عناصر الموضوع
الجهاد
أولًا: المعنى اللغوي:
الجهاد من جهد يجاهد مجاهدةً وجهادًا، وهو من الجهد -بفتح الجيم وضمها- أي الطّاقة والمشقّة1، و«قال ابن الأثير: هو بالفتح، المشقة، وقيل: المبالغة والغاية، وبالضم الوسع والطاقة، وقيل: هما لغتان في الوسع والطاقة»2، ومنه قوله تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [التوبة: ٧٩]وجاهد في سبيل الله مجاهدة وجهادًا، والاجتهاد والتجاهد بذل الوسع والمجهود3.
والحاصل: أن أصل لفظ الجهاد هو بذل ما في الوسع والطاقة في تحقيق شيء معين.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
يدور تعريف الجهاد عند أغلب العلماء حول قتال الكفار، فقد عرفه العلماء بقولهم: هو بذل الجهد من المسلمين في قتال الكفار المعاندين المحاربين، والمرتدين، والبغاة ونحوهم؛ لإعلاء كلمة الله تعالى. وهو ثلاثة أضرب: مجاهدة العدو الظاهر، ومجاهدة الشيطان، ومجاهدة النفس4.
فالجهاد بمعنى عام، يشمل الدّين كله؛ حيث تتسع مساحته فتشمل الحياة كلها بسائر مجالاتها ونواحيها، قال ابن تيمية: «الجهاد حقيقته الاجتهاد في حصول ما يحبه الله من الإيمان والعمل الصالح، ومن دفع ما يبغضه الله من الكفر والفسوق والعصيان»5، وله كذلك معنى خاص ذكره الكفوي حيث قال: «الجهاد هو الدعاء إلى الدين الحق، والقتال مع من لا يقبله»6، فالجهاد يحول دون فساد الأوضاع ووصول الأشرار والفاسدين إلى السلطة والحكم.وعليه، فالمعنى الاصطلاحي خص ببذل الجهد في قتال الكفار ودعوتهم؛ لإعلاء كلمة الله، بينما المعنى اللغوي أعم.
وردت مادة (جهد) في القرآن (٤١) مرة ، والمتعلق منها بالجهاد (٣٥) مرة 7.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
١٥ |
(ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [العنكبوت: ٦٩] |
الفعل المضارع |
٥ |
(ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [المائدة: ٥٤] |
فعل الأمر |
٧ |
(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ) [التوبة: ٤١] |
المصدر |
٤ |
(ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [الممتحنة: ١] |
اسم الفاعل |
٤ |
(ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [محمد: ٣١] |
وجاء الجهاد في القرآن على ثلاثة وجوه8:
الأول: الجهاد بالسلاح: ومنه قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [النساء: ٩٥]، يعني: الذين يقاتلون في سبيل الله بالسلاح.
الثاني: الجهاد بالقول: ومنه قوله تعالى: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [الفرقان: ٥٢]، يعني: بالقرآن.
الثالث: الجهاد في العمل: ومنه قوله تعالى: (ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [العنكبوت: ٦]، يعني: من يعمل الخير فإنما يعمله لنفسه، وله نفع ذلك.
القتال:
القتال لغة:
من قاتل فلان فلانًا، وقاتله مقاتلة وقتالًا، وهو بمعنى المحاربة والمقاتلة، ولا يكون إلا بين اثنين9.
القتال اصطلاحًا:
القتال صيغة مبالغة من القتل، والمقاتلة هي القتال ولا يكون إلا بين اثنين10.
الصلة بين الجهاد والقتال:
الجهاد أوسع من القتال، فالقتال نوع من أنواع الجهاد، والقتال يكون بين اثنين.
الغزو:
الغزو لغة:
القصد، والغزو: السير إلى قتال العدو، يقال: غزا يغزو غزوًا فهو غاز، وجمعه غزاة وغز11.
الغزو اصطلاحًا:
عرفه الأصفهاني بقوله: «الغزو: الخروج إلى محاربة العدو»12.
الصلة بين الجهاد والغزو:
الغزو: إنما يكون في بلاد العدو، والجهاد: مطلق، فكل غاز مجاهد، دون العكس، وقيل: إن الغزو ما كان الغرض الأصلي فيه الغنيمة، وتحصيل المال - وإن استلزم ذلك الحرب والمقاتلة، والجهاد: ما كان الغرض فيه المحاربة لقهر العدو - وإن استلزم ذلك تحصيل الغنائم والفوائد13.
النفير:
النفير لغة:
ينفر نفرًا ونفورًا، ويوم النفر والنفير والنفور: يوم نفور الناس من منى، يقال: نفر إلى الحرب، إذا خرج لها، ومضى لقتال العدو، ومنه أيضًا (الاستنفار): وهو حث القوم على النفر إلى الحرب، أو أن ينفروا منها، والنفير: القوم النافرون لحرب أو غيرها14.
النفير اصطلاحًا:
قال الأصفهاني: «والاستنفار حث القوم على النفر إلى الحرب»15.
الصلة بين الجهاد والنفير:
النفر نوع من أنواع الجهاد في سبيل الله، وهو الخروج لقتال الأعداء اعلاءً لكلمة الله عز وجل.
الحرب:
الحرب لغة:
نقيض السلم، ورجل محرب أي شجاع، وفلان حرب فلان أي يحاربه، وحرّبته تحريبًا أي حرّشته على إنسان فأولع به وبعداوته16.
الحرب اصطلاحًا:
قال المناوي: «دفع بشدة عن اتساع المدافع بما يطلب منه الخروج فلا يسمح به ويدافع عنه بأشد مستطاع»17.
الصلة بين الجهاد والحرب:
الجهاد أوسع من الحرب، فالحرب استخدام القوة وفيه شدة، وهذا ليس بالضرورة في الجهاد، والجهاد إنما يكون في سبيل الله، أما الحرب فتطلق على حرب الكفار واستحلالهم بلاد المسلمين.
فرض الله عز وجل الجهاد على المسلمين، وأمرهم بالجهاد في سبيله، ووعد المجاهدين أجرًا عظيمًا، سواء من جاهد عدوًّا داخليًّا، ومن جاهد عدوًّا خارجيًّا، فالجهاد أنواع مختلفة، ولقد قام العلماء بتقسيم الجهاد إلى عدة أقسام، وهي:
أولًا: جهاد النفس:
إن من أعظم الجهاد جهاد النفس، وهو الأصل والأساس؛ لأن العبد إن لم يجاهد نفسه أولًا ويبدأ بها ويلزمها بفعل ما أمرت به وترك ما نهيت عنه فلا يمكن له جهاد عدوه الخارجي وترك العدو الداخلي.
والنفس البشرية عرضة للإغواء ووساوس الشيطان.
قال تعالى: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [يوسف: ٥٣].
فجهادها هو الجهاد الأكبر، قال ابن عجيبة عند تفسيره لقوله تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [البقرة: ٢١٨].
«الجهاد على قسمين: جهاد أصغر وهو جهاد السيف، وجهاد أكبر وهو جهاد النفس، فيجاهدها أولًا في القيام بجميع المأمورات، وترك جميع المنهيات، ثم يجاهدها ثانيًا في ترك العوائد والشهوات، ومجانبة الرخص والتأويلات، ثم يجاهدها ثالثًا في ترك التدبير والاختيار، والسكون تحت مجاري الأقدار، حتى لا تختار إلا ما اختار الحق تعالى لها، ولا تشتهي إلا ما يقضي الله عليها، فإن النفس جاهلة بالعواقب، فعسى أن تكره شيئًا وهو خير لها، وعسى أن تحب شيئًا وهو شر لها» 18.
فعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: (ألا أخبركم بالمؤمن؟ من أمنه النّاس على أموالهم وأنفسهم، والمسلم من سلم النّاس من لسانه ويده، والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر من هجر الخطايا والذّنوب)19.
واعتبر جهاد النفس جهادًا أكبر من جهاد العدو؛ «لأنك في ساحة القتال تجاهد عدوًّا ظاهرًا، يتضح لك عدده وأساليبه، أمّا إن كان عدوك من نفسك ومن داخلك، فإنه يعزّ عليك جهاده، فأنت تحب أن تحقق لنفسك شهواتها، وأن تطاوعها في أهوائها ونزواتها، وهي في هذا كله تلح عليك وتتسرّب من خلالك، فعليك أن تقف في جهاد النفس موقفًا تقارن فيه بين شهوات النفس العاجلة وما تورثك إياه من حسرة آجلة باقية، وما تضيعه عليك من ثواب ربك في جنة فيها من النعيم، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر»20.
قال ابن القيم: «جهاد النفس مقدم على جهاد العدو في الخارج، وأصل له، فإنه ما لم يجاهد نفسه أولًا لتفعل ما أمرت به وتترك ما نهيت عنه، ويحاربها في الله، لم يمكنه جهاد عدوه في الخارج، فكيف يمكنه جهاد عدوه والانتصاف منه، وعدوه الذي بين جنبيه قاهر له متسلط عليه لم يجاهده ولم يحاربه في الله، بل لا يمكنه الخروج إلى عدوه حتى يجاهد نفسه على الخروج»21.
وقال ابن الجوزي: «اعلم أنه إنما كان جهاد النفس أكبر من جهاد الأعداء؛ لأن النفس محبوبة وما تدعو إليه محبوب؛ لأنها لا تدعو إلا إلى ما تشتهي، وموافقة المحبوب في المكروه محبوبة، فكيف إذا دعا إلى محبوب، فإذ عكست الحال وخولف المحبوب فيما يدعو إليه من المحبوب اشتد الجهاد وصعب الأمر، بخلاف جهاد الكفار فإن الطباع تحمل على خصومة الأعداء»22.
وجاء تفسير العلماء للجهاد في القرآن الكريم بأنه جهاد النفس في أكثر من موضع، قال تعالى: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [الحج: ٧٨].
فالجهاد هنا يحتمل أن يكون المقصود به جهاد الكفار، أو جهاد النفس والهوى23.
وقال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [العنكبوت: ٦٩].
«والّذين جاهدوا فينا يعني: جهاد النفس من الصبر على إذاية الكفار واحتمال الخروج عن الأوطان وغير ذلك، وقيل: يعني القتال، وهو ضعيف؛ لأن القتال لم يكن مأمورًا به حين نزول الآية»24.
فأفضل الجهاد عندما نجاهد أنفسنا، كما جاء عن عبد الله بن عمرو عندما سئل: أيّ المؤمنين أفضل إسلامًا؟ قال: (من أسلم المسلمون من لسانه ويده)، قال: فأيّ المؤمنين أفضل إيمانًا؟ قال: (أحسنهم خلقًا)، قال: فأيّ المهاجرين أفضل؟ قال: (من هجر ما نهى الله عنه)، قال: فأيّ الجهاد أفضل؟ قال: (من جاهد نفسه في ذات الله)، قال: أنت قلته يا عبدالله بن عمرو، أم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: بل رسول الله صلى الله عليه وسلم 25.
وجهاد النفس أربعة مراتب26:
ثانيًا: جهاد الشيطان:
إن من أشد أعداء الإنسان الشيطان، بل هو أخبث الأعداء، قال الله تعالى: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ)، يلقي على الإنسان وساوسه، ويدفعه إلى ارتكاب المعاصي، والبعد عن الطاعات، قال ابن القيم رحمه الله تعالى بعد حديثه عن جهاد العدو الداخلي (النفس)، والعدو الخارجي (الكفار والمنافقين): «فهذان عدوان قد امتحن العبد بجهادهما، وبينهما عدو ثالث لا يمكنه جهادهما إلا بجهاده، وهو واقف بينهما يثبط العبد عن جهادهما، ويخذله ويرجف به، ولا يزال يخيل له ما في جهادهما من المشاق وترك الحظوظ وفوت اللذات والمشتهيات، ولا يمكنه أن يجاهد ذينك العدوين إلا بجهاده، فكان جهاده هو الأصل لجهادهما، وهو الشيطان، قال تعالى: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [فاطر: ٦].
والأمر باتخاذه عدوًّا تنبيه على استفراغ الوسع في محاربته، ومجاهدته، كأنه عدو لا يفتر ولا يقصر عن محاربة العبد على عدد الأنفاس»29.
وجهاده يكون على مرتبتين30:
يقول ابن حجر العسقلاني: «جهاد الشيطان بدفع ما يلقي إليه من الشبهة والشك ثم تحسين ما نهي عنه من المحرمات، ثم ما يفضي الإكثار منه إلى الوقوع في الشبهات وتمام ذلك من المجاهدة أن يكون متيقظًا لنفسه في جميع أحواله؛ فإنه متى غفل عن ذلك استهواه شيطانه ونفسه إلى الوقوع في المنهيات»31.
فالشيطان لا يدعو حزبه إلا لما فيه هلاكهم وخسارتهم، وقد بين لنا المولى عز وجل طرق محاربته بشتى الطرق والوسائل، قال تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [الأعراف: ٢٠١].
وأن يستعين بالله عز وجل، ويستعيذ بالله من شر الشيطان، قال تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [النحل: ٩٨-٩٩].
فإيمان العبد بربه حصن حصين من مكائد الشيطان، فإذا ضعف هذا السلاح كان تحت تأثير الشيطان ووساوسه، قال تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [الزخرف: ٣٦].
ولقد كتب ابن القيم رحمه الله تعالى كتابًا كبيرًا نافعًا سماه «إغاثة اللهفان من مكائد الشيطان» بين فيه ما يجب على الإنسان فعله للبعد عن مكائد الشيطان.
ثالثًا: جهاد المنافقين:
أمر الله عز وجل نبيه بجهاد المنافقين، بل أمره بالغلظة في محاربتهم.
قال تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [التحريم: ٩].
«ولما كان المنافق يظهر الإسلام ويبطن الشرك ويظهر الخير ويبطن الشر، فلا يمكن جهاده بالقتال كما يجاهد الكافر؛ وذلك لأنه بظاهره يستحق أن يعامل معاملة المسلمين لكن له علامات يعرف بها»32.
ولا شك أن ضرر هؤلاء أعظم من ضرر الكفار المعلنين بكفرهم، كما قال الله تعالى في أمثالهم: (ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ) [المنافقون: ٤]؛ ولأجل ذلك جاء الشرع بجهادهم، والحث على الغلظة عليهم.
وجهاد المنافقين يكون بمناقشتهم وإقامة الحجة عليهم، وكشفهم، وبيان باطلهم والتحذير منهم، وإقامة الحدود عليهم33، وعن مجاهد: جهاد المنافقين بالوعيد، وقيل: بإفشاء أسرارهم34.
فالنبي صلى الله عليه وسلم مأمور بجهاد المنافقين، وذلك من خلال عطف المنافقين على الكفار في المفعول به للفعل جاهد، ويحمل الفعل على المجاز، فالجهاد بإقامة الحجة والتعريض للمنافق بنفاقه، فإن ذلك يطلق عليه الجهاد مجازًا، كما في قوله صلى الله عليه وسلم للذي سأله الجهاد فقال له: (أحيٌّ والداك؟)، قال: نعم، قال: (ففيهما فجاهد) 35.
فجهاد المنافقين لإلقاء الرعب في قلوب المنافقين؛ ليشعروا بأن النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالمرصاد لهم، فلو بدت من أحدهم بادرة يعلم منها نفاقه عومل معاملة الكافر في الجهاد بالقتل والأسر فيحذروا ويكفوا عن الكيد للمسلمين خشية الافتضاح، فتكون هذه الآية من قبيل قوله تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [الأحزاب: ٦٠-٦١]36.
رابعًا: جهاد الكافرين:
فرض الله عز وجل الجهاد على عباده؛ لتكون كلمة الله هي العليا، بإخراج من شاء الله من الظلمات إلى النور، وذلك بالدخول في الإسلام، أو بفرض سيادة الإسلام ونشر عدالته والتعريف بحقيقته، والجهاد إذا أطلق فيراد به جهاد الكفار والمشركين، وجهاد الكفار أربع مراتب كما بين ذلك ابن القيم رحمه الله: بالقلب، واللسان، والمال، والنفس، وجهاد الكفار أخص باليد37.
قال عليه السلام: (من مات ولم يغز ولم يحدّث نفسه بغزوٍ مات على شعبةٍ من النّفاق)38،
وقد أناط الله قتالهم بوصف الشرك ووصف الكفر، كما قال تعالى: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [التوبة: ٥].
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [التوبة: ١٢٣].
وقال عز وجل: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [محمد: ٤].
وجهاد الكفار باليد مرّ في مراحل متنوعة بحسب الحال الذي كانت عليه أمة الإسلام.
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله: «أول ما أوحى إليه ربه تبارك وتعالى أن يقرأ باسم ربه الذي خلق، وذلك أول نبوته، فأمره أن يقرأ في نفسه ولم يأمره إذ ذاك بتبليغ، ثم أنزل عليه (يا أيها المدثر قم فأنذر) فنبأه بقوله (اقرأ)، وأرسله بـ(يا أيها المدثر)، ثم أمره أن ينذر عشيرته الأقربين، ثم أنذر قومه، ثم أنذر من حولهم من العرب، ثم أنذر العرب قاطبة، ثم أنذر العالمين، فأقام بضع عشرة سنة بعد نبوته ينذر بالدعوة بغير قتال ولا جزية ويؤمر بالكف والصبر والصفح، ثم أذن له في الهجرة، وأذن له في القتال، ثم أمره أن يقاتل من قاتله ويكف عمن اعتزله ولم يقاتله، ثم أمره بقتال المشركين حتى يكون الدين كله له، ثم كان الكفار معه بعد الأمر بالجهاد ثلاثة أقسام: أهل صلح وهدنة، وأهل حرب، وأهل ذمة»39.
فهذا النوع من الجهاد له فضل عظيم كما بينه لنا المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم عندما قال: (رباط يومٍ في سبيل اللّه خيرٌ من الدّنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنّة خيرٌ من الدّنيا وما عليها، والرّوحة يروحها العبد في سبيل اللّه، أو الغدوة خيرٌ من الدّنيا وما عليها)40.
إن قدرة الإنسان متفاوتة على الجهاد في سبيل الله؛ لذا كان له وسائل وصور متعددة، تختلف باختلاف قدرة الإنسان وظروفه، فمنهم من يجاهد بماله، ومنهم من يجاهد بنفسه، ومنهم لا يملك مالًا ولا يستطيع الخروج للجهاد في سبيل الله؛ لذلك تعددت صوره ووسائله.
أولًا: الجهاد بالمال:
الجهاد بالمال من أهم صور الجهاد في سبيل الله، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [التوبة: ٤١].
أي: «فأنفقوها في مجاهدتهم على دين الله الذي شرعه لكم، حتى ينقادوا لكم فيدخلوا فيه طوعًا أو كرهًا، أو يعطوكم الجزية عن يدٍ صغارًا، إن كانوا أهل كتابٍ، أو تقتلوهم»41.
وتقديم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس في كثير من الآيات فيه دلالة على عظم الجهاد بالمال، فقد لا يستطيع الإنسان أن يشارك بنفسه في الجهاد في سبيل الله؛ بسبب ظروف مختلفة تمنعه من أن يجاهد، قال تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [الفتح: ١٧].
فليس على الأعمى حرج في التخلّف عن الغزو، ولا على الأعرج حرج، ولا على المريض الذي لا يقدر على الحرب حرج؛ لأن الجهاد منوط بالاستطاعة ونفي الحرج، فمن عجز فله أن ينيب عنه نفرًا بنفقة من عنده فيكون مجاهدًا بماله لما تعذر عليه بنفسه، وقد ذهب إلى هذا القول كثير من العلماء42.
والجهاد بالمال يشمل المساهمة بالمال في جميع أنواع الجهاد، سواء كان ضد الكافرين أو المنافقين، أو النفس أو الشيطان.
ثانيًا: الجهاد بالنفس:
من أعظم الجهاد من باع نفسه رخيصة في سبيل الله عز وجل؛ لإعلاء كلمة التوحيد.
قال عز وجل: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [التوبة: ١١١].
فبذل النفس في سبيل الله يستدعي الثواب العظيم من الله عز وجل ألا وهو الجنة، «قال بعضهم: ما أكرم الله، فإن أنفسنا هو خلقها، وأموالنا هو رزقها، ثم وهبها لنا، ثم اشتراها منا بهذا الثمن الغالي، فإنها لصفقة رابحة»43.
وقد قدم الجهاد بالنفس في هذه الآية على الجهاد بالمال بعكس الآيات الأخرى؛ وذلك لأن الآية كانت بمعرض الحديث عن المنافقين وتقاعسهم عن الجهاد بأنفسهم في غزوة تبوك44.
وقوله: (ﯦ ﯧ) «بيانٌ لكون القتال في سبيل الله بذلًا للنفس وأن المقاتل في سبيله باذلٌ لها وإن كانت سالمةً غانمة؛ فإن الإسناد في الفعلين ليس بطريق اشتراط الجمع بينهما ولا اشتراط الاتصاف بأحدهما البتة، بل بطريق وصف الكلّ بحال البعض، فإنه يتحقق القتال من الكل سواءٌ وجد الفعلان أو أحدهما منهم أو من بعضهم، بل يتحقق ذلك وإن لم يصدر منهم أحدهما أيضًا»45.
فهي تجارة رابحة مع الله عز وجل، والثمن عظيم، إنها جنة عرضها السموات والأرض، أعدت لمن ضحى بنفسه في سبيل إعلاء كلمة الله.
قال عز وجل: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [الصف: ١٠-١١].
وجاء في فضل الجهاد بالنفس العديد من الأحاديث منها: أن أعرابيًّا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أي الناس خير؟ قال: (رجل جاهد بنفسه وماله ورجل في شعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس من شره)46.
فالجهاد من فضائل الأعمال، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما العمل في أيام أفضل منها في هذه؟) قالوا: ولا الجهاد؟ قال: (ولا الجهاد، إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله، فلم يرجع بشيء)47.
ثالثًا: الجهاد باللسان:
قد يكون الجهاد بكلمة يأمر فيها الإنسان بمعروف، أو ينهى عن منكر، كما في جهاد المنافقين، قال تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [التحريم: ٩].
وجهاد المنافقين باللسان بزجرهم ووعيدهم48.
وقال تعالى: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ)[الفرقان: ٥٢].
فهذه الآية نزلت بمكة ولم يكن القتال مشروعًا، فالمقصود من الآية أي جادلهم بالقرآن واتل عليهم ما فيه من القوارع، والنواذر والزواجر والأوامر والنواهي، والحجج والبراهين49، يقول السعدي: «لا تبق من مجهودك في نصر الحق وقمع الباطل إلا بذلته ولو رأيت منهم من التكذيب والجراءة ما رأيت، فابذل جهدك واستفرغ وسعك، ولا تيأس من هدايتهم ولا تترك إبلاغهم لأهوائهم»50.
والجهاد باللسان هو ما كان في بداية الدعوة الإسلامية؛ إذ كان المسلمون قلة ضعفاء وأعداؤهم كثر أقوياء، فأمرهم الله بالاكتفاء بالجهاد باللسان والدعوة، وأمرهم أن يكفوا أيديهم عن القتال، فهدى الله بذلك من هدى من المسلمين، كالصديق رضي الله عنه، وعمر الفاروق رضي الله عنه، وعثمان رضي الله عنه، وعلي رضي الله عنه، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود، وعبد الرحمن بن عوف، وسعيد بن زيد، وطلحة بن عبيد الله، وجم غفير من الصحابة رضي الله عن الجميع وأرضاهم.
ومن الجهاد باللسان الجهر بالحق، قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: (أفضل الجهاد كلمة عدلٍ عند سلطانٍ جائرٍ)51.
وقال عبد الله بن مسعودٍ: «النّاس ثلاثةٌ فما سواهم فلا خير فيه: رجلٌ رأى فئةً تقاتل في سبيل الله فجاهد بنفسه وماله، ورجلٌ جاهد بلسانه، وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر، ورجلٌ عرف الحقّ بقلبه»52.
وقد يكون الجهاد باللسان في الدعوة، بدعوة الناس إلى التمسك بالدين القويم، ومكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، فهي دعوة فقط ليس فيها قتال، بل توجيه وإرشاد وإيضاح للحق والخلق الكريم، وتحذير من خلافه بالكلام الطيب واللطف والجدال بالتي هي أحسن، كما قال تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [النحل: ١٢٥].
وقوله تعالى: (ﯓ ﯔ ﯕ) [الحجر: ٨٥].
إلى غير ذلك من الآيات التي فيها الأمر بالصفح والإعراض عنهم، والجدال بالتي هي أحسن، إلى غير ذلك، وليس فيها الأمر بقتالهم.
ويكون الجهاد باللسان بالرد على أهل البدع والضلالات، قال الإمام ابن تيمية: «فالراد على أهل البدع مجاهد، حتى كان يحي ابن يحي يقول: الذب عن السنة أفضل من الجهاد»53.
ومن صور الجهاد باللسان الجهاد بالقلم، وربما كان أبلغ من الجهاد باللسان وأعم فائدة.
وقد يكون الجهاد باللسان في الدعوة في ندوة أو محاضرة، وقد يكون بهجاء الكفار فعن عائشة، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (اهجوا قريشًا، فإنّه أشدّ عليها من رشقٍ بالنّبل)54.
الجهاد في سبيل الله باب من أبواب الجنة أعده الله عز وجل لأوليائه الصادقين المخلصين.
قال عز وجل: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [الحجرات: ١٥].
وهو ذروة سنام الإسلام كما جاء عن معاذ بن جبل، قال: قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟)، قلت: بلى يا رسول الله، قال: (رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد)55.
ولقد جاءت العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة تبين فضل ومكانة الجهاد في سبيل الله، وفضل المجاهدين في سبيله، وسأتحدث عن فضل الجهاد في سبيل الله في النقاط الآتية:
١. الجهاد في سبيل الله تعالى مفتاح الخير، وباب الفوز والفلاح.
قال الحق جلّ وعلا: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [التوبة: ٨٨].
والخيرات: الثواب من الحسنات، وقيل: حور حسان في الجنة، وقيل: أن الخيرات لا يعلم معناها إلا الله56.
وقال تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [التوبة: ٢٠].
ولهم البشارة من الله عز وجل.
قال عز من قائل: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ)[التوبة: ٢١].
وهذه أعظم البشارات؛ لأن الرحمة والرضوان من الله عز وجل على العبد نهاية مقصوده، ونعيم دائم غير منقطع57.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لغدوةٌ في سبيل الله، أو روحة، خيرٌ من الدنيا وما فيها)58.
٢. الجهاد في سبيل الله سبيل الهداية إلى الخير.
قال الخالق تبارك وتعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [العنكبوت: ٦٩].
«وعن ابن عباس: جاهدوا في طاعتنا لنهدينهم سبل ثوابنا، وعن الجنيد: جاهدوا في التوبة لنهدينهم سبل الإخلاص، أو جاهدوا في خدمتنا لنفتحن عليهم سبل المناجاة معنا»59.
٣. الجهاد في سبيل الله تجارة رابحة مع الله عز وجل.
قال تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [الصف: ١٠-١١].
فقد جاء أن الصحابة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال، فنزلت السورة ومن ضمنها هذه الآيات60.
وقد أوجب الله عز وجل من هذه التجارة للمجاهدين بأموالهم وأنفسهم الجنة جزاء لهم.
قال تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [التوبة: ١١١].
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: «يخبر تعالى أنه عاوض من عباده المؤمنين عن أنفسهم وأموالهم إذا بذلوها في سبيله بالجنة، وهذا من فضله وكرمه وإحسانه؛ فإنه قبل العوض عما يملكه بما تفضل به على عبيده المطيعين له. ولهذا قال الحسن البصري وقتادة: بايعهم الله فأغلى ثمنهم»61.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تضمن الله لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي، وإيمانٌ بي، وتصديقٌ برسلي، فهو عليّ ضامنٌ أن أدخله الجنة، أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلًا ما نال من أجرٍ أو غنيمة)62.
٤. الجهاد في سبيل الله عز وجل مقدم على جميع المصالح الدنيوية.
قال تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [التوبة: ٢٤].
وفي ذلك دليل على عظم هذه العبادة التي يقوم بها المجاهد في سبيله.
٥. الجهاد في سبيل الله من أفضل الأعمال، وأصحابه لهم أعلى الدرجات.
فالقاعدون عن الجهاد من المؤمنين الصالحين مهما اجتهدوا في أعمال البر والطاعة في غير ميدان الجهاد فلن يلحقوا بركب المجاهدين.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [النساء: ٩٥].
أي «لا يعتدل المتخلّفون عن الجهاد في سبيل الله من أهل الإيمان بالله وبرسوله، المؤثرون الدعة والخفض والقعود في منازلهم على مقاساة حزونة الأسفار والسير في الأرض، ومشقة ملاقاة أعداء الله بجهادهم في ذات الله، وقتالهم في طاعة الله»63.
فالعبادات من صلاة وصيام من أفضل الأعمال، لكن الجهاد يعدل ذلك وزيادة، وفيه من المكابدة والصبر بحيث لا يستطيع أحد القيام بمثله.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: دلني على عمل يعدل الجهاد، قال: (لا أجده)، قال: (هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك، فتقوم ولا تفتر، وتصوم ولا تفطر)، قال: ومن يستطيع ذلك، قال أبو هريرة: إن فرس المجاهد لَيسْتنُّ في طوله فيكتب له حسنات64.
«قال ابن عياض: اشتمل حديث الباب على تعظيم أمر الجهاد، لأن الصيام وغيره مما ذكر من فضائل الأعمال قد عدلها كلها الجهاد حتى صارت جميع حالات المجاهد وتصرفاته المباحة معادلة لأجر المواظب على الصلاة وغيرها، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم (لا تستطيع ذلك) وفيه: أن الفضائل لا تدرك بالقياس، وإنما هي إحسان من الله تعالى لمن شاء، واستدل به على أن الجهاد أفضل الأعمال»65.
«وقال ابن دقيق العيد: القياس يقتضي أن الجهاد أفضل الأعمال التي هي وسائل ؛ لأن الجهاد وسيلة إلى إعلان الدين ونشره وإخماد الكفر ودحضه، ففضله بحسب فضل ذلك»66.
والمجاهد في سبيل الله أفضل الناس بنصّ كلام الحبيب؛ قيل: يا رسول الله، أيّ الناس أفضل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مؤمنٌ يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله)، قالوا: ثم من؟ قال: (مؤمنٌ في شعب من الشّعاب يتّقي الله، ويدع الناس من شرّه)67.
والله عز وجل يرفع المجاهد في الجنة مائة درجة، قال عليه السلام: (من آمن بالله وبرسوله وأقام الصلاة وصام رمضان كان حقًّا على الله أن يدخله الجنة، جاهد في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها)، فقالوا يا رسول الله أفلا نبشر الناس؟ قال: (إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة - أراه - فوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة)68.
شرع الله عز وجل الجهاد في سبيل الله لحكم ومقاصد سامية، وتنوعت هذه المقاصد بما فيها الخير والصلاح لهذه الأمة، وبين ذلك في كتابه العزيز، فما هي هذه الأهداف التي شرع الجهاد من أجلها:
أولًا: إقامة حكم الله عز وجل في الأرض:
لا صلاح لهذه الأرض، ولا راحة للبشرية، ولا رفعة ولا طهارة، ولا تناسق مع سنن الكون وفطرة الحياة إلا بالرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، وبتطبيق أحكامه.
والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى له صورة واحدة وطريق واحد لا سواه، وهو العودة بالحياة كلها إلى منهج الله عز وجل الذي رسمه للبشرية في كتابه الكريم، وهو تحكيم هذا الكتاب وحده في حياتها، والتحاكم إليه وحده في شؤونها، وإلا فهو الفساد في الأرض، والشقاوة للناس، والارتكاس في الحمأة، والجاهلية التي تعبد الهوى من دون الله عز وجل 69.
قال تعالى في محكم التنزيل: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [الأنفال: ٣٩].
فكان لا بد من ضرورة الجهاد لقيام الدعوة واستمرارها، وهو وسيلة من وسائلها، وإقامة حكم الله عز وجل في الأرض هدف من أهداف الجهاد ومقصد أساسي لا يمكن أن نتغاضى عنه، وبتطبيق شرع الله عز وجل تحيا القلوب وتطمئن النفوس، ويأمن الإنسان على أهله وماله، حيث قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [النساء: ١٠٥].
إن الأخطار التي تهدد الدولة المسلمة كثيرة جدًا، منها ما قد يأتي من داخل الدولة، وهذا يتكفل نشر العلم الإسلامي والدعوة إلى الرجوع لحكم الله عز وجل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود بالتصدي له، وأما ما قد يجيء من خارج حدود الدولة الإسلامية، فإن منه ما يكف شره بالبيان، ومنه ما لا سبيل إلى قطع دابره إلا بالسيف والسنان، حيث إن الأمة الإسلامية لا تريد القتال أساسًا لأجل القتال، ولا لأجل الحرب، فلسنا أعداء لأحد من الناس من حيث الابتداء، ولكن لنا من بين الناس أعداء، الذين هم أعداء الله عز وجل، والذين يوقدون نار الحرب، ويسعون للفساد في الأرض، ويفتنون الناس عن الإيمان، ويصدون عن سبيل الله عز وجل، ولكي يحقق الحكم الإسلامي مقصده في إقامة الدين وتطبيق شرع الله عز وجل في الأرض بلا معوقات، فلابد أن يكون مستعدًّا لما قد يكون في الطريق من عقبات ترد الدعوة، أو تصد الدعاة عن القيام بواجب نشر الحق.
قال تعالى: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [الحج: ٧٨].
ولهذا كان على دولة الإسلام أن تتهيأ لما تواجه به هذه الظروف، وتعد الأمة للجهاد في سبيل الله عز وجل دائمًا ضد كل متصدر للوقوف في طريق كتائب الحق المتحركة نحو رضا الله سبحانه وتعالى، وإذا كان الجهاد وسيلة من وسائل إقامة الدين في الأرض70.
فإن «إقامة حكم الله في الأرض والتمكين لدينه، غاية من غايات الجهاد في سبيل الله، والذي يجب أن يسعى لتحقيق هذه الغاية هم المسلمون الذين آمنوا بها وذاقوا حلاوتها، وعلموا أن من حق البشر عليهم أن يسعوا لإسعادهم بها، ولو كان الناس يقبلون دعوة المسلمين إلى تحكيم هذا الكتاب عليهم أن يكتفوا بالدعوة إلى ذلك لأنه يحقق الهدف، ولكن أكثر الناس لا يكفيهم أن يرفضوا تحكيم كتاب الله، بل إنهم يقفون محاربين من أراد تحكيمهم بكل ما أوتوا من قوة، وهذا يحتم على أولياء الله أن يجاهدوا أعداءه الذين يحاربونهم من أجله»71.
إنّ أعداء الإسلام حاربوا هذا الدين بكل وسيلة أتيحت لهم، وعلى رأس هذه الوسائل القوة العسكرية التي احتلوا بها بعض بلدان المسلمين، وهددوا بها بعضها الآخر، متذرعين بحقوق الإنسان التي تحوي موادها حرية الاعتقاد الشاملة للخروج من الدين الإسلامي، وهو الهدف الأساسي عند اليهود والصليبيين والوثنيين، ولم نر هجومًا لهم سواء في الماضي أو الحاضر أو ما سيفعلونه في المستقبل، على أي دين وجد في الأرض مثل هجومهم على دين الإسلام، فهو هدفهم الرئيس من حملاتهم الظالمة.
وبيّن الله سبحانه وتعالى في كتابه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [البقرة: ١٢٠].
وقال تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [البقرة: ٢١٧].
فلذلك أسمى أنواع الجهاد هو إعلاء كلمة الله عز وجل وإقامة حكمه في الأرض، فعن أبي موسى رضي الله عنه، قال: جاء رجلٌ إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: الرّجل يقاتل للمغنم، والرّجل يقاتل للذّكر، والرّجل يقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل اللّه؟ قال: (من قاتل لتكون كلمة اللّه هي العليا فهو في سبيل اللّه)72.
ثانيًا: انتصار الحق على الباطل:
إنّ مشهد انتصار الحق والإيمان في واقع الحياة المشهود، يكون بعد انتصارهما في عالم الفكر والعقيدة، وانتصار الإيمان في القلوب على الرغب والرهب، والتهديد والوعيد، والتاريخ القديم والحديث مليء بالأحداث الدالة على أن العاقبة لأصحاب الحق، وأن الدائرة عائدة على الواقفين إلى جانب الباطل، فنحن نرى كيف ينتصر الحق على الباطل والهدى على الضلال، والإيمان على الطغيان في الواقع المشهود، ودائمًا ما يكون النصر الأخير مرتبطًا بالنصر الأول، فما يتحقق النصر في عالم الواقع إلا بعد تمامه في عالم الضمير، وما يستعلي أصحاب الحق في الظاهر إلا بعد أن يستعلوا بالحق في الباطن، وإنّ للحق والإيمان حقيقة متى تجسمت في المشاعر أخذت طريقها فاستعلنت ليراها الناس في صورتها الواقعية، فأما إذا ظل الإيمان مظهرًا لم يتجسم في القلب، والحق شعارًا لا ينبع من الضمير، فإن الطغيان والباطل قد يغلبان، لأنهما يملكان قوة مادية حقيقية لا مقابل لها ولا كفاء في مظهر الحق والإيمان، فواجب على المجاهدين أن يحققوا الإيمان في النفس وفي القلب؛ لتصبح أقوى من حقيقة القوى المادية التي يستعلي بها الباطل ويصول بها الطغيان، وبذلك ينتصر الحق على الباطل73.
إنّ الحرب سجال بين الحقّ والباطل، ولئن ربح الباطل جولة وإن حقق انتصارات هنا وهناك، فإنها انتصارات آنية واهية، وليست بانتصارات حقيقية واقعية، فإن الحقّ هو المنتصر في النهاية وهو الرابح في جميع الجولات القادمة مهما تفشى كبر وعلا74، حيث قال الله سبحانه وتعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [الأنفال: ٧].
يقول ابن عاشور «وإن المصارعة بين الحق والباطل شأن قديم، وهي من النواميس التي جبل عليها النظام البشري»75.
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [التوبة: ١٤].
لقد أراد الله عز وجل - وله الفضل والمنة- أن تكون ملحمة لا غنيمة وأن تكون موقعة بين الحق والباطل، ليحق الحق ويثبته، ويبطل الباطل ويزهقه، وأراد أن يقطع دابر الكافرين، وتذل كبرياؤهم، وتخضد شوكتهم، وتعلو راية الإسلام وكلمة الله عز وجل، ويمكّن الله سبحانه وتعالى للعصبة المسلمة التي تعيش بمنهج الله عز وجل، وتنطلق به لتقرير ألوهيته في الأرض، وتحطيم طاغوت الطواغيت، وأراد أن يكون هذا التمكين عن استحقاق لا عن جزاف -تعالى عنه علوًّا كبيرًا- وبالجهد والجهاد، وبتكاليف الجهاد ومعاناتها في عالم الواقع وفي ميدان القتال76.
إنًّ المتتبع لآيات القرآن الكريم لا يعجزه أن يقف على حقيقة مفادها: أن الصراع بين الحق والباطل هو سنة أقام الله عز وجل عليها هذه الحياة، وأن الحياة لا يمكن أن يسودها الخير المطلق، بحيث تخلو من الشر، وبالمقابل لا يمكن أن تعاني من الشر المطلق بحيث لا يكون فيها قائم بالحق، والعاقبة للحق دائمًا، فالباطل وإن علا على الحق في بعض الأوقات والأحوال، فإن الله عز وجل يمحقه ويبطله ويجعل العاقبة للحق وأهله، كما قيل: للحق دولة وللباطل صولة77.
والتاريخ خير شاهد الآن على كيفية المقاومة والجهاد في سبيل الله عز وجل في فلسطين وفي غزة بالتحديد، فقد نصر الله عز وجل تلك المقاومة رغم القوة العسكرية الهائلة التي كان يتمتع بها أعداؤه، وحققت هذه المقاومة انتصارات لا يمكن أن تخضع للتحليل العلمي، وتستعصي عليه، بيد أن الله سبحانه وتعالى جعل النصر حليفها، وذلك لكونها صاحبة حق تدافع عنه، ولكون أعدائها أصحاب باطل ينافحون فيه، ولاشك بأن التاريخ غني بالأمثلة والعبر التي تؤكد على أن المعركة بين الحق والباطل قائمة ومستمرة، وأن الله سبحانه وتعالى يختار للمدافع عن هذا الحق من كان أهلًا للدفاع عنه، وأنه سبحانه وتعالى يجعل العاقبة للحق ولنصرة دعوة الخير في نهاية المطاف، والويل والخذلان والخزي لدعاة السوء والباطل.
قال تعالى: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [الأنبياء: ١٨].
وقال تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [النساء: ١٤١].
هذه الآية الكريمة تدل على أن المؤمنين ما داموا مستمسكين بدينهم، متبعين لأمره ونهيه، قائمين بعمل ما يستدعيه الدفاع عن الدين من أخذ الأهبة وإعداد العدّة لن يغلبهم الكافرون، ولن يكون لهم عليهم سلطان، وما غلب المسلمون على أمرهم إلا بتركهم هدى كتابهم، وتركهم أوامر دينهم وراءهم78.
ثالثًا: دفع عدوان الكافرين:
إنّ من أسمى أهداف الجهاد في سبيل الله عز وجل دفع عدوان الكافرين والظالمين وهذا الجهاد لدفع العدوان يتمثل بعدة أشكال منها:
١. «رد اعتداء الكفار في ديار المسلمين»79.
قال سبحانه وتعالى في محكم التنزيل: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [البقرة: ١٩٠-١٩٢].
فقد نص الفقهاء وعلماء الدين على أنه إذا اعتدى الكفار على المسلمين في قعر دارهم، تعين عليهم الجهاد وذلك للدفاع عن الديار؛ لأن العدو الكافر إذا احتل دارًا للمسلمين سام فيها العذاب، ونفذ فيها أحكامه الكافرة، وأجبروا أهلها على الخضوع له، فتصبح دار كفر بعد أن كانت دار إسلام80.
قال بعض علماء الحنفية: «وحاصله أن كل موضع خيف هجوم العدو منه فرض على الإمام أو على أهل ذلك الموضع حفظه، وإن لم يقدروا فرض على الأقرب إليهم إعانتهم إلى حصول الكفاية بمقاومة العدو»81.
قال ابن قدامة: «ويتعين الجهاد في ثلاثة مواضع... الثاني، إذا نزل الكفار ببلد، تعين على أهله قتالهم ودفعهم»82.
٢. أن يعتدي الكفار على فئة مؤمنة مستضعفة في أرض الكفار.
لا سيما إذا لم تستطع هذه الفئة أن تنتقل إلى بلاد تأمن فيها على دينها، فإن الواجب على الدولة الإسلامية أن تعد العدة لمجاهدة الكفار الذين اعتدوا على تلك الطائفة حتى يخلصوها من الظلم والاعتداء الواقع عليها83.
قال تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [النساء: ٧٤-٧٥].
قال القرطبي رحمه الله: «حض على الجهاد، وهو يتضمن تخليص المستضعفين من أيدي الكفرة المشركين الذين يسومونهم سوء العذاب، ويفتنونهم عن الدين، فأوجب تعالى الجهاد لإعلاء كلمته وإظهار دينه واستنقاذ المؤمنين الضعفاء من عباده، وإن كان في ذلك تلف النفوس، وتخليص الأسارى واجب على جماعة المسلمين إما بالقتال وإما بالأموال، وذلك أوجب لكونها دون النفوس إذ هي أهون منها»84.
لقد جاهد الإسلام ليدفع عن المؤمنين الأذى والفتنة التي كانوا يسامونها وتقع عليهم من الكفار، وليكفل لهم الأمن على أنفسهم وأموالهم وعقيدتهم، وقرر ذلك المبدأ العظيم فاعتبر الاعتداء على العقيدة والإيذاء بسببها، وفتنة أهلها عنها أشد من الاعتداء على الحياة ذاتها، فالعقيدة أعظم قيمة من الحياة وفق هذا المبدأ العظيم، وإذا كان المؤمن مأذونًا في القتال ليدفع عن حياته وعن ماله، فهو من باب أولى مأذون في القتال ليدفع عن عقيدته ودينه85.
٣. أن ينشر العدو الظلم بين رعاياه، حتى وإن كانوا كفارًا.
إنّ الله سبحانه وتعالى حرم على نفسه الظلم وحرمه على عباده، حيث قال في الحديث القدسي عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنّه قال: (يا عبادي إنّي حرّمت الظّلم على نفسي، وجعلته بينكم محرّمًا، فلا تظالموا)86.
والعدل في الأرض واجب لكل الناس، وإذا لم يدفع المسلمون الظلم عن المظلومين أثموا؛ لأنهم مأمورون بالجهاد في الأرض لإحقاق الحق وإبطال الباطل، ونشر العدل والقضاء على الظلم، ولا فلاح لهم إلا بذلك، قال عزّ من قائل: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [المائدة: ٨]87، ولا فلاح لهم إلا بذلك وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما كانوا خير أمة أخرجت للناس إلا بذلك كما قال تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [آل عمران: ١١٠].
وقال تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [المائدة: ٨].
ومن العدل كف الظلم عن المظلوم الكافر الذي يبغضه المسلم لكفره88.
قال السرخسي«وإن كان طلب الذمة على أن يترك يحكم في أهل مملكته بما شاء من قتل أو صلب أو غيره مما لا يصلح في دار الإسلام لم يجب إلى ذلك؛ لأن التقرير على الظلم مع إمكان المنع منه حرام»89.
٤. الوقوف ضد الدعاة إلى الله عز وجل ومنعهم من تبليغ دعوته سبحانه وتعالى.
إنّ المسلمين مفروض عليهم من قبل المولى عز وجل أن يبلغوا رسالات الله سبحانه وتعالى للناس كافة.
قال تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [آل عمران: ١٠٤].
وقال تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [يوسف: ١٠٨].
وأعداء الله عز وجل يصدون أولياءه وعباده عن تبليغ دعوته ولا يتركون لهم سبيلًا إلى الناس، كما لا يأذنون للدعاة أن يسمعوا الدعوة إلى الله عز وجل للناس، ويضعون العراقيل والعوائق والحواجز بين الدعوة ودعاتها وبين الناس، ولذلك أوجب الله عز وجل على عباده المؤمنين قتال كل من يصد عن سبيل الله سبحانه وتعالى90.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [محمد: ١-٤].
الإسلام جاهد لتقرير حرية الدعوة- بعد تقرير حرية العقيدة- فقد جاء الإسلام بأكمل تصور وبأرقى نظام للوجود لتطوير الحياة، جاء بهذا الخير ليهديه إلى البشرية كلها ويبلغه إلى أسماعها وإلى قلوبها، فمن شاء بعد البيان والبلاغ فليؤمن ومن شاء فليكفر، ولا إكراه في الدين، ولكن ينبغي قبل ذلك أن تزول العقبات من طريق إبلاغ هذا الخير للناس كافة كما جاء من عند الله عز وجل للناس كافة، وأن تزول الحواجز التي تمنع الناس أن يسمعوا وأن يقتنعوا وأن ينضموا إلى موكب الهدى إذا أرادوا ذلك، ومن هذه الحواجز أن تكون هناك نظم طاغية في الأرض تصد الناس عن الاستماع إلى الهدى وتفتن المهتدين أيضًا، فالجاهد في سبيل عز وجل يحطم هذه النظم الطاغية ويقيم مكانها نظامًا عادلًا يكفل حرية الدعوة إلى الحق في كل مكان وحرية الدعاة، وما يزال هذا الهدف قائمًا، وما يزال الجهاد مفروضًا على المسلمين ليبلغوه إن كانوا مسلمين!91
رابعًا: نصر المظلومين:
أمر الله عز وجل بالجهاد للتمكين لأهل دينه ورد اعتداء المعتدين ونصرة المستضعفين، ويتطلب الواجب السابق بالدفاع عن الإسلام والمسلمين، ورد العدوان عنهم الذي يستهدف أوطان المسلمين وينتهك حرماتهم، وتحرير الإنسان من الظلم والاضطهاد، وذلك يكون بضرورة التعاون البنّاء بين جميع بلاد الإسلام، كما كان عليه حال الأمة الإسلامية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وما تلاه من عهود موحدة، وذلك في مختلف المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إذ إن روابط الإخاء والوحدة في عقيدة الإيمان يتمخض عنها الحب والمساواة والتعاون على الخير في السراء والضراء، ونصرة المظلوم فردًا أو جماعة من المؤمنين، وإغاثة المستضعفين المسلمين، أو حماية الأقليات في بلاد أخرى من انتقاص الحقوق، وإقامة العدل الذي قامت عليه السماوات والأرض، وذلك عند القدرة والإمكان.
قال الله عز وجل: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [النساء: ٧٥]92.
قال الشعراوي رحمه الله: «إن القتال يكون في سبيل الله وفي خلاص المستضعفين، وفي ذلك استثارة للهمم الإنسانية حتى يقف المقاتل في سبيل رفع العذاب عن المستضعفين، بل إننا نقاتل ولو من باب الإنسانية لأجل الناس المستضعفين في سبيل تخليصهم من العذاب؛ لأنهم ما داموا صابرين على الإيمان مع هذا العذاب، فهذا دليل على قوة الإيمان، وهم أولى أن ندافع عنهم ونخلصهم من العذاب»93.
من أهم أسس الجهاد في سبيل الله عز وجل، أن يستخدم المسلمون القوة التي أمرهم الله سبحانه وتعالى بإعدادها للجهاد في سبيله.
قال تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [الأنفال: ٦٠].
وتكون هذه العدة في سبيل نصرة المستضعفين من المؤمنين94.
وخصّ الله عز وجل المستضعفين بالذكر مع أن القتال في سبيل الله عز وجل يشملهم، لمزيد العناية بشأنهم، وللتحريض على القتال بحكم الشرف والمروءة، بعد التحريض عليه بحكم الدين والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى، لأن مروءة الإنسان الكريم تحمله على نصرة الضعيف، ومنع الاعتداء عليه، وفي النص على هؤلاء المستضعفين وخصوصًا النساء والولدان، أقوى تحريض على الجهاد، وأعظم وسيلة لإثارة الحماس والنخوة من أجل القتال، لأنهم إذا تركوا هؤلاء المستضعفين أذلاء في أيدي المشركين، فإنهم سيعيرون بهم، وهذا ما يأباه كل شريف كريم95.
يقول الزحيلي: «اقتضت حكمة الله ورحمته وعدله وفضله أن ينصر الضعفاء والمستضعفين، وينتقم من الأقوياء المتغطرسين والأشداء الظالمين، وميزان العدل لا يتغير، والفضل الإلهي لا يختلف بين جيل وجيل»96.
واجب المسلمين اليوم أن يهبوا لنصرة إخوانهم المستضعفين، فهذا أمر لا يحل لهم تركه، فإن نصرة المستضعفين أمر واجب على إخوانهم، ولا عذر لهم في ترك الجهاد وقد بلغ حال المستضعفين ما بلغ من الضعف والأذى، فالله عز وجل جعل لكل شيء قدرًا، وأبى المستكبرون إلا إهانة المستضعفين علوًّا في الأرض واستكبارًا97.
والذين يتقاعسون عن نصرة المستضعفين من المسلمين في كل مكان، هل يظنوا أن يحميهم الله عز وجل من بطش أعدائهم وهم الذين تركوا دينه وخانوا أمتهم من أجل عرض الحياة الدنيا الفانية؟، وهل سينصرهم الله سبحانه وتعالى بعد ذلك؟!.
وجدير بالذكر أن الصلح مع إسرائيل والاعتراف باستيلائها على فلسطين يتضمن إنكارا لأحكام شرعية واجبة ومعلومة من الدين بالضرورة، فهو يتضمن إنكار وجوب نصرة المسلمين في فلسطين وهو واجب عيني معلوم من الدين بالضرورة، والمستضعفين اليوم يتمثلون بالأسرى خلف القضبان، فواجب على الناس أن يفدوا الأسارى بجميع أموالهم، ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم حثنا على نصرته98.
فعن أبي موسى رضي الله عنه، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: (فكّوا العاني، يعني: الأسير، وأطعموا الجائع، وعودوا المريض)99.
[انظر: القتال: نتائج القتال وعواقبه]
فضل الله سبحانه وتعالى المجاهدين في سبيله على القاعدين.
قال تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [النساء: ٩٥].
ولكن ليس كل من حمل السلاح وحارب العدو نال بركة الجهاد، وحصل على آثاره الطبيّة، فكثيرون هم الذين قاتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن عندما وافته المنيّة انقلبوا على أعقابهم خاسرين.
قال تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [المائدة: ٢١].
إنّ هذا العمل الجهادي وتقدمه وتطوره يعتمد بشكل أساسي على كفاءة القائمين عليه وهم المجاهدون، يجب أن تتوافر بعض الصفات كحد أدنى في المجاهد المرابط في سبيل الله عز وجل، وبعض هذه الصفات ذاتية تولد وتنشأ مع الإنسان، وبعضها مكتسب بالعمل المتواصل والجد واكتساب الخبرة، وسأكتفي بذكر بعض منها فيما تدل على ما سواها من الصفات، وهي:
أولًا: التقوى.
من يخش الله سبحانه وتعالى ويتّقه حق تقاته يجتنب ما حرّمه ونهى عنه، ويؤدّ ما فرضه وأوجبه، هذا هو الإنسان المتّقي الذي يخاف الله عز وجل ويحرص على عدم معصيته ومخالفة أمره، فتكون بذلك أعماله مورد قبول الحق ورضاه.
قال تعالى: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [النور: ٥٢].
فالتقوى تعدّ شرطًا أساسيًّا لأن الله عز وجل لا يطاع من حيث يعصى، وإذا لم يحافظ المجاهد في سبيل الله عز وجل على حدود الله يخشى أن يسلب منه فضل الجهاد والتوفيق إليه، «وقال بعض الحكماء: العاقل من يخاف على حسناته»100، فالله تعالى قال: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [المائدة: ٢٧].
لأن المجاهد إذا لم يكن مراعيًا لحدود الله عز وجل وملتزمًا بشريعته فسيكون عرضةً لفتن النفس الأمّارة بالسوء والأهواء المضلّة، ما سينعكس سلبًا على عمله وجهاده حتمًا، وأن الطاعة لا تقبل إلّا من مؤمن متقٍ يخاف الله في كل حركاته وسكناته101.
قال تعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [القصص: ٥٠].
فساحات الجهاد يجب أن تكون طاهرة وخالية من المعاصي وآثارها الهدّامة التي تحول دون نشوء جبهة قوية، وذلك لأنه يجوز أن يكون الهوى موافقًا للحق، وإن كان نادرًا102.
ثانيًا: الإخلاص.
الإخلاص من الصفات المهمة التي ينبغي للمجاهد التحلي بها؛ لأنها منشأ كل هداية وتوفيق، فالله سبحانه وتعالى أمر الناس بالعبادة: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [الإسراء: ٢٣].
وجعلها شرطًا أساسيًّا للارتباط به وتحقق العبودية والوصول إلى مقامها الشامخ، ولكنه لم يأمر بأي عبادة، بل أمر عز وجل بالعبادة الخالصة له التي لا يشاركه فيها أحدٌ أبدًا: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [البينة: ٥].
فالمخلص هو الذي لا يطلب من وراء أي عملٍ يقوم به سوى الله سبحانه وتعالى، والمجاهد في سبيل الله عند أدائه لواجباته وتكاليفه الشرعيّة هو في حالة عبادة، وإذا لم تكن النوايا خالصةً ولم يكن الدافع الأساسي من وراء الجهاد رضا الله فلن تكون أعماله مقبولة، وبالتالي لن ينال الأجر والثواب الذي يستحقّه، فعن أبي أمامة الباهليّ، قال: جاء رجلٌ إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: أرأيت رجلًا غزا يلتمس الأجر والذّكر، ماله؟ فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: (لا شيء له) فأعادها ثلاث مرّاتٍ، يقول له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: (لا شيء له) ثمّ قال: (إنّ اللّه لا يقبل من العمل إلّا ما كان له خالصًا، وابتغي به وجهه)103.
وقال ابن القيّم رحمه الله تعالى: «العمل بغير إخلاص ولا اقتداء كالمسافر يملأ جرابه رملا ينقله ولا ينفعه»104.
ثالثًا: طاعة القائد والتقييد بالأوامر.
الطاعة هي أساس التنظيم الجهادي وهي أساس نجاح المجاهد المرابط، وذلك لاختلاف وخطورة المهام الموكلة له، وهي من الواجبات الشرعية التي أكد عليها الإسلام بشدة، لأن حفظ النظام وديمومته ونجاح الأعمال شرطها الأساسي طاعة القائد فيما يرشدهم إليه.
وبينّ الله سبحانه وتعالى ذلك في كتابه العزيز: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [الأنفال: ٤٦].
أما التمرّد على القيادة الشرعية وعدم طاعتها فيدلّ في الواقع على عبادة النفس والتعصب للذات وهو ينافي مبدأ التسليم للحق والطاعة له، فإنّ التنازع والاختلاف في الرأي يسبب الفشل، وهو الجبن والفشل في الحرب105.
الصبر من صفات المجاهد الأساسية ومن دونه لن يتمكّن من مواجهة الصعاب وتحمّل المشاكل التي تنتظره، لذا أمر الله سبحانه وتعالى به عباده المؤمنين قائلًا: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [البقرة: ١٥٣].
بالصبر على المكاره يدرك المجاهد مرضاة الله عز وجل، وبالصلاة يصل لحاجاته عنده، فإنه مع الصابرين على القيام بأداء فرائضه وترك معاصيه، وينصرهم ويرعاهم ويكلؤهم، حتى يظفروا بما طلبوا وأمّلوا قبله106.
يتكرر ذكر الصبر في القرآن كثيرًا، فلا بد من الصبر على الطاعات، والصبر عن المعاصي، وعلى جهاد المشاقين لله سبحانه وتعالى، والكيد بشتى صنوفه، وبطء النصر، وانتفاش الباطل، وقلة الناصر، وطول الطريق الشائك، والتواء النفوس، وضلال القلوب، وثقلة العناد والإعراض، ويقرن الصلاة إلى الصبر فهي المعين الذي لا ينضب، والزاد الذي لا ينفد، وتجدد الطاقة، والزاد الذي يزود القلب فيمتد حبل الصبر ولا ينقطع، ثم يضيف إلى الصبر، الرضى والطمأنينة، والثقة، واليقين107.
وقال تعالى: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [محمد: ٣١].
وتاريخ العظماء يؤكد أن أحد أهم عوامل انتصارهم هو صبرهم واستقامتهم، أما الفاقدون لهذه الصفة فسرعان ما ينهارون وينهزمون، ويكفي للدلالة على مدى أهمية الصبر بالنسبة للمجاهد ما ذكره القرآن الكريم حين أمر الله سبحانه وتعالى النبي صلى الله عليه وسلم بالقتال وتحريض المؤمنين عليه.
قال تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الأنفال: ٦٥].
والسبب الرئيس الذي يقف وراء انتصار المسلمين القلة في مثل هذه المعارك هو صبرهم وتجلدهم أمام عدو يفوقهم عددًا وعدّة، وتمتّعهم بروحية الثّبات والاستقامة التي هي ثمرة شجرة الإيمان.
خامسًا: السرية والكتمان.
من الأمور التي ينبغي أن ترافق أي عمل عسكري أو أمني ناجح السرية التامة، فالسرية في تهيئة الأمور تعطي العمل الجهادي الفرصة لتسديد الضربات المفاجئة والصادمة للعدو، ولضمان سرية العمل ودقة المعلومات وخطورة النتائج المترتبة من تسرب المعلومات، ومن ضمنها عدم وصول المعلومات للعدو أو أي إيحاء عن وجود أي مخطط ولو بشكل إجمالي كي لا يتحرز فيفشل المخطط.
كما أن المجاهد قد يطلع على كثير من أسرار الناس وتسريب بعض المعلومات قد يؤدي بهم إلى ضرر كبير فيجب عليه عدم التحدث بها حتى لأقرب الأقربين إليه، فقد يبوح البعض بأسرار العمل لأهلهم، أو عيالهم، أو لبعض الأصدقاء ممن يعتبرونهم أمناء على معلومات العمل لحسن ظاهرهم.
وهذا خطأ كبير قد لا يمكن تداركه، وقد يتسبب بإزهاق الأرواح البريئة، حيث إنّ الإسلام حذّر من إذاعة الأسرار العسكرية، كما طلب من المسلمين أن يتثبتوا مما يصلهم من أنباء قبل الركون إليها والعمل بها.
قال تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [الأحزاب: ٦٠].
ويقول تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [النساء: ٨٣]108.
سادسًا: الإيثار والشجاعة.
لقد جعل الله سبحانه وتعالى الإيثار صفة من صفات الأبرار التي ذكرها سبحانه وتعالى في كتابه الكريم حيث قال: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [الحشر: ٩].
فوجب على المجاهد إيثار الغير على نفسه، حيث إن العمل الجهادي يمتاز بالخطورة والمخاطرة بالمال والنفس، كما يمتاز العمل بروح الجماعة المضحية لبعضها البعض في حالة وقوع أحدهم في الخطر، وشد بعضهم البعض في حالة حدوث مشكلة أو أزمة.
سابعًا: التمتع بالأخلاق العالية.
الأخلاق العالية والكريمة صفة رحمة يتصف بها الإنسان المحب لأهله والمسلمين، وهي صفة يتصف بها المجاهد المرابط لشعوره العميق بالدور الذي يؤديه ولإخلاصه في الواجب عليه، وهي أيضًا صفة تساعده على كسب ثقة المجتمع و اكتساب عدد كبير من الأصدقاء ومحبة الناس، كما أن التهذيب صفة أساسية للمجاهد وذلك حتى يتمكن من عكس الصورة الحسنة له، وإبراز الوجه المشرق لعمله في الحفاظ على عمله والذي يقوم بحمايتهم بجهاده، فالمجاهد يجب عليه أن يتحلى بأسمى الصفات وأرفعها، وخير قدوة له خير البرية صلى الله عليه وسلم.
ثامنًا: التوكل على الله عز وجل.
يجب أن يكون التوكل أقوى أسلحة المجاهد في سبيل الله عز وجل، لأنه يؤمن بأن الحول والقوة بيد الله سبحانه وتعالى، وأنه المؤثر الحقيقي والوحيد في هذا العالم، وأن الأمور كلّها في الحقيقة ترجع إليه، وليس على الإنسان الصادق في إيمانه سوى أن يعبد الله عز وجل فيما أمره وأن يتوكّل عليه، فلا يعتمد على نفسه إطلاقًا ولا يكون همّه نتائج أعماله، بل جلّ اهتمامه يكون منصبًّا على طاعة ربه وأداء تكليفه بصدق وإخلاص، (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [هود: ١٢٣].
وقال تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [الأنفال: ١٠].
وهذا لا يعني ترك العمل والإعداد، وتهيئة السلاح والمعدّات، وزيادة القوة العسكرية وتطوير الكفاءات، والحرص على التنظيم وغيرها من الأمور، بل كل هذه الأمور ضرورية وأساسية ويجب الاهتمام بها وتوفيرها بحسب القدرة والوسع، ووجوب إعداد القوة وهي في كل زمان بحسبه، إن كانت في الماضي الرمح والسيف ورباط الخيل، فهي اليوم النفاثة المقاتلة والصاروخ، والدبابة والغواصة، وإلى غير ذلك من آلات لمحاربة ودفع العدو109، كما يقول الله تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [الأنفال: ٦٠].
تاسعًا: ذكر الله: عز وجل.
لقد أمر الله عز وجل المجاهدين أن يذكروه عند لقائهم العدو: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [الأنفال: ٤٥].
وليس المراد بالذكر هنا الذكر اللفظي فحسب، بل المقصود منه أيضًا الذكر القلبي، بمعنى حضور الله سبحانه وتعالى في قلوبنا، بحيث لا نغفل عن علمه وقدرته غير المحدودة ورحمته الواسعة، وفيه تنبيه على أن العبد ينبغي أن لا يشغله شيء عن ذكر الله، وأن يلتجئ إليه عند الشدائد ويقبل عليه فارغ البال، واثقًا بأن لطفه لا ينفك عنه في شيء من الأحوال110، ومثل هذا التوجه إلى اللّه يقوّي من عزيمة المجاهد في ميدان القتال، ويشعره على الدوام بأنّ هناك سندًا قويًّا يدعمه في ساحة المواجهة، لا تستطيع أية قدرة في الوجود أن تتغلب عليه، فذكر الله عز وجل يبعث على الاطمئنان والقوّة والقدرة والثبات في نفس المجاهد، قال تعالى: (ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ) [الرعد: ٢٨].
الشهادة من أعظم الجهاد، لأنه لا شيء أعزّ على الإنسان من الحياة، إلا من بلغ به إيمانه إلى تعظيم الله تعالى وحده وحبه، وبغض أعدائه، فعندئذ تأبى نفسه أن ترى عدو الله على وجه الأرض منعمًا بالحياة، متقلبًا في نعمة الله جل جلاله، ثم هو في ذلك كله يكفر به ويجحده ويشرك به، ولهذا تدعوه الحمية الدينية على أن يجاهده، فإما أن يرده إلى الحق، أو أن يدفع الجزية عن يد وهو صاغر -إن كان من أهل الكتاب- أو يقتله أو يقتل، فيكتب عند الله من الشهداء، ينال الفضل من الله، وسنتناول في هذا المبحث بإذن الله تعالى فضل الشهادة في سبيل الله، وشروطها.
أولًا: فضل الشهادة في سبيل الله:
الشهادة في سبيل الله شرف عظيم، ومقام رفيع، لا يناله إلا المصطفون الأخيار، ولا يهبها الله إلا لمن يستحقّها؛ فهي اختيار من العليّ الأعلى للصفوة من البشر؛ ليعيشوا مع الملأ الأعلى.
قال عز وجل: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [آل عمران: ١٤٠].
أي: يكرمكم بالشهادة111.
قال السهيلي: «وفيه فضل عظيم للشهداء، وتنبيه على حب الله إياهم حيث قال: (ﯨ ﯩ ﯪ) [آل عمران: ١٤٠].
ولا يقال: اتخذت، ولا اتخذ إلا في مصطفى محبوب.
قال سبحانه: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [المؤمنون: ٩١].
وقال: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [الجن: ٣].
فالاتخاذ إنما هو اقتناء واجتباء...»112.
فهي اصطفاء من البشر ليكونوا في صحبة الأنبياء.
قال تعالى في محكم التنزيل: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [النساء: ٦٩].
والشهيد الذي غادر هذه الدنيا ليس بميتٍ، ولا يحسب في عداد الأموات، بل هو حيٌّ يعيش حياةً برزخيّة يعلمها الله تعالى.
قال تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [آل عمران: ١٦٩-١٧١].
فهذه الآيات تبين المنازل العظيمة والدرجات الرفيعة التي ينالها الشهيد، فهم أحياء يتنعمون ويتلذذون بألوان النعم التي أعدها لهم ربهم في جواره113.
قال الشعراوي: «الله سبحانه يريد أن يعطينا مواصفات تؤكد أن الشهيد حي، ومن ضروريات الحياة أنه يُرزق أي ينتفع باستبقاء الحياة، وعلينا أن نفهم أن العندية عندك غير العندية عند الله، فالشهيد حي عند ربه ويرزق عند ربه رزقًا يناسب الحياة التي أرادها له ربه»114.
فالشهيد له مكانة عظيمة، قال القرطبي: «سمي شهيدًا لأنه مشهود له بالجنة وقيل: سمي شهيدًا لأن أرواحهم احتضرت دار السلام، لأنهم أحياء عند ربهم، وأرواح غيرهم لا تصل إلى الجنة، فالشهيد بمعنى الشاهد، أي: الحاضر للجنة»115.
وقد بين لنا هذه المكانة العظيمة المصطفي عليه السلام حيث قال: (ما من أحدٍ يدخل الجنّة يحبّ أن يرجع إلى الدّنيا، وأنّ له ما على الأرض من شيءٍ، غير الشّهيد، فإنّه يتمنّى أن يرجع، فيقتل عشر مرّاتٍ، لما يرى من الكرامة)116.
ولو لم يكن للقتل والشّهادة في سبيل الله من الأجر الكبير لما تمنّى محمد صلى الله عليه وسلم أن يقتل في سبيل الله ثلاث مرّات، كما جاء عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (انتدب اللّه لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلّا إيمانٌ بي وتصديقٌ برسلي، أن أرجعه بما نال من أجرٍ أو غنيمةٍ، أو أدخله الجنّة، ولولا أن أشقّ على أمّتي ما قعدت خلف سريّةٍ، ولوددت أنّي أقتل في سبيل اللّه ثمّ أحيا، ثمّ أقتل، ثمّ أحيا، ثمّ أقتل)117.
وإليكم هذه الفضائل التي يحوزها الشهيد؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (للشهيد عند الله ستّ خصال: يغفر له في أوّل دفعة، ويرى مقعده من الجنّة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منها خيرٌ من الدنيا وما فيها، ويزوّج اثنتين وسبعين زوجةً من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه)118.
ومن فضائل الشهادة في سبيل الله أن الشهيد لا يحس بألم، فقد جاء عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما يجد الشّهيد من مسّ القتل إلّا كما يجد أحدكم من مسّ القرصة)119.
وإذا قتل الشهيد لم ينقطع عمله الصالح، بل يزيد ويتضاعف؛ فعند الترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كلّ ميتٍ يختم على عمله إلا الذي مات مرابطًا في سبيل الله؛ فإنّه ينمى له عمله إلى يوم القيامة، ويأمن من فتنة القبر)120.
ثانيًا: شروط الشهادة في سبيل الله:
إن للشهادة في سبيل الله شروطًا، لا بد من توافرها حتى يقبل صاحبها في مقام الشهداء، عند الله عز وجل، وهي:
١. الإسلام.
فلا بد أن يكون الشهيد مسلمًا، فلا تقبل الشهادة من الكافر والمشرك، ولا ينتفع بشيء من جهاده؛ لأن الشرك يحبط العمل ويبطله، قال تعالى: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ)[النساء: ٤٨].
وقال تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [الفرقان: ٢٣].
وعن عائشة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بدر، فلما كان بحرة الوبرة أدركه رجل قد كان يذكر منه جرأة ونجدة، ففرح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه، فلما أدركه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: جئت لأتبعك، وأصيب معك، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تؤمن بالله ورسوله؟) قال: لا، قال: (فارجع، فلن أستعين بمشرك)، قالت: ثم مضى حتى إذا كنا بالشجرة أدركه الرجل، فقال له كما قال أول مرة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم كما قال أول مرة، قال: (فارجع، فلن أستعين بمشرك)، قال: ثم رجع فأدركه بالبيداء، فقال له كما قال أول مرة: (تؤمن بالله ورسوله؟) قال: نعم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فانطلق)121.
٢. الإخلاص.
فهو أساس قبول العمل، فلا بد أن تكون الشهادة في سبيل الله؛ خالصة لوجهه الكريم، ابتغاء مرضاته، والفوز بالأجر العظيم، لا يراد منها سمعة ولا رياءً، فالإخلاص شرط لكل عملٍ تعبدي، كما قال تعالى: (ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ) [الكهف: ١١٠].
عن أبي أمامة الباهلي قال: جاء رجلٌ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت رجلًا غزا يلتمس الأجر والذّكر ما له؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا شيء له)، فأعادها ثلاث مرّاتٍ، يقول له رسول الله: (لا شيء له)، ثم قال: (إنّ الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصًا وابتغي به وجهه) 122.
وعن أبي موسى الأشعري، قال: قال أعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم: الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليذكر، ويقاتل ليرى مكانه، من في سبيل الله؟ فقال: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)123.
٣. الثبات والصبر وعدم الفرار.
فمن يقتل وهو مدبر فار من الزحف، حتى لو قتل في ساحات المعركة، فهو ليس بشهيد، بل له وعيد شديد؛ لأنه قد مات على كبيرة من كبائر الذنوب، وقد وضحت الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة هذا الشرط ونهت عن ضده من التولي يوم الزحف والفرار من المعركة، كما جعلت درجة الشهادة لمن تحلى بهذه الصفة.
قال عز وجل: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [الأنفال: ٤٥].
«والثبات إنما يكون بقوة القلب وشدة اليقين، ولا يكون ذلك إلا لنفاذ البصيرة، والتحقق بالله، وشهود الحادثات كلها منه، فعند ذلك يستسلم لله، ويرضى بحكمه، ويتوقع منه حسن الإعانة، ولهذا أحالهم على الذكر فقال: (ﯰ ﯱ ﯲ)»124.
وأمر سبحانه وتعالى بالصبر والمصابرة في وجه الأعداء.
قال تعالى: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [آل عمران: ٢٠٠].
قال ابن عاشور: «فأمرهم بالصبر الذي هو جماع الفضائل وخصال الكمال، ثم بالمصابرة وهي الصبر في وجه الصابر، وهذا أشد الصبر ثباتًا في النفس وأقربه إلى التزلزل، ذلك أن الصبر في وجه صابر آخر شديد على نفس الصابر؛ لما يلاقيه من مقاومة قرن له في الصبر قد يساويه أو يفوقه، ثم إن هذا المصابر إن لم يثبت على صبره حتى يمل قرنه فإنه لا يجتني من صبره شيئًا، لأن نتيجة الصبر تكون لأطول الصابرين صبرًا»125.
وقد توعد الله عز وجل الفارين من القتال بالغضب والعذاب الشديد، قال تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [الأنفال: ١٦].
واستثنى من كونه فرارًا حالتين:
الأولى: التحرف: وهو من باب مكايدة العدو، أي الفر للكر، يوهمه أنه منهزم ليتبعه العدو فيكر عليه ويتمكن منه، ونحو ذلك من مكائد الحرب فإن الحرب خدعة.
الثانية: التحيز: وهو الانضمام لقتال فئة أهم ممن يقاتلهم126.
فالفرار من المعركة اعتبره النبي صلى الله عليه وسلم من الكبائر، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اجتنبوا السبع الموبقات)، قالوا يا رسول الله وما هن؟ قال: (الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات)127.
فالإقبال وعدم الإدبار عند لقاء العدو شرط لقبول الشهادة، فعن أبي قتادة، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قام فيهم فذكر لهم أنّ الجهاد في سبيل الله، والإيمان بالله أفضل الأعمال، فقام رجلٌ، فقال: (يا رسول الله، أرأيت إن قتلت في سبيل الله، تكفّر عنّي خطاياي؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم، إن قتلت في سبيل الله، وأنت صابرٌ محتسبٌ، مقبلٌ غير مدبرٍ)، ثمّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف قلت؟) قال: أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفّر عنّي خطاياي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم، وأنت صابرٌ محتسبٌ، مقبلٌ غير مدبرٍ، إلّا الدّين، فإنّ جبريل عليه السّلام قال لي ذلك)128.
قال النووي: «هذه الفضيلة العظيمة للمجاهد، وهى تكفر خطاياه كلها إلا حقوق الآدميين، وإنما يكون تكفيرها بهذه الشروط المذكورة وهو أن يقتل صابرًا محتسبًا مقبلًا غير مدبر، وفيه: أن الأعمال لا تنفع إلا بالنية والإخلاص لله تعالى»129.
٤. أن يكون قتاله واستشهاده على السّنّة.
فلا بد أن تتحقق فيه صفة المتابعة، فيغلّب الانقياد والمتابعة للشريعة، على حب التشفي والانتقام والإجرام في القتل، فيراعي الحدود الشرعية، أما من يغلّب الهوى وحب التشفي والانتقام على الحكم الشرعي، فيضع السيف حيث ينبغي شرعًا أن يرفعه، ويرفعه حيثما ينبغي شرعًا أن يضعه فمن كان هذا منهجه في القتال ثم قتل عليه، يفقد صفة وحكم الشهيد في سبيل الله، وما أعد الله تعالى للشهيد من مقام عظيم.
ومن أمثال هؤلاء: الغلاة الذين يقتلون إخوانهم المسلمين بحجة مخالفتهم المنهج، فيقتلون من صان الشرع حرماتهم، كما جاء وصفهم في الحديث: (يقتلون أهل الإسلام، ويتركون أهل الأوثان، لئن أدركتهم لأقتلنّهم قتل عاد)130.
فهم يستحلون دم إخوانهم المسلمين الذين عظم الله عز وجل دماءهم، قال صلى الله عليه وسلم: (لزوال الدّنيا أهون عند اللّه من قتل رجلٍ مسلمٍ)131.
ومن الاستشهاد على السنّة: أن لا يستشرف مواطن الهلكة والقتل: (ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [النساء: ٢٩].
وقال تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [البقرة: ١٩٥].
وكالذي يستعجل في الاستشهاد دون أن يعود بالنفع على المسلمين، فمن يفعل ذلك فهو ليس بشهيد.
٥. أن يكون الغرض الذي يستشهد من أجله مشروعًا.
قال تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [النساء: ٧٦].
فقد أذن الله تعالى لعباده أن يجاهدوا، لإعلاء كلمة الله عز وجل، ورفع راية الحق، ودفاعًا عن الدين والمال والعرض، فمن قتل دفاعًا عن هذه الأشياء فهو شهيد132، قـال صلى الله عليه وسلم: (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد)133.
الجهاد شرف عظيم ومنزلة رفيعة، يتنافس لنيلها المتنافسون، ويحرص للفوز بها المؤمنون، لكن قد لا يستطيع الإنسان أن يشارك في الجهاد؛ لأسباب وظروف مختلفة تعوق دون نيل هذا الشرف، ومن هذه المعوقات ما يكون ماديًّا، ومنها ما يكون معنويًّا.
أولًا: المعوقات المادية أو الحسية:
ومن هذه المعوقات ما يتعلق بذات الشخص نفسه، ومنها ما تخرج عن ذاته.
أما الأول: عدم المشاركة في القتال بسبب عجز صحي، وهذه المعوقات أعاقت أصحابها عن المشاركة في الجهاد، ورفع الله عنهم الحرج في الخروج للجهاد بسبب عجزهم.
قال تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [الفتح: ١٧].
فهم ثلاثة أصناف، الأعمى الذي لا يستطيع الوصول للعدو والانتقال أثناء المعركة، والأعرج الذي لا يستطيع الكر والفر، والمريض الذي يمنعه مرضه، إذ به يضعف جسمه134.
فقد قال الله عز وجل: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [البقرة: ٢٨٦].
فكل من عجز عن القتال؛ لضعف في بدنه رفع الله عز وجل عنه الحرج.
قال جل جلاله: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [التوبة: ٩١].
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع من غزوة تبوك فقال: (إن بالمدينة أقوامًا ما سرتم مسيرًا ولا قطعتم واديًا إلا كانوا معكم)، قالوا: يا رسول الله، وهم بالمدينة؟ قال: (وهم بالمدينة، حبسهم العذر)135.
وقد قسم الإمام الرازي أصحاب الأعذار فقال: «القسم الأول: الصحيح في بدنه، الضعيف مثل الشيوخ، ومن خلق في أصل الفطرة ضعيفًا نحيفًا، وهؤلاء هم المرادون بالضعفاء،...وأما المرضى: فيدخل فيهم أصحاب العمى، والعرج، والزمانة، وكل من كان موصوفًا بمرض يمنعه من التمكن من المحاربة، والقسم الثالث: الذين لا يجدون الأهبة والزاد والراحلة، وهم الذين لا يجدون ما ينفقون، لأن حضوره في الغزو إنما ينفع إذا قدر على الإنفاق على نفسه، إما من مال نفسه، أو من مال إنسان آخر يعينه عليه، فإن لم تحصل هذه القدرة، صار كلًّا ووبالًا على المجاهدين، ويمنعهم من الاشتغال بالمقصود، ثم إنه تعالى لما ذكر هذه الأقسام الثلاثة قال: لا حرج على هؤلاء»136.
ومن المعوقات ما تخرج عن ذات الشخص فتتعلق بغيره، منها: الفقر وعدم القدرة على النفقة في الغزو.
قال جل جلاله: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [التوبة: ٩١-٩٢].
قال الشوكاني: «ثم ذكر العذر الراجع إلى المال لا إلى البدن فقال: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) أي: ليست لهم أموال ينفقونها فيما يحتاجون إليه من التجهز للجهاد، فنفى سبحانه عن هؤلاء الحرج وأبان أن الجهاد مع هذه الأعذار ساقط عنهم، غير واجب عليهم»137.
«فإن قيل: في قوله (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) أليس هؤلاء داخلون تحت قوله: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) فما الفائدة في إعادته؟ قلنا: الذين لا يجدون ما ينفقون، هم الفقراء الذين ليس معهم دون النفقة، وهؤلاء المذكورون في الآية الأخيرة هم الذين ملكوا قدر النفقة، إلا أنهم لم يجدوا المركوب»138.
ومن المعوقات المادية: ضعف الإمكانات والعدة والعتاد للقتال ومواجهة الأعداء، العتاد من الأمور التي قد تعوق دون المشاركة في الجهاد، وتؤثر على المسلمين في جهادهم، وقد أمر الله عز وجل بإعداد القوة لمواجهة أعداء الله.
قال تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الأنفال: ٦٠].
قال الرازي: «اعلم أنه تعالى لما أوجب على رسوله أن يشرد من صدر منه نقض العهد، وأن ينبذ العهد إلى من خاف منه النقض، أمره في هذه الآية بالإعداد لهؤلاء الكفار، قيل: إنه لما اتفق أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في قصة بدر أن قصدوا الكفار بلا آلة ولا عدة؛ أمرهم الله أن لا يعودوا لمثله، وأن يعدوا للكفار ما يمكنهم من آلة وعدة وقوة»139.
والمقصود بالقوة التي أمر الله عز وجل بإعدادها كل ما يتقوى به في مواجهة الأعداء، وقيل: جميع أنواع الأسلحة، وقيل: هي الرمي كما فسرها النبي صلى الله عليه وسلم 140.
ثانيًا: المعوقات المعنوية:
إن الحرب النفسية من أهم ما يؤثر على نفسية المجاهد، فإذا ما تزعزعت هذه الروح كان من السهل التفوق عليها، لذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يهتم بالروح المعنوية لأصحابه، حتى يكونوا جاهزين للمشاركة في أي غزوة للدفاع عن دينهم، وكان مما يؤثر على المجاهد معنويًّا وجود فئة من المثبطين المتخاذلين الذين قال الله عنهم: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [الأحزاب: ١٨].
يخبر تعالى عن إحاطة علمه بالمعوقين لغيرهم عن شهود الحرب، والقائلين لإخوانهم وأصحابهم وعشرائهم وخلطائهم هلم إلينا أي: إلى ما نحن فيه من الإقامة في الظلال والثمار، وهم مع ذلك لا يشاركون في الحرب إلا قليلًا، وهم مع ذلك بخلاء بالمودة، والشفقة عليكم141.
وقد نزلت هذه الآية في ناس من المنافقين كانوا يقولون لإخوانهم: ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس، ولو كانوا لحمًا لالتهمهم أبو سفيان وأصحابه، دعوا هذا الرجل فإنه هالك142.
هذا هو حال المنافقين، فهم جبناء لا يشاركون في الحرب، ومع ذلك يثبطون همم المسلمين ويحبطوهم، ويخذلوهم.
كثرت شبهات الحاقدين على الإسلام، ومنها أن الإسلام دين قتل وسفك للدماء وإرهاب واستحلال لدماء ولأموال الكافرين، وأنه إنما انتشر بحد السيف، وسوف أتناول بعض هذه الشبهات مع الرد عليها بإذن الله تعالى.
أولًا: الشبهة الأولى:
قال الكفار: إن النبي صلى الله عليه وسلم عندما كان في مكة كان ضعيفًا لا عدة عنده ولا عتاد؛ لذلك كان يأمر بالعفو والصفح، ولكن عند خروجه منها وقيامه بدولته انقلب واصبح دمويًّا، وللرد على هذه الشبهة نقول: إن الإسلام يدعو إلى الرحمة على يد نبيه صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [الأنبياء: ١٠٧].
وكانت أول آية للإذن بالقتال قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [الحج: ٣٩].
قال البغوي في تفسيره: «وقال مجاهد: نزلت هذه الآية في قوم بأعيانهم خرجوا مهاجرين من مكة إلى المدينة، فكانوا يمنعون، فأذن الله لهم في قتال الكفار الذين يمنعونهم من الهجرة، بأنهم ظلموا، أي: بسبب ما ظلموا، واعتدوا عليهم بالإيذاء، وإن الله على نصرهم لقدير»143.
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والمؤمنين بالقتال لم يكن إلا ردًّا على ظلم أو عدوان.
ثانيًا: الشبهة الثانية:
وهي مكونة من نظريتين، الأولى: أن الإسلام إنما انتشر بالقهر والسيف، وسفك الدماء، وأن المسلمين كانوا متوحشين يبطشون بالناس ويكرهونهم على الدخول فيه، والثانية: تهتف بعكس ذلك تمامًا، أي أنه دين سلام ومحبّة، لا يشرع الجهاد فيه إلا لرد العدوان المداهم، ولا يحارب أهله إلا إذا أرغموا على القتال، والهدف في النهاية قتل روح الجهاد في نفوس المسلمين.
نقول: إن الإسلام لم ينتشر بالسيف بل انتشر بالدعوة وحدها، ومثال على ذلك انتشاره في الهند والصين، فالمسلمون فيها لم يكونوا غير عابري سبيل فيها، فالإسلام دين خضوع وانقياد عن رضا.
يقول عز وجل: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [يونس: ٩٩].
«يقول المؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه حضارة العرب وهو يتحدث عن سر انتشار الإسلام في عهده صلى الله عليه وسلم وفى عصور الفتوحات من بعده: قد أثبت التاريخ أن الأديان لا تفرض بالقوة، ولم ينتشر الإسلام إذن بالسيف، بل انتشر بالدعوة وحدها، وبالدعوة وحدها اعتنقته الشعوب التي قهرت العرب مؤخرًا كالترك والمغول، وبلغ القرآن من الانتشار في الهند التي لم يكن العرب فيها غير عابري سبيل ما زاد عدد المسلمين إلى خمسين مليون نفس فيها، ولم يكن الإسلام أقل انتشارًا في الصين التي لم يفتح العرب أي جزء منها قط، وسترى في فصل آخر سرعة الدعوة فيها، ويزيد عدد مسلميها على عشرين مليونًا في الوقت الحاضر»144.
قال الشعراوي في رده على من قال إن الإسلام قد انتشر بالسيف: «إن الله قد بدأ الإسلام بضعف حتى يسقط هذا الاتهام، لقد كان المسلمون الأوائل ضعفاء لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم، فيتجه بعضهم إلى الحبشة، ويهاجرون بحثًا عن الحماية، فلو كان الإسلام قد انتشر بالسيف فلنا أن نسأل: من الذي حمل أول سيف ليكره أول مؤمن؟ إن المؤمنين رضوا الإسلام دينًا وهم في غاية الضعف ومنتهاه. إن الإسلام قد بدأ واستمر وما زال يحيا بقوة الإيمان، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء في أمة أمية، ومن قبيلة لها شوكتها، وشاء الحق ألا ينصر الله دينه بإسلام أقوياء قريش أولًا، بل آمن بالرسول صلى الله عليه وسلم الضعفاء وخاض رحلة الدعوة الإيمانية مدة ثلاثة عشر عامًا، دعوة للإيمان بالله، ثم هاجر رسول الله إلى المدينة، إلى أن صار كل المسلمين وحدة إيمانية قوية، وارتفع السيف لا ليفرض العقيدة، ولكن ليحمي حرية اختيار الناس للعقيدة الصحيحة ولو أن الإسلام انتشر بالسيف فكيف نفسر وجود أبناء لديانات أخرى في البلاد المسلمة؟ لقد أتاح الإسلام فرصة اختيار العقيدة لكل إنسان»145.
فالإسلام دين الرحمة جاء هداية للبشر وإسعادهم، والدليل على ذلك ما سنه الإسلام دستورًا أخلاقيًّا للقتال قبل أربعة عشر قرنًا من معرفة البشرية لمواثيق أخلاقيات القتال، فقال عليه السلام: (اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدًا، وإذا لقيت عدوك من المشركين، فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم، وكف عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك، فاقبل منهم، وكف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين، وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها، فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم، وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم...)146.
ثالثًا: الشبهة الثالثة:
زعمهم أن الجهاد والغزو كان بهدف الحصول على الغنائم، فقسوة الحياة المادية والاقتصادية دفعتهم إلى غزو بلاد غير المسلمين، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعيش هو وأصحابه على السلب والنهب، يقول مرجليوث: «عاش محمد صلى الله عليه وسلم هذه السنين الست ما بعد الهجرة إلى المدينة على التلصص والسلب والنهب»147.
إن سلوك النبي صلى الله عليه وسلم، وأخلاقه وظروف حياته ترد على هذه الشبهة، فالمعروف من حياة النبي أنه كان يعيش على الكفاف، وأنه كان يمر الشهر والشهران ولا يوقد في بيته نار، وأنه تعرض في بداية دعوته لأكبر جائزة ومنال من قريش فرفضها، حيث عرضت عليه المال والنساء والجاه، فقال قولته المشهورة صلى الله عليه وسلم: يا عمّ، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته148.
فمن يرفض هذا العرض المغري ويركن إلى الزهد، ويحث أصحابه على خشونة العيش، لا يكون هذا الخلق إلا من رجل يعيش من أجل رسالة عظيمة، والتاريخ يشهد لهذا النبي عليه الصلاة والسلام بما كان عليه في حياته إلى أن توفّاه الله تعالى، من صدق في الحديث، واستقامة في السلوك وأمانة في التعامل، وإخلاص في العمل، وغير ذلك من الخصال الحميدة والأخلاق الفاضلة، التي تتنافى مع ما ذهب إليه أمثال هؤلاء149.
والغنائم ثمرة مشروعة من ثمرات الجهاد، وتمثل مظهرًا من مظاهر نصرة الإسلام فتكون الثمرة مرغوبة بهذا الاعتبار، بدون أن تتعلق بها النفس تعلقًا يشغلها عن الدافع الحقيقي من وراء الجهاد، ويشهد لذلك: قول وفد المسلمين لرستم قبيل القادسية: «والله، لإسلامكم أحب إلينا من غنائمكم»150.
فالدافع نحو الجهاد هو نشر الدعوة الإسلامية وتطبيق النظام الإسلامي، والأغراض المشروعة التي يمكن أن تستفاد من الجهاد كثيرة، منها: تحقيق منافع اقتصادية، فينبغي التفريق بين الدافع للجهاد وبين المصالح المستفادة من الجهاد.
موضوعات ذات صلة: |
الإصلاح، التغيير، التمكين، الحرب، الدعوة، القتال |
1 انظر: القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص٢٧٥.
2 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ١/٤٨٦، لسان العرب، ابن منظور ٣/١٣٣.
3 انظر: مختار الصحاح، الرازي، ص ٦٣، تاج العروس، الزبيدي، ٧/٥٣٤.
4 انظر: المفردات، الأصفهاني، ص١٠١، التوقيف، المناوي، ص١٣٣، الجهاد في سبيل الله، القحطاني، ص ٥.
5 الفتاوى الكبرى، ٥/١٨٢.
6 الكليات، ص٣٥٤.
7 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص ١٨٢-١٨٣، المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، ص٤٠٦-٤٠٧.
8 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص١٥٩، نزهة الأعين النظائر، ابن الجوزي، ص٢٣١-٢٣٢.
9 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري، ٩/٦٢.
10 انظر: لسان العرب، ابن منظور،١١/٥٤٩.
11 انظر: المصدر السابق ١٥/١٢٣.
12 المفردات، ص٣٦٠.
13 انظر: الفروق اللغوية، العسكري، ص٣٨٥.
14 انظر: جمهرة اللغة، ابن دريد، ٢/٧٨٨.
15 المفردات، ص٥٠١.
16 انظر: العين، الفراهيدي، ٣ / ٢١٣.
17 التوقيف، ص١٣٧.
18 البحر المديد، ص٢٤٣.
19 أخرجه أحمد في مسنده، ٣٩/٣٨١، رقم ٢٣٩٥٨.
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، ٢/٩٠.
20 تفسير الشعراوي، ١٨/١١٢٨٤.
21 زاد المعاد ٣/٦.
22 ذم الهوى، ص٤٠.
23 انظر: التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي، ٢/١٢٢، أنوار التنزيل، البيضاوي، ٤/٨٠.
24 التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي، ٢/١٢٩.
25 أخرجه الطبراني في معجمه الكبير، ١٣/٥٦٩، رقم ١٤٥١٢.
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، ٣/٤٧٨.
26 انظر: الموسوعة الفقهية الميسرة، حسين العوايشة، ٧/٢٤، الجهاد في سبيل الله، سعيد القحطاني، ص٩.
27 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الطهارة، باب فضل إسباغ الوضوء على المكاره، ١/٢١٩، رقم ٢٥١.
28 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية، ١/٥٦٠، تفسير القرآن، السمعاني، ١/٣٩١.
29 زاد المعاد، ٣/٦.
30 انظر: الجهاد في سبيل الله، سعيد القحطاني، ص٩.
31 فتح الباري، ١١/٣٣٨.
32 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٨/٢٠١.
33 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية، ٥/٣٣٤، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٨/٢٠١.
34 انظر: الكشاف، الزمخشري، ٤/٥٧١.
35 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد، باب الجهاد بإذن الأبوين، ٣/١٠٩٤، رقم ٢٨٤٢.
36 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٢٨/٣٧٢.
37 انظر: زاد المعاد، ابن القيم، ٣/١٠.
38 أخرجه البيهقي في سننه، ٩/٧٢، رقم ١٧٩٤١.
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، ٣/٤٧٨.
39 زاد المعاد، ٣/١٤٤.
40 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب فضل رباط يوم في سبيل الله، ٣/١٠٥٩، رقم ٢٧٣٥.
41 جامع البيان، الطبري، ١٤/٢٧٠.
42 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ١٦/٥٦، البحر المديد، ابن عجيبة، ٥/٣٩٤.
43 التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي، ١/٣٤٨.
44 مفاتيح الغيب، الرازي، ١٦/١٥٠.
45 إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٤/١٠٥.
46 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب العزلة راحة من خلاط السوء، ٥/٢٣٨١، رقم ١٦٢٩.
47 أخرجه البخاري في صحيحه، أبواب العيد، باب فضل العمل في أيام التشريق، ٢/٢٠، رقم ٩٦٩.
48 انظر: تنوير المقباس من تفسير ابن عباس، ص٤٧٨.
49 انظر: فتح البيان، القنوجي، ٩/٣٢٢، محاسن التأويل، القاسمي، ٧/٤٣٢.
50 تيسير الكريم الرحمن، ص٥٨٤.
51 أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الفتن، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ٢/١٣٢٩، رقم ٤٠١١.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٢٤٨، رقم ١١٠٠.
52 أخرجه الطبراني في الكبير، ٩/١٨١، رقم ٨٨٩٦.
53 مقدمات في علم مقالات الفرق، ١/١٨.
54 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل حسان بن ثابت، ٧/١٦٤، رقم ٦٤٧٨.
55 أخرجه النسائي في سننه، كتاب التفسير، ١٠/٢١٤، رقم ١١٣٣٠.
وصححه الألباني في إرواء الغليل، ٢/١٣٨.
56 انظر: تفسير السمرقندي، ٢/٨٠، تفسير القرآن، السمعاني، ٢/٣٣٦، مفاتيح الغيب، الرازي، ١٦/١١٩.
57 انظر: لباب التأويل، الخازن ٢/٣٤٣.
58 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسرايا، باب الغدوة والروحة في سبيل الله، ٣/١٠٢، رقم ٢٦٣٩.
59 مدارك التنزيل، النسفي، ٢/٦٨٧.
60 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٨/١١٢.
61 تفسير القرآن العظيم، ٤/٢١٨.
62 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب فضل الجهاد والخروج في سبيل الله، ٣/١٤٩٥، رقم ١٨٧٦.
63 جامع البيان، الطبري، ٩/٨٥.
64 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب فضل الجهاد والسير، ٣/١٠٢٦، رقم ٢٦٣٣.
65 لا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، محمد آل هادي، ص١٥٠.
66 شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك، ٣/٤.
67 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، أفضل الناس مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله، ٣/١٠٢٦، رقم ٢٦٣٤.
68 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب درجات المجاهدين في سبيل الله، ٣/١٠٢٨، رقم ٢٦٣٧.
69 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ١/ ١٥.
70 انظر: تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين، علي الصّلاّبي، ص ٥٨٢- ٥٨٥.
71 الجهاد في سبيل الله، عبد الله القادري ٢/ ١٥٩.
72 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، ٤/٢٠، رقم ٢٨١٠.
73 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب، ٤/ ٢٣٤٤.
74 انظر: القرآن منهاج حياة، غازي صبحي، ص ١٨٢.
75 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ١٢/ ١٩٢.
76 انظر: في ظلال القرآن ٣/ ١٤٨١.
77 انظر: تفسير السمرقندي، ٢/٢٢٣، لباب التأويل، الخازن، ٣/١٤، روح البيان، إسماعيل حقي، ٤/٣٦٠.
78 انظر: تفسير المراغي ٥/ ١٨٥.
79 المغول التتار بين الانتشار والانكسار، علي الصلابي، ص ٢١٧.
80 انظر: السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث، علي الصلابي ص ٣٦٠.
81 حاشية ابن عابدين رد المحتار، ٤/ ١٢٤.
82 المغني، ٩/ ١٩٧.
83 انظر: الجهاد في سبيل الله، عبد الله القادري، ٢/ ١٦٢، السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث، علي الصلابي ص ٣٦٠.
84 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٥/ ٢٧٩.
85 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب، ١/ ٢٩٤.
86 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، ٤/ ١٩٩٤، رقم ٥٥.
87 انظر: السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث، علي الصلابي ص ٣٦٠- ٣٦١.
88 تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين، علي الصلابي ص ٥٩١.
89 المبسوط، ١٠/ ٨٥.
90 انظر: السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث، علي الصلابي ص ٣٦١.
91 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب، ١/ ٢٩٤.
92 انظر: الفقه الإسلامي وأدلته، الزحيلي، ٨/ ٦٤٠٧.
93 تفسير الشعراوي، ٤/ ٢٤١٧.
94 انظر: الاتجاهات الحديثة في تخطيط المناهج الدراسية، محمود أحمد شوق ص ٣١٢.
95 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ٣/ ٢١٩.
96 التفسير الوسيط، ١/ ٧١٦.
97 انظر: لباب التأويل، ١/ ٣٩٨-٣٩٩.
98 انظر: مفهوم الولاء والبراء في القرآن والسنة، علي الشحود، ص ٣٨٦.
99 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب فكاك الأسير، ٤/ ٦٨، رقم ٣٠٤٦.
100 تفسير السمرقندي، ١/ ٣٨٤.
101 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي، ٢/ ١٢٣.
102 انظر: تفسير القرآن، السمعاني، ٤/ ١٤٦.
103 أخرجه النسائي في سننه، كتاب الجهاد، باب من غزا يلتمس الأجر والذكر، ٦/ ٢٥، رقم ٣١٤٠.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٣٧٩، رقم ١٨٥٦.
104 نضرة النعيم، مجموعة باحثين، ٢/ ١٣٩.
105 انظر: فتح القدير، الشوكاني، ٢/ ٣٥٩.
106 انظر: جامع البيان، الطبري، ٣/ ٢١٣.
107 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب، ١/ ١٤١-١٤٢.
108 انظر: الرسول القائد، محمود شيت خطاب ص ٥٢.
109 انظر: أيسر التفاسير، الجزائري، ٢/ ٣٢٥.
110 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي، ٣/ ٦٢، مدارك التنزيل، النسفي، ١/ ٦٤٩.
111 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٤/٢١٨.
112 الروض الأنف، ٦/٤٢.
113 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٢/١٦٠.
114 تفسير الشعراوي، ٣/١٨٧٠.
115 الجامع لأحكام القرآن، ٤/٢١٨.
116 أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب تمني المجاهد أن يرجع إلى الدنيا، ٣/١٠٣٧، رقم ٢٦٦٢، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجهاد، باب ما يعدل الجهاد، ٦/٣٥، رقم ٤٩٠٢.
117 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الجهاد من الإيمان، ١/١٦، رقم ٣٦.
118 أخرجه الترمذي في سننه، باب في ثواب الشهيد، ٣/٢٣٩، رقم ١٦٦٣.
وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ٢/٩٢٠، رقم ٥١٨٢.
119 أخرجه الترمذي في سننه، باب ما جاء في فضل الرباط، ٤/١٩٠، رقم ١٦٦٨.
وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١٠١٢، رقم ٥٨١٣.
120 أخرجه الترمذي في سننه، باب فضل من مات مرابطًا، ٤/١٦٥، رقم ١٦٢١.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/٨٣٧، رقم ٤٥٦٢.
121 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب كراهة الاستعانة بالغزو بالكافر، ٣/١٤٤٩، رقم ١٨١٧.
122 أخرجه النسائي في سننه، باب من غزا يلتمس الأجر والذكر، ٥/٢٥، رقم ٣١٤٠.
وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ١/٣٧٩، رقم ١٨٥٦.
123 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الخمس، باب من قاتل للمغنم هل ينقص من أجره٣/١١٣٧، رقم ٢٩٥٨.
124 لطائف الإشارات، القشيري، ١/٦٢٨.
125 التحرير والتنوير، ٤/٢٠٨.
126 انظر: محاسن التأويل، القاسمي، ٥/٢٢٦، فتح القدير، الشوكاني، ٢/٣٣٦.
127 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة، باب رمي المحصنات، ٦/٢٥١٥، رقم ٦٤٦٥.
128 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب من قتل في سبيل الله كفرت خطاياه إلا الدين، ٣/١٥٠١، رقم ١٨٨٥.
129 المنهاج شرح صحيح مسلم، ١٣/٢٩.
130 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: (تعرج الملائكة والروح إليه)، ٦/٢٧٠٢، حديث ٦٩٩٥.
131 أخرجه النسائي في سننه، باب تعظيم الدم، ٧/٨٢، حديث ٣٩٨٧، قال الألباني: حسن صحيح.
132 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ١٠/١٤٢.
133 أخرجه الترمذي في سننه، باب ما جاء فيمن قتل دون ماله فهو شهيد،٤/٣٠، حديث ١٤٢١، قال الألباني: صحيح.
134 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ٢٨/٧٨.
135 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب نزول النبي صلى الله عليه وسلم الحجر، ٤/١٦١٠، حديث٤١٦١.
136 مفاتيح الغيب، ١٦/١٢١.
137 فتح القدير، ٢/٤٤٦.
138 مفاتيح الغيب، الرازي، ١٦/١٢٢.
139 المصدر السابق ١٥/٤٩٩.
140 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٥/٤٩٩، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٨/٣٥.
141 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٦/٣٩٠.
142 انظر: جامع البيان، الطبري، ٢٠/٢٣٠.
143 مختصر معالم التنزيل، البغوي، عبد الله الزيد، ١/٦٢٢.
144 موسوعة الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، على الشحوذ، ٦/٣٧٠.
145 تفسير الشعراوي، ٣/١٤٩٧.
146 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث، ووصيته إياهم بآداب الغزو وغيرها، ٣/١٣٥٧، رقم ١٧٣١.
147 الاستشراق وموقفه من السنة النبوية، فالح الصغير، ١/٤٧.
148 انظر: نور اليقين في سيرة سيد المرسلين، الخضري، ١/٣٧.
149 انظر: مصادر السيرة النبوية، ضيف الله الزهراني، ١/٢٥.
150 تاريخ الأمم والملوك، الطبري، ٣/٥٢٨.