عناصر الموضوع

مفهوم الجدال

الجدال في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

الجدال المحمود في القرآن الكريم

الجدال المذموم في القرآن الكريم

منافع الجدال ومضاره في القرآن

الجدال

مفهوم الجدال

أولًا: المعنى اللغوي:

إنّ المتتبع لمعاني كلمة (جدل) ومشتقاتها في اللغة العربية يجدها تدور حول المعاني السبعة التالية:

  1. استحكام الشيء وانتظامه؛ ومنه: جدلت البناء: أحكمته، ودرع مجدولة: المحكمة العمل.
  2. امتداد الخصومة، واللدد فيها، مع القدرة عليها.
  3. مراجعة الكلام.
  4. المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة.
  5. الصرعة والقوة والشدة، يقال: جدل الغلام يجدل جدولًا يعنى اشتدّ، ومنه إسقاط الإنسان صاحبه على الجدالة، وهي الأرض الصلبة.
  6. الفتل الشديد؛ يقال: جدلت الحبل، أي: أحكمت فتله؛ فكأنّ المتجادلين يفتل كل واحد الآخر عن رأيه.
  7. الشّاكلة والحال والطّريقة التي جدل عليها الإنسان، تقول: عمل على جديلته: أي شاكلته التي جدل عليها1.

    ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

    عرف العلماء الجدال بعدة تعريفات، أهمها خمسة:

    الأول: «المراء الذي يتعلق بإظهار المذاهب وتقريرها»2.

    الثاني: «التخاصم بما يشغل عن ظهور الحق ووضوح الصواب»3.

    الثالث: هو القياس المؤلف من المشهورات والمسلمات لإلزام الخصم غالبًا، وإظهار صحة المذهب وسلامته4.

    الرابع: «مقابلة الحجة بالحجة؛ فإن كان في الوقوف على الحق كان محمودًا، وإن كان في مدافعة الحق كان مذمومًا»5.

    الخامس: «إظهار المتنازعين مقتضى نظرتهما على التدافع والتنافي بالعبارة، أو ما يقوم مقامها من الإشارة والدلالة»6.

    وخلاصة التعريفات السابقة: أن الجدال: مقابلة المتنازعين الحجة بالحجة عند التدافع والتخاصم؛ لإلزام الخصم غالبًا، وتقرير المذهب، سواء أكان حقًا أم باطلًا.

    وعند تأمل معاني الجدال لغةً واصطلاحًا يظهر الترابط بينهما في النقاط الآتية:

    • الجدال استحكام الشيء وانتظامه؛ والمتجادلين يحكم كل منهما حجته، وينظّم أفكاره؛ ليقنع الخصم أو يفحمه.
    • الجدال امتداد الخصومة، واللدد فيها؛ والجدال يقوم على التدافع والتخاصم بين المتجادلين، وقد يترتب عليه امتداد الخصومة، وحصول القطيعة.
    • الجدال مراجعة الكلام؛ فالمتجادلان يحرص كل منهما على مراجعة كلامه وتكراره؛ ليتضح مقصوده، ويفهم مراده.
    • الجدال منازعة ومفاوضة؛ وكلا المتجادلين يفاوض خصمه وينازعه الحجة؛ لعله يظفر منه بإقرار أو إفحام.
    • الجدال الصرعة والقوة والشدة؛ وكذلك المتجادلين يحرص كل منهما على عرض حججه بأسلوب قوي؛ ليصرع بها حجج خصمه وأدلته.
    • الجدال الفتل الشديد؛ وكذلك المتجادلين يسعى كل منهما لفتل الآخر عن رأيه.
    • الشّاكلة والحال والطّريقة؛ والجدال طبيعة تسري في الإنسان، وطريقة يسعى من خلالها لتحقيق مراده، قال تعالى: ( ﭙﭚ ) [الكهف: ٥٤].

    الجدال في الاستعمال القرآني

    • وردت مادة (جدل) في القرآن الكريم(٢٩) مرة7.

      والصيغ التي وردت هي:

      الصيغة

      عدد المرات

      المثال

      الفعل الماضي

      ٤

      ( ) [النساء: ١٠٩]

      الفعل المضارع

      ٢٠

      ( ) [النحل: ١١١]

      فعل الأمر

      ١

      ( ) [النحل: ١٢٥]

      المصدر

      ٤

      ( ) [البقرة: ١٩٧]

      وجاءت لفظة الجدل في القرآن الكريم على ثلاثة أوجه8:

      الأول: الخصومة: ومنه قوله تعالى: ( ) [غافر: ٥أي: خاصموا بالباطل.

      الثاني: المراء: ومنه قوله تعالى: ( ) [البقرة: ١٩٧أي: ولا مراء في الحج.

      الثالث: الدعاء: ومنه قوله تعالى: ( ) [النحل: ١٢٥أي: ادعهم بالتي هي أحسن.

    الألفاظ ذات الصلة

    • المحاجة:

      المحاجة لغةً:

      الحَجّ: الغلبة بالحُجَّّة، يقال: حَجَّه يَحُجُّه حَجًّا، إذا غلبه على حجّته، ومنه الحُجّة بالضّمّ: الدّليل والبرهان، وقيل: ما دفع به الخصم، وإنما سمّيت حجّةً لأنّها تحجّ، أي تقصد؛ لأنّ القصد لها وإليها، وبها يقصد الحقّ المطلوب، وجمع الحجّة حججٌ وحجاجٌ9.

      المحّاجة اصطلاحًا:

      قدرة الفرد على توظيف ما يمتلكه من الأدلة والبراهين العقلانية الموضوعية في قضية خلافية؛ لإثبات دعواه، وإيضاح فكرته، مع تفنيد حجج مخالفيه، والوصول بهم إلى الاقتناع بهذه الفكرة، والإيمان بها، دون إلزامهم باتباعها، والسير عليها10.

      الصلة بين الجدال والمحاجّة:

      يمكن التفريق بين الجدل والمحاجّة من خلال النقاط التالية:

      يهدف الجدال غالبًا إلى إفحام الخصم، بينما تهدف المحاجّة إلى الوصول إلى الحق والصواب.

      يغلب على الجدال الأسلوب الانفعالي، والتعصب للرأي، بينما يغلب على المحاجّة الأسلوب المنطقي الهادئ، وتتبع الصواب.

      المحاجّة أعم من الجدال؛ فالجدال يقوم على تقرير المذهب، سواء أكان حقًا أم باطلًا، بينما المحاجّة تقوم على تقرير المذهب، وتحقيق الصواب.

      الجدال غالبًا يترك أثرًا سلبيًا على العلاقة بين المتجادلين؛ لأنّه يقوم على تسجيل النقاط السلبية على المخالفين، بخلاف المحاجّة التي تعتمد على الإيجابية والتعاون؛ لاكتشاف الحقيقة11.

      المناظرة:

      المناظرة لغةً:

      المناظرة في اللغة مشتقة من المادة اللغوية (نظر)، ومن معانيها: تأمل الشيء بالعين المجردة، وتقليب البصيرة لإدراك الشيء ورؤيته، والتّأمّل والفحص، وقد يراد بالنظر المعرفة الحاصلة بعد الفحص، والطلب؛ يقال: انظر لي فلانًا أي: اطلبه، والمقابلة؛ والعرب تقول داري تنظر إلى دار فلان، ودورنا تناظر أي: تقابل، والإمهال، والترقب والتوقع، واللّمحة السّريعة12.

      المناظرة اصطلاحًا:

      المحاورة بين طرفين متضادين في الرأي، والقائمة على الأدلة المنطقية والبراهين والإحصائيات الدقيقة، يقصد كل منهما تصحيح قوله وإبطال قول الآخر بأدب رفيع، مع الرغبة في إظهار الحق، والراجح على المرجوح، وتحقيق الفائدة المبنية على المناصحة والحلم13.

      الصلة بين الجدال والمناظرة:

      يمكن التفريق بين الجدل والمناظرة من خلال النقاط التالية:

      يقوم الجدل على المخاصمة والشحناء، بينما المناظرة تقوم على التعاون والمناصحة.

      يهدف المجادل إلى إظهار النفس ورفض الغير، بينما المناظرة تهدف إلى إظهار الحق، وإفادة المناظر.

      أدلة المجادل مبنية على الأهواء غالبًا، بينما الأدلة في المناظرة مبنية على التحديد والدقة.

      إنّ الجدال لا يخلو من التجني على الأشخاص والتعدي على المحارم، بينما المناظرة ميزانها الأدب الرفيع والحكمة.

      الممارة:

      المماراة لغةً:

      المماراة في اللغة مشتقة من المادة اللغوية (مري)، ويعني: المسح على الشيء؛ ومنه مراه مريًا، ومرى الفرس مريًا: إذا جعل يمسح الأرض بيده أو رجله، ويأتي بمعنى الاستدرار؛ ومنه: الريح تمري السحاب وتمتريه تستخرجه وتستدرّه، ومنه: الصلابة في الشيء، والشك، والجحود؛ يقال: مراه حقّه أي جحده، الجدل؛ ومنه: ماريت الرجل أماريه مراءً إذا جادلته14.

      المماراة اصطلاحًا:

      الطعن في كلام المخالف وإن كان ظاهر الحق، على سبيل الملاحاة والتدافع والمغالبة؛ لبيان عجزه وضعفه، ولإظهار مزيّة النفس ومكانتها، والتحقير من شأن المخالف، دون الالتفات إلى الحق والصواب15.

      الصلة بين الجدال والمماراة:

      إنّ المتأمل لمصطلحي الجدل والمماراة يجد بينهما فروقًا دقيقة، منها:

      المراء لا يكون إلّا اعتراضًا، بخلاف الجدال الذي يكون ابتداءً واعتراضًا.

      الجدال يكون محمودًا ومذمومًا، بخلاف المراء فلا يكون إلّا في الباطل؛ فهو مخاصمة في الحق بعد ظهوره.

      يغلب على المراء إظهار حظ النفس مع تحقير الغير في المكانة والمعرفة، بينما نجد ذلك بحالة أقل في الجدال16.

      المنازعة:

      المنازعة لغةً:

      المنازعة في اللغة مشتقة من المادة اللغوية (نزع)، وتأتي بمعنى الجذب؛ يقال: نزع القوس إذا جذبها، ومنه: نزع الإنسان إلى أهله، ومنه: تنازع القوم اختصموا، وبينهم نزاعةٌ أي خصومةٌ في حقّ، ومنه: قوة العزيمة في الرأي والهمة؛ يقال للرجل الجيّد الرأي: إنّه لجيّد المنزعة، ومنه القلع؛ يقال: نزعت الشيء من مكانه نزعًا إذا اقتلعته17.

      المنازعة اصطلاحًا:

      المخاصمة والمخالفة القائمة على التنازع والتجاذب لنفي ما عند الآخر ومحوه، سواء أكان حقًا أم باطلًا، والموصلة في الغالب إلى الفشل والانتكاس18.

      الصلة بين الجدال والمنازعة:

      إنّ المتأمل لمصطلحي الجدال والمنازعة يجد بينهما فروقًا دقيقة، منها:

      إنّ غاية الجدال إفحام الخصم وإلزامه، بينما الغاية في المنازعة نفي الآخر وتحقيره وإظهار عجزه.

      إنّ الجدال في بعض المواقف يقود إلى الرأي الصحيح، بينما المنازعة طريقها واحد هو الفشل والانتكاس.

      الجدال يقوم على الأدلة والبراهين، بينما المنازعة تقوم على المخالفة ابتداءً؛ بدليل أو بغير دليل.

      المحاورة:

      المحاورة لغة:

      المحاورة في اللغة مشتقة من المادة اللغوية (حور)، ومن معانيه: الرجوع عن الشيء وإلى الشيء، والنقصان بعد الزيادة، ودوران الشيء، وتدويره، واللون؛ فالحور: شدّة بياض العين في شدّة سوادها، والحواريّون القصّارون19، ومن معانيه: التجاوب، والاستنطاق؛ يقال: استحاره أي: استنطقه20.

      المحاورة اصطلاحًا:

      مراجعة الكلام بين طرفين في مسألة اختلفت فيها نظرتهما؛ بقصد تصحيح الكلام، وإظهار الحجة، وإثبات الحق، في جو يغلب عليه الهدوء والإيجابية؛ لتبادل الأفكار، والتنوع في الآراء، مع الحرص على تقرير الحق والصواب21.

      الصلة بين الجدال والمحاورة:

      إنّ المتأمل لمصطلحي الجدال والمحاورة يجد بينهما فروقًا دقيقة، منها:

      كلمة المحاورة تتسع لكل أساليب التخاطب، سواء في حال التوافق أو الاختلاف، بينما كلمة الجدال تختزن في داخلها معنى الخلاف والشجار22.

      المحاورة يسودها الهدوء والطمأنينة والتعاون، بينما الجدال يحمل في عمقه معاني التحدي والصراع غالبًا.

      المحاورة وسيلة حضارية للتواصل وتبادل الأفكار والآراء، بينما الجدال وسيلة لإفحام الخصم وتقرير المذهب غالبًا.

      المخاصمة:

      المخاصمة لغةً:

      المخاصمة في اللغة مشتقة من المادة اللغوية (خصم)، ويأتي بمعنى الجدل والمنازعة؛ يقال: خاصمه خصامًا وخصومة، أي: جادله ونازعه، وبمعنى الشّق؛ يقال للخصمين: خصمان؛ لأخذ كلّ واحد منهما في شقٍ من الحجاج والدّعوى، والطرف والجانب والزاوية، تلقين الحجة؛ يقال: أخصم صاحبه إذا لقّنه حجّته على خصمه23.

      المخاصمة اصطلاحًا:

      اللجاج في الكلام من أجل المعارضة والمعاندة ابتداءً؛ يستوفي به المخاصم مراده من خصمه، في جو من التشاحن والتباغض ورفض الآخر24.

      الصلة بين الجدال والمخاصمة:

      إنّ المتأمل لمصطلحي الجدال والمخاصمة يجد بينهما فروقًا دقيقة، منها:

      الجدال يكون ابتداءً واعتراضًا، بينما المخاصمة لا تكون إلّا اعتراضًا.

      الجدال يهدف إلى إفحام الخصم وتقرير المذهب، بينما المخاصمة تهدف إلى تحقيق المصلحة المادية أو المعنوية.

      الحجة والدليل هو سبيل الحسم في الجدال، بينما المخاصمة تحتاج إلى طرف ثالث للفصل فيها.

      الجدال يسوده جو من التعصب للرأي غالبًا، بينما المخاصمة يسودها جو من التباغض والشقاق.

الجدال المحمود في القرآن الكريم

  1. إنّ المتأمل لآيات القرآن الكريم المتعلقة بموضوع الجدال، يجد أنّها تدور حول نوعين من الجدال:

  2. الجدال المحمود.
  3. الجدال المذموم.

    وسنتناول في هذا المبحث النوع الأول وهو الجدال المحمود في القرآن الكريم.

    والمراد بالجدال المحمود: الجدل الذي يقصد به إظهار الحق وتأييده بالأدلة والبراهين، والدعوة إليه بالحسنى، واستكشاف الأحوال، والعلم بالأمور المجهولة، وتعليم الآخرين العلم، أو تبيين الباطل ودحضه والتحذير منه25.

    وله صور عدة، يمكن تقسيمها إلى الأنواع الآتية:

    أولًا: الجدال لبيان الحق:

    لقد شرع الإسلام الجدال سبيلًا لبيان الحق، وإقامة الأدلة والبراهين عليه؛ بالعلم والمنطق والبيان، وبيان ضعف حجج المخالفين وتناقض مناهجهم، وإزالة الشبهات التي يثيرها أهل الباطل في مواجهتهم لأهل الحق، وإقامة الحجة على المخالفين من أهل الزيغ والضلال.

    قال تعالى: ( ﮚﮛ ) [الأنبياء: ١٨].

    ومن أبرز صور الجدال لبيان الحق صورتان؛ وهما جدال الأنبياء عليهم السلام لأقوامهم، والجدال لأهل الكتاب.

    الصورة الأولى: جدال الأنبياء عليهم السلام لأقوامهم:

    لقد قدّم الأنبياء نماذج رائعة في الجدال الإيجابي؛ لبيان الحق، ودعوة الناس إليه، ودحض ما عليه أهل الباطل والإلحاد، سالكين أفضل السبل في تحقيق ذلك.

    وتميز جدال الأنبياء عليهم السلام، بعدة ميزات، منها:

    ١. يقصد الأنبياء عليهم السلام من جدالهم تحقيق أمرين: دعوة الناس إلى الحق، وتقريره في نفوسهم، وردّ شبهاتهم، وتنقية النفوس منها.

    لذلك فهو يحتاج إلى أسلوب راقٍ من أساليب القول والمحاجة، وحجة قوية، وكلمةٍ معبّرة26.

    وقد ظهر هذا المعنى جليًّا في المجادلة القوية بين إبراهيم عليه السلام والنمرود.

    قال تعالى: ( ﭿ ﮃﮄ ﮓﮔ ) [البقرة: ٢٥٨].

    إنّ النمرود لما حاجّ نبي الله إبراهيم عليه السلام في الله عز وجل، جاءه عليه السلام بحجة قوية وهي قدرة الله عز وجل على إحياء الأجسام وإماتتها ( ﭿ)، فقابل النمرود هذه الحجة بقدرته على ذلك من خلال القتل والعفو عن القتل ( ﮃﮄ)، وهنا ينتقل نبي الله إبراهيم عليه السلام معرضًا عن هذا الاعتراض الفاسد، إلى حجة لا يصلح فيها تمويه النمرود كما فعل في الحجة الأولى، ولا يقع فيها الالتباس، ويظهر فيها عجز النمرود عن نقضها ( ﮓﮔ)، ولكنّ أهل الضلال والطغيان لا يستجيبون لمثل هذه الأدلة، ويمتنعون عن سبل الهداية والرشاد؛ ظلمًا لأنفسهم، وتكبرًا عن الحق27.

    ٢. القوة في قول الحق، والجرأة في نقض الباطل، بغض النظر عن طبيعة المخالفين ومكانتهم.

    حيث نجد نبي الله إبراهيم عليه السلام لما ذكر له قومه سبب عبادتهم للأصنام؛ أنّهم وجدوا آباءهم يعبدونها؛ ظانّين أنّه عليه السلام يقدّس الآباء وإن كانوا على ضلالة، فنراه عليه السلام جمعهم وآباءهم في التخطئة بلا هوادة؛ ليعلموا أنّ فعل الآباء مهما بلغوا من المكانة والتقديس لا قيمة له إذا تعارض مع حقيقة الألوهية، وتفرد الله عز وجل بالعبادة الخالصة28، «وأنّ الباطل لا يصير حقًّا بكثرة المتمسكين به»29.

    قال تعالى: ( ) [الأنبياء: ٥١-٥٤].

    وأهل الباطل في جدالهم لا يملكون حجة حقيقية لما يعتقدون به، فغاية ما يحتجون به في كثير من مواقفهم لمعارضة أهل الحق، إظهار أهل الحق في صورة العاقّين لآبائهم، المفرطين بثوابت الأجداد، فغاية حجتهم التقليد الأعمى للآباء والأجداد.

    قال تعالى: ( ) [الزخرف: ٢٣].

    وقد عاب الله عز وجل عليهم ذلك، قال تعالى: ( ﭠﭡ ) [المائدة: ١٠٤].

    ٣. إنّ جدال الأنبياء يحمل في طياته معاني المحبة والمودة والسماحة، يقابل الإساءة بالإحسان، ويرد الطعن واللعان بأجمل الكلمات وأرق العبارات، يهدف إلى الإقناع بالنظر والتدبر، ويبتعد عن الإخضاع والإلزام بالقهر والسلطان30.

    يظهر هذا المعنى جليًّا في دعوة نبي الله نوح عليه السلام لقومه؛ حيث قابلوه بالاتهام والتشويه، فقابلهم بالتودد والتلطف.

    قال تعالى: ( ﮫﮬ ﯿ ) [هود: ٢٥-٢٨].

    إنّ نبي الله نوحًا عليه السلام يواجه قومه رسالة التوحيد، منذرًا المخالفين بالعذاب الأليم، ومبشرًا المستجيبين بالجنة، مظهرًا لهم خوفه عليهم من العذاب الأليم يوم القيامة، لكنّه يجابه بالرفض المطلق من قومه؛ متعللين بكونه عليه السلام بشرًا، وأنّ أتباعه من الضعفاء والفقراء والرعاع، بل إنّ قوم نوح عليه السلام تمادوا في طغيانهم فوصفوا نبي الله نوحًا عليه السلام وأتباعه بالكذب31، ومع كل ذلك بقيت الرحمة هي الخلق البارز في تعامل نبي الله نوح عليه السلام مع قومه، الرحمة التي لا يعرفها إلّا من استقام على منهج الله عز وجل، قد أخلص قلبه لله عز وجل، وصفت نفسه، وصدق عزمه ( ﯿ ).

    ٤. الاعتقاد بأنّ ما يدعون إليه هو الحق الذي يجب على الناس اتباعه؛ فهو وحي الله عز وجل إليهم؛ ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور، خصّهم الله عز وجل بمميزات استحقوا بها الرسالة، وإن لم يستطع أصحاب البصائر العمياء من البشر إدراكها32.

    إنّ نبي الله نوحًا عليه السلام لما تكالب عليه قومه، وعابوا عليه أنّه من البشر، انطلق بكل ثقة مستيقنًا بنفسه، مبيّنًا لهم أنّ الله عز وجل منحه الحجة الواضحة البيّنة، وخصّه بالنبوة، قال تعالى: ( ﯿ ) [هود: ٢٨].

    كما حكى الله عز وجل عن الأنبياء وأقوامهم هذا الموقف المتكرر، قال تعالى: ( ) [إبراهيم: ١٠-١١].

    إنّ الاتفاق في البشرية لا يعني بالضرورة المساواة في كل شيء؛ فقد أجمع العقلاء على وجود التفاوت الكبير بين أفراد البشر في قدراتهم العقلية والفكرية والأخلاقية والإنتاجية؛ حتى أنّا نجد من يأتي بالإصلاح والخير لأمته وأهله ما يفوق أفعال مئات الألوف من السابقين واللاحقين33، فإذا كان هذا التفاوت بين عموم البشر، فكيف وإن كان الإنسان مؤيدًا من الله عز وجل بالوحي والرسالة؟.

    ٥. الثقة بالله عز وجل، واليقين بنصره وتأييده؛ لأنّ الله عز وجل معهم، يحفظهم ويعصمهم من كل سوء، حتى ولو احتال الناس جميعًا من أجل مناهضتهم وإلحاق الضرر بهم34.

    قال الله عز وجل حاكيًا على لسان نبيه هود عليه السلام: ( ﭗﭘ ﭤﭥ ) [هود: ٥٤-٥٥].

    إنّ نبي الله هودًا عليه السلام لما دعى قومه إلى التوحيد جابهه قومه بالإنكار والجحود؛ حيث ترقّوا في حججهم من السيء إلى الأسوء، فردّ عليهم حججهم الباطلة؛ معلنًا براءته مما اقترفوه من الشرك، مشهدًا الله عز وجل على ذلك؛ ثقةً منه بقوة حجته وبرهانه، مشهدًا إيّاهم على رفضه لمنهجهم وشركهم غير مبال بهم، وبما يزعمونه من قدرة شركائهم على إيقاع الضرر به، ومتحديًا لهم أن يجمعوا كيدهم وشركاءهم؛ ليوقعوا به الأذى والضرر إن استطاعوا بلا إمهال ولا تأخير، وهذا دليل واضح على عدم خوفه منهم أو من آلهتهم المزعومة؛ فقد وكّل أمر حفظه إلى الله عز وجل، فهو الحافظ لأوليائه، القاهر لأعدائه35.

    قال تعالى: ( ﭱﭲ ﭹﭺ ﭿ ) [هود: ٥٦].

    ٦. إنّ الأنبياء في جدالهم يقصدون قضية واحدة، ألا وهي قضية دعوة الناس إلى توحيد الله عز وجل، وإفراده بالعبادة، لا يلتفتون لغيرها من القضايا، ولا ينصرفون عنها إلى مسائل جانبية يحاول المخالفين استدراجهم إليها؛ للتأثير على القضية الأولى موضوع الجدال36.

    إنّ من أهم الآداب التي يجب على المجادل استعمالها للوصول إلى مراده وبغيته؛ تحديد السؤال والجواب، وعدم الخروج من مسألة حتى يستوفي الكلام فيها، وألّا يسمح للمخالف أن يدخله في معارك جانبية37.

    فهذا نبي الله نوح عليه السلام لم يستطع قومه صرفه عن القضية التي يدعو إليها، أو يؤثّروا في قوة طرحه لها.

    قال تعالى: ( ﭿ ) [الأعراف: ٥٩-٦٢].

    ٧. الشجاعة والحزم في طرح الأدلة والبراهين، وعدم إعطاء المخالف الوقت الكافي للاستفادة من قدرات مؤيديه، ومباغتة المخالف بالحجة تلو الأخرى بكل صرامة وحسم.

    يستفاد هذا المعنى من مناظرة نبي الله موسى عليه السلام مع فرعون.

    قال تعالى: ( ﭸﭹ ﭿ ﮗﮘ ) [الشعراء: ٢٣-٣٣].

    إنّ نبي الله موسى عليه السلام لما جابه فرعون بالحقيقة الصادمة المستحقرة لشأنه، وهي أنّ رب العالمين هو رب هذا الكون الهائل العظيم، وأنّك يا فرعون لا قيمة لك؛ لأنّك تدعي الربوبية على قوم مخدوعين، فهنا يريد فرعون صرف أنظار أتباعه عن هذه الحقيقة بأن يشاركوه التعجب من مقالة نبي الله موسى عليه السلام، فيقول: ( ﭿ )، لكنّ نبي الله موسى عليه السلام لم يمهلهم حتى يتفاعلوا مع فرعون، وأخذ يؤكد لهم وحدانية الله عز وجل، فيقول: ( )، وهكذا38.

    ٨. إنّ الأنبياء عليهم السلام في جدالهم لا يرجون شيئًا من متاع الحياة الدنيا، أو تحقيق مكاسب دنيوية، بل هم يبتغون الأجر من الله عز وجل وحده، وهو أن يدخلهم الجنة يوم القيامة.

    قال نوح عليه السلام لقومه: ( ﭹﭺ ﭿﮀ ) [يونس: ٧٢].

    وقال هود عليه السلام: ( ﯥﯦ ﯬﯭ ) [هود: ٥١].

    وقال صالح عليه السلام: ( ﮇﮈ ) [الشعراء: ١٤٥].

    وقال تعالى: ( )[يس: ٢٠-٢١].

    الصورة الثانية: الجدال لأهل الكتاب:

    إنّ المدافعة مع أهل الكتاب بدأت منذ اللحظة الأولى للإسلام، حيث كانت البداية بمظاهرة أهل الكتاب مشركي مكة على المؤمنين، قال تعالى: ( ﯿ ) [النساء: ٥١].

    واستمرت عبر الأماكن والأزمان حتى يومنا الحاضر39.

    إنّ باب المجادلة مع أهل الكتاب وغيرهم من المشركين مفتوحٌ إلى قيام الساعة؛ لدعوتهم إلى الإسلام، وبيان أحكامه لهم، وإقامة الحجة عليهم، على خلاف من قال إنّ آيات المجادلة والمحاجّة للمخالفين في الدّين منسوخة بآيات الجهاد.

    يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: «فإنّ من الناس من يقول: آيات المجادلة والمحاجة للكفار منسوخات بآية السيف؛ لاعتقاده أنّ الأمر بالقتال المشروع ينافي المجادلة المشروعة، وهذا غلط؛ فإنّ النسخ إنّما يكون إذا كان الحكم الناسخ مناقضًا للحكم المنسوخ؛ كمناقضة الأمر باستقبال المسجد الحرام في الصلاة للأمر باستقبال بيت المقدس بالشام... فأمّا مع إمكان الجمع بين الجدال المأمور به والقتال المأمور به فلا منافاة بينهما، وإذا لم يتنافيا بل أمكن الجمع لم يجز الحكم بالنسخ، ومعلومٌ أن كلًّا منهما ينفع حيث لا ينفع الآخر، وأنّ استعمالهما جميعًا أبلغ في إظهار الهدى ودين الحق»40.

    وقد ثبت في السنّة ما يؤيد ذلك، ففي الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جاهدوا المشركين بأموالكم، وأنفسكم، وألسنتكم)41.

    وتشمل المجادلة لأهل الكتاب جميع أصنافهم ومراتبهم على اختلاف توجهاتهم وأحوالهم.

    يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: «والمجادلة قد تكون مع أهل الذمة، والهدنة، والأمان، ومن لا يجوز قتاله بالسيف، وقد تكون في ابتداء الدعوة؛ كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يجاهد الكفار بالقرآن الكريم، وقد تكون لبيان الحق، وشفاء القلوب من الشّبه مع من يطلب الاستهداء والبيان»42.

    إنّ المتتبع للآيات القرآنية المتعلقة بمجادلة أهل الكتاب يجد فيها تنوعًا في أساليب المجادلة، ويمكن إجمال هذه الأساليب في النقاط الآتية:

    1. المجادلة بالحسنى.

      لقد بيّن القرآن الكريم فضيلة المجادلة بالأسلوب الحسن، وبالحكمة والموعظة الحسنة للمسالمين من أهل الكتاب؛ لأنّ ذلك أدعى إلى تحقيق الهدف المنشود، وإيجاد القناعة لديهم، والوصول بهم إلى الإيمان بالله عز وجل43.

      قال تعالى: ( ) [العنكبوت: ٤٦].

      تشير الآية السابقة إلى مشروعية مجادلة الذين يبحثون عن المعرفة والاستبصار بالدّين من أهل الكتاب، بأسلوب لين كريم، وبحسن الإرشاد إلى طريق الحق، والرفق في التعليم44.

      «ووجه الوصاية بالحسنى في مجادلة أهل الكتاب؛ أنّ أهل الكتاب مؤمنون بالله غير مشركين به، فهم متأهلون لقبول الحجة غير مظنون بهم المكابرة، ولأنّ آداب دينهم وكتابهم أكسبتهم معرفة طريق المجادلة، فينبغي الاقتصار في مجادلتهم على بيان الحجة دون إغلاظ حذرًا من تنفيرهم»45.

    2. المجادلة بالسيف والإغلاظ.

      إنّ من أراد الهداية من أهل الكتاب أمرنا أن نعامله بالحسنى، أمّا من ظلم وعاند، وقصد بمجادلته الإساءة إلى الإسلام، والسعي في إيذاء المسلمين، وظهر تصلبه، وانقطع الأمل من إقناعهم بالحجة والبرهان، فقد أمر الإسلام أن نجادلهم بالسيف، ونعاملهم بالغلظة46.

      قال تعالى: ( ) [العنكبوت: ٤٦].

      وقال تعالى: ( ﭗﭘ ﭚﭛ ) [التوبة: ٧٣].

      إنّ حال اليهود والنصارى اليوم أقرب إلى هذه الحالة؛ فهم يحاربون الإسلام سياسيًا وفكريًّا وعسكريًّا في كل مكان، ويسعون بكل طاقاتهم وإمكاناتهم لتشويه الإسلام والملتزمين به، من خلال وصفهم بالتطرف تارة، وبالأصولية تارة ثانية، وبالإرهاب تارة أخرى، فكان الواجب على المسلمين اليوم مجادلتهم بما يتناسب مع حالهم بالشدة والغلظة، على خلاف ما ينادي به اليوم مجموعة من أبناء الأمة من التقارب معهم، والعمل في القضــــايا المشتركة والبعد عن نقاط الخلاف؛ فالدعوة الإسلامية «دعوةٌ وبيانٌ للحق، وكشف للباطل، وبيان لضرره في الدنيا والآخرة»47.

    3. المباهلة.

      إنّ هذه المرتبة درجة بين المرتبتين السابقتين؛ فلم يبلغ أهل الكتاب درجة التعامل بالحسنى، ولا هم بلغوا درجة المجادلة بالسيف، والتعامل بالغلظة؛ فكانت هذه المرتبة، للتعامل مع المكابرين الذين يصرّون على حججهم الباطلة، ومدافعة الحق.

      قال تعالى: ( ) [آل عمران: ٦١].

      «وهذه المباهلة لعلها من طرق التناصف عند النصارى فدعاهم إليها النبي صلى الله عليه وسلم لإقامة الحجة عليهم»48.

      إنّ المؤمنين عندهم من اليقين الصادق والإيمان العميق ما يجعلهم يقبلون أيّ سبيلٍ في مواجهة أهل الإنكار والجحود، بينما الكافر المكابر الذي لا يملك يقينًا لن يقبل بالمباهلة أبدًا، وسيبحث عن مبررات لنكوصه وتراجعه؛ لذلك فإنّ الآية السابقة قد لقنت النبي صلى الله عليه وسلم، وأمته من بعده الجواب الحاسم الذي يخرس ألسنة المكابرين في كل زمان، ويتحداهم أن يقبلوا المباهلة إن كانوا صادقين49.

      وهذه درجة متقدمة في حوار أهل الكتاب، ولها فائدة عظيمة من جهتين:

      الأولى: إظهار التحدي، والثقة التامة بأنّ الداعي إلى المباهلة على الحق.

      الثانية: إرهاب المعاند، وحمله على الجد والحزم، بالتعرض للعنة الله عز وجل.. فربما نزع واستغفر واستعتب50.

    4. مبادرة أهل الكتاب بالدعوة.

      إنّ هذا الأسلوب لا يحمل معاني الجدال والمغالبة والتحدي، بقدر ما يحمل معاني الدعوة والمبادأة للمخالفين في المنهج والدّين؛ يعرض عليهم الحق الذي عنده، ويبيّن لهم معالم دعوته الصادقة.

      قال تعالى: ( ﭿ ﮂﮃ ) [آل عمران: ٦٤].

      إنّ هذا المنهج يقوم على الاجتماع على الأصول العقدية المجمع عليها عند أصحاب الرسالات؛ من توحيد الله عز وجل، وإفراده بالعبودية والإخلاص، ورفض الشبهات التي تناقضها؛ حيث كانت جميع الرسالات متفقة على ذلك51.

      قال تعالى: ( ) [النحل: ٣٦].

      «إنّ أهل الإسلام لا يستقيم أمرهم، ولا يعبّرون بصدق عن دينهم، إلّا أن يكونوا أصحاب مبادرة للقيام بأمر الله عز وجل، وغاية واضحة في الدعوة إلى الله عز وجل، وخطة بيّنة بالالتزام بمنهج الله عز وجل، كما دلّت عليه الآية العمدة، وإلّا تقاذفتهم ألاعيب الذين كفروا من أهل الكتاب، ومبادراتهم العبثية الموسومة بالتقارب والحوار ونحوها»52.

    5. هدم باطل أهل الكتاب ونقضه.

      إنّ منهج المؤمنين الحق يقوم على هدم ما عند الناس من الباطل والخلل، وعدم التسليم لهم بدعواهم إلّا بالدليل والبرهان.

      قال تعالى: ( ﯰﯱ ﯳﯴ ) [البقرة: ١١١].

      وقال تعالى: ( ﭖﭗ ﭜﭝ ) [البقرة: ١٣٥].

      إنّ أهل الباطل يقيمون الأدلة الواهنة على مبادئهم ومعتقداتهم، ويتمسكون بها؛ من أجل مشاغبة أهل الإيمان، والتشويش عليهم؛ لذلك وجب على المؤمنين عدم قبول أيّ دعوى نفيًا أو إثباتًا دون دليل أو برهان صحيح يدعمها.

      يقول الإمام الطبري: «وهذا الكلام وإن كان ظاهره ظاهر دعاء القائلين: ( ) إلى إحضار حجة على دعواهم ما ادعوا من ذلك، فإنّه بمعنى تكذيب من الله عز وجل لهم في دعواهم وقيلهم، لأنّهم لم يكونوا قادرين على إحضار برهان على دعواهم تلك أبدًا، وقد أبان قوله: ( ﯿ ) [البقرة: ١١٢].

      عن أنّ الذي ذكرنا من الكلام بمعنى التكذيب لليهود والنصارى في دعواهم ما ذكر الله عز وجل عنهم»53.

      ثانيًا: الجدال عن النفس:

      إنّ من طبيعة الإنسان أن يحاول بكل جهده وطاقته، دفع الشر والسوء عن نفسه؛ فنراه يتعلق بأيّ أمر يعتقد أنّه يدفع عنه الضرر والأذى، وأحوج ما يكون إلى هذه المدافعة والمجادلة يوم القيامة؛ لما فيه من الأهوال والأحوال لذلك نجده يجادل عن نفسه، ويدافع عنها؛ طمعًا في رحمة الله عز وجل ومغفرته؛ لأنّها علمت سعة رحمة الله عز وجل وعظيم مغفرته، إذ تتجلى رحمة الله عز وجل ومغفرته في هذا اليوم؛ لتغشى عباده الموحدين، فهم أكثر ما يكونون طلبًا لهما واحتياجًا إليهما54.

      قال تعالى: ( ) [النحل: ١١٠-١١١].

      فالإنسان يوم القيامة لا يعنيه شيء سوى نفسه؛ فيسعى في خلاصها من الأهوال العظيمة في ذلك اليوم العصيب، لا يلتفت لأحد، شعاره: نفسي نفسي.

      قال تعالى: ( ﯿ ) [عبس: ٣٣-٣٧].

      إنّ اشتداد الأهوال يوم القيامة يشغل كل امرئ بنفسه، يدافع عنها؛ لعلها تنجو من العقاب، لكنّ الأمر أشد، إنّما هو الجزاء، تجازى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون55.

      لذلك نجد أنّ المجادلين عن أنفسهم يوم القيامة سلكوا سبلًا متعددة في الدفاع عن أنفسهم، منها:

    1. الحلف الكاذب بالله عز وجل على براءتهم من الشرك والمشركين.

      قال تعالى: ( ﯬﯭ ﯱﯲ ) [المجادلة: ١٨].

      إنّ الله عز وجل لما يبعث الناس يوم القيامة مجتمعين، يعاتبهم على ما صدر منهم من معصية وضلال ونفاق، فيحلف المنافقون منهم والمشركون له سبحانه وتعالى على إسلامهم وإيمانهم كما كانوا يحلفون للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين في الدنيا؛ ظانّين أنّهم سيحققون نفعًا لأنفسهم، ودفعًا للضرر الحاصل لهم من حلفهم الكاذب، كما حققوا بعض مكاسبهم في الدنيا، ولكنّهم لم يعلموا أنّ الله عز وجل يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور56.

    2. إظهار إرادة الانتقام ممن كان سببًا في ضلالهم ودخولهم النار.

      حيث عطلوا عقولهم في الدنيا عن النظر والتأمل، وراحوا يقلدون أئمتهم ورؤساءهم من الجن والإنس، فاليوم وبعد فوات الأوان حصل بينهم التباغض والمعاداة57.

      قال تعالى: ( ﯿ ) [فصلت: ٢٩].

      فتوسلوا لله عز وجل بعزمهم على الانتقام ممن كانوا رأسًا في ضلالهم؛ لعلهم يظفرون بتخفيف العذاب عن أنفسهم، وإذلال قادة الضلال، وأئمة الكفر، وزيادة التنكيل بهم.

    3. محاولة الكذب على الله عز وجل؛ بنفيهم الوقوع في الشرك.

      قال تعالى: ( ﯛﯜ ) [الأنعام: ٢٣-٢٤].

      إنّ الله عز وجل يحشر المشركين مع آلهتهم التي عبدوها من دون الله عز وجل في الدنيا، فيسألهم عنها، فيجيبون بالإنكار والجحود ( )، وهم بهذا الفعل يدافعون عن أنفسهم، ويحاولون الإفلات من عذاب يوم القيامة، مع اعتقادهم خلاف ما يقولون، وعلمهم بالحقيقة الكاملة؛ وهي أنّهم قد كذّبوا بالله عز وجل في الدنيا، ويريدون أن يعيدوا الكرة يوم القيامة، لكنّ الله عز وجل عالم بخفايا القلوب والنفوس58.

    4. إظهار الخضوع والتذلل لله عز وجل متمنين من الله عز وجل أن يكرمهم بفرصة أخرى؛ ليؤمنوا ويتبعوا منهج الإيمان والتوحيد.

      قال تعالى: ( ﭘﭙ ) [الأنعام: ٢٧-٢٨]

      إنّ المشركين عند رؤيتهم لهيب النار، يتمنون العودة إلى الحياة الدنيا زاعمين أنّهم يريدون الهداية والاستجابة لأمر الله عز وجل، لكنّ الحقيقة هي الخوف من لهيب النار بعدما ظهر ما كانوا يخفونه من الذنوب والمعاصي في الحياة الدنيا، وتأكدوا من صدق ما أنكروه في الدنيا، ولو ردّهم الله عز وجل إلى الدنيا لعادوا إلى التكذيب بآيات الله عز وجل، ولحاربوا أولياءه؛ لأنّ التكذيب والجحود والعناد والافتراء طبعٌ متجذرٌ فيهم59.

      ونظير ذلك قوله تعالى: ( ﯿ ) [طه: ١٣٤].

      ثالثًا: الجدال في الدعوة إلى الله تعالى:

      إنّ الدعوة الى الله عز وجل وظيفة الأنبياء والمرسلين عليهم السلام ومن تبعهم بإحسان، سلكوا في سبيلها كل الوسائل والأساليب المشروعة؛ لإيصال دعوة التوحيد للناس في كل بقاع الأرض، وبما أنّ الجدال ظاهرة بشرية فطرية ملازمة للإنسان؛ لنقل الأفكار والآراء، وبناء المواقف والاتجاهات، كان لزامًا على الأنبياء والمرسلين عليهم السلام وأتباعهم سلوك هذا الطريق نصرةً للحق، ونشرًا للدين الحنيف والذّب عنه60.

      إنّ سلوك طريق الجدال في الدعوة مقيد بضوابط وأحكام أشارت إليها الآية الكريمة.

      قال تعالى: ( ﮬﮭ ﮱﯓ ﯛﯜ ) [النحل: ١٢٥].

      وهناك ضوابط للمجادلة بالتي هي أحسن، وهي:

    1. إخلاص النية لله عز وجل.

      فالداعية إلى الله عز وجل لا يبتغي من وراء الجدال المفروض عليه إلّا مرضاة الله عز وجل، والوصول إلى الحق المبين، بعيدًا عن المباهاة والرياء61، قال تعالى: ( ﮭﮮ ﯓﯔ ) [الزمر: ١٧-١٨].

    2. الاحتجاج على المخالف بالأدلة التي يعتقدها؛ فإنّ ذلك أقرب لفهمه، وأدعى إلى حصول المراد من المجادلة62.

      يظهر هذا المعنى في نقاش النبي صلى الله عليه وسلم مع الشاب الذي جاء يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي أمامة رضي الله عنه قال: إنّ فتًى شابًّا أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه ائذن لي بالزّنا، فأقبل القوم عليه فزجروه قالوا: مه مه، فقال: (ادنه فدنا منه قريبًا، قال: فجلس قال: (أتحبّه لأمّك؟)قال: لا واللّه جعلني اللّه فداءك، قال: ولا النّاس يحبّونه لأمّهاتهم)،... الحديث63.

    3. أن تكون الأدلة والبراهين واضحة، تعطي مدلولًا محددًا؛ بحيث لا يترك الداعية إلى الله عز وجل سبيلًا للمخالف يتفلت من خلاله، أو حجة يتمسك بها، أو شبهة يستأنس بها على باطله.

      قال تعالى: ( ﭿ ﮃﮄ ﮓﮔ ) [البقرة: ٢٥٨].

    4. أن تكون المجادلة في إطار الأدب والخلق، وألّا تؤدي إلى الخصام والملاسنة؛ وتبتعد عن تحقيق المقصود.

      فالمجادلة بالحسنى هدفها هداية الخلق، وقصد الحق، وليس إفحامهم والغلبة عليهم64.

      قال تعالى: ( ) [الأنعام: ١٠٨].

      ونظير ذلك قوله تعالى: ( ﮅﮆ ﮊﮋ ) [الإسراء: ٥٣].

    5. أن تكون المجادلة مبنية على الرفق واللين وحسن الإقناع وسعة الصدر.

      فإنّ ذلك أدعى إلى تهدئة نفوس المخالفين، والتقليل من تعصبهم وعنادهم65، وتكون مدعاة لتفلتهم من الحق، وانصرافهم عن مجلس الدعوة66.

      فقد أمر الله عز وجل موسى وهارون عليهما السلام أن يخاطبا فرعون رمز الكبر والجحود بلين الجانب مع الرفق وغاية التلطف67 فقال تعالى: ( ) [طه: ٤٤].

    6. أن تكون المجادلة مبنية على العلم والمعرفة.

      فلا يصح من الداعية الدخول والمدافعة عن أمر أو حكم وهو غير عالم به، محيطٌ بجميع أبعاده؛ لئلا يتيح للمخالفين الفرصة في الطعن في أفكاره ومعتقداته؛ فتصبح المفسدة المترتبة على هذا الجدال تفوق بكثير المصلحة المقصودة.

      قال تعالى: ( ﮅﮆ ﮋﮌ ) [يوسف: ١٠٨].

    7. إشعار المخالف أنّ المقصود من مجادلته هو الوصول إلى الحق والصواب، بعيدًا عن المراء، أو المساس بشخص المخالف أو مكانته68.

      فقد ذمّ الله عز وجل المكذبين بحقيقة عيسى عليه السلام؛ حيث رفضوا الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأخذوا يجادلون فيه، ويشككون في الحق بعد ظهوره69.

      قال تعالى: ( ﯓﯔ ) [مريم: ٣٤].

    8. إنصاف المخالف، وإنزاله منزلته، والثناء عليه عند الصواب، ونصحه إذا أساء.

      قال تعالى: ( ) [الشعراء: ١٨٣].

      وقال تعالى: ( ﯘﯙ ﯝﯞ ﯠﯡ ) [المائدة: ٨].

    9. الإشفاق على المخالفين، والرحمة بهم، والتودد إليهم، وإظهار الحرص على استنقاذهم من باطلهم، وحمايتهم من أنفسهم70.

      يظهر هذا المعني في جدال مؤمن آل فرعون لقومه.

      قال تعالى: ( ﯮﯯ ) [غافر: ٣٠-٣٢].

      رابعًا: الجدال في الخصومة:

      إنّ من طبيعة الإنسان المجادلة عن حقه إذا وقع في الخصومة والنزاع؛ طلبًا لحقه من وجهة نظره وفهمه، ودفعًا لأيّ سوء يقع عليه.

      ونتناول في هذا المقام موقفين للمجادلة في الخصومة والاختلاف، وهما:

      الموقف الأول: خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها تجادل النبي صلى الله عليه وسلم في أمر زوجها.

      لقد جادلت خولة رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم في أمر زوجها الذي حرّمها على نفسه بعد أن طالت صحبتها معه، كبر سنّها، ثمّ يقول لها (أنت عليّ كظهر أمي)، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لها: قد حرمت عليه، وهي ما تزال تراجع النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزل قوله تعالى: ( ﭞﭟ ) [المجادلة: ١] والآيات التي بعدها71.

      عن عائشة رضي الله عنها قالت: الحمد للّه الّذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم تكلّمه وأنا في ناحية البيت، ما أسمع ما تقول، فأنزل اللّه عز وجل على النّبيّ صلى الله عليه وسلم: ( ﭞﭟ ) [المجادلة: ١] 72.

      الموقف الثاني: جدال ابني آدم عليه السلام في أمر قبول القربان.

      لقد قصّ علينا القرآن الكريم خصومة ابني آدم عليه السلام، حتى وصلت بأحدهما إلى قتل أخيه.

      قال تعالى: ( ﮖﮗ ﮩﮪ ﯛﯜ ) [المائدة: ٢٧-٣٠].

      إنّ الخصومة وقعت بين ابني آدم عليه السلام، أحدهما قد ملأ الإيمان قلبه؛ فاستقام على طاعة الله عز وجل، ممتثلًا أمره ومجتنبًا نهيه، والآخر استحوذ الشيطان على قلبه، وزيّن له معصية ربه؛ فلم يراعي لله عز وجل حرمة، ولم يحفظ لأخيه قرابة، حيث قربا قربانًا إلى الله عز وجل ابتغاء رضوانه ومغفرته ورحمته، ودليلًا على صحة المعتقد وسلامة المنهج، لكنّ النتيجة كانت القبول من أحدهما وعدم القبول من الآخر؛ فتحركت الغيرة في قلبه، فدبّت الخصومة بينهما، ووصلت بأحدهما إلى حد العدوان والانتقام، بحيث تمتد يده على أخيه ليقتله، لكننا نجد في المقابل خلق المؤمن الحق الحريص على سلامة أخيه، فيجيبه بأدب وهدوء، وتوجيه صادق إلى تقوى الله عز وجل والالتزام بأمره ( ﮩﮪ )، ويحذره من مواصلة السير في هذا الطريق؛ لأنّه يجلب له الهلاك والعذاب ( ﯛﯜ )، لكنّ الخصومة حجبت الحق عن الأخ العاصي فقتل أخاه، وأسال دمه على الأرض73.

    الجدال المذموم في القرآن الكريم

    1. إنّ الله عز وجل قد أباح للحاجة والضرورة الجدال المحمود الذي يهدف إلى الوصول إلى الصواب والحق، في جو من الإيجابية والتعاون، أو تمييز الحق من الباطل، ومدافعة أهل الباطل بطريقة مؤدبة وراقية، أمّا إن تحوّل الجدال إلى اللدد والخصومة، والشحناء وسوء الأدب، وأدّى إلى الفرقة والشقاق، والهجر والقطيعة، أو قصد إلى محاربة الفضيلة وإشاعة الرذيلة، والترويج للأفكار المنحرفة الضالة74، فهو حرام شرعًا، ذمّه القرآن الكريم في العديد من الآيات، وحاربه وأمر بتركه وعدم الخوض فيه، وسنتناول في هذا المبحث الجدال المذموم في القرآن الكريم، مبينين مفهومه، وأهم صوره الواردة في القرآن الكريم.

      والجدال المذموم: هو الجدل الذي يقصد به مدافعة الحق، ومعارضة أمر الله عز وجل وأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وإظهار الباطل وتأييده، أو يفضي إلى الباطل، ويسعى للترويج للمذاهب الكاسدة والعقائد الباطلة، وإفحام الخصم والتعالي عليه، وإظهار مزية النفس75.

      وله صور عدة، يمكن تقسيمها إلى الأنواع الآتية:

      أولًا: الجدال في الإيمان:

      لقد جادل أهل الكفر والضلال في الإيمان والتوحيد؛ فنجدهم ينكرون وجوب التعبد لله عز وجل، أو يعبدون آلهة من دون الله عز وجل بلا سلطان ولا دليل، ويطلبون منها الظفر والنصر، أو يتخذونها واسطة للتقرب إلى الله عز وجل.

      ونتناول في هذا المقام صورًا من الجدال في الإيمان، وهي كما يأتي:

      الصورة الأولى: الجدال في الله عز وجل.

      يظهر أناس في كل زمان ومكان لا يعترفون بوجود إله خالق رازق مدبّر لهذا الكون، أو ينكرون وحدانيته سبحانه وتعالى ويعبدون معه آلهةً أخرى، أو يجادلون في أمور غيبية أخبر بها الله عز وجل أنبياءه عليهم السلام؛ ينكرون بعضها ويأوّلون بعضها الآخر، أو يرفضون أحكامه وتشريعاته؛ كل ذلك جدال في الله عز وجل76.

      والمتتبع لآيات القرآن الكريم يتبيّن له أسباب جدال أعداء الإسلام في الله عز وجل، والتي توضح لنا مدى سخافة عقول هؤلاء الناس وقصور فهمهم وإدراكهم، ويمكن إجمالها في الأسباب الآتية:

    1. الجهل بالدليل والبرهان، وقصور النظر والبصيرة، وفقدان السند من الوحي الصحيح.

      قال تعالى: ( ) [الحج: ٨].

    2. متابعة أقوال أئمة الكفر والفساد.

      قال تعالى: ( ﭿ) [الحج: ٣].

      إنّ المتأمل للآيتين السابقتين يظهر له حقيقة مهمة وهي:

      أنّ الآية الأولى ( )، متعلقة بالرؤساء والزعماء الداعين إلى الضلال والفساد، الحاملين للواء الصد عن سبيل الله عز وجل، المتبوعين بالكفر والضلال؛ بدليل قوله تعالى بعد هذه الآية: ( ﭿﮀ ﮄﮅ ) [الحج: ٩].

      وأنّ الآية الثانية ( ﭿ) متعلقة بالأتباع الجهلة الذين يخاصمون بغير علم اتباعًا لأقوال زعمائهم من أهل الفساد والجحود؛ سواء أكانوا من شياطين الإنس أو الجن؛ بدليل قوله تعالى: ( ) [الحج: ٣]77.

      وبدليل قوله تعالى: ( ﭾﭿ ) [لقمان: ٢٠-٢١].

      إنّ الناظر في حال الأمة الإسلامية اليوم ليجد هذين الصنفين الأتباع والمتبوعين وبكل سهولة، فنجد الأتباع الذين يصفقون لكل ناعق، دون نظر أو فكر، أو تحقيق مصلحة أو دفع مفسدة، يوادّون ويبغضون بأمر زعمائهم، سواء وافق أحكام الشرع أم خالفها، حيث جعلوهم في مقام الشرع، وكأنّ حالهم كما تصوره الآية الكريمة، قال تعالى: ( ﭿ ) [الأعراف: ٧٠].

    3. الملك والسلطان.

      إنّ الشعور بعظمة الملك والسلطان تضفي على صاحبها حالة من الانبهار بالنفس وتعظيم الذات، والتي تقود صاحبها إلى منازعة الله عز وجل في سلطانه وحكمه، فيدّعون صفات ليست لهم، قال تعالى: ( ﭿ ﮃﮄ ﮓﮔ ) [البقرة: ٢٥٨].

    4. اتباع الهوى.

      إنّ من أهم الأسباب المؤدية بصاحبها إلى المجادلة في الله عز وجل اتباع الهوى؛ والناس في ذلك صنفان:

      من يتبع هواه على علم، قال تعالى: ( ﭦﭧ ) [الجاثية: ٢٣].

      ومنهم من يتبع هواه بغير علم، قال تعالى: ( ﮦﮧ ﮬﮭ ) [الروم: ٢٩].

      وتتعدد المظاهر التي ذكرها القرآن الكريم لجدال أهل الكفر والإلحاد في الله عز وجل:

    1. وصف الله عز وجل بما لا يليق من صفات النقص.

      لقد تجرأ أهل الكفر على الله عز وجل فوصفوه بأوصاف النقص، تعالى الله عمّا يقولون علوًّا كبيرًا، ذكر القرآن الكريم بعضًا من هذه الأوصاف، ومنها:

      • البخل وعدم الإحسان.

        قال تعالى: ( ﯧﯨ ﯭﯮ ) [المائدة: ٦٤].

      • الفقر والحاجة.

        قال تعالى: ( ﭛﭜ ) [آل عمران: ١٨١].

      • الافتراء على الله عز وجل بأنّ له صاحبةً وولدًا.

        قال تعالى: ( ) [مريم: ٨٨-٨٩].

        وقال تعالى: ( ) [الجن: ٣].

      • الافتراء بأنّ عيسى عليه السلام، وعزيرًا عليه السلام ابنا الله عز وجل.

        قال تعالى: ( ﮤﮥ ﮨﮩ ﮯﮰ ﯓﯔ ) [التوبة: ٣٠].

      • الافتراء بأنّ الملائكة بنات الله عز وجل.

        قال تعالى: ( ﭫﭬ ) [الإسراء: ٤٠].

      • الافتراء بأنّ عيسى عليه السلام هو الله عز وجل.

        قال تعالى: ( ) [المائدة: ١٧].

    2. الكذب على الله عز وجل.

      وقد تعددت مقالات الكذب في أحوال مختلفة، منها:

      • تبرير كفرهم بأنّ الله عز وجل قد أعطاهم عهدًا ألّا يؤمنوا لرسول ما لم يأتيهم بقربان تأكله النار.

        قال تعالى: ( ﭿ ﮀﮁ ) [آل عمران: ١٨٣].

      • الادعاء أنّهم أبناء الله عز وجل وأحباؤه.

        قال تعالى: ( ﭗﭘ ﭜﭝ ﭢﭣ ) [المائدة: ١٨].

      • الافتراء بأنّ اليهود والنصارى هم أهل الجنة فقط.

        قال تعالى: ( ﯰﯱ ﯳﯴ ) [البقرة: ١١١].

        الصورة الثانية: الجدال في الأصنام والآلهة التي يعبدها المشركون من دون الله عز وجل.

        لقد اتخذ أهل الكفر والضلال أصنامًا أو آلهة من صنع أفكارهم وعقولهم الفاسدة، يتقربون إليها، ويعبدونها، ويقدمون لها القرابين؛ رجاء حصول النفع، ودفع الضرر، وتحقيق الحماية والأمن، سواء كانت هذه الآلهة إنسًا أو جنًّا أو حجرًا.

        قال تعالى: ( ﮑﮒ ﮞﮟ ) [الأعراف: ٧١].

        إنّ كل من يخالف أمر الله عز وجل، ويعبد من دونه آلهة أخرى، فإنّ عذاب الله عز وجل واقعٌ به، لا مفر ولا نجاة له منه، وأنّ انتقامه سبحانه وتعالى بهم لا يمكن دفعه والوقوف في سبيله؛ لأنّه واجب من الله سبحانه وتعالى لهم؛ بسبب كفرهم وعنادهم، ومجادلتهم في أوثان سمّوها آلهة، أو أطلقوا عليها أسماء ليس لها مسميات في الحقيقة، لا تملك لنفسها ضرًّا ولا نفعًا، وليس عندهم دليل يؤيد زعمهم في ألوهيتها وقدرتها على النفع والضر، وهذا دليل على انعدام مداركهم وسخف عقولهم، ولأجل ذلك فإنّ عاقبتهم ستكون وخيمة78.

        والمتأمل في أسباب مجادلة الكفار في اتخاذهم آلهة من دون الله عز وجل يرجعها للأمور التالية:

      1. ابتغاء النصر منها.

        قال تعالى: ( ) [يس: ٧٤-٧٥].

      2. رجاء حصول الشفاعة لهم عند الله عز وجل بعبادتهم تلك الأصنام.

        قال تعالى: ( ﮉﮊ ﮟﮠ ) [الزمر: ٣].

      3. استبعادهم وحدة الآلهة، وأن يكون الرسول بشرًا.

        قال تعالى: ( ﭭﭮ ﭸﭹ ) [ص: ٤-٥].

      4. متابعة الآباء والأجداد.

        قال تعالى: ( ) [الزخرف: ٢٣].

        ثانيًا: الجدال في الحق:

        إنّ الإيمان الحقيقي بالله عز وجل يدفع المؤمن إلى التصديق بالحق الذي جاء عن الله عز وجل، ويستجيب له، يمتثله بكل رضى وطواعية، لا يسأل عن علته، ولا يبحث في تفاصيله؛ لأنّه صادر عن الله عز وجل79.

        ولا ينبغي للمؤمن الّا الإسراع في مرضاة الله عز وجل، ومرضاة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يجعل من أهواء نفسه وشهواتها حائلًا بينه وبين الالتزام بالحق والانقياد له، وعدم المجادلة فيه، أو التلكؤ في السير بناءً على دلالته وتوجيهاته80، حتى يحفظ للأمة كيانها ومكانتها؛ فإنّ «الذي يفت في عضد المسلمين هو من يجادل في الحق بعدما تبيّن، ويصر على عدم الانقياد له، ويثير الجدال بشبهات سقيمة»81.

        ونتناول في هذا المقام ثلاثة قضايا وقع فيها الجدال في الحق؛ سواء برفضه وجحوده، أو إظهار بعض مظاهر عدم القبول به؛ خوفًا من العواقب المترتبة عليه، أو المماطلة والتسويف في إنفاذه والالتزام به، وبيانها على النحو الآتي:

        القضية الأولى: الجدال في آيات الله عز وجل.

        إنّ صاحب كل فطرة سليمة يؤمن إيمانًا راسخًا بآيات الله عز وجل الدالة على قدرته ووحدانيته سبحانه وتعالى، مسلّم بها؛ لأنّ فطرة الوجود متعلقة بهذه الحقائق، متصلة بها، ولا يجادل في هذه الآيات بالطعن والتكذيب إلّا الجاحدون لاستحقاقه سبحانه وتعالى العبادة وحده، الشاذّون عن الفطرة السليمة، المعرضون عن الحق الظاهر الواضح، المنكرون للحجج والبراهين الساطعة82.

        إنّ المتدبّر للآيات المتعلقة بمجادلة أهل الباطل في آيات الله عز وجل، يظهر له الأسباب المؤدية بهم إلى الإنكار والجحود، ويمكن تلخيصها في الأسباب التالية:

      1. الكفر بالله عز وجل، وجحود حججه وبراهينه.

        قال تعالى: ( ﭿ ) [غافر: ٤].

        ولقد بيّن القرآن الكريم أنّ عاقبة هؤلاء الجاحدين الهلاك في الدنيا، والخسران المبين في الآخرة، فلا ينخدع النبي صلى الله عليه وسلم وأمته من بعده بأحوال أهل الكفر والجحود، وما يحققونه في الدنيا من تجارة وكسب، وصحة وسلامة؛ فإنّه نعيم زائل ولو بعد حين؛ يمتعون به قليلًا، ويعذبون به طويلًا83.

        قال تعالى: ( ﮌﮍ ) [آل عمران: ١٩٦-١٩٧].

      2. الكبر والتعالي على الحق.

        قال تعالى: ( ﮠﮡ ﮩﮪ ﮬﮭ ) [غافر: ٥٦].

        إنّ الكبر من أعظم الآفات والرذائل التي تمنع صاحبها من اتباع الحق؛ حيث يعتقد المتكبرون أنّ اتباعهم للحق والانقياد إليه، ينقص من مكانتهم، ويدني من رفعتهم، ويضعف من جاههم وسلطانهم، لكنّ الحقيقة أنّ الله عز وجل مقابل كبرهم وتعاليهم سيذلهم ويخزيهم، وأنّ ما يسعون لتحقيقه من المكانة والرفعة لن يبلغوه بالكبر والتكذيب84.

      3. الجبروت والعتو وظلم الخلق بالتسلط والقهر.

        قال تعالى: ( ﭹﭺ ﭿ ﮁﮂ ) [غافر: ٣٥].

      4. التكذيب بالقرآن الكريم، وبرسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

        إنّ التكذيب بالحق، وإنكار البرهان الواضح؛ يؤدي بالناس إلى الانسياق وراء أوهامهم وأباطيلهم، التي تدفعهم إلى إنكار الآيات البيّنة الدالة على وحدانية الله عز وجل وقدرته، دون علم أو حجة أو دليل؛ لانطماس بصائرهم، واستحواذ الشيطان عليهم85.

        قال تعالى: ( ﮑﮒ ) [غافر: ٦٩-٧٠].

        وقبل الانتقال إلى القضية التالية لابد من التأكيد على الأمور التالية:

        الأول: إنّ الجدال في آيات الله عز وجل لبيانها، ودعوة الناس للإيمان بها أمر مشروع.

        يقول الزمخشري: «أما الجدال فيها لإيضاح ملتبسها وحلّ مشكلها، ومقادحة أهل العلم في استنباط معانيها ورد أهل الزيغ بها وعنها، فأعظم جهاد في سبيل الله عز وجل»86.

        الثاني: إنّ جدال أهل الكفر والزيغ والجحود في آيات الله عز وجل أمرٌ متوقع لا عجب فيه ولا غرابة؛ لأنّهم أتوا بأعظم من ذلك، وهو الشرك بالله عز وجل87.

        قال تعالى: ( ﮑﮒ ) [غافر: ٦٩-٧٠].

        الثالث: إنّ المجادلين في آيات الله عز وجل مهما بلغوا من القوة والقهر والتسلط فإنّهم لن يسلموا من عقاب الله عز وجل، فإنّهم إذا صاروا إلى ربهم يوم القيامة بعد خروجهم من قبورهم، فليس لهم من ملجأ من عذاب الله عز وجل88.

        قال تعالى: ( ) [الشورى: ٣٥].

        قال تعالى: (ﭿ ) [الحج: ٥١].

        القضية الثانية: مجادلة الصحابة رضوان الله عليهم في شأن الخروج للقتال يوم بدر.

        لما ندب النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة الكرام رضوان الله عليهم إلى عير أبي سفيان رضي الله عنه وذلك قبل إسلامه، ونجا أبو سفيان رضي الله عنه بالعير، ولزم القتال، ولم يكن مع المسلمين ما يستعدون به للقتال، أخذوا يجادلون النبي عز وجل في أمر القتال، وقالوا: لو أخبرتنا بالقتال لأخذنا أهبتنا من السلاح والعتاد89.

        قال تعالى: ( ) [الأنفال: ٦].

        وقد ضرب الله عز وجل لهم هذا المثل من الواقع الذي بين أيديهم، فقد تنازع الصحابة رضوان الله عليهم الغنائم بعد انتهاء المعركة، فأراد الله عز وجل أن يذكّرهم بحالهم قبل المعركة، وما أرادوه وجادلوا النبي صلى الله عليه وسلم لتحقيقه، وما أراده الله عز وجل لهم من النصر والظفر90.

        قال تعالى: ( ) [الأنفال: ٧-٨].

        فالظاهر من الآيات أنّ المؤمنين جادلوا في أمرين:

      1. الخروج للمعركة وقتال المشركين.
      2. المجادلة في قسمة الغنائم بعد انتهاء المعركة، وخاصة ممن قاتل من الشباب.

        لكنّ الواجب على المؤمنين امتثال أمر الله عز وجل، وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم في المنشط والمكره، في العسر وفي اليسر؛ فإنّ فيه سعادة الدنيا والآخرة.

        قال تعالى: ( ﭠﭡ ) [الأحزاب: ٣٦].

        كما بيّن لنا القرآن الكريم أنّ المؤمن يجب عليه أن يكل أموره إلى الله عز وجل، وألّا يسعى إلى جلب المنفعة بجهده؛ لأنّه لا يدري أين يكمن الخير، والأمر كله بيد الله عز وجل.

        قال تعالى: ( ﭖﭗ ﭞﭟ ﭦﭧ ) [البقرة: ٢١٦].

        القضية الثالثة: تلكؤ بني إسرائيل في تنفيذ أمر ذبح البقرة.

        إنّ بني إسرائيل اختلفوا في أمر قتيل منهم، حتى وصلوا إلى الحرب والتقاتل، فتوجهوا إلى نبي الله موسى عليه السلام؛ ليفصل بينهم، فأمرهم أن يذبحوا بقرة.

        قال تعالى: ( ﮩﮪ ﮭﮮ ) [البقرة: ٦٧].

        قصة الآية:

        عن عبيدة السلماني قال: «كان في بني إسرائيل رجل عقيم أو عاقر، قال: فقتله وليه، ثم احتمله فألقاه في سبط غير سبطه، قال: فوقع بينهم فيه الشر حتى أخذوا السلاح، قال: فقال أولو النهى: أتقتتلون وفيكم رسول الله؟ قال: فأتوا نبي الله، فقال: اذبحوا بقرة، فقالوا: أتتخذنا هزوا، قال: ( ﯗﯘ )إلى قوله تعالى: ( )، قال: فضرب، فأخبرهم بقاتله، قال: ولم تؤخذ البقرة إلّا بوزنها ذهبًا، قال: ولو أنّهم أخذوا أدنى بقرة لأجزأت عنهم، فلم يورث قاتل بعد ذلك»91.

        إنّ العبرة من أمر الله عز وجل بذبح البقرة؛ لأنّها من جنس العجل الذي عبدوه؛ تهوينًا لشأن العجل الذي عظموه وعبدوه، فمثل هذه الحيوانات لا تصلح للعبادة، وإنّما للعمل والذّبح92.

        إنّ المتأمل في هذه القصة ليرى حجم مماطلة بني إسرائيل في تنفيذ أمر الله عز وجل، وجدالهم لنبي الله موسى عليه السلام، ويظهر ذلك من وجوه:

      1. سفههم وظنهم بنبيهم السوء عند سماعهم أمر ذبح البقرة.

        قال تعالى: ( ﮩﮪ ) [البقرة: ٦٧].

        وكان الواجب عليهم مقابلة الأمر بالانقياد والامتثال، ثمّ انتظار النتائج المترتبة على تنفيذ الأمر93.

        وفي قوله تعالى: ( ) توبيخ للمخاطبين من بني إسرائيل؛ لأنّ أوائلهم نقضوا العهد والميثاق الذي أخذه الله عز وجل عليهم، بالطاعة للأنبياء الذين يبعثهم الله عز وجل، فيذكرهم بماضيهم المليء بالنقض والإخلاف94.

      2. عدم الاستجابة والتنفيذ بعد إرشاد موسى عليه السلام لهم.

        وبيان أنّ هذا الأمر ليس للعب أو الاستهزاء، قال تعالى: ( ) [البقرة: ٦٧].

        بل ذهبوا للسؤال عن وصف هذه البقرة؛ زيادة في التشديد على أنفسهم، وجعل الأمر أكثر صعوبة ومشقة95.

        قال تعالى: ( ﯟﯠ ﯬﯭ ) [البقرة: ٦٨].

      3. الاستمرار في حال المجادلة، وعدم الامتثال لأمر الله عز وجل، والبحث عن مماطلة جديدة وعدم الاكتفاء بالوصف المبيّن.

        فأخذوا في تغيير صيغة السؤال، وهو السؤال عن اللون بعد معرفة العمر، قال تعالى: ( ﯹﯺ ﯿ ) [البقرة: ٦٩].

      4. إصرار بني إسرائيل على المجادلة، والتباطؤ في الامتثال.

        فلم يكتفوا بالوصفين السابقين، فراحوا يستوضحون الصفات؛ لأنّ البقر كثير وقد تشابه عليهم.

        قال تعالى: ( ﭲﭳ ﭷﭸ ) [البقرة: ٧٠-٧١].

      5. التنفيذ بتثاقل وفتور.

        وذلك بعد استقصائهم في السؤال الذي كاد ألّا ينتهي، وتطويلهم المفرط في الاستكشاف والتعمق96.

        قال تعالى: ( ) [البقرة: ٧١].

        ثالثًا: الجدال في التشريع:

        إنّ المشركين وأعداء الدّين لا يتركون طريقًا لمعارضة التشريع الإسلامي إلّا سلكوه؛ معاندةً لله عز وجل، ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ومجادلة بغير دليل ولا برهان، سوى اتباع آرائهم الفاسدة وأفكارهم الضالة، وشهواتهم الباطلة، مقدمين عقولهم على شرع الله عز وجل وأحكامه 97.

        والمجادلة في التشريع على صورتين:

        الصورة الأولى: العمل على مخالفة أحكام التشريع والطعن عليها.

        قال تعالى: ( ﮉﮊ ﮐﮑ ) [الأنعام: ١٢١].

        إنّ الآية السابقة أشارت إلى مجادلة المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم في حكم أكل الميتة، وإيرادهم الحجج الباطلة المؤيدة لهم، مستفيدين من وسوسة أوليائهم من مردة الإنس والجن، وتحريضهم لهم على الكفر والعصيان؛ ليدفعوا المؤمنين إلى تحليل ما حرم الله عز وجل وتحريم ما أحلّه سبحانه وتعالى98.

        وقد حذرنا الله عز وجل من التجاوب معهم أو طاعتهم؛ لأنّها تفضي بنا إلى الكفر بعد الإيمان.

        قال تعالى: ( ) [الأنعام: ١٢١].

        وقد تباينت أقوال المفسرين في المحرّض على المجادلة والمزيّن لها على ثلاثة أقوال:

        الأول: مردة الإنس من مجوس فارس الموالين لقريش في حربهم ضد النبي صلى الله عليه وسلم.

        الثاني: إبليس وجنوده؛ إمّا بالإلهام والوسوسة، أو على ألسنة الكهان.

        الثالث: اليهود99؛ فعن سعيد بن جبير رحمه الله تعالى قال: «خاصمت اليهود النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: أتأكل مما قتلنا، ولا تأكل مما قتل الله عز وجل؟ فأنزل الله عز وجل: ( )»100.

        والراجح في المسألة ما ذهب إليه الإمام الطبري رحمه الله تعالى وهو جواز الجمع بين القول الأول والثاني؛ فيكون المحرض على المجادلة شياطين الإنس أو شياطين الجن أو كلاهما معًا، بل هو الأغلب في التأويل101.

        فقد أخبر الله عز وجل عنهما بقوله تعالى: ( ) [الأنعام: ١١٢].

        أمّا القول الثالث وهو أنّ المقصود اليهود، فمنقوض من ثلاثة وجوه:

        • أنّ اليهود لا يقولون بإباحة أكل الميتة حتى يجادلوا في حلّ أكلها.
        • أنّ الآية مكية، ولم يتم التطرق إلى أهل الكتاب إلّا في القرآن المدني.
        • أنّ الحديث بهذه الطريق حديث معلول لا يقوى على الاحتجاج102.

          الصورة الثانية: افتراء التشريعات على الله عز وجل.

          قال تعالى: ( ﯝﯞ ﯣﯤ ﭦﭧ ﭷﭸ ﭾﭿ ﮁﮂ ﮕﮖ ) [الأنعام: ١٣٧-١٤٠].

          إنّ الآيات السابقة أشارت إلى تشريعات جاهلية قد ضيقّت على الناس حياتهم في مجالات ثلاثة:

        1. التضييق على الناس في أولادهم، وحملهم على قتلهم خشية العار أو الفقر.
        2. التضييق على الناس في التصرف ببعض أموالهم؛ وجعله في مصارف دون أخرى.
        3. التضييق على أنفسهم في تقسيم المطعومات بين الرجال والنساء103.

          إنّ المتأمل في الصورتين السابقتين يستطيع أن يحصر المحرضين على مخالفة الشريعة، والساعين لتشويهها في قلوب الناس، في ثلاثة أصناف: شياطين الإنس والجن، وأئمة الكفر والفساد.

          قال تعالى: ( ) [الشورى: ٢١].

          ورجال الدّين من الرهبان والأحبار ومن سلك طريقهم من أدعياء العلم من المسلمين.

          قال تعالى: ( ) [التوبة: ٣١].

          رابعًا: الجدال بالباطل:

          يسعى أهل الباطل على اختلاف ألوانهم ومعتقداتهم وأفكارهم في كل زمان ومكان، إلى مدافعة الحق وردّه وتعطيله؛ فنجدهم يتحزبون ضد أهل الحق ويتوحدون لحربهم، مستخدمين كل الحيل والأساليب الخبيثة 104.

          قال تعالى: ( ﭺﭻ ﭿ ﮂﮃ ) [الكهف: ٥٦].

          إنّ مهمة الرسل عليهم السلام البشارة لأهل الإيمان بالجنة والغفران، والنذارة لأهل الكفر بالجحيم والنيران، لكنّ أهل الباطل يسعون لصرفهم عن هذه المهمة؛ بأن يجادلوهم بالباطل؛ ليبطلوا الحقّ الذي جاءوا به، ويزيلوه105.

          والمتأمل للآية يرى استخدم القرآن الكريم فعل المضارعة () للدلالة على تجذّر طبع المجادلة في أهل الكفر والضلال، وتكرار وقوعها منهم، لا يبتغون الاقتناع أو الحق، أو الاسترشاد والهدايــــة، بل يبغون السخرية والاستهــــزاء بالحق وأهله106، ولن يحققوا غايتهم الخبيثة.

          قال تعالى: ( ) [الشورى: ١٦].

          وإنّ المتأمل لآيات القرآن الكريم يستنبط أسباب الجدال بالباطل، والتي منها:

        1. الإعراض عن الحق، وعدم التدبر فيه.

          قال تعالى: ( ) [الكهف: ٥٧].

          وقد توعّد الله عز وجل المعرضين بالمعيشة الضنك.

          قال تعالى: ( ﯿ) [طه: ١٢٤].

        2. الاستهزاء بالحق.

          قال تعالى: ( ﮉﮊ ) [التوبة: ٦٥].

        3. عدم التفكر في عواقب أفعالهم وأقوالهم المخالفة لشرع الله عز وجل.

          قال تعالى: ( ) [الكهف: ٥٧].

          لكنّ الله عز وجل يحصي كل شيء عليهم.

          قال تعالى: ( ﯳﯴ ﯷﯸ ) [المجادلة: ٦].

        4. استحواذ الشيطان عليهم استحواذًا تامًّا.

          قال تعالى: ( ﯽﯾ ﯿ ﰁﰂ ) [المجادلة: ١٩].

          ويمكن تلخيص مظاهر الجدال بالباطل في المثالين الآتيين:

          الأول: الجدال في عيسى عليه السلام.

          إنّ أعداء الإسلام لا يزالون يتربصون بأهل الحق الدوائر؛ فنجدهم يحرصون على تصيد أيّ موقف أو كلمة؛ ليتخذوا منها سبيلًا للطعن في الإسلام وأحكامه وشرائعه، وإظهار اختلافه وتناقضه.

          فنجد مشركي مكة لما نزل قول الله تعالى: ( ) [الأنبياء: ٩٨]. عارضوا النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: إن كان المعبود وعابده في النار، فإنّ عيسى عليه السلام، وعزيرًا عليه السلام، والملائكة سيكونون في النار مثالًا لأصنامهم107.

          قال تعالى: ( ﯤﯥ ﯪﯫ ) [الزخرف: ٥٧-٥٨].

          ففي الحديث عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنه قال: «لمّا نزلت: ( ) شقّ على قريش، فقالوا: أيشتم آلهتنا؟ فجاء ابن الزّبعرى فقال: ما لكم؟ قالوا يشتم آلهتنا، قال: فما قال؟ قالوا: قال: ( )، قال: ادعوه لي، فلمّا دعي النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: يا محمّد، هذا شيءٌ لآلهتنا خاصّةً، أو لكلّ من عبد من دون اللّه عز وجل؟ قال: (لا، بل لكلّ من عبد من دون اللّه عز وجل)، فقال ابن الزّبعرى: خصمت وربّ هذه البنيّة (يعني الكعبة) ألست تزعم أنّ الملائكة عبادٌ صالحون وأنّ عيسى عليه السلام عبدٌ صالحٌ وأنّ عزيرًا عليه السلام عبدٌ صالحٌ؟ قال: (بلى)، قال: فهذه بنو مليحٍ يعبدون الملائكة، وهذه النّصارى يعبدون عيسى عليه السلام، وهذه اليهود يعبدون عزيرًا عليه السلام، قال: فصاح أهل مكّة، فأنزل اللّه تعالى: ( ) [الأنبياء: ١٠١] الملائكة وعيسى وعزيرٌ عليهم السلام ( ) [الأنبياء: ١٠١]»108.

          فالحديث السابق يشير إلى منهج أهل الكفر والضلال والفساد القائم على المشاغبة والتشكيك؛ لعلهم يحققوا شيئًا مما يبتغون، لكنّ الأمر أبعد مما يتصورون؛ لأنّ الله عز وجل كاشف زيفهم، ومظهر خبثهم وفسادهم.

          الثاني: الجدال في متشابه القرآن الكريم لإثارة الفتنة، والتشكيك في القرآن الكريم.

          إنّ أهل الزيغ والضلال والجدال بالباطل يتعلقون بالآيات المتشابه في القرآن الكريم، ويعكفون على الخوض فيها؛ لتشكيك المؤمنين في كتابهم، ومعتقداتهم، وإثارة الفتنة بين المسلمين109، قال تعالى: ( ﮣﮤ ﮱﯓ ﯘﯙ ﯣﯤ ) [آل عمران: ٧].

          وقد ذمّ النبي صلى الله عليه وسلم هذه الطائفة من الناس، ففي الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم تلا قوله تعالى: ( ﮣﮤ...) الآية، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم الذين يتّبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمّى الله عز وجل، فاحذروهم)110.

          ويهدف أهل الزيغ والضلال من الجدال بالباطل بتتبع المتشابه من القرآن الكريم إلى تحقيق أمرين:

        1. فتنة المؤمنين في دينهم، وتشكيكهم في عقيدتهم، وإثارة الريب في قلوبهم.
        2. تأويل آيات القرآن الكريم تأويلًا باطلًا، يتفق مع أهوائهم وشهواتهم وغايتهم الخبيثة111.

          خامسًا: الجدال عن الخائنين:

          لقد نهى الإسلام عن المدافعة عن المنافقين ومرتكبي المعاصي المصرين عليها؛ سواء بدفع ما ثبت بحقه من الخيانة، أو بدفع ما يترتب على أفعالهم من العقوبات الشرعية112.

          قال تعالى: ( ﭟﭠ ) [النساء: ١٠٧].

          لقد وجّهت الآيات المؤمنين ألّا يقفوا من الخائنين وأصحاب التهم والجرائم موقف الدفاع؛ القائم على المجادلة عنهم والتماس المعاذير لهم؛ ابتغاء نفي العقوبة، أو التخفيف منها؛ لأنّ ذلك اعتداء على حق الله عز وجل، وتعطيلًا لحدوده113.

          «فمن الشرف للإسلام أن يعاقب أي إنسان ارتكب خطأ؛ لأنّه مادام قد انتسب للإسلام فعليه أن يصون هذا الانتساب»114.

          قال تعالى: ( ﯰﯱ ) [النساء: ١٠٥].

          ولذلك حرّم الإسلام الدفاع عمّن علم شره وفساده، وظهر فسقه ونفاقه115.

          وهنا تحذير في زماننا لمن امتهن المحاماة أن يتّقيَ الله عز وجل في اختيار قضاياه، وألّا يدافع عن شخص ظهر إجرامه وفساده، وأن يبحث عن المظلومين؛ ليرفع الظلم عنهم، ويرد إليهم حقوقهم.

          وليعلم أنّه إن نجحت المدافعة عن أهل النفاق والفساد في الدنيا؛ من تبرأتهم ودفع السوء عنهم، فإنّ ذلك لن يغيّر شيئًا من حقيقتهم الخبيثة، أو يخفف عنهم شيئًا من عذاب يوم القيامة.

          قال تعالى: ( ) [النساء: ١٠٩].

          وفي هذا المقام نقدم نصيحة لكل من يتولى مهنة القضاء أو المحاماة أن يحرص على دوام الاستغفار؛ خشية أن يكون قد برأ مجرمًا، أو جرّم بريئًا، لتوجيهه لنبيه صلى الله عليه وسلم والأمة من بعده إلى هذا الفعل.

          قال تعالى: ( ﯰﯱ ﭒﭓ )[النساء: ١٠٥-١٠٦]

          ونود التأكيد في هذه القضية على أنّ نهي القرآن الكريم عن المجادلة عن الخائنين لا يعني الوقوف ضدهم، وحرمانهم من حقوقهم، وتتبع أخطائهم؛ لإنزال العقوبات المختلفة بهم، فيجب على المسلم أن يكون عدلًا في مواقفه؛ بغض النظر عن حقيقة الأشخاص، سواء أكانوا من جماعته وحزبه، أو غير ذلك، بل لابد من الوقوف بجانب الحق، وتعرية الباطل وأهله، فضلًا عن الدفاع أو السكوت عنهم.

          قال تعالى: ( ﮯﮰ ﯘﯙ ﯝﯞ ﯠﯡ ) [المائدة: ٨].

          وإنّ المتأمل للآية القرآنية يستنبط أنّ الخيانة طبع متجذر فيهم، نتج عنها حالان قبيحان يمنعان من الدفاع عن أهل النفاق والفساد، وهما:

          الأول: الحياء من الناس، مع الحرص الشديد على التستر من الناس عند الوقوع في المنكرات، وعدم الحياء من الله عز وجل، وإغفال مراقبة الله عز وجل، مع أنّ الله عز وجل هو الأولى أن يستحى منه.

          قال تعالى: ( ) [النساء: ١٠٨].

          الثاني: إضمار الشر والتدبير لمخالفة شرع الله عز وجل قولًا وفعلًا، ثمّ العمل على إلصاق التهمة بغيرهم من المسلمين116.

          قال تعالى: ( ﭹﭺ ﭿ) [النساء: ١٠٨].

          سادسًا: الجدال عمّن استحق العذاب:

          إنّ الإنسان بطبعه يسعى لتحقيق المصلحة ودفع المفسدة عمّن تربطه بهم قرابة، أو مودة؛ لذلك فهو يسلك كل السبل ليتحصل على مراده؛ سواء كانت هذه المجادلة بقصد الإصلاح أو الإفساد، وسيتناول المطلب موقفين يشيران إلى ذلك؛ وهما كالتالي:

          الموقف الأول: نبي الله إبراهيم عليه السلام يجادل في قوم لوط.

          لقد أثبت القرآن الكريم أنّ نبي الله إبراهيم عليه السلام لما جاءته الملائكة تبشره بإسحاق عليه السلام، وتعلمه بأمر إهلاك قوم نبي الله لوط عليه السلام، أخذ يجادلهم في أمر نزول العقاب بهم، قال تعالى: ( ) [هود: ٧٤].

          فهنا نبي الله إبراهيم عليه السلام يجادل ليدفع العقاب عن قوم لوط عليه السلام.

          إنّ الجدال في أمر الله عز وجل بقصد ردّه وعدم الالتزام به من أعظم الذنوب والمعاصي؛ لأنها اعتداء على حكم الله عز وجل، وجرأة عليه، لكنّ مجادلة نبي الله إبراهيم عليه السلام لا تندرج تحت هذا المفهوم؛ إذ القصد منها سعي نبي الله إبراهيم عليه السلام إلى تأخير العقوبة عن قوم لوط وليس رفضًا لأمر الله عز وجل، لذلك نجد أنّ الله عز وجل قد امتدحه بعد مجادلته117 بقوله تعالى: ( ﭿ ) [هود: ٧٥].

          فإنّ نبي الله إبراهيم عليه السلام حليمٌ لا يستعجل العقوبة، صبورٌ على الأذى، أوّاه118 رقيق القلب لا يحتمل ألم الناس؛ لذلك طلب من الله عز وجل تأجيل العذاب المقرر على قوم لوط عليه السلام؛ لعلهم يؤمنون قبل أن يحل بهم العذاب العظيم الأليم؛ بسبب جهلهم وعنادهم119.

          الموقف الثاني: جدال نبي الله نوح عليه السلام في شأن ابنه.

          لقد توجّه نبي الله نوح عليه السلام إلى الله عز وجل طالبًا منه أن يغفر لولده في الآخرة، بعدما يأس من نجاته في الدنيا، توجّهٌ اقتضاه داعي شفقة الأبوة على الولد، تلك الأبوة المتقدة التي لا تنطفئ مهما صدر عن الأبناء من عقوق ومخالفة ؛ لعله ينفع ابنه في الآخرة، ويدفع عنه العذاب الأليم120.

          قال تعالى: ( ﯿ ﭖﭗ ﭛﭜ ﭣﭤ ﭷﭸ ﭿ ) [هود: ٤٥-٤٧].

          نادى نبي الله نوح عليه السلام ربّه سبحانه وتعالى: ربّ قد وعدتني بنجاتي وأهلي من الغرق، وإنّ ابني من أهلي، ووعدك حقٌّ لا خلف له، وأنت أحكم الحاكمين، فاحكم لي بوفاء الوعد ونجاة ابني وأهلي، لكنّ ابن نوح عليه السلام ليس من أهله؛ لأنّه على دين يخالف عقيدة التوحيد، فهو ليس ممن وعد الله عز وجل بنجاتهم ( ﭖﭗ )؛ لذلك نهى الله عز وجل نبيه نوح عليه السلام أن يسأله عن أسباب أفعاله التي غابت عنه وعن غيره من البشر ( ﭣﭤ )، وفي نهاية المحاورة يتوجّه نبي الله نوح عليه السلام إلى الله عز وجل بالإنابة والتوبة في أن يسأل فيما لا يدركه علمه، واستأثر الله عز وجل بعلمه ( )، وطلب من الله عز وجل المغفرة والرحمة والإنقاذ من غضبه وإلّا كان من الخاسرين121 ( ﭿ).

          إنّ هذا الموقف يرسخ حقيقة قرآنية تميّز طبيعة هذا الدّين، مفادها أنّ روابط الدّين أقوى وأثبت من روابط الدم والنسب، أو روابط الأرض والوطن، أو روابط اللون واللغة؛ لأنّ هذه الروابط في لحظة تنتهي بانتهاء المصالح المشتركة والمكاسب الدنيوية، فالقرآن الكريم يوجّه الأمة نحو التربية على هذا الأصل الكبير، والمعلم البارز في حياة الأمة، ألا وهو الرابط الذي يمثّل وحدة العقيدة والمنهج122.

          ونظير ذلك قوله تعالى في مخاطبة نبيه إبراهيم عليه السلام لما طلب لذريته الإمامة من بعده ( ﮪﮫ ﮰﮱ ﯕﯖ ) [البقرة: ١٢٤].

          سابعًا: الجدال في الحج:

          إنّ زيارة بيت الله الحرام، والتقرب بعبادة الحج لله عز وجل، تقتضي من الإنسان ألّا يقدم على أمر يدنس قصده، ويبطل عمله123.

          قال تعالى: ( ﭓﭔ ﭠﭡ ﭧﭨ ﭭﭮ ) [البقرة: ١٩٧].

          فمنع الإسلام الجدال في الحج؛ فأمر الحجيج بالابتعاد عن كل فعل أو قول يخالف آداب الإسلام، ويؤدي إلى التنازع والتخاصم بين المسلمين؛ لأنّ الجميع قد قصد مكة من أجل الطاعة والأجر، فالواجب عليهم التعاون على البر والتقوى، واجتناب الإثم والعدوان124.

          ولما كان القصد من الحج هو إظهار وحدة المسلمين؛ وحدة الكلمة والمنهج والغاية، وإظهار قوة الأخوة في الدّين، وصفاء الترابط بين الحجيج، أمر الله عز وجل باجتناب كل ما يخدش هذه الوحدة، ويعكر صفو هذا التآلف، وعلى رأس هذه المنهيات الجدال والمنازعة.

          بعد استعراض هذا المبحث يمكن الخروج بجملة من الاستنباطات من أهمها:

        1. الجدال المذموم أغلبه متعلق بأهل الكفر والضلال، وقد يقع من المسلمين.
        2. يسعى أهل الكفر والضلال لمحاربة الإسلام بشتى الوسائل والأساليب دون توقف أو فتور، لكنّها بلا فائدة. قال تعالى: ( ﭿﮀ ﮇﮈ ) [الأنفال: ٣٦].
        3. الخير كل الخير في الاستجابة لأمر الله عز وجل، وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ( ﯤﯥ ) [الأنفال: ٢٤].
        4. «الإنسان وبخاصة الكافر كثير الجدال والمجادلة؛ لطمس معالم الحق، والإبقاء على ما ارتضاه لنفسه من اتباع الأهواء، وتقليد الأسلاف والآباء، واحتضان الكفر، والاحتفاظ بالزعامة الدنيوية والمكاسب المادية»125.
        5. إنّ الطريق الوحيد لاستخلاص حقوقنا من اليهود هو الجهاد في سبيل الله عز وجل؛ لأنّ اليهود من طبعهم الخيانة والغدر والمماطلة والتسويف، فلا يحترمون عهدًا ولا ميثاقًا مع المسلمين؛ لاعتقادهم أنّ الله عز وجل قد أباح لهم أموال المسلمين ودماءهم، قال تعالى: ( ﮱﯓ ) [آل عمران: ٧٥].

        منافع الجدال ومضاره في القرآن

        1. خلق الله عز وجل الإنسان وجعل الجدل من طبيعته، قال تعالى: ( ) [الكهف: ٥٤].

          وهذا نابع من طبيعته الاجتماعية؛ القائمة على مخالطة الناس على اختلاف توجهاتهم وأفكارهم وميولهم المختلفة، قال تعالى: ( ﭗﭘ ) [هود: ١١٨].

          فكان من لوازم الاختلاف المعارضة والمجادلة، استعملها المؤمنون لنصرة الحق ودفع الباطل وأهله، واتخذها أهل الضلال والفساد سبيلًا للحرب على الإسلام وتشويهه والتشكيك فيه126.

          وسنتناول في هذا المبحث منافع الجدال ومضاره في القرآن الكريم، بناءً على هدف المتعاملين به.

          أولًا: منافع الجدال المحمود في القرآن الكريم:

          «إنّ الجدل والمناظرة ضرب من ضروب بيان الحق وتأييده، وقمع الباطل وتزهيقه، وقد استخدمه القرآن الكريم كثيرًا، وعلى أساليب شتى، في حالات متنوعة؛ من تنبيه لغافل، أو إرشاد لمسترشد، أو إفحام لمعاند متلدد»127.

          والمتأمل لآيات القرآن الكريم يستنبط منها جملة من منافع الجدال، نلخصها في النقاط الآتية:

          ١. وسيلة ناجعة في مواجهة أهل الكفر والضلال.

          إنّ أهل الفساد والضلال يسعون لمعارضة أهل الإيمان ودفع الحق بكل وسيلة وفي كل باب، فكان الواجب على المؤمنين التصدي لفسادهم، ورد شبهاتهم وطعونهم، وإتيانهم بالحق الصادق الذي يزهق باطلهم، على أقوى برهان، وأحسن بيان128، وفقًا لمنهج القرآن الكريم، قال تعالى: ( ﯷﯸ ﯼﯽ ﯿ ) [الفرقان: ٣٢-٣٣].

          وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى هذا المعنى فقال: «فالصحابة كانوا يعلمون ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وفيما جاء به بيان الحجة على بطلان كفر كل كافر، وبيان ذلك بقياس صحيح أحق وأحسن بيانًا من مقاييس أولئك الكفار، كما قال تعالى: ( ) [الفرقان: ٣٣].

          أخبر سبحانه أنّ الكفار لا يأتونه بقياس عقلي لباطلهم إلّا جاءه الله عز وجل بالحق، وجاءه من البيان والدليل وضرب المثل بما هو أحسن تفسيرًا وكشفًا وإيضاحًا للحق من قياسهم»129.

          ٢. إقامة الحجة على الناس.

          لقد اقتضت حكمة الله عز وجل وتدبيره ألّا يعذّب قومًا إلّا بعد أن يبيّن لهم الحق من الضلال، قال تعالى: ( ﯚﯛ ﯠﯡ ﯦﯧ ) [الإسراء: ١٥].

          ومن مهمّة الرسل عليهم السلام إيضاح أوامر الله عز وجل ونواهيه للناس؛ ومن أهم وسائل الأنبياء عليهم السلام في إقامة الحجة على الناس الجدال، قال تعالى: ( ﭺﭻ ﭿ ﮂﮃ ) [الكهف: ٥٦].

          حتى لا يبقى لمعتذر عذر؛ فالجزاء لا يقع إلاّ على من بلغته الدعوة على الوجه الصحيح، قال تعالى: ( ﭿ ﮈﮉ ) [النساء: ١٦٥].

          وحتى لا يدعي أهل الكفر والإجرام أنّهم ما خالفوا أمر الله عز وجل إلّا لجهلهم130، قال تعالى: ( ﯿ ) [طه: ١٣٤].

          ٣. يكسب المؤمن قوة الحجة وسلطة العلم في مواجهة أهل الباطل.

          عدّ الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله سلطة علم الحجّة على الناس في مقام السلطة القاهرة بل أعظم، مشيرًا إلى قوله تعالى: ( ﮰﮱ ﯓﯔ ﯖﯗ ﯞﯟ ﯤﯥ ) [يونس: ٦٨].

          فيقول: «والمقصود أنّ الله سبحانه سمى علم الحجة سلطانًا؛ لأنّها توجب تسلط صاحبها واقتداره، فله بها سلطان على الجاهلين، بل سلطان العلم أعظم من سلطان اليد؛ ولهذا ينقاد الناس للحجة مالا ينقادون لليد؛ فإن الحجة تنقاد لها القلوب، وأما اليد فإنّما ينقاد لها البدن، فالحجة تأسر القلب وتقوده وتذل المخالف، وإن أظهر العناد والمكابرة فقلبه خاضع لها ذليل مقهور تحت سلطانها، بل سلطان الجاه إن لم يكن معه علم يساس به، فهو بمنزلة سلطان السباع والأسود ونحوها، قدرة بلا علم ولا رحمة، بخلاف سلطان الحجة فإنّه قدرة بعلم ورحمة وحكمة، ومن لم يكن له اقتدار في علمه فهو إما لضعف حجته وسلطانه، وإما لقهر سلطان اليد والسيف له، وإلّا فالحجة ناصرة نفسها، ظاهرة على الباطل، قاهرة له»131.

          ٤. تحقيق مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

          إنّ من أهم مقتضيات الإيمان، وواجبات المؤمن الحق، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى: ( ) [آل عمران: ١١٠].

          بل إنّ تحقيق صفة الخيرية للأمة، وبناء أركانها على الخير والفضيلة، منوط بإقامة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بين الناس؛ لأنهما السياج الحامي للدّين132، وميزان النقاء والصفاء للمجتمع من الرذيلة والفساد.

          إنّ تحقيق فضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مقرونة بالدعوة إلى الله عز وجل القائمة على الحكمة والجدال بالتي هي أحسن، قال تعالى: ( ﮬﮭ ) [النحل: ١٢٥].

          ٥. علو مكانة من أحاط بالحجة والدليل؛ لنصرة الإسلام وأهله.

          «قد أثنى الله عز وجل في كتابه العزيز على إبراهيم عليه السلام؛ لأخذه بمجامع الحجة، ولقطعه للكافرين الضالين، بل وأضاف الله عز وجل الحجة التي آتاها إبراهيم عليه السلام لنفسه؛ تعظيمًا لشأنها، وحثًّا على تحصيلها»133.

          قال تعالى: ( ﭢﭣ ﭧﭨ ) [الأنعام: ٨٣].

          «لقد أعطى الله عز وجل إبراهيم عليه السلام الحجة على قومه، أي كانت له عليهم درجات وسمو وارتفاع؛ لأنّ إقامة الحجة على الغير انتصار، والانتصار رفع لدرجة موضوعك، ورفع أيضًا لموضوع عملك»134.

          إنّ ما يحوزه الإنسان من علم نظري فضيلة ومنقبة، وأن يؤتى الحكمة العلمية والعملية درجة أكبر، وأن يرزق فصل الخطاب وقوة المعارضة والحكم بالحق في محاجة أهل الباطل درجة أكبر وأعظم؛ وهذا التفاوت بفضل الله عز وجل؛ فكل شيء بيده، والأمر مرده إليه135.

          ٦. التعاون على إظهار الحق، والوصول إلى الصواب.

          يحرص أطراف الجدال على بيان أنّ غايتهم من الجدال إظهار الحق، والتزام الصواب، مؤكدين زعمهم بالأدلة والبراهين؛ فإن خلصت النيات في هذا المقام، وصدق الزعم؛ تعاون الجميع للوصول إليه، وإقامة الأدلة عليه، لا يضرهم على لسان أيّهم ظهر، ملتزمين بتوجيهات القرآن الكريم للمؤمنين بالتعاون والسماحة في دعوة الناس لعبادة الله عز وجل وحده.

          قال تعالى: ( ﭿ ﮂﮃ ) [آل عمران: ٦٤].

          ٧. تثبيت أهل الإيمان والإسلام.

          يقصد أهل الإيمان من جدالهم بيان الحق لأهل الضلال، والسعي إلى استجابتهم، فإذا لم تتحقق الاستجابة، تحقق من الجدال تثبيت قلوب المؤمنين واطمئنانهم على صحة منهجهم، وصدق توجههم؛ من خلال ما يقدّمه أهل الإيمان في المناظرة والجدال من الحجج والبراهين الدالة على علو منهج الإسلام وصدقه، وضعف حجج أهل الباطل ووهنها136.

          قال تعالى: ( ﮏﮐ ) [المدثر: ٣١].

          إنّ أعداء الإسلام يبذلون كل الجهود، ويسلكون كافة الطرق، ويتبعون جميع الوسائل؛ للصد عن سبيل الله عز وجل، وردّ المؤمنين عن دينهم.

          قال تعالى: ( ) [البقرة: ١٠٩].

          ولذلك فإنّ من واجب علماء المسلمين اليوم تثبيت عامة المسلمين، الذين يسعى الكفار لصرفهم عن منهج الإسلام وعقيدته؛ من خلال دحض حجج أعداء الإسلام، والغلبة عليهم في ميدان الجدال والمناظرة137.

          إنّ الزيادة في الإيمان زيادة في كمّ الإيمان وليس في كيفيته؛ لأنّ حقيقة الإيمان تقوم على التصديق والجزم، وذلك لا يقبل الزيادة ولا النقصان138، وهذا نظير موقف نبي الله إبراهيم عليه السلام لما سأل الله عز وجل أن يريه كيفية إحياء الموتى، قال تعالى: ( ﭘﭙ ﭜﭝ ) [البقرة: ٢٦٠].

          ٨. رد شبهات أعداء الإسلام، وإزهاق باطلهم.

          يسعى أعداء الإسلام لإثارة الشكوك حول حقائق الإسلام ومبادئه؛ من خلال الطعن في القرآن الكريم وأحكامه وأخلاقه وطريقة إنزاله؛ بهدف صد المسلمين عن دينهم، وقد ذكر القرآن الكريم جملة من شبههم وردّ عليها بأفصح عبارة، وأبلغ بيان، ومن شبههم اعتراضهم على نزول القرآن الكريم مفرقًا139.

          قال تعالى: ( ﯷﯸ ﯼﯽ ﯿ ) [الفرقان: ٣٢].

          وليعلم أهل الشبهات والضلالات «أنّ الحق إذا جحد وعورض بالشبهات، أقام الله عز وجل له مما يحق به الحق، ويبطل به الباطل من الآيات البينات؛ بما يظهره من أدلة الحق وبراهينه الواضحة، وفساد ما عارضه من الحجج الداحضة»140.

          قال تعالى: ( ﭿﮀ ﮇﮈ ) [الأنفال: ٣٦].

          وفي مقام ردّ شبهات الخصوم المعادين للإسلام وأهله، ينبغي لمن يتولى الرّد عليهم، ويتصدى لبيان زيف باطلهم وكذب ادعائهم، أن يكون من الراسخين في العلم، أهل الحجة والبيان، وروّاد التعامل مع أهل الشبهات والشهوات؛ حتى لا يتمكن أهل الزيغ والضلال منهم، وتتقرر شبههم في قلوب عامة المسلمين مع ضعف حجة من يتصدى لهم من غير أهل الاختصاص141.

          ٩. دعوة الناس لاتباع الحق والتزامه.

          إنّ الهدف الرئيس والأسمى والأجل من مشروعية المجادلة هو دعوة الناس للإسلام، والالتزام به، وتطبيق أحكامه، والعمل على بيانه للناس، وتيسير فهمه عليهم، وإزالة اللبس والغموض الحاصل عند الناس في فهم آياته.

          وقد عدّ الإمام الفخر الرازي رحمه الله أنّ اعتبار الجدال المحمود يكون في تقريره الحق، ودعوة الناس إلى الإسلام، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، والدفاع عن الدّين وأهله142.

          قال تعالى: ( ﮞﮟ ﮦﮧ ﯚﯛ ) [إبراهيم: ٤-٥].

          ثانيًا: مضار الجدال المذموم في القرآن الكريم:

          إنّ المتأمل في آيات القرآن الكريم يستطيع الخروج بجملة من مضار الجدال ومساوئه، نلخصها في النقاط التالية:

          ١. الحرمان من العلم والفهم.

          إنّ أهل الجدال بالباطل يحرمون من نعمة الفهم الصحيح للعلم؛ حيث جعل الله عز وجل ثقلًا يمنعهم من سماع الحق والانقياد إليه، والانتفاع بآياته وفقهها؛ لأنّهم ذكّروا بها فأعرضوا عنها، فكان الجزاء من جنس العمل143.

          قال تعالى: ( ﮕﮖ ﮠﮡ ) [الكهف: ٥٧].

          وقد وردت هذه الآية بعد الآية التي ذكرت جدال أهل الكفر رسلهم؛ لردّ الحق، وتقرير الباطل.

          قال تعالى: ( ﭺﭻ ﭿ ﮂﮃ ) [الكهف: ٥٦].

          وفي ذلك إشارة أنّ سبب الحرمان من العلم، وجعل الأكنة على القلوب، هو جدالهم رسلهم بالباطل.

          وهنا قد تعرض عند البعض شبهة تقول: إذا كانت هذه الفئة قد منعوا السمع والبصر والفقه؛ لأنّ الله عز وجل جعل على قلوبهم أكنة، وعلى سمعهم وقرًا، وعلى أبصارهم غشاوة، فما وجه تعذيبهم مع حدوث الصرفة لهم؟ الجواب: أنّ الله عز وجل بيّن في غير موضع من القرآن الكريم، أنّ حصول تلك الموانع كالختم والطبع والغشاوة والأكنة، كانت جزاءً متناسبًا لمبادرتهم بالكفر، وتكذيب الرسل عليهم السلام بإرادتهم، فكان الجزاء من جنس العمل؛ فمقابل كفرهم وعنادهم كان جزاؤهم الطبع والختم والغشاوة ونحوها144.

          قال تعالى: ( ﭝﭞ ) [النساء: ١٥٥].

          وقال تعالى: ( ﯧﯨ ﯭﯮ ) [الصف: ٥].

          ٢. عدم الاستفادة من النصح.

          إنّ أصحاب المناهج الفاسدة لا يقصدون من جدالهم الوصول إلى الحق، وإنّما يحرصون على المشاغبة والمعارضة؛ رفضًا للحق، وإصرارًا منهم على الجحود والعناد؛ فإنّ نتيجة ذلك عدم حصول الفائدة لهم بالنّصح والإرشاد، بل الزيادة في الرفض والإنكار، والابتعاد عن منهج أهل الحق والإيمان.

          قال تعالى: ( ) [هود: ٣٢-٣٤].

          وهذا نابع من عدم فهمهم لطبيعة الدعوة إلى الله عز وجل، ومهمة دعاة الحق والخير؛ لذلك نجدهم يطلبون من الدعاة إلى الله عز وجل أشياء تدل على قصور إدراكهم، وضحالة أفكارهم، متغافلين أنّ مهمة هؤلاء الدعاة هو هداية الناس إلى طريق الحق، وإرشادهم إلى ما فيه سعادة الدنيا والآخرة، فقد حكى القرآن الكريم لنا مشهد مطالبة قوم نبي الله نوح عليه السلام منه طرد المؤمنين؛ ليستجيبوا لدعوته.

          قال تعالى: ( ﭕﭖ ﭛﭜ ﭡﭢ ﭱﭲ ) [هود: ٢٩-٣٠].

          ٣. العمل على ردّ الحق، وتزييف الحقائق.

          يسعى أهل الزيغ والضلال، والجحود والإنكار من وراء جدالهم إلى ردّ الحق، وتزييف الحقائق؛ لإعلاء كلمة الباطل وأهله، وتحقيق المصالح الدنيوية الفانية.

          قال تعالى: ( ﭺﭻ ﭿ ﮂﮃ ) [الكهف: ٥٦].

          طرق ردّ الحق، وإضلال الخلق:

        1. إخفاء أدلة الحق، ومظاهر الحقيقة، عن الناس الذين لم تصلهم دعوة الحق والخير، والعمل على منع الناس من الوصول إليها؛ ليستمر الباطل، ويسود أهل الفساد145.

          قال تعالى: ( ﯸﯹ ﯿ ﰋﰌ ) [الأنعام: ٢٥-٢٦].

          وقد أشار القرآن الكريم إلى الطريقين السابقين في قوله تعالى: ( ) [البقرة: ٤٢].

          ونظيره قوله تعالى: ( ) [المؤمنون: ٣٣-٣٨].

        2. تشويش الدلائل، وتشويه الأدلة والبراهين الصادقة، التي أوصلها دعاة الحق للناس؛ بسبب إلقاء الشبهات الصارفة للناس من اتباع الحق، أو السخرية من أهل الحق، والاستهزاء بهم.

          ومنهج التشويش منهج قديم استخدمه مشركو مكة ضد النبي صلى الله عليه وسلم.

          قال تعالى: ( ) [فصلت: ٢٦].

        3. تزيين الباطل.

          حيث يسعى أهل الزيغ والفساد إلى عرض فسادهم بصورة جميلة؛ ليقبل به الدهماء من الناس، ويصفق له أهل الغوغاء؛ استخفافًا بعقولهم، واستعبادًا لأبدانهم، فقد قصّ علينا القرآن الكريم مشهد عرض فرعون باطله على قومه، وتزيينه لباطله.

          قال تعالى: ( ﭿ ﮂﮃ ﮡﮢ ) [الزخرف: ٥١-٥٤].

          ونظيره الحديث الصحيح عن أمّ سلمة رضي الله عنها أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: (إنّكم تختصمون إليّ ولعلّ بعضكم ألحن بحجّته من بعضٍ، فمن قضيت له بحقّ أخيه شيئًا بقوله فإنّما أقطع له قطعةً من النّار فلا يأخذها)146.

        4. رد الأدلة الصحيحة.

          قال تعالى: ( ﯪﯫ ) [الروم: ٥٨].

          ٤. خداع أهل الحق، واستمالة قلوبهم؛ لإسقاطهم في شراك أهل الزيغ والفساد.

          يتخذ أهل الضلال والفساد من المجادلة سبيلًا للوصول إلى قلوب بعض المسلمين؛ لاستمالتهم إلى منهجهم الفاسد، واستعمالهم كأداة للطعن في الإسلام وأهله، مستخدمين في ذلك شعارات عامة، يتغنى بها الدّاعون من بني جلدة المسلمين إلى التقارب مع المخالفين في الدّين من النصارى واليهود؛ وهذه الشعارات من قبيل: سماحة الإسلام، لا إكراه في الدّين، العدل والإنصاف، إلى غير ذلك من الشعارات التي يعتنى بظاهرها، دون إدراك جوهرها ومضمونها.

          إنّ القرآن الكريم حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من التجاوب مع أهل الباطل، ومع اقتراحاتهم للتقارب، فقال تعالى: ( ﯫﯬ ﯶﯷ ) [المائدة: ٤٩].

          كما بيّن القرآن الكريم حرص أهل الكفر على التقارب المفضي إلى التنازل عن مبادئ الإسلام، قال تعالى: ( ) [القلم: ٩].

          كما أشار القرآن الكريم إلى مكر أهل الكفر والضلال من سعيهم وراء المجادلة الناعمة؛ وكشف عن هدفهم الخبيث من الوصول إلى إخراج المسلمين من الإسلام.

          قال تعالى: ( ) [آل عمران: ٧٢].

          إنّ الآية السابقة تظهر مكر وخديعة أهل الكفر؛ فرسموا لهم تلك الحيلة الرخيصة؛ ليسقطوا أهل الحق في باب خلط الحق بالباطل؛ وذلك أنّ المؤمنين من العرب كانوا أميين، وكانوا يعلمون أنّ أهل الكتاب على علم بمناهج السماء، فاستغل أهل الكفر والضلال هذه المعطيات لخداع المؤمنين147.

          «إنّ سماحة الإسلام مع أهل الكتاب شيء، واتخاذهم أولياء شيء آخر، ولكنهما يختلطان على بعض المسلمين، الذين لم تتضح في نفوسهم الرؤية الكاملة لحقيقة هذا الدين ووظيفته، بوصفه حركة منهجية واقعية، تتجه إلى إنشاء واقع في الأرض، وفق التصور الإسلامي الذي يختلف في طبيعته عن سائر التصورات التي تعرفها البشرية،...وهؤلاء الذين تختلط عليهم تلك الحقيقة ينقصهم الحس النقي بحقيقة العقيدة، كما ينقصهم الوعي الذكي لطبيعة المعركة، وطبيعة موقف أهل الكتاب فيها، ويغفلون عن التوجيهات القرآنية الواضحة الصريحة فيها، فيخلطون بين دعوة الإسلام إلى السماحة في معاملة أهل الكتاب والبر بهم في المجتمع المسلم الذي يعيشون فيه مكفولي الحقوق، وبين الولاء الذي لا يكون إلّا لله عز وجل، ورسوله صلى الله عليه وسلم، وللجماعة المسلمة»148.

          يهدف أهل الكفر من أهل الكتاب من مجادلة الذين آمنوا، إلى تنصير المسلمين، وطمس حضارتهم، واستعمارهم؛ بما يضمن لهم استغلال ثروات المسلمين، وقيادتهم بما يحقق مصالح الكفار، وإضعاف شوكة المسلمين149.

          قال تعالى: ( ﮢﮣ ﮩﮪ ) [البقرة: ١٠٩].

          ٥. الإعجاب بالنفس واحتقار الآخرين؛ بإظهار مزية النفس في العلم والفضل، وذم نقص المخالفين.

          يهدف بعض المجادلين إلى إبراز مكانته العلمية، وقدرته على الإحاطة بقضية الجدال من جميع جوانبها، دون الالتفات إلى الحق، أو السعي لتقريره؛ فسعيه متوجه نحو إظهار مزية النفس، والعمل لا تحقير الآخرين.

          ولقد حذرنا القرآن الكريم من ذلك، فقال تعالى: ( ﯗﯘ ﯛﯜ ) [النجم: ٣٢].

          إنّ المتأمل في آيات القرآن الكريم ليجد مشاهد عدة على إعجاب المجادلين من أهل الكفر والضلال بأنفسهم، التي تدفعهم إلى رفض الحق، والتمسك بالباطل، ومن هذه المشاهد:

          الأول: فرعون يتعالى بنفسه عند جداله لنبي الله موسى عليه السلام؛ حيث اتجه فرعون إلى تصغير شأن نبي الله موسى عليه السلام بأحوال ليست مؤثرة، مظهرًا في الوقت نفسه مكانته150.

          قال تعالى: ( ) [الزخرف: ٥٢].

          الثاني: تبرير أهل مكة رفضهم الاستجابة لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنّه يتيم، وليست له المكانة التي تؤهله لهذه المكانة، فقالوا تصغيرًا لشأن النبي صلى الله عليه وسلم، واستعظامًا أن يكرمه الله عز وجل بالوحي والرسالة، هلّا نزل القرآن على رجل عظيم من قريش151.

          قال تعالى: ( ﯜﯝ ﯤﯥ ) [الزخرف: ٣٠-٣٢].

          الثالث: مشهد المجادلة بالسيف والسنان؛ فنجد أنّ صناديد قريش بعد إفلات عير أبي سفيان رضي الله عنه -وذلك قبل إسلامه-رفضوا العودة إلى مكة والاحتفال بنجاة أموالهم، بل أرادوا أكثر من ذلك؛ أرادوا الخروج بمظاهرة لنصرة الضلال والانحلال، والمفاخرة والتكبر؛ ليثبتوا للناس جميعًا أنّهم أهل السيادة والمكانة، وأنّ غيرهم أهل الذلة والمهانة152.

          قال تعالى: ( ﭭﭮ ﭿ ) [الأنفال: ٤٧-٤٨].

          الرابع: مشهد المجادلة بالمال والاستعلاء به؛ فيتوجه جملة من أهل الفساد والضلال إلى القول بصحة أفكارهم ومبادئهم؛ لأجل ما جمعوه من المال، وأنّ ما حازوه من الفضل دليل على أنّهم الأفضل عند الله عز وجل153.

          فهذا صاحب الجنتين يزعم أنّه ملك خير الدنيا، وسيملك أفضل منه في الآخرة: ( ﯿ ) [الكهف: ٣٤-٣٦].

          كما قصّ علينا القرآن الكريم مشهد قارون وجداله مع قومه.

          قال تعالى: ( ﮮﮯ ﯠﯡ ﯭﯮ ﯳﯴ ﯹﯺ ﯿﰀ ﭖﭗ ﭨﭩ ) [القصص: ٧٦-٧٨].

          كما أشارت الآيات القرآنية إلى أنّ هذا المنهج مترسخ في عقول أهل الفساد وقلوبهم.

          قال تعالى: ( ) [سبأ: ٣٤-٣٥].

          ثالثًا: الصفات الشخصية الذاتية للمجادل بالباطل:

          إنّ المتدبر لآيات القرآن الكريم ليستخلص صفات أهل الجدال بالباطل، ويمكن حصرها في النقاط التالية:

        1. قسوة القلب.

          قال تعالى: ( ) [الأنعام: ٤٣].

        2. عمى القلب والبصيرة.

          قال تعالى: ( ﯣﯤ ) [العنكبوت: ٣٨].

        3. الترف في الحياة الدنيا.

          قال تعالى: ( ) [المؤمنون: ٣٣].

        4. الكبر.

          قال تعالى: ( ﮕﮖ ﮨﮩ ) [النحل: ٢٢-٢٣].

          موضوعات ذات صلة:

          الإعراض، الإنصاف، الحوار، الدعوة، النصيحة


1 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ١/ ٣٨٧-٣٨٨، المحكم والمحيط الأعظم، ابن سيده ٧/٣٢٢-٣٢٦، لسان العرب، ابن منظور ١١/ ١٠٣، تاج العروس، الزبيدي ٢٨/ ١٩٣-١٩٧، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ١/ ١١١.

2 انظر: التعريفات، الجرجاني، ص٧٨ ، التوقيف، المناوي ص ٢٣٣.

3 التوقيف، المناوي ص ٢٣٤.

4 انظر: المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ١/ ١١، التعريفات، للشريف الجرجاني، ص٧٨.

5 تفسير غريب ما في الصحيحين، الأزدي ص ٥٣.

6 الكافية في الجدل، الجويني، ص٢١.

7 انظر: المعجم المفهرس، محمد فؤاد عبدالباقي ص ١٦٥.

8 انظر: الوجوه والنظائر، مقاتل بن سليمان ص ١٣٨، الوجوه والنظائر، الدامغاني ص ١٥٨-١٥٩.

9 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/ ٢٩-٣٠، لسان العرب، ابن منظور ٢/ ٢٢٦، تاج العروس، الزبيدي ٥/ ٤٥٩-٤٦٤.

10 انظر: المحاجة طرق قياسها وأساليب تنميتها، طريف شوقي ص ٣، الجدل في القرآن الكريم، يوسف العساكر ص ٣٠.

11 انظر: المحاجة طرق قياسها وأساليب تنميتها، طريف شوقي، ص٣، الحوار في القرآن الكريم، محمد حسين فضل الله ص ٣٢.

12 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/٤٤٤، لسان العرب، ابن منظور ٥/ ٢١٥، تاج العروس، الزبيدي ١٤/ ٢٤٥، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ٢/ ٩٣٢.

13 انظر: التعريفات، الجرجاني ص ٢٥٠، آداب البحث والمناظرة، محمد الأمين الشنقيطي ص ٤.

14 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/٣١٤، لسان العرب، ابن منظور ١٥/ ٢٧٥-٢٧٨، تاج العروس، الزبيدي ٣٩/ ٥٢٢-٥٢٨.

15 انظر: الفائق في غريب الحديث والأثر، الزمخشري، ٢/٢٣٢، إحياء علوم الدين، الغزالي ٣/١١٥، التعريفات، الجرجاني، ص٢٢١.

16 انظر: المصباح المنير، الفيومي ٢/ ٥٧٠، الفروق اللغوية، العسكري، ص١٥٩.

17 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/٣٣٢، لسان العرب، ابن منظور ٨/ ٣٤٩-٣٥١.

18 انظر: التفسير الوسيط، محمد سيد طنطاوي ٦/ ١١٣.

19 القصّارون: الذين يغسلون الثياب، فيبيضونها، وينقونها من النجاسات والقاذورات.

انظر: المحكم والمحيط الأعظم، ابن سيده ٣/ ٥٠٣.

20 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/ ٩٢، لسان العرب، ابن منظور ٤/ ٢١٧-٢٢١.

21 انظر: فنون الحوار والإقناع، محمد ديماس، ص١١، معالم في منهج الدعوة، صالح بن حميد، ص٢١٢.

22 الحوار في القرآن الكريم، محمد حسين فضل الله، ص٣٢.

23 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ٧/١٥٤-١٥٥، مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/ ١٥٠، لسان العرب، ابن منظور ١٢/١٨٠-١٨١.

24 انظر: فن الحوار، فيصل الحاشدي، ص٢٠.

25 انظر: أنواع الجدل وأهمية التمسك بالسنة، موقع إسلام ويب، مركز الفتوى، رقم الفتوى/١١٣٤٦٤.

26 انظر: مقال المحاجّة، عويض العطوي، في موقعه الشخصي.

27 انظر: حاشية القونوي على أنوار التنزيل، البيضاوي، ٥/٤٠٤-٤٠٩.

28 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٧/٩٥.

29 روح المعاني، الألوسي ١٢/ ٤٠٨.

30 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/ ١٨٧٣.

31 انظر: التفسير القرآني للقرآن، عبدالكريم الخطيب ٦/١١٢٩-١١٣٢.

32 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/ ١٨٧٣.

33 انظر: المنار، محمد رشيد رضا ١٢/ ٥٥.

34 انظر: جامع البيان، الطبري ١٥/ ٣٦١.

35 انظر: تفسير المراغي ١٢/٤٩-٥٠.

36 انظر: آداب المناظرة، عمرو سليم، ص١٥-١٦، في موقع الألوكة.

37 انظر: كتاب الجدل على طريقة الفقهاء، ابن عقيل الحنبلي، ص٢.

38 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ١٠/ ٢٤١-٢٤٣.

39 انظر: رؤيةٌ شرعيةٌ في الجدال والحوار مع أهل الكتاب، الصمداني، ص٤.

40 الجواب الصحيح، ابن تيمية ١/٢١٨-٢١٩.

41 أخرجه أحمد في مسنده، ١٩/٢٧٢، رقم ١٢٢٤٦، وأبو داود في سننه، كتاب الجهاد، باب كراهية ترك الغزو، ٢/٣١٨، رقم ٢٥٠٦.

وصححه الألباني صحيح أبي داود (الأم) ٧/٢٦٥، رقم ٢٢٦٢.

42 النبوات، ابن تيمية ، ص٦٢١.

43 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ٢١/ ١١.

44 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ١١/ ٤٥، أيسر التفاسير، أسعد حومد، ص٩٨٥.

45 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢١/ ٦.

46 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢١/ ٦، أيسر التفاسير، أسعد حومد، ص٩٨٥.

47 الحوار بين الأديان حقيقته وأنواعه، عبدالرحيم السلمي، ص٨.

48 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣/٢٦٥.

49 انظر: تفسير الشعراوي ٣/١٥٢٠، التفسير الوسيط، طنطاوي ٢/ ١٢٩.

50 دعوة التقريب بين الأديان، أحمد القاضي، ص١٥٧٦.

51 انظر: المنار، محمد رشيد رضا ٣/ ٢٦٨.

52 دعوة التقريب بين الأديان، أحمد القاضي، ص١٥٧٠.

53 جامع البيان، الطبري ٢/٥١٠.

54 انظر: التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ٧/ ٣٨٣.

55 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/ ٢١٩٧.

56 انظر: الفواتح الإلهية، نعمة الله النخجواني ٢/٣٩٧.

57 انظر: نظم الدرر، البقاعي ٦/٥٧٠.

58 انظر: تفسير الشعراوي ٦/ ٣٥٦١.

59 انظر: التفسير الوسيط، سيد طنطاوي ٥/ ٦٢.

60 انظر: منهجية الحوار الجدلي في القرآن الكريم والسنة النبوية، أحمد الطعان، ص٢.

61 انظر: آداب المناظرة، عمرو سليم، ص١٠.

62 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٤٥٢.

63 أخرجه أحمد في مسنده، ٣٦/٥٤٥، رقم ٢٢٢١١.

وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، ١/٧١٢، رقم ٣٧٠.

64 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٤٥٢.

65 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ٨/ ٢٦٢.

66 انظر: تفسير الشعراوي ١٣/٨٢٨٦.

67 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/ ٦١٣.

68 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ٨/ ٢٦٢.

69 انظر: تفسير الشعراوي ١٤/ ٩٠٧٩.

70 انظر: آداب المناظرة، لعمرو سليم، ص٣١.

71 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٣/ ٢١٩.

72 أخرجه أحمد في مسنده، ٤٠/٢٢٨، رقم ٢٤١٩٥.

وصححه الألباني في إرواء الغليل ٧/١٧٥.

73 انظر: التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ٣/ ١٠٧٣-١٠٧٦.

74 انظر: أنواع الجدل المذموم، أبو حزم فيصل بن المبارك مقال، موقع الشبكة الفقهية الملتقى الفقهي.

75 انظر: أنواع الجدل وأهمية التمسك بالسنة ونبذ التعصب للرجال، موقع إسلام ويب، مركز الفتوى، رقم الفتوى ١١٣٤٦٤، أنواع الجدل المذموم، أبو حزم فيصل بن المبارك، موقع الشبكة الفقهية الملتقى الفقهي.

76 انظر: تفسير الشعراوي ١٦/ ٩٦٩٤، التفسير الوسيط، طنطاوي ٩/ ٢٧٥.

77 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٤/ ٢٨٠.

78 انظر: التفسير الوسيط، سيد طنطاوي ٥/٣٠٧.

79 انظر: تفسير الشعراوي ١/ ٣٨٩.

80 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٦٦٥.

81 بدعة تقسيم الدين إلى قشر ولباب، محمد إسماعيل المقدم، ص٥٩.

82 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/ ٣٠٦٩، أيسر التفاسير، أسعد حومد، ص١١٥٨.

83 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص١٦٢، تيسير التفسير، إبراهيم القطان ٣/ ١٨١.

84 انظر: الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ١٠/ ٦٤٤٩-٦٤٥٠.

85 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ١٢/ ٣١١.

86 الكشاف، الزمخشري ٤/ ١٥٤.

87 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٤/ ٨٢.

88 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٧/ ١٩٧.

89 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/ ٣٦٩.

90 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/ ١٤٧٩-١٤٨٠.

91 جامع البيان، الطبري ٢/ ١٨٣-١٨٤.

وانظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٢٩٤.

92 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ١/ ١٦٤.

93 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ١/ ١٦٤.

94 انظر: جامع البيان، الطبري ٢/ ١٨٢.

95 انظر: تفسير الشعراوي ١/ ٣٩٤-٣٩٥.

96 انظر: الكشاف، الزمخشري ١/ ١٨٠.

97 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ٥/ ١٦٦، تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٢٧١.

98 انظر: تفسير الشعراوي ١٣/ ٨٢٨٦، تفسير المنتخب، لجنة من علماء الأزهر، ص٢٢٧.

99 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/ ٤٠٠-٤٠١، مفاتيح الغيب، الرازي ١٣/ ١٣٩.

100 أخرجه الضياء المقدسي في المختارة، ١٠/٢٥٦، رقم ٢٦٩.

قال المحقق عن الحديث: «رجاله موثوقون لكنّه معلول، فيه عمران بن عيينة... صدوق له أوهام، وعطاء بن السائب: صدوق اختلط، وعمران بن عيينة لم يذكره الأئمة فيمن روى عن عطاء بن السائب قبل الاختلاط».

101 انظر: جامع البيان، الطبري ١٢/ ٨٢-٨٣.

102 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/ ٣٢٨.

103 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٨/ ١٠٥-١١٠.

104 انظر: تفسير الشعراوي ١٤/ ٨٩٤٢، التفسير الواضح، محمد حجازي ٣/ ٢٩١.

105 انظر: جامع البيان، الطبري ١٨/ ٥٠.

106 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٥/ ٣٥٣، في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/ ٢٢٧٥-٢٢٧٦، أيسر التفاسير، أسعد حومد، ص٧١٥.

107 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/ ٣١٩٦-٣١٩٧.

108 أخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار، رقم ٨٩٦، ٣/١٦.

قال المحقق: «إسناده حسن».

وانظر: أسباب النزول، الواحدي، ص٣٠٥.

109 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ٢/ ٣٠.

110 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن الكريم، تفسير سورة آل عمران، باب (منه آياتٌ محكماتٌ) رقم ٤٥٤٧، ٦/٣٣، ومسلم في صحيحه، كتاب العلم، باب النهي عن اتباع متشابه القرآن الكريم والتحذير من متبعيه والنهي عن الاختلاف في القرآن الكريم رقم ٢٦٦٥، ٣/١٠٥٠.

111 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ٢/ ٣٠.

112 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٢٠٠.

113 انظر: التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ٣: ٨٩١.

114 تفسير الشعراوي، ٥/ ٢٦٠٧.

115 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٥/٣٧٧.

116 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ٣/ ٣٠٠.

117 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٨/ ٣٧٧.

118 الأوّاه: كثير التأوّه، وهو من قولهم أوه، وهو ناتج عن شدة الخشية من الله عز وجل، أو عن كثرة عناية الشخص بأحوال الناس وهمومهم، والتألم لآلامهم.

انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٢/ ١٢٣، التفسير الوسيط، سيد طنطاوي ٧/ ٢٤٣.

119 انظر: تفسير الشعراوي ١١/ ٦٥٧٠.

120 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٢/ ٨٣، التفسير القرآني للقرآن، الخطيب ٦/١١٤٦.

121 انظر: جامع البيان ١٥/ ٣٣٩-٣٥٢.

122 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/ ٢٢٦.

123 روح المعاني، الألوسي ٢/ ٨٦.

124 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ١/ ٤٢٨.

125 التفسير المنير، الزحيلي ١٥/ ٢٨٤.

126 انظر: أصول الجدل والمناظرة في الكتاب والسنّة، حمد العثمان، ص٥.

127 منهج الجدل والمناظرة في تقرير مسائل الاعتقاد، عثمان علي حسن ١/ ٨.

128 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٥٨٢، التفسير الوسيط، طنطاوي ١٠/ ١٩٤.

129 نقض المنطق، ابن تيمية، ص٨٩.

130 انظر: المنار، محمد رشيد رضا ٦/ ٥٩، أيسر التفاسير، أسعد حومد ، ص٢٥٦.

131 مفتاح دار السعادة، ابن القيم ١/ ١٦٠.

132 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ٢/ ٢١٤.

133 أصول الجدل والمناظرة في الكتاب والسنّة، حمد العثمان ، ص٤.

134 تفسير الشعراوي ١٣/ ٨٢٨٦.

135 انظر: المنار، محمد رشيد رضا ٧/ ٤٨٥.

136 انظر: منهج الجدل والمناظرة في تقرير مسائل الاعتقاد، عثمان علي حسن ١/٤١.

137 انظر: الحوار مع أهل الكتاب، خالد القاسم، ص١١٦-١١٧.

138 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٩/ ٣١٦.

139 انظر: الحوار مع أهل الكتاب، خالد القاسم ، ص١١٥.

140 الجواب الصحيح، ابن تيمية ١/ ٨٥-٨٦.

141 انظر: الحوار مع أهل الكتاب، خالد القاسم، ص١١٦.

142 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٥/ ١٤٣.

143 انظر: تفسير الشعراوي ١٤/ ٨٩٤٤.

144 أضواء البيان، الشنقيطي، ٣/٣١١.

145 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٣/٤٠-٤١، ٢١/ ١٢٠.

146 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشهادات، باب من أقام البيّنة بعد اليمين، رقم ٢٦٨٠، ٣/١٨٠، ومسلم في صحيحه، كتاب الأقضية، باب الحكم بالظاهر واللحن بالحجة رقم ١٧١٣، ٢/٧١١.

147 انظر: تفسير الشعراوي ٣/ ١٥٣٨.

148 في ظلال القرآن، سيد قطب ٢/ ٩٠٩-٩١٠.

149 انظر: الحوار مع أهل الكتاب، خالد القاسم، ص١٣٤.

150 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٥/٢٣١.

151 انظر: المنتخب في تفسير القرآن الكريم، لجنة من علماء الأزهر ، ص٧٢٦.

152 انظر: تفسير الشعراوي ٨/ ٤٧٣٠-٤٧٣١.

153 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ١١/٢٩٧.