عناصر الموضوع
الحزن
أولًا: المعنى اللغوي:
الحاء والزّاء والنّون أصلٌ واحدٌ، وهو خشونة الشّيء وشدّةٌ فيه1.
وللعرب في الحزن لغتان، إذا فتحوا ثقلوا، وإذا ضَمُّوا خفّفوا، يقال: أصابه حَزَنٌ شديدٌ، وحُزْنٌ شديد2.
والحَزَن والحُزْن: ضدّ الفرح وخلاف السّرور، والحزن يأتي بمعنى: الهمّ. والحزونة: الخشونة، والحزن: ما غلظ من الأرض3.
قال الرّاغب: «الحُزْن والحَزَن: خشونة في الأرض، وخشونة في النفس؛ لما يحصل فيه من الغمّ، ويضادّه الفرح، ولاعتبار الخشونة بالغم، قيل: خشّنت بصدره: إذا حزّنته، يقال: حَزِن يَحْزَن، وحَزَنْتُه وأَحْزَنْتُه4.
والحَزُون: الشاة السَّيِّئة الخُلُق. ورجلٌ حَزَنٌ، أي: غير سهل الخُلُق. وتَحَزَّن عليه: توجّع. ويقال: أحزنه: جعله حزينًا، وحَزَنَهُ: جعل فيه حُزْنًا. وهو يقرأ بالتّحزين: يرقّق صوته5.
ومن خلال ما سبق تبين أن الحزن يتمركز معناه اللغوي حول الهم والغم والخشونة والغلظة أو الشدة في الشيء، وهو ضد الفرح والسرور.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
قال السمعاني: «الحزن: ألم القلب بفراق المحبوب»6.
وقال الجرجاني: «الحزن: عبارة عمّا يحصل لوقوع مكروه، أو فوات محبوب في الماضي»7.
وقال المناويّ: الحَزَن بالفتح: ما غلظ وخشن من الأرض. وبالضم: الغمُّ الحاصل لوقوع مكروه أو فوات محبوب في الماضي، ويضاده الفرح»8.
وعرفه محمد رشيد رضا بقوله: «الحزن ألمٌ يلمّ بالنّفس عند فقد محبوبٍ أو امتناع مرغوبٍ، أو حدوث مكروهٍ»9.
والمتدبر في المعنيين يجد اتصالًا بينهما، حيث إن المعنى الاصطلاحي يعني: الغم أو ألم القلب الحاصل لوقوع مكروه، أو فوات محبوب، أو امتناع مرغوب. وهذا مرتبط بمعنى الحزن في اللغة التي هي بمعنى الهم والغم من جهة، ومن جهة أخرى أن الخشونة والغلظة أو الشدة تحصل في النفس من الغمّ والهم. فالهم والغم سبب لخشونة النفس وغلظتها.
ورد الجذر (ح ز ن) في القرآن (٤٢) مرة10.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل المضارع |
٣٧ |
(ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [التوبة:٤٠] |
المصدر |
٢ |
(ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [يوسف:٨٤] |
اسم |
٣ |
(ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [فاطر:٣٤] |
وجاء الحزن في الاستعمال القرآني بمعناه في اللغة وهو: خشونة في النفس لما يحصل فيه من الغمّ، ويضادّه الفرح11.
الكآبة:
الكآبة لغة:
أصل مادة (ك ء ب) تدلّ على انكسارٍ وسوء حالٍ. من ذلك الكآبة. يقال: كَأَبةٌ وكَآبةٌ12.
الكآبة اصطلاحًا:
«هي سوء الحال والانكسار من الحزن»13.
الصلة بين الحزن والكآبة:
«الكآبة أثر الحزن البادي على الوجه، ومن ثم يقال: عليه كآبة، ولا يقال علاه حزن أو كرب؛ لأن الحزن لا يرى ولكن دلالته على الوجه وتلك الدلالات تسمى كآبة، والشاهد قول النابغة:
إذا حلَّ بالأرض البرية أصبحت كئيبةَ وجه غَبُّها غير طائل
فجعل الكآبة في الوجه»14.
الغم:
الغم لغة:
الغَمُّ والغُمُّة: الكرب. والغَمّ: ستر الشيء، ومنه: الغمام لكونه يستر ضوء الشمس. والغُمَّى مثله، ومنه: غُمَّ الهلال، ويوم غَمّ، وليلة غُمّة وغُمّى، وغمّه الأمر، أي: كَرَبَه. يقال: غَمٌ وغُمّةٌ. أي: كَرْب وكُرْبة15.
الغم اصطلاحًا:
هو الكرب أو الحزن يحصل للقلب بسبب ما16.
الصلة بين الحزن والغم:
الغم: معنى ينقبض القلب معه، ويكون لوقوع ضرر، أو توقعه، وقد سمي الحزن الّذي تطول مدّته حتّى يذيب البدن هَمًّا، واشتقاقه من قولك: انهَمَّ الشّحم إذا ذاب، وهَمَّهَ: أذابه17.
الأسف:
الأسف لغة:
أشدّ الحزن. وقد أسف على ما فاته وتأسّف، أي: تلهف. وأسف عليه أَسَفًا، أي: غَضِب. وآسَفَه: أَغْضَبه. والأَسِيفُ: السريع الحزن ، وقد يكون الأسيف: الغضبان مع الحزن18.
الأسف اصطلاحًا:
هو الحزن والغضب معًا، وقد يقال لكل منهما منفردًا، فمتى كان على من دونه أو من فوقه انتشر فصار غضبًا، أو من قوته انتشر فصار حَزَنًا وجَزَعًا19.
الصلة بين الحزن والأسف:
الحَزَن: هو الأسف على ما فات، والأسف: أشد الحزن20.
الحسرة:
الحسرة لغة:
أصل مادة (ح س ر) تدل على كشف الشّيء. والحَسْرَة: التّلهّف على الشّيء الفائت. ويقال: حَسِرْت عليه حَسَرًا وحَسْرَةً، وذلك انكشاف أمره في جزعه وقلّة صبره21.
الحسرة اصطلاحًا:
هي الغم على ما فات والندم عليه، كأنه انحسر عنه الجهل الذي حمله على ما ارتكبه22.
وقيل: هي بلوغ النهاية في التلهف حتى يبقى القلب حسيرًا لا موضع فيه لزيادة التلهف، كالبصر الحسير لا قوة فيه للنظر23.
الصلة بين الحزن والحسرة:
الحسرة غم يتجدّد لفوت فائدة24، والحسرة شدّة التّلهّف والحزن على شيء فات25.
قال الجرجاني: «كل ما في القرآن من حسرة فهي الندامة، إلّا (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [آل عمران:١٥٦]، فإن معناه الحزن»26.
الهم:
الهم لغة:
ما هممت به في نفسك. تقول: أهمّني هذا الأمر. والهمّ: الحزن. والهمّة: ما هممت به من أمرٍ لتفعله. يقال: إنّه لعظيم الهمّة، وإنّه لصغير الهمّة. ويقال: أهمّني الشّيء، أي: أحزنني. وهمّني، أذابني. والمهمّات من الأمور: الشّدائد27.
الهم اصطلاحًا:
الهم الحزن الذي يذيب الإنسان. يقال: هممت الشحم فانهمّ، والهمّ: ما هممت به في نفسك، وهو الأصل28.
الصلة بين الحزن والهم:
الهم يغلظ النّفس، والحزن يقبضها، والحزن يفيد غلظ الهم29.
قال ابن القيم: «المكروه الوارد على القلب إن كان من أمر ماض أحدث الحزن، وإن كان من مستقبل أحدث الهم، وإن كان من أمر حاضر أحدث الغم»30.
الفرح:
الفرح لغة:
يقال فرح يفرح فرحًا، فهو فرحٌ على خلاف الحزن31.
الفرح اصطلاحًا:
«انشراح الصّدر بلذّة عاجلة، وأكثر ما يكون ذلك في اللّذات البدنيّة الدّنيوية»32.
الصلة بين الحزن والفرح:
الحزن ضد الفرح، فهو يحصل لوقوع مكروه، أو فوات محبوب، أما الفرح فيحصل بنيل القلب مشتهاه.
روى البيهقي عن ابن عبّاسٍ في قوله: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [الحديد:٢٣].
قال: «ليس أحدٌ إلّا وهو يفرح ويحزن، ولكن إذا أصابته مصيبة جعلها صبرًا، فإن أصابه خيرٌ جعله شكرًا»33.
فالحزن يعد أمرًا فطريًّا طبيعيًّا، يستجيب له الإنسان بشكل لا شعوري، فيحزن على ما فاته، أو أصابه من مصائب الدنيا؛ التي لا تخلو حياة الإنسان منها؛ كفقد الأحبة، أو جفوتهم، أو غير ذلك من المكروهات التي تصيب الإنسان.
فهذا نبي الله يعقوب عليه السلام يحزن على فقد ولده يوسف عليه السلام حزنًا شديدًا كاد يهلك من شدته.
يقول الله تعالى: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [يوسف:٨٤-٨٦].
يقول السعدي: «أي: وتولى يعقوب عليه الصلاة والسلام عن أولاده بعد ما أخبروه هذا الخبر، واشتد به الأسف والأسى، وابيضت عيناه من الحزن الذي في قلبه، والكمد الذي أوجب له كثرة البكاء، حيث ابيضت عيناه من ذلك. (ﯨ ﯩ) أي: ممتلئ القلب من الحزن الشديد، (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) أي: ظهر منه ما كمن من الهم القديم والشوق المقيم، وذكرته هذه المصيبة الخفيفة بالنسبة للأولى، المصيبة الأولى.
فقال له أولاده متعجبين من حاله: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) أي: لا تزال تذكر يوسف في جميع أحوالك. (ﯰ ﯱ ﯲ) أي: فانيًا لا حراك فيك ولا قدرة على الكلام.
(ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) أي: لا تترك ذكره مع قدرتك على ذكره أبدًا.
(ﯸ) يعقوب (ﯹ ﯺ ﯻ) أي: ما أبث من الكلام (ﯼ) الذي في قلبي (ﯽ ﯾ) وحده، لا إليكم ولا إلى غيركم من الخلق، فقولوا ما شئتم (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) من أنه سيردهم علي ويقر عيني بالاجتماع بهم»34.
وهذه مريم بنت عمران عندما جاءها المخاض وهي وحيدة فريدة، رثت لحالها وحزنت على نفسها، وهذه نتيجة طبيعة تحصل للإنسان عندما يلاقي المتاعب والمصاعب، وتتوالى عليه الأحداث الأليمة، فإنه يحزن ويتألم، (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [مريم:٢٣].
فإذا المنادي يناديها يسكن من روعها ويطمئنها (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [مريم:٢٤-٢٦].
ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم قد انتابه ما ينتاب البشر من الحزن نتيجة ما كان يلاقيه من صدود قومه وإعراضهم عن دعوته، بل وتطاولهم عليه بأقوالهم وأفعالهم الشنيعة، فكان ينزل القرآن يسليه: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [آل عمران:١٧٦].
والمقصود من الخطاب تسلية النبي صلى الله عليه وسلم وإدخال الطمأنينة على قلبه، حتى لا يتأثر بما يراه من كفر الكافرين، ونفاق المنافقين، وفسق الفاسقين35.
وقال تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [الأنعام:٣٣].
وقد فقد عليه الصلاة والسلام الأحبة من الأقرباء والأصحاب فحزن لذلك وبكى لفقدهم، وقد قال عندما مات ولده إبراهيم: (إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون)36.
يقول ابن عثيمين: «الحزن على الفائت من طبيعة الإنسان، ولا يؤاخذ الإنسان به، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال حين مات ابنه إبراهيم: (إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون)، ولكن إن اقترن بالحزن شيء من المحرم؛ كلطم الخدود، وشق الجيوب، ونتف الشعور صار من هذه الناحية حرامًا؛ لأنه اقترن بفعل محرم.
أما مجرد الحزن الذي لا يصحبه شيء فقد حصل من النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا قال عليه الصلاة والسلام : (لا نقول إلا ما يرضي الرب) فلا نقول: يا ويلاه، واثبوراه»37.
ومن خلال ما سبق يتبين أن الحزن طبيعة إنسانية فطر الله الخلق عليها، وتحصل للإنسان بغير اختياره فنجده يتأثر ويتألم قلبه على ما يحدث له. وهذه الجبلة مخلوقة كغيرها من الطبائع التي طبع عليها البشر، كالخوف، والغضب، والفرح والسرور.
ذكر القرآن الكريم جملة من الأسباب التي تسبب الحزن، وفي النقاط الآتية سنتناول الآيات الدالة على ذلك مع ذكر أقوال المفسرين حول هذه الآيات:
أولًا: الإعراض عن الإيمان:
تقدم النهي عن الحزن على المعرضين، وقد تناولنا الآيات التي كانت تنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحزن بسبب إعراض الكافرين عن دعوته صلى الله عليه وسلم وكفرهم بما جاء به، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يصاب بالحزن عندما كان يجد الإعراض عن الإيمان من قومه، والكفر برسالته، وعدم الاستجابة له، والدخول في دينه، فكان القرآن يتنزل ليسليه عما يلقاه من أذى قومه، وينهاه عن الحزن.
قال تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [آل عمران:١٧٦].
وقال: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [المائدة:٤١].
وقال: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [لقمان:٢٣].
فإعراض الكافرين عن الإيمان كان يسبب للنبي صلى الله عليه وسلم الحزن والحسرة، إما على هؤلاء؛ لأنهم لم يهتدوا؛ أو لأنهم كانوا يؤذونه صلى الله عليه وسلم فيحزن لما يلاقيه.
يقول ابن كثير عند قوله تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ): «أي: لا تحزن عليهم يا محمد في كفرهم بالله وبما جئت به، فإن قدر الله نافذ فيهم، وإلى الله مرجعهم فينبئهم بما عملوا، أي: فيجزيهم عليه (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) فلا تخفى عليه خافية»38.
وقال الطنطاوي: «(ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم، عمَّا أصابه من حزن بسبب إصرار الكافرين على كفرهم.
أي: ومن استمر -أيها الرسول- على كفره بعد أن بلغته رسالتنا ودعوتنا، فلا يحزنك بعد ذلك بقاؤه على كفره وضلاله، فأنت عليك البلاغ، ونحن علينا الحساب، وإنك لا تهدى من أحببت، ولكن الله يهدي من يشاء»39.
كما أن من أعرض عن الإيمان والهدى الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يعيش في ضنك وتعاسة، وقلق وحيرة، وكل من أعرض عن الله وعن وحيه وهديه فإنه يتخبط في الظلمات، ويحرم السعادة واللذة الحقيقية.
كما أن الله سبحانه وتعالى قد وعد من اتبعوا هداه بأنهم لا خوف عليه ولا هم يحزنون، فقال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [البقرة:٣٨].
وقال في سورة طه: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [طه:١٢٣-١٢٤].
فمن أعرض عن ذكر الله حرم من الجزاء الذي هو الأمن والطمأنينة وراحة البال، وحرم من الوعد الإلهي، وكانت معيشته ضنكًا.
يقول ابن كثير: «(ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) أي: خالف أمري وما أنزلته على رسولي أعرض عنه وتناساه وأخذ من غيره هداه، (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) أي: ضنكًا في الدنيا، فلا طمأنينة له ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيق حرج لضلاله، وإن تنعم ظاهره ولبس ما شاء وأكل ما شاء وسكن حيث شاء، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى فهو في قلق وحيرة وشك، فلا يزال في ريبة يتردد فهذا من ضنك المعيشة»40.
وقد وعد الله سبحانه الذين آمنوا وعملوا الصالحات أنهم لا خوف عليه ولا هم يحزنون، فمن لم يؤمن فإنه سيحرم حتمًا من ذلك.
ومن خلال ما سبق يتبن لنا أن من أسباب الحزن الإعراض عن الإيمان وعن الهدى الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم .
ثانيًا: التكذيب:
وكذلك تقدم معنا في مبحث النهي عن الحزن، النهي عن الحزن على المعرضين، وبينا هناك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصيبه الحزن جراء تكذيب قومه له ووصفه بالكذب، واتهامه بأن ما جاء به ليس من عند الله، وإنما هو اختلاق من قبله، وكان القرآن يتنزل يرد عليهم ويسلي النبي صلى الله عليه وسلم وينهاه عن الحزن.
يقول الله سبحانه وتعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [الأنعام:٣٣].
وقال: (ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [يس:٧٦].
أي: لا تحزن يا محمد على تكذيبهم لك، واتهامهم بأنك كاذب أو شاعرٌ أو ساحر، وهذه تسليةٌ للنبي عليه الصلاة والسلام41.
قال القاسمي: «وقوله تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) قرئ بفتح الياء وضمها، (ﯖ ﯗ) أي: يقولون فيك، من أنك كاذب أو ساحر أو شاعر أو مجنون»42.
وقال الإمام الطبري: «يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (ﭽ ﭾ) يا محمد قول هؤلاء المشركين بالله من قومك لك: إنك شاعر، وما جئتنا به شعر، ولا تكذيبهم بآيات الله وجحودهم نبوتك»43.
وقال ابن كثير: «(ﭽ ﭾ ﭿ) أي: تكذيبهم لك وكفرهم بالله»44.
فتكذيب الصادق واتهامه بالكذب يسبب له الحزن، ويدخل على قلبه الغم.
كما أن الشخص المكذّب للحق والهدى الذي جاء عن الله سبحانه وتعالى يعد كافرًا، فأول أنواع الكفر كفر التكذيب يقول الله سبحانه: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [العنكبوت:٦٨].
وقد بين لنا القرآن حياة الكافر وكيف يعيش في هذه الدنيا.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [الأنعام:١٢٥].
فالحزن والقلق والحيرة والاضطراب والحياة النكدة والعيشة الضنك كلها لمن لم يأمن بالله وما جاء عن الله وكذب برسوله ولم يصدقه.
أما في الآخرة فجزاءه جهنم وبئس المصير.
وقد قصَّ الله سبحانه وتعالى لنا في كتابه قصة فرعون وكيف أنه كذب بآيات الله وأعرض عنها، وما كان جزاءه، ويخصنا في هذا الحزن الذي عاقبه الله به نتيجة كفره بالله سبحانه وتعالى وتكذيبه لموسى عليه السلام، فقد جعل الله موسى -الذي التقطه آل فرعون وهو طفل رضيع وتربى في بيت فرعون- عدوًّا وحَزَنًا لفرعون وجنوده، وأن ما كان يحذره فرعون من نهاية ملكه وهلاكه قد حصل، يقول الله سبحانه وتعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [القصص:٨].
قرأ حمزة والكسائي: (وحُزْنًا) بضم الحاء، وقرأ الباقون (ﭽ) بفتحتين45. وهما لغتان، مثل السَّقَم والسُّقْم، والعَرَب والعُرْب46.
ومعنى الآية: أخذوه اعتناء به وصيانة له عن الضّياع47.
(ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) أي: لتكون العاقبة والمآل من هذا الالتقاط، أن يكون عدوًّا لهم وحزنًا يحزنهم، بسبب أن الحذر لا ينفع من القدر، وأن الذي خافوا منه من بني إسرائيل، قيّض الله أن يكون زعيمهم، يتربى تحت أيديهم، وعلى نظرهم، وبكفالتهم.
وعند التدبر والتأمل، تجد في طي ذلك من المصالح لبني إسرائيل، ودفع كثير من الأمور الفادحة بهم، ومنع كثير من التعديات قبل رسالته، بحيث إنه صار من كبار المملكة48.
يقول الإمام الطبري: «وقوله: (ﭼ ﭽ) يقول:يكون لهم عدوّا في دينهم، وحزنًا على ما ينالهم منه من المكروه»49.
وقال البغوي: «(ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) وهذه اللام تسمى لام العاقبة ولام الصيرورة، لأنهم لم يلتقطوه ليكون لهم عدوًّا وحزنًا ولكن صار عاقبة أمرهم إلى ذلك»50.
فنتيجة تكذيبهم وصدهم عن دين الله ومحاربة موسى كانت عاقبتهم الحزن والهلاك، (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) أي: إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا بربهم آثمين، فلذلك كان لهم موسى عدوًّا وحزنًا51.
قال الألوسي عند قوله تعالى: (ﮃ ﮄ): «كانوا مذنبين فعاقبهم الله تعالى بأن ربي عدوهم على أيديهم»52.
ففرعون لما كذب وعارض الحق الذي أتاه، جعل الله موسى عليه السلام عدوًّا له، وإن كان قد تربى وترعرع في بيته.
ثالثًا: فوات الخير:
الحزن على فوات الخير من علامات حياة القلب، ودليل على قوة الإيمان، وهذا النوع من الحزن مشروع، وكلما كان القلب أشد حياة كان شعوره بألم فوات الطاعة أقوى وأعظم، وكلما ضعف الإيمان في القلب قل شعوره بالألم.
وقد ذكر لنا الله نموذجًا من أصحاب القلوب التي عمرها الإيمان وحرصت على الخير، ولكنها لم تستطع أن تشارك مع الآخرين في تحصيله، فحزنت على فوات ذلك الخير.
قال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [التوبة:٩٢].
والمعنى: لا حرج على الذين إذا ما أتوك لتحملهم على الرواحل فيخرجوا معك، فلم تجد ما تحملهم عليه، وهؤلاء وإن دخلوا في عموم الذين لا يجدون ما ينفقون للجهاد لفقدهم الرواحل، قد خصوا بالذكر اعتناء بشأنهم وجعلهم كأنهم قسم مستقل.
(ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) أي: انصرفوا من مجلسك وهم يبكون بكاء شديدًا يصحبه حزن عميق، فكانت أعينهم تمتلئ دمعًا يتدفق من جوانبها حزنًا وأسفًا على أنهم لا يجدون ما ينفقون ولا ما يركبون في خروجهم معك للجهاد في سبيل الله وابتغاء مرضاته53.
روى الطبري بسنده عن ابن عباس قوله: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ)... إلى قوله: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ)، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس أن ينبعثوا غازين معه، فجاءته عصابة من أصحابه، فيهم عبد الله بن مغفل المزني، فقالوا: يا رسول الله، احملنا. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : (والله ما أجد ما أحملكم عليه)! فتولوا ولهم بكاءٌ، وعزيزٌ عليهم أن يجلسوا عن الجهاد، ولا يجدون نفقةً ولا محملًا. فلما رأى الله حرصهم على محبته ومحبة رسوله، أنزل عذرهم في كتابه فقال: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ)... إلى قوله: ( ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ)54.
يقول سيد قطب: «وإنها لصورة مؤثرة للرغبة الصحيحة في الجهاد، والألم الصادق للحرمان من نعمة أدائه. وإنها لصورة واقعة حفظتها الروايات عن جماعة من المسلمين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم تختلف الروايات في تعيين أسمائهم، ولكنها تتفق على الواقعة الصحيحة»55.
وفي تعبير النبي صلى الله عليه وسلم لهؤلاء المؤمنين الصادقين: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ)، ما فيه من تطييب قلوب هؤلاء السائلين؛ فكأنه صلى الله عليه وسلم يقول لهم: إن ما تطلبونه أنا أسأل عنه، وأفتش عليه فلا أجده، ولو وجدته لقدمته إليكم56.
يقول محمد الطنطاوي: «وقوله: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) بيان للآثار التي ترتبت على عدم وجود ما يحملهم من رواحل: لكي يخرجوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى تبوك.
أي: أن هؤلاء المؤمنين الفقراء، عند ما اعتذرت لهم بقولك: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) انصرفوا من مجلسك، وأعينهم تسيل بالدموع من شدة الحزن؛ لأنهم لا يجدون المال الذي ينفقونه في مطالب الجهاد، ولا الرواحل التي يركبونها في حال سفرهم إلى تبوك.
فالجملة الكريمة تعطي صورة صادقة مؤثرة للرغبة الصادقة في الجهاد، وللألم الشديد للحرمان من نعمة أدائه. وبمثل هذه الروح ارتفعت راية الإسلام، وعزت كلمته، وانتشرت دعوته»57.
فالصحابة رضي الله عنهم لشدة حرصهم على الأعمال الصالحة وقوة رغبتهم في الخير كانوا يحزنون على ما يتعذر عليهم فعله من الخير مما يقدر عليه غيرهم، فكان الفقراء يحزنون على فوات الصدقة بالأموال التي يقدر عليها الأغنياء، ويحزنون على التخلف عن الخروج في الجهاد لعدم القدرة على آلته58.
وهذا الحزن منهم رضي الله عنهم دال على عظم إيمانهم ولهذا مدحوا على ذلك، يقول ابن القيم: «فلم يمدحوا على نفس الحزن، وإنما مدحوا على ما دل عليه الحزن من قوة إيمانهم، حيث تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعجزهم عن النفقة، ففيه تعريض بالمنافقين الذين لم يحزنوا على تخلفهم، بل غبطوا نفوسهم به»59.
رابعًا: فوات النصر والغنيمة:
المقاتل إنما يقاتل لأجل أن ينتصر على خصومه، ويحصل على فائدة مأمولة من وراء هذا النصر، والمسلم عندما يقاتل يبتغي بقتاله وجه ربه ورفع راية دينه، فإذا فاته النصر، وحلت به الهزيمة، فإنه يحزن، ولكن الذي ينبغي فعله إذا حلت الهزيمة وأصابه الحزن ألا يتمادى في الحزن حتى لا يوهن من عزمه ويفت في عضده.
والحزن بسبب فوات النصر والغنيمة أمر طبيعي؛ لأن النفوس مجبولة على الحرص على العز والكرامة وتصاب بالحزن إذا فاتتها المحبوبات، وحلت بها المكروهات، وقد حصل للصحابة الكرام غم وحزن في غزوة أحد، وهذه الآية الكريمة تصور لنا ذلك.
قال تعالى: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [آل عمران:١٥٣].
والمعنى: اذكروا -يا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم- ما كان من أمركم حين أخذتم تصعدون الجبل هاربين من أعدائكم، ولا تلتفتون إلى أحد لما اعتراكم من الدهشة والخوف والرعب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت في الميدان يناديكم من خلفكم قائلًا: إليّ عباد الله، وأنتم لا تسمعون ولا تنظرون، فكان جزاؤكم أن أنزل الله بكم ألمًا وضيقًا وغمًّا؛ لكي لا تحزنوا على ما فاتكم من نصر وغنيمة، ولا ما حلّ بكم من خوف وهزيمة. والله خبير بجميع أعمالكم، لا يخفى عليه منها شيء60.
قال السعدي: «(ﯖ) أي: جازاكم على فعلكم (ﯗ ﯘ) أي: غَمًّا يتبع غَمًّا، غَمٌّ بفوات النصر وفوات الغنيمة، وغَمٌّ بانهزامكم، وغَمٌّ أنساكم كل غَمٍّ، وهو سماعكم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم قد قتل.
ولكن الله -بلطفه وحسن نظره لعباده-جعل اجتماع هذه الأمور لعباده المؤمنين خيرًا لهم، فقال: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) من النصر والظفر، (ﯞ ﯟ ﯠ) من الهزيمة والقتل والجراح، إذا تحققتم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقتل هانت عليكم تلك المصيبات، واغتبطتم بوجوده المسلي عن كل مصيبة ومحنة، فلله ما في ضمن البلايا والمحن من الأسرار والحكم، وكل هذا صادر عن علمه وكمال خبرته بأعمالكم، وظواهركم وبواطنكم، ولهذا قال: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ).
ويحتمل أن معنى قوله: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) يعني: أنه قدّر ذلك الغم والمصيبة عليكم، لكي تتوطن نفوسكم، وتمرنوا على الصبر على المصيبات، ويخف عليكم تحمل المشقات»61.
والنهي عن الحزن في الآية الظاهر أن حقيقته غير مرادة هنا كما ذكر الألوسي، بل المراد التسلية والتشجيع، وإن أريدت الحقيقة فلعل ذلك بالنسبة إلى ما يترتب على الوهن والحزن من الآثار الاختيارية62.
وفي الآية لطيفة عجيبة كانت منة من الله سبحانه وتعالى على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أصابهم ما أصابهم من الغم، فإنهم لما أصابهم الغم على فوات النصر والغنيمة جاءهم غم أعظم من ذلك أنساهم غمهم الأول، هذا الغم هو إشاعة مقتل النبي صلى الله عليه وسلم، فهذه المصيبة أنستهم كلّ شيء.
قال تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ)، فالغمّ الأوّل: بسبب الهزيمة وذهاب النّصر والمغنم، ثم جاءهم غمّ آخر أشدّ، وهو خوف أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم قد قتل، وسماعهم أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم قد قتل، فجاء هذا الغمّ لينسيهم كلّ شيء، لينسيهم الحزن على فوات النّصر، والحزن على فوات المغنم، ثمّ لما علموا أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم حيّ وسليم ومعافى، زال عنهم الألم كلّه، ألم الهزيمة، وألم الجراح التّي أصابتهم، وألم فوات الغنيمة63.
والحكمة من فعل ذلك كله بهم ليتمرنوا على الشدائد، ويتعودوا احتمال المكاره، فإنها تصقل الأمم والأفراد، ولئلا يحزنوا على ما فاتهم من المنافع والمغانم، ولا على ما أصابهم من المضارّ من عدوكم، كالجراح والقتل64.
خامسًا: النجوى السيئة:
النَّجوى: السِّرُّ بين الاثنين، وتكون أيضًا بمعنى المسارّة65. وقيل: النَّجوى: ما يكون من خلوة اثنين أو أكثر يسرّون شيئًا ويتناجون به، والسّرار ما كان بين اثنين66.
والنجوى قد تكون في الخير، وقد تكون في الشر.
قال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [المجادلة:٩].
يقول أبو بكر الجزائري: «هذه الآية والتي بعدها نزلت في تربية المؤمنين روحيًّا وتهذيبهم أخلاقيًّا، فقال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ) أي: صدقوا الله ورسوله إذا تناجيتم لأمر استدعى ذلك منكم (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) فتكون حالكم كحال اليهود والمنافقين ولكن (ﯙ ﯚ ﯛ) أي: بما هو خير في نفسه لا إثم فيه، وبطاعة الله ورسوله إذ هما التقوى، (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) يوم القيامة لمحاسبتكم ومجازاتكم فاتقوه بطاعته وطاعة رسوله»67.
ثم قال الله سبحانه وتعالى بعد ذلك: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [المجادلة:١٠].
والمعنى: إنما النجوى وهي المسارة حيث يتوهم مؤمن بها سوءًا من الشيطان (ﯧ ﯨ ﯩ) يعني: إنما يصدر هذا من المتناجين عن تسويل الشيطان وتزيينه (ﯧ ﯨ ﯩ) أي: ليسوءهم (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) ومن أحس من ذلك شيئًا فليستعذ بالله وليتوكل على الله، فإنه لا يضره شيء بإذن الله68.
وقد جاء في السنة النبوية النهي عن أن يتناجى اثنان دون الثالث؛ لأن ذلك يحزنه، ففي البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كانوا ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث)69. وعند مسلم: (إذا كنتم ثلاثة، فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما، فإن ذلك يحزنه)70.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس من أجل أن يحزنه)71.
فبينت هذه النصوص النهي عن النجوى إذا كانوا ثلاثة فيتناجى منهما اثنان دون الثالث، وتعليل ذلك بقوله: (من أجل أن يحزنه) أي: يقع في نفسه ما يحزن لأجله، وذلك بأن يقدر في نفسه أن الحديث عنه بما يكره، أو أنه لم يروه أهلًا ليشركوه في حديثهم، إلى غير ذلك من ألقيات الشيطان وأحاديث النفس. وحصل ذلك كله من بقائه وحده72.
أما إذا كان الثالث مع غيره أو اختلطوا بالناس فإن النهي لا يشملهم، كما هو في حديث عبد الله بن مسعود، وقد فعل ابن عمر ذلك، فعن عبد الله بن دينار، قال: كنت أنا وعبد الله بن عمر عند دار خالد بن عقبة التي بالسوق، فجاء رجل يريد أن يناجيه، وليس مع عبد الله بن عمر أحد غيري وغير الرجل الذي يريد أن يناجيه، فدعا عبد الله بن عمر رجلًا حتى كنا أربعة، فقال لي وللرجل الذي دعا: استأخرا، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يتناجى اثنان دون واحد)73.
فإذا كان معه غيره أمن من ألقيات الشيطان وأحاديث النفس.
يقول القرطبي: «وعلى هذا يستوي في ذلك كل الأعداد، فلا يتناجى أربعة دون واحد ولا عشرة ولا ألف مثلًا، لوجود ذلك المعنى في حقه، بل وجوده في العدد الكثير أمكن وأوقع، فيكون بالمنع أولى. وإنما خص الثلاثة بالذكر، لأنه أول عدد يتأتى ذلك المعنى فيه. وظاهر الحديث يعم جميع الأزمان والأحوال، وإليه ذهب ابن عمر ومالك والجمهور. وسواء أكان التناجي في مندوب أو مباح أو واجب فإن الحزن يقع به»74.
وقد ذكر الثعلبي عن ابن عباس أن قوله تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) إلى قوله: (ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ) [المجادلة:٨-١١]، نزلت في اليهود والمنافقين، وذلك أنّهم كانوا يتناجون فيما بينهم دون المؤمنين، وينظرون إلى المؤمنين ويتغامزون بأعينهم، فإذا رأى المؤمنون نجواهم قالوا: ما نراهم إلّا وقد بلغهم عن أقربائنا وإخواننا الذين خرجوا في السرايا قتل أو موت أو مصيبة أو هزيمة، فيقع ذلك في قلوبهم ويحزنهم، فلا يزالون كذلك حتى يقدم أصحابهم وأقرباؤهم. فلمّا طال ذلك وكثر شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرهم ألّا يتناجوا دون المسلمين فلم ينتهوا عن ذلك، وعادوا إلى مناجاتهم، فأنزل الله سبحانه هذه الآية75.
وقوله: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ)، «الحصر المستفاد من (ﯣ) قصر موصوف على صفة ومن ابتدائية، أي: قصر النجوى على الكون من الشيطان، أي: جائية؛ لأن الأغراض التي يتناجون فيها من أكبر ما يوسوس الشيطان لأهل الضلالة بأن يفعلوه (ﯧ ﯨ ﯩ) بما يتطرقهم من خواطر الشر بالنجوى. وهذه العلة ليست قيدًا في الحصر فإن للشيطان عللًا أخرى مثل إلقاء المتناجين في الضلالة، والاستعانة بهم على إلقاء الفتنة، وغير ذلك من الأغراض الشيطانية.
وقد خصت هذه العلة بالذكر؛ لأن المقصود تسلية المؤمنين وتصبرهم على أذى المنافقين ولذلك عقب بقوله: (ﯪ ﯫ ﯬ) ليطمئن المؤمنون بحفظ الله إياهم من ضر الشيطان. وهذا نحو من قوله تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [الحجر:٤٢]»76.
سادسًا: ترك الأهل والولد:
من أسباب الحزن ترك الأهل والولد والابتعاد عنهم، إما لسفر أو سجن، أو غيرهما، فالقلب عادة عندما يفارق صاحبه أهله وأحبابه يشعر بالحزن ويصاب بالألم، وكم ذرفت من عيون، وسالت من دموع حال الفراق ووقت الوداع، يقول الشاعر77:
ضعفت عن التسليم يوم فراقها
فودّعتها بالطّرف والعين تدمع
وأمسكت عن ردّ السلام فمن رأى
محبًّا بطرف العين قبلي يودّع
رأيت سيوف البين عند فراقها
بأيدي جنود الشوق بالموت تدفع
عليك سلام الله مني مضاعفًا
إلى أن تغيب الشمس من حيث تطلع
وقد جاء في القرآن الكريم أن ترك الولد مما يسبب الحزن، وذلك في قصة يعقوب عليه الصلاة والسلام وقصة أم موسى عليه السلام.
فيعقوب عليه السلام كان يحب ولده يوسف عليه السلام حبًّا شديدًا، ولا يريد أن يفارقه ساعة لخوفه عليه أن يصيبه أذى، كما أن فراقه يصيبه بالحزن، وعندما طلب أخوة يوسف من أبيهم أن يترك معهم أخاهم يوسف ليذهب للعب والرعي، قال لهم: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [يوسف:١٣].
والمعنى: يشق علي مفارقته مدة ذهابكم به إلى أن يرجع، وذلك لفرط محبته له لما يتوسم فيه من الخير العظيم وشمائل النبوة والكمال في الخلق والخلق صلوات الله وسلامه عليه78.
يقول القشيري: «يحزنني أن تذهبوا به لأني لا أصبر عن رؤيته، ولا أطيق على فرقته... هذا إذا كان الحال سلامته.. فكيف ومع هذا أخاف أن يأكله الذئب»79.
وقال الرازي: «اعلم أنهم لما طلبوا منه أن يرسل يوسف معهم اعتذر إليهم بشيئين: أحدهما: أن ذهابهم به ومفارقتهم إياه مما يحزنه»؛ لأنه كان لا يصبر عنه ساعة. والثاني: خوفه عليه من الذئب إذا غفلوا عنه برعيهم أو لعبهم لقلة اهتمامهم به»80.
أما أم موسى عليها السلام فإنها لما وضعت موسى خافت عليه من فرعون وجنوده أن يقتلوه، لأنهم كانوا في ذلك الوقت يقتلون كل مولود ذكر من بني إسرائيل، فأوحى الله إليها أن تضعه في تابوت ثم تلقيه في اليم، (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [القصص:٧].
والمعنى: وأوحينا إلى أم موسى: أعلمناها أن ترضع ولدها الرضعات الأولى التي لا بد منها ثم تضعه في تابوت ثم تلقيه في اليم. أي: في البحر، وهو نهر النيل، (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) أي: لا تخافي أن يهلك ولا تحزني على فراقه، إنا رادوه إليك81.
لا شك أن الخوف كان يسيطر على جميع أركانها وجوانحها والحزن يملأ قلبها، كيف تترك ولدها في ذلك الصندوق مرميًّا به في البحر، حقًّا إنه موقف عصيب. فإذا كانت الأم تحزن لفراق ولدها؛ لأنه ذاهب إلى عمل سينقضي بعد فترة من الزمن، أو أنه مسافر وسيرجع بعد أيام، فكيف بقلب أم موسى على فقد ولدها والمخاطر تحدق به من كل مكان، ولكن كانت عناية الله ورعايته تحوطان موسى عليه السلام، فحفظه الله سبحانه وتعالى ورده إلى أمه سالمًا معافى ولا قلق ولا خوف عليه بعد ذلك.
قال الله تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [طه:٤٠].
وقال: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [القصص:١٣].
والمعنى: فرددناك إلى أمك بعد ما صرت في أيدي آل فرعون، كيما تقرّ عينها بسلامتك ونجاتك من القتل والغرق في اليم، وكيلا تحزن عليك من الخوف من فرعون عليك أن يقتلك82.
وقيل: «أي: فرددناه إلى أمه بعد أن التقطه آل فرعون، لتقرّ عينها بابنها إذ رجع إليها سليمًا، ولا تحزن على فراقه إياها»83.
قال ابن عاشور: «وهذه منة عليه -أي: موسى- لإكمال نمائه، وعلى أمه بنجاته، فلم تفارق ابنها إلا ساعات قلائل، أكرمها الله بسبب ابنها.
وعطف نفي الحزن على قرة العين لتوزيع المنة؛ لأن قرة عينها برجوعه إليها.
وانتفاء حزنها بتحقق سلامته من الهلاك ومن الغرق وبوصوله إلى أحسن مأوى.
وتقديم قرة العين على انتفاء الحزن مع أنها أخص -فيغني ذكرها عن ذكر انتفاء الحزن- روعي فيه مناسبة تعقيب فرجعناك إلى أمك بما فيه من الحكمة»84.
وقال الشنقيطي: «وقوله تعالى في آية القصص: (ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) وعد الله المذكور هو قوله: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ)»85.
فترك الولد والأهل من أسباب الحزن، ويشتد ويغلظ عندما لا يعلم ما سيؤول إليه أمرهما بعد الترك.
سابعًا: فقد الأحبة:
فطر الله سبحانه وتعالى الإنسان على حب أقاربه وأصحابه وإخوانه، وعندما يصاب في واحد منهم فإنه يحزن، وهذا أمر طبيعي، فالوالدان يحزنان على فقد ولدهما، والعكس، والزوج على زوجته، والعكس، وكل محبوب للقلب إذا فارقه يحزن لفراقه.
وقد ذكر الله سبحانه وتعالى عن نبيه يعقوب عليه السلام عندما فقد ولده المحبوب يوسف عليه السلام أنه حزن حزنًا شديدًا حتى ابيضت عيناه من شدة الحزن، وكثرة البكاء.
يقول الله سبحانه: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [يوسف:٨٤].
والمعنى: وتولى يعقوب عليه الصلاة والسلام عن أولاده بعد ما أخبروه هذا الخبر، واشتد به الأسف والأسى، وابيضت عيناه من الحزن الذي في قلبه، والكمد الذي أوجب له كثرة البكاء، حيث ابيضت عيناه من ذلك. (ﯨ ﯩ) أي: ممتلئ القلب من الحزن الشديد، (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) أي: ظهر منه ما كمن من الهم القديم والشوق المقيم، وذكرته هذه المصيبة الخفيفة بالنسبة للأولى، المصيبة الأولى86.
يقول الإمام البغوي: «وذلك أن يعقوب عليه السلام لما بلغه خبر بنيامين تتام حزنه وبلغ جهده، وتهيج حزنه على يوسف فأعرض عنهم، (ﯠ ﯡ) يا حزناه، (ﯢ ﯣ) والأسف أشد الحزن، (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) عمي بصره. قال مقاتل: لم يبصر بهما ست سنين، (ﯨ ﯩ) أي: مكظوم مملوء من الحزن ممسك عليه لا يبثه. وقال قتادة: يردد حزنه في جوفه ولم يقل إلا خيرًا. قال الحسن: كان بين خروج يوسف من حجر أبيه إلى يوم التقى معه ثمانون عامًا، لا تجف عينا يعقوب، وما على وجه الأرض يومئذ أكرم على الله من يعقوب»87.
وفي بكاء يعقوب وحزنه دليل على جواز التأسف والبكاء عند التفجع، ولعل أمثال ذلك لا تدخل تحت التكليف؛ فإنه قل من يملك نفسه عند الشدائد، ولقد بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ولده إبراهيم88. فعندما مات ولده إبراهيم حزن رسول صلى الله عليه وسلم ودمعت عيناه الشريفتان، وقال: (إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون)89. وفي رواية: (تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا، والله يا إبراهيم إنا بك لمحزونون)90.
ولكن الحزن عند نزول المصيبة يجب ألا يتجاوز المشروع، ويتعدى الممنوع، فلا يسخط صاحبه بقول أو فعل، ولا يعترض على أقدار الله النازلة بلسان؛ ولا يصيح وينيح، ولا يلطم الخد ولا يشق الثوب، بل يصبر ويحتسب، ويسترجع.
«لم يأت الحزن في القرآن إلا منهيًّا عنه، أو منفيًّا. فالمنهي عنه كقوله تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [آل عمران:١٣٩].
وقوله: (ﯮ ﯯ ﯰ) [الحجر:٨٨، النحل: ١٢٧، النمل:٧٠] في غير موضع، وقوله: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [التوبة:٤٠].
والمنفي كقوله: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [البقرة:٣٨]»91.
أولًا: الحزن على المعرضين:
نهى الله سبحانه نبيه محمدًا عليه الصلاة والسلام في غير ما موضع من القرآن الكريم عن الحزن على إعراض المشركين عن دعوته وعدم استجابتهم لرسالته ورفضهم الدخول في دينه، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد ويبذل كل ما يستطيع لتبليغ ما أرسله الله به، ويحرص كل الحرص على أن يدخل الناس في هذا الدين حتى ينجوا من النار، ويخلصوا أنفسهم من الشرك والعبودية لغير الله، ولكن كان المشركون يقابلونه بالإعراض والاحتقار ورفض ما يدعوهم إليه، فكان يصيبه الحزن لما يجد من هؤلاء، بل كانوا مع إعراضهم يتعرضون لإيذائه بأفعالهم وأقوالهم، فكان القرآن يتنزل على نبيه يسليه ويزيل ما في قبله من هم وحزن نتيجة ما كان يفعله قومه به، وهذه هي الآيات التي كانت تنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحزن على إعراض المعرضين.
يقول تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [آل عمران:١٧٦].
والمعنى: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصًا على الخلق، مجتهدًا في هدايتهم، وكان يحزن إذا لم يهتدوا، فقال الله تعالى له: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) من شدة رغبتهم فيه، وحرصهم عليه (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) فالله ناصر دينه، ومؤيد رسوله، ومنفذ أمره من دونهم، فلا تبالهم ولا تحفل بهم، إنما يضرون ويسعون في ضرر أنفسهم، بفوات الإيمان في الدنيا، وحصول العذاب الأليم في الأخرى92.
قال ابن كثير: «يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) وذلك من شدة حرصه على الناس كان يحزنه مبادرة الكفار إلى المخالفة والعناد والشقاق، فقال تعالى: ولا يحزنك ذلك...»93.
وقال تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [المائدة:٤١].
والمعنى: «لا تهتم ولا تبال بمسارعة المنافقين في الكفر؛ وذلك بسبب احتيالهم في استخراج وجوه الكيد والمكر في حق المسلمين، وفي مبالغتهم في موالاة المشركين؛ فإني ناصرك عليهم وكافيك شرهم»94.
يقول القاسمي: «(ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) أي: لا تهتم ولا تبال بما يلوح منهم من آثار الكيد للإسلام ومضرة أهله»95.
قال الخازن: «(ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) يعني: المنافقين؛ لأنهم أظهروا الإيمان بالقول وكتموا الكفر وهذه صفة المنافقين (ﮥ ﮦ ﮧ) أي: وطائفة من اليهود»96.
وقال تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [لقمان:٢٣].
لما ذكر الله المسلم في قوله: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [لقمان:٢٢].
ذكر الكافر المعرض عن الهدى الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن النبي كان يهتم ويحزن لهذا الإعراض والجحود من قبل الكافرين فقال الله له: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ).
قال الرازي: «أي: لا تحزن إذا كفر كافر فإن من يكذّب وهو قاطع بأن صدقه يتبين عن قريب لا يحزن، بل قد يؤنّب المكذّب على الزيادة في التكذيب إذا لم يكن من الهداة ويكون المكذب من العداة ليخجله غاية التخجيل، وأما إذا كان لا يرجو ظهور صدقه يتألم من التكذيب، فقال: (ﮜ ﮝ ﮞ)، فإن المرجع إلي فأنبئهم بما عملوا فيخجلون»97.
وقال السعدي: «(ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ)؛ لأنك أديت ما عليك، من الدعوة والبلاغ، فإذا لم يهتد، فقد وجب أجرك على الله، ولم يبق للحزن موضع على عدم اهتدائه؛ لأنه لو كان فيه خير، لهداه الله، ولا تحزن أيضًا على كونهم تجرأوا عليك بالعداوة، ونابذوك المحاربة، واستمروا على غيهم وكفرهم، ولا تتحرق عليهم، بسبب أنهم ما بودروا بالعذاب»98.
وقال المراغي: «لا تحزن على كفرهم بالله وبما جئت به، ولا تذهب نفسك عليهم حسرات، فإن قدر الله نافذ فيهم»99.
أما البقاعي فقد ربط الآية بالتي قبلها وفصل القول في جمل الآية فقال: «ولما ذكر المسلم ذكر الكافر فقال: (ﮚ ﮛ) أي: ستر ما أداه إليه عقله من أن الله لا شريك له، وأنه لا قدرة لأحد سواه، ولم يسلم وجهه إليه، فتكبر على الدعاة وأبى أن ينقاد لهم، اتباعًا لما قاده إليه الهوى، بأن جعل لنفسه اختيارًا وعملًا فعل القوي القادر، فقد ألقى نفسه في كل هلكة لكونه لم يتمسك شيء (ﮜ ﮝ) أي: يهمك ويوجعك، وأفرد الضمير باعتبار لفظ من لإرادة التنصيص على كل فرد فقال: (ﮞ) كائنًا من كان فإنه لم يفتك شيء فيه خير ولا معجز لنا ليحزنك، ولا تبعة عليك بسببه، وفي التعبير هنا بالماضي وفي الأول بالمضارع بشارة بدخول كثير في هذا الدين، وأنهم لا يرتدون بعد إسلامهم، وترغيب في الإسلام لكل من كان خارجًا عنه، فالآية من الاحتباك: ذِكْر الحزن ثانيًا دليلٌ على حذف ضده أولًا، وذِكْر الاستمساك أولًا دليلٌ على حذف ضده ثانيًا»100.
وقال تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [النحل:١٢٧].
(ﯵ ﯶ ﯷ) «لكونهم لم يؤمنوا فيخلصوا أنفسهم من النار، ويقوى بهم جانب الإسلام، وكأن هذا هو الصفح المأمور به، وهو الإعراض عنهم أصلًا ورأسًا إلا في أمر البلاغ»101.
وقال أيضًا: «(ﯵ ﯶ ﯷ) أي: في شدة كفرهم فتبالغ في الحرص الباخع للنفس»102.
وقال البغوي: «(ﯵ ﯶ ﯷ) في إعراضهم عنك»103.
وقال الشوكاني: «نهاه عن الحزن فقال: (ﯵ ﯶ ﯷ) أي: على الكافرين في إعراضهم عنك، أو لا تحزن على قتلى أحدٍ، فإنّهم قد أفضوا إلى رحمة اللّه»104.
وقال تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [النمل:٦٩-٧٠].
في هذه الآية يقول تعالى مسليًا لنبيه صلى الله عليه وسلم: (ﮩ ﮪ ﮫ) أي: المكذبين بما جئت به ولا تأسف عليهم وتذهب نفسك عليهم حسرات105.
قال النسفي: «(ﮩ ﮪ ﮫ) لأجل أنهم لم يتبعوك ولو يسلموا فيسلموا»106.
وقال البيضاوي: «(ﮩ ﮪ ﮫ) على تكذبيهم وإعراضهم»107.
وقال تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [الحجر:٨٨].
(ﯮ ﯯ ﯰ) أي: إذ لم يؤمنوا، ليقوى بمكانهم الإسلام، وينتعش بهم المؤمنون، وقد كان صلى الله عليه وسلم يود أن يؤمن به كل من بعث إليه، ويتمنى لمزيد شفقته عدم إصرار الكفار على كفرهم108.
فهذه الآيات نجد فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصيبه الهم والحزن بسبب إعراض قومه عن الإيمان به، وعدم تصديقه فيما جاء به عن الله سبحانه، فكان القرآن يتنزل عليه وينهاه عن الحزن على إعراض الكافرين والمنافقين.
كما أنه عليه الصلاة والسلام مع إعراض الكافرين عن دعوته وعدم استجابتهم لرسالته لم يكتفوا بهذا، بل كانوا يتعرضون له بالأذية القولية والفعلية من شتم وسب وسخرية واحتقار واتهام بالكذب والإفك والسحر، وأن هذا القرآن إنما هو من عنده أو من عند غيره من البشر، وليس من عند الله سبحانه، فكان يحزن عليه الصلاة والسلام لما كان يسمعه من أذية هؤلاء المشركين المكذبين، فكان الله ينهاه عن الحزن، وكان ينزّل عليه القرآن تسلية له وتقوية لقلبه، وتثبيتًا له على الحق.
قال تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [الأنعام:٣٣].
قال الرازي: «اعلم أن طوائف الكفار كانوا فرقًا كثيرين، فمنهم من ينكر نبوته؛ لأنه كان ينكر رسالة البشر، ويقول: يجب أن يكون رسول الله من جنس الملائكة، وقد ذكر الله تعالى في هذه السورة شبهة هؤلاء وأجاب عنها. ومنهم من يقول: إن محمدًا يخبرنا بالحشر والنشر بعد الموت وذلك محال. وكانوا يستدلون بامتناع الحشر والنشر على الطعن في رسالته. وقد ذكر الله تعالى ذلك وأجاب عنه بالوجوه الكثيرة...، ومنهم من كان يشافهه بالسفاهة وذكر ما لا ينبغي من القول، وهو الذي ذكره الله تعالى في هذه الآية.
واختلفوا في أن ذلك المحزن ما هو؟ فقيل كانوا يقولون: إنه ساحر وشاعر وكاهن ومجنون وهو قول الحسن. وقيل: إنهم كانوا يصرحون بأنهم لا يؤمنون به ولا يقبلون دينه وشريعته. وقيل: كانوا ينسبونه إلى الكذب والافتعال»109.
وقال القاسمي: «وقوله تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) قرئ بفتح الياء وضمها، (ﯖ ﯗ) أي: يقولون فيك، من أنك كاذب أو ساحر أو شاعر أو مجنون»110.
وقال أبو السعود: «استئناف مسوق لتسليته صلى الله عليه وسلم عن الحزن الذي يعتريه، مما حكى عن الكفرة من الإصرار على التكذيب، والمبالغة فيه، ببيان أنه عليه الصلاة والسلام بمكانة من الله عز وجل وأن ما يفعلونه في حقه فهو راجعٌ إليه تعالى في الحقيقة وأنه ينتقم منهم لا محالة أشدّ انتقام»111.
روى الطبري عن السدي في قوله: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) قال: لما كان يوم بدر قال الأخنس بن شريق لبني زهرة: يا بني زهرة، إن محمدًا ابن أختكم، فأنتم أحقّ من كفّ عنه، فإنه إن كان نبيًّا لم تقاتلوه اليوم، وإن كان كاذبًا كنتم أحق من كف عن ابن أخته! قفوا ههنا حتى ألقى أبا الحكم فإن غلب محمدٌ صلى الله عليه وسلم رجعتم سالمين، وإن غلب محمدٌ فإن قومكم لا يصنعون بكم شيئًا، فيومئذ سمّي «الأخنس»، وكان اسمه «أبيّ» فالتقى الأخنس وأبو جهل، فخلا الأخنس بأبي جهل، فقال: يا أبا الحكم، أخبرني عن محمد، أصادق هو أم كاذب؟ فإنه ليس ههنا من قريش أحد غيري وغيرك يسمع كلامنا! فقال أبو جهل: ويحك، والله إن محمدًا لصادق، وما كذب محمّد قط، ولكن إذا ذهب بنو قصيّ باللواء والحجابة والسقاية والنبوة، فماذا يكون لسائر قريش؟ فذلك قوله: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ)، «فآيات الله»، محمدٌ صلى الله عليه وسلم»112.
وقال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ)[يونس:٦٥].
قال الإمام الطبري: «يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم لا يحزنك، يا محمد، قول هؤلاء المشركين في ربهم ما يقولون، وإشراكهم معه الأوثان والأصنام»113.
وقال الألوسي: «والذي عليه الجمهور أنه استئناف سيق تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عما كان يلقاه من جهة الأعداء من الأذية الناشئة مقالاتهم الرديئة الوحشية وتبشيرًا له عليه الصلاة والسلام بالنصر والعز»114.
وقال تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [يس:٧٦].
قال الإمام الطبري: «يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : (ﭽ ﭾ) يا محمد قول هؤلاء المشركين بالله من قومك لك: إنك شاعر، وما جئتنا به شعر، ولا تكذيبهم بآيات الله وجحودهم نبوتك»115.
والخلاصة: أن الله سبحانه وتعالى كان ينهى نبيه صلى الله عليه وسلم عن الحزن لإعراض قومه عنه وكفرهم به وأذيتهم له، والآيات السابقة نرى فيها أن الله سبحانه وتعالى كان ينهى عن الحزن على المعرضين.
ثانيًا: الحزن عند الهزيمة:
الهزيمة وقعها على النفس عظيم، وعند حصولها تذهب العقول، وتزيغ الأبصار، وبعد وقوعها يحدث الحزن والغم، فهي مؤلمة جدًّا، كيف لا وفيها قد يفقد الأحبة، وتكسر الشوكة، وتسلب الكرامة، ويذل العزيز، ويهان الكريم، وتأخذ الأموال، وتستحل الأوطان والحرمات، وقد يكون فيها الهلكة، ولذا لا يتقبلها إلا أصحاب القلوب القوية المؤمنة بأقدار الله سبحانه وتعالى.
ولهذا فالقرآن الكريم قد أدب المؤمنين عندما وقعت بهم الهزيمة في غزوة أحد وعلمهم كيف يتعاملون مع مثل هذه البلوى. فبعدما وقعت الهزيمة حزن الصحابة على ما أصابهم، كيف والبلوى كانت مؤلمة فقد فقدوا سبعين رجلًا من خيارهم فيهم عم رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة، وأصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم بجراحات بالغة، فكسرت رباعيته، وشج وجهه الشريف، وكذلك أصابهم رضي الله عنهم جراحات كثيرة أثخنت في أجسادهم، فتحصل من ذلك غم وحزن.
يقول سيد قطب: «لقد أصاب المسلمين القرح في هذه الغزوة، وأصابهم القتل والهزيمة. أصيبوا في أرواحهم وأصيبوا في أبدانهم بأذى كثير. قتل منهم سبعون صحابيًّا، وكسرت رباعية الرسول صلى الله عليه وسلم وشج وجهه، وأرهقه المشركون، وأثخن أصحابه بالجراح.. وكان من نتائج هذا كله هزة في النفوس، وصدمة لعلها لم تكن متوقعة بعد النصر العجيب في بدر، حتى لقال المسلمون حين أصابهم ما أصابهم: «أنّى هذا؟» وكيف تجري الأمور معنا هكذا ونحن المسلمون؟!»116.
ولكن مع ما أصابهم فقد نهاهم الله سبحانه وتعالى عن الحزن.
قال تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [آل عمران:١٣٩].
وقال: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [آل عمران:١٥٣].
أي: ولا تحزنوا على من قتل منكم في ذلك اليوم، ويصح أن يكون هذا النهي إنشاء بمعنى الخبر، أي: إن ما أصابكم من القرح في أحد ليس مما ينبغي أن يكون موهنًا لأمركم ومضعفًا لكم في عملكم ولا موجبًا لحزنكم وانكسار قلوبكم، فإنه لم يكن نصرًا تامًّا للمشركين عليكم، وإنما هو تربية لكم على ما وقع منكم من مخالفة قائدكم صلى الله عليه وسلم في تدبيره الحربي المحكم، وفشلكم وتنازعكم في الأمر، وذلك خروج عن سنة الله في أسباب الظفر، وبهذه التربية تكونون أحقاء بألا تعودوا إلى مثل تلك الذنوب، فتكون التربية خيرًا لكم من عدمها، بل يجب أن تزيدكم المصائب قوة وثباتًا بما تربيكم على اتباع سنن الله في الحزم والبصيرة، وإحكام العزيمة، واستيفاء الأسباب في القتال وغيره، وأن تعلموا أن الذين قتلوا منكم شهداء، وذلك ما كنتم تتمنونه كما سيأتي، فتذكره مما يذهب بالحزن من نفس المؤمن117.
قال الإمام الطبري: «وهذا من الله تعالى ذكره تعزيةٌ لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما أصابهم من الجراح والقتل بأحد. قال: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ)، يا أصحاب محمد، يعني: ولا تضعفوا بالذي نالكم من عدوكم بأحد، من القتل والقروح، عن جهاد عدوكم وحربهم»118.
وقال: «وأما قوله: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ)، فإن تأويله على ما قد بيّنت، من أنه: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ)، فلم تدركوه مما كنتم ترجون إدراكه من عدوكم بالظفر عليهم والظهور، وحيازة غنائمهم (ﯞ ﯟ ﯠ)، في أنفسكم، من جرح من جرح وقتل من قتل من إخوانكم»119.
وقال: «(ﯞ ﯟ ﯠ) من الهزيمة»120.
وقال السعدي: «يقول تعالى مشجعًا لعباده المؤمنين، ومقويًا لعزائمهم ومنهضًا لهممهم: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) أي: ولا تهنوا وتضعفوا في أبدانكم، ولا تحزنوا في قلوبكم، عندما أصابتكم المصيبة، وابتليتم بهذه البلوى، فإن الحزن في القلوب، والوهن على الأبدان، زيادة مصيبة عليكم، وعون لعدوكم عليكم، بل شجعوا قلوبكم وصبروها، وادفعوا عنها الحزن وتصلبوا على قتال عدوكم، وذكر تعالى أنه لا ينبغي ولا يليق بهم الوهن والحزن، وهم الأعلون في الإيمان، ورجاء نصر الله وثوابه، فالمؤمن المتيقن ما وعده الله من الثواب الدنيوي والأخروي لا ينبغي منه ذلك، ولهذا قال تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ)»121.
ثالثًا: الحزن حال الكرب:
من الحزن الذي جاء منهيًّا عنه في القرآن الكريم الحزن حال الكرب، وقد وقع الكرب لنبي الله لوط عليه الصلاة والسلام ومريم-عليها السلام-وأبي بكر الصديق رضي الله عنه، ونهوا جميعًا عن الحزن في تلك الأحوال، وهذا تفصيل تلك الأحوال:
١. لوط عليه الصلاة والسلام.
لما أرسل الله ملائكته لإهلاك قوم لوط جاءوا لوطًا عليه الصلاة والسلام في صورة فتيان حسان، فأصابه عليه الصلاة والسلام الهم ونزل به الكرب خوفًا على ضيوفه من أذى قومه، وكان لا يعرف أنهم ملائكة، وما لبث غير يسير حتى جاء قومه يريدون من لوط أن يترك لهم ضيوفه ليفعلوا بهم ما يريدون، فأخذ يدافع قومه ويجادلهم علّهم يرجعون، ولكن دون جدوى، ومن شدة الكرب الذي نزل به والخوف على ضيوفه قال لقومه: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [هود:٨٠].
فقالت له الملائكة: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [هود:٨١].
في هذا الحال وفي هذه الكربة ينهى نبي الله لوط عليه الصلاة والسلام عن الحزن، لأن أولئك الأشرار لن يصلوا إلى ضيوفه، وأن العذاب نازل بقومه.
يقول الله سبحانه: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [العنكبوت:٣٣].
قال ابن كثير: «لما استنصر لوط عليه السلام بالله عز وجل عليهم، بعث الله لنصرته ملائكة فمروا على إبراهيم عليه السلام في هيئة أضياف... ثم ساروا من عنده فدخلوا على لوط في صورة شبان حسان، فلما رآهم كذلك (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) أي: اغتم بأمرهم إن هو أضافهم خاف عليهم من قومه، وإن لم يضفهم خشي عليهم منهم، ولم يعلم بأمرهم في الساعة الراهنة قالوا: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ)»122.
وقال سيد قطب -بعد أن ذكر مشهدين للآيات السابقة لهذه الآية-: «وينتقل إلى مشهد ثالث. مشهد لوط وقد جاء إليه الملائكة في هيئة فتية صباح ملاح وهو يعلم شنشنة قومه، وما ينتظر ضيوفه هؤلاء منهم من سوء لا يملك له دفعًا. فضاق صدره وساءه حضورهم إليه، في هذا الظرف العصيب: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ).. ويختصر هنا هجوم القوم على الضيوف، ومحاورة لوط لهم، وهم في سعار الشذوذ المريض.. ويمضي إلى النهاية الأخيرة. إذ يكشف له الرسل عن حقيقتهم، ويخبرونه بمهمتهم، وهو في هذا الكرب وذلك الضيق: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ)»123.
٢. مريم عليها السلام عند مخاضها.
لما حملت مريم عليها السلام بعيسى عليه السلام خافت من الفضيحة فابتعدت عن الناس124 إلى مكان بعيد، «فلما قرب ولادها، ألجأها المخاض إلى جذع نخلة، فلما آلمها وجع الولادة، ووجع الانفراد عن الطعام والشراب، ووجع قلبها من قالة الناس، وخافت عدم صبرها، تمنت أنها ماتت قبل هذا الحادث، وكانت نسيًا منسيًّا فلا تذكر»125.
وما تتمنى هذه الأمنية إلا أن الكرب قد بلغ بها مبلغه، واشتد عليها حتى قالت هذا القول، وفي هذا الحال العصيب والكرب الشديد تنهى عن الحزن، وتبشر بأن الله أكرمها بنهر تشرب منه.
قال الله تعالى: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [مريم:٢٤].
قال السعدي: «فحينئذ سكّن الملك روعها وثبّت جأشها وناداها من تحتها، لعله في مكان أنزل من مكانها، وقال لها: لا تحزني، أي: لا تجزعي ولا تهتمي، فـ (ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) أي: نهرًا تشربين منه»126.
٣. أبو بكر عندما كان في الغار مع النبي صلى الله عليه وسلم.
كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه رفيقًا للنبي صلى الله عليه وسلم في الغار يوم الهجرة، وجاء المشركون يبحثون عن النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه حتى وصلوا إلى باب الغار فأخذ الكرب أبا بكر وبلغ به مبلغًا عظيمًا، خوفًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من المشركين، فإذا بالتوجيه النبوي لرفيق الدرب بأن لا يحزن، لأن الله معهم.
قال سبحانه وتعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [التوبة:٤٠].
قال الإمام الطبري: «(ﯕ ﯖ ﯗ)، إذ يقول رسول الله لصاحبه أبي بكر، (ﯘ ﯙ)، وذلك أنه خاف من الطّلب أن يعلموا بمكانهما، فجزع من ذلك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ﯘ ﯙ)، لأن الله معنا والله ناصرنا، فلن يعلم المشركون بنا ولن يصلوا إلينا»127.
وقال العز بن عبد السلام: «ولما ألمّ الحزن قلب أبي بكر رضي الله تعالى عنه بما تخيله من وهن الدين بعد الرسول صلى الله عليه وسلم قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: لا تحزن إن الله معنا بالنصر عليهم»128.
رابعًا: الحزن عند الموت:
لا شك أن الموت مصيبة عظيمة يصاب بها الإنسان وله كرب شديدة وأهوال عظيمة حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم عند موته كان يدخل يده في ركوة129 فيها ماء ويمسح بها جبينه ويقول: (لا إله إلّا اللّه، إنّ للموت سكراتٍ)130.
في هذه الكربة العظيمة هناك صنف من الناس تتنزل عليهم الملائكة وتقول لهم: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ)، تنهاهم عن الحزن في ذلك الكرب من باب البشرى لهم.
قال الله سبحانه وتعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [فصلت:٣٠].
قال الشوكاني: «(ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) أن هي المخفّفة أو المفسرة أو الناصبة، ولا على الوجهين الأوّلين ناهيةٌ، وعلى الثّالث نافيةٌ، والمعنى: لا تخافوا ممّا تقدمون عليه من أمور الآخرة، ولا تحزنوا على ما فاتكم من أمور الدّنيا من أهلٍ وولدٍ ومالٍ. قال مجاهدٌ: لا تخافوا الموت ولا تحزنوا على أولادكم، فإنّ اللّه خليفتكم عليهم. وقال عطاءٌ: لا تخافوا ردّ ثوابكم فإنّه مقبولٌ، ولا تحزنوا على ذنوبكم فإنّي أغفرها لكم»131.
خامسًا: الحزن على الفائت:
لما وقعت غزوة أحد كان في بداية الأمر النصر والظفر للمسلمين على المشركين، حتى أن منهم من بدأ بجمع الغنائم، ولكن لما خالف الرماة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزلوا من فوق الجبل التفّ عليهم المشركون وتحولت المعركة من نصر إلى هزيمة وفات المسلمون ما كانوا قد أحرزوه من نصر وغنيمة، فأصابهم الغم والحزن، فأنزل الله سبحانه بعد هذه المعركة آيات تنهاهم على الحزن على ما فاتهم.
قال تعالى: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [آل عمران:١٥٣].
قال الألوسي: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) من النصر»132.
وقال البغوي: «من الفتح والغنيمة»133.
وقال ابن كثير: «أي على ما فاتكم من الغنيمة والظفر بعدوكم»134.
وفي سورة الحديد نهانا الله سبحانه عن الحزن على ما يفوتنا من الدنيا.
قال تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [الحديد:٢٢-٢٣].
قال الإمام الطبري: «يعني تعالى ذكره: ما أصابكم أيها الناس من مصيبة في أموالكم ولا في أنفسكم، إلا في كتاب قد كتب ذلك فيه، من قبل أن نخلق نفوسكم (ﯧ ﯨ) يقول: لكيلا تحزنوا، (ﯩ ﯪ ﯫ) من الدنيا، فلم تدركوه منها، (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) منها»135.
وقال المراغي: «أي: أعلمناكم بتقدم علمنا وسبق كتابتنا للأشياء قبل وجودها، لتعلموا أن ما أصابكم لم يكن ليخطئكم، وما أخطأكم لم يكن ليصيبكم، فلا تحزنوا على فائت، ولا تفرحوا بآت»136.
هذه هي الآيات التي فيها النهي عن الحزن، وهي متنوعة كما مرت معنا فمنها ما ينهى عن الحزن على إعراض المعرضين، ومنها ما ينهى عن الحزن عند الهزيمة، ومنها ما ينهى عن الحزن عند الكرب، ومنها ما ينهى عن الحزن على الفائت.
نفي الحزن عن المتقين يوم البعث
في ذلك اليوم العصيب، يوم الفزع الأكبر، يوم الأهوال العظيمة والشدائد الجسام، يؤمِّن الله سبحانه وتعالى صنفًا من عباده، وهم المتقون، يطمئنهم بأنهم لا خوف عليه ولاهم يحزنون، هؤلاء العباد يتكرم عليه الرحمن ويجعلهم في أمن وأمان.
يقول الله تعالى: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الأنبياء:٩٨-١٠٣].
أي: من كتبت له السعادة والنجاة من النار فأولئك يكونون مبعدين عنها لا يسمعون صوت لهيبها، ولا يخافون من أهوالها وآلامها، بل يكونون في نعيم دائم وتستقبلهم الملائكة مهنئين لهم قائلين: هذا يومكم الذي كنتم توعدون في الدنيا137.
قال الشوكاني: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) قرأ أبو جعفر وابن محيصن (ﭜ ﭝ) بضم الياء وكسر الزاي، وقرأ الباقون (ﭜ ﭝ) بفتح الياء وضم الزاي. قال اليزيدي: حزنه لغة قريش، وأحزنه لغة تميم، والفزع الأكبر: أهوال يوم القيامة من البعث والحساب والعقاب138.
وقال ابن كثير: «(ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) قيل: المراد بذلك الموت، رواه عبد الرزاق عن يحيى بن ربيعة عن عطاء، وقيل: المراد بالفزع الأكبر النفخة في الصور، قاله العوفي عن ابن عباس، وأبو سنان سعيد بن سنان الشيباني، واختاره ابن جرير في تفسيره، وقيل: حين يؤمر بالعبد إلى النار، قاله الحسن البصري، وقيل: حين تطبق النار على أهلها، قاله سعيد بن جبير وابن جريج، وقيل: حين يذبح الموت بين الجنة والنار، قاله أبو بكر الهذلي فيما رواه ابن أبي حاتم عنه»139.
وقال القرطبي: «والفزع الأكبر أهوال يوم القيامة والبعث، عن ابن عباس»140.
فتحصل في تفسير الفزع الأكبر الأقوال الآتية:
ولا تنافي بين تلك الأقوال، فإن الله يؤمن عبده المؤمن من كل ذلك.
يقول الألوسي: «(ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) بيان لنجاتهم من الإفزاع بالكلية بعد نجاتهم من النار؛ لأنهم إذا لم يحزنهم أكبر الإفزاع لم يحزنهم ما عداه بالضرورة كذا قيل»141.
ومن الآيات الدالة على نفي الحزن عن عباد الله المتقين يوم البعث قوله تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [الزخرف:٦٧-٦٨].
والمعنى: يا عباد الله المؤمنين الذين تحققتم في العبودية لرب العالمين، لا خوفٌ عليكم في هذا اليوم العصيب، ولا أنتم تحزنون على ما فاتكم من الدنيا142.
وفي الكلام حذف، أي: إلا المتقين، فإنه يقال لهم: يا عبادي لا خوف عليكم143.
يقول الإمام الطبري: «وفي هذا الكلام محذوف استغنى بدلالة ما ذكر عليه. ومعنى الكلام: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ)، فإنهم يقال لهم: يا عبادي لا خوف عليكم اليوم من عقابي، فإني قد أمنتكم منه برضاي عنكم، ولا أنتم تحزنون على فراق الدنيا؛ فإن الذي قدمتم عليه خير لكم مما فارقتموه منها»144.
أما متى يقال لهم ذلك، فقد ذكر الإمام الطبري بسنده إلى المعتمر بن سليمان عن أبيه قال: سمعت أن الناس حين يبعثون ليس منهم أحد إلا فزع، فينادي مناد: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ)، فيرجوها الناس كلهم، قال: فيتبعها (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [الزخرف:٦٩] قال: فييأس الناس منها غير المسلمين145.
يقول الشوكاني: «يقال لهؤلاء المتقين المتحابين في الله بهذه المقالة فيذهب عند ذلك خوفهم، ويرتفع حزنهم»146.
أما معنى قوله: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) «أي: لا خوف يلحقكم فيما تستقبلونه من الأمور، ولا حزن يصيبكم فيما مضى منها، وإذا انتفى المكروه من كل وجه، ثبت المحبوب المطلوب»147.
ففي ذلك اليوم الشديد الأهوال نفى الله عن عباده المتقين الحزن والخوف من تلك الأهوال، فعناية الله تحفهم وأمنه يحفظهم، جعلنا الله من عباده المتقين.
الجنة هي دار النعيم، ودار الكرامة، ومن يدخلها يكون منعمًا أبد الآبدين، لا همٌّ فيها ولا بأسٌ ولا حزنٌ، روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (من يدخل الجنة ينعم لا يبأس، لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه)148، وزاد أحمد: (في الجنّة ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشرٍ)149.
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [يس:٥٥-٥٨].
ومن كان هذا حاله فعلى ماذا يحزن؟! إذن فمن النعيم الذي امتن الله به على عباده في دار كرامته أنه جعلهم في فرح وسرور، وليس في خوف وحزن.
وأهل الجنة يدركون هذا الفضل -وهو ذهاب الحزن عنهم- ولذا فهم يحمدونه سبحانه ويشكرونه.
قال سبحانه وتعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [فاطر:٣٤].
قال ابن عاشور: «والمراد: أنهم لما أعطوا ما أعطوه زال عنهم ما كانوا فيه قبل من هول الموقف ومن خشية العقاب بالنسبة للسابقين والمقتصدين ومما كانوا فيه من عقاب بالنسبة لظالمي أنفسهم»150.
وقال أبو بكر الجزائري: «أي كل الحزن فلا حزن يصيبهم إذ لا موت في الجنة ولا فراق ولا خوف ولا همّ ولا كرب فمن أين يأتي الحزن»151.
كما أن الله سبحانه وتعالى قد نفى الحزن عن أهل الجنة، وقد جاء ذلك في غير ما موضع من القرآن الكريم، قال الله سبحانه وتعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [الأعراف:٤٩].
قال القاسمي: «وقوله تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) أي: لا خوف عليكم من العذاب النازل بالكفار، ولا تحزنون كحزن الكفار على فوات النعيم، وهذا إما من قول أصحاب الأعراف، يتآمرون بينهم بدخول الجنة بعد تبكيت أهل النار، فيقول بعضهم لبعض: ادخلوا الجنة، وإما من كلام أهل الأعراف للمؤمنين، أي: يقولون لهم: ادخلوا الجنة، أو من تتمة مخاطبة أهل الأعراف للرجال، كأنه قيل لهم: انظروا إلى هؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمته، كيف نالوها، حيث قيل من قبله تعالى: (ﯘ ﯙ) وعلى كلّ فالجملة مبنية على قول محذوف إيجازًا، للعلم به»152.
ورجح صاحب تفسير المنار أن هذا القول ليس من قول أصحاب الأعراف، فقال: «(ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) أي: قيل لهم من قبل الرحمن عز وجل: «(ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) مما يكون في مستقبل أمركم، (ﯝ ﯞ ﯟ) من جراء شيء ينغص عليكم حاضركم، وحذف القول للعلم به من قرائن الكلام كثير في التنزيل وفي كلام العرب الخلص، ولكنه قل في كلام المولدين، حتى لا تراه إلا في كلام بعض بلغاء المنشئين، وقيل: إن أهل الأعراف هم الذين يقولون لهؤلاء ادخلوا الجنة إلخ. وهو بعيد بل لا يصح مطلقًا على القول بأنهم الذين استوت حسناتهم وسيئاتهم؛ إذ لا يليق بحالهم أن يخاطبوا من هم فوقهم بهذا الأمر لا قبل دخول الجنة ولا بعده. وهو وإن كان يليق من الملائكة أو الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فالمتبادر الأول، وهو الحكاية بتقدير القول»153.
فمن يدخل الجنة يقال له: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ)، سواء الداخلون هم الضعفاء والمساكين الذين سخر منهم رؤساء أهل النار، أم غيرهم، فالحزن منفي عنهم.
قال الشنقيطي: «واختلف في قائل هذا القول، فظاهر القرآن أنه من بقية كلام أصحاب الأعراف، يوبخون رؤساء أهل النار، ويقولون لهم: أهؤلاء الضعفاء المساكين الذين كنتم تسخرون منهم في الدنيا، وتستهزئون بهم، وتضحكون منهم، وتقولون: الله أعظم من أن يعبأ بهؤلاء، والله لا يدخلهم جنة، ولا يدخلهم نعيمًا أبدًا (ﮯ) الضعفاء المساكين الذين كنتم تستهزئون بهم في الدنيا وتسخرون منهم وتقسمون -تحلفون بالله- (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) ماذا قال لهم الله؟ قال لهم: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ)، وعلى هذا فيكون أصحاب الأعراف قد وبّخوا رؤساء الكفر والقادة بأنهم لم يغن عنهم تكبرهم في الدنيا وجمعهم، وأن الضعفاء المساكين الذين كانوا يسخرون منهم أحلّهم الله دار كرامته، ونفى عنهم الخوف والحزن أبدًا.
وقال بعض العلماء: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) هي من كلام الله يوبخ بها الكفار، أو من كلام بعض الملائكة أمره بذلك، وأن قوله: (ﯘ ﯙ) راجعة إلى أصحاب الأعراف، أن أصحاب الأعراف بعد أن وبّخوا أهل النار وهم بين الجنة والنار يطمعون أنه بعد ذلك يرحمهم الله فيتفضل عليهم، ويقول لأصحاب الأعراف: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) وهذا الوجه الأخير ذكره جماعة كثيرة من المفسرين، والأول أظهر، وإن كان القائل بهذا الأخير كثيرًا جدًّا من علماء التفسير»154.
فتحصل من أقوال المفسرين أن من دخل الجنة يقال له: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ)، فالحزن منفي عن عباد الله الذين يدخلهم سبحانه دار كرامته ويسكن في جنته.
ومن الآيات الدالة على نفي الحزن عن أصحاب الجنة ما ذكره سبحانه وتعالى عن الشهداء فقال: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [آل عمران:١٧٠].
قال الإمام الطبري: «يعني بذلك تعالى ذكره: ويفرحون بمن لم يلحق بهم من إخوانهم الذين فارقوهم وهم أحياء في الدنيا على مناهجهم من جهاد أعداء الله مع رسوله، لعلمهم بأنهم إن استشهدوا فلحقوا بهم صاروا من كرامة الله إلى مثل الذي صاروا هم إليه، فهم لذلك مستبشرون بهم، فرحون أنهم إذا صاروا كذلك (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ)، يعني بذلك: (ﮰ ﮱ ﯓ)، لأنهم قد أمنوا عقاب الله، وأيقنوا برضاه عنهم، فقد أمنوا الخوف الذي كانوا يخافونه من ذلك في الدنيا، (ﯔ ﯕ ﯖ) على ما خلّفوا وراءهم من أسباب الدنيا ونكد عيشها، للخفض الذي صاروا إليه والدعة والزّلفة»155.
فهؤلاء الشهداء يستبشرون بمن لم يلحق بهم من إخوانهم بأن لهم من الكرامة والزلفى في الجنة وأنهم لا خوف عليهم ولاهم يحزنون وذلك لما رأوه من كرامة حصلت لهم.
قال المراغي: «(ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) أي: هم يستبشرون بما تبين لهم من حسن حال إخوانهم الذين تركوهم أحياء، وهي أنهم عند قتلهم يفوزون بحياة أبدية، لا يكدرها خوف من وقوع مكروه من أهوالها، ولا حزن من فوات محبوب من نعيمها»156.
وقال صاحب تفسير المنار: «وقوله: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) بدل اشتمال من الذين لم يلحقوا بهم، أي: يستبشرون بهم من حيث إنه لا خوف عليهم، فالخوف والحزن على هذا منفيان عن الذين لم يلحقوا بهم. أو الباء للسببية والمعنى بسبب أنه لا خوف عليهم إلخ. وحينئذ يحتمل أن يكونا منفيين عنهم أنفسهم، أي: إن الفرح والاستبشار يكونان شاملين لهم بحالهم وبحال من خلفهم من إخوانهم بسبب انتفاء الخوف والحزن عنهم وهم حيث هم. كما يحتمل أن يكون المراد نفيهما عن الذين لم يلحقوا بهم أيضًا، والمختار عندي أن المراد بنفي الخوف والحزن نفيهما عن الذين لم يلحقوا بهم ممن قاتل معهم ولم يقتل، وأن الآية الآتية مفسرة لذلك. والخوف: تألم من مكروه يتوقع، والحزن: تألم من مكروه وقع، وقد قيل إن المراد بالخوف والحزن: ما يكون في الدنيا، وقيل: بل المراد ما يكون في الآخرة. ويجوز أن يكون المعنى أنه لا خوف عليهم في الدنيا من استئصال المشركين لهم أو ظفرهم بهم ثانية، ولا هم يحزنون في المستقبل البعيد عندما يقدمون على ربهم في الآخرة»157.
فتحصل من أقوال المفسرين أن الحزن منفي عن الشهداء ومن سيلحق بهم عندما يقدمون على ربهم سبحانه وتعالى، ويدخلهم جنته ودار كرامته.
في القرآن الكريم والسنة النبوية العلاج الكافي والبلسم الشافي لحالات الحزن، وهذا من رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده؛ إذ أنه سبحانه وتعالى جعل القرآن الكريم شفاءً ورحمة للمؤمنين، وما عليهم سوى العودة إلى كتاب ربهم، وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم ليفوزوا بالسعادة والطمأنينة والراحة في الدارين، ومن هذه العلاجات الربانية التي ذكرت في القرآن الكريم ما سيكون بيانه في النقاط الآتية:
أولًا: الإيمان والعمل الصالح:
أنجع الأدوية، وأفضل العلاجات، وأشفى العقاقير للهم والحزن؛ الإيمان والإكثار من الأعمال الصالحة، حيث إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في هذا الابتلاء والامتحان خيرًا كثيرًا وأجرًا كبيرًا، وأن المصائب والنكبات التي تنزل به يخفف الله بها عليه من الخطايا والسيئات، ويستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما يصيب المسلم، من نصبٍ ولا وصبٍ، ولا همٍّ ولا حزنٍ ولا أذًى ولا غمٍّ، حتّى الشّوكة يشاكها، إلّا كفّر اللّه بها من خطاياه)158.
ثم إن المؤمن المحتسب واثق بوعد الله سبحانه وتعالى له بقوله عز وجل: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [النحل:٩٧].
فالحياة الطيبة يزول معها الهم والحزن. ولعل السبب في ذلك أن المؤمنين بالله سبحانه وتعالى الإيمان الحقيقي الذي من ثمرته وتمامه العمل الصالح معهم أصول وأسس يتلقون فيها جميع ما يرد عليهم من المحبات والمسرات بقبول وشكر لله عليها، كما يتلقون المكاره والهم والغم والحزن بالمقاومة لما يمكنهم مقاومته، والصبر الجميل لما لا بد من وقوعه.
كما أن الإيمان باليوم الآخر وتصوره عند المؤمن يجعله يعلم أن الدنيا لا تساوي شيئًا؛ فهي قصيرة جدًّا، ومتاعها زائل وكل ما عليها سيفنى. . فعندما يفقد عزيزًا يعرف أنه سيلتقي به في الآخرة - إن شاء الله-، وما عند الله خير وأبقى، وأنه إذا صبر وجد الأجر العظيم في ذلك اليوم، فهذا الإيمان يهون المصيبة ويخفف الحزن، ويجعل المؤمن مقبلًا على الله راجيًا ثوابه، محتسبًا كل ما أصابه.
وعند الرجوع إلى كتاب الله سبحانه وتعالى نجد أن هذا العلاج قد ذكر في أكثر من آية وهذه هي النصوص الدالة على ذلك:
قال الله سبحانه وتعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [البقرة:٣٨].
أي: انزلوا من الجنة إلى الأرض لتعيشوا فيها159، وهذا الأمر لبيان أن طور النعيم والراحة قد انتهى وجاء طور العمل، وفيه طريقان: هدى وإيمان، وكفر وخسران160، (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) الخطاب لآدم وزوجه وإبليس، والمراد ذريته، (ﭚ ﭛ ﭜ) أي: فمن استمسكوا بالشرائع التي أتى بها الرسل، وراعوا ما يحكم العقل بصحته بعد النظر في الأدلة التي في الآفاق والأنفس161.
وقوله: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ)، جواب شرط فمن اتبع هداي، ومعناه: اتباع الهدى يفضي بالعبد إلى أن لا يخاف ولا يحزن لا في الدنيا ولا في الآخرة162.
فالمهتدون بهدى الله لا يخافون مما هو آت، ولا يحزنون على ما فات، فإن من سلك سبيل الهدى سهل عليه كل ما أصابه أو فقده، لأنه موقن بأن الصبر والتسليم مما يرضي ربه، ويوجب مثوبته، فيكون له من ذلك خير عوض عما فاته، وأحسن عزاء عما فقده، فمثله مثل التاجر الذي يكدّ ويسعى وتنسيه لذة الربح آلام التعب163.
قال السعدي: «(ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) أي: أيّ وقت وزمان جاءكم مني -يا معشر الثقلين- هدى، أي: رسول وكتاب يهديكم لما يقربكم مني، ويدنيكم مني، ويدنيكم من رضائي، (ﭚ ﭛ ﭜ) منكم، بأن آمن برسلي وكتبي، واهتدى بهم، وذلك بتصديق جميع أخبار الرسل والكتب، والامتثال للأمر والاجتناب للنهي، (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ).
وفي الآية الأخرى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [طه:١٢٣].
فرتب على اتباع هداه أربعة أشياء؛ نفي الخوف والحزن، والفرق بينهما أن المكروه إن كان قد مضى أحدث الحزن، وإن كان منتظرًا أحدث الخوف، فنفاهما عمن اتبع هداه، وإذا انتفيا حصل ضدهما، وهو الأمن التام، وكذلك نفي الضلال والشقاء عمن اتبع هداه، وإذا انتفيا ثبت ضدهما، وهو الهدى والسعادة، فمن اتبع هداه حصل له الأمن والسعادة الدنيوية والأخروية والهدى، وانتفى عنه كل مكروه، من الخوف، والحزن، والضلال، والشقاء، فحصل له المرغوب، واندفع عنه المرهوب، وهذا عكس من لم يتبع هداه، فكفر به، وكذب بآياته»164.
ومن الآيات الدالة على أن الإيمان والعمل الصالح علاج للحزن قوله سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [البقرة:٦٢].
وقوله: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [المائدة:٦٩].
والمعنى، أي: (ﭑ ﭒ ﭓ) يعني أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم هم الذين يستحقون الوصف بالإيمان المطلق، حيث آمنوا بجميع الكتب، والرسل. (ﭔ ﭕ) أي: الذين انتسبوا إلى دين اليهود. وهي شريعة موسى، (ﭖ) أي: الذين انتسبوا إلى دين عيسى. (ﭗ): اختلف فيهم على عدة أقوال؛ فمن العلماء من يقول: إن الصابئين فرقة من النصارى؛ ومنهم من يقول: إنهم فرقة من اليهود؛ ومنهم من يقول: إنهم فرقة من المجوس؛ ومنهم من يقول: إنهم أمة مستقلة تدين بدين خاص بها؛ ومنهم من يقول: إنهم من لا دين لهم: من كانوا على الفطرة؛ ولا يتدينون بدين. فإذا أرسل إليهم الرسل فآمنوا بالله واليوم الآخر ثبت لهم انتفاء الخوف، والحزن، كغيرهم من الطوائف الذين ذكروا معهم165.
وقوله تعالى: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) هذا بدل ممن قبله عائد إلى الذين هادوا، والنصارى، والصابئين. (ﭟ ﭠ) أي: ثوابهم؛ وسمى الله تعالى «الثواب» أجرًا؛ لأنه سبحانه وتعالى التزم على نفسه أن يجزي به كالتزام المستأجر بدفع الأجرة للأجير.
(ﭡ ﭢ) أضاف ربوبيته إليهم على سبيل الخصوص تشريفًا، وتكريمًا، وإظهارًا للعناية بهم؛ فهذه كفالة من الله عز وجل، وضمان، والتزام بهذا الأجر؛ فهو أجر غير ضائع.
(ﭣ ﭤ ﭥ) أي: من كل مما يخاف في المستقبل: من عذاب القبر، وعذاب النار، وغير ذلك.
(ﭦ ﭧ ﭨ) أي: على ما مضى من الدنيا؛ لأنهم انتقلوا إلى خير منها166.
يقول ابن كثير: «نبه تعالى على أن من أحسن من الأمم السالفة وأطاع فإن له جزاء الحسنى، وكذلك الأمر إلى قيام الساعة، كل من اتبع الرسول النبي الأمي فله السعادة الأبدية ولا خوف عليهم فيما يستقبلونه ولا هم يحزنون على ما يتركونه ويخلفونه»167.
وقال القشيري: «اختلاف الطريق مع اتحاد الأصل لا يمنع من حسن القبول، فمن صدّق الحق سبحانه في آياته، وآمن بما أخبر من حقه وصفاته، فتباين الشرع واختلاف وقوع الاسم غير قادح في استحقاق الرضوان، لذلك قال: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) ثم قال: (ﯟ ﯠ ﯡ)، أي: إذا اتفقوا في المعارف فالكلّ لهم حسن المآب، وجزيل الثواب. والمؤمن من كان في أمان الحق سبحانه، ومن كان في أمانه سبحانه وتعالى فبالأحرى ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون»168.
فثمرة الإيمان بالله، واليوم الآخر، والعمل الصالح، هو حصول الأجر، وانتفاء الخوف مما يستقبل، والحزن على ما مضى169.
ومن الآيات الدالة على أن الإيمان علاج للحزن قوله تعالى: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ) [البقرة:١١٢].
والمعنى، أي: بلى إنه يدخلها من لم يكن هودًا ولا نصارى، إذ رحمة الله لا تختصّ بشعب دون شعب، بل كل من عمل لها وأخلص في عمله، فهو من أهلها.
(ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) أي: كل من انقاد لله وأخلص في عمله، فله الجزاء على ذلك عند ربه الذي لا يضيع أجر من أحسن عملًا.
والآية ترشد إلى أن الإيمان الخالص لا يكفي وحده للنجاة، بل لا بد أن يقرن بإحسان العمل، وقد جرت سنة القرآن إذا ذكر الإيمان أردفه عمل الصالحات كقوله: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [النساء:١٢٤].
ثم قال: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) أي: إن الذين أسلموا وجوههم لله وأحسنوا العمل لا تساور نفوسهم مخاوف ولا أحزان، كما تختلج صدور الذين أشرب قلوبهم حبّ الوثنية، وأعرضوا عن الهداية، إذ من طبيعة المؤمن أنه إذا أصابه مكروه بحث عن سببه واجتهد في تلافيه، فإن لم يمكنه دفعه فوّض أمره إلى ربه، ولم يضطرب ولم تهن له عزيمة، علمًا منه بأنه قد ركن إلى القوة القادرة على دفع كل مكروه، وتوكل على من بيده دفع كل محظور.
أما عابدو الأوثان والأصنام فهم في خوف مما يستقبلهم، وحزن مما ينزل بهم، فإذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم داخلهم الهلع ولم يستطيعوا صبرًا على البأساء، وهم يستخذون للدجّالين والمشعوذين، ويعتقدون بسلطة غيبية لكل من يعمل عملًا لا يهتدون إلى معرفة سببه170.
وخص الوجه، لأنه إذا جاد بوجهه في السجود لم يبخل بسائر جوارحه171.
ويفهم من الآية، أن من ليس كذلك، فهو من أهل النار الهالكين، فلا نجاة إلا لأهل الإخلاص للمعبود، والمتابعة للرسول172.
ومن الآيات التي دلت على أن الإيمان والعمل الصالح علاج للأحزان قوله تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [البقرة:٢٧٧].
فالآية ذكرت أن الذين آمنوا، وعملوا الصالحات، وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، وهاتان من الأعمال الصالحة، فإنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
ومعنى الآية: (ﮑ ﮒ ﮓ) أي: آمنوا بقلوبهم بما يجب الإيمان به؛ (ﮔ ﮕ) أي: عملوا الأعمال الصالحات؛ وهي المبنية على الإخلاص لله، والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
(ﮖ ﮗ) أي: أتوا بها قويمة بشروطها، وأركانها، وواجباتها، ومكملاتها؛ وعطفها على العمل الصالح من باب عطف الخاص على العام؛ لأن إقامة الصلاة من الأعمال الصالحة، ونص عليها لأهميتها.
(ﮘ ﮙ) أي: أعطوا الزكاة مستحقها؛ والزكاة: هي النصيب الذي أوجبه الله عز وجل في الأموال الزكوية.
(ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) أي: لهم ثوابهم عند الله.
(ﮞ ﮟ ﮠ) أي: فيما يستقبل من أمرهم.
(ﮡ ﮢ ﮣ) أي: فيما مضى من أمرهم173.
وهذه الآية لها مناسبة بالآيات التي قبلها والتي تحدثت عن الربا ونهت عنه.
يقول أبو حيان الأندلسي: «مناسبة هذه الآية لما قبلها واضحة، وذلك أنه لما ذكر حال آكل الربا، وحال من عاد بعد مجيء الموعظة، وأنه كافر أثيم، ذكر ضد هؤلاء ليبين فرق ما بين الحالين»174.
ونجد أن الإمام الطبري عندما فسرها ربطها بما قبلها فقال: «هذا خبر من الله عز وجل بأن الذين آمنوا، يعني الذين صدقوا بالله وبرسوله، وبما جاء به من عند ربهم، من تحريم الربا وأكله، وغير ذلك من سائر شرائع دينه.
(ﮔ ﮕ) التي أمرهم الله عز وجل بها، والتي ندبهم إليها.
(ﮖ ﮗ) المفروضة بحدودها، وأدّوها بسننها.
(ﮘ ﮙ) المفروضة عليهم في أموالهم، بعد الذي سلف منهم من أكل الرّبا، قبل مجيء الموعظة فيه من عند ربهم.
(ﮚ ﮛ) يعني: ثواب ذلك من أعمالهم وإيمانهم وصدقتهم.
(ﮜ ﮝ) يوم حاجتهم إليه في معادهم.
(ﮞ ﮟ ﮠ) يومئذ من عقابه على ما كان سلف منهم في جاهليتهم وكفرهم قبل مجيئهم موعظة من ربهم، من أكل ما كانوا أكلوا من الربا، بما كان من إنابتهم، وتوبتهم إلى الله عز وجل من ذلك عند مجيئهم الموعظة من ربهم، وتصديقهم بوعد الله ووعيده.
(ﮡ ﮢ ﮣ) على تركهم ما كانوا تركوا في الدنيا من أكل الربا والعمل به، إذا عاينوا جزيل ثواب الله تبارك وتعالى، وهم على تركهم ما تركوا من ذلك في الدنيا ابتغاء رضوانه في الآخرة، فوصلوا إلى ما وعدوا على تركه»175.
فهؤلاء الذين اتصفوا بهذه الصفات الأربع: الإيمان، والعمل الصالح، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، ليس عليهم خوف من مستقبل أمرهم؛ ولا حزن فيما مضى من أمرهم؛ لأنهم فعلوا ما به الأمن التام، كما قال الله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [الأنعام:٨٢]176.
كذلك ذكر الله سبحانه وتعالى أنه من آمن وأصلح فإنه لا خوف عليه ولا حزن، وهذا يدل على أن هاتين الصفتين علاج للحزن، يقول الله سبحانه وتعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [الأنعام:٤٨].
أي: وما نرسل رسلنا إلا ببشارة أهل الطاعة لنا بالجنة والفوز المبين يوم القيامة، جزاءً منّا لهم على طاعتنا، وبإنذار من عصانا وخالف أمرنا، عقوبتنا إياه على معصيتنا يوم القيامة، جزاءً منا على معصيتنا، لنعذر إليه فيهلك إن هلك عن بينة.
(ﮋ ﮌ ﮍ)، أي: فمن صدّق من أرسلنا إليه من رسلنا إنذارهم إياه، وقبل منهم ما جاؤوه به من عند الله، وعمل صالحًا في الدنيا (ﮎ ﮏ ﮐ)، عند قدومهم على ربهم، من عقابه وعذابه الذي أعدّه الله لأعدائه وأهل معاصيه (ﮑ ﮒ ﮓ)، عند ذلك على ما خلّفوا وراءهم في الدنيا177.
قال أبو زهرة عند قوله تعالى: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ): «أي: فمن أذعن للحق، وآمن بما جئت به، وجعل هواه تبعًا لما تدعو إليه فله الجزاء الأوفى، ودعم الإذعان الحق بالعمل الصالح، فالإيمان من غير عمل أجوف أجرد لا ينتج بذاته، ومن آمن وعمل صالحًا فإنه لا يحزن على ما فاته في الماضي، بل يطمئن بذكر الله، ولا يخاف من المستقبل لأنه يرجو ما عند الله تعالى»178.
وقال وهبة الزحيلي: «فمن آمن وأصلح عمله بامتثال الطاعات، واتّباع الرّسل، فلا خوف عليهم من مخاطر المستقبل، ولا هم يحزنون على ما فاتهم في الدنيا ولا على شيء يصادفهم يوم لقاء الله. وهذا وعد ثابت محقق»179.
وفي الآية لطيفة ذكرها الشنقيطي، حول إلى ماذا ينصرف الإيمان والإصلاح، فقال: «وقوله هنا: (ﮋ ﮌ ﮍ) انصرف الإيمان إلى ركنه الأكبر، وهو الاعتقاد القلبيّ، وصار الإصلاح بعده يراد به الأعمال، كما قال تعالى هنا: (ﮋ ﮌ ﮍ) آمن قلبه وأذعن واعتقد ما يجب اعتقاده إثباتًا ونفيًا، وأصلح-مع ذلك الإيمان القلبيّ عمله-بجوارحه (ﮋ ﮌ ﮍ) آمن قلبه، وأصلح عمل جوارحه، بأن امتثل الأوامر، واجتنب النواهي، هذا القسم من الناس هم المبشّرون الذين فيهم: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) وقال اللّه فيهم: (ﮎ ﮏ ﮐ) يعني يوم القيامة: (ﮑ ﮒ ﮓ)180.
وثمرة هذا الإيمان ندركه في إيمان زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، بما قدره الله لهن، فهن رضي الله عنهن مسلّمات لأمر الله راضيات به، ونعرف ذلك من خلال قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [الأحزاب:٥١].
والمعنى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) أي: تؤخر مضاجعة من تشاء من نسائك، وتضاجع من تشاء، ولا يجب عليك قسم بينهن، بل الأمر في ذلك إليك، على أنه كان يقسم بينهن.
(ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) أي: ومن دعوت إلى فراشك، وطلبت صحبتها ممن عزلت عن نفسك بالطلاق، فلا ضيق عليك في ذلك.
ثم بين السبب في الإيواء والإرجاء، وأنه كان ذلك في مصلحتهن، فقال: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) أي: إنهن إذا علمن أن الله قد وضع عنك الحرج في القسم، فإن شئت قسمت، وإن شئت لم تقسم لا جناح عليك في أي ذلك فعلت، وأنت مع هذا تقسم لهن اختيارًا منك لا وجوبًا عليك، فرحن بذلك، واستبشرن به، واعترفن بمنتك عليهن في قسمك لهن، وتسويتك بينهن، وإنصافك لهن، وعدلك بينهن.
(ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) من الميل إلى بعضهن دون بعض مما لا يمكن دفعه، ومن الرضا بما دبر له في حقهن من تفويض الأمر إليه صلى الله عليه وسلم .
وفي هذا حث على تحسين ما في القلوب، ووعيد لمن لم يرض منهن بما دبر الله له من ذلك، وفوضه إلى مشيئته، وبعث على تواطؤ قلوبهن، والتصافي بينهن، والتوافق على رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
(ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) أي: وكان الله عليمًا بالسرائر، حليمًا فلا يعاجل أهل الذنوب بالعقوبة، ليتوب منهم من شاء له أن يتوب، وينيب من ذنوبه من ينيب181.
يقول الألوسي: «(ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) أي: تفويض الأمر إلى مشيئتك أقرب إلى قرة عيونهن وسرورهن ورضاهن جميعًا؛ لأنه حكم كلهن فيه سواء، ثم إن سويت بينهن وجدن ذلك تفضلًا منك، وإن رجحت بعضهن علمن أنه بحكم الله تعالى فتطمئن به نفوسهن»182.
ويقول طنطاوي: «والمعنى، ذلك الذي شرعناه لك من تفويض الأمر إليك في شأن أزواجك، أقرب إلى رضا نفوسهن لما تصنعه معهن، وأقرب إلى عدم حزنهن وإلى قبولهن لما تفعله معهن؛ لأنهن يعلمن أن ما تفعله معهن إنما هو بوحي من الله تعالى وليس باجتهاد منك، ومتى علمن ذلك طابت نفوسهن سواء سويت بينهن في القسم والبيتوتة والمجامعة، أم لم تسو...
وكان عليه الصلاة والسلام مع هذا يشدد على نفسه في رعاية التسوية بينهن، تطييبًا لقلوبهن، ويقول: (اللهم هذه قدرتي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك)183»184.
فإيمانهن بالله ورسوله وحبهن لله ورسوله جعلهن يرضين بهذه القسمة، ولولا ذلك لدخل في أنفسهن حزن، ولكنهن -رضي الله عنهن جميعًا- تقبلن هذا بالرضا والتسليم. وبهذا ندرك أهمية الإيمان ومكانته في القلوب.
ومن خلال الآيات السابقة وتأويل المفسرين لها يتبين لنا أن علاج الحزن هو الإيمان بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر، والإيمان بالقضاء والقدر، والأعمال الصالحة من صلاة وزكاة وسائر أعمال الطاعة، وإصلاح القلب والعمل، وتقوى الله في السر والعلن، وترك ما حرم الله من الشرك والكبائر والصغائر.
ثانيًا: التقوى:
«التقوى: هي ترك ما تهوى لما تخشى»185 بهذا عرفها الإمام أحمد.
وقال طلق بن حبيب: «التقوى أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله، على نورٍ من الله، تخاف عقاب الله»186.
وأصل التقوى أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه ويحذره وقاية تقيه منه187.
وحقيقتها العمل بطاعة الله إيمانًا واحتسابًا أمرًا ونهيًا، فيفعل ما أمر الله به إيمانًا بالآمر وتصديقًا بوعده، ويترك ما نهى الله عنه إيمانًا بالناهي وخوفًا من وعيده188.
والتقوى من علاجات الحزن وقد ذكر الله سبحانه وتعالى ذلك، فقال: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [الأعراف:٣٥].
أي: يا بني آدم إن يأتكم رسل من أبناء جنسكم من البشر يتلون عليكم آياتي التي أنزلها عليكم لبيان ما آمركم به من صالح الأعمال وترك ما أنهاكم عنه من الشرك والرذائل وقبيح الأعمال، فمن اتقى منكم ما نهيته عنه، وأصلح نفسه بفعل ما أوجبته عليه؛ فلا خوف عليهم من عذاب الآخرة، ولا هم يحزنون حين الجزاء على ما فاتهم189.
قال ابن كثير: «(ﯗ ﯘ ﯙ) أي: ترك المحرمات وفعل الطاعات»190.
وقال السعدي: «لما أخرج الله بني آدم من الجنة، ابتلاهم بإرسال الرسل وإنزال الكتب عليهم يقصون عليهم آيات الله ويبينون لهم أحكامه، ثم ذكر فضل من استجاب لهم، وخسار من لم يستجب لهم فقال: (ﯗ ﯘ) ما حرم الله، من الشرك والكبائر والصغائر، (ﯙ) أعماله الظاهرة والباطنة (ﯚ ﯛ ﯜ) من الشر الذي قد يخافه غيرهم (ﯝ ﯞ ﯟ) على ما مضى، وإذا انتفى الخوف والحزن حصل الأمن التام، والسعادة، والفلاح الأبدي»191.
وذكر الله سبحانه وتعالى أيضًا أن المتقين هم الفائزون، الذين لا خوف عليه ولاهم يحزنون.
قال تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [الزمر:٦١].
أي: بما سبق لهم من السعادة والفوز عند الله (ﮈ ﮉ ﮊ) أي: يوم القيامة (ﮋ ﮌ ﮍ) أي: ولا يحزنهم الفزع الأكبر بل هم آمنون من كل فزع مزحزحون عن كل شر مؤملون كل خير192.
يقول السعدي: «ولما ذكر حالة المتكبرين، ذكر حالة المتقين، فقال: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) أي: بنجاتهم، وذلك لأن معهم آلة النجاة، وهي تقوى الله تعالى، التي هي العدة عند كل هول وشدة. (ﮈ ﮉ ﮊ) أي: العذاب الذي يسوؤهم (ﮋ ﮌ ﮍ) فنفى عنهم مباشرة العذاب وخوفه، وهذا غاية الأمان.
فلهم الأمن التام، يصحبهم حتى يوصلهم إلى دار السلام، فحينئذ يأمنون من كل سوء ومكروه، وتجري عليهم نضرة النعيم، ويقولون: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [فاطر:٣٤]»193.
فالله سبحانه ينجي من جهنم وعذابها، الذين اتقوه بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه في الدنيا194.
يقول المراغي: «(ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) أي: وينجّي الله من عذاب جهنم الذين اتقوا الشرك والمعاصي وينيلهم ما يبتغون، ويعطيهم فوق ما كانوا يؤملون.
(ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) أي: لا يمسهم أذى جهنم ولا يحزنون على ما فاتهم من مآرب الدنيا، إذ هم قد صاروا إلى ما هو خير منه، نعيم مقيم، في جنات تجري من تحتها الأنهار، ورضوان من الله أكبر.
وخلاصة ذلك: أنهم أمنوا من كل فزع، وبعدوا من كل شر، وفازوا بكل خير»195.
كما أنّ الله تعالى ذكر أن المتّقي يجعل له من كل همّ فرجًا، ومن كلّ ضيقٍ مخرجًا، ومن كلّ بلاءٍ عافية، ومن كل عسر يسرًا، ويرزقه من حيث لا يحتسب.
قال تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [الطلاق:٢-٣].
وقال تعالى: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [الطلاق:٤].
قال الرّبيع بن خثيم: «يجعل له مخرجًا من كلّ ما ضاق على النّاس»196. وكذلك يكفر الله سيئاته ويعظم أجره، ويضاعف حسناته؛ (ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) [الطلاق:٥].
قال ابن كثير: «أي: يذهب عنه المحذور، ويجزل له الثّواب على العمل اليسير»197.
ومن كان هذا ثوابه وهذه الفضائل والمكرمات جزاؤه فكيف يحزن، ولم يحزن؟! جعلنا الله من المتقين.
ومما يتبين لنا أن التقوى علاج للحزن ما ذكره ابن القيم عندما ذكر مراتب التقوى فقال: «التّقوى ثلاث مراتب إحداها: حمية القلب والجوارح عن الآثام والمحرّمات، الثّانية: حميتها عن المكروهات، الثّالثة: الحمية عن الفضول وما لا يعني. فالأولى: تعطي العبد حياته، والثّانية: تفيده صحّته وقوته، والثّالثة: تكسبه سروره وفرحه وبهجته»198.
وبعد الذي سبق ندرك أن التقوى وإصلاح القلب والعمل من علاجات الحزن، وهذه هي العلاجات الربانية الشافية، مع ما تقدم من الإيمان والعمل الصالح.
ثالثًا: الاستقامة:
الاستقامة: هي سلوك الصراط المستقيم، وهو الدين القيم، من غير تعريج عنه يمنة ولا يسرة، ويشمل ذلك فعل الطاعات كلها الظاهرة والباطنة، وترك المنهيات كلها كذلك199.
وعرفها القشيري فقال: «الاستقامة هي الثبات على شرائط الإيمان بجملتها من غير إخلال بشيء من أقسامها»200.
قال ابن رجب رحمه الله تعالى : «أصل الاستقامة استقامة القلب على التّوحيد»201.
والاستقامة ذكرها الله سبحانه وتعالى في موطنين على أنها سبب في عدم الخوف والحزن، قال الله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [فصلت:٣٠].
وقال: (ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ) [الأحقاف:١٣].
أي: وحدوا الله تعالى وآمنوا به، ثم استقاموا فلم يحيدوا عن التوحيد، والتزموا طاعته سبحانه وتعالى، إلى أن توفوا على ذلك202.
أي: إن الذين جمعوا بين التوحيد الذي هو خلاصة العلم والاستقامة في الدين التي هي منتهى العمل، وثمّ للتراخي الرتبي فالعمل متراخي الرتبة عن التوحيد، وقد نصوا على أنه لا يعتد به بدونه (ﰋ ﰌ ﰍ) من لحوق مكروه (ﰎ ﰏ ﰐ) من فوات محبوب203.
وقد فسر الصحابة رضي الله عنهم الاستقامة في قوله تعالى: (ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ)، بالتوحيد، وأداء الفرائض، والاستجابة للأمر والنهي، وإخلاص العمل لله تعالى:
سئل صدّيق الأمّة وأعظمها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم استقامة أبو بكر الصّدّيق رضي الله عنه عن الاستقامة فقال: «ألّا تشرك باللّه شيئا»، يقول ابن القيم معلقًا على هذا: «يريد الاستقامة على محض التّوحيد»204.
وقال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه : «الاستقامة: أن تستقيم على الأمر والنّهي، ولا تروغ روغان الثّعالب»، وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه: «استقاموا: أخلصوا العمل لله». وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وابن عباس -رضي الله عنهما-: «استقاموا: أدوا الفرائض». وقال أيضًا ابن عباس: «أخلصوا له الدّين والعمل. وقال فيها: استقاموا على طاعة اللّه»205.
وهذه الاستقامة لا تكون في حال دون حال بل يكون حال صاحبها دائمًا عليها حتى يلقى ربه، وهذا هو الذي يفهم من الآية، يقول القشيري: «(ﰉ ﰊ): ثم حرف يقتضي التراخي، فهو لا يدل على أنهم في الحال لا يكونون مستقيمين، ولكن معناه استقاموا في الحال، ثم استقاموا في المآل بأن استداموا إيمانهم إلى وقت خروجهم من الدنيا، وهو آخر أحوال كونهم مكلّفين»206. ويقول الألوسي: «أي داوموا على الاستقامة دوامًا متراخيًا ممتد الأمد وتلك الاستقامة هي المعتبرة لا ما هو منقطع إلى ضده من الحيد إلى الهوى والشهوات»207. ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: «أعظم الكرامة لزوم الاستقامة»208.
وقد رتب الله على الاستقامة ثمارًا عظيمة يجد صاحبها ذلك في حياته وعند مماته وبعد مماته؛ ومنها:
وهذا ما دلت عليه الآيتان السابقتان.
يقول الإمام الطبري: «(ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) الذي لا إله غيره (ﰉ ﰊ) على تصديقهم بذلك فلم يخلطوه بشرك، ولم يخالفوا الله في أمره ونهيه (ﰋ ﰌ ﰍ) من فزع يوم القيامة وأهواله (ﰎ ﰏ ﰐ) على ما خلفوا وراءهم بعد مماتهم»209.
ويقول القشيري: «من كان له أصل الاستقامة أمن من الخلود في النار، ومن له كمال الاستقامة أمن من الوعيد من غير أن يلحقه سوء بحال»210.
فالإيمان والاستقامة سببان في الاطمئنان النفسي، والراحة القلبية، وهما علاجٌ شافٍ للهم والحزن، ولذا نجد أن الله سبحانه وتعالى قرنهما معا في الآيتين السابقتين، وختم كلا الآيتين بأنهم لا خوف عليه ولا هم يحزنون.
رابعًا: الإحسان:
(الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)211، هكذا عرفه النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد جاءت كلمة الإحسان في القرآن الكريم كلمة جامعة بحيث شملت الحياة كلها، كعلائق الإنسان بخالقه جل وعلا، وعلائقه بالمخلوقات قاطبة، ومن ذلك قول الله تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [النحل:٩٠].
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن هذه الآية: «أجمع آية في القرآن لخير أو لشر»212.
والإحسان في العلاقة بين العبد وربه وبينه وبين خلقه من أسباب ذهاب الحزن، والله سبحانه وتعالى قد وعد من أحسن أنه لا خوف عليه ولا حزن، قال تعالى: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ) [البقرة:١١٢].
ذكر الله سبحانه وتعالى في الآية التي قبل هذه أن اليهود والنصارى قالوا: لن يدخل الجنة إلا من كان منهم، (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ)، فرد الله عليه بقوله: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ)[البقرة:١١١-١١٢].
فاليهود والنصارى حكموا لأنفسهم بالجنة وحدهم، وهذا مجرد أماني غير مقبولة، إلا بحجة وبرهان، وهكذا كل من ادعى دعوى، لا بد أن يقيم البرهان على صحة دعواه، وإلا، فلو قلبت عليه دعواه، وادعى مدع عكس ما ادعى بلا برهان لكان لا فرق بينهما، فالبرهان هو الذي يصدق الدعاوى أو يكذبها، ولما لم يكن بأيديهم برهان، علم كذبهم بتلك الدعوى213.
وقوله: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ).
المعنى: بلى إثبات لما نفوه من دخول غيرهم الجنّة (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) من أخلص نفسه له لا يشرك به غيره. وإنما عبر عن النفس بالوجه؛ لأنه أشرف الأعضاء، ومجمع المشاعر، وموضع السجود، ومظهر آثار الخضوع. أو المعنى: من أخلص توجهه وقصده، بحيث لا يلوي عزيمته إلى شيء غيره (ﰁ ﰂ) في عمله، موافق لهديه صلى الله عليه وسلم، وإلا لم يقبل، ولذا قال صلى الله عليه وسلم : (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو ردّ)214. (ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) وهو عبارة عن دخول الجنة، وتصويره بصورة الأجر للإيذان بقوة ارتباطه بالعمل.
(ﰇ ﰈ ﰉ) من لحوق مكروه (ﰊ ﰋ ﰌ) من فوات مطلوب215.
فرحمة الله ليست خاصة بشعب دون شعب، وإنما هي مبذولة لكل من يطلبها ويعمل لها عملها، وهو ما بينه سبحانه وتعالى بقوله: (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ)216.
قال الطنطاوي: «وقوله تعالى: (ﯾ ﯿ ﰀ) المراد به اتجه إليه، وأذعن لأمره، وأخلص له العبادة، وأصل معناه الاستسلام والخضوع. وخص الله تعالى الوجه دون سائر الجوارح بذلك، لأنه أكرم الأعضاء وأعظمها حرمة، فإذا خضع الوجه الذي هو أكرم أعضاء الجسد فغيره من أجزاء الجسد أكثر خضوعًا.
وقوله تعالى: (ﰁ ﰂ) من الإحسان، وهو أداء العمل على وجه حسن أي: مطابق للصواب وهو ما جاء به الشرع الشريف. والمعنى: ليس الحق فيما زعمه كل فريق منكم يا معشر اليهود والنصارى من أن الجنة لكم دون غيركم، وإنما الحق أن كل من أخلص نفسه لله، وأتى بالعمل الصالح على وجه حسن، فإنه يدخل الجنة، كما قال تعالى: (ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ)»217.
وعند قراءة الآية نجد أن الله سبحانه وتعالى ذكر الله التوحيد والإيمان الخالص ولم يحمل عليه الوعد بالأجر عند الله تعالى واستحقاق الكرامة في دار المقامة إلا بعد أن قيده بإحسان العمل، فقال: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ)، وتلك سنة القرآن تقرن الإيمان بعمل الصالحات، كقوله: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [النساء:١٢٣-١٢٤].
فنفى أماني المسلمين كما نفى أماني أهل الكتاب، وجعل أمر سعادة الآخرة منوطًا بالإيمان والعمل الصالح معًا218.
يقول سيد قطب: «هنا يقرر قاعدة من قواعد التصور الإسلامي في ترتيب الجزاء على العمل بلا محاباة لأمة ولا لطائفة ولا لفرد. إنما هو الإسلام والإحسان، لا الاسم والعنوان (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ)»219.
ثم قال: «و(ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ). . فأخلص ذاته كلها لله، ووجّه مشاعره كلها إليه، وخلص لله في مقابل خلوص الآخر للخطيئة.. (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ). هنا تبرز سمة الإسلام الأولى: إسلام الوجه-والوجه رمز على الكل-ولفظ أسلم يعني الاستسلام والتسليم. الاستسلام المعنوي والتسليم العملي. ومع هذا فلا بد من الدليل الظاهر على هذا الاستسلام: (ﰁ ﰂ). . فسمة الإسلام هي الوحدة بين الشعور والسلوك، بين العقيدة والعمل، بين الإيمان القلبي والإحسان العملي.. بذلك تستحيل العقيدة منهجًا للحياة كلها وبذلك تتوحد الشخصية الإنسانية بكل نشاطها واتجاهاتها وبذلك يستحق المؤمن هذا العطاء كله: (ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ). الأجر المضمون لا يضيع عند ربهم.. والأمن الموفور لا يساوره خوف، والسرور الفائض لا يمسه حزن.. وتلك هي القاعدة العامة التي يستوي عندها الناس جميعًا. فلا محسوبية عند الله سبحانه ولا محاباة»220.
والآية ذكرت جزاء من أسلم وجهه لله وهو محسن بأن أجره على الله ولا خوف عليه ولا حزن، (ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ)، فضمن لهم تعالى على ذلك تحصيل الأجور، وآمنهم مما يخافونه من المحذور، ولا خوف عليهم فيما يستقبلونه، ولا هم يحزنون على ما مضى مما يتركونه221.
وقد أفادت الآية الكريمة ما يأتي:
أولهما: أن يكون خالصًا لله وحده.
ثانيهما: أن يكون مطابقًا للشريعة التي ارتضاها الله تعالى وهي شريعة الإسلام222.
ونخلص من هذا أن الإحسان جزاؤه عظيم، والمتصف به موعود بالأجر الكثير، وأنه لا خوف عليه ولا حزن، وهذا هو الذي يسعى إليه الناس ويرجونه.
خامسًا: ولاية الله عز وجل:
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «وولاية الله موافقته بأن تحب ما يحب وتبغض ما يبغض وتكره ما يكره وتسخط ما يسخط وتوالي من يوالي وتعادي من يعادي»224.
ومن كان وليًّا لله سبحانه وتعالى فلا شك ولا ريب أن المعية الإلهية تحوطه وتحفظه وتسدده، ويعيش عيشة مطمئنة، لا خوف فيها ولا حزن، ولا هم ولا غم، ولا نكد ولا كدر.
يقول الله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [يونس:٦٢].
أي: إن أولياء الله الذين يتولونه بإخلاص العبادة له وحده والتوكل عليه ولا يتخذون له أندادًا يحبونهم كحبه، ولا يتخذون من دونه وليًّا ولا شفيعًا يقربهم إليه زلفى (ﭕ ﭖ ﭗ) في الآخرة مما يخاف منه الكفار والفساق والظالمون من أهوال الموقف وعذاب الآخرة (ﭘ ﭙ ﭚ) من لحوق مكروه أو ذهاب محبوب، ولا يعتريهم ذلك فيها، لأن مقصدهم نيل رضوان الله المستتبع للكرامة والزلفى، ولا ريب في حصول ذلك ولا خوف من فواته بموجب الوعد الإلهي225.
يقول السعدي: «يخبر تعالى عن أوليائه وأحبائه، ويذكر أعمالهم وأوصافهم، وثوابهم فقال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) فيما يستقبلونه مما أمامهم من المخاوف والأهوال.
(ﭘ ﭙ ﭚ) على ما أسلفوا، لأنهم لم يسلفوا إلا صالح الأعمال، وإذا كانوا لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ثبت لهم الأمن والسعادة، والخير الكثير الذي لا يعلمه إلا الله تعالى»226.
وقال الإمام الشوكاني: «والمراد بأولياء الله خلص المؤمنين؛ كأنهم قربوا من الله سبحانه بطاعته واجتناب معصيته، وقد فسر سبحانه هؤلاء الأولياء بقوله: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [يونس:٦٣].
أي: يؤمنون بما يجب الإيمان به ويتقون ما يجب عليهم اتقاؤه من معاصي الله سبحانه»227.
وقال الدكتور إبراهيم هلال: «وهذا المعنى الذي يدور بين الحب والقرب هو الذي أراده القرآن الكريم من كلمة ولي ومشتقاتها في كل موضع أتى بها فيه سواء في جانب أولياء الله أو في جانب أولياء أعداء الله وأعداء الشيطان»228.
ثم إن من شرط ولاية الله سبحانه وتعالى هو أن يؤمن الإنسان بالله وبرسوله وأن يتبع الرسول في الظاهر والباطن، وكل من يدعي محبة الله وولايته بدون متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فهو كاذب.
قال تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [آل عمران:٣١].
وذكرت الآية جزاء هؤلاء فقال الله سبحانه وتعالى: (ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ).
قال أبو السعود: «(ﭕ ﭖ ﭗ) في الدارين من لحوق مكروهٍ، (ﭘ ﭙ ﭚ) من فوات مطلوب، أي: لا يعتريهم ما يوجب ذلك، لا أنه يعتريهم، لكنهم لا يخافون ولا يحزنون، ولا أنه لا يعتريهم خوفٌ وحزنٌ أصلًا، بل يستمرون على النشاط والسرور، كيف لا واستشعار الخوف والخشية استعظامًا لجلال الله سبحانه وهيبته واستقصارًا للجد والسعي في إقامة حقوق العبودية من خصائص الخواصّ والمقرّبين، والمراد بيان دوام انتفائهما لا بيان انتفاء دوامهما، كما يوهمه كون الخبر في الجملة الثانية مضارعًا لما مر مرارًا من أن النفي إن دخل على نفس المضارع يفيد الاستمرار والدوام بحسب المقام، وإنما يعتريهم ذلك؛ لأن مقصدهم ليس إلا طاعة الله تعالى ونيل رضوانه المستتبع للكرامة والزّلفى، وذلك مما لا ريب في حصوله ولا احتمال لفواته بموجب الوعد بالنسبة إليه تعالى، وأما ما عدا ذلك من الأمور الدنيوية المترددة بين الحصول والفوات فهي بمعزل من الانتظام في سلك مقصدهم وجودًا وعدمًا حتى يخافوا من حصول ضارّها أو يحزنوا بفوات نافعها»229.
ولعلنا ندرك كذلك مكانة الولاية وعظيم نفعها عندما نقرأ حديث النبي صلى الله عليه وسلم : (إن الله قال: من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته:كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته)230.
فولي الله إذا حزبه أمر أو نزل به كرب أو ألمت به حاجة فهو دائمًا ملتجئ إلى الله يسأله ويستعيذه ويطلب منه ما يريد، يقول ابن دقيق العيد: «قوله: (ولئن استعاذني لأعيذنه) يدل على أن العبد إذا صار من أهل حب الله تعالى لم يمتنع أن يسأل ربه حوائجه ويستعيذ به ممن يخافه والله تعالى قادر على أن يعطيه قبل أن يسأله وأن يعيذه قبل أن يستعيذه ولكنه سبحانه متقرب إلى عباده بإعطاء السائلين وإعاذة المستعيذين»231.
سادسًا: الشكوى إلى الله:
الحياة لا تخلو من مصائب ومحن، وقد تزيد على الإنسان فلا يجد بدًّا من شكواها؛ ليخفف عن نفسه، وينفس من كربه، وفي سير الأنبياء والصالحين دروس للمصابين، فقد شكوا ما أصابهم إلى ربهم، فعاد عاقبة ذلك سكون القلب وتفريج الكرب.
والشكوى إلى الله عبادة، وهي من أسباب ذهاب الأحزان، وقد ذكر الله عن نبيه يعقوب عليه السلام عندما بلغ به الحزن مبلغًا أنه شكا ذلك إلى ربه، قال الله سبحانه وتعالى: (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [يوسف:٨٦].
أي: قال لهم يعقوب عليه السلام :لست أشكو غميّ وحزني إليكم، وإنما أشكو ذلك إلى الله، فهو الذي تنفع الشكوى إليه، (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) أي: أعلم من رحمته وإحسانه ما لا تعلمون أنتم، فأرجو أن يرحمني ويلطف بي ويأتيني بالفرج من حيث لا أحتسب232.
والبث: أشد الحزن، سمي بذلك؛ لأن صاحبه لا يصبر عليه حتى يثبته، أي: يظهره233، فإذا شكاه إلى من يفرجه ويكشفه خفف عنه ذلك ونفس عنه ما يجد، فيعقوب عليه السلام عندما زاد حزنه شكا إلى ربه ما يجد من هم وحزن وهو يؤمل أن الله سيكشف كربه ويزيل همه.
قال أبو زهرة: «(ﯹ) من أدوات الحصر، أي: أنه لا يشكو همومه العارضة، وأحزانه الدفينة إليكم، بل يشكوها إلى اللّه وحده.
(ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ)، هذه الجملة تحوي في نفسه كل الرجاء الذي يرجوه والأمل الذي يأمله، وفيه دلالة على أنه يعلم أن اللّه كاشف كربه، مزيل همه، وهو من علم اللّه تعالى، لا من علم أحد، يعلمه بالإلهام أولًا، وبرجائه في اللّه ثانيًا، وبرؤيا يوسف الصادقة ثالثًا، ففيها أنه رأى الشمس والقمر وأحد عشر كوكبًا له ساجدين، وتأويل الرؤيا أن يكون في ظل يوسف، وهو في عز مكين، وإن ذلك واقع لا محالة»234.
سابعًا: الإنفاق في الخير:
رتب الله سبحانه وتعالى على الإنفاق أجورًا عظيمة، وفضائل كثيرة، يجنيها المنفق في الدنيا والآخرة، بل إن الله سبحانه وتعالى وعد المنفق بالخلف في ماله، (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [سبأ:٣٩].
وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في موطنين من سورة البقرة، أن الذين ينفقون أموالهم في الخير فإن جزاءهم أنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزون، وذكر في موطن ثالث: أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتو الزكاة، والزكاة هي إنفاق ولكن هذا الإنفاق واجب، فجزاؤهم أنهم لا خوف عليه ولا هم يحزنون.
فهذه المواطن الثلاثة تبين لنا أن الحزن منفي عن الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله سرًّا وعلانية.
يقول الله سبحانه وتعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [البقرة:٢٦٢].
وقال تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [البقرة:٢٧٤].
وقال تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [البقرة:٢٧٧].
فقوله: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ)، أي: إن الذين يبذلون أموالهم يبتغون بذلك مرضاة ربهم، ولا يتبعون ذلك بمنهم على من أحسنوا إليهم ولا بإيذائهم، لهم عند ربهم ثواب لا يقدر قدره، ولا خوف عليهم حين يخاف الناس وتفزعهم الأهوال، ولا هم يحزنون حين يحزن الباخلون الممسكون عن الإنفاق في سبيل الله، إذ هم أهل السكينة والاطمئنان والسرور الدائم235.
وقوله: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ)، أي: الذين ينفقون أموالهم في كل وقت وكل حال، لا يحصرون الصدقة في الأيام الفاضلة أو رؤوس الأعوام ولا يمتنعون عن الصدقة في العلانية إذا اقتضت الحال العلانية، وإنما يجعلون لكل وقت حكمة ولكل حال حكمها؛ إذ الأوقات والأحوال لا تقصد لذاتها، وقوله: فلهم أجرهم عند ربهم يشعر أن هذا الأجر عظيم، وفي إضافتهم إلى الرب ما فيها من التكريم236.
يقول المراغي: «المعنى: إن الذين ينفقون أموالهم في جميع الأزمنة وفي سائر الأحوال، ولا يحجمون عن البذل إذا لاح لهم وجه الحاجة إلى ذلك، لهم ثوابهم عند ربهم في خزائن فضله، (ﮞ ﮟ ﮠ) حين يخاف الباخلون من تبعة بخلهم بالمال وحبسه حين الحاجة إلى بذله في سبيل الله، (ﮡ ﮢ ﮣ) على ما فاتهم من صالح العمل الذي يرجون به ثواب الله.
ذاك أن نفوسهم قد سمت وبلغت حدًّا من الكمال لم يبق لسلطان المال معه موضع في قلوبهم، وأصبحت مرضاته الشغل الشاغل لهم، فلا يستريح لهم بال إلا إذا سدوا خلّة محتاج أو آسوا جراح مكلوم، أو أشبعوا بطن جائع، أو جهزوا جيشًا يسدّون به ثغرة فتحها عدو، وهؤلاء هم المؤمنون حقًّا الذين يبتغون فضلًا من ربهم ورضوانًا.
وإنما قدم الليل على النهار، والسرّ على العلانية للإيماء إلى تفضيل صدقة السرّ على صدقة العلانية، وجمع بين السرّ والعلانية للإيماء إلى أن لكل منهما موضعًا تقتضيه المصلحة قد يفضل فيه سواه، إذ الأوقات والأحوال لا تقصد لذاتها»237.
فالآيتان تبين لنا أن الله تبارك وتعالى مدح الذين ينفقون في سبيله ثم لا يتبعون ما أنفقوا من الخيرات والصدقات منًّا على ما أعطوه، ولا أذىً مع من أحسنوا إليه، ومدح الذين ينفقون في سبيله وابتغاء مرضاته في جميع الأوقات من ليل ونهار، والأحوال من سر وجهر238.
وقد بين الله تعالى في ثلاث جمل حسن عاقبتهم، وعظيم ثوابهم، وهذه الجمل تبين جزاءهم الذي وعدهم الله به وهو ثلاثة أنواع:
أولها: الثواب يوم القيامة، وفي الدنيا، وذلك بالبركة، وبفضل التعاون الذي توجده الصدقة والإنفاق في سبيل الله؛ ثم بالنعيم المقيم يوم القيامة. وقد سمى سبحانه وتعالى ذلك أجرًا، (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) وسماه في مواضع أخرى جزاء، مع أنه المعطي والمانع، والرازق والباسط، وذلك تفضل منه وكرم، ولنتعلم من الله عدم المنّ في العطاء.
والثاني من الجزاء: الأمن من الخوف؛ إذ قال سبحانه: (ﮞ ﮟ ﮠ) والصدقة تؤمن من الخوف في الدنيا وفي الآخرة، فهي أمن من عذاب الله يوم القيامة؛ إذ إنها تكفر السيئات، كما قال تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ)[هود:١١٤].
وكما قال صلى الله عليه وسلم: (الصدقة تطفئ الخطيئة)239.
أما الأمن من الخوف في الدنيا، فلأن الإنفاق في مواضع الإنفاق وقاية للمجتمع من غوائل الفقر، وعوامل التخريب، فلا يحصن مال الغني إلا الإنفاق في كل ما يعود على الفقير والمجتمع بالنفع، وإن الأمن من الخوف بالإنفاق واضح كل الوضوح في الإنفاق لإمداد القوات المجاهدة في الدفاع عن الأمة، كما هو واضح في سد حاجات الفقير، وتهيئة فرص الحياة الرفيعة والعمل له.
والثالث من أنواع الجزاء: نفي الحزن، والبعد عن أسبابه. والحزن هم نفسي؛ ولذا عبر عنه بالفعل الذي يصور النفس والشخص فقال سبحانه: (ﮡ ﮢ ﮣ) وهم النفس يدفع بالاعتماد على الله، وطلب رضاه، واطمئنان الضمير، وبرد اليقين، وذلك كله يتحقق في الدنيا بالصدقة، وزوال الحزن في الآخرة بها أعظم وأكبر240.
وقال طنطاوي: «(ﮡ ﮢ ﮣ) أي: لا يصيبهم ما يؤدي بهم إلى الحزن والهم والغم، لأنهم دائمًا في اطمئنان يدفع عنهم الهموم والأحزان»241.
فتحصل مما سبق أن من علاجات الحزن الإنفاق في سبيل الله ابتغاء مرضاته، فمن فعل ذلك وقاه الله الحزن، ودفعه عنه.
وبعد هذه النصوص القرآنية التي ذكرها الله سبحانه وتعالى نرى أن علاج الحزن في كتاب ربنا متوفر، وهو يسير على من يسره الله عليه، فكتاب ربنا ما ترك خيرًا إلا ودلنا عليه ولا شرًّا إلا وحذرنا منه.
موضوعات ذات صلة: |
البكاء، السعادة، الغم، الفرح، اليأس |
1 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس، ٢/ ٥٤.
2 تهذيب اللغة، الأزهري، ٤/ ٢١١.
3 انظر: مختار الصحاح، الرازي، ص ٧٢، القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص ١١٨٩.
4 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٢٣١.
5 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١٣/ ١١٤، القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص ١١٨٩، تاج العروس، الزبيدي ٣٤/٤١٦.
6 تفسير القرآن، السمعاني ٣/ ١٢.
7 التعريفات، الجرجاني ص ٨٦.
8 التوقيف، المناوي، ص ١٣٩.
9 المنار، محمد رشيد رضا ٧/ ٣١٠.
10 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص ١٩٩-٢٠٠.
11 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني، ص ٢٣١.
12 مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/ ١٥٢.
13 الكليات، الكفوي ص ٧٧٣.
14 الفروق اللغوية، العسكري ص ٤٤٣.
15 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٦١٣- ٦١٤، لسان العرب، ابن منظور ١٢/ ٤٤١.
16 المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ٢/ ٦٦٣.
17 الفروق اللغوية، العسكري ص ٥٦٠.
18 الصحاح، الجوهري ٤/١٣٣٠.
19 التوقيف، المناوي ص ٥٠
20 الفروق اللغوية، العسكري ص ١١١، ٥٦٠.
21 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/ ٦١، مختار الصحاح، الرازي ص ٧٢.
22 التوقيف، المناوي ص ١٤٠.
23 التعريفات، الجرجاني ص ٨٧.
24 الفروق اللغوية، العسكري ص ٢٦٧.
25 معجم اللغة العربية المعاصرة، أحمد مختار ١/ ٤٩٣.
26 الكليات، الكفوي ص ٣٥٩.
27 العين، الفراهيدي ٣/ ٣٥٧.
28 المفردات، الراغب الأصبهاني ص ٨٤٥.
29 انظر: الكليات، الكفوي ص ٩٦٠، الفروق اللغوية، العسكري ص ١٨٤.
30 الفوائد، ابن القيم ص ٢٦.
31 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس، ٤/ ٤٩٩.
32 المفردات، الراغب الأصفهاني، ص ٦٢٨.
33 أخرجه البيهقي في شعب الإيمان، ١/٣٩٧.
34 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٠٤.
35 التفسير الوسيط، طنطاوي ٢/ ٣٤٦.
36 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنا بك لمحزونون)، ٢/ ٨٣، رقم ١٣٠٣.
37 مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين ١٧/٤١٩.
38 تفسير القرآن العظيم، ٦/ ٣١١.
39 التفسير الوسيط، طنطاوي ١١/ ١٢٧.
40 تفسير القرآن العظيم، ٥/ ٢٨٣.
41 انظر: صفوة التفاسير، الصابوني ٣/٢١.
42 محاسن التأويل، ٤/ ٣٤٥.
43 جامع البيان، ٢٠/ ٥٥٣.
44 تفسير القرآن العظيم، ٦/ ٥٢٨.
45 الحجة للقراء السبعة، أبو علي الفارسي ٥/ ٤١٢.
46 البسيط، الواحدي ١٧/ ٣٣٦.
47 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٧/ ٤.
48 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٦١٢.
49 جامع البيان، ١٩/ ٥٢٣.
50 معالم التنزيل، ٦/ ١٩٣.
51 جامع البيان، الطبري ١٩/ ٥٢٤.
52 روح المعاني، ١٠/ ٢٥٧.
53 انظر: تفسير المراغي، ١٠/ ١٨٣.
54 أخرجه الطبري في تفسيره ١٤/٤٢١.
55 في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/١٦٨٥.
56 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ٦/٣٨٠.
57 المصدر السابق.
58 انظر: جامع العلوم والحكم، ابن رجب ٢/ ٥٦.
59 مدارج السالكين، ابن القيم ١/ ٥٠١.
60 انظر: التفسير الميسر، مجمع الملك فهد ١/ ٦٩.
61 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١٥٣.
62 انظر: روح المعاني، ٢/٢٨١.
63 أيسر التفاسير، الجزائري ١/ ٣٩٥.
64 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ٤/ ١٢٨.
65 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٥/ ٣٨٢.
66 المصدر السابق ١٧/ ٢٩٠.
67 أيسر التفاسير، ٥/ ٢٩٠.
68 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/ ٧٥.
69 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاستئذان، باب لا يتناجى اثنان دون الثالث، ٨/ ٦٤، رقم ٦٢٨٨.
70 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب السلام، باب تحريم مناجاة الاثنين دون الثالث بغير رضاه، ٤/١٧١٨، رقم ٢١٨٤.
71 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب السلام، باب تحريم مناجاة الاثنين دون الثالث بغير رضاه، ٤/١٧١٨، رقم ٢١٨٤.
72 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٧/ ٢٩٥.
73 أخرجه مالك في الموطأ، ٢/ ١٦٧.
74 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٧/ ٢٩٥.
75 الكشف والبيان، الثعلبي ٩/ ٢٥٧.
76 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٨/ ٣٤.
77 مصارع العشاق، السراج البغدادي ١/١٦٠.
78 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/ ٣٢٠.
79 لطائف الإشارات، ٢/ ١٧٢.
80 مفاتيح الغيب، الرازي ١٨/ ٤٢٦.
81 أيسر التفاسير، الجزائري ٤/ ٥٤.
82 جامع البيان، الطبري ١٨/ ٣٠٥.
83 تفسير المراغي ٢٠/ ٤١.
84 التحرير والتنوير، ١٦/ ٢١٩.
85 أضواء البيان، الشنقيطي ٤/ ١١.
86 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٠٤.
87 معالم التنزيل، البغوي ٤/ ٢٦٧.
88 أنوار التنزيل، البيضاوي ٣/ ١٧٤.
89 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنا بك لمحزونون)، ٢/ ٨٣، رقم ١٣٠٣.
90 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال وتواضعه وفضل ذلك، ٤/ ١٨٠٧، رقم ٢٣١٥.
91 مدارج السالكين، ابن القيم ١/٥٠٠.
92 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١٥٧.
93 تفسير القرآن العظيم، ٢/ ١٧٣.
94 مفاتيح الغيب، الرازي ١١/ ٣٥٨.
95 محاسن التأويل، ٢/ ٤٦٢.
96 لباب التأويل، ٢/ ٤٣.
97 مفاتيح الغيب، ٢٥/ ١٢٦.
98 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٦٥٠.
99 تفسير المراغي، ٢١/ ٩١.
100 نظم الدرر، البقاعي ١٥/ ١٩٠.
101 المصدر السابق ١١/ ٨٨.
102 المصدر السابق ١١/ ٢٨٤.
103 معالم التنزيل، ٥/ ٥٤.
104 فتح القدير، ٣/ ٢٤٣.
105 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/ ١٨٨.
106 مدارك التنزيل، ٢/ ٦١٩.
107 أنوار التنزيل، ٤/ ١٦٦.
108 تفسير المراغي، ١٤/ ٤٦.
109 مفاتيح الغيب، ١٢/ ٥١٧.
110 محاسن التأويل، ٤/ ٣٤٥.
111 إرشاد العقل السليم، ٣/ ١٢٦.
112 أخرجه الطبري في تفسيره ١١/ ٣٣٣.
113 جامع البيان، ١٥/ ١٤٢.
114 روح المعاني، ٦/ ١٤٤.
115 جامع البيان، ٢٠/ ٥٥٣.
116 في ظلال القرآن، ١/٤٧٨.
117 المنار، محمد رشيد رضا ٤/ ١١٩.
118 جامع البيان، الطبري ٧/ ٢٣٤.
119 المصدر السابق ٧/ ٣١٤.
120 المصدر السابق.
121 تيسير الكريم الرحمن، ص ١٤٩.
122 تفسير القرآن العظيم، ٦/ ٢٥٠.
123 في ظلال القرآن، ٥/ ٢٧٣٤.
124 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٩٢.
125 المصدر السابق.
126 المصدر السابق.
127 جامع البيان، الطبري ١٤/ ٢٥٨.
128 تفسير القرآن، العز بن عبد السلام ٢/ ٢٢.
129 بفتح الراء، وسكون الكاف: إناء صغير من جلد، يشرب منه الماء.
انظر: شرح أبي داود، العيني ١/ ١٤٥.
130 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، ٦/ ١٣، رقم ٤٤٤٩.
131 فتح القدير، ٤/ ٥٩٠.
132 روح المعاني، ٢/ ٣٠٥.
133 معالم التنزيل، ٢/ ١٢٠.
134 تفسير القرآن العظيم، ٢/ ١٢٧.
135 جامع البيان، ٢٣/ ١٩٧.
136 تفسير المراغي، ٢٧/ ١٨١.
137 انظر: تفسير المراغي ١٧/ ٧٣.
138 فتح القدير، ٣/ ٥٠٧.
139 تفسير القرآن العظيم، ٥/ ٣٣٤.
140 الجامع لأحكام القرآن، ١١/ ٣٤٦.
141 روح المعاني، ٩/ ٩٣.
142 انظر: صفوة التفاسير، الصابوني ٣/ ١٥٣.
143 انظر: الهداية الى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ١٠/٦٦٩٦.
144 جامع البيان، ٢١/ ٦٣٨.
145 المصدر السابق.
146 فتح القدير، ٤/ ٦٤٤.
147 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٧٦٩.
148 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب في دوام نعيم أهل الجنة، ٤/ ٢١٨١، رقم ٢٨٣٦.
149 مسند أحمد، ١٥/ ٢٢٩، رقم ٩٣٩١.
150 التحرير والتنوير، ٢٢/ ٣١٦.
151 أيسر التفاسير، ٤/ ٣٥٦.
152 محاسن التأويل، ٥/ ٦٣.
153 المنار، محمد رشيد رضا ٨/ ٣٨٩.
154 العذب النمير، الشنقيطي ٣/٣٠١- ٣٠٢.
155 جامع البيان، ٧/ ٣٩٥.
156 تفسير المراغي، ٤/ ١٣٢-١٣٣.
157 المنار، محمد رشيد رضا ٤/ ١٩٣.
158 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المرضى، باب ما جاء في كفارة المرض، ٧/ ١١٤، رقم ٥٦٤١.
159 أيسر التفاسير، الجزائري ١/ ٤٧.
160 انظر: تفسير المراغي، ١/ ٩٧.
161 انظر: المصدر السابق.
162 انظر: أيسر التفاسير، الجزائري ١/ ٤٧.
163 انظر: تفسير المراغي، ١/ ٩٧.
164 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٥٠.
165 انظر: تفسير القرآن الكريم، ابن عثيمين، الفاتحة والبقرة ١/٢٢١ -٢٢٢.
166 انظر: المصدر السابق.
167 تفسير القرآن العظيم، ١/ ١٨٢.
168 لطائف الإشارات، ١/ ٩٦.
169 انظر: تفسير القرآن الكريم، ابن عثيمين، الفاتحة والبقرة ١/ ٢٢٣.
170 انظر: تفسير المراغي، ١/ ١٩٥.
171 انظر: معالم التنزيل، البغوي ١/ ١٣٧.
172 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٦٣.
173 انظر: تفسير القرآن الكريم، ابن عثيمين، الفاتحة والبقرة ٣/٣٨٠.
174 البحر المحيط، أبو حيان ٢/ ٧١١.
175 جامع البيان، ٦/ ٢١.
176 انظر: تفسير القرآن الكريم، ابن عثيمين، الفاتحة والبقرة ٣/ ٣٨٢.
177 انظر: جامع البيان، الطبري ١١/ ٣٦٩.
178 زهرة التفاسير، ٥/ ٢٥٠٧.
179 التفسير الوسيط، ١/ ٥٥٢.
180 العذب النمير، الشنقيطي ١/ ٢٨٣.
181 تفسير المراغي، ٢٢/ ٢٤.
182 روح المعاني، ١١/ ٢٣٩.
183 أخرجه الترمذي في سننه، كتاب النكاح، باب ما جاء في التسوية بين الضرائر، ٣/٤٣٨، رقم ١١٤٠، وابن ماجه في سننه، كتاب النكاح، باب القسمة بين النساء، ١/٦٣٣، رقم ١٩٧١.
وضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير، رقم ٤٥٩٣.
184 التفسير الوسيط، ١١/ ٢٣٣.
185 الآداب الشرعية، ابن مفلح ٢/٢٤٢.
186 مجموع فتاوى ابن تيمية، ٧/ ١٦٣.
187 جامع العلوم والحكم، ابن رجب١/ ٣٩٨.
188 الرسالة التبوكية، ابن القيم ص ١٣.
189 انظر: تفسير المراغي، ٨/١٤٥.
190 تفسير القرآن العظيم، ٣/٣٦٨.
191 تيسير الكريم الرحمن، ص ٢٨٧.
192 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/ ١٠٠.
193 تيسير الكريم الرحمن، ص ٧٢٨.
194 انظر: جامع البيان، الطبري ٢١/٣١٩.
195 تفسير المراغي، ٢٤/ ٢٧.
196 روائع التفسير، ابن رجب الحنبلي ١/٥٧٨.
197 تفسير القرآن العظيم، ٨/١٧٤.
198 الفوائد، ابن القيم ص ٣١.
199 جامع العلوم والحكم، ابن رجب ١/٥١٠.
200 لطائف الإشارات، ٣/ ٣٢٧.
201 جامع العلوم والحكم، ١/٥١١.
202 المنهاج شرح صحيح مسلم، النووي ٢/٩.
203 روح المعاني، الألوسي ١٣/ ١٧٣.
204 مدارج السالكين، ٢/١٠٤.
205 ذكر هذه النقول ابن القيم، انظر: مدارج السالكين ٢/١٠٤.
206 لطائف الإشارات، ٣/٣٢٧.
207 روح المعاني، ٢/٣٣.
208 انظر: مدارج السالكين، ابن القيم ٢/١٠٦.
209 جامع البيان، ٢٢/ ١١١.
210 لطائف الإشارات، ٣/ ٣٢٨.
211 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: (إن الله عنده علم الساعة)، ٦/ ١١٥، رقم ٤٧٧٧، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب معرفة الإيمان والإسلام، ١/ ٣٦، رقم ٨.
212 أخرجه الطبري في تفسيره ١٧/ ٢٨٠.
213 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٦٢.
214 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، ٣/ ١٣٤٣، رقم ١٧١٨.
215 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ١/ ٣٧٦.
216 انظر: المنار، محمد رشيد رضا ١/ ٣٥١.
217 التفسير الوسيط، طنطاوي ١/ ٢٥٠.
218 انظر: المنار، محمد رشيد رضا ١/ ٣٥١.
219 في ظلال القرآن، ١/ ١٠٣.
220 المصدر السابق، ١/ ١٠٤.
221 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/ ٢٦٧.
222 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ١/ ٢٥٠.
223 انظر: موسوعة فقه القلوب، التويجري ٢/ ١٤٢٨.
224 الاستقامة، ٢/ ١٢٨.
225 انظر: تفسير المراغي، ١١/ ١٢٩.
226 تيسير الكريم الرحمن، ص ٣٦٨.
227 فتح القدير، ٢/ ٥١٩.
228 ولاية الله، إبراهيم هلال ص ٧١.
229 إرشاد العقل السليم، ٤/ ١٥٨.
230 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقائق، باب التواضع، ٨/ ١٠٥، رقم ٦٥٠٢.
231 شرح الأربعين النووية، اابن دقيق العيد ص ١٢٨.
232 صفوة التفاسير، الصابوني ٢/ ٥٩.
233 معالم التنزيل، البغوي ٤/ ٢٦٨.
234 زهرة التفاسير، ٧/٣٨٥٢.
235 انظر: تفسير المراغي، ٣/ ٣١.
236 المنار، محمد رشيد رضا ٣/ ٧٨.
237 تفسير المراغي، ٣/ ٥٢.
238 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٥٣٢.
239 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب السفر، باب ما ذكر في فضل الصلاة، ٢/ ٥١٣، رقم ٦١٤.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٥١٣٦.
240 انظر: زهرة التفاسير، أبو زهرة ٢/ ١٠٣٩ - ١٠٤٠.
241 التفسير الوسيط، طنطاوي ١/ ٦٣٠.