الدعاء، باب ما يدعو به الرجل إذا أصبح وإذا أمسى، ٢/١٢٧٣، رقم ٣٨٦٩.
وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، ٢/٣٣٢، رقم ٣١٢٠.
107 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب في التعوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء وغيره، ٤/٢٠٨٠، رقم ٢٧٠٨.
108 المنهاج شرح صحيح مسلم، النووي، ١٧/ ٣١.
109 مفاتيح الغيب، ٢١/ ٢٧.
110 تفسير المراغي، ١٣/ ٤٤.
111 مفاتيح الغيب، ١٨/ ١١٦.
112 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٧/ ١٢٩.
113 شرح الأربعين النووية ص ٢١.
114 أخرجه الطبري في تفسيره ٢٨/ ١٣٩.
115 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٨/ ١٤٥.
116 أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الدعاء، باب فضل الدعاء، ٢/١٢٥٨، رقم ٣٨٢٩.
وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، ٢/٢٣٤، رقم ٣٠٨٧.
117 جامع البيان، الطبري، ٤/ ٩١.
118 روح المعاني، الألوسي، ٢٥/ ٤٠.
119 في ظلال القرآن، ٥/ ٣١٥٩.
120 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب السلام، باب الطب والمرض والرقى، ٤/١٧١٩، رقم ٢١٨٨.
121 داخلة الإزار: طرف الإزار الذي يلي جسد المؤتزر.
انظر: النهاية في غريب الحديث، ابن الأثير، ٢/ ١٠٧.
122 أخرجه أحمد في مسنده، ٢٥/٣٥٥، رقم ١٥٩٨٠، وابن ماجه في سننه، كتاب الطب، باب العين، ٢/١١٦٠، رقم ٣٥٠٩، ٢/ ١١٦٠.
وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، ٢/٢٦٥، رقم ٢٨٢٨.
123 المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، القرطبي، ٥/٥٦٧، رقم ٢١٢٨.