عناصر الموضوع
الحرب
أولًا: المعنى اللغوي:
الحرب: نقيض السلم، ورجل محرب، أي: شجاع، وفلانٌ حَرْبُ فلان، أي: يحاربه، وحرّبته تحريبًا، أي: حرّشته على إنسان فأولع به وبعداوته1.
وقيل: يراد به القتال والترامي بالسّهام، ثم المطاعنة بالرماح، ثم المجالدة بالسيوف، ثم المعانقة، والمصارعة إذا تزاحموا2.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
الحرب: صراع بين مجموعتين، تسعى إحداهما لتدمر الأخرى، أو التغلب عليها 3.
وقد يقصد من الحرب تحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية أو أيدلوجية أو لأغراضٍ توسعيّة، وهي عادة آخر الأوراق بيد السياسة.
فالمعنى الاصطلاحي متفق مع المعنى اللغوي، فكلاهما يدلان على نقيض السلم.
وردت مادة (حرب) في القرآن (٦) مرات4.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
١ |
(ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [التوبة:١٠٧] |
الفعل المضارع |
١ |
(ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [المائدة:٣٣] |
المصدر |
٤ |
(ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ) [المائدة:٦٤] |
وجاءت الحرب في القرآن على وجهين5:
الأول: القتال، ومنه قوله تعالى: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [الأنفال:٥٧]، أي: في القتال.
الثاني: المخالفة للشرع والإفساد في الأرض، ومنه قوله تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [المائدة:٣٣]، يعني: إنما جزاء الذين يخالفون أحكام الله ورسوله، ويسعون في الأرض فسادًا وإفسادًا.
القتال:
القتال لغةً:
من قاتل فلان فلانًا، وقاتله مقاتلة وقتالًا، وهو بمعنى المحاربة والمقاتلة، ولا يكون إلا بين اثنين6.
القتال اصطلاحًا:
القتال صيغة مبالغة من القتل، والمقاتلة هي القتال ولا يكون إلا بين اثنين7.
الصلة بين القتال و الحرب:
والقتال بهذا التعريف يكون صورة من صور الحرب، فالحرب أعم وأشمل وتتعدد صورها، بينما القتال ليس له إلا صورة واحدة، وكلاهما يكون مع الغير.
الغزو:
الغزو لغة:
القصد، والغزو: السير إلى قتال العدو، يقال: غزا يغزو غزوًا فهو غاز، وجمعه غزاة وغز8.
الغزو اصطلاحًا:
عرفه الأصفهاني بقوله: «الغزو الخروج إلى محاربة العدو»9.
الصلة بين الغزو والحرب: الحرب والغزو بينهما عموم وخصوص، فالحرب أعم وأشمل من الغزو، إذ الغزو فيه من التحرك و المسير لملاقاة العدو في عقر داره، وهو صورة من صور الحرب، بينما الحرب تشمل الغزو وغيره من أنواع الحروب، وكلاهما يكون مع الغير.
الجهاد:
الجهاد لغة:
الجهاد: المبالغة واستفراغ الوسع في الحرب، أو اللّسان، أو ما أطاق من شيءٍ، والاجتهاد والتّجاهد: بذل الوسع والمجهود 10.
الجهاد اصطلاحًا:
الجهاد والمجاهدة: استفراغ الوسع في مدافعة العدو11، وزاد بعضهم وغلب استعماله شرعًا في الدعوة إلى الدين الحق12.
الصلة بين الحرب والجهاد:
الحرب والجهاد بينهما عموم وخصوص، فالجهاد أعم من الحرب، فكل مجاهد ناصرًا للدين، ورافعًا لكلمة الله، فهو محارب لأعداء الله ودينه، وليس كل محارب مجاهدًا، فقد يريد بحربه مطالب دنيوية.
والحرب صراع وخصومة بين طرفين، بينما الجهاد قد يكون مجاهدة الإنسان لنفسه، لتهذيبها، وإلزامها أمر الله.
وفي الحرب يحاول كل طرف أن يحقق غايته في خصمه، بينما الجهاد: استفراغ الجهد لمصلحة الدين، ويكون فيه تمني الصلاح للطرف الآخر، وليس بالضرورة قهره.
السلم:
السلم لغةً:
السّلم والسّلم والسّلم، وقد قرئ على ثلاثة أوجه، والسّلم: ضد الحرب13.
السين واللام والميم معظم بابه من الصّحّة والعافية، والسّلام: المسالمة14.
السلم اصطلاحًا:
الذي يهمنا في هذه الدراسة ما هو ضد الحرب، وهو حالة نفسية تسود أفراد المجتمع نتيجة وحدة الأهداف والغايات والتصورات، تجعلهم يشعرون بالأمان والسكينة في كل نواحي الحياة.
الصلة بين الحرب والسلم:
الحرب نتيجة للخلاف، والسلم نتيجة للود والوئام، فهما حالتان متضادتان، لا تجتمعان، ولا ترتفعان، فإذا ساد أحدهما رفع الآخر.
أذن الله لرسوله وللمؤمنين بالحرب على المشركين وأعوانهم، وتكفّل الله بالنصر لرسوله وللمؤمنين، وبيّنت الآيات أنً الكافرين كلما أوقدوا نارًا تكفّل الله لرسوله وللمؤمنين بإطفائها، وذلك حكمة من الله، سنتعرف على ذلك في النقاط الآتية:
أولًا: حكمة إسناد الحرب لله تعالى ولرسوله:
إن من أشد وأقسى أنواع الحروب الحاسمة، ما كان بين قوتين غير متكافئتين، فإعلان الحرب من الله على العصاة، وإعلان المجاهرين بالفساد في الأرض الحرب على الله، تمثلان نوعًا من حرب غير متكافئة، تجعل من أعداء الله عبرة عبر الزمان، لذا سنجعل الحديث في مسألتين:
المسألة الأولى: إعلان الحرب من الله تبارك وتعالى على العصاة.
قال عز وجل: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [البقرة:٢٧٩].
تنشأ الحرب بين البشر من قديم الزمان، وكلما كان أحد أطراف الحرب ذا سطوة وقوة ومنعة، ويمتلك من الآلات والوسائل والجند ما لا يملكه الآخر، وكان لديه من العلم والخبرة والقدرة على التعمية على الخصم، والمكر به، وأخذه على حين غرة، كانت نتائج هذه الحرب محسومة لصالحه، وهذا لا يتنازع فيه خصمان.
والله عز وجل قد وصف نفسه في كتابه العزيز بكل صفات القوة والمنعة، والإحاطة بأسرار هذا الكون، وخضوع كل ما فيه لأمره، وإرادته، وتدبيره، لذلك فإن الله إذا أعلن حربًا على أحد، أذله وقهره، ويمكن بيان بعض هذه الصفات التي وصف الله بها نفسه، لبيان قهره وبطشه بكل من يخالف عن أمره من خلال القرآن الكريم، وهي كما يأتي:
قال تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [الذاريات:٥٨].
فهذا «بيان لعظمته عز وجل، وأن شأنه مع عبيده لا يقاس»15.
قال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [الحشر:٢٣].
قال تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [البروج:١٢].
أي: «مضاعف عنفه؛ فإن البطش أخذ بعنف»16.
قال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [الفتح:٧].
وقال أيضًا: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [المدثر:٣١].
أي: وما يعلم جنود ربك جموع خلقه على ما هم عليه إلا هو، ولا سبيل لأحد من خلقه حصر الممكنات، والاطلاع على حقائقها وصفاتها، وما يوجب اختصاص كل منها بما يخصه من كم وكيف واعتبار ونسبة إلا هو سبحانه17.
قال تعالى: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [هود:١٠٢].
قال تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [الأعراف:٩٧-٩٩].
«والمقصود من الآية أن الله خوفهم بنزول العذاب وهم في غاية الغفلة وهو حال النوم بالليل، وحال الضحى بالنهار؛ لأنه الوقت الذي يغلب على الإنسان التشاغل فيه بأمور الدنيا»18.
قال تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [الأنبياء:٢٣].
قال تعالى: (ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) [الأنعام:١٨].
وقال: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ) [فاطر:٤٤].
قال تعالى: (ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ) [الطلاق:١٢].
قال تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ) [المائدة:٦٤].
فكلما أوقدوا نارًا، أي: أهاجوا شرًّا، وأجمعوا أمرهم على حرب النبي صلى الله عليه وسلم، أو أحد غيره بغير حق لمخالفتهم أمر الله، (أطفأها الله) وقهرهم، ووهن أمرهم، فذكر النار مستعار، فالله يرد كيدهم ويتحكم في قدرهم كيف يشاء19.
إن طرفًا محاربًا يمتلك هذا القدر من القوة والمنعة والقهر لخصمه، لا قبل لأحد بحربه، فردًا كان أو جماعة أو دولة عظيمة مدى الزمان.
قال تعالى مخبرًا عن سطوته بالظلمة العتاة: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [الأنعام:٦].
هذا بعض ما أخبر به الله عز وجل من قوته وتنوع جنده، وما خفي أجل وأعظم، قال تعالى: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [المدثر:٣١].
فقوة الله لا تقارن بقوة المخلوقات، ولا طاقة لعقل الإنسان أن يتخيلها.
والله عز وجل ولي أنبيائه ورسله، وناصرهم ومؤيدهم، قال تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [غافر:٥١].
فكل من يحيد عن أمر الله، أو أمر رسوله صلى الله عليه وسلم، فإنما يعرض نفسه لحرب أعلنها الله عز وجل باسمه واسم رسوله صلى الله عليه وسلم، فهو حتمًا منهزم مقهور.
ففي إسناد الحرب لله تبارك وتعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [البقرة:٢٧٨-٢٧٩].
من الحكم العظيمة، والتهديد والوعيد، والزجر والردع، ما يجعل كل عاقل يفكر مرات عديدة في جملة من الأمور يمكن بيانها في النقاط التالية:
١. قبح جريمة الربا.
فقد ذكر الله تبارك وتعالى في القرآن جرائم عديدة، يرتكبها العصاة من الناس، فما توعد أحدًا منهم كما توعد آكل الربا، المقيم المصر عليه، فهي تدمر المجتمعات البشرية، وتغرس الحقد والجشع في نفوس الناس، وتمنع التراحم بينهم، وتؤسس لهيمنة الأغنياء وأصحاب رؤوس المال على عموم الناس والبسطاء، وتجعل منهم عبيدًا لهم، وتؤسس لحالة من التنازع والصراع التي تفضي لإشعال الحروب والدمار بين المجتمعات البشرية والدول، لا لأجل إحقاق العدل وبسط الأمن والسلم بين الناس، وإنما لأجل دوام حالة الاستعباد والذل التي يرغب أصحاب المال في فرضها على الضعفاء والمقهورين؛ لذا فقد أعلنها الله حربًا على المصرين على جريمة الربا دون غيرها من الجرائم، لأنها تؤسس لكل الجرائم بعدها20.
٢. هزيمة المعاندين.
إن إعلان الحرب من الله على العصاة من المرابين وغيرهم، فيه دلالة على هزيمتهم المؤكدة، وأن وبطشه واقع بهم، وأن عاقبتهم إلى زوال، وذلك جليٌّ من عظيم قوته، وشدة بطشه بالمعاندين، وضعفهم الشديد أمام وجبروته.
٣. وجوب محاربة المقيمين على المعاصي وإقامة الحدود عليهم.
قال عز وجل: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) فيه من الدلالة على وجوب مقاتلة الرسول صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر للمرابين المصرين على عدم الانتهاء من هذه المعاملة المالية الخبيثة، فالحرب من الله بالنار يوم القيامة، وزلزلة نفوسهم، والحرب من الرسول وولاة الأمر بالسيف في الدنيا، حيث نزل سياق الآية في بني عمرو بن عمير من ثقيف وبني المغيرة من بني مخزوم، كان بينهم ربا في الجاهلية، فلما جاء الإسلام، وكانوا قد أمنوا، ودخلوا فيه، فطلبت ثقيف أن تأخذه منهم، فرفضوا ذلك، فرفع عتاب بن أسيد-نائب مكة - الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية، فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه آيات الربا إلى قوله عز وجل: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) فقالوا: نتوب إلى الله، ونذر ما بقي من الربا فتركوه كله.
فمن كان مقيمًا على الربا، لا ينزع عنه، كان حقًّا على إمام المسلمين أن يستتيبه، فإن نزع وإلا ضرب عنقه.
وقال قتادة: أو عدهم الله بالقتل كما يسمعون وجعلهم بهرجًا ، أي: دماؤهم مهدورة21.
رابعًا: تنكير الحرب في سياق الآية:
إن جعل الحرب نكرة بهذا الأسلوب القرآني العظيم يلقي بظلال الرهبة والعظمة في قلوب السامعين، إنها حرب لا طاقة لكم بها، ولا معرفة لكم بكنهها، فهي حرب لن تكون بالسيف وحسب، بل تتعداها خارج نطاق ما تتوقعون، حرب على الأعصاب والقلوب، وحرب على بركة السعة في الأرزاق، تذهب متعة اليسر في الحياة والرخاء، وحرب على السعادة والطمأنينة تجعل المرابي يعيش حالة من البؤس والاضطراب، حرب من الله تقذف في قلوب أعدائه الرعب، ألا ترى قوله عز وجل: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [البقرة:٢٧٥].
إنها حالة تلقي بظلال الكآبة والشدة وفقد الطمأنينة والراحة لدى المرابين22، فإن قالوا: هلا قيل بحرب اللّه ورسوله؟ فالرد القاطع بأن هذا أبلغ، لأن المعنى: فأذنوا بنوع من الحرب عظيم عند اللّه ورسوله23.
المسألة الثانية: إعلان الحرب من العصاة على الله ورسوله.
قال تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [المائدة:٣٣].
ففي ظلال هذه الآية الكريمة، وفي ضوء ما تم بيانه في المسألة الأولى من قوة الله عز وجل، فإن المتأمل في أحوال العصاة والمخالفين لأمر الله تبارك وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم يخرج ببعض من الدلالات، يمكن بيانها في النقاط التالية:
١. جهل المحاربين لله ورسوله بعظمة الخالق.
جاءت آيات القرآن الكريم لتصف العتاة من الكفار والعصاة بالجهل وعدم العلم تارة، والسفاهة ونفي التعقل تارة أخرى.
قال تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [البقرة:١٣].
وصفهم بالسفاهة وعدم العلم.
وقال أيضًا: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [المنافقون:٨].
وصفهم بالجهل فيما يتعلق بصفة العزة لله ولرسوله والمؤمنين، فكيف يستشعرون هذه العزة وهم لا يتذوقونها، وهم منقطعون عن مصدرها الأصيل24.
٢. وجوب معاقبة من حارب الله ورسوله.
أمر الله بمحاربة المفسدين في الأرض من المسلمين، والغلظ عليهم، وأخذهم بما يستحقون من العقوبة الرادعة التي تجعلهم عبرة لمن خلفهم، ففي قوله: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ)، أمر بملاحقة قطاع المسلمين؛ لأن توبة المشرك تدرأ عنه العقوبة قبل القدرة وبعدها، أما من دخل صف المسلمين، ثم خرج لإشاعة الفساد ومحاربة أولياء الله، فلا بد من أخذه بما يستحق، وتوبته لا تسقط حدًّا25.
وقد جعل الله محاربة هذا الصنف من المفسدين من أعظم ما يتقرب به إلى الله.
قال تعالى معقبًا على هذه الآية: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [المائدة:٣٥].
أي: «وجاهدوا في سبيله بمحاربة أعدائه الظاهرة والباطنة، لعلّكم تفلحون بالوصول إلى الله سبحانه وتعالى والفوز بكرامته»26.
٣. الخزي والذل في الدنيا لمن حارب الله ورسوله.
وكما توعد المولى عز وجل المحاربين لله ورسوله بالعقوبة والقصاص في الدنيا توعدهم أيضًا بالذلة والصغار، والفضح على رؤوس الأشهاد.
قال تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) أي: «شر وعار ونكال وذلة وعقوبة في عاجل الدنيا قبل الآخرة»27.
٤. الوعيد بعذاب الآخرة.
لم يتوقف وعيد الله تعالى للمحاربين لله ورسوله في الدنيا، رغم قسوة العذاب وخزيه، بل توعدهم بالعذاب المؤلم يوم القيامة.
قال تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [المائدة:٣٣].
وذلك نكاية فيهم ولبيان عظم جرمهم في حق الله عز وجل وحق رسوله وأوليائه.
فكل من حارب الله ورسوله، وتمرد على شرعه، وأفسد في الأرض، وقطع الطريق، وقتل أنبياء الله وأولياءه، كان مع من غضب الله عليهم فحاربهم، وأمر رسله وأولياءه بمحاربتهم.
ثانيًا: حكمة إسناد إطفاء نار الحرب لله تعالى:
الناس في أصل نار الحرب على قولين:
والذي تميل إليه النفس هو رأي الجمهور لأنه أعم، وله أثره في هزيمة المحاربين وفت عضدهم، وبيان حقد قلوبهم على المؤمنين، مع كون أصل اصطلاح نار الحرب أقرب لأصحاب الرأي الأول، لأن فيه بيان أصل المصطلح.
وسياق قوله عز وجل: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ) [المائدة:٦٤].
يبين بجلاء أن الذين يشعلون الحروب بين الأمم، هم في قبضة الله، إن شاء أبقى نارهم، وسلطها على رقاب من يشاء من الظالمين، قال تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [الأنعام:١٢٩].
وإن شاء أخمدها، ورد كيدهم إلى رقابهم، فهو المتصرف في كل شيء، فالله سبحانه وتعالى وحده المتصرف في شؤون الكون، وجعل أفعال خلقة سترًا لقدره، فعن عمران قال: قيل: يا رسول الله أعلم أهل الجنة من أهل النار؟ قال: فقال صلى الله عليه وسلم: (نعم)، قال: قيل: ففيم يعمل العاملون؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (كل ميسر لما خلق له)30، فلا يكون في الكون إلا ما يشاء، وفق إرادته وحكمته، فمن الناس من خلقوا دعاة هداية للناس، ومنهم من خلق ليكون مصدر فتن وإشعالٍ للحروب، والكل في قبضة الله.
وفي إسناد إطفاء نار حرب الكفار لله عز وجل من الحكم ما يمكن ذكر بعضه في النقاط التالية:
١. تولي الله عز وجل بذاته محاربة المفسدين.
سياق الآية الكريمة يبين أن الله تعالى هو من يتولى بنفسه محاربة المفسدين، وإفشال مخططهم في محاربة المؤمنين، ولا يكل ذلك لأحد من خلقه، وهذا يلقي بظلال الرهبة لكل صاحب بصيرة.
قال تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [الأنفال:٣٠].
وقال: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [النمل:٥٠-٥٢].
٢. قوة الله تعالى وهيمنته على قلوب خلقه.
قال تعالى: (ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ) بيان لقدرته سبحانه تعالى وهيمنته على قلوب خلقه، مؤمنهم وكافرهم، أما المؤمنون فيرد عنهم وساوس الشيطان ويحفظهم من كيده ومكره.
قال تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [الحجر:٤٢].
وأما الكفار فيطفئ نار حربهم، وحقد قلوبهم بإلقاء الرعب في قلوبهم، فتكون هزيمتهم من داخل قلوبهم، كما قال عز وجل: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الحشر:٢].
٣. خذلان الله تعالى للمفسدين في الأرض.
إن الله تعالى لا يرضى تسلط المفسدين على أوليائه المؤمنين، فيتولى بنفسه الدفاع عنهم، فيرد كيد عدوهم فيبوء بالخيبة.
قال تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [الأحزاب:٢٥].
فبعد أن يطفئ نارهم ويتشتت أمرهم، وتظهر خفايا قلوبهم لا تراهم إلا أذلاء مستضعفين منحسرين.
٤. نصر الله تعالى لأوليائه.
تكفل الله عز وجل بنصر أوليائه فقال: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [الروم:٤٧].
ومع ذلك فقد تكون للمفسدين كرة على المؤمنين، عقوبة للمؤمنين لتقصير في طاعة، أو تركهم الأخذ بأسباب القوة، فيسلط الله عليهم عدوهم ليعودوا لدينهم، فإن عادوا رد كيد عدوهم وإطفاء ناره.
قال تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [النساء:١٤١].
وخلاصة القول: أن الله تعالى يتصدى لأعدائه بذاته القدسية، فيبطل كيدهم، ويطفي نيران باطلهم، ويشتت كلمتهم، فلا يكادون يجمعون على أمر إلا ويجعل الله فيه مفسدة تعود عليهم، فتكون لظى نارهم سببًا في حرق قلوبهم.
ومن لطائف القول في هذا الشأن أن يهود كانت تتوعد أهل المدينة من الأوس والخزرج قبل أن يلتقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فيقولون: إن نبيًّا سيبعث، وقد أطل زمانه، سنتبعه، فنقتلكم معه قتل عاد وإرم، فلما كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم نفرًا من أهل المدينة في الموسم، ودعاهم إلى الله، قال بعضهم لبعض: يا قوم تعلمون والله إنه للنبي الذي توعدكم به اليهود، فلا تسبقنكم إليه، فأجابوه فيما دعاهم إليه، وصدقوه، وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام31.
فكان توعد اليهود لأهل المدينة يشعل في قلوبهم نار الخوف من مستقبل لا يبشر بخير، فجعل الله من هذا التهديد سببًا لسرعة قبول أهل المدينة لدعوته صلى الله عليه وسلم قبل أن تسبقهم يهود إليه، فآمنوا به، فأطفأ الله نار الخوف من قلوب أهل المدينة، ورد كيد اليهود إلى نحرهم.
الكافرون والملحدون والمنافقون ومن عاونهم أعلنوا الحرب على الله وعلى رسوله والمؤمنين، والله أعلن الحرب عليهم، وأعدّ لهم عذابًا أليمًا في الدنيا والآخرة، وبيان ذلك في النقاط الآتية:
أولًا: المحاربون لله تعالى ولرسوله:
قال تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [المائدة:٣٣].
يفهم سياق قوله تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ) في الآية الكريمة على المعنى المجازي، فالله عز وجل لا يحارب كما يحارب الناس بعضهم بعضًا، لذا فإنه يطلق لفظ المحاربين لله ورسوله على صنفين من الناس، يمكن بيانهما كما يأتي:
الأول: الذين يخرجون من ديارهم مجاهرين بحمل السلاح لقطع الطريق والإفساد في الأرض، أو الخروج على السلطان المسلم، الذي يحتكم إلى شريعة الله32.
فهؤلاء محاربون لله ورسوله، لمّا كان فعلهم هذا مخالفًا لما جاءت به شريعة الله، فسموا محاربين تشبيهًا لهم بالمحاربين من الناس33.
الثاني: الذين يحاربون رسل الله وأولياءه، كما قال تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [الأحزاب:٥٧].
أي: يؤذون أولياء الله عز وجل، وقد يصح إطلاق لفظ المحاربة لله ولرسوله على من عظمت جريرتهم، وجاهروا بالمعصية، وإن كانوا من أهل الملة 34.
ومما تقدم يمكن القول بأن المحاربين لله ورسوله هم:
ثانيًا: المعاونون للمحاربين لله تعالى ولرسوله:
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [التوبة:١٠٧].
إن أعداء الله ورسوله يحركون سواد الناس من سفهاء وبسطاء ويغرونهم بالمال ورغد العيش، ليسيروا على نهجهم، ويكونوا تحت أمرهم وطوع إرادتهم، فهؤلاء جميعًا قادة وجند، محاربون لله ورسوله، وهم عند الله ظلمة خاطئون.
قال تعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [القصص:٨].
ففرعون من تزعم محاربة الله ونبيه موسى عليه السلام، وهامان قائده، والجند هم الحاشية والرعية الذين كانوا أداة ظلمه وبطشه، جميعهم في ميزان الله خاطئون.
قال الطبري في تفسيره: «إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا بربهم آثمين»36.
ومعاونة الظالمين والمحاربين لا تتوقف عند تنفيذ أمرهم، بل تتعداه إلى صور كثيرة، نذكر منها ما يأتي:
١. التخابر لصالح المحاربين وإبداء المودة لهم.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [الممتحنة:١].
ففي سياق الآية الكريمة ينهى الله المؤمنين عن التخابر مع الأعداء، المحاربين لله ورسوله، بل ما هو أقل من ذلك وهو إظهار المودة وهي درجة من درجات المحب ورتبه.
وقد بين سبحانه وتعالى أن من يسرّ من المؤمنين إلى المشركين بالمودّة فقد ضلّ، أي: فقد جار عن قصد السبيل التي جعلها الله طريقًا إلى الجنة وسببًا لبلوغها37.
٢. التمهيد للمحاربين وتهيئة المناخ لهم.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [التوبة:١٠٧].
فقد قام نفر من المنافقين ببناء مسجدٍ لاستقبال أبي عامر الكافر، الذي كفر بالله، وكذَّب نبيه، ولحق بالروم يحزّب الأحزاب لقتاله، وكتب إلى أهل مسجد الضّرار يطلب منهم تتمة بناء المسجد، وإعداد ما استطاعوا من السلاح لمحاربته صلى الله عليه وسلم، فأمر الله تعالى نبيه بهدم مسجدهم، ووصفهم بالمحاربين، والكاذبين في دعوى إرادتهم الحسنى38، وهذا بيان واضح، ودليل دامغ على أن كل من يمهد للمحاربين لله هو محارب تجب محاربته، والتصدي له حتى يكف أذاه.
٣. موالاة المحاربين.
قال تعالى في بيان منع موالاة أعداء الأمة من اليهود والنصارى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [المائدة:٥١-٥٢].
فمن يوالى المحاربين لله ورسوله كان في صفهم، فهو منهم، قال الزمخشري: لا تتخذوهم أولياء فتنصرونهم أو تستنصرونهم، ثم علل النهي بقوله: (ﭛ ﭜ ﭝ) أي: إنما يوالي بعضهم بعضًا لاتحاد ملتهم واجتماعهم في الكفر39، وهذا أمر من اللّه في وجوب مجانبة المحاربين للأمة والمتربصين بها.
٤. الدعاية للفكر الهدام والانحلال الخلقي.
لم تعد الحرب في هذا الزمان مقتصرة على المعارك العسكرية، فقد غدت الحرب الإعلامية والنفسية، ونشر الانحلال الخلقي والتشكيك في دين الله من أهم وسائل الكفار في محاربة الأمة وعقيدتها؛ لذا فإن الذين يسهمون في بث الرذيلة، ومحاربة الفضيلة لا يقل خطرهم عن خطر العسكريين المحاربين للأمة.
وقد حذر الله تعالى من خطر هؤلاء وتوعدهم بالعذاب فقال: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) [النور:١٩].
وقال صلى الله عليه وسلم: (من دعا إلى هدًى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالةٍ، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا)40.
ثالثًا: جزاء المحاربين لله تعالى ورسوله عليه السلام ومعاونيهم:
إن الله يغضب لدينه أن تنتهك محارمه، ويغضب لأوليائه أن يعتدى عليهم، والمحاربون ظلمة ومعتدون، ينتهكون كل الحرمات، ويؤذون ويقتلون من يأمر بالقسط من الناس، والله تعالى يتولى أولياءه، ويرد عنهم كيد عدوهم، وقد عاقب المحاربين لدينه في الدنيا والآخرة، ويمكن بيان ذلك فيما يلي:
١. العقوبة والعذاب في الدنيا.
إن من نصر الله لأوليائه ودفاعه عنهم أن كتب على عدوهم الهزيمة والعذاب في الحياة الدنيا، وليكون هؤلاء المحاربين لله ودينه عبرة لمن بعدهم.
قال تعالى في حق فرعون: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [يونس:٩٢].
وجعل عذابهم بثلاث وسائل يمكن بيانها كما يأتي:
الوسيلة الأولى: إهلاكهم بالسنن الكونية.
قال تعالى: (ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [العنكبوت:٤٠].
وسنن الله ماضية وباقية في أعدائه المحاربين لأوليائه وشرعه، لا تتبدل ولا تتغير.
قال تعالى: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [الأحزاب:٦٢].
الوسيلة الثانية: أخذهم بأيدي المؤمنين
أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بمحاربة الكفار والمنافقين ومنازلتهم، والغلظة عليهم، وجعل قتالهم من أعظم العبادات التي يتقرب بها إلى الله تعالى، وجاء السياق القرآني في قتال المحاربين لله على النحو الآتي:
قال تعالى: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [التوبة:٥].
وبين السمرقندي في تفسيره أن هذه الآية نسخت سبعين آية في القرآن من الصلح، والعهد، والكف، والصبر على الأذى الذي لحق بالمؤمنين من الكفار المعتدين، وأمرت المؤمنين بملاحقتهم وأسرهم، والتشديد عليهم، ورصدهم بكل طريق41.
وأمر الله المؤمنين بقتالهم لإلحاق الهزيمة بهم والخزي في الدنيا.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [التوبة:١٤].
قال تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [التوبة:٣٦].
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [التوبة:١٢٣].
وقد قام النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الجهد، فقاتل أعداء الله، وحمل الصحابة اللواء من بعده، حتى غدى دين الله عزيزًا، وحق في هذه الأمة قوله تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [آل عمران:١١٠].
تكفل الله بهزيمة الكفار، وإزهاق أرواحهم وأموالهم، وجعلها حسرة عليهم، قال تعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [القمر:٤٥].
(ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [الأنفال:٣٦].
(ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [آل عمران:١٢].
فمجمل الآيات الكريمة يبين أن الهزيمة والحسرة واقعة بمن يحاربون الله ورسوله، رغم كثرة أموالهم وعددهم وعدتهم.
قال تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [آل عمران:١٩٦-١٩٧].
قال تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [المائدة:٣٣].
فهذ عقوبة رادعة لكل من يعلن الحرب على الله ورسوله، بالقتل والنفي والقطع حدًّا على جرائمهم، واعتدائهم على الحرمات، وترويع الآمنين.
٢. العقوبة يوم القيامة.
وكما توعد الله تعالى أعداءه بالأخذ في الدنيا، توعدهم بعذاب في الآخرة، وآيات القرآن الكريم كثيرة في هذا السياق نجمل بعضها فيما يأتي:
قال تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [المائدة:٣٣].
قال تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [آل عمران:٢١].
وقال: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [الحج:٢٥].
وقال: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) [النور:١٩].
قال تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [المجادلة:٥].
قال تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [التوبة:٦٣].
قال تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [النساء:١١٥].
قال تعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [الأنفال:٣٦].
أمرنا الله سبحانه وتعالى بالإعداد والتجهيز بكل ما نستطيع من قوة مادية ومعنوية لنرهب به عدو الله، ونكون أشداء على الكافرين والمنافقين، وحثنا على الشورى فيما بيننا، والتوكل على الله، وما النصر إلا من عند الله، وبيان ذلك في النقاط الآتية:
أولًا: إعداد القوة المعنوية والمادية:
إن النفس البشرية والفطرة السليمة التي فطر الله عليها هذه النفس لتميل إلى السلم والموادعة، وتعاف من القتال والحروب، وتستشعر ثقلها ومشاقّها، والقرآن الكريم يفصح عن خفايا هذه النفس، وما تحويه من خير وشر، لا ينكر عليها هذا الشعور والإحساس، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [البقرة:٢١٦].
فنجد أن القرآن الكريم بدأ في إعداد هذه النفس البشرية للقتال، وقد كان ذلك بالخطوات الآتية:
١. الإعداد النفسي للمقاتلين.
وفيه مسألتان:
المسالة الأولى: الترغيب في الجهاد:
جاءت النصوص القرآنية تحث المؤمنين على الجهاد في سبيل الله، وقد قال الصحابة: لو علمنا أحبّ الأعمال إلى الله لبذلنا فيه أموالنا وأنفسنا فأخبروا بذلك42 في قوله: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [الصف:٤].
وقوله تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [المائدة:٣٥].
ففي الآيات بيان أن الجهاد هو أفضل سبيل لنيل مرضات الله والفوز بكراماته 43.
قال تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الأنفال:٦٥].
أي: بالغ في حثهم على القتال حتى لا يكونوا من الهالكين بعدوان الكافرين عليهم، وظلمهم لهم إذا رأوهم ضعفاء مستسلمين44، ففي ذلك مصلحة للأمة يجب أن تحرص عليها.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [النساء:٩٥].
فالآية فيها ما لا يخفى من بيان فضل المجاهدين.
قال تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [الصف:١٠-١٣].
قال تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [البقرة:١٩٣].
أي: حتى لا يكون شرك ويكون الدين خالصًا لله، فإن انتهوا عن شركهم فلا تعتدوا على المنتهين، فلا يحسن أن يظلم من تاب وأناب45.
والأمة اليوم تعيش حالةً من المذلة بسبب تركها للجهاد، فحلت بنا النكبات، ولن يدفع عنا ذلك إلا الجهاد.
قال تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [آل عمران:١٦٩-١٧٠].
روى الإمام مسلم بسنده عن مسروق، قال: سألنا عبد الله عن هذه الآية: أما إنا قد سألنا عن ذلك، فقال: (أرواحهم في جوف طيرٍ خضرٍ، لها قناديل معلّقةٌ بالعرش، تسرح من الجنّة حيث شاءت، ثمّ تأوي إلى تلك القناديل، فاطّلع إليهم ربّهم اطّلاعةً)، فقال: (هل تشتهون شيئًا؟ قالوا: أيّ شيءٍ نشتهي ونحن نسرح من الجنّة حيث شئنا، ففعل ذلك بهم ثلاث مرّاتٍ، فلمّا رأوا أنّهم لن يتركوا من أن يسألوا، قالوا: يا ربّ، نريد أن تردّ أرواحنا في أجسادنا حتّى نقتل في سبيلك مرّةً أخرى، فلمّا رأى أن ليس لهم حاجةٌ تركوا)46.
قال تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [التوبة:١١١].
فالآية ترغب المؤمنين في الجهاد، ببيان فضله، بعد بيان حال المتخلفين عنه، فعبر السياق عن قبول ما بذل المؤمنون من نفس ومال في سبيله عز وجل47.
المسألة الثانية: الترهيب من القعود عن الجهاد:
قال تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [التوبة:٣٨-٣٩].
أي: إن قعدتم عن إنفاذ أوامر الله، وعلى رأسها نصرة الله ورسوله، فسيهلككم بالعذاب، ويأت بعدكم بقوم آخرين، ليسوا من أصلابكم، وفي ذلك تأكيد الوعيد، والتشديد في التهديد بالدلالة على المغايرة الوصفية والذاتية، المستلزمة للاستئصال للدلالة على شدة السّخط48.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [النساء:١٠٢].
ففي قوله تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) يتمنى الكفار لحظة، تغفلون بها عن أسلحتكم ومتاعكم، فيحملون عليكم حملة واحدة، وأنتم منشغلون بصلاتكم عن السلاح والمتاع، فيقتلونكم ويستبيحون عسكركم، فيحذر جل ذكره من الانشغال بالصلاة حال حضورها عن أخذ الحذر والحيطة وترك السلاح والغفلة عنه49.
وأعداء الأمة اليوم يحرصون على تجريد المسلمين من كل قوة، بعد أن غفلنا عن سلاحنا، وهم قد مالوا علينا، ومزقوا البلاد، واستباحوا المقدسات، وهتكوا الأعراض، وكل ذلك بسبب القعود واجب الجهاد والغفلة عن السلاح.
قال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [آل عمران:١٤٦].
«أي: فما فتروا، ولم ينكسر جندهم لأجل ما أصابهم من قتل نبيهم أو بعضهم، وما ضعفوا عن جهاد عدوهم، ولا عن دينهم، وما استكانوا، أي: خضعوا لعدوهم»50.
وكأنه سبحانه يقول للمؤمنين: هذا هو حال من قبلكم، فلا تكونوا أقل منهم، بوهنكم وضعفكم واستكانتكم.
القعود عن القتال انقياد للشيطان، قال تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [آل عمران:١٥٥].
«قيل المعنى: إن الذين تولوا المشركين يوم أحد (ﮬ ﮭ ﮮ) استدعى زللهم بإلقاء الوسوسة في قلوبهم (ﮯ) أي: بشؤم بعض (ﮰ ﮱ) من الذنوب التي منها مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم»51.
٢. الاعداد المادي للقتال.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: إعداد الجنود جسديًّا.
قال تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [البقرة:٢٤٧].
إن لقوة أجسام العسكرين، قادة وجندًا، أهمية كبيرة، لما يترتب عليه من القدرة على القيام بمهامهم الميدانية، وكسر لشوكة العدو، بين السمرقندي في تفسيره لقوله تعالى: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) ذلك، فقال: آتى الله طالوت فضيلة في العلم والجسم، حيث كان رجلًا جسيمًا، عالمًا في فنون الحرب والقتال52، وهذا هو ما جعله الله سببًا في أحقيته بقيادة الجند.
المسألة الثانية: إعداد خطط الجيش للمعركة.
قال تعالى: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [آل عمران:١٢١].
إن إعداد الخطط يتأثر باختلاف الوسائل القتالية، واختلاف البيئة الجغرافية، وغير ذلك، ولكنه في جميع أحواله يتطلب الإعداد، ففي بدر نزل النبي صلى الله عليه وسلم منزلًا رأى الحباب بن المنذر خيرًا منه، فأخذ صلى الله عليه وسلم بقوله53.
وفي الخندق، أخذ صلى الله عليه وسلم برأي سلمان الفارسي في حفر الخندق كخطة دفاعية عن المدينة54.
وفي أحد خرج صلى الله عليه وسلم حتى وأصبح بالشعب من أحد، فمشى على رجليه، وجعل يصف أصحابه للقتال، كأنما يقوم بهم القدح، إن رأى صدرًا خارجًا أخره، ونزول جانب الوادي، وجعل ظهره وعسكره إلى أحد، وأمّر عبد الله بن جبير على الرماة، وقال: ادفعوا عنا بالنبل حتى لا يأتونا من ورائنا، وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: اثبتوا في هذا المقام، فإذا عاينوكم ولوكم الأدبار، فلا تطلبوا المدبرين، ولا تخرجوا من هذا المقام55.
المسألة الثالثة: إعداد آلة القتال.
قال تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [الأنفال:٦٠].
الإعداد التهيئة، ويدخل في (ﯚ ﯛ) كل ما يدخل تحت قدرة الناس من عدة، والقوة: كمال صلاحية الأعضاء لعملها، وتطلق القوة مجازًا على شدة تأثير شيء ذي أثر، وتطلق أيضًا على سبب شدة التأثير، فقوة الجيش شدة وقعه على العدو، وقوته أيضًا سلاحه وعتاده، وهو المراد هنا، فهو مجاز مرسل بواسطتين، فاتخاذ السيوف والرماح والأقواس والنبال من القوة في جيوش العصور الماضية، واتخاذ الدبابات والمدافع والطيارات والصواريخ من القوة في جيوش عصرنا56.
وعليه فإن الأمة مطالبة اليوم بتسخير مقدراتها لامتلاك القوة المادية، التي تؤهلها لمواجهة المخاطر المحيطة بها من كل جانب، وصد العدوان عن أبنائها، ومقدساتها، وعقيدتها، عملًا بما جاء بالكتاب، وأخذًا بالأسباب.
ثانيًا: الشورى:
جاءت شريعة الله عز وجل لترسي أفضل القيم البشرية في تآلف الأرواح ورص الصفوف، واستنهاض الطاقات البشرية الكامنة في النفوس، فكانت الشورى من جملة قواعد الشريعة، وعزائم الأحكام، التي أرست دعائمها57.
وقد أخذ بها صلى الله عليه وسلم في كثير من شئون الأمة الاجتهادية، إذ لا مشورة فيما نزل به الوحي، فكان يستشير أصحابه في كثير من القضايا التي تمس حياتهم، مما يجعل الأمة تفتخر بميراثها من نبيها صلى الله عليه وسلم، وقد كان صلى الله عليه وسلم أكثر ما يستشيرهم في أمور القتال، لما له من أثر كبير في مجريات حياة الأمة، ولما يحتاج إليه من حشد الطاقات، ورص الصفوف، وتطييب للنفوس58.
وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم باستشارة أصحابه فقال: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [آل عمران:١٥٩].
وفي هذا تشريف لهذه الأمة، وبيان لفضلها عند ربها؛ فإن الملك العظيم لا يستشير إلا الخاصة من ملئه59.
وتعتبر الشورى جزءًا من الإعداد، وحسن الإدارة، والتدبير قبل الدخول في الحروب والغزوات، ويمكن الاستدلال بما يأتي:
١. مشورة موسى لقومه في دخول الأرض المقدسة.
قال تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [المائدة:٢١-٢٦].
فموسى عليه السلام يحاور قومه ويجادلهم للزوم أمر الله، ودخول الأرض المقدسة، وهو ما يترتب عليه قتال وجهاد، ولكن البون كبير بين جواب قوم موسى عليه السلام لنبيهم، وجواب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
٢. مشورة نبي من بني إسرائيل لقومه قبل لقاء العدو.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [البقرة:٢٤٦].
فسياق الآية يتحدث عن محاورة جيل من أجيال بني إسرائيل وتشاورهم مع أحد أنبيائهم حول القتال في سبيل الله ولقاء العدو لاسترداد أرضهم وأموالهم.
٣. مشورة ملكة سبأ لقومها في أمر سليمان عليه السلام.
قال تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [النمل:٢٩-٣٣].
فالأمر كبير، إنها رسالة إعلان حرب من نبي الله سليمان، على مملكة سبأ، يطلب بها الطاعة والإذعان والاستسلام، فجمعت أهل مشورتها لحسم الأمر.
والجهاد والقتال يحتاجان إلى خبرات كثيرة في فنون القتال والمواجهة مع العدو، ويحتاج إلى حشد عظيم، وذلك لا يتم إلا بالتشاور وإعمال الذهن، وسياق قوله عز وجل: (ﭭ ﭮ ﭯ) جاء تعقيبًا على أحداث غزوة أحد، وجاء السياق ليؤكد هذا المبدأ الأصيل رغم ما لحق بالمسلمين من جراحات.
ويرى بعض أهل التفسير أن المشورة لا تكون إلا بما يختص الحروب، وأن الألف واللام في قوله: (ﭯ) ليست للاستغراق، وإنما هي للعهد60، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أن الشورى جزء من التخطيط للقتال.
وكان سادات العرب إذا لم يستشاروا في الأمر شق عليهم، فأمر اللّه نبيه صلى الله عليه وسلم بمشاورة أصحابه لئلا يثقل عليهم استبداده بالرأي دونهم61، فالمشورة ركن مهم لتوحيد الصف وجمع الكلمة، وطبائع النفس البشرية واحدة على مدى الزمان.
ثالثًا: العزم والتوكل على الله تعالى:
قال تعالى محذرًا المؤمنين من الخلاف والتنازع: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [الأنفال:٤٦].
والتنازع هو افتراق الآراء، وما يترتب عليه من الخور والجبن، والهزيمة وذهاب الدولة، واستيلاء العدو62.
فالحرب تحتاج إلى قيادة حازمة، وإن أخطر ما يمكن أن يواجهه القائد التردد وعدم العزم في اتخاذ القرار قبل الخوض في المعركة وخلالها.
فبعد أن أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالإعداد النفسي للمؤمنين، واستشارتهم بشأن القتال، كان لابد من توجيهه صلى الله عليه وسلم والقادة من بعده للعزم في الأمر، ثم التوكل على الله عز وجل، وهذا هو هديه صلى الله عليه وسلم في سائر أمره، «قال قتادة: أمر الله تعالى نبيه عليه السلام إذا عزم على أمر أن يمضي فيه ويتوكل على الله، لا على مشاورتهم، والعزم هو الأمر المـروّى المـنقّح، وليس ركوب الرأي دون روية عزمًا»63، ويمكن بيان ذلك فيما يأتي:
١. عزمه في معركة بدر.
ذكر المباركفوري في رحيقه أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع من معه قبيل معركة بدر وعقد مجلسًا عسكريًّا استشاريًّا، فتحدث أبو بكر وعمر والمقداد بن عمر، وأشاروا عليه بالمضي، فلا زال يقول: أشيروا علي، حتى تحدث حامل لواء الانصار سعد بن معاذ، فقال: والله، لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: أجل، فتكلم كلامًا حسنًا جاء في ختامه «فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدوًّا غدًا، إنا لصبر في الحرب، صدق في اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله»64، فسرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وبدأ بإعداد الصفوف، ووضع خطة اللقاء.
وقد ذكر الثعلبي نحوًا منه في تفسير قوله تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [الأنفال:٦]65.
٢. عزمه في معركة أحد.
قال تعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [آل عمران:١٥٩].
لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم خروج قريش لقتاله في أحد استشار صلى الله عليه وسلم أصحابه، وكان الرأي بين قتالهم خارج المدينة أو التحصن بها، فمال إلى حربهم في المدينة، فبادرت جماعة كبيرة من شبان الصحابة ممن فاتهم يوم بدر، فأشاروا عليه بالخروج، وألحوا عليه في ذلك حتى بدا أن هذا هو الرأي السائد في المدينة، فنهض صلى الله عليه وسلم، ودخل بيته، ولبس لأمته، وخرج عليهم، فقالوا: يا رسول الله إن أحببت أن تمكث في المدينة فافعل، فقال صلى الله عليه وسلم: (ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه)66.
وهنا العبرة والدرس النبوي البليغ، فإن للشورى وقتها، فإذا جاء وقت العزم والمضي والتوكل على الله، ولم يعد هناك مجال للتردد، وإعادة الشورى والتأرجح بين الآراء، إنما تمضي الأمور لغاياتها، ويفعل الله بعد ذلك ما يشاء67.
٣. التحذير من ترك العزم.
تمنَّى المؤمنون نزول سورة تحض على القتال في سبيل الله، فلما نزلت وتثاقل من تثاقل، وفتر من فتر وقعد عن العزم، وبخ الله المتثاقلين، فقال تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [محمد:٢١].
وهذا تبكيت للمتثاقلين لفتورهم عند الجهاد بعد الأمر به، وما يتسبب عن ذلك الفتور من عظيم الفساد، فتخرب البلاد ويتشتت العباد، والتبكيت والتهديد في أسلوب الغيبة تنبيهًا على تناهي غضب الله وبلوغه الغاية68.
إنّ ميادين الحرب كثيرة، والقرآن الكريم بيّن أمورًا للمسلمين في ميدان الحرب حتى يبقى الجيش والمسلمون متماسكين ولا يؤخذون على غرّة، فتكون مصيبة على المسلمين، ومن هذه الأمور التي بيّنها الله سبحانه وتعالى ووضّحها رسولنا الكريم ما سنتعرف عليه في النقاط الآتية:
أولًا: الصلاة مع الحذر:
لقد وجّه القرآن الكريم الأمة أفرادًا وجماعة لكل ما يصلح شأنها، ويرعى مصالحها، ويحفظ هيبتها، ويجعل منها أمة ربانية، لا يشغلها شاغل عن ذكر الله تعالى، فلا المال ولا الولد، ولا العلاقات الزوجية والأسرية، ولا القتال ولا النزال يشغل الأمة عن ذكر الله تعالى.
قال تعالى مخاطبًا نبيه والقادة من بعده: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [النساء:١٠٢].
أي: إذا كنت حال الخوف في أصحابك -سواء كان ذلك في السفر أو في الحضر- فابتدأت الصلاة المفروضة فلتقم طائفة منهم معك في الصلاة، ولتقم الطائفة الأخرى وجه العدو، يطوفون في كل موضع يمكن أن يأتي منه العدو ليهاجم المصلين، فهم بحاجة للحماية لدخولهم في الصلاة، وليحمل السلاح المصلي كما يحمله من هو خارج الصلاة، أخذًا بالأسباب والحيطة والحذر69.
وسبب الأمر بصلاة الخوف ما رواه مسلم بسنده عن جابر، قال: (غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قومًا من جهينة، فقاتلونا قتالًا شديدًا، فلما صلينا الظهر قال المشركون: لو ملنا عليهم ميلة لاقتطعناهم، فأخبر جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، فذكر ذلك لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وقالوا: إنه ستأتيهم صلاة هي أحب إليهم من الأولاد، فلما حضرت العصر قال: صفنا صفين، والمشركون بيننا وبين القبلة)70.
إن الله عز وجل وهو يربي الأمة بتوجيهاته من خلال القرآن الكريم، ويلزمها بأحكامه، لا يغفل عن توجيهها للحفاظ على أمنها وسلامتها في اللحظات الحاسمة من حياتها.
ولما كانت الصلاة هي الزاد الروحي للمؤمنين، التي يستمدون من خلالها الصلة بربهم، وكان صلى الله عليه وسلم يحرص على أدائها جماعة - حتى وقت التحام الصفوف- كان لا بد من وضع الخطة الملائمة لأداء هذه الفريضة وقت القتال، على الوجه الذي يضمن سلامة الصف، وتفويت الفرصة على العدو المتربص غفلة المؤمنين عن متاعهم وسلاحهم، فأمر نبيه والقادة من بعده بأداء صلاتهم جماعة، على الوجه الذي وصفه القرآن الكريم، مع الحث على أعلى درجات الحيطة والحذر.
ثانيًا: الثبات مع ذكر الله تعالى:
وفي سياق التوجيهات العسكرية للمحاربين، بين السياق القرآني العدة الحقيقة التي تعينهم على ذلك.
يقول تعالى: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [الأنفال:٤٥-٤٦].
والآيات الكريمة تبين أربع مسائل تقود إلى النصر على العدو، يمكن بيانها كما يأتي:
١. الثبات وعدم الفرار.
في قوله تعالى: (ﯯ) أمر لعباده المؤمنين بالثبات عند لقاء العدو، وعدم الخشية، وألا يتسلل الضعف إلى نفوسهم، وهذا توضيح من الله عز وجل للمؤمنين بسنن الحروب ولقاء الأعداء في الميادين، بأن الثبات «هو بدء الطريق إلى النصر، فأثبت الفريقين أغلبهما»71.
وقد حذر الله من الفرار والتولي أمام العدو فقال تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [الأنفال:١٥-١٦].
وقد عد النبي صلى الله عليه وسلم التولي يوم الزحف من الكبائر، إلا أن يكون ضمن خطة تتضمن الكر والفر أو الانحياز إلى دعم فئة أو جبهة من جبهات القتال الأخرى.
فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات) قيل: يا رسول الله، وما هن؟ قال: (الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات)72.
٢. ذكر الله تعالى.
وفي قوله عز وجل: (ﯰ ﯱ ﯲ) بيان أن ذكر الله تعالى واستشعار معيته يهون على الجند عظمة الموقف، ويربط على قلوبهم، ويثبت أقدامهم، فتتحقق لهم الغلبة على العدو، والأمر بالإكثار من ذكر الله عند القتال، هو عصمة المستنجد، ووزر المستعين، «قال قتادة: افترض الله ذكره عند أشغل ما يكونون عند الضراب بالسيوف»73.
وقد يكون أريد ذكر الله بالقلوب والألسن، كما قال ابن عباس: أمر الله أولياءه بذكره في أشد أحوالهم، تنبيهًا على أن الإنسان لا يجوز أن يخلي قلبه ولسانه عن ذكر الله، أو أريد به الدعاء بالنصر والظفر؛ لأن ذلك لا يحصل إلا بمعونة الله تعالى74.
وكلا الأمرين مطلوب من المجاهد، فالذكر باللسان من تسبيح وتعظيم لله، وكذلك الدعاء، والتبتل وطلب النصر، هو خير ما يشغل المقاتل به نفسه في هذه اللحظات الحاسمة، فقد تكون هي اللحظات الأخيرة من عمره، فتصعد روحه إلى الله، وهو ذاكر لله، عملًا بقوله صلى الله عليه وسلم: (من كان آخر كلامه لا إله إلّا اللّه دخل الجنّة)75.
فالذكر والدعاء ركن أصيل يجب أن نربي عليه جيوش الأمة قبل الدخول في الحروب، وقبل أن نخوض بهم الميادين، ليكونا أنيسين للمقاتلين في الشدة، وعند التحام الصفوف.
٣. الطاعة وعدم التنازع.
ومن المسائل المهمة التي يجب أن يتخلق بها الجند والمقاتلون، الطاعة للقيادة وعدم التنازع، فقد عقب الله تعالى على أمره بالثبات عند اللقاء وذكره بقوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ)، فالطاعة من أهم لوازم النصر، والظفر بالعدو عند لقاء الصفوف، كما بين المراغي في تفسيره حيث قال: «وأطيعوا الله فيما أمركم به من الأسباب الموجبة للفلاح في القتال وفى غيره، وأطيعوا رسوله كذلك، فهو المبيّن لكلام ربه، والمنفّذ له بالقول والعمل والحكم، وهو القائد الأعظم في القتال، فطاعته هي جماع النظام، والنظام ركن من أركان الظفر، وهو المشارك لكم في الرأي والتدبير والاستشارة في الأمور، ولا يكن منكم تنازع واختلاف، فإن ذلك مدعاة للفشل والخيبة وذهاب القوة، فيتغلب عليكم العدو»76.
٤. الصبر.
وهو ما سيتم الاستفاضة فيما سيأتي في النقطة الخامسة بإذنه تعالى.
ثالثًا: إنزال العذاب بالأعداء بما يلقي الرعب في قلوب الآخرين:
أمر الله عباده المؤمنين بالقيام بواجب الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأثنى على الفئة التي تقوم بهذا الجهد.
قال تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [آل عمران: ١٠٤].
وأمر الأمة بقتال من يصد الدعاة، ويمنعهم من القيام بدورهم الذي أمروا به.
قال تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [البقرة:١٩٣].
وهذا هدي الفاتحين الأولين في هذه الأمة، فكانوا يخيرون الأمم بين الإسلام، أو الجزية، أو القتال كعلاج أخير، لرفع الظلم عن الناس، ومنع التأثير عليهم في دينهم الذي يدينون، وعقيدتهم التي يعتقدون.
فأبى الطغاة إلا الصد عن دين الله، وإخضاع الناس لسلطانهم، فكان لزامًا على الأمة اقتلاع جذورهم، ليكونوا عبرة لكل من يصد عن هذا الدين، ويقف في وجه الدعاة إليه، وقد جاء السياق القرآني ليبين هذا المعنى.
قال تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [الأنفال:٥٥-٥٧].
والتشريد بمعنى التفريق مع الاضطراب، قال عطاء: أثخن فيهم القتل حتى يخافك غيرهم، وقيل: نكل بهم تنكيلًا يشرد غيرهم من ناقضي العهد، لعلهم يتعظون77، وقيل: يا محمد -والكلام لولاة الأمر من بعده- إن صادفت هؤلاء الكفرة فافعل بهم ما بدا لك من فعل، يكون رادعًا لهم، ليكون تخويفًا لمن يأتي بعدهم، أو يفعل مثلهم، قال ابن عباس: المعنى نكل بهم من خلفهم، وسمع بهم78.
رابعًا: ضرب رقاب الأعداء حتى الإضعاف:
إن ميدان النزال والقتال هو أحد ميادين الدعوة إلى الله، فهو ليس ميدانها الأول ولن يكون الأخير، وإنما يأتي ضمن سلسلة ميادين هذه الدعوة المباركة.
والمقاتل في سبيل الله هو داعية إلى الله قبل أن يكون مقاتلًا وحاملًا للسلاح، فالدعوة إلى الله تعالى رحمة وهداية للناس، وليست قتلًا ولا سفكًا للدماء.
قال تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [الأنبياء:١٠٧].
فإن أبى جند إبليس إلا التمرد على أمر الله وسلطانه، والصد عن الدعوة واعتراض سبيل الدعاة، فإن لكل داء دواءً، ودواء المعاندين والمستكبرين المحاربين أن تثخن فيهم الجراح.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [محمد:١-٤].
بينت الآيات أن الناس فريقان، أحدهما: يمثل الشيطان وحزبه، والآخر يمثل الفئة المؤمنة، توجب على المؤمنين قتالهم، وقد جيء (بضرب) منصوبًا على المصدر، أي: اضربوا ضرب الرقاب، وذلك يفيد المبالغة في قصد رقابهم لا غير، وهذا يفيد قتلهم، والتخلص من أرجاسهم، وفي استهداف رقابهم حكمة عظيمة، فقتال المؤمنين للكفار يكون المؤمن فيه دافعًا وليس مدافعًا، كما يفعل مع رد الصائل، وقاطع الطريق، الذي لا يراد من حربه قتله، بل تخويفه ورده79.
ويستمر السياق القرآني في تحريضه للمؤمنين، ليواصلوا المعركة مع المشركين، حتى يوقعوا فيهم القتل، وينهكوا قواهم، ويكسروا شوكتهم، ويجهزوا على مقاتلتهم بين قتيل وأسير، حتى لا يبقى في الميدان إلا مسلم أو مسالم80.
فميدان الدعوة إلى الله باللسان ميدان بليغ، قوامه دعوة الناس بالكلمة الطيبة، ومقابلة الحجة بالحجة، وانتقاء أطيب الحديث، امتثالًا لقوله تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [النحل:١٢٥].
وميدان النزال والقتال يجب ألا يقل بلاغة في الإثخان، والتنكيل بالعدو، وقتله، وتشريده، عن بلاغة كلام الدعاة من الوعاظ والمرشدين.
خامسًا: الصبر:
وحتى يتحقق للأمة مرادها من القتال، وهو التنكيل بالكفار قتلًا وتشريدًا، ليستقر الرعب في قلوبهم ويسلّموا لأمر الله تعالى، ويدخلوا في دين الرحمة والهداية، فإن هذه الحالة تستدعي من المؤمنين جهدًا كبيرًا، وبذلًا وعطاءً، وتضحية وفداءً، لايصمد معه إلا من قدّر للأمر قدره، وأعد لهذا الجهاد عدته، وخير عدة يتزود بها المقاتلون بعد تقوى الله تعالى، هو الصبر والمصابرة، وقد جاء القرآن بآياته الكريمة يحث المسلمين على الصبر والمصابرة عند لقاء العدو، ويبين لهم عاقبة هذا الصبر، حتى يبلوا البلاء الحسن، وتوضيح ذلك فيما يأتي:
قال تعالى: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [الأعراف:١٢٨].
لما توعد فرعون بني إسرائيل بقتل الرجال واستحياء النساء، والتصليب في جذوع النخل، رأى موسى عليه السلام أن حربًا ضروسًا يقودها فرعون واقعة لا محالة على قومه، وأن القوم قد جزعوا وخافوا، فأمرهم عليه السلام بالاستعانة بالله والصبر، وأخبرهم بوعد الله له بهلاك القبط، وتوريثهم أرضهم81.
ونلاحظ هنا أن موسى عليه السلام يأمر قومه، ويحثهم على الاستعانة بالله، والصبر قبل لقاء العدو، لما لذلك من أثر في سكون النفس وهدوئها عند اللقاء، وما يترتب على ذلك من النصر والتمكين.
قال تعالى: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [البقرة:٢٥٠].
إن أفضل ما يستجلب معونة الله للعبد، هو صبر العبد لله؛ لذا كان الصبر لله تعالى عند اللقاء، وتحمل تبعات الحرب ومشاقها، من كر وفر، وإراقة دماء، وفقد أحبة، وقطع للأعضاء، وتطاير للرؤوس، وما يلحق بالمجاهدين من مشقة، طمعًا لنيل رضى الله، هي الجالبة لمعونة الله، التي يترتب عليها النصر والظفر بالعدو، ولما علمت الفئة المؤمنة القليلة، أن معية الله لا تثبت أمامها كثرة الأعداء، ولا تخذلها قلة المؤمنين، قالوا جميعًا عند المبارزة: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ)أي: صب علينا الصبر صبًّا، كما يصب الماء على الثوب فيبلله، فاستجاب الله تعالى لدعائهم، وذلك لقيامهم بالعمل الذي يستوجب معية الله عز وجل ويجلب النصر، وهو الصبر والثبات82.
وقد جاءت آيات كثيرة في حض المؤمنين على الصبر والثبات عند اللقاء وجميعها تحمل نفس المعاني، قال تعالى: (ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [آل عمران:١٢٥].
أي: إن تصبروا عند اللقاء وتتزودوا بتقوى الله عز وجل، يكن الله معكم ويمدكم بالعون والملائكة الذين يقاتلون معكم العدو، وقال: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [الأنفال:٤٥-٤٦].
وكما يوجه السياق القرآني الأمة ويحرضها على قتال الكفار والقعود لهم كل مرصد، فإنه لا يغفل معالجة القضايا التي تنتج عن هذه الحروب، فكثيرة هي تبعات الحروب والقضايا الناتجة عنها، وقد عني القرآن بمعالجة هذه القضايا، وسيتناول هذا المبحث بعض هذه القضايا.
أولًا: معاملة أسرى الحرب:
إن من أهم القضايا التي يعالجها القرآن الكريم الناتجة عن الحروب قضية الأسرى.
قال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [الأنفال:٦٧].
نزلت هذه الآية الكريمة بعد غزوة بدر الكبرى، وتناول السياق فيها قضية الأسرى، وما أعقبها من جدل حول التعامل معهم، والأحكام المتعلقة بالأسرى، من ضرب رقابهم أو المن والفداء.
فهذه هي المرة الأولى في حياة الأمة التي تواجه بها عدوها، وكان القصد والهدف منها كما بين الحق سبحانه وتعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [الأنفال:١٢].
فقد كان قتل المشركين وضرب الرؤوس والأعناق هو الغاية من المعركة، لإذلالهم، وكسر شوكتهم، وإضعافهم فلا تقوم لهم على الأرض قائمة.
فلما انشغل المسلمون بجمع الأسرى والغنائم ظنًّا منهم أن قتل سبعين من المشركين يكفي لتكون المبالغة في القتل قد تحققت، فلامهم الله تعالى على ذلك فقال: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ)، فهذا العدد ليس كافيًا لإذلال المشركين، وإرغامهم83، ولم يكن حكم من الله قد سبق في الأسرى، فاستشار صلى الله عليه وسلم أصحابه، وأخذ برأي الفداء، فلامه ربه، وبين له الأصوب في هذه المسألة، وهو المبالغة في قتل المشركين وقهرهم وكسر شوكتهم84.
وإن من يتتبع الآيات الكريمة، التي تناول السياق فيها مسألة الأسرى ليخلص إلى ما يأتي:
أولًا: لام الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بسبب انشغال أصحابه بأسر المشركين في المعركة الأولى، التي تواجه فيها المشركون، وبين أن الأولى في هذه المعركة هو إثخان جراحهم، وكسر شوكهم، وإلحاق الهزيمة النفسية بهم، فلا يقووا على قتالكم، قال البيضاوي في تفسيره: أي حتى يكثر القتل، ويبالغ فيه، حتى يذل الكفر، ويقل حزبه، ويعز الإسلام، ويستولي أهله، وأمر بالإثخان، ومنع الفداء حين كانت الشوكة للمشركين، وخير بينه وبين المن لما تحولت الحال، وصارت الغلبة للمؤمنين85.
ثانيًا: لم ينه القرآن الكريم الأمة عن أسر المشركين، وشد الوثاق عليهم، بدليل قوله عز وجل: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ)، بل شرع لهم ذلك، ولكن شريطة أن يكون بعد المبالغة في ضرب رقابهم، وإثخان القتل والجراح فيهم، حتى تنكسر راية الكفر، ويهزم جنده، ولا يبقى لهم شوكة في الأرض، أما الاشتغال بجمع الأسرى قبل أن تتحقق هذه الغاية، فهذا ما عابه الله عليهم86.
ثالثًا: قال تعالى: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [محمد:٤].
ففي الآية أمر من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم باستهداف رقابهم بالسيوف عند القتال والمنازلة، فذلك أنكى في القتل وأبلغ، فإن تحقق ذلك، وأغرقتموهم في دمائهم، وأنهكتم قوتهم، وظننتم أنه لن تقوم لهم قائمة، فشدوا الوثاق أسرًا وتقييدًا لمن بقى منهم، حتى لا يكروا عليكم، ويقتلوكم، فإذا ما انتهت المعركة، وحسمتم الأمر لصالحكم، فإما أن تمنوا عليهم بفكهم، أو تفادوهم وتخلوا سبيلهم87.
رابعًا: إن القرآن الكريم يتعامل مع النفس البشرية معاملة المشفق الحاني، لا معاملة الشامت المتربص، فلما فرض النبي صلى الله عليه وسلم الفداء على الأسرى وجد بعضهم في نفسه، حتى قال العباس رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم: «يا محمد تركتني أتكفف قريشًا ما بقيت!»88، فأنزل الله عز وجل قوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [الأنفال:٧٠].
فلمّا أخذ النبي صلى الله عليه وسلم الفداء من الأسارى، وشق عليهم أخذ أموالهم، ذكر اللّه تعالى هذه الآية استمالة لهم وتطييبًا لنفوسهم89.
خامسًا: أمر الله بالرفق بالأسير ولو كان على غير ديننا، ومن غير ملتنا ومحاربًا لنا، فأوجب معاملتهم المعاملة الحسنة، وتوفير الطعام والكساء الذي يحفظ عليه حياة كريمة، فلعل مثل هذه المعاملة أن تكون رسولًا إلى قلبه، يرى من خلالها الصورة الحقيقية للإسلام والمسلمين، فيكون ذلك حافزًا له للإيمان، واللحاق بركب المؤمنين.
قال تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الإنسان:٨].
أي: يطعمون الطعام على شدة حاجتهم إليه وقلته، وقيل: لأجل حب الله وذكر منهم الأسرى، أمر الله المسلمين بالأسرى خيرًا، وإن أسراهم يومئذ أهل الشرك، فعلى هذا الوجه يجوز إطعام الأسرى، وإن كانوا على غير ديننا، وأنه يرجى ثوابه، ولا يجوز أن يعطوا من الصدقة الواجبة كالزكاة والكفارة، وقيل: الأسير المملوك، وقيل: الأسير المرأة، وقيل: غريمك أسيرك، فأحسن إلى أسيرك90.
والأرجح -والله أعلم- أن المقصود هنا أسير الحرب؛ فالإحسان للملوك والمرأة جاء في سياق آخر في القرآن الكريم.
ثانيًا: الغنائم وتقسيمها:
ومن القضايا التي عالجها القرآن الكريم بعد انتهاء الحرب قضية الغنائم وتقسيمها.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [الأنفال:٤١].
وقد تناول السياق القرآني هذه المسألة مراعيًا ضعف الأمة وفقرها، وحاجتها إلى القوة المادية والعتاد الذي يقوّي به شوكة المسلمين ويعزز قدراتهم القتالية بين سائر الأمم، ويمكن بيان معالجة القرآن الكريم لمسألة الغنائم فيما يأتي:
أولًا: رد الله حكم الغنائم والفيء له عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [الأنفال:١].
وهذه هي طبيعة القرآن الكريم ومنهجه في معالجة القضايا التي تطرأ في حياة الأمة، أن يرد الأمر لله ولرسوله ليحكم فيه، وقد نزلت هذه الآية الكريمة بعد أن اختلف الصحابة في غنائم بدر، وقد أطال المفسرون القول في تعيين سبب نزول هذه الآيات وملخصها: أن نفوس أهل بدر تنافرت، ووقع فيها ما يقع في نفوس البشر من إرادة الأثرة والاختصاص، فنزلت، فردت أمر الغنائم فيها إلى الله ورسوله، لتنهي هذا التنازع، فرضي المسلمون، وسلموا، وأصلح الله ذات بينهم91.
ثانيًا: حرم الله عز وجل الغنائم على الأمم السابقة، وأحلها لهذه الأمة لما رأى ضعفها وحاجتها للمال والعتاد.
قال تعالى: (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) [الأنفال:٦٩].
وقال صلى الله عليه وسلم: (أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلي، كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى كل أحمر وأسود، وأحلت لي الغنائم، ولم تحل لأحد قبلي، وجعلت لي الأرض طيبة طهورًا ومسجدًا، فأيما رجل أدركته الصلاة صلى حيث كان، ونصرت بالرعب بين يدي مسيرة شهر، وأعطيت الشفاعة)92.
ثالثًا: ميز السياق القرآني بين ما غنم من الكفار بحرب، وبين ما أخذ بدون حرب ولا نزال.
قال تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [الحشر:٦-٧].
فما أعطى الله لرسوله دون حرب، فهو عطاء خالص من الله لرسوله، يجعله كيف يشاء93.
أما ما أخذ عنوة بقتال فهو غنيمة خمسها لله والرسول، وما بقي فللمقاتلين.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [الأنفال:٤١].
تتنوع أسباب الحروب ومقاصدها من أمة لأخرى، تبعًا لعقائد الأمة ونظرتها للحياة، فالإنسان المؤمن لا يعمل عملًا أو يبذل جهدًا إلا ويبتغي به مرضاة الله تعالى، ولما كانت الحرب والمشاركة فيها من أعظم ما يبذل الإنسان في هذه الحياة، كان لا بد أن تكون أهدافها ومقاصدها رضى الله عز وجل.
وإن الناظر في آيات الحرب والقتال والجهاد في القرآن الكريم، يلمس دون عناء مقاصد وغايات الحرب والجهاد في الإسلام، ويمكن بيان ذلك فيما يأتي:
أولًا: مقاصد عقدية:
إن الدافع الأهم للجهاد في سبيل الله عز وجل إنما هو لأجل صيانة عقيدة التوحيد في نفوس الناس، وإصلاح ما فسد منها.
يقول الله تعالى في كتابه العزيز: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [البقرة:١٩٣].
أي: قاتلوا من يعتدون عليكم وعلى دينكم حتى لا يكون شركٌ بالله، وحتى لا يعبد دونه أحدٌ، وتكون العبادة والطاعة لله وحده دون غيره من أصنام وأوثان مادية، أو أفكار شركية معنوية94.
إن سيادة أي عقيدة في الأرض غير عقيدة التوحيد هي فتنة في الأرض وإفساد لأهلها، والعقيدة الإسلامية هي التي لا يقبل الله تعالى من الناس غيرها، ويجب أن تسود، قال تعالى: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [آل عمران:٨٥] ومع ذلك لا يكره الناس على اعتناقها إكراهًا؛ لقوله تعالى: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ) [البقرة:٢٥٦].
وقوله: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [يونس:٩٩].
فلا يصح قهرهم وحملهم لدين الإسلام بعد أن بانت الأدلة والآيات الواضحة الدالة على صدق محمد صلى الله عليه وسلم فيما يبلّغه عن ربه، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر95.
ثانيًا: مقاصد شرعية:
ويراد بالمقصد الشرعي للحرب: قتال الخارجين عن شرع الله، وإلزامهم بما أنزل الله من شرائع وأحكام، قال تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [التوبة:٢٩] أي: قاتلوا أهل الكتاب رغم إيمانهم بالله؛ لأنهم رفضوا طاعة الله في الشرائع والأحكام، وبرفضهم هذا كأنما رفضوا الدين مطلقًا96.
وكذلك أمر الله بقتال من أصر على التعامل بالربا، رغم إيمانه بالله، وحذره بحرب من الله ورسوله، قال تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [البقرة:٢٧٩] أما حرب الله فهي النار يوم القيامة، وأما حرب رسوله فالسيف في الدنيا97، قال قتادة: «أوعد الله أهل الربا بالقتل فجعلهم بهرجًا أينما ثقفوا»98.
فحرب المؤمنين الخارجين عن شرع الله واجب بالكتاب والسنة، وما حرب الردة منا ببعيد.
ثالثًا: مقاصد اجتماعية:
والمراد بالمقصد الاجتماعي للحرب: رفع الظلم عن المظلومين، والمستضعفين، والمضطهدين في العالم، والمقهورين، والأسرى الذين يعذبون، ويحرمون من ممارسة حريتهم ظلمًا وعدوانًا، وهذا يظهر البعد الإنساني السامي لهذا الدين، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [النساء:٧٥].
قال الضحاك: وذلك أن كفار قريش أسروا سبعة نفر من المسلمين، وكانوا يعذبونهم، فأمر الله تعالى بقتال الكفار ليستنقذوا الأسرى من أيديهم99، «والآية تتناول المؤمنين والأسرى، وحواضر الشرك إلى يوم القيامة»100، حاضرة الشّيء: القريب منه، والمجاور له101، وحواضر الشرك أي المدن القريبة من بلاد المشركين، كان لزامًا علينا نصرتهم، والجهاد قربة لله من أجل رفع الظلم عنهم.
فالإسلام يأمر برفع المعاناة عن المظلومين، وتحرير العنصر البشري من ذل العبودية للبشر إلى عز العبودية والانقياد لله، ولا يدخر جهدًا لتحقيق هذه الغاية النبيلة، ولو كلف ذلك بذل المال والأنفس والدماء، إذا ما حال الطغاة والظالمون دون تحقيق هذا الهدف.
رابعًا: مقاصد سياسية:
ويراد بالمقصد السياسي للحرب: حماية الناس من القهر والاضطهاد، والإخراج من الديار، باعتباره ظلم وجرائم سياسية، لا يقبل بها الله، ولا أصحاب القوانين الوضعية في هذا الزمان، وكذلك محاربة من نقضوا العهود.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [البقرة: ٢٤٦].
ففي قوله عز وجل: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) يقول ابن عطية: «وأي شيء يجعلنا ألا نقاتل وقد وترنا وأخرجنا من ديارنا»102.
وفي ذلك دلالة على أن القتال لاستعادة الديار التي أخرج منها الإنسان المؤمن ظلمًا وعدوانًا دون وجه حق هو قتال في سبيل الله عز وجل.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [الحج:٣٩-٤٠].
وقد تناول سياق هذه الآية أيضًا بيان أحقية المظلومين ممن أخرجوا من ديارهم بلا ذنب اقترفوه إلا أنهم يقولون ربنا الله، وهي أحق ما يقال، فهذا إذنٌ من الله تعالى بضرورة وجود قوة تحرس أهل العقيدة، وتدافع عنهم للحفاظ على الواقع الديني، والسمة الدينية على الأرض، وأماكن العبادة فيها103.
فذكر اسم الله وحده في أماكن العبادة لا يشفع لها عند الظلمة أن تصان، فلا يعتدى على حرماتها، لذلك توجب أن تكون للعقيدة وأماكن العبادة من يدافعون عنها في وجه الطغاة المعتدين، لذلك شرع الله الجهاد لهذه الغاية.
وأما نقض العهود والمواثيق فيقول تعالى: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [التوبة:١٢].
فإذا جنح المسالمون المعاهدون لكم إلى الغدر، ونكثوا ما قدّموه من ضمان الوفاء بالعهد، فقاتلوا من يشعلون نيران الفتن، وينقضون العهود، وهم سادة الكفار وقادته104.
خامسًا: مقاصد أمنية:
ويراد بالمقصد الأمني للقتال: إظهار قوة الأمة وإعداد العدة المتاحة الممكنة على الدوام، لتجعل الكفار يحسبون للقائها كل حساب.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [التوبة:١٢٣].
أمر الله المؤمنين في أول السورة بقتال المشركين كافة حيث وجدوا، ولكنه خص هنا لقريبين منهم، فلا يمكننا قتالهم جميعًا في آن واحد، ولما كان الأفضل قتال طائفة، فكان قتال الأقرب أولى من قتال الأبعد، لأن الاشتغال بقتال الأبعد مع ترك الأقرب، لا يؤمن معه هجوم الأقرب على ذراري المسلمين ونسائهم وبلادهم إذا خلت من المجاهدين، فأصل العلاقة مع العدو القريب أن يرى منا القوة والعنف على كل تحرش من طرفهم، أو محاولة اعتداء، (ﭙ ﭚ ﭛ) فلا يجب أن يجدوا فينا لينًا في قول أو معاملة105.
وهذه النظرة للعدو القريب ذات مغزىً أمني، لما فيها من إضعافهم، وما يترتب عليه حفظ للديار، وتأمين للذراري والأموال.
وفي ذات السياق فإن الأمة مطالبة بإعداد ما تقوى عليه من عدة وعتاد، وبذل واستفراغ طاقتها لتصل إلى مستوىً من القوة يجعل لها الرهبة والهيبة في نفوس أعداء الله، وتبقى حامية للدين وبيضة المسلمين.
قال تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [الأنفال:٦٠].
فهدف الإعداد تقوية الأمة، لتكون قادرة على ردع المعتدين وصدهم، وحتى يرى الكفار قوة المسلمين، وعتادهم، وقوة حصونهم، ودقة تصويبهم، فيسكن الرعب في قلوب الكفار، فلا يزالون يهابون المواجهة، فيفيؤوا الى السلم.
أخلاق المؤمنين المحاربين وغيرهم
إن أخلاق الأمم تنطلق من معتقداتها التي نشأت عليها، والقرآن الكريم يربي الأمة على أفضل الأخلاق وأكرمها، فوجه الأمة للأخذ بمكارم الأخلاق في كل شأن من شؤون حياتها.
ولما كانت الحرب سلوكًا اجتماعيًّا اضطراريًّا لا ينفك عن واقع الحياة، جعل القرآن له قيمًا وأخلاقًا، توجب على المقاتل التزامها، لبيان طبيعة هذا الدين، وسمو أهدافه ومقاصده، حتى وقت الحروب.
قال تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [النساء:٩٤].
فقد وضعت هذه الآية الكريمة القاعدة العامة لأخلاق المقاتل في الإسلام، التي تقوم على عدم قتل المسالمين وغير الحربيين، قال الطبري في تفسيره: إذا سرتم مسيرًا لله في جهاد أعدائكم، فتأنّوا في قتل من أشكل عليكم أمره، ولم تعلموا حقيقة إسلامه ولا كفره، ولا تقدموا على قتل أحد إلا من علمتموه يقينًا حربًا عليكم، ولا تقولوا لمن استسلم لكم، فلم يقاتلكم مظهرًا لكم أنه من أهل ملتكم ودعوتكم لست مؤمنًا، فتقتلوه ابتغاء طلب متاع الحياة الدنيا، فإن عند الله من رزقه وفضائل نعمه ما هو خير لكم106.
ولما كانت مقاصد الحرب في القرآن الكريم سامية، لزم أن تكون أخلاق المحاربين لتحقيقها سامية، وقد جاءت آيات القرآن بجملة من الأخلاق والآداب التي يتوجب على المحارب المسلم أن يتحلى بها في الحرب وميدان القتال، والمتأمل في هديه صلى الله عليه وسلم، الذي هو الترجمة الحقيقية للقرآن الكريم، وهدي الخلفاء الراشدين من بعده، يرى سمات وأخلاق المحارب المؤمن، والتي يمكن بيانها فيما يأتي:
١. عدم التعرض للمسالمين.
قال تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ)[النساء:٩٠].
جاء قوله عز وجل: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) أي: فإن اعتزلوكم عند القتال، ويقال يوم فتح مكة فلم يقاتلوكم مع قومهم، وطلبوا منكم المسالمة والمصالحة فما جعل الله لكم عليهم حجة في قتالهم، فأمر الله رسوله بالكف عن هؤلاء107.
وذكر الزمخشري: أن الكف عن القتال سبب لاستحقاقهم ترك التعرض لهم، وترك الإيقاع بهم108.
وبعموم اللفظ، فإن المقاتل إن تراجع من الميدان وأبدى رغبة في المصالحة فلا يجب قتاله.
٢. العدل والتسامح.
قال تعالى: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [النحل:١٢٦].
لما انتهت معركة أحد ونظر النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى عمه حمزة، فرأى ما فعل المشركون به قال: (لئن أظفرني الله عليهم لأمثلن بسبعين منهم مكانك)، فأنزل الله تعالى: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ)109، وإن لهذا الدين أدبيات وقيمًا وأخلاقًا، يجب المحافظة عليها بعيدًا الانفعال العاطفي، فالدفع عن الدعوة، والأخذ بالمثل يجب أن يكون في حدود القسط والعدل، وعدم الإسراف في العقوبة والزيادة في الرد، حتى يحفظ لهذه الدعوة كرامتها وعزتها، فلا تهون في نفوس الناس110.
قال تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [المائدة:٢].
وقال: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [الشورى:٤٠-٤٢].
فأجاز عز وجل للمسلم أخذ الحق، ومعاملة الكفار في الميدان، كما يعاملوا المسلمين، ومع ذلك رغب في الصبر والتسامح.
٣. تجنب الغلول والغدر والمُثْلَة.
نهى النبي صلى الله عليه وسلم المحاربين في سبيل الله عن الغدر وهو: أخذ القوم والإغارة عليهم دون سبق إنذار، وتخييرهم بين الإسلام، أو الجزية أو القتال111، والغلول وهو: إخفاء ما يغنمه الجيش من عتاد ومال من العدو، حتى لا تجري عليه القسمة112، والمثلة في القتلى، فقال صلى الله عليه وسلم: (اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلّوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدًا) 113.
وفي الحديث فوائد مجمع عليها وهي تحريم الغدر، وتحريم الغلول، وتحريم قتل الصبيان، إذا لم يقاتلوا، وكراهة المثلة114.
تأتي وصية النبي صلى الله عليه وسلم للقادة والجند عند عقد الألوية، لتظهر حرص القيادة على جدية التقيد بالتعاليم والأوامر العسكرية، وأنها ليست مجرد شعارات وقرارات نظرية وهمية، وإنما هي خلق وسلوك يجب أن يتحلى به الجند.
٤. عدم التعرض للشجر والزرع.
قال تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [الحشر:٥].
لما نزل صلى الله عليه وسلم على حصون بني النضير لقتالهم، أمر بقطع نخيلهم وإحراقها، إما لإضعافهم بها، وإما ليتسع المكان بقطعها. فشق ذلك على بني النضير، فقالوا: يا محمد، ألست تزعم أنك نبي تريد الصلاح، أمن الصلاح قطع النخيل وحرق الشجر؟ وهل وجدت فيما أنزل الله عليك إباحة الفساد في الأرض؟ فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم، ووجد المؤمنون في أنفسهم حتى اختلفوا، فقال بعضهم: لا تقطعوا مما أفاء الله علينا، وقال بعضهم: اقطعوا لنغيظهم بذلك، فنزلت الآية بتصديق من نهى عن القطع، وتحليل من قطع من الإثم، وأخبر أن قطعه وتركه بإذن الله115.
مما سبق يتبين أن الأصل في الحرب عدم التعرض للمزارع والأشجار والمواشي التي يملكها الناس والمدنيون، ولكن إذا اشترك المدنيون في محاربة جيوش المسلمين، وتمترسوا في حصونهم ومزارعهم، جاز للجيش وقيادته أن تجتهد في التعرض لهذه المزارع والأشجار بما يفسح للجيش حرية الحركة، وإغاظة الكفار، ليكون ذلك سببًا في فت عضدهم، وكل ذلك بإذن الله وقدره116.
٥. الرحمة بالصغير والمرأة.
إن من أبرز أخلاق الجيش المسلم في حربه للعدو تجنب النيل أو المس بالذراري والنساء، فقد روي عن رياح بن الرّبيع رضي الله عنه أنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة، وعلى مقدمة الناس خالد بن الوليد، فإذا امرأة مقتولة على الطريق، فجعلوا يتعجبون من خلقها، قد أصابتها المقدمة، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقف عليها فقال: (هاه ! ما كانت هذه تقاتل) ثمّ قال: (أدرك خالدًا فلا تقتلوا ذرّيّةً ولا عسيفًا)117.
إن تعجب النبي من قتل المرأة، وتصريحه صلى الله عليه وسلم بأنها ما كانت لتقاتل، فيه تأكيد بعدم التعرض للنساء في الحرب، مظنة عدم القتال، ويستفاد من كلامه صلى الله عليه وسلم أيضًا، عدم التعرض للذراري: وهم الفتية دون البلوغ، وكذلك الشأن في العبيد.
٦. الحرص على عدم إراقة الدماء.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرص على حقن الدماء، فيقبل إسلام الشخص مهما كانت عدوانيته، فقد (روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعثًا من المسلمين إلى قومٍ من المشركين، وإنّهم التقوا فكان رجلٌ من المشركين إذا شاء أن يقصد إلى رجلٍ من المسلمين قصد له فقتله، وإنّ رجلًا من المسلمين قصد غفلته، قال: وكنّا نحدّث أنّه أسامة بن زيدٍ، فلمّا رفع عليه السّيف قال: لا إله إلا الله فقتله، فجاء البشير إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فسأله فأخبره، حتّى أخبره خبر الرّجل كيف صنع، فدعاه فسأله فقال: (لم قتلته) قال: يا رسول الله، أوجع في المسلمين، وقتل فلانًا وفلانًا، وسمّى له نفرًا، وإنّي حملت عليه، فلمّا رأى السّيف قال: لا إله إلا الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أقتلته) قال: نعم، قال: (فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة) قال: يا رسول الله، استغفر لي، قال: (وكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟) قال: فجعل لا يزيده على أن يقول: (كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة)118.
فالحديث يبن حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تعليم المحارب المسلم كيف يعطي الخصم أي بارقة أمل تمكنه من النجاة بنفسه، وتحييدها من القتال.
فالقتل في ذاته ليس هدفًا للمقاتل، بل عزة الإسلام هي هدفه الأسمى.
وهذا الحديث يصلح أن يكون وثيقة دولية، يبنى عليها من يضعون قوانين الحروب وسياساتها، ليلزموا من خلالها الجيوش والدول المتحاربة عدم المبالغة في إراقة الدماء، واقتناص الفرصة الأولى لحقن الدماء، والكف عن المبالغة في القتل.
٧. عدم إكراه أحد على الإسلام.
ومن عظمة أخلاق المحارب التي نتعلمها من سيرته صلى الله عليه وسلم أنه لم يكره أحدًا على الإسلام قط، وقد كان ذلك واضحًا مع غورث بن الحارث، عندما أمسك بسيف النبي وهو نائم بظل شجرة، وأراد قتله صلى الله عليه وسلم، فقام على رأسه بالسيف وقال: (من يمنعك مني؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (الله)، فسقط السيف من يده، فأخذه صلى الله عليه وسلم فقال: (من يمنعك منّي؟) فقال الرجل: كن خير آخذ، فقال صلى الله عليه وسلم: (أتشهد أن لا إله إلاّ اللّه؟)، فقال: لا، ولكني أعاهدك أن لا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك. فخلّى سبيله، فعاد الرجل إلى قومه فقال جئتكم من عند خير الناس)119.
إن هذا الموقف للنبي صلى الله عليه وسلم يبين طبيعة هذه الدعوة المباركة التي جاءت لإسعاد البشرية وإصلاحها، ودعت الناس للدخول في رحابها عن قناعة وحب ويقين، لا عن إرغام وتعسف كما يدعي خصومها، وما كانت الدعوة الإسلامية يومًا لترغم الناس عن اعتناقها عنوة، ولو كان الأمر كذلك ما حققت هذا القبول في نفوس المنصفين من غير العرب على مدى التاريخ البشري منذ فجر الدعوة.
إن دعوة يوصف حماة حياضها، والمقاتلون لنصرتها بهذه الصفات، لهي جديرة أن يكتب لها القبول في نفوس المنصفين من الناس، فيصبحوا أخلص جنودها بعد أن كانوا ألد أعدائها، وأعتى خصومتها، فلما تزود جندها بمكارم الأخلاق قبل أن يحملوا السلاح، كان ثمرة جهادهم أن فتح الله لهم صدور العباد قبل أن تفتح لهم الأرض والبلاد، فأقاموا العدل، وساد الود والوئام بين المسلمين وأهل البلاد المفتوحة.
من مبادئ الحرب في سورة العاديات
للحرب مبادئ وأصول، يضعها القادة العسكريون، لإنجاز مهامهم على الوجه الأفضل، وكلما كانت هذه المبادئ صادرة عن جهة عليمة وذات خبرة ودراية، كانت نتائج الحرب المرجوة أفضل وأسرع، وقد تناول القرآن الكريم جملة من هذه المبادئ والأصول في آيات كثيرة، نتناول بعض ما تناوله سياق الآيات الخمس الأولى من سورة العاديات، كنموذج للاستراتيجية.
قال تعالى: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [العاديات:١-٥].
أقسم سبحانه بخيل الغزاة تعدو فتضبح ضبحًا، وهو صوت أنفاسها عند العدو، (ﮘ ﮙ) أي: التي توري النار، وهو إخراج النار، يقال: قدح الزند فأورى، (ﮛ ﮜ) أي: يغير أهلها على العدوّ صباحًا، (ﮞ ﮟ ﮠ) أي: فهيجن بذلك الوقت غبارًا أو صياحًا، (ﮢ ﮣ ﮤ) أي: فتوسطن بذلك الوقت أو بالعدوّ، أو بالنقع، أي: ملتبسات به من جموع الأعداء، وروي أنه بعث صلى الله عليه وسلم خيلًا فمضت أشهر لم يأته منهم خبر فنزلت120.
المتأمل في هذه الآيات الخمس يجد نفسه في أجواء حربية عسكرية، ووسط معركة حامية الوطيس، وفق خطة محكمة مدروسة ومرسومة، شاملة لعناصر ومبادئ حربية، ويمكن بيان هذه المبادئ فيما يأتي:
أولًا: مبدأ المفاجأة والمباغتة:
ويقصد بالمفاجأة، مهاجمة العدو بغتة وفجأة، وهو في عقر داره، أو في موضع تجمعه، وتتوقف المباغتة على تقدير القائد وحنكته في تقديره موقف عدوه، فاختيار ساعة الهجوم، والظهور للعدو في وقت لا يتوقعه، دون مقدمات، وفي حركة سريعة، لا يقوى على رصدها، أو اكتشافها في وقت مبكر121.
وهذا عنصر أصيل في الحروب والمواجهات العسكرية الخاطفة، وتقوم على حسن تقدير واختيار الوقت، وسرعة التنفيذ من شأنها أن تشل قدرة الخصم على المواجهة، وتحقق أعلى نسبة من الأهداف، ومبدأ المفاجأة والمباغتة له ثلاثة أركان وهي:
وإذا أردنا أن نسقط العناصر الثلاثة للمفاجأة والمباغتة على هذه السورة نلاحظ الآتي:
ثانيًا: الأمن:
ولما كانت المباغتة من أهم وسائل كسب الحرب، كان من أهم أسباب نجاحها التكتم والتستر123، والتكتم والتستر إجراء أمني محض.
وقد تناولت الآية الأولى من السورة هذا المبدأ حيث إن الخيول عندما تغير وتسرع يكون صهيلها مفزع، وقد يكون سببًا في كشف الخطة الهجومية للجيش، لذلك كانت الجيوش عند إغارتها يجعلون شيئًا على أفواه الخيل حتى تحول بينها وبين الصهيل فيكون صوت نفسها قوي124.
ثالثًا: الإنزال خلف صفوف العدو:
ويقصد بالإنزال خلف صفوف العدو: دخول بعض الوحدات الخاصة بالجيش، ووصولها إلى ما وراء الصفوف الأمامية للعدو حتى توجه له ضربة من الخلف، وتحدث فيه نكاية، وتقطع تواصل مقدمة الجند مع المؤخرة، وتصبح القوة المتقدمة من العدو في معزل بقية الجند، وهذا يبدو واضحًا من قوله عز وجل: (ﮢ ﮣ ﮤ)، «قيل: صرن بعدوهنّ وسط جمع العدو»125، أي اخترقن الصفوف فأصبحت مقدمة العدو مكشوفة الظهر في خطر.
رابعًا: التعمية والتمويه:
ويقصد بالتعمية ستر الوحدة العاملة عن عين العدو، ويعتبر هذا المبدأ من المبادئ الضرورية لإنجاح المهام الخاصة لهذه الوحدات، ووسائل التمويه كانت معروفة قديمًا، فقد كان قادة السفن يأمرون بصنع أشرعة زرقاء لسفنهم لكي تصبح مثل لون الماء أو السماء، كما يأمرون بعدم إشعال النار بالمركب؛ مما يمكنهم بالتالي من الاستفادة من عنصر المباغتة، وقد بدا ذلك واضحًا في قوله تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ)، «والمعنى أن الخيل أثرن الغبار لشدة العدو في الموضع الذي أغرن فيه»126، هذا الغبار من شأنه أن يغمي أعين العدو عن رؤية الجيوش المغيرة.
وفي عصرنا الحديث هنالك من وسائل التغطية الصناعية كقنابل الدخان، واستغلال حالة الضباب الكثيف لتنفيذ بعض المهام الخاصة، التي تقوم بها الوحدات الخاصة ضد العدو.
إن حالة إثارة الغبار، وأصوات السيوف وضبح الخيول وسرعة حركتها، وهي تضرب الأرض ضربًا بحوافرها وما ينتج عنه من قدح الشرر، يلقي في نفس جنود العدو من الفزع والهلع ما يجعل الواحد منهم لا يفكر إلا أن ينجو بنفسه، فيحدث حالة من الفرار وتفريق الجمع.
خامسًا: المواجهة من نقطة الصفر:
اعتادت الجيوش المعاصرة في هذا الزمان بفضل التقدم في مجال التصنيع والتقنيات العسكرية على المواجهة عن بعد، فقاذفات الصواريخ العابرة للقارات والطائرات الحربية بكافة أشكالها، بطيار ودون طيار، مما يجعل الحروب تحسم في أيام بهزيمة دول وانكسار إرادتها، قبل أن تجتاح جيوش العدو أراضيها.
وتبقى المواجهة من نقطة الصفر والتحام الجيوش، هي الفيصل في تحقيق الهزيمة أو النصر، فكم من دول ذات إمكانيات كبيرة، فرت وهزمت إرادتها عند التحام الصفوف، وما حرب الأمريكان في فيتنام، والحرب الأخيرة على قطاع غزة منا ببعيد، فدولة اليهود تفر من ميدان المواجهة وهي تجر ذيول الخيبة والهزيمة أمام أبطال المقاومة عندما واجهتهم بعتاد بسيط، في تلاحم بطولي من نقطة الصفر، نقطة التحام الصفوف.
وهذا ما أشارت إليه الآية الكريمة في قوله تعالى: (ﮢ ﮣ ﮤ)، «أي: فتوسطن ودخلن في وسط جمع من الأعداء، ففرقنه وشتتنه»127، وذلك بالضرورة يعني أن تتلاحم الصفوف وتلتقي السيوف وجهًا لوجه.
فهذه السورة القصيرة في عدد آياتها العظيمة في معانيها، ترسم لنا نموذجًا لمعركة خاطفة تتنوع فيها عناصر المعركة، من مباغتة، واختراق لصف العدو، وتعمية، وتنوع في المفاجآت والتحام صفوف، تظهر لنا عناية القرآن واهتمامه بتربية الصف المؤمن على أعلى درجات التدريب والخطط العسكرية، تمامًا كما يربيهم على التقوى والورع والبكاء في أجواف الليل.
موضوعات ذات صلة: |
الجهاد، الحذر، السلم، القتال |
1 انظر:العين، الفراهيدي ٣/٢١٣.
2 انظر: تاج العروس، الزّبيدي، ٢/٢٤٩.
3 الموسوعة العربية العالمية، ٩/١٦٢.
4 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبدالباقي ص ١٩٦.
5 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني ص ١٦٦، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٢/٤٤٤.
6 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري، ٩/٦٢.
7 انظر: لسان العرب، ابن منظور، ١١/٥٤٩.
8 انظر: المصدر السابق ١٥/١٢٣.
9 المفردات، ص٣٦٠.
10 انظر: لسان العرب، ابن منظور، ٣/١٣٤.
11 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني، ص ٢٠٨.
12 انظر: التوقيف، المناوي ص ١٣٣.
13 انظر: جمهرة اللغة، ابن دريد ٢/ ٨٥٨.
14 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس، ٣/٦٨.
15 محاسن التأويل، القاسمي، ٩/ ٤٧.
16 أنوار التنزيل، البيضاوي، ٥/ ٣٠١.
17 انظر: المصدر السابق، ٥/٢٦٢.
18 مفاتيح الغيب، الرازي، ٢/٢٣١.
19 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٦/ ٢٤٠.
20 انظر: المذاهب الفكرية المعاصرة ودورها في المجتمعات وموقف المسلم منها، غالب عواجي، ٢/ ١٣١٠.
21 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ١/ ٧١٦.
22 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب، ١/ ٣٢٦.
23 انظر: الكشاف، الزمخشري، ١/ ٣٢٢.
24 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب، ٦/ ٣٥٨٠.
25 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي، ٢/١٢٥.
26 المصدر السابق.
27 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٣/١٠١.
28 انظر: البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي، ٤/٣١٧.
29 انظر: المصدر السابق.
30 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله، ٤/ ٢٠٤١، رقم ٢٦٤٩.
31 انظر: دلائل النبوة، أبو نعيم الأصبهاني ١/ ٢٩٨.
32 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب، ٢/ ٨٧٩.
33 انظر: أحكام القرآن، الجصاص، ١/٥٤.
34 انظر: المصدر السابق.
35 انظر: تفسير الشعراوي، ٥/ ٣٠٣٩.
36 جامع البيان، ١٩/٥٢٤.
37 انظر: المصدر السابق ٢٣/ ٣١١.
38 المصدر السابق ١٤/ ٤٦٩.
39 انظر: الكشاف، الزمخشري ١/ ٦٤٢.
40 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب العلم، باب من سن سنة حسنة، ٤/٢٠٦٠، رقم ٢٦٧٤.
41 انظر: تفسير السمرقندي، ٢/ ٣٩.
42 انظر: الوجيز، الواحدي، ١٠٩٢.
43 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٣/ ٣٢.
44 انظر: المنار، محمد رشيد رضا، ١٠/ ٦٦.
45 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي، ١٢٨.
46 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب بيان أن أرواح الشهداء في الجنة، ٣/١٥٠٢، رقم ١٨٨٧.
47 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٤/ ١٠٥.
48 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٤/ ٦٥.
49 انظر: جامع البيان، الطبري، ٩/ ١٦٢.
50 البحر المديد، ابن عجيبة، ص٤١٧.
51 فتح البيان، القنّوجي، ٢/ ٣٦٠.
52 انظر: تفسير السمرقندي، ١/ ١٦٢.
53 انظر: الرحيق المختوم، المباركفوري، ص١٩١.
54 انظر: المصدر السابق، ص ٢٧٧.
55 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ٨/ ٣٤٦.
56 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور، ١٠/ ٥٥.
57 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية، ١/ ٥٣٤.
58 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٤/ ٢٥٠.
59 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ٩/٤٠٩.
60 انظر: اللباب، ابن عادل، ٦/ ٢٠.
61 انظر: الكشاف، الزمخشري، ١/ ٤٣٢.
62 انظر: البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي، ٥/ ٣٣٢.
63 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٤/ ٢٥٢.
64 الرحيق المختوم، ص ١٨٩.
65 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي، ٤/ ٣٣١.
66 علقه البخاري في صحيحه، ٩/١١٢.
67 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب، ١/ ٤٦٠.
68 انظر: نظم الدرر، البقاعي، ١٨/ ٢٣٩.
69 انظر: المصدر السابق، ٥/ ٣٨٠.
70 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافر، باب صلاة الخوف، ١/٥٧٥، رقم ٨٤٠.
71 في ظلال القرآن، سيد قطب، ٣/ ١٥٢٨.
72 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان الكبائر وأكبرها، ١/ ٩٢، رقم ١٤٥.
73 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية، ٢/ ٥٣٦.
74 انظر: مفاتيح الغيب، الفخر الرازي، ١٥/ ٤٨٩.
75 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الجنائز، باب في التلقين، ٣/ ١٩٠، رقم ٣١١٦.
76 تفسير المراغي، ١٠/ ١٠.
77 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ١٥/ ٤٩٧.
78 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية، ٢/٥٢٤.
79 انظر: مفاتح الغيب، الرازي، ٢٨/ ٣٨.
80 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي، ٥/ ١٢٠.
81 انظر: البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي، ٥/ ١٤٤.
82 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص١٠٨.
83 انظر: مفاتح الغيب، الرازي، ١٥/ ٥٠٩.
84 انظر: جامع البيان، الطبري، ١٤/ ٥٨-٦٠.
85 انظر: أنوار التنزيل، ٣/ ٦٧.
86 انظر: مفاتح الغيب، الرازي، ١٥/ ٥٠٩.
87 انظر: جامع البيان، الطبري، ٢٢/١٥٤.
88 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٤/ ٣٧.
89 انظر: اللباب، ابن عادل، ٩/٥٧٤.
90 انظر: لباب التأويل، الخازن، ٤/ ٣٧٨.
91 انظر: البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي، ٥/ ٢٦٨.
92 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، ١/ ٣٧٠ ، رقم ٥٢١.
93 انظر: مدارك التنزيل، النسفي، ٣/ ٤٥٧.
94 انظر: جامع البيان، الطبري، ٣/ ٥٧٠.
95 انظر: التفسير الوسيط، الزحيلي، ١/١٤٩.
96 انظر: النكت والعيون، الماوردي، ٢/ ٣٥٠.
97 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي، ٢/ ٢٨٥.
98 المحرر الوجيز، ابن عطية، ١/٣٧٤.
99 انظر: تفسير السمرقندي، ١/ ٣١٨.
100 المحرر الوجيز، ابن عطية، ٢/ ٧٩.
101 انظر: معجم اللغة العربية المعاصرة، أحمد مختار، ١/٥١٣.
102 المحرر الوجيز، ابن عطية، ١/٣٣١.
103 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب، ٤/ ٢٤٢٥.
104 انظر: لطائف الإشارات، القشيري، ٢/ ١١.
105 انظر: أحكام القرآن، الجصاص، ٤/ ٣٧٤.
106 انظر: جامع البيان، الطبري، ٤/ ٧١.
107 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي، ٣/ ٣٥٧.
108 انظر: الكشاف، ١/ ٥٤٧.
109 انظر: الكشف والبيان عن تفسير القرآن، الثعلبي، ٦/ ٥٢.
110 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب، ٤/٢٢٠٢.
111 المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، النووي، ١٢/ ٣٨ .
112 انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين، الحميدي، ص ٥٠ .
113 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجهاد، باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث، ٣/ ١٣٥٦، رقم ١٧٣١.
114 المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، النووي، ١٢/ ٣٨.
115 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٨/ ٦.
116 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي، ٥/ ١٩٩.
117 أخرجه أحمد في مسنده، ٢٥/٣٧١، رقم ١٥٩٩٢، وأبو داود في سننه، كتاب الجهاد، باب في قتل النساء، ٣/٥٣، رقم ٢٦٦٩، وابن ماجه في سننه، كتاب الجهاد، باب الغارة والبيات وقتل النساء والصبيان، ٢/٩٤٨، رقم ٢٨٤٢.
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، ٢/٣١٤، رقم ٧٠١.
118 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب تحريم قتل الكافر بعد أن قال: لا اله إلا الله، ١/ ٩٧، رقم ١٦٠.
119 انظر: دلائل النبوة، البيهقي، ٣/ ٣٧٥.
120 أنوار التنزيل، البيضاوي، ٥/٣٣١.
121 المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، جواد علي، ١٠/ ١١٥.
122 محاسن التأويل، القاسمي، ٩/ ٥٢٨.
123 انظر: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، جواد علي، ١٠/ ٨٠.
124 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٢٠/١٥٤.
125 لباب التأويل، الخازن، ٤/ ٦٤٠.
126 مفاتيح الغيب، الرازي، ٣٢/ ٢٦٠.
127 محاسن التأويل، القاسمي، ٩/ ٥٢٩.