عناصر الموضوع
حق تشريع الحدود لله سبحانه وتعالى
أحكام شرعية وصفت بحدود الله تعالى
الحدود
أولًا: المعنى اللغوي:
الحدّ لغة: الحاجز بين الشيئين الذي يمنع اختلاط أحدهما بالآخر1، أو لئلا يتعدى أحدهما على الآخر، وفصل ما بين كل شيئين: حد بينهما2.
ويرد أيضًا بمعنى طرف الشيء، قال ابن فارس: «الحاء والدال أصلان: الأول المنع، والثاني طرف الشيء.
فالحد: الحاجز بين الشيئين. وفلان محدود، إذا كان ممنوعًا. و إنه لمحارف محدود ، كأنه قد منع الرزق. ويقال للبواب حداد، لمنعه الناس من الدخول...»3.
ومنه سمي حد الزنا والخمر ونحوها حدًّا: لأنّه يـمنع صاحبه من المعاودة4، ويمنع غيره من أن يسلك مسلكه5.
وأما الأصل الثاني: فهو طرف الشيء: يقال: حد السيف والسكين: حرفه6. ومنتهى كل شيء: حده؛ ومنه: أحد حدود الأرضين وحدود الحرم7.
فالحد إذن: طرف الشيء، والحاجز بين الشيئين.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
حدود الله: «الأشياء التي بين تحريمها وتحليلها، وأمر أن لا يتعدى شيء منها فيتجاوز إلى غير ما أمر فيها أو نهى عنه منها، ومنع من مخالفتها»8.
فهي بهذا المعنى دالة على جميع الأحكام الشرعية التي تضمنتها الشريعة الإسلامية من واجبات ومندوبات ومباحات ومكروهات ومحرمات، وسواء أوقع النص عليها صراحة في الكتاب والسنة أم استنبطت من دليل آخر يرجع إليهما كالإجماع أو القياس أو غيرهما. وقد «شبهت بالحدود التي هي الفواصل المجعولة بين أملاك الناس، لأن الأحكام الشرعية، تفصل بين الحلال والحرام، والحق والباطل، وتفصل بين ما كان عليه الناس قبل الإسلام، وما هم عليه بعده»9.
وتسمية العقوبات الشرعية المقدرة حدودًا اصطلاح الفقهاء، ولم ترد في القرآن الكريم بهذا اللفظ.
ورغم أن لفظ الحدود يفيد معنى ما ينتهى إليه ويمنع تجاوزه، فإنها قد صنفت إلى أنواع أربعة، منها ما يمنع تجاوزه ومنها ما لا يمنع.
قال الراغب: «وجميع حدود الله على أربعة أوجه:
فقد جعل الحدود أربعة أنواع، ومثل للنوع الأول بعدد ركعات الصلاة، ولكنه لم يمثل للباقي. وهو بهذا المعنى قد جعل «حدود الله» مرادفة بصورة كاملة للأحكام الشرعية. أما ابن منظور فقد اقتصر على ما استفيد من الدلالة القرآنية فجعلها نوعين: ما لا يقرب، وما لا يتعدى، قال: «فمنها ما لا يقرب كالفواحش المحرمة، ومنه قوله تعالى: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [البقرة: ١٨٧].
ومنها ما لا يتعدى كالمواريث المعينة وتزوج الأربع، ومنه قوله تعالى: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [البقرة: ٢٢٩]»11.
ومدار الخلاف في ذلك على إطلاق الحدود بمعنى الأحكام الشرعية، وهي دلالة اصطلاحية، وبين إطلاقها بدلالة خاصة استفيدت من القرآن الكريم.
والمعنى الاصطلاحي مشتق من المعنى اللغوي، الذي هو طرف الشيء والحاجز بين شيئين، فالشارع الحكيم أمر أن لا يُتعدَّى شيءٌ من هذه الحدود، ومنع من مخالفتها.
وردت مادة (حدد) في القرآن (٢٥) مرة، يخصّ موضوع البحث منها(١٤) مرة12.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة | عدد المرات | المثال |
الجمع | ١٤ | (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [البقرة: ١٨٧] |
وجاءت الحدود في الاستعمال القرآني بمعناها اللغوي، وهو: الحاجز بين الشيئين الذي يمنع اختلاط أحدهما بالآخر13.
الحمى:
الحمى لغة:
المنع والدفع14.
الحمى اصطلاحًا:
مكان مخصب يحظره الملك لرعي مواشيه ويتوعد من يرعى فيه بغير إذنه بالعقوبة الشديدة15.
وأصله: «المحمي، أطلق المصدر على اسم المفعول، وفي اختصاص التمثيل في الحديث بـ (الراعي يرعى حول الحمى) نكتة، وهي: أن ملوك العرب كانوا يحمون لمراعي مواشيهم أماكن مختصة يتوعدون من يرعى فيها بغير إذنهم بالعقوبة الشديدة، فمثل لهم النبي صلى الله عليه وسلم بما هو مشهور عندهم، فالخائف من العقوبة المراقب لرضا الملك يبعد عن ذلك الحمى خشية أن تقع مواشيه في شيء منه، فبعده أسلم له ولو اشتد حذره، وغير الخائف المراقب يقرب منه ويرعى من جوانبه، فلا يأمن أن تنفرد الفاذة فتقع فيه بغير اختياره، أو يمحل المكان الذي هو فيه ويقع الخصب في الحمى، فلا يملك نفسه أن يقع فيه، فالله سبحانه وتعالى هو الملك حقًّا وحماه: محارمه»16.
الصلة بين الحمى والحدود:
ولا ريب أن لهذه «الحمى» حدودًا فاصلة بينها وبين غيرها، فمن هنا أشبه لفظ «الحمى» في الحديث لفظ الحدود في الآيات المتقدمة، وكما تضمن قوله سبحانه: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [البقرة: ١٨٧] الإشارة إلى ما نهى الله عنه، تضمن قوله صلى الله عليه وسلم: (كالراعي يرعى حول الحمى) الإشارة إلى المنهيات، وقد وقع تفسيرها بذلك تفسيرًا صريحًا في الحديث، في قوله عليه الصلاة والسلام: (ألا وإن حمى الله محارمه).
حق تشريع الحدود لله سبحانه وتعالى
تقدم أن حدود الله نوعان:
والحدود بالمعنى الثاني عقوبات مقدرة على جرائم محددة لم يجعل الله سبحانه وتعالى لأحد فيها اجتهادًا أو تقديرًا، لا حاكم ولا قاض ولا عالم ولا مفتِ، وهي قسيمة للتعازير التي يوكل تقديرها إلى القاضي18.
فلئن كان من غير الممكن التصرف فيها بالتقدير، فالتصرف فيها بالإيجاب والإنشاء غير ممكن من باب أولى، فهو حق خالص لله وحده لا ينازعه فيه إلا معتد مدع ما ليس له، متجرئ على الله محاد له، مبارز له بالمعاصي.
وحدود الله بالمعنى الثاني جامعة لكل ما شرع، وادعاء أحد من الناس ملكه لحق تشريعها منازعة لله عز وجل في شرعه وأمره، وقد عد القرآن الكريم ذلك بابًا من أبواب الشرك، قال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [الشورى: ٢١].
وقد أفادت «أم» في الآية الإضراب والاستفهام فـ «هي بتقدير بل وألف الاستفهام»19.
«ومعنى الاستفهام الذي تقضيه «أم» التي للإضراب هو هنا للتقريع والتهكم، فالتقريع راجع إلى أنهم شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله، والتهكم راجع إلى من شرعوا لهم الشرك، فسئلوا عمن شرع لهم دين الشرك: أهم شركاء آخرون اعتقدوهم شركاء لله في الإلهية وفي شرع الأديان كما شرع الله للناس الأديان؟ وهذا تهكم بهم؛ لأن هذا النوع من الشركاء لم يدعه أهل الشرك من العرب. وهذا المعنى هو الذي يساعد تنكير شركاء ووصفه بجملة (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ). ويجوز أن يكون المسؤول عن الذي شرع لهم هو الأصنام التي يعبدونها، وهو الذي درج عليه المفسرون، فيكون لهم في موضع الحال من شركاء»20.
ومبنى ذلك على تحديد معنى الشركاء في الآية: أهم شركاء للمشركين في ما هم عليه من الضلال والغواية؟ أم هم شركاء لله -على حد زعم المشركين لا على الحقيقة-؟ قال ابن عطية: «والشركاء في هذه الآية: يحتمل أن يكون المراد بهم الشياطين والمغوين من أسلافهم، ويكون الضمير في (ﮱ) للكفار المعاصرين لمحمد صلى الله عليه وسلم، أي شرع الشركاء لهم ما لم يأذن به الله، فالاشتراك هاهنا هو في الكفر والغواية، وليس بشركة الإشراك بالله، ويحتمل أن يكون المراد بـ «الشركاء»: الأصنام والأوثان على معنى: أم لهم أصنام جعلوها شركاء لله في ألوهيته، ويكون الضمير: في: (ﮰ) لهؤلاء المعاصرين من الكفار ولآبائهم. والضمير في: (ﮱ) للأصنام الشركاء، أي شرع هؤلاء الكفار لأصنامهم وأوثانهم ما لم يأذن به الله»21.
فيكون المعنى على القول الثاني: أن هؤلاء المشركين اتخذوا أوثانًا وشرعوا لها من العبادة والدعاء وتقريب القرابين ونحوها شيئًا لم يأذن به الله ولم ينزل به سلطانًا، وإنما ابتدعوه من عند أنفسهم.
وأما على القول الأول: فإن طائفة ممن يشارك هؤلاء المشركين في صفة الضلال والغواية من أسلافهم أو غيرهم قد ابتدع لهم شرعًا لم يأذن به الله، فنهجوه واتبعوه، فكان ذلك منهم اتخاذًا لهم آلهة من دون الله، فكان الاستفهام بـمعنى «ألهم آلهةٌ (ﮰ) أي ابتدعوا لهم دينًا لم يأذن به الله؟!»22.
وفيه على كلا الرأيين «فضح فظاعة شركهم بعروه عن الانتساب إلى الله، أي إن لم يكن مشروعًا من الإله الحق فهو مشروع من الآلهة الباطلة وهي الشركاء. وظاهر أن تلك الآلهة لا تصلح لتشريع دين؛ لأنها لا تعقل ولا تتكلم، فتعين أن دين الشرك دين لا مستند له. وقريب من هذا قوله تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [الأنعام: ١٣٧]..»23.
وأيًّا يكن المعنى، فإن الآية قد أنكرت على المشركين إما تشريعهم ما لم يأذن به الله، أو اتباعهم لشرع شرعه غير الله ولم يأذن به سبحانه.
ومعنى (ﮰ): «أثبتوا ونهجوا ورسموا. و (ﯔ) هنا العوائد والأحكام والسيرة، ويدخل في ذلك أيضًا المعتقدات، لأنهم في جميع ذلك وضعوا أوضاعًا، فأما في المعتقدات فقولهم إن الأصنام آلهة، وقولهم إنهم يعبدون الأصنام زلفى وغير ذلك، وأما في الأحكام فكالبحيرة والوصيلة والحامي، وغير ذلك من السوائب ونحوها، والإذن في هذه الآية الأمر. و (ﯜ ﯝ): هي ما سبق من قضاء الله تعالى بأنه يؤخر عقابهم إلى الآخرة، والقضاء بينهم: هو عذابهم في الدنيا ومجازاتهم»24.
وعليه فقد تضمنت الآية تشنيعا على من شرع من عنده شيئًا لم يأذن به الله، سواء أتعلق بالعقائد أم بالأحكام، وفي القرآن الكريم من ذلك مما شنع به على المشركين أمثلة كثيرة بلغ المشركون فيها من السفه مبلغًا يذر الحليم حيرانًا، حتى قتلوا أولادهم وحرموا على أنفسهم طيبات أحلت لهم:
فمن ذلك ما نص عليه قوله تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [الأنعام: ١٤٠].
فشنعت عليهم ما ابتدعوا من باطل أفضى بهم إلى قتل أولادهم كما دل على ذلك قوله سبحانه في الآية الأخرى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [الأنعام: ١٣٧].
وإلى أن حرموا على أنفسهم طيبات أحلها الله لهم، أي: «قد خسر الذين فعلوا هذه الأفعال في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فخسروا أولادهم بقتلهم، وضيقوا عليهم في أموالهم، فحرموا أشياء ابتدعوها من تلقاء أنفسهم، وأما في الآخرة فيصيرون إلى شر المنازل بكذبهم على الله وافترائهم»25.
وفي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: «إذا سرك أن تعلم جهل العرب، فاقرأ ما فوق الثلاثين ومائة في سورة الأنعام»26 مشيرًا إلى نحو قوله عزو وجل: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [الأنعام: ١٣٦]
قال ابن عباس: «وذلك أن أعداء الله كانوا إذا احترثوا حرثًا، أو كانت لهم ثمرة، جعلوا لله منها جزءًا وللوثن جزءًا، فما كان من حرث أو ثمرة أو شيء من نصيب الأوثان حفظوه وأحصوه. فإن سقط منه شيء فيما سمّي لله ردّوه إلى ما جعلوا للوثن. وإن سبقهم الماء إلى الذي جعلوه للوثن، فسقى شيئًا جعلوه لله، جعلوا ذلك للوثن، وإن سقط شيء من الحرث والثمرة التي جعلوا لله، فاختلط بالذي جعلوا للوثن، قالوا: «هذا فقير»! ولم يردوه إلى ما جعلوا لله. وإن سبقهم الماء الذي جعلوا لله فسقى ما سمّي للوثن، تركوه للوثن. وكانوا يحرّمون من أنعامهم البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، فيجعلونه للأوثان، ويزعمون أنهم يحرّمونه لله. فقال الله في ذلك: ( ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) الآية»27.
وكما يفعلون ذلك في الحرث يفعلونه في الأنعام، قال قتادة: «عمد ناس من أهل الضلالة فجزّؤوا من حروثهم ومواشيهم جزءًا لله وجزءًا لشركائهم. وكانوا إذا خالط شيء مما جزّؤوا لله فيما جزءوا لشركائهم خلّوه. فإذا خالط شيء مما جزؤوا لشركائهم فيما جزؤوا لله ردّوه على شركائهم. وكانوا إذا أصابتهم السّنة استعانوا بما جزؤوا لله، وأقرّوا ما جزؤوا لشركائهم، قال الله: (ﮭ ﮮ ﮯ)»28.
وروي عنه أيضًا أنهم «كانوا يجزئون من أموالهم شيئًا، فيقولون: «هذا لله، وهذا للأصنام»، التي يعبدون. فإذا ذهب بعيرٌ مما جعلوا لشركائهم، فخالط ما جعلوا لله ردّوه. وإن ذهب مما جعلوه لله فخالط شيئًا مما جعلوه لشركائهم تركوه. وإن أصابتهم سنة، أكلوا ما جعلوا لله، وتركوا ما جعلوا لشركائهم، فقال الله: (ﮭ ﮮ ﮯ)»29.
ومن ذلك أيضًا ما نص عليه قوله جل وعلا: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [الأنعام: ١٣٨].
ومعنى «(ﭕ) حرام، فعل بمعنى المفعول كالذبح والطعن، ويستوى فى الوصف به المذكر والمؤنث، والواحد والجمع؛ لأن حكمه حكم الأسماء غير الصفات»30.
ونصت الآية على أنهم «حرموا أنعامًا وحرثًا وجعلوها لأصنامهم وقالوا: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) وهم خدام الأصنام. ثم بين أن هذا تحكم لم يرد به شرع، ولهذا قال: «بزعمهم». (ﭜ ﭝ ﭞ) يريد ما يسيبونه لآلهتهم على ما تقدم من النصيب، وقال مجاهد: المراد البحيرة والوصيلة والحام. (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) يعني ما ذبحوه لآلهتهم. قال أبو وائل: لا يحجون عليها. (ﭥ) أي للافتراء«على الله»، لأنهم كانوا يقولون: الله أمرنا بهذا»31.
وقال سبحانه أيضًا: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [الأنعام: ١٣٩].
فأخبر سبحانه «عن هؤلاء الكفرة أنهم قالوا في أنعام بأعيانها: «ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا دون إناثنا»، واللبن ما في بطونها، وكذلك أجنتها. ولم يخصص الله بالخبر عنهم أنهم قالوا: بعض ذلك حرام عليهن دون بعض.
وإذ كان ذلك كذلك، فالواجب أن يقال إنهم قالوا: ما في بطون تلك الأنعام من لبن وجنين حلٌّ لذكورهم خالصة دون إناثهم، وإنهم كانوا يؤثرون بذلك رجالهم، إلا أن يكون الذي في بطونها من الأجنة ميتًا، فيشترك حينئذ في أكله الرجال والنساء»32.
وإجمالًا فقد جعل القرآن الكريم تشريع ما لم يأذن به الله في مرتبة مقارنة للشرك فأخبر سبحانه عن المشركين أنهم يأتون الفواحش ويزعمون أن الله أمرهم بها: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الأعراف: ٢٨].
ثم قال: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [الأعراف: ٣٣].
أي «(ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) أي المحسن إليّ بجعل ديني أحسن الأديان (ﮄ) أي كل فرد منها، وهي ما زاد قبحه؛ ولما كانت الفاحشة ما يتزايد قبحه فكان ربما ظن أن الإسرار بها غير مراد بالنهي قال: (ﮅ ﮆ ﮇ) بين الناس (ﮈ ﮉ)، ولما كان هذا خاصًّا بما عظمت شناعته قال: (ﮊ) أي مطلق الذنب الذي يوجب الجزاء، فإن الإثم الذنب والجزاء؛ ولما كان البغي زائد القبح مخصوصًا بأنه من أسرع الذنوب عقوبة، خصه بالذكر فقال: (ﮋ) وهو الاستعلاء على الغير ظلمًا، ولكنه لما كان قد يطلق على مطلق الطلب، حقق معناه العرفي الشرعي فقال: (ﮌ ﮍ)... (ﮎ ﮏ ﮐ) أي الذي اختص بصفات الكمال (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) فإنه لا يوجد ما يسميه أحد شريكًا إلا وهو مما لم ينزل به الله سلطانًا بل ولا حجة به في الواقع ولا برهان... (ﮖ) أي وحرم أن (ﮗ ﮘ ﮙ) أي الذي لا أعظم منه ولا كفوء له (ﮚ ﮛ ﮜ) أي ما ليس لكم به علم بخصوصه ولا هو مستند إلى علم أعم من أن يكون من الأصول أو لا»33.
وعد القرآن الكريم الجرأة على التشريع بغير وحي من الله أو علم كذبًا وافتراء على الله، قال جل وعلا: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [النحل: ١١٦-١١٧].
أي: «ولا تقولوا الكذب للذي تصفه ألسنتكم من البهائم بالحل والحرمة، من غير استناد ذلك الوصف إلى الوحي»34.
وقال سبحانه: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [يونس: ٥٩-٦٠].
أي: «أي شيء ظنهم (ﯚ ﯛ) أيحسبون أن لا يجازوا عليه... وفي إبهام الوعيد تهديد عظيم (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) حيث أنعم عليهم بالعقل وهداهم بإرسال الرسل وإنزال الكتب. (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) هذه النعمة»35.
أحكام شرعية وصفت بحدود الله تعالى
وردت (حدود الله) على معنيين:
أحدهما: المنهيات.
والثاني: حد ما ينهى عن تجاوزه من المباحات.
مثال الأول: ما روى الطبراني عن طاوس قال: سمعت أبا الدرداء، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودًا فلا تعتدوها، وسكت عن كثير عن غير نسيان فلا تكلفوها، رحمة من الله فاقبلوها)36.
فالحدود في الحديث قسيمة للفرائض، ولذلك فلا يمكن أن تكون إلا المحرمات.
ومثال الثاني ما روى الدارقطني والبيهقي عن أبي ثعلبة الخشني، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل فرض فرائض فلا تضيعوها، وحرم حرمات فلا تنتهكوها، وحد حدودًا فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها)37.
وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله أعطى كل ذي حق حقه، وإن الله فرض فرائض وسن سننًا، وحد حدودًا، وأحل حلالًا، وحرم حرامًا، وشرع الإسلام، وجعله سهلًا سمحًا واسعًا، ولم يجعله ضيقًا)38.
فالحدود في الحديثين دالة على قسم آخر غير الفرائض والمنهيات وهي حدود المباحات، بل إنها في الثاني ذكرت مع المباح المطلق مما يجعل لها دلالة خاصة على نوع من المباحات.
هذا وقد وردت حدود الله في القرآن الكريم دالة على بعض الأحكام الخاصة:
فأغلبها متعلق بأحكام العلاقة الزوجية وإصلاح ما طرأ من الخلل عليها وانتهائها، ويتضمن هذا أحكام الطلاق الرجعي والبائن بينونة صغرى أو كبرى، وأحكام العدد، وأحكام الظهار.
وبعضها متعلق بالحقوق الواجبة في تركة الميت، من الديون والوصايا، ومن يرث ومن لا يرث، وأنصبة كل وارث.
وبعضها متعلق بأحكام العبادات الواجبة كالصلاة وصيام رمضان، أو المندوبة كصيام التطوع والاعتكاف، وما تعلق بها من مفطرات ومفسدات ونواقض.
أولًا: ما تعلق بأحكام العلاقة الزوجية وإصلاح ما طرأ من الخلل عليها وانتهائها:
شرع الله الزواج ليكون سكنًا للنفوس، وجعل كلًّا من الزوجين لباسًا للآخر يستره، وألقى بينهما المودة والرحمة. واستمرار السكن والمودة والرحمة مشروط بالمعاشرة بالمعروف وحفظ كل من الزوجين حقوق الآخر. غير أن الخلاف والنزاع قد يستطير ويستشري حتى تنقطع مقاصد العلاقة الزوجية، ومن أجلى تلك الصور «الإيلاء»: وهو أن يحلف الزوج ألا يقرب امرأته، فيمنعها حقًّا من حقوقها، وينقض مقصدًا أساسيًّا في العلاقة الزوجية. فإن آلى الزوج فحلف ألا يقرب امرأته، فقد حد القرآن الكريم له حدًّا: أربعة أشهر يتربصها ثم يوقف بعدها؛ فإما أن يعود إلى الوفاء بحقها ويكفر عن يمينه، أو يطلقها ويسرحها، فيغني الله كلا منهما من سعته: قال تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [البقرة: ٢٢٦-٢٢٧].
«فإذا انقضت الأربعة الأشهر: وقف المولي عند مالك والشافعي، فإما فاء، وإلّا طلّق، فإن أبى الطلاق: طلق عليه الحاكم، وقال أبو حنيفة: إذا انقضت الأربعة الأشهر: وقع الطلاق دون توقيف، ولفظ الآية يحتمل القولين»39.
وإذا طلق الرجل زوجته، ولم يجاوز المرة الثالثة، كان هذا الطلاق رجعيًّا. ومن طلق زوجته طلاقًا رجعيًّا لم تنته العلاقة الزوجية بمجرد تلفظه بالطلاق، ولكنه يمنح فرصة لمراجعتها. فتعتد المرأة في بيته، ولها السكنى والنفقة، ويراجعها زوجها متى شاء من غير أن يحتاج إلى عقد جديد.
قال سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [الطلاق: ١].
فقد فرضت الآية على من أراد أن يطلق زوجته أن يتحرى زمانًا معينًا فمعنى: (ﭓ ﭔ ﭕ): «إذا أردتم تطليقهن (ﭖ ﭗ): أي لزمان عدتهن وهو الطهر؛ لأنها تعتد بذلك الطهر من عدتها وتحصل في العدة عقيب الطلاق، فلا يطول عليها زمان العدة، وكان ابن عباس وابن عمر يقرآن: (فطلقوهن في قبل عدتهن) وهذا في المدخول بها؛ لأن غير المدخول بها لا عدة عليها»40.
فليس للأزواج أن يطلقوا متى شاءوا، بل قيل لهم «التمسوا لطلاقهن الأمر المشروع، ولا تبادروا بالطلاق من حين يوجد سببه، من غير مراعاة لأمر الله. بل (ﭖ ﭗ) أي: لأجل عدتهن، بأن يطلقها زوجها وهي طاهر، في طهر لم يجامعها فيه، فهذا الطلاق هو الذي تكون العدة فيه واضحة بينة، بخلاف ما لو طلقها وهي حائض، فإنها لا تحتسب تلك الحيضة، التي وقع فيها الطلاق، وتطول عليها العدة بسبب ذلك، وكذلك لو طلقها في طهر وطئ فيه، فإنه لا يؤمن حملها، فلا يتبين ولا يتضح بأي عدة تعتد، وأمر تعالى بإحصاء العدة، أي: ضبطها بالحيض إن كانت تحيض، أو بالأشهر إن لم تكن تحيض وليست حاملًا فإن في إحصائها أداء لحق الله، وحق الزوج المطلق، وحق من سيتزوجها بعد، وحقها في النفقة ونحوها. فإذا ضبطت عدتها، علمت حالها على بصيرة، وعلم ما يترتب عليها من الحقوق، وما لها منها، وهذا الأمر بإحصاء العدة، يتوجه للزوج وللمرأة، إن كانت مكلفة، وإلا فلوليها»41.
وقد نهت الآية الأزواج عن إخراجهن من البيوت في العدة، كما نهتهن أيضًا عن الخروج إلى انقضائها: «(ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ): أي ليس للزوج أن يخرجها من مسكن النكاح ما دامت في العدة، ولا يجوز لها الخروج أيضًا لحق الزوج إلا لضرورة ظاهرة، فإن خرجت أثمت ولا تنقطع العدة. والرجعية والمبتوتة في هذا سواء. وهذا لصيانة ماء الرجل. وهذا معنى إضافة البيوت إليهن، كقوله تعالى: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [الأحزاب: ٣٤].
وقوله تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ) [الأحزاب: ٣٣].
فهو إضافة إسكان وليس إضافة تمليك. وقوله: (ﭟ ﭠ) يقتضي أن يكون حقًّا على الأزواج. ويقتضي قوله: (ﭣ ﭤ) أنه حق على الزوجات»42.
والأصل في عدد النساء «ثلاثة قروء» ولا يحل للمطلقة فيها أن تكتم ما يدعو زوجها لمراجعتها كالحمل، ولزوجها الحق في مراجعتها من غير أن يستأذن وليها أو يعطيها مهرًا أو يعقد عقدًا جديدًا، على أن يكون قاصدًا للإصلاح لا للإضرار، وأن يوفيها ما أوجب الله لها من حق مثل ما عليها أن توفيه ما أوجب الله عليها من حق، قال تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [البقرة: ٢٢٨].
غير أن آية سورة الطلاق قد أمرت بالإشهاد على الرجعة، قال جل وعلا: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [الطلاق: ٢].
وظاهر قوله سبحانه: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) يدل على وجوب الإشهاد، قال ابن العربي: «وهذا ظاهر في الوجوب بمطلق الأمر عند الفقهاء، وبه قال أحمد بن حنبل في أحد قوليه، والشافعي. وقال مالك، وأبو حنيفة، وأحمد، والشافعي في القول الآخر: إن الرجعة لا تفتقر إلى القبول، فلم تفتقر إلى الإشهاد، كسائر الحقوق، وخصوصًا حل الظهار بالكفارة»43، بمعنى أن الأمر مصروف عندهما بهذه القرينة من الوجوب إلى الاستحباب.
وقد تضمنت الآية أمرًا آخر: وهو الإمساك بمعروف أو المفارقة بمعروف، والإمساك بالمعروف: «هو حسن العشرة في الإنفاق وغير ذلك، و المفارقة بالمعروف: هو أداء المهر والتمتيع، ودفع جميع الحقوق، والوفاء بالشروط وغير ذلك»44.
والطلاق رجعي ما لم تنقض العدة أو يجاوز المرتين: (ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [البقرة: ٢٢٩].
فقوله سبحانه: (ﮦ ﮧ): «بيان لعدد الطلاق الذي يجوز إيقاعه، وهو طلاق السنة (ﮩ): ارتجاع... (ﮪ): حسن المعاشرة وتوفية الحقوق (ﮫ ﮬ): هو تركها حتى تنقضي العدّة فتبين منه (ﮭ) المتعة، وقيل: التسريح هنا الطلقة الثالثة بعد الاثنتين»45.
وفي الآية نهي عن أخذ الزوج شيئًا أعطاه لامرأته إلا ما أعطته عن طيب نفس، إلا أن تخالعه لرغبتها هي في فراقه من غير إضرار منه بها، «وقوله: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) أي: لا يحل لكم أن تضاجروهن وتضيقوا عليهن، ليفتدين منكم بما أعطيتموهن من الأصدقة أو ببعضه، كما قال تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [النساء: ١٩].
فأما إن وهبته المرأة شيئًا عن طيب نفس منها، فقد قال تعالى: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [النساء: ٤].
وأما إذا تشاقق الزوجان، ولم تقم المرأة بحقوق الرجل، وأبغضته ولم تقدر على معاشرته، فلها أن تفتدي منه بما أعطاها، ولا حرج عليها في بذلها، ولا عليه في قبول ذلك منها؛ ولهذا قال تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ)»46.
قال ابن جزي: «ثم إنّ المخالعة على أربعة أحوال، الأوّل: أن تكون من غير ضرر من الزوج ولا من الزوجة: فأجازه مالك وغيره لقوله تعالى: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) الآية، ومنعها قوم لقوله تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ)، والثاني: أن يكون الضرر منهما جميعًا فمنعه مالك في المشهور لقوله تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ)، وأجازه الشافعي لقوله تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ). والثالث: أن يكون الضرر من الزوجة خاصة، فأجازه الجمهور لظاهر هذه الآية، والرابع: أن يكون الضرر من الزوج خاصة: فمنعه الجمهور لقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ) [النساء:٢٠] الآية، وأجازه أبو حنيفة مطلقا»47.
وللزوج أن يراجع زوجته بعد الطلاق بغير عقد قبل انقضاء العدة، وبعقد بعد انقضائها أو إن خالعته، ما لم يجاوز حد المرتين، فإن طلق في الثالثة حرمت عليه حتى تتزوج زوجًا غيره، زواجًا صحيح الأركان، لا يقصد منه التحليل، ويطأها فيه، ثم يطلقها أو يتوفى عنها الزوج الثاني وتنقضي عدتها، فإن اجتمعت هذه الأركان حل له أن يتزوجها بعقد جديد إن ظنا أنهما يقيمان حدود الله.
قال تعالى: (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ) [البقرة: ٢٣٠].
فقوله تعالى: «(ﯻ ﯼ) أي: الطلقة الثالثة، (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) أي: نكاحًا صحيحًا ويطؤها، لأن النكاح الشرعي لا يكون إلا صحيحًا، ويدخل فيه العقد والوطء، وهذا بالاتفاق.
ويشترط أن يكون نكاح الثاني، نكاح رغبة، فإن قصد به تحليلها للأول، فليس بنكاح، ولا يفيد التحليل، ولا يفيد وطء السيد، لأنه ليس بزوج، فإذا تزوجها الثاني راغبًا ووطئها، ثم فارقها وانقضت عدتها (ﰉ ﰊ ﰋ) أي: على الزوج الأول والزوجة (ﰌ ﰍ) أي: يجددا عقدًا جديدًا بينهما، لإضافته التراجع إليهما، فدل على اعتبار التراضي.
ولكن يشترط في التراجع أن يظنا (ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ) بأن يقوم كل منهما، بحق صاحبه، وذلك إذا ندما على عشرتهما السابقة الموجبة للفراق، وعزما أن يبدلاها بعشرة حسنة، فهنا لا جناح عليهما في التراجع.
ومفهوم الآية الكريمة، أنهما إن لم يظنا أن يقيما حدود الله، بأن غلب على ظنهما أن الحال السابقة باقية، والعشرة السيئة غير زائلة أن عليهما في ذلك جناحًا، لأن جميع الأمور، إن لم يقم فيها أمر الله، ويسلك بها طاعته، لم يحل الإقدام عليها»48.
هذه صورة إجمالية لما سماه القرآن الكريم «حدود الله» من أحكام الطلاق والخلع والعدد وما ارتبط بها، والظهار شبيه بالإيلاء والطلاق، وقد سمى القرآن الكريم الأحكام المتعلقة به أيضًا «حدود الله».
والظهار: تحريم الرجل امرأته على نفسه كتحريم الله عليه بعض النساء كأمه وأخته وبنته ونحوها، وصورته أن يقول لها: أنت عليَّ كظهر أمي49.
وكان الظهار في الجاهلية طلاقًا، فعن أبي قلابة، قال: «كان الظهار طلاقًا في الجاهلية، الذي إذا تكلم به أحدهم لم يرجع في امرأته أبدًا، فأنزل الله عزّ وجلّ فيه ما أنزل»50.
فنقض الإسلام حكم الجاهلية، وعدَّ هذا القول منكرًا وزورًا: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [المجادلة: ٢].
«فردّ اللّه بهذه الآية على فعلهم، وأخبر بالحقيقة من أنّ الأمّ هي الوالدة، وأمّا الزوجة فلا يكون حكمها حكم الأمّ»51.
ولم يجعل الظهار طلاقًا، ولكنه ألزم فاعله بأن يكفر عن قوله بتحرير رقبة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يجد أطعم ستين مسكينًا، ويكفر قبل أن يقرب زوجته.
قال تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [المجادلة: ٣-٤].
«وجعل اللّه سبحانه القول بالظهار منكرًا وزورًا، فهو محرّمٌ، لكنّه إذا وقع لزم، هكذا قال فيه أهل العلم، لكنّ تحريمه تحريم المكروهات جدًّا، وقد رجّى اللّه تعالى بعده بأنّه عفوٌّ غفور مع الكفّارة»52.
وقد وصفت جميع هذه الأحكام: الطلاق، والخلع، والعدد، والظهار، وأحكام الإيلاء، وما ارتبط بها، بأنها حدود الله.
ثانيًا: ما تعلق بالحقوق الواجبة في تركة الميت:
فصلت سورة النساء الحقوق الواجبة في تركة الميت في ثلاث آيات: إحداها: آخر آية في السورة، وثنتان أخريان متتابعاتان، وهما قوله سبحانه:
١. (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [النساء: ١١].
والمعنى: «يوصيكم الله ويأمركم في شأن أولادكم: إذا مات أحد منكم وترك أولادًا: ذكورًا وإناثًا، فميراثه كله لهم: للذكر مثل نصيب الأنثيين، إذا لم يكن هناك وارث غيرهم. فإن ترك بنات فقط: فللبنتين فأكثر ثلثا ما ترك، وإن كانت ابنة واحدة، فلها النصف. ولوالدي الميت: لكل واحد منهما السدس إن كان له ولد، ذكرًا كان أو أنثى، واحدًا أو أكثر. فإن لم يكن له ولد وورثه والداه فلأمه الثلث، ولأبيه الباقي. فإن كان للميت إخوة اثنان فأكثر، ذكورًا كانوا أو إناثًا، فلأمه السدس، وللأب الباقي ولا شيء للإخوة. وهذا التقسيم للتركة إنما يكون بعد إخراج وصية الميت في حدود الثلث، أو إخراج ما عليه من دين. آباؤكم وأبناؤكم الذين فرض لهم الإرث لا تعرفون أيهم أقرب لكم نفعًا في دنياكم وأخراكم، فلا تفضلوا واحدًا منهم على الآخر. هذا الذي أوصيتكم به مفروض عليكم من الله. إن الله كان عليمًا بخلقه، حكيمًا فيما شرعه لهم»53.
٢. (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [النساء: ١٢].
فنصت الآية على أن «لكم -أيها الرجال- نصف ما ترك أزواجكم بعد وفاتهن إن لم يكن لهن ولد ذكرًا كان أو أنثى، فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن، ترثونه من بعد إنفاذ وصيتهن الجائزة، أو ما يكون عليهن من دين لمستحقيه. ولأزواجكم -أيها الرجال- الربع مما تركتم، إن لم يكن لكم ابن أو ابنة منهن أو من غيرهن، فإن كان لكم ابن أو ابنة فلهن الثمن مما تركتم، يقسم الربع أو الثمن بينهن، فإن كانت زوجة واحدة كان هذا ميراثًا لها، من بعد إنفاذ ما كنتم أوصيتم به من الوصايا الجائزة، أو قضاء ما يكون عليكم من دين»54.
«ويدخل في مسمى الولد المشروط وجوده أو عدمه، ولد الصلب أو ولد الابن الذكر والأنثى، الواحد والمتعدد، الذي من الزوج أو من غيره، ويخرج عنه ولد البنات إجماعًا»55.
«وإن مات رجل أو امرأة وليس له أو لها ولد ولا والد، وله أو لها أخ أو أخت من أم فلكل واحد منهما السدس. فإن كان الإخوة أو الأخوات لأم أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث، يقسم بينهم بالسوية لا فرق بين الذكر والأنثى، وهذا الذي فرضه الله للإخوة والأخوات لأم يأخذونه ميراثًا لهم من بعد إنفاذ وصيته إن كان قد أوصى بشيء، أو قضاء ديون الميت، لا ضرر فيه على الورثة. بهذا أوصاكم ربكم وصية نافعة لكم. والله عليم بما يصلح خلقه، حليم لا يعاجلهم بالعقوبة»56.
فتضمنت الآيات الأمر بقضاء الدين قبل قسمة التركة وإبراء ذمة صاحب المال، والأمر بتنفيذ أحكام الوصية إجمالًا وبينت السنة مقدارها ولمن تجب، وبيان أنصبة أصحاب الفروض والتعصيب من الأقارب «الأبناء والبنات والأب والأم»، وأنصبة أصحاب الفروض بالمصاهرة «الزوج والزوجة»، ونصاب الإخوة لأم في حال الكلالة، والنهي عن الإضرار في الوصية.
ثم وصفت الآية هذه الأحكام بأنها حدود الله: (ﯖ ﯗ ﯘ) ووعدت ملتزمها بالفوز العظيم: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) وتوعدت متعديها بالعذاب المهين: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [النساء: ١٤].
ثالثًا: ما تعلق بأحكام العبادات:
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [البقرة: ١٨٧].
أي: «يباح لكم في ليالي الصيام وقاع زوجاتكم، فهنّ ستر لكم عن الحرام، علم الله أنكم كنتم تخونون أنفسكم بالجماع ليلة الصيام، فتاب الله عليكم وعفا وصفح عنكم، والآن أباح الله لكم بأن تباشروا نساءكم، واطلبوا ما أباحه الله لكم من الاستمتاع لإنجاب الذرّية. ويباح لكم الأكل والشرب أثناء الليل كله، حتى يطلع الفجر الصادق، ثم أتموا الصيام إلى غروب الشمس. ولا تجوز مباشرة النساء أثناء الإقامة في المساجد للعبادة بالاعتكاف. وتلك الأحكام المذكورة للصيام والاعتكاف هي حدود الله، أي: محظوراته وممنوعاته، فلا تقربوها بالمخالفة، وبمثل هذا التوضيح يبين الله أحكام دينه للناس ليتّقوا ربّهم، ويبتعدوا عن المحرمات»57.
فتضمنت الآية مباحات تحدها منهيات، وهي:
وقد سمت الآيات هذه الأحكام «حدود الله» ونهت عن قربانها.
هذا وقد ذهب الفيروزآبادي إلى أن في جميع هذه الأحكام نهايات ينتهى إليها؛ فلذلك سميت حدودًا، قال: «والحدود جاءت فى القرآن على سبعة أوجه:
الأول: حد الاعتكاف لإخلاص العبادة (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ).
الثاني: حد الخلع لبيان الفدية (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [البقرة: ٢٢٩].
الثالث: حد الطلاق لبيان الرجعة (ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ) [البقرة: ٢٣٠].
الرابع: حد العدة لمنع الضرار وبيان المدة .
الخامس: حد الميراث لبيان القسمة (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [النساء: ١٤].
السادس: حد الظهار لبيان الكفارة (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [المجادلة: ٤].
السابع: حد الطلاق لبيان مدة العدة (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [الطلاق: ١]»58.
قد أشارت نصوص القرآن الكريم إلى الأسباب التي تؤدي إلى تعدي حدود الله، ويمكن إجمالها في ثلاثة أسباب: الكفر والنفاق، والجهل، والظلم.
أولًا: الكفر والنفاق:
وقعت الإشارة إلى ارتباط الكفر والنفاق بتعدي حدود الله في قوله تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [التوبة: ٩٧]
قال ابن جرير: «يقول تعالى ذكره: الأعراب أشدّ جحودًا لتوحيد الله، وأشدّ نفاقًا، من أهل الحضر في القرى والأمصار. وإنما وصفهم جل ثناؤه بذلك، لجفائهم، وقسوة قلوبهم، وقلة مشاهدتهم لأهل الخير، فهم لذلك أقسى قلوبًا، وأقلّ علمًا بحقوق الله.
وقوله: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ)، يقول: وأخلق أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله»59.
فأما الكفر فأصله التغطية، ومنه قيل: «كفر السحاب السماء، وكفر المتاع فى الوعاء، وكفر الليل بظلامه. وليل كافر. ولبس كافر الدروع، وهو ثوب يلبس فوقها. وكفرت الريح الرسم، والفلاح الحب، ومنه قيل للزراع الكفار»60.
«والكافر على الإطلاق متعارف فيمن يجحد الوحدانيّة، أو النّبوّة، أو الشريعة، أو ثلاثتها، وقد يقال: كفر لمن أخلّ بالشّريعة، وترك ما لزمه من شكر الله عليه»61. والمعنى الأول هو المراد في الآية، وجاز أن تدل على المعنى الثاني بالإشارة.
وأما النفاق فهو نوع من أنواع الكفر: لأن المنافق أبطن الكفر، فكان حكمه عند الله حكم الكافر ولذلك يفضح يوم القيامة ويجعل في الدرك الأسفل من النار، وإن كان يعامل في الحياة الدنيا معاملة المسلم، وتجري عليه أحكام المسلمين.
وقد نص القرآن الكريم على أن الإنسان إذا كفر لم يكن له من نفسه نازع يحثه على الطاعة، أو وازع يحجزه عن الفواحش والمنكرات.
قال تعالى: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [المزمل: ١٧-١٨].
وفي الآية تقريع لمن كفر وبيان لأنه لا يحجزه عن مجاوزة حدود الله شيء، بمعنى: «فكيف تتقون الله وتخشونه إن جحدتم يوم القيامة والجزاء. وقرأ أبو السمال قعنب فكيف تتقون -بكسر النون على الإضافة-»62، وهي قراءة أوضح في الدلالة على المعنى، وأقل شأنها أن تكون قراءة تفسيرية.
وللكفر بيوم القيامة خصوصًا تأثير خاص في الجرأة على حدود الله، لأن الذي لا يرجو ثوابًا ولا يخاف حسابًا ولا عقابًا، لن يرده عن هواه شيء، وقد علل القرآن الكريم ضلال المشركين في آيات كثيرة بكفرهم بالآخرة.
قال تعالى: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [المدثر: ٤٩-٥٣].
وهو تعجيب من غرابة حالهم بحيث يجدر أن يستفهم عنها المستفهمون63: «أي ما الذي حصل لهم حال كونهم معرضين عن القرآن المشتمل على التذكرة الكبرى، والموعظة العظمى؟ أو فما لهؤلاء الكفرة الذين قبلك في مكة معرضون عما تدعوهم إليه، وتذكّرهم به؟ كأنهم في نفورهم عن الحق وإعراضهم عنه من حمر الوحش إذا فرت من رماة يرمونها، أو من أسد يريد افتراسها.
فالقسورة: إما جماعة الرماة الذين يتصيدونها، أو الأسد، وهو رأي جمهور اللغويين، سمي بذلك لأنه يقهر السباع، قال ابن عباس: الحمر الوحشية إذا عاينت الأسد هربت، كذلك هؤلاء المشركون، إذا رأوا محمدًا صلّى الله عليه وسلّم، هربوا منه، كما يهرب الحمار من الأسد. وهذا التشبيه في غاية التقبيح والتهجين لحالهم، وإعلامهم بأنهم قوم بله.
والآية دليل على أن إعراضهم عن الحق والإيمان بغير سبب ظاهر مقنع، ولا استعداد للتفاهم والاقتناع، ففي تشبيههم بالحمر مذمة ظاهرة، ونداء عليهم بالبلادة والغباوة، وعدم التأثر من مواعظ القرآن، بل صار ما هو سبب لاطمئنان القلوب موجبًا لنفرتهم»64.
وزادت الآية في بيان عنادهم وإعراضهم بإضراب انتقالي فقالت: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) وقد تضمنت «حالة أخرى من أحوال عنادهم، إذ قال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية وغيرهما من كفار قريش للنبي صلى الله عليه وسلم: لا نؤمن لك حتى يأتي إلى كل رجل منا كتاب فيه من الله إلى فلان بن فلان، وهذا من أفانين تكذيبهم بالقرآن أنه منزل من الله»65.
والمعنى: «بل يريد كل واحد من هؤلاء المشركين أن ينزل عليه كتابًا كما أنزل على النبي. قاله مجاهد وغيره، كقوله: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [الأنعام: ١٢٤].
وفي رواية عن قتادة: يريدون أن يؤتوا براءة بغير عمل»66.
فلما صورت الآيات عنادهم وإعراضهم، أعقبته ببيان الدافع الحقيقي وراء هذا العناد والإعراض: وهو أنهم لا يؤمنون بالآخرة ولا يخافون حسابًا على ما عملوا: (ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ).
و «(ﭮ) إبطال لظاهر كلامهم ومرادهم منه، وردع عن ذلك، أي لا يكون لهم ذلك.
ثم أضرب على كلامهم بإبطال آخر بحرف الإضراب فقال: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ): أي ليس ما قالوه إلا تنصلًا، فلو أنزل عليهم كتاب ما آمنوا وهم (ﭱ ﭲ ﭳ)، أي لا يؤمنون بها، فكني عن عدم الإيمان بالآخرة بعدم الخوف منها، لأنهم لو آمنوا بها لخافوها، إذ الشأن أن يخاف عذابها إذ كانت إحالتهم الحياة الآخرة أصلًا لتكذيبهم بالقرآن»67.
فلما لم يؤمنوا بالآخرة، لم يخافوا أهوالها ففسدت أعمالهم، قال ابن كثير: «أي: إنما أفسدهم عدم إيمانهم بها، وتكذيبهم بوقوعها»68.
وقد دلت الآية على أن التكذيب بالآخرة سبب لعدم الخوف من أهوالها، الذي ينتج عنه عدم الارتداع عن محارم الله وعدم الوقوف عند حدوده.
ومن ذلك قوله سبحانه وتعالى أيضًا: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الليل: ٨-١١].
والمعنى: «وأما من بخل بماله، ولم يبذل منه شيئًا في سبيل الله وطريق الخير، واستغنى عن الله ورحمته بزعمه، واكتفى بشهوات الدنيا عن نعيم الآخرة، وزهد في الأجر والثواب وفضل الله، وكذّب بالجزاء الأخروي، فسنأخذ بيده ونسهله للحال الصعبة التي لا تنتج إلا شرًّا، حتى تتعسر عليه أسباب الخير والصلاح، ويضعف عن فعلها، حتى يصل إلى النار، ولا يفيده شيئًا ماله الذي بخل به، إذا وقع في جهنم... وقوله: (ﯢ ﯣ) معناه سقط في جهنم، أي من حافاتها»69.
وهو ما بخل واستغنى إلا لأنه كذب بالحسنى، كما أن من أعطى واتقى ما فعل ذلك إلا لأنه صدق بالحسنى، فدل ذلك على أن من كذب بالآخرة تجرأ على حدود الله؛ لأنه لا يدفعه رجاء ثواب لطاعة، ولا يرده خوف عقاب عن معصية.
ومن كان لا يؤمن الآخرة تعلق بالحياة الدنيا كما دل على ذلك قوله جل وعلا: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ)[القيامة: ٢٠-٢١].
ومعنى الآية: «أنتم قوم قد غلبتكم الدنيا بشهواتها، فأنتم تحبونها حبًّا تتركون معه الآخرة والنظر في أمرها»70.
وقوله جل وعلا أيضًا: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [الإنسان: ٢٧].
بمعنى «(ﭙ ﭚ) أي: المكذبين لك أيها الرسول بعد ما بينت لهم الآيات، ورغبوا ورهبوا، ومع ذلك، لم يفد فيهم ذلك شيئًا، بل لا يزالون يؤثرون، (ﭜ) ويطمئنون إليها، (ﭝ) أي: يتركون العمل ويهملون (ﭞ) أي: أمامهم (ﭟ ﭠ) وهو يوم القيامة، الذي مقداره خمسون ألف سنة مما تعدون، وقال تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ)[القمر: ٨].
فكأنهم ما خلقوا إلا للدنيا والإقامة فيها»71.
وقيل في يوم القيامة (ﭟ ﭠ) أي: شديدًا ومعنى أنهم يذرونه: يتركونه فلا يؤمنون به، ولا يعملون له72.
ومن كان حاله كذلك -أي لم يؤمن بالآخرة-، كان همه الحياة الدنيا وحدها، وقصر رجاؤه عن غيرها، قال تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [النجم: ٢٩-٣٠].
«أي: أعرض عن الذي أعرض عن الحق واهجره. وقوله: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) أي: وإنما أكثر همه ومبلغ علمه الدنيا، فذاك هو غاية ما لا خير فيه. ولذلك قال: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) أي: طلب الدنيا والسعي لها هو غاية ما وصلوا إليه. وقد روى الإمام أحمد عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها يجمع من لا عقل له)73.
وفي الدعاء المأثور: (اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا)74»75.
وفي الإعراض عنه عدم اهتمام بأمره، وعدم اغترار بحاله، وزهد في مشابهته وحرص على مخالفته.
فلما لم يؤمن هؤلاء بالآخرة تعلقوا بالدنيا ولم يرجوا غيرها، وانقطع علمهم عندها «فهم إنما يبصرون أمر دنياهم ويجهلون أمر دينهم، ثم صغرهم وازدرى بهم، أي ذلك قدر عقولهم ونهاية علمهم أن آثروا الدنيا على الآخرة»76.
ثانيًا: الجهل:
وأما السبب الثاني من أسباب التعدي على حدود الله ومجاوزتها فهو الجهل، وقد أشار إليه أيضًا قوله تعالى (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [التوبة: ٩٧].
وعدم العلم (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) سبب جلي للتعدي، لأن الذي لا يعرف الحد لا يمكن أن ينتهي إليه، بل لا يعلم أصلًا إن كان جاوزه أو لم يجاوزه.
وقد قيل إن مرد ذلك «لجفائهم، وقسوة قلوبهم، وقلة مشاهدتهم لأهل الخير، فهم لذلك أقسى قلوبًا، وأقلّ علمًا بحقوق الله»77، وقيل: «السبب في كون الأعراب أشد كفرًا ونفاقًا بعدهم عن مجالسة العلماء وسماع القرآن والسنن والمواعظ»78.
لكننا بعد تأمل دقيق، نلحظ أن الجهل المذكور في الآية مرتبط بالكفر والنفاق، فهو جهل من كفر فزهد في الحق وأعرض عنه ولم يرد أن يتعلمه، لا أنه وقع له الجهل بحدود الله ابتداء من غير قصد، فجهل حدود الله، ولو علمها لوقف عندها.
ويؤيد ذلك أن هذا الجهل مرتبط بطائفة واحدة من الأعراب، لا بجميعهم، لأن منهم طائفة مدحهم القرآن الكريم بعد ذلك في قوله سبحانه: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [التوبة: ٩٩].
غير أن الآية -وإن دلت على جهل من أعرض عن الحق وزهد في تعلمه-، فقد أشارت إلى أن الجهل بحدود الله سبب للتعدي عليها ومجاوزتها، حتى ولو لم يقع من العبد بسبب الكفر والنفاق والإعراض.
على أن نصوص القرآن الكريم قد دلت على أن الإعراض عن تعلم الحق المفضي إلى الجهل به سبب للهلاك والعذاب.
قال تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [الكهف: ٥٧-٥٩].
فـ«لا ظلم أعظم من كفر من ترد عليه الآيات والبينات فيعرض عنها، وينسى ما قدمت يداه، أي: مع إعراضه عن التأمل في الدلائل والبينات يتناسى ما قدمت يداه من الأعمال المنكرة والمذاهب الباطلة، والمراد من النسيان التشاغل والتغافل عن كفره المتقدم»79.
والإعراض عن التأمل في الدلائل والبينات والتشاغل والتغافل مفض إلى الجهل وعدم العلم، وقيل: «(ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) أي ترك كفره ومعاصيه فلم يتب منها، فالنسيان هنا بمعنى الترك»80، وهو ناتج عن التشاغل والتغافل والإعراض المفضي إلى الجهل أيضًا.
وهذا الإعراض فرع عن قسوة القلب وما ران عليه من الكفر والمعاصي، كما نصت على ذلك الآية: «(ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) بسبب كفرهم، أي نحن منعنا الإيمان من أن يدخل قلوبهم وأسماعهم»81.
وكذلك قيل في معنى «الضالين» في قوله تعالى في سورة الفاتحة: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [الفاتحة: ٧]: «هم الذين لم يعرفوا الحق، أو لم يعرفوه على الوجه الصحيح»82.
هذا والجهل جهلان:
لكن قد يقال: إن من أمكنه العلم وقدر على تطلبه بسؤال العالم ونحوه ففرط فيه ثم وقع في المحارم بطلت حجته ولم يكن له عذر، والأسلم له أن يجتنب ما رابه ويأخذ بالورع، حتى يجتنب الوقوع في الحمى، كما أوصى بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (الحلال بين، والحرام بين، وبينهما مشبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى المشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات: كراع يرعى حول الحمى، يوشك أن يواقعه)85. وفي سنن الترمذي عن أبي الحوراء السعدي، قال: قلت للحسن بن علي: ما حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة، وإن الكذب ريبة)86.
ثالثًا: الظلم:
والسبب الثالث من أسباب مجاوزة حدود الله هو «الظلم» كما أشار إلى ذلك قوله سبحانه: (ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ) [البقرة: ٢٢٩-٢٣٠].
وقوله جل وعلا: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [الطلاق: ١].
وأصل الظلم: الجور ومجاوزة الحد87.
وقد وقع بمعنى الشرك في قوله جل وعلا: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [الأنعام: ٨٢].
كما فسره بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما روى البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «لما نزلت (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ) قال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أينا لم يلبس إيمانه بظلم؟ فنزلت (ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [لقمان: ١٣]»88.
والظلم أيضًا: وضع الشيء في غير موضعه89.
وورد الظلم في القرآن الكريم بمعنيين:
أحدهما: ظلم الإنسان نفسه كما ورد صريحًا في قوله جل وعلا: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [الطلاق: ١].
أي: «ضرّها بمخالفة أمر الله عزّ وجلّ»90.
والثاني: ظلم الإنسان غيره بمجاوزته لحدوده وتعديه على حقوقه، كما دل على ذلك قوله تعالى: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [البقرة: ٢٢٩].
فأما ظلم العبد غيره فقد يكون باعتدائه عليه بأخذ ماله، أو سفك دمه، أو النيل من عرضه، أو عدم توفيته إياه حقًّا من حقوقه، وقد وقع النص على تحريمه وتعظيم إثمه في الحديث القدسي الذي رواه مسلم عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا)91.
و«معنى قوله: (حرمت الظلم على نفسي) أي تقدّست عنه وتعاليت، والظّلم مستحيل منه سبحانه وتعالى جدّه؛ لأنه إنّما يكون إذا تعدّيت الحدود وتجوّزت المراسم، والباري جلّت قدرته ليس فوقه أحد يحدّ له حدًّا أو يرسم له رسمًا حتى يكون متجاوزًا لذلك ظالمًا، ولا فوقه من يستحق أن يطيعه حتّى يحلّل له الحلال ويحرّم عليه الحرام، ولكن تحريم الشّيء يقتضي المنع منه والكفّ عنه فسمّى الباري سبحانه تقدّسه عن الظلم بهذا اللّفظ فقال (حرّمت على نفسي)92.
وقد نص قوله سبحانه (وجعلته بينكم محرمًا) وقوله: (فلا تظالموا) على تحريم ظلم العباد بعضهم بعضًا، وقوله: (فلا تظالموا): هو بفتح التاء أي لا تتظالموا، والمراد: لا يظلم بعضكم بعضًا، وهذا توكيد لقوله تعالى: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا) وزيادة تغليظ«في تحريمه»93.
وأما ظلم العبد نفسه «ففيه وجوه، أحدها: ظلم نفسه بتعريضها لعذاب الله، وثانيها: ظلم نفسه بأن فوت عليها منافع الدنيا والدين، فمثال منافع الدنيا: أنه إذا اشتهر فيما بين الناس بهذه المعاملة القبيحة «الطلاق» لا يرغب في التزوج به ولا معاملته أحد، وأما مثال منافع الدين: فالثواب الحاصل على حسن العشرة مع الأهل والثواب الحاصل على الانقياد لأحكام الله تعالى وتكاليفه»94.
وظلم العبد غيره ظلم منه لنفسه أيضًا فبينهما عموم وخصوص، ويشهد لذلك أن آية الطلاق لما حدت للأزواج حدودًا أردفت ذلك بقوله سبحانه: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ)» فجعل ظلمهم نساءهم ظلمًا لأنفسهم؛ لأنه يؤدي إلى اختلال المعاشرة واضطراب حال البيت، وفوات المصالح بشغب الأذهان في المخاصمات. وظلم نفسه أيضًا بتعريضها لعقاب الله في الآخرة»95.
هذا والظلم والجهل أصل كل ضلال، قال تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [الأحزاب: ٧٢].
«فالحي العالم الناصح لنفسه لا يؤثر محبة ما يضره ويشقى به ويتألم به، ولا يقع ذلك إلا من فساد تصوره ومعرفته، أو من فساد قصده وإرادته، فالأول: جهل، والثاني: ظلم، والإنسان خلق في الأصل ظلومًا جهولًا... فأصل كل خير: هو العلم والعدل، وأصل كل شر: هو الجهل والظلم.
وقد جعل الله سبحانه للعدل المأمور به حدًّا، فمن تجاوزه كان ظالمًا معتديًا، وله من الذم والعقوبة بحسب ظلمه وعدوانه، الذي خرج به عن العدل»96.
الفرق بين قربان الحدود وتعديها
إذا وردت «حدود الله» في الاستعمال القرآني بمعنى المنهيات وحدها، أردفتها الآية بالنهي عن قربانها، كما في قوله عز وجل: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [البقرة: ١٨٧].
والقرب في اللغة: «نقيض البعد. قرب الشيء، بالضم، يقرب قربًا وقربانًا أي: دنا، فهو قريب، الواحد والاثنان والجميع في ذلك سواء»97.
فإذا ورد في سياق النهي دل على المبالغة فيه، ومنه قوله تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [البقرة: ٣٥].
«ومعنى (ﯠ ﯡ) ههنا: لا تأكلا، ودليل ذلك قوله: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) أي لا تقرباها في الأكل»98.
وقد استعمل القرآن الكريم هذه الصيغة في الأمر باجتناب المنهيات على وجه العموم، فقال سبحانه وتعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [الأنعام: ١٥١].
كما استعملها في الأمر باجتناب بعض الفواحش المخصوصة، كما قال سبحانه في تحريم الزنا: (ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [الإسراء: ٣٢]
«والزنا: وطء المرأة بدون عقد شرعي يجيز للرجل وطأها. والفاحشة: ما عظم قبحه من الأقوال والأفعال. يقال فحش الشيء، فحشًا، كقبح قبحًا- وزنًا ومعنى-، ويقال أفحش الرجل، إذا أتى الفحش بضم الفاء وسكون الحاء-، وهو القبيح من القول أو الفعل. وأكثر ما تكون الفاحشة إطلاقًا على الزنا.
وتعليق النهي بقربانها، للمبالغة في الزجر عنها، لأن قربانها قد يؤدى إلى الوقوع فيها، فمن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه»99.
وفوق تضمن النهي عن «القربان» للمبالغة في الزجر، فإنه تضمن أيضًا النهي عن المقدمات التي تؤدي إلى الوقوع في هذه الفاحشة، بمعنى: «ولا تقربوا الزنى ودواعيه؛ كي لا تقعوا فيه، إنه كان فعلًا بالغ القبح، وبئس الطريق طريقه»100.
وهذا الأسلوب القرآني تضمن إعجازًا تربويًّا في تأديب المؤمنين وتزكية نفوسهم، وهو يعلمهم -لا مجرد ترك الفواحش-، بل وأن يجعلوا بينهم وبينها مسافات فاصلة تعصمهم من الخطأ والزلل، «وهذا لون حكيم من ألوان إصلاح النفوس، لأنه إذا حصل النهي عن القرب من الشيء، فلأن ينهى عن فعله من باب أولى.
فكأنه سبحانه يقول: كونوا أيها المسلمون بعيدين عن كل المقدمات التي تفضي إلى فاحشة الزنا، كمخالطة النساء، والخلوة بهن، والنظر إليهن... فإن ذلك يفتح الطريق إلى الوقوع فيها»101.
ومن الطريف أن السنة النبوية قد سمت المقدمات باسم النتيجة ترهيبًا منها وتنفيرًا، وهو من أبلغ الأساليب التربوية، ومن ذلك ما روى مسلم عن ابن عباس، قال: ما رأيت شيئًا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العينين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه)102.
فمعلوم أن ما سمي في الحديث «زنا» كزنا العينين واللسان ليس له حكم الزنا الكامل، ولا حد فيه، وقد سماها ابن عباس رضي الله عنهما لممًا: أي صغائر، ولكن تسمية هذه الأمور زنا من باب تسمية المقدمة بالنتيجة، وهو يتضمن تعظيم الصغير حتى لا يتهاون المؤمن به.
وقد ورد النهي عن قربان مال اليتيم أيضًا، ولكنه علق باستثناء يتضمن شرطًا: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [الأنعام: ١٥٢].
وقال أيضًا: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [الإسراء: ٣٤].
والنهي عن قربان مال اليتيم يعني النهي عن إنفاقه والتصرف فيه، «ولما اقتضى هذا تحريم التصرف في مال اليتيم، ولو بالخزن والحفظ، وذلك يعرض ماله للتلف، استثني منه قوله: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ): أي إلا بالحالة التي هي أحسن»103.
وقد دل الاستثناء على جواز التصرف بشرط أن لا يكون إلا بالتي هي أحسن، وحدت الآية لذلك غاية وهي: أن «يبلغ صاحبه أشده أي: فيسلم إليه، كما قال تعالى في الآية الأخرى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [النساء: ٦] الآية»104.
والحاصل أن القرآن الكريم نهى عن قربان فواحش مخصوصة مبالغة في التحذير منها، وتعليمًا للمؤمن أن يجتهد في التحرز منها: جاء في التفسير الوسيط: «قال بعض العلماء: وكثيرًا ما يتعلق النهي في القرآن بالقربان من الشيء، وضابطه بالاستقراء: أن كل منهي عنه من شأنه أن تميل النفوس إليه، وتدفع إليه الأهواء، جاء النهي فيه عن القربان، ويكون القصد التحذير من أن يأخذ ذلك الميل في النفس مكانة تصل بها إلى اقتراف المحرم.
ومن ذلك قوله تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ)، (ﮊ ﮋ ﮌ)، (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ).
أما المحرمات التي لم يؤلف ميل النفوس إليها، ولا اقتضاء الشهوات لها، فإن الغالب فيها، أن يتعلق النهى عنها بنفس الفعل لا بالقربان منه.
ومن ذلك قوله تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ)، وقوله تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ).
فهذه وإن كانت فواحش، إلا أنها ليست ذات دوافع نفسية، يميل إليها الإنسان بشهوته، بل هي في نظر العقل على المقابل من ذلك، يجد الإنسان في نفسه مرارة ارتكابها، ولا يقدم عليها إلا وهو كاره لها، أو في حكم الكاره»105.
وأما إذا ورد النهي عن تعدي الحدود نحو قوله تعالى: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) فهو:
وعليه فتعدي حدود الله إما أن يكون اعتداء على حقوق الناس، وإما أن يكون مجاوزة لحدود السعة في المباح، وفي كل منها ظلم من العبد لنفسه.
جزاء تعدي حدود الله تعالى وعقوبته
عقوبة تعدي حدود الله تعالى:
في سياق سورة الطلاق التي عدت من خالف الصفة المشروعة في الطلاق ظالمًا لنفسه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [الطلاق: ١].
ورد قوله تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [الطلاق: ٢-٣].
وقد دلت الآية بمفهومها على أن من جاوز حدود الله تعرض للعقوبة، كما أن من وقف عندها سلم منها، قال الحسين بن الفضل: «ومن يتق الله في أداء الفرائض، يجعل له مخرجًا من العقوبة»106.
وقد تأول كثير من المفسرين هذه الآية بالنظر إلى سياقها، فقالوا: إن من تعدى حدود الله في الطلاق فجاوز الصفة الشرعية ضيق الشرع عليه، وحرم مراجعة زوجته.
قال ابن عطية: «وقوله تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ).
قال علي بن أبي طالب وكثير من المتأولين: نفي من معنى الطلاق، أي ومن لا يتعدى في الطلاق السنة إلى طلاق الثلاث وغير ذلك يجعل الله له مخرجًا إن ندم بالرجعة المباحة، ويرزقه ما يطعم أهله ويوسع عليه، ومن لا يتق الله فربما طلق وبت وندم، فلم يكن له مخرج، وزال عليه رزق زوجته»107. وقال في البحر المديد: «يقول الحق جلّ جلاله: (ﮚ ﮛ ﮜ) بأن طلّق للسنّة، ولم يضار بالمعتدّة، ولم يخرجها من مسكنها، واحتاط في الإشهاد، وغير ذلك، (ﮝ ﮞ ﮟ) مما عسى يقع في شأن الأزواج من الغموم والمضائق، ويفرّج عنه ما يعتريه من الكروب»108.
وروى ابن جرير بسنده عن مجاهد، قال: كنت عند ابن عباس، فجاءه رجل فقال: إنه طلق امرأته ثلاثًا، فسكت حتى ظننا أنه رادّها عليه، ثم قال: ينطلق أحدكم فيركب الحموقة، ثم يقول: يا ابن عباس يا ابن عباس، وإن الله عزّ وجلّ قال: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) وإنك لم تتق الله فلا أجد لك مخرجًا، عصيت ربك، وبانت منك امرأتك، قال الله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ). وفي رواية أخرى: «أن رجلًا سأل ابن عباس فقال: إنه طلق امرأته مئة، فقال: عصيت ربك، وبانت منك امرأتك، ولم تتق الله فيجعل لك مخرجًا، وقرأ هذه الآية: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ)، وقال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ)»109.
وعن عكرمة قال: «من طلق كما أمره الله يجعل له مخرجًا»110.
وروى ابن جرير أيضًا عن جويبر، عن الضحاك في قوله: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ)، (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ)، قال: «يعني بالمخرج واليسر إذا طلق واحدة ثم سكت عنها، فإن شاء راجعها بشهادة رجلين عدلين، فذلك اليسر الذي قال الله، وإن مضت عدتها ولم يراجعها، كان خاطبًا من الخطاب، وهذا الذي أمر الله به، وهكذا طلاق السنة فأما من طلق عند كلّ حيضة فقد أخطأ السنة، وعصى الربّ، وأخذ بالعسر»111.
فهذه النصوص تدل على أن من تعدى حدود الله عوقب بالتشديد والتضييق عليه، وهذه العقوبة ذات بعد تشريعي، وهي تشبه ما أخبر به القرآن الكريم من معاقبة بني إسرائيل بسبب عدوانهم واقترافهم الحرام، قال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [النساء: ١٦٠-١٦١].
«قال مقاتل: حرّم الله على أهل التوراة الربا، وأن يأكلوا أموال الناس ظلمًا، ففعلوا، وصدوا عن دين الله، وعن الإيمان بمحمد عليه السلام، فحرّم الله عليهم ما ذكر في قوله تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [الأنعام: ١٤٦] عقوبة لهم.
قال أبو سليمان: وظلمهم: نقضهم ميثاقهم، وكفرهم بآيات الله، وما ذكر في الآيات قبلها. وقال مجاهد: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) قال: صدّهم أنفسهم وغيرهم عن الحق. قال ابن عباس: صدهم عن سبيل الله، يعني الإسلام، وأكلهم أموال الناس بالباطل، أي: بالكذب على دين الله، وأخذ الرّشى على حكم الله، وتبديل الكتب التي أنزلها الله ليستديموا المأكل»112.
وذهبت طائفة إلى أن ما وعد به المتقي من أن يجعل له مخرج، هو المخرج من البلاء والشدائد: «قال أبو العالية: مخرجًا من كل شدة. وقال الربيع ابن خيثم: يجعل له مخرجًا من كل شي ضاق على الناس، وعن ابن عباس أيضًا (ﮝ ﮞ ﮟ): ينجيه من كل كرب في الدنيا والآخرة»113.
وبهذا المعنى تكون عقوبة المتعدي لحدود الله ذات بعد قدري؛ فهو الذي لا يجعل له من الشدائد مخرج لأنه لم يتق الله. ويشهد لذلك ما في سنن ابن ماجه عن ثوبان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزيد في العمر إلا البر، ولا يرد القدر إلا الدعاء، وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه)114.
«وقيل: المخرج هو أن يقنعه الله بما رزقه، قاله علي بن صالح. وقال الكلبي: ومن يتق الله بالصبر عند المصيبة. يجعل له مخرجًا من النار إلى الجنة. وقال الحسن: مخرجًا مما نهى الله عنه»115.
ورجح ابن جزي أن الآية تعم هذه الأقوال جميعها فقال: «وقيل: إنها على العموم، أي: من يتق الله في أقواله وأفعاله يجعل له مخرجًا من كرب الدنيا والآخرة، وقد روي هذا أيضًا عن ابن عباس، وهذا أرجح لخمسة أوجه:
أحدها: حمل اللفظ على عمومه فيدخل في ذلك الطلاق وغيره.
الثاني: أنه روي أنها نزلت في عوف بن مالك الأشجعي، وذلك أنه أسر ولده وضيق عليه رزقه، فشكى ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمره بالتقوى، فلم يلبث إلا يسيرًا، وانطلق ولده ووسع الله رزقه.
والثالث: أنه روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قرأها فقال: مخرجًا من شبهات الدنيا، ومن غمرات الموت، ومن شدائد يوم القيامة.
والرابع: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إني لأعلم آية لو أخذ الناس بها لكفتهم (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) الآية: فما زال يقرؤها ويعيدها. الخامس: قوله: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ)، فإن هذا لا يناسب الطلاق وإنما يناسب التقوى على العموم»116.
وبناء على هذا القول فإن الطلاق وما يتفرع عنه من ضيق مثل للشدائد التي يخرج منها العبد بتقواه، ومثل للعقوبات التي لا يسلم منها من لم يتق الله.
قال السعدي: «وكما أن من اتقى الله جعل له فرجًا ومخرجًا، فمن لم يتق الله، وقع في الشدائد والآصار والأغلال، التي لا يقدر على التخلص منها والخروج من تبعتها، واعتبر ذلك بالطلاق، فإن العبد إذا لم يتق الله فيه، بل أوقعه على الوجه المحرم، كالثلاث ونحوها، فإنه لا بد أن يندم ندامة لا يتمكن من استدراكها والخروج منها»117.
ولئن تضمنت النصوص السابقة التصريح بالعقوبة الفردية، فقد جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم الإشارة إلى بعد جماعي في العقوبة، وهو ما روى البخاري عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعًا)118.
فقد دل الحديث على أن شيوع تعدي حدود الله في الناس من غير أن يكون منهم من ينهى عن ذلك، يؤدي إلى معاقبتهم جميعًا بعقوبة تعمهم، وأن الخلاص من هذه العقوبة لا يكون بمجرد الوقوف عند حدود الله، بل بالأخذ على أيدي المتعدين لها أيضًا فهو شرط النجاة، كما نص على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعًا).
قال ابن حجر: «(نجوا ونجوا): أي كل من الآخذين والمأخوذين، وهكذا إقامة الحدود يحصل بها النجاة لمن أقامها وأقيمت عليه، وإلا هلك العاصي بالمعصية والساكت بالرضا»119.
ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [الطلاق: ٨-١٠].
هذا عن العقوبات الدنيوية، وما أعد الله عز وجل لمن يتعدى حدوده في الآخرة أشد وأعظم: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [النساء: ١٤].
فنصت الآية على أن من تعدى حدود الله متوعد بنار جهنم والخلود فيها، وظاهره الزجر والترهيب عن مواقعة جميع المعاصي والآثام.
قال القرطبي: «والعصيان إن أريد به الكفر فالخلود على بابه، وإن أريد به الكبائر وتجاوز أوامر الله تعالى فالخلود مستعار لمدة ما، كما تقول: خلد الله ملكه»120.
ودلل الرازي على تخصيص هذا العموم بقوله: «هذا العموم مخصوص بالكافر، ويدل عليه وجهان:
الأول: أنا إذا قلنا لكم: ما الدليل على أن كلمة (من) في معرض الشرط تفيد العموم؟
قلتم: الدليل عليه أنه يصح الاستثناء منه، والاستثناء يخرج من الكلام ما لولاه لدخل فيه.
فنقول: إن صح هذا الدليل فهو يدل على أن قوله: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) مختص بالكافر؛ لأن جميع المعاصي يصح استثناؤها من هذا اللفظ فيقال: ومن يعص الله ورسوله إلا في الكفر، وإلا في الفسق، وحكم الاستثناء إخراج ما لولاه لدخل، فهذا يقتضي أن قوله: (ﯫ ﯬ ﯭ) في جميع أنواع المعاصي والقبائح، وذلك لا يتحقق إلا في حق الكافر»121.
ثانيًا: ثواب الحافظيين لحدود الله تعالى:
كما أن مجاوزة حدود الله سبب للضيق والحرج، وسبب لنزول البلاء والعقاب في الحياة الدنيا، وسبب للعذاب في الآخرة، فإن لزوم حدود الله والوقوف عندها وعدم تعديها سبب لرفع الضيق ونزول الفرج وتيسير الأمر، وقد وعدت سورة الطلاق التقي بوعود ثلاثة:
١. (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [الطلاق: ٢-٣].
«أي: ومن يتق الله فيما أمره به، وترك ما نهاه عنه، يجعل له من أمره مخرجًا، ويرزقه من حيث لا يحتسب، أي: من جهة لا تخطر بباله»122.
٢. (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [الطلاق: ٤].
«أي ييسر الله عليه في أمره، ويوفقه للعمل الصالح. وقال عطاء: يسهل الله عليه أمر الدنيا والآخرة»123.
٣. (ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) [الطلاق: ٥].
«ومن يتق الله بطاعته، ويعمل بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم يكفر عنه سيئاته من الصلاة إلى الصلاة، ومن الجمعة إلى الجمعة، ويعظم له في الآخرة أجرًا، قاله ابن عباس»124.
وقيل: «أي: يذهب عنه المحذور، ويجزل له الثواب على العمل اليسير»125.
فقد وعد من يحفظ حدود الله بوعود ثلاثة: اثنين في الدنيا، وهما: المخرج من الضيق، وتيسير الأمور.
وثالث في الآخرة: وهو تكفير السيئات وتعظيم الأجر.
«قال عمر بن عثمان الصدفي: ومن يتق الله فيقف عند حدوده ويجتنب معاصيه يخرجه من الحرام إلى الحلال، ومن الضيق إلى السعة، ومن النار إلى الجنة. (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) من حيث لا يرجو. وقال ابن عيينة: هو البركة في الرزق. وقال أبو سعيد الخدري: ومن يبرأ من حوله وقوته بالرجوع إلى الله يجعل له مخرجًا مما كلفه بالمعونة له»126.
وأعظم هذه الوعود تكفير الذنوب وإعظام الأجر، «وقوله: (ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) يقول: ومن يخف الله فيتقه باجتناب معاصيه، وأداء فرائضه، يمح الله عنه ذنوبه وسيئات أعماله (ﰆ ﰇ ﰈ) يقول: ويجزل له الثواب على عمله ذلك وتقواه، ومن إعظامه له الأجر عليه أن يدخله جنته، فيخلده فيها»127.
وقد وقع هذا الوعد صريحًا في قوله سبحانه في آية النساء: (ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [النساء: ١٣].
«فقوله: (ﯞ ﯟ)، يعني: بساتين تجري من تحت غروسها وأشجارها الأنهار (ﯤ ﯥ)، يقول: باقين فيها أبدًا لا يموتون فيها ولا يفنون، ولا يخرجون منها (ﯧ ﯨ ﯩ)، يقول: وإدخال الله إياهم الجنان التي وصفها على ما وصف من ذلك (ﯨ ﯩ)، يعني: الفلح العظيم»128.
موضوعات ذات صلة: |
الذنب، الفواحش، القتل، الكفارات |
1 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٢٢١، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٢/٤٣٧.
2 لسان العرب، ابن منظور ٣/١٤٠.
3 مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/٤.
4 الصحاح، الجوهري ٢/٤٦٣.
5 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٢٢١، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٢/٤٣٧.
6 مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/٤.
7 لسان العرب، ابن منظور ٣/١٤٠.
8 المصدر السابق.
9 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢/٤١٣.
10 المفردات، ص٢٢٢.
11 لسان العرب، ابن منظور ٣/١٤٠.
12 انظر: المعجم المفهرس الشامل لألفاظ القرآن الكريم، عبد الله جلغوم، ص٤٢٥.
13 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني، ص٢٢١.
14 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١٤/١٩٨.
15 انظر: إرشاد الساري، القسطلاني ١/١٤٤.
16 فتح الباري، ابن حجر ١/١٢٨.
17 لسان العرب، ابن منظور ٣/١٤٠.
18 الفقه الإسلامي وأدلته، الزحيلي ٧/٥٢٧٤.
19 المحرر الوجيز، ابن عطية ٥/٣٢.
20 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٥/٧٦.
21 المحرر الوجيز، ابن عطية ٥/٣٣.
22 زاد المسير، ابن الجوزي ٤/٦٣.
23 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٥/٧٦.
24 المحرر الوجيز، ابن عطية ٥/٣٣.
25 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٣٤٧.
26 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب جهل العرب، ٤/١٨٤، رقم ٣٥٢٤.
27 انظر: جامع البيان، الطبري ١٢/١٣٢.
28 انظر: المصدر السابق.
29 انظر: المصدر السابق.
30 مدارك التنزيل، النسفي ١/٥٤١.
31 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/٩٤.
32 جامع البيان، الطبري ١٢/١٤٨.
33 نظم الدرر، البقاعي ٧/٣٩٠.
34 البحر المحيط، أبو حيان ٦/٦٠٦.
35 أنوار التنزيل، البيضاوي ٣/١١٧.
36 أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط، ٧/٢٦٥، ٧٤٦١.
قال الحافظ ابن عساكر: هذا حديث غريب ومكحول لم يسمع من أبي ثعلبة.
انظر: معجم ابن عساكر ٢/ ٩٦٥.
37 أخرجه الدارقطني في سننه، كتاب الرضاع، ٥/٣٢٥، رقم ٤٣٩٦، والبيهقي في السنن الكبرى، ١٠/٢١ ، رقم ١٩٧٢٥.
وضعفه الألباني في ضعيف الجامع، ١/٢٣٠، رقم ١٥٩٧.
38 أخرجه أبو يعلى الموصلي في مسنده، ٤/٣٤٣، رقم ٢٤٥٨.
قال الهيثمي: وفيه حسين بن قيس الملقب بحنش، وهو متروك الحديث.
انظر: مجمع الزوائد ١/ ١٧٢.
39 التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ١/١٢٢.
40 لباب التأويل، الخازن ٤/٣٠٥.
41 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٨٦٩.
42 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٨/١٥٤.
43 أحكام القرآن، ابن العربي ٤/٢٨٢.
44 المحرر الوجيز، ابن عطية ٥/٣٢٤.
45 التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ١/١٢٣.
46 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٦١٣.
47 التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ١/١٢٣.
48 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص١٠٣.
49 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٣/٢٢٨.
50 المصدر السابق.
51 الجواهر الحسان، الثعالبي ٥/٣٩٨.
52 المصدر السابق.
53 التفسير الميسر، مجمع الملك فهد ص٧٨.
54 المصدر السابق ص٧٩.
55 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص١٦٨.
56 التفسير الميسر، مجمع الملك فهد ص٧٩.
57 التفسير الوسيط، الزحيلي ١/ ٩١.
58 بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٢/٤٣٨.
59 جامع البيان، الطبري ١٤/٤٢٩.
60 بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٤/٣٦١.
61 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٧١٥.
62 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٩/٥٠.
63 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٩/٣٢٩.
64 التفسير المنير، الزحيلي ٢٩/٢٤٣.
65 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٩/٣٣١.
66 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٢٧٤.
67 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٩/٣٣١.
68 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٢٧٤.
69 التفسير الوسيط، الزحيلي ٣/٢٨٨٨.
70 المحرر الوجيز، ابن عطية ٥/٤٠٥.
71 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٩٠٣.
72 لباب التأويل، الخازن ٤/٣٨١.
73 أخرجه أحمد في مسنده، ٤٠/٤٨٠، رقم ٢٤٤١٩.
وضعفه الألباني في ضعيف الجامع، ١/٤٤٢، رقم ٣٠١٢.
74 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الدعوات، ٥/٥٢٨ ، رقم ٣٥٠٢.
قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ١/٢٧٢، رقم ١٢٦٨.
75 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٤٥٩.
76 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٧/١٠٥.
77 جامع البيان، الطبري ١٤/٤٢٩.
78 لباب التأويل، الخازن ٢/٣٩٨.
79 مفاتيح الغيب، الرازي ٢١/٤٧٦.
80 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١١/٧.
81 المصدر السابق.
82 التفسير المنير، الزحيلي ١/٥٧.
83 أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الطلاق، باب طلاق المكره والناسي، ١/٦٥٩، رقم ٢٠٤٣.
قال البوصيري: هذا إسناد ضعيف؛ لاتفاقهم على ضعف أبي بكر الهذلي، وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه الأئمة الستة.
انظر: مصباح الزجاجة ٢/ ١٢٥.
84 أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الطلاق، باب طلاق المكره والناسي، ١/٦٥٩، رقم ٢٠٤٥.
قال البوصيري: هذا إسناد صحيح إن سلم من الانقطاع، والظاهر أنه منقطع.
انظر: مصباح الزجاجة ٢/ ١٢٦.
85 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه وعرضه، ١/٢٠، رقم ٥٢.
86 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب صفة القيامة والرقائق والورع، ٤/٦٦٨، رقم ٢٥١٨.
قال الترمذي: هذا حديث صحيح.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٦٣٧، رقم ٣٣٧٨.
87 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١٢/٣٧٣.
88 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: (ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله)، ٤/١٦٣، رقم ٣٤٢٨.
89 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١٢/٣٧٣.
90 الكشف والبيان، الثعلبي ٢/١٧٨.
91 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة، باب تحريم الظلم، ٤/١٩٩٤، رقم ٢٥٧٧.
92 المعلم بفوائد مسلم، المازري ٣/٢٩٠.
93 المنهاج شرح صحيح مسلم، النووي ١٦/١٣٢.
94 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٦/٤٥٣.
95 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢/٤٢٣.
96 إغاثة اللهفان، ابن القيم ٢/١٣٦.
97 لسان العرب، ابن منظور ١/٦٦٢.
98 معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ١/١١٤.
99 التفسير الوسيط، طنطاوي ٨/٣٣٩.
100 التفسير الميسر، مجمع الملك فهد ص٢٨٥.
101 التفسير الوسيط، طنطاوي ٨/٣٣٩.
102 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب القدر، باب كتب على ابن آدم حظه من الزنا وغيره، ٤/٢٠٤٦، رقم ٢٦٥٧.
103 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٨ /١٦٣.
104 المصدر السابق.
105 التفسير الوسيط، طنطاوي ٨/٣٤٠.
106 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٨/١٥٩.
107 المحرر الوجيز، ابن عطية ٥/٣٢٤.
108 البحر المديد، ابن عجيبة ٧/٦٨.
109 جامع البيان، الطبري ٢٣/٤٣٣.
110 المصدر السابق ٢٣/٤٤٦.
111 المصدر السابق.
112 زاد المسير، ابن الجوزي ١/٤٩٧.
113 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٨/١٥٩.
114 أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الفتن، باب العقوبات، ٢/١٣٣٤، رقم ٤٠٢٢.
قال البوصيري: هذا إسناد حسن.
انظر: مصباح الزجاجة ٤/ ١٨٧.
115 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٨/١٥٩.
116 التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ٢/٣٨٥.
117 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٨٧٠.
118 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشركة، باب هل يقرع في القسمة والاستهام فيه، ٣/١٣٩، رقم ٢٤٩٣.
119 فتح الباري، ابن حجر ٥/٢٩٦.
120 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٥/٨٢.
121 مفاتيح الغيب، الرازي ٩/٥٢٧.
122 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/١٤٦.
123 مفاتيح الغيب، الرازي ٣٠/٥٦٣.
124 المصدر السابق.
125 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/١٥٢.
126 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٨/١٦٠.
127 جامع البيان، الطبري ٢٣/٤٥٦.
128 المصدر السابق ٨/٧٠.