ثمود
أولًا: التسمية:
اسم ثمود عَلَمٌ على قبيلة ثمود قوم سيدنا صالح عليه السلام.
وقد ذكر ابن فارس أن الثاء والميم والدال تدل على القليل من الشيء1.
والثَّمَد: موضع يلزم ماء السماء، وله مسايل، وتحفر في نواحيه ركايا تُمْلأ من مائه، فيشرب الناس الماء الظاهر حتى يجف، فتبقى تلك الركايا بعده فهي الثماد2، ولهذا سموا ثمود على تلك الأثماد التي جعلوها لريهم وشربهم، وذلك أشبه أن تكون التسمية في أصلها منسوبة لهذه الأثماد، التي ربما يكون أثمدها جدهم ثمود، فنسبوا إليه، وأصبح الاسم عَلَمًا على أبناء ثمود.
وقيل: سميت ثمود لقلة مائها، ولأن الثمد هو: الماء القليل3.
ثانيًا: موقع ثمود:
يعد المؤرخون ثمود من قبائل العرب العاربة البائدة4، وكان مسكنهم الحجر في وادي القرى بين بلاد الشام والحجاز، ولهذا عرفوا بأصحاب الحجر5.
قال سبحانه تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [الحجر:٨٠]. وقد مر النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه بالحجر في طريقهم إلى تبوك6، والحجر، مدينة من مدن النبط للقديمة المهمة تقع على شريان التجارة في العالم القديم7.
وقد ذهب بعض الباحثين إلى أنهم سكنوا منطقة الحجر التي تسمى (مدائن صالح)8.
وقد جاء ذكر الموضع في القرآن: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [الحجر:٨٠]9.
ثالثًا: زمن ثمود:
ظهرت ثمود بعد عاد، وقبل قوم لوط وقوم شعيب.
وعلى هذا فإن أقل تقدير لفترة ظهورهم هو ما يزيد عن أربعة آلاف سنة من الآن، حيث أن لوطًا عليه السلام هو ابن أخ إبراهيم عليه السلام، وقد عاشا قبل أربعة آلاف سنة.
وهذا الترتيب لهؤلاء الأقوام قد ورد في قوله تعالى (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [هود:٨٩].
وجاء في الموسوعة البريطانية: أن منشأ ثمود هو جنوب الجزيرة العربية، إلا أن مجموعة كبيرة منها انتقلت إلى الشمال في تاريخ مبكر واستقرت على منحدرات جبل أثلب، وقد كشفت الحفريات الأثرية عن كتابات حجرية وصور ثمودية ضخمة عبر وسط الجزيرة العربية أيضًا. واليوم وبالرغم من كل ما كانوا عليه لم يبق لهم من أثر سوى هذه البقايا التي تخبرنا عن الفن الذي كان يطبع عصرهم (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [الشعراء:١٤٩].
ورد ذكر (ثمود) في القرآن الكريم (٢٦) مرة في (٢٢) سورة.
وقد وردت قصة ثمود في القرآن في السور الآتية:
السورة |
الآيات |
الأعراف |
٧٣-٧٩ |
هود |
٦١-٦٨ |
الشعراء |
١٤١-١٥٩ |
النمل |
٤٥-٥٣ |
فصلت |
١٧/١٨ |
الذاريات |
٤٣-٤٥ |
القمر |
٢٣-٣١ |
الحاقة |
٤-٥ |
الشمس |
١١-١٥ |
أرسل الله تعالى إلى ثمود أخاهم صالحًا رسولًا يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له.
قال تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [الأعراف:٧٣].
وأمرهم بإخلاص العبادة لله سبحانه وتعالى، وقد جاءهم بالبرهان على صدق دعوته، فأخرج لهم من الصخرة ناقة عظيمة، وأمرهم ألا يتعرضوا لها بأي أذى، فيصيبهم عذاب موجع.
[انظر:صالح عليه السلام: التعريف بصالح عليه السلام]
رسالة سيدنا صالح عليه السلام إلى ثمود:
أولًا: رسالته دعوة للتوحيد:
فقد ورد في القرآن الكريم الخطاب ببعث الرسل وإرسالهم إلى أقوامهم بدعوة التوحيد.
قال تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [النحل:٣٦].
وقوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [الأنبياء:٢٥].
وهذا على وجه الإجمال وفصل لبعضهم فقال عن نوح: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [المؤمنون:٢٣].
(ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [الأعراف:٧٣].
(ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [هود:٥٠].
(ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [هود:٨٤].
وهذا خطاب واحد لهم جميعًا، وأرسل الله سبحانه وتعالى سيدنا صالحًا عليه السلام إلى قومه، وكان أوسطهم وأفضلهم أسرة وعشيرة، وموضع مشورتهم ويصدرون عن رأيه ويرجون له ومنه الخير، فلما دعاهم لتوحيد الله وحده وترك الأوثان، والتوجه بالعبادة لله وحده، وألح عليهم وأنذرهم بالوعيد والعذاب الشديد طلبوا منه أن يخرج لهم آية في عيدهم، دالة على صدقه عنادًا ونفاقًا، فآتاهم الله الناقة آية بينة، فأصروا على عنادهم، بل استمروا في غيهم حتى ينمنوا به ويصدقون رسالته، فدعا الله فأخرج لهم الناقة مع فصيلها بالأوصاف التي طلبوها من صخرة، وكانت مميزة بكثرة لبنها وشكلها رغم أنها آية من الله وحجة ظاهرة، أصروا على عنادهم، وعتوا من أمر ربهم وتجرأوا على انتهاك حرمة الله فعقروا الناقة، فحق عليهم الهلاك، وكلمة العذاب. ولما عقروا الناقة وعدهم سيدنا صالح بالهلاك بعد ثلاث أيام.
قال تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [هود:٦٥].
و قد ذاقوا مرارة الترقب والانتظار خلال تلك الأيام، فلما اكتملت الأيام الموعودة آتاهم العذاب صبيحة يوم نحس، فأخذتهم رجفة شديدة زلزلت بهم الأرض، وصاعقة محرقة من فوقهم، وصيحة واحدة مفزعة قطعت نياط قلوبهم وتركتهم أجسادًا بلا أرواح، وبقيت ديارهم عبرة على من الأيام والعصور10.
ثانيًا: سيدنا صالح عليه السلام يدعو قومه بالحكمة والموعظة الحسنة:
كان صالح عليه السلام يخاطب قومه بأخلاق الداعي الكريمة، وآدابه الرفيعة ويدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة تارة، ويجادلهم تارة بالتي هي أحسن في موضع الجدال، مؤكدًا على أن عبادة الله هي الحق، والطريق المستقيم. ولكن قومه تمادوا في كفرهم، وأخذوا يدبرون له المكائد والحيل حتى لا يؤمن به أكثر الناس، وذات يوم كان صالح عليه السلام يدعوهم إلى عبادة الله، ويبين لهم نعم الله الكثيرة، وأنه يجب شكره وحمده عليها، فقالوا له: يا صالح ما أنت إلا بشر مثلنا، بل وذلك خطاب كل الأمم المكذبة لرسلهم الذين بعثوا إليهم: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [يس:١٥].
أي: كان هذا احتجاجهم في رد الرسالات يحتجون على الرسل فيقولون -واللّه أعلم-: إن الرسل إنما يجيئون من عند المرسل، وأنتم نشأتم بين أظهرنا لم تأتونا من عند أحد في الظاهر، ولا نرى لك خصوصية لا في الخلقة ولا في القدرة والمال وغيره وإذا كنت تدعي أنك رسول الله، فلابد أن تأتينا بمعجزة وآية.
قال تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [الأعراف:٧٣].
وكان رد الرسل عليهم صلوات الله وسلامه: (ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [إبراهيم:١١].
رابعًا: منهج سيدنا صالح عليه السلام في الدعوة:
أمّا منهج النبي صالح عليه السلام فإنّه لا يختلف عن منهج أخويه نوح وهود عليهما السلام؛ في الدعوة إلى الله تعالى في عدم الشرك به وإفراده بالعبادة، لكن الكثير منهم رفض هذه الدعوة فآذوا نبي الله صالحًا وهمّوا بقتله وعقروا الناقة الّتي جعلها الله آية على صدقه، وقد كان حذّرهم من قتلها فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر.
قال تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [هود:٦١] -(ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ)- أي: فاسألوه أن يغفر لكم ما أشركتم وما أجرمتم، ثم توبوا وارجعوا إليه كلما وقع منكم ذنبا أو خطأ11.
(ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ) [هود:٦١-٦٢].
أي: قد كنا نرجو أن يكون عقلك كاملًا قبل هذه المقالة، وهي دعاؤك إيانا إلى إفراد العبادة لله، وترك ما كنا نعبده من الأنداد، والعدول عن دين الآباء والأجداد.
ولهذا قالوا: (ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [هود:٦٢-٦٣].
وهذا تلطف منه لهم في العبارة، وحسن تأت في الدعوة لهم إلى الخير، أي: فما ظنكم إن كان الأمر كما أقول لكم، وأدعوكم إليه، ما عذركم عند الله، وماذا يخلصكم من بين يديه، وأنتم تطلبون مني أن أترك دعائكم إلى طاعته. وأنا لا يمكنني هذا لأنه واجب علي، ولو تركته لما قدر أحد منكم، ولا من غيركم، أن يجيرني منه ولا ينصرني، فأنا لا أزال أدعوكم إلى الله وحده لا شريك له، حتى يحكم الله بيني وبينكم. أو أي: غير أن تجعلوني خاسرًا بإبطال أعمالي وتعريضي لسخط الله تعالى أو فما تزيدونني بما تقولون غير أن أنسبكم إلى الخسران وأقول لكم: إنكم الخاسرون، فالزيادة على معناه، والفاء لترتيب عدم الزيادة على انتفاء الناصر المفهوم من إنكاره على تقدير العصيان مع تحقق ما ينفيه من كونه عليه الصلاة السلام على بينة من ربه وإيتائه النبوة 12.
وقالوا له أيضًا: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [الشعراء:١٥٣].
أي: من المسحورين، يعنون مسحورًا لا تدري ما تقول في دعائك إيانا إلى إفراد العبادة لله وحده، وخلع ما سواه من الأنداد. والمراد بالمسحرين: المسحورين المخدوعين13.
موقع قوم ثمود من رسولهم ومعجزته
ما من دعوة جاء بها رسول إلى قومه وإلا انقسم القوم إلى مستجيبين وغير مستجيبين، وسوف نتناول ذلك بالبيان فيما يأتي:
أولًا: موقف ثمود من رسولهم عليه السلام:
أولًا: قوم ثمود لا يستجيبون لنبيهم عليه السلام:
كانت ثمود أمة مشركة تعبد الأصنام وتجحد تفرد الله سبحانه وتعالى بالعبادة، شأنها في ذلك شأن من كان قبلها من الأمم كقوم نوح وقوم هود، فكان مستهل دعوة صالح عليه السلام دعوتهم إلى عبادة الله وحده، وقد ورد ذلك في عدة مواضع في القرآن الكريم، ولكن الحديث عن شركهم وعبادتهم الأصنام لم يرد إلا في آية واحدة هي قوله تعالى: (ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ) [هود:٦٢].
وكان هذا جوابًا لدعوة صالح إياهم إلى التوحيد في قوله تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) [هود:٦١].
فالقوم جعلوا الدعوة إلى عبادة الله وحده سببًا لحط الدرجات والقدح في المروآت، فقالوا لصالح مظهرين التحسر وخيبة الرجاء: (ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ) أي: كنا نرجو أن تكون فينا سيدًا14؛ لما كنا نرى منك من دلائل السداد ومخايل الرشاد15 قبل هذا القول العجيب الذي جئت به؛ أفأنت تدعونا إلى ترك عبادة هذه الأصنام التي توارثنا عبادتها أبًا عن جدّ ؟
ثم بينوا موقفهم من الدعوة إلى التوحيد بأسلوب المتهكم في صورة المنصف للحق، المشفق على صالح، فقالوا: (ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ) قال الفخر الرازي: والشك هو أن يبقى الإنسان متوقفًا بين النفي والإثبات، والمريب: هو الذي يظن به السوء، فقوله: (ﰚ ﰛ ﰜ)يعني: أنه لم يترجح في اعتقادهم صحة قوله (ﰠ) يعني: أنه ترجح في اعتقاداتهم فساد قوله، وهذا مبالغة في تزييف كلامه 16.
ثانيًا: تطير قوم ثمود:
التطير لون من ألوان الشرك ورد ذكره عن قوم ثمود، وأصله مأخوذ من التطير بالسوانح والبوارح17 من الطير والظباء وغيرهما18، ثم يستعمل في كل ما يتفاءل به ويتشاءم19.
وقد دل على كونه شركًا حديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا: (الطيرة شرك، الطيرة شرك، ثلاثًا)20.
قال ابن الأثير: «وإنما جعل الطيرة من الشرك لأنهم كانوا يعتقدون أن التطير يجلب لهم نفعًا أو يدفع ضرًّا إذا علموا بموجبه، فكأنهم أشركوه مع الله في ذلك»21.
وحديث القرآن عن تطير قوم صالح ورد في قوله تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [النمل:٤٧].
قال الطبري في تفسير الآية: «أي: تشاءمنا بك وبمن معك من أتباعنا، وزجرنا الطير بأنا سيصيبنا بك وبهم المكاره»22.
والقوم لشقاوتهم وخبثهم نسبوا ما يصيبهم من المكاره والمساوئ إلى صالح وأصحابه وهو أبعد الناس عنها، فهم أهل الصلاح، ودينهم سبب لجلب الخيرات لا المصائب، وقد نسوا أنهم إنما يؤخذون بجرائرهم وسوء أعمالهم.
وقد أجابهم صالح عليه السلام كما في قوله تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [النمل:٤٧].
قال عبدالله بن عباس: «(ﭴ): مصائبكم»23.
والمعنى: عند الله علم بما يصيبكم من المكاره والمصائب، فكل ذلك بقضائه وقدره لا حسب تطيركم وتشاؤمكم24.
وقوله: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) أي: تبتلون وتختبرون، أتطيعون فتجدون الجزيل من الثواب، أم تعصون فيحل عليكم العقاب25.
ثالثًا: ثمود لا تعتبر بما حاق بسلفها قوم عاد:
و ما كان من أمر قوم صالح عليه السلام، إلا الصد والتكذيب، وكيف نجاه الله تعالى مع من آمن به، وكيف قطع دابر القوم الذين ظلموا بكفرهم، وعتوهم ومخالفتهم رسولهم عليه السلام. ومع إنهم شهدوا آثار هلاك قوم عاد وتسامعوا به إلا أنهم لم يعتبروا بما كان من أمر سلفهم.
ولهذا قال لهم نبيهم عليه السلام: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [الأعراف:٧٣-٧٤].
وفي هذه الآيات يذكرهم نبيهم بما كان من أمر سلفهم، إذ كنتم خلفاء من قوم عاد، لتعتبروا بما كان من أمرهم، وتعملوا بخلاف عملهم، وأباح لكم هذه الأرض تبنون في سهولها القصور، وتنحتون من الجبال بيوتًا فارهين، أي: حاذقين في صنعتها وإتقانها وإحكامها، فقابلوا نعمة الله بالشكر والعمل الصالح، والعبادة له وحده لا شريك له، وإياكم ومخالفته، والعدول عن طاعته، فإن عاقبة ذلك وخيمة26.
وذكر الله سبحانه وتعالى بأن صالحًا أخاهم يقول تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [الأعراف:٧٣]؛ لأن ثمود قبيلة. و( ﯘ ﯙ) يعني: في النسب لا في الدين (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) وهذا قول نبيهم صالح عليه السلام حين أرسله الله تعالى إليهم: يا قوم وحدوا الله تعالى ولا تشركوا به شيئا فما لكم من إله يستحق أن يعبد سواه (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) يعني: جاءتكم حجة من ربكم وبرهان على صدق ما أقول وأدعو إليه من عبادة الله تعالى ولا تشركوا به شيئًا وعلى التصديق بأني رسول الله إليكم، ثم فسر تلك البينة فقال: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) يعني: علامة على صدقي.
ووجه نسبة هذه الناقة لله سبحانه وتعالى، وكون الناقة آية على صدق سيدنا صالح عليه السلام ومعجزة له، خارقة للعادة؛ لأنها خرجت من صخرة في الجبل، لا من ذكر ولا من أنثى، مع كمال خلقها.
وقيل: لأنها كان لها شرب يوم، ولجميع قبيلة ثمود شرب يوم.
وهذا من المعجزات أيضًا؛ لأن ناقة تشرب ما تشربه قبيلة معجزة، وكانوا يحلبونها في يوم شربها قدر ما يكفيهم جميعهم ويقوم لهم مقام الماء، وهذا أيضًا معجزة.
وقيل: إن سائر الوحوش والحيوانات كانت تمتنع من شرب الماء في يوم شرب الناقة، وتشرب الحيوانات الماء في غير يوم الناقة.
وهذا أيضًا معجزة، وإنما أضافها إلى الله تعالى في قوله (ﯫ ﯬ ﯭ) على سبيل التفضيل والتشريف، كما يقال: بيت الله.
وقيل: لأن الله تعالى خلقها بغير واسطة ذكر وأنثى.
وقيل: لأنه لم يملكها أحد إلا الله تعالى.
وقيل: لأنها كانت حجة الله على قوم صالح.
(ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) يعني: فذروا الناقة تأكل العشب من أرض الله، فإن الأرض لله والناقة أيضًا لله وليس لكم في أرض الله شيء، لأنه هو الذي أنبت العشب فيها (ﯷ ﯸ ﯹ) يعني: ولا تطردوها ولا تقربوها بشيء من أنواع الأذى ولا تعقروها(ﯺ ﯻ ﯼ) يعني: بسبب عقرها وأذاها27.
ثانيًا: من صفات قوم ثمود:
١. الشك المريب.
من مظاهر معاداة الرسل من قبل أقوامهم؛ الترفع عن إفراد الله تعالى بالعباد وعدم توحيده، فقد كانت ثمود شبيهة بنظيراتها من الأمم التي سبقتها التي استنكفت إقرار تفرد الله تعالى بالعبادة تكبرًا وتجبرًا، وأنهم لن يتركوا ما كانوا عليه من عبادة الأصنام التي ورثوها من آبائهم.
قال سبحانه وتعالى: (ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ) [هود:٦٢].
أي: كنا نرجو أن تكون فينا سيّدًا، وقيل: كنا نرجو أن تعود إلى ديننا28.
ويقول أبو السعود: كنا نرجو منك لما كنا نرى منك من دلائل السداد ومخايل الرشاد أن تكون لنا سيدًا ومستشارًا في الأمور.
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: «فاضلًا خيِّرًا نقدمك على جميعنا».
وقيل: كنا نرجو أن تدخل في ديننا وتوافقنا على ما نحن عليه29.
٢. الظلم.
دمرهم الله تعالى عاقبة لظلمهم.
قال تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [النمل:٥١-٥٣].
ذكر جلّ وعلا في هذه الآيات الكريمة، ثلاث أمور:
الأول: أنه دمّر جميع قوم صالح، ومن جملتهم تسعة رهط الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، وذلك في قوله: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ)، أي: وهم قوم صالح ثمود، (ﮩ ﮪ ﮫ) أي: خالية من السكان لهلاك جميع أهلها، (ﮬ ﮭ) أي: بسبب ظلمهم الذي هو كفرهم وتمرّدهم وقتلهم ناقة اللّه التي جعلها آية لهم، وقال بعضهم: (ﮫ)، أي: ساقطًا أعلاها على أسفلها.
الثاني: أنه جلّ وعلا جعل إهلاكه قوم صالح آية، أي: عبرة يتّعظ بها من بعدهم، فيحذر من الكفر، وتكذيب الرسل، لئلا ينزل به ما نزل بهم من التدمير، وذلك في قوله: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ).
الثالث: أنه تعالى أنجى الذين آمنوا وكانوا يتّقون من الهلاك والعذاب، وهو نبيّ اللّه صالح ومن آمن به من قومه، وذلك في قوله تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ).
وهذه الأمور الثلاثة التي ذكرها جلّ وعلا هنا، جاءت موضحة في آيات أخر.
٣. الاختصام.
قال سبحانه وتعالى: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ)[النمل:٤٥].
ولم يبيّن هنا خصومة الفريقين، ولكنّه بيّن ذلك في سورة «الأعراف»، في قوله تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [الأعراف:٧٥-٧٦].
فهذه خصومتهم، وأعظم أنواع الخصومة: الخصومة في الكفر والإيمان30.
٤. التكذيب.
ورد ذكر تكذيب ثمود بالبعث في موضعين:
الأول: قرن فيه مع عاد، قال تعالى: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [الحاقة:٤].
الثاني: هو قوله تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [المؤمنون:٣١-٣٣].
ذكر ابن جرير الطبري وآخرون أن المعنيون بهذا الخطاب هم ثمود قوم صالح؛ لأن القصة شبيهة بقصتهم، فهم الذين أهلكهم الله بالصيحة، وقد ختمت هذه القصة بذكر هلاك المذكورين فيها بالصيحة 31.
فقد وصف الله تعالى الملأ الذين تصدروا لمعارضة صالح عليه السلام بثلاث أوصاف قبيحة: الكفر بالله، والتكذيب بالبعث، والترف32.
٥. الترف.
المترف مع ما يترتب عليه سلوكه من الإنكباب على الدنيا والانغماس في الشهوات، وذلك في قوله تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ).
وقوله: (ﮏ ﮐ ﮑ) أي: كذبوا بلقاء ما فيها من الحساب والجزاء.
والمراد: بيان تكذيبهم بالبعث بالكلية كما تدل عليه الآيات33.
وقد جاء تفصيل تكذيبهم بالبعث في الآيات التي بعد هذه، وذلك ضمن المسائل التي أنكروها على صالح عليه السلام، فبعد أن أنكروا عليه ادعاء الرسالة مع كونه بشرًا أنكروا ما يعدهم به من البعث والنشور بعد الموت، فقالوا مخاطبًا بعضهم بعضًا: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [المؤمنون: ٣٥].
وهذا الاستفهام على جهة الاستهزاء والاستبعاد 34.
والمعنى: أيعدكم صالح أنكم بعد موتكم، ومصيركم ترابًا، أي: قبوركم، وعظامًا قد ذهب لحوم أجسادكم وأعصابها، أنكم مخرجون أحياء كما كنتم 35.
ثم لم يقتنعوا بالاستبعاد عن طريق الاستفهام حتى قرنوه بالاستبعاد عن طريق الأخبار قالوا (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [المؤمنون:٣٦].
أي: بعيد بعيد ما توعدون من أنكم محيون بعد مماتكم 36.
ثم أكدوا إنكارهم للبعث بذكر تصورهم للحياة، فقالوا: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [المؤمنون: ٣٧].
أي: ما الحياة إلا هذه الحياة التي نحن نحياها في الدنيا، لا الحياة الآخرة التي وعدنا بها صالح بعد البعث 37.
وجملة (ﯡ ﯢ) مفسرة لما ادعاه من أن الحياة هي الحياة الدنيا38.
وقد ذكر في معناها أقوال:
فقيل معناها: يموت بعضنا ويولد بعضنًا، وهكذا39.
وقيل: يموت الآباء ويحيا الأبناء40.
وقيل: يموت قوم ويحيا قوم41.
وقيل: بمعنى نحيا ونموت ولا نبعث42.
وهذه الأقوال متقاربة في المعنى، غير متعارضة، فهم لا يقصدون بقولهم (ﲰ ﲱ) إنهم يموتون ثم يبعثون يوم القيامة، فهم منكرون للبعث إنكارًا شديدًا، وقد استمروا في تأكيد إنكارهم للبعث واستحالته بما يدل عليه قولهم الجازم (ﯣ ﯤ ﯥ)، ثم ختموا جدالهم بقولهم: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ)[المؤمنون: ٣٨].
بذلك أحبوا ما هم عليه من الضلال على دعوة سيدنا صالح عليه السلام للهدى والإيمان، فحقت عليهم كلمة العذاب فأتاهم هلاك الصيحة، كما قال الحق عز وجل: (ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) [المؤمنون:٤١].
٦. الاستهزاء.
ومما اتصف به قوم ثمود الاستهزاء بالرسل وإيذائهم، وما صاحب ذلك من الهزء والوقاحة.
قال تعالى: (ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ) [هود: ٦٢].
أي: أنهم وضعوا أيديهم على أفواههم تعجبًا مما قالته الرسل على سبيل الاستهزاء كحال من غلبه الضحك 43.
(ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [المؤمنون:٣٨].
فجعلوا صالحًا عليه السلام مفتريًا على الله تعالى بسبب دعوته لهم إلى التوحيد، والإيمان بالبعث 44، وصرحوا بأنهم لن يؤمنوا به، أو أنهم فعلوا ذلك إشارة على الأنبياء بالسكوت وإطباق الأفواه استبشاعًا لما قالوه من دعوى النبوة 45، أو أنهم أشاروا بأيديهم إلى ألسنتهم وما نطقت به من قولهم: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [إبراهيم:٩].
تنبيهًا على أن هذا هو جوابهم، ولا جواب عندهم سواه، تيئيسًا لهم من التصديق 46.
وذلك ما قاله المستكبرون من قوم ثمود للمستضعفين الذين آمنوا بصالح عليه السلام.
قال تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [الأعراف:٧٥].
«وقولهم: (ﭷ) استفهامٌ على معنى الاستهزاء والاستخفاف»47.
فالرسل في نطاق دعوتهم إلى التوحيد ونهيهم عن الشرك يبيّنون بطلان اتخاذ الأصنام آلهة، ويظهرون ضعفها وعجزها عن جلب نفع أو دفع ضرٍّ؛ وهذا في نظر المشركين مسبّةٌ شنيعة، وطعن قادح في آلهتهم التي يعتقدون أنها جالبة الخيرات، ودافعة الشرور والأضرار، فيردون على هذا بالاستهزاء بالرسل، ويسلطون عليهم ألوانًا من ألأذى، وينال أتباعهم قسطًا من ذلك.
ثالثًا: استكبار قوم ثمود:
الكبر والتكبر والاستكبار من مشتقات مادة (كبر) وهي متقاربة في المعنى48، فالكبر ألصق بالخلق الباطني، وهو: «خلق في النفس دالٌّ على الاسترواح والركون إلى رتبة فوق المتكبّر عليه»49، فمتى اتصف المرء بهذا الخلق يقال: في نفسه كبر، فإذا ظهر كعمل صادر عن الجوارح كان تكبرًا واستكبارًا50.
وبهذا فالكبر شعور باطني يستشعره المتكبر، وعندما يصبح هذا الشعور سلوكًا ظاهرًا يقال لصاحبه: متكبر مستكبر، وجاء في حديثه صلى الله عليه وسلم بيان لحقيقة الكبر المتوعد عليه بالعقاب في قوله صلى الله عليه وسلم: (الكبر بطر الحق ، وغمط الناس51)52.
وردت آيات مختلفة تتحدث عن استكبار قوم ثمود، فقد وصف الله سبحانه تعالى ملأ منهم بصفة الاستكبار فقال تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [الأعراف:٧٥-٧٦].
والمستكبرون تتعدد أنواعهم بحسب تكبرهم:
وذلك بعدم الطاعة والترفع عن عبادته، ورفض أوامره ونواهيه، التي بأتيهم بها الأنبياء والرسل في دعوتهم، وهذا أكثر ما واجه الأنبياء وهو مقرون بالتكذيب والكفر متمثلًا في رفض رسالاتهم.
وذلك يتمثل فيعدم الخضوع لهم بأسباب متعدده؛ لأنهم بشر، لأنهم ضعفاء.
كل الرسل ووجهوا بهذا النوع من التكبر، فكان أهل الشرك والكفر يستعظمون أنفسهم ويرون أنهم فوق أتباع الرسل الذين عادة ما يكونوا من المستضعفين.
يقول سبحانه وتعالى: (ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ) [الشعراء:١١١].
وقالوا: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [هود:٢٧].
وقد وصف الله سبحانه وتعالى قوم ثمود بالطغيان فقال تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [الحاقة:٥].
فقد روي عن قتادة: بأن الطاغية تعني الطغيان وتجاوز الحد في اغتراف المعاصي53.
ويقول ابن كثير في تفسير قوله سبحانه وتعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [الشمس:١١]: «كذبوا رسولهم بسبب ما كانوا عليه من الطغيان والبغي»54.
وذكر البيضاوي أن قوله تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [الفجر:١١-١٢] صفةٌ للمذكورين جميعًا: عاد وثمود وفرعون 55.
رابعًا: موقف ثمود من معجزة رسولهم عليه السلام:
كان موقف ثمود من معجزة رسولهم وآياته هو الإعراض والتكذيب.
يقول تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [الحجر:٨٠-٨١].
وقد دلت الأيات على تكذيبهم وإعراضهم عن الآيات التي أظهرها الله تعالى لهم تصديقًا لنبيه عليه السلام، دلالة على عظمته ووحدانيته. وقد أوتي سيدنا صالح عليه السلام الناقة آية، وقد جمعت آيات متعددة في إظهارها.
قال ابن الجوزي: «والمراد بالآيات الناقة، قال ابن عباس: كان فيها آيات، خروجها من الصخرة ودنو نتاجها عند خروجها، وعظم خلقها فلم تشبهها ناقة، وكثرة لبنها حتى كان يكفيهم جميعًا»56.
والأولى عدم تخصيص الآيات بالناقة فقط، بل تحمل على الناقة وغيرها، وهو ما جنح إليه بعض المفسرين.
قال الطبري في تفسير الآية: «يقول: وأريناهم أدلتنا وحججنا على حقيقة ما بعثنا به إليهم رسولنا صالحًا»57.
وهذه الآيات يدخل فيها الناقة دخولًا أوليًّا؛ لأنها ذكرت في القرآن الكريم، ولكن عدم ذكر غيرها لا يدل على أنها هي الآية الوحيدة التي أعطيت لسيدنا صالح عليه السلام حتى يضطر لحمل الآيات على الناقة فقط.
فهذه الآيات تشتمل على الحجج والبراهين الكونية الدالة على عظمة الله تعالى ووحدانيته، ولا شك أن صالحًا عليه السلام قد ذكًر قومه بهذه البراهين والآيات وقد تكون الآيات التي كذبوا بها غير هذه الآيات.
قال البيضاوي: «(ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [الحجر:٨١] يعني: آيات الكتاب المنزل على نبيهم أو معجزاته المتضمنة في الناقة من سقيها وشربها وغيره، أو ما نصب لهم من الأدلة» 58.
وقد سأل قوم ثمود سيدنا صالح عليه السلام معجزة يخرجها لهم يريدونها، فأشاروا على صخرة بجوارهم، وقالوا له: أخرج لنا من هذه الصخرة ناقة طويلة عشراء، وأخذوا يصفون الناقة المطلوبة ويعددون صفاتها، حتى يعجز صالح عن تحقيق طلبهم، فقال لهم صالح: أرأيتم إن أجبتكم إلى ما سألتم أتؤمنون بي وتصدقونني وتعبدون الله الذي خلقكم؟ فقالوا له: نعم، وعاهدوه على ذلك، فقام صالح عليه السلام وصلى لله سبحانه، ثم دعا ربه أن يجيبهم إلى ما طلبوا. وكانت الآية التي أوتيها سيدنا صالح عليه السلام هي الناقة، قال سبحانه وتعالى (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [الأعراف:٧٣].
وكانت الناقة بطلب من قومه ولم يأت بها من تلقاء نفسه؛ وذكر ابن عطية عن بعضهم أنه جاء بها من تلقاء نفسه من غير طلب59، والرأي الأول هو الأرجح والأصوب كما جاء في القرآن قوله تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [الشعراء:١٥٣-١٥٤].
وكذلك جاء في الحديث ما يصدق رأي طلبهم الناقة، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: لما مر النبي صلى الله عليه وسلم بالحجر قال: (لا تسألوا الآيات، وقد سألها قوم صالح، فكانت -أي: الناقة- ترد من هذا الفج60، وتصدر من هذا الفج، فعتوا عن أمر ربهم فعقروها)61.
وذكر العلماء أن قوم صالح هم الذين حددوا نوع الآية أن تكون ناقة، وكيفية خروجها وشكلها وأن تخرج أمام أعينهم من الصخرة في قبيلتهم
وأما صفة الناقة التي جعلها الله عز وجل آية مبصرة لثمود، فقال الله تعالى: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الإسراء:٥٩].
وقال تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [الأعراف:٧٣].
قوله تعالى: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ)[الحجر:٨١].
ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أنه آتى أصحاب الحجر آياته فكانوا عنها معرضين. والإعراض: الصدود عن الشيء والإضراب عنه62 وعدم الالتفات إليه؛ كأنه مشتق من العرض بالضم وهو الجانب؛ لأن المعرض لا يولي وجهه بل يثنى عطفه ملتفتًا صادًّا63.
ولم يبين جل وعلا هنا شيئًا من تلك الآيات التي آتاهم، ولا كيفية إعراضهم عنها، ولكنه بين ذلك في مواضع أخر، فبين أن من أعظم الآيات التي آتاهم: تلك الناقة التي أخرجها الله لهم، بل قال بعض العلماء: إن في الناقة المذكورة آيات جمة: كخروجها عشراء وبراء جوفاء من صخرة صماء، وسرعة ولادتها عند خروجها، وعظمها حتى لم تشبهها ناقة، وكثرة لبنها حتى يكفيهم جميعًا، وكثرة شربها؛ كما قال تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [الشعراء:١٥٥].
وقال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [القمر:٢٨]64.
روى الإمام أحمد عن جابر رضي الله عنه قال: لما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر قال: (لا تسألوا الآيات وقد سألها قوم صالح، فكانت ترد من هذا الفج وتصدر من هذا الفج، فعتوا عن أمر ربهم فعقروها، فكانت تشرب ماءهم يومًا ويشربون لبنها يومًا، فعقروها، فأخذتهم صيحة أهمد الله عز وجل من تحت أديم السماء منهم إلا رجلًا واحدًا كان في حرم الله عز وجل)، قيل: من هو يا رسول الله قال: (هو أبو رغال؛ فلما خرج من الحرم أصابه ما أصابهم)65.
ويعلق سيد قطب رحمه الله تعالى على آية الأعراف عند قوله تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) فيقول: «والسياق هنا -لأنه يستهدف الاستعراض السريع للدعوة الواحدة ولعاقبة الإيمان بها وعاقبة التكذيب- لا يذكر تفصيل طلبهم للخارقة، بل يعلن وجودها عقب الدعوة، وكذلك لا يذكر تفصيلًا عن الناقة أكثر من أنها بيّنة من ربهم، وأنها ناقة الله، ومن هذا الإسناد نستلهم أنها كانت ناقة غير عادية، أو أنها أخرجت لهم إخراجًا غير عادي؛ مما يجعلها بيّنة من ربهم، ومما يجعل نسبتها إلى الله ذات معنى، ويجعلها آية على صدق نبوته. ولا نزيد على هذا شيئًا مما لا يرد ذكره من أمرها في هذا المصدر المستيقن، وفيما جاء في هذه الإشارة كفاية عن كل تفصيل آخر»66.
وقد أخذ سيدنا صالح عليه السلام على قومه العهد بعد خروج الناقة.
وبعد أن أخرج الله لهم الناقة بالكيفية التي طلبوها طلب منهم صالح عليه السلام الوفاء بعهدهم ومواثيقهم التي قطعوها على أنفسهم في أمور: منها:
أولًا: الإيمان بالله جل جلاله ونبذ عبادة الأوثان والتصديق برسالة صالح.
قال سبحانه وتعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [الأعراف:٧٣] فاقتران الدعوة إلى التوحيد بالإشارة إلى الناقة يدل على أنه طلب منهم الإيمان عقب مجيئها.
ثانيًا: تقسيم الماء بينهم وبين الناقة.
فلقوم صالح عليه السلام يوم، وللناقة يوم، في يومهم لا ترد الناقة الماء فيأخذون ما يكفيهم ويكفي بهائمهم، وفي يوم الناقة لا يريدون الماء.
وفي ذلك يقول تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [الشعراء:١٥٥] وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [القمر:٢٨].
كما حذرهم صالح عليه السلام من نقص حصة الناقة من الماء.
قال تعالى: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [الشمس:١٣].
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: «أي: احذروا ناقة الله أن تمسوها بسوء ولا تعتدوا عليها يوم سقياها، فإن لها شرب يوم ولكم شرب يوم معلوم»67.
ثالثًا: أن لا تمس الناقة بأي سوء.
وقد حذرهم من مساس الناقة بسوء تحذيرًا صارمًا واضحًا، ونبههم بأنه يستدعي العذاب العاجل.
قال تعالى حكاية عن سيدنا صالح عليه السلام: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [الأعراف:٧٣].
فقد اقتصر النهي في هذه الآيات عن مس الناقة بسوء فلم ينههم عن عقرها أو قتلها.
وفي ذلك لطيفة عبر عنها ابن عاشور بقوله: «وأنيط النهي بالمس بالسوء، لأن المس يصدق على أقل اتصال شيء بالجسم فكل ما ينالها مما يراد منه السوء فهو منهي عنه»68.
وقد كان خروج الناقة ابتلاء لثمود كما قال تعالى: (ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ) [القمر:٢٧].
فهي ابتلاء لثمود أيؤمنون بصالح عليه السلام كما وعدوه بذلك؟ أم ينكصون ويكفرون، وكان الابتلاء عدم مساسهم بالناقة بسوء وتقسيم الشرب بينهم.
أما صالح فقد أمر أن ينتظر يرتقب ما يؤول إليه أمرهم بعد هذا الامتحان وأن يصبر عليهم حتى يأتي الفرج من الله. إلا أن قوم ثمود خسروا الامتحان ونكثوا العهد وأصروا على الكفر والتكذيب، وبذلك حكموا على أنفسهم باستحقاق العذاب، وكذلك عتوا في الضلال والعناد وضاقوا ذرعًا بالناقة ويوم شربها، وكبر عليهم رؤيتها تجوب وديانهم وحقولهم شاهدة على قدرة الله سبحانه وتعالى.
قال تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [هود:٦٥].
وقال تعالى: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) [الشعراء:١٥٧-١٥٨].
والربط بين عقر الناقة وهلاك القوم (بالفاء) في هذه الآيات كلها يدل دلالة واضحة على أن عقرها كان السبب المباشر لهلاكهم 69.
والعقر: ضرب قوائم البعير أو الشاة بالسيف 70.
وأطلق العقر مكان النحر من باب إطلاق اسم المسبب على السبب.
وعلى الرغم من استجابة سيدنا صالح عليه السلام لقومه في إخراج الناقة لهم، وتحذيره إياهم، فإنهم كانوا قومًا مفسدين، فلم يستجيبوا لنداء الله تعالى ولا لتحذير رسوله فعقروا هذه الناقة. ويأتي البيان الإلهي ليصف هذا التعدي على حدود الله وعاقبة ذلك. لنتأمل الآيات الثلاث الآتية:
فالآية الأولى تحدثت عن وعد صالح عليه السلام لهم بالعذاب جزاء فعلتهم، ثم تأتي الآية الثانية لتعبر عن ندمهم لأنهم أدركوا أن العذاب واقع لا محالة. أما الآية الثالثة فجاءت بالعذاب مباشرة.
(ﮌ ﮍ ﮎ). إذن جاء التدرج الزمني للأحداث عبر الآيات الثلاث من الوعد بالعذاب.. إلى اقتراب هذا العذاب حيث لا ينفع الندم.
وأخيرًا وقوع هذا العذاب، ومع أن هذه الآيات متباعدة من حيث النزول ومن حيث الترتيب في القرآن فقد جاءت متناسقة ومتدرجة وتعبر تعبيرًا دقيقًا عن حقيقة هذه القصة.
وقد أسند العقر إلى قوم ثمود جميعًا مع أن الذي باشره شخص واحد منهم كما في قوله تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [الشمس:١١-١٢].
وذلك لأنهم كلهم متواطئون راضون على عقرها.
قال الطبري رحمه الله: «عن رضى جميعهم قتلها قاتلها وعقرها من عقرها، ولذلك نسب التكذيب والعقر إلى جميعهم»71.
وقد سعى في قتل الناقة تسعة رجال من ثمود كانوا يحرضون من قتلها يدفعونه دفعًا.
قال تعالى: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [القمر:٢٩].
وبهذا فالقبيلة مشتركة في قتلها جميعًا لا ذلك الرجل العارم72، ولا التسعة المفسدون.
قال الطبري رحمه الله تعالى: إن الذي عقر الناقة أشقى ثمود يسمى قدار بن سالف، وكان أحد التسعة المفسدين الذين قال تعالى فيهم: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [النمل:٤٨].
وقد جاءت صفته في الحديث الصحيح الذي ذكره الإمام البخاري في صحيحه، عن عبد الله بن زمعة رضي الله عنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الناقة وذكر الذي عقرها فقال: (إذا انبعث أشقاها انبعث لها رجل عارم منيع في رهطه مثل أبي زمعة)73 الذي ظن أن منعته في قومه تحميه من العذاب الموعود به على عقر الناقة، فكانت جريمته هذه والتي مالأه عليها قومه سببًا في إنزال الهلاك بهم، فآتاهم الله سبحانه وتعالى بعذاب الصيحة، فهي صيحة واحدة قطعت نياط قلوبهم وتركتهم أجسادًا هامدة. أما ولد الناقة فيقال: إنهم ذبحوه مع أمه، وقال آخرون: إنه دخل في صخرة فغاب فيها، والله أعلم.
قال تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [الأعراف:٧٧].
فلما فعلوا ذلك وبلغ الخبر صالحًا فجاءهم وهم مجتمعون، فلما رأى الناقة بكى، وقال: ( ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ)[هود:٦٥].
خامسًا: قوم ثمود يسعون في قتل رسولهم:
فعزم بعدها التسعة رجال هؤلاء على قتل صالح، فلما عزموا على ذلك وجاءوا من الليل ليفتكوا به، فأرسل الله سبحانه وتعالى عليهم حجارة فقتلتهم قبل قومهم.فأحبط الله بذلك مخططات القوم الكافرين وخدعتهم، وأنقذ صالحًا من بين يدي من أرادوا به سوءًا 74.
وبقي قومه على إعراضهم وعدم رغبتهم في الاستجابة له، أخبرهم بما سيصيبهم من هلاك خلال ثلاثة أيام.
قال تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [هود:٦٥].
وقال تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [هود:٦٧-٦٨].
فصاروا صرعى لا أرواح فيهم. ولم يفلت منهم أحدًا،لا صغير ولا كبير ولا ذكر ولا أنثى75.
نعم الله على قوم ثمود وموقفهم منها
أنعم الله تعالى على ثمود بنعم جليلة توجب شكرها، لكن كان لثمود موقفٌ منها نوضحه فيما يأتي:
أولًا: نعم الله تعالى على ثمود:
بعد أن وجه سيدنا صالح عليه السلام قومه إلى توحيد الله تعالى وإفراده بالعباده، شرع يذكرهم بنعم الله جلّ وعلا عليهم بأنه أنشأ أباهم آدم من التراب.
وقال لهم أيضًا: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) [هود:٦١].
أي: هو الذي خلقكم، فأنشأكم من الأرض، وجعلكم عمارها، أي: أعطاكموها بما فيها من الزروع والثمار، فهو الخالق الرزاق، فهو الذي يستحق العبادة وحده لا سواه.
(ﰁ ﰂ ﰃ) أي: أقلعوا عما أنتم فيه، وأقبلوا على عبادته فإنه يقبل منكم، ويتجاوز عنكم.
(ﯿ ﰀ) أي: وجعلكم عُمَّارًا فيها من العمران، فقد كانوا زُرَّاعًا وصُنَّاعًا وبنائين، (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ)[الحجر:٨٢].
وقيل: (ﯿ) من العمر، أي: أطال أعماركم فيها، والصحيح الأول.واستعمرهم في الأرض، أي: جعلهم عمارها بعد من كانوا فيها من سلفكم وأبيدوا، وأطال أعمارهم فيها حيث كانت أعمارهم تتراوح ما بين ثلاثمائة سنة إلى ألف سنة، فكانوا ينجرون الحجارة ويتخذون لأنفسهم من الجبال بيوتًا، أي: يخرقونها في الجبال، ولذلك عدلوا عن بناء الطين 76.
وقيل: ومعنى الإعمار: أنهم جعلوا الأرض عامرة بالبناء والغرس والزرع؛ لأن ذلك يعد تعميرًا للأرض، حتى سمي الحرث عمارة؛ لأن المقصود منه عمر الأرض77.
كانت لثمود حضارة عمرانية واضحة المعالم، فقد كانوا مهرة في نحتهم الجبال واتخاذها بيوتًا، يسكنون فيها في الشتاء؛ لتحميهم من الأمطار والعواصف التي تأتي إليهم من حين لآخر واتخذوا من السهول قصورًا يقيمون فيها في الصيف. كما مهارة ظاهرة في البناء وقدرة على العمارة لا زالت ماثلة إلى يومنا هذا من نقوش على الحجر، وقطع في واجهات الصخور تنم عن قدرة عظيمة على النحت78.
قال سبحانه وتعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [الأعراف:٧٤].
وقال تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [الشعراء:١٤٩].
يقول ابن كثير: بينما كانوا حاذقين ومهرة في البناء والنقش، ألا أنهم جعلوها للمباهاة والفخر؛ أشرًا وبطرًا وعبثًا79.
وقال تعالى في حقهم أيضًا: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [الحجر:٨٢].
قال ابن كثير: أي: من غير احتياج إليها، بل أشرًا وبطرًا وعبثًا 80.
وقال تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [الفجر:٩] أي: نحتوا الصخر81.
وأنعم الله عز وجل على ثمود بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصى، فأعطاهم الأرض الخصبة، والماء العذب الغزير، والحدائق والنخيل، والزروع والثمار. قال سبحانه وتعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [الشعراء:١٤٦-١٤٨].
(ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) أي: في الدنيا من العذاب (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) أي: ثمرها الذي يطلع منها (ﮝ) قال ابن عباس: لطيف يانع نضيج، وقيل: هو اللين الرخو. وقيل: متهشم يتفتت إذا مس. وقيل: الهضيم هو الذي دخل بعضه في بعض من النضج أو النعومة82.
قال الله تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) [هود:٦١].
أمرهم بالاستغفار، أي: طلب غفران الذنوب من الله جلّ وعلا والتوبة إليه؛ لأنّه تواب رحيم قريب مجيب.
فإن ما فصل من فنون الإحسان داعٍ إلى الاستغفار عما وقع منهم من التفريط والتوبة عما كانوا يباشرونه من القبائح83.
ومن تفنن الأسلوب أن جعلت هذه النعم علة لأمرهم بعبادة الله وحده بطريق جملة التعليل، وجعلت علة أيضًا للأمر بالاستغفار والتوبة بطريق التفريع84.
وتدل الآثار الموجودة الآن في مدائن صالح على ما كانوا فيه من رغد العيش، تدل عليه واجهات الغرف الجميلة التي نحتها الثموديون في الحجر داخل الصخور، والتي تحتوي على أشكال بديعة وعلى سلالم وزخارف وأشكال حيوانات كالأسود والطيور .
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [الأعراف:٧٤].
ومع هذا العمران والحياة الطيبة كانوا مفسدين مشركين.
ثانيًا: موقف ثمود من نعم الله تعالى عليهم:
١. الجحود.
لم تقابل ثمود نعم الله تعالى عليها بالشكر والعرفان، بل قابلوا هذه النعم بالجحود والكفران والنكران، فأرسل الله تعالى إليهم أخاهم صالحًا عليه السلام، فدعاهم إلى عبادة الله وحده ونبذ عبادة الأصنام، فكذبوه وطالبوه بآية دالة على صدقه صلفًا وتكبرًا وعنادًا، فآتاهم الله تعالى الناقة آية بينة وحجة بالغة.
قال تعالى: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) [القمر:٢٣-٢٦].
ويروي لنا القرآن أن ثمودًا كذبوا واستهتروا بالنذر التي أرسلها الله إليهم مثل عاد، فلاقوا نفس المصير.
وقال تعالى: (ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ) [هود:٦٢] يعني: إنا مرتابون في قولك، من أرابه، إذا أوقعه في الريبة، وهي: قلق النفس ووقوعها في التهمة85.
٢. المعاداة.
بدأ قادة ثمود وكبراؤها المعاداةلسيدنا صالح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وقد كان صالح فردًا من أفراد القوم، إلا أن قومه لم يكونوا يتوقعون أن يأتيهم بدين الحق، لذلك فقد فوجئوا عندما سمعوا دعوته وأنه هجر ما كانوا عليه من الانحراف والضلال، كان أول ما جابهوه به أن قذفوه وشتموه.
قال تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [الأعراف:٧٥-٧٦].
وقال تعالى: (ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ) [هود:٦٢].
واستجاب له القليل من القوم، إلا أن غالبية القوم لم يقبلوا دعوته، وكان أشدهم عداوة علية القوم وزعماؤهم، غضبوا من صالح لأنه دعاهم لعبادة الله، فكذّبوه وحاولوا أن يضطهدوا الذين آمنوا معه ويعذبوهم، ولم تكن ثمود أول من يفعل ذلك، فهم يكررون الخطأ الذي وقع فيه كلٌّ من قوم نوح وعاد الذين عاشوا قبلهم، لهذا نجد أن القرآن يقرن بين هؤلاء الأقوام الثلاثة.
قال تعالى: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [إبراهيم:٩].
تحدث القرآن الكريم عن عاقبة قوم ثمود، وذكر أن الله أهلكهم، وأن هذا الإهلاك مر بمراحل، وهي:
أولًا: التحذير والإنذار من الإهلاك:
ورد تحذير سيدنا صالح عليه السلام لقومه بعبارة (ﯺ ﯻ) في ثلاثة مواضع من كتاب الله عز وجل، محذرًا قومه ثمود، وأنه سيأخذهم عذاب أليم قريب عظيم.
قال تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [الأعراف:٧٣].
وقال تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [هود:٦٤].
وقال عز وجل: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [الشعراء:١٥٦].
فهو حذرهم أولًا من (ﯻ ﯼ)، ولكنهم لم يستجيبوا لهذا التحذير، فأكد لهم بعدها بقوله: (ﭸ ﭹ) أي: أن عذاب الله قد اقترب، ولن تمهلوا 86، ولكنهم لم يبالوا بهذا النداء، فجاءهم التحذير الأخير ليصف أن اليوم الذي ينتظرهم قد اقترب كثيرًا فقال لهم: (ﯶ ﯷ ﯸ)، فأكد صدق هذا الوعد بكلمة (ﯷ)، وأنه سيحل بكم من الله يوم عظيم عذابه87.
ثانيًا: إهلاك قوم ثمود:
ذكر الله سبحانه وتعالى كيفية إهلاك قوم صالح في سور كثيرة؛ كهود والأعراف والحاقة والذاريات والشمس، وغير ذلك.
قصّ الله سبحانه وتعالى علينا ما بلغه قوم ثمود من الارتقاء والقوة، فأخبر أن صالحًا عليه السلام قال لقومه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [الأعراف:٧٤].
ولكن القوم كفروا وأعرضوا عما قاله لهم أخوهم صالح عليه السلام؛ فكانت النتيجة أن أخذهم العذاب: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ)[الأعراف:٧٨].
وقد وصف الله عز وجل عذاب ثمود بعدة صفات، منها:
١. الصاعقة.
قال تعالى: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [فصلت:١٣-١٤].
في هذه الآيات السابقة يذكر الله سبحانه وتعالى أنه عذب عاد وثمود بالصاعقة.
والصاعقة: هي الصوت الشديد من الجو وما ذكر من أنها العذاب، أو النار، أو الموت، هي تأثيرات من الصاعقة 88.
فالصاعقة تطلق على الحادثة المبيرة الشديدة الإهلاك89.
وقد يريد بها مطلق العذاب90.
وأضيفت الصاعقة هنا إلى عاد وثمود، وعاد لم تهلكهم الصاعقة، وإنما أهلكهم الريح، وإنما ثمود من أهلكوا بالصاعقة، فاستعمالت الصاعقة هنا في حقيقتها ومجازها 91.
٢. الصيحة.
قال تعالى: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [هود:٦٧].
والصيحة: هي الصوت الشديد المرتفع، وأصله من تشقيق الصوت، ومن قولهم: إنصاح الخشب أو الثوب إذا انشق وسمع منه صوت 92.
وقال الألوسي: والصياح من صاح يصيح إذا صوت بقوة 93.
فأخبرت الآيات أن عذاب ثمود كان بالصيحة، كما قال سبحانه في موضع آخر: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [الحجر:٨٣].
٣. الطاغية.
وكذلك سميت الصيحة هذه التي أصابت ثمود في موضع آخر من القرآن الكريم بالطاغية.
قال تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [الحاقة:٥].
والطاغية: من الطغيان، وهو مجاوزة الحدّ94.
وفي تفسير الطاغية أقوال:
قيل: سميت الطاغية؛ لأنها تجاوزت الحد في قوة الصوت 95.
وقيل: سميت بذلك بسبب طغيانهم 96.
قال صاحب أضواء البيان: «وقد اختلف في معنى الطاغية فقالوا: الطاغية عقر الناقة، كما في قوله تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [الشمس:١١-١٢].
فتكون الباء سببية، أي: بسبب طاغيتها.
وقيل: الطاغية: الصيحة الشديدة التي أهلكتهم، بدليل قوله تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [القمر:٣١].
فتكون الباء آلية، كقولك: كتبت بالقلم وقطعت بالمسكين.
والذي يشهد له القرآن هو المعنى الثاني لقوله تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [الذاريات:٤٣-٤٤]»97.
٤. الرجفة.
قال تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [الأعراف:٧٨].
الرجفة: هي الزلزلة الشديدة98، من الرجف، وهو الاضطراب الشديد.
وقيل: هي هنا بمعنى: الصيحة الشديدة99.
أو: هي الصيحة التي تزلزلت لها الأرض100.
وأما قوله تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) فهو من الجثوم: عدم الحراك، أي: خامدين لا حراك لهم101، وخمدوا من شدة العذاب.
وقال بعضهم أصبحوا كالرماد الجاثم102.
[انظر: صالح: عاقبة قوم صالح عليه السلام]
موضوعات ذات صلة: |
بنو إسرائيل، صالح، عاد |
1 مقاييس اللغة، ابن فارس، ١/ ٣٨٧.
2 أساس البلاغة، الزمخشري ١/ ٧٦.
3 لباب التأويل، الخازن، ٢/ ٢٢٠.
4 انظر: تاريخ الرسل والملوك، الطبري، ١/ ١٣٣، تاريخ ابن خلدون، ٢/٢٨.
5 انظر: معجم البلدان، ياقوت الحموي ٢/ ٢٥٥، ومروج الذهب، المسعودي ١/ ٤٢.
6 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب (وإلى ثمود أخاهم صالحًا) ٤/ ١٨١، رقم ٣٣٨٠.
7 دراسات ﻓﻲ تاريخ ﺍﻟﻌﺭﺏ القديم، أحمد صلبون، ﺹ٣٤.
8 انظر: أطلس تاريخ الأنبياء والرسل، سام المغلوث ص ٩٦.
9 المفردات، الراغب الأصفهاني ص١٠٧.
10 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٢/٥٠٨، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/١٩.
11 المنار، ١٢/ ١٠١.
12 إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٣/ ٣٦٥.
13 معالم التنزيل، البغوي، ٦/ ١٢٥.
14 جامع البيان، الطبري ٧/١٢.
15 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٣/٢٦٣.
16 مفاتيح الغيب، الرازي ٩/١٨.
17 السوانح: جمع سانح، وهو ما ولَّاك ميامنه من الطير والظباء وغيرهما، بأن يمر من يسارك إلى يمينك، وكانوا يتيمنون به.
والبوارح: جمع بارح وهو عكس السانح، أي: الذي يمر من يمينك على يسارك، وكانوا يتشاءمون به.
انظر: لسان العرب، ابن منظور ١/٢٤٦.
18 انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر ٣/١٥٢.
19 انظر: المفردات ص ٣١٠.
20 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الطب، باب في الطيرة، ٤/ ٢٣٠، رقم ٣٩١٠، والترمذي في سننه، كتاب السير، باب ما جاء في الطيرة، ٤/١٦٠ - ١٦١، رقم ١٦١٤ .
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث سلمة بن كهيل.
وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير، ١/٧٣٣، رقم٣٩٦٠.
21 النهاية في غريب الحديث والأثر ٣/١٥٢.
22 جامع البيان، ١١/١٩.
23 أخرجه الطبري في تفسيره ١١/١٩.
24 انظر: جامع البيان، الطبري ١١/١٩، مفاتيح الغيب، الرازي ١٢/٢٤.
25 انظر: جامع البيان، الطبري ١١/١٩.
26 النكت والعيون، ٢/ ٢٣٥.
27 لباب التأويل، الخازن، ٢/ ٢٢٠.
28 الكشف والبيان، الثعلبي ٥/١٧٦.
29 إرشاد العقل السليم، ٤/٢٢١.
30 أضواء البيان، الشنقيطي، ٢/١٣.
31 انظر: جامع البيان، الطبري ١٠/١٨، معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٤/ ١١، والتسهيل، ابن جزي ٣/ ٥١.
32 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٢/ ٢٣.
33 انظر الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٢/١٢١، فتح القدير، الشوكاني ٣/ ٤٨٢.
34 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/ ١٤٣، التسهيل، ابن جزي ٣/ ٥١.
35 جامع البيان، الطبري ١٠/ ١٨.
36 انظر: جامع البيان، الطبري ١٠/ ٨ ، تفسير السمرقندي ٢/ ٤١٤.
37 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٢/١٢٤، أنوار التنزيل، البيضاوي ٢/٤٢٤.
38 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٣/ ٤٨٣، روح المعاني، الألوسي ١٨/ ٣٢.
39 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٤/٥٣، روح المعاني، الألوسي ١٨/ ٣٢.
40 انظر: النكت والعيون ٤/٥٣، معالم التنزيل، البغوي ٥/٤١٧.
41 انظر: جامع البيان، الطبري ١٠/١٨، معالم التنزيل، البغوي ٥/٤١٧.
42تفسير السمرقندي ٢/٤١٤، النكت والعيون، الماوردي ٤/٥٤.
43 انظر: جامع البيان، الطبري ٨/١٣، المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/٣٢٦.
44 انظر: فتح قدير، الشوكاني ٣/٤٨٣.
45 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/ ٣٢٦، التسهيل، ابن جزي ٢/١٣٨.
46 انظر: الكشاف، الزمخشري ٢/٢٩٥، مفاتيح الغيب، الرازي ١٠/١٩.
47 المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/ ٤٢٣.
48 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٤٢١.
49 تصفية القلوب، يحيى الذماري ص١٨٧.
50 إحياء علوم الدين، ٢/٣٦٣.
51 بطر الحق: رده ودفعه وإنكاره ترفعًا وتجبرًا.
وغمط الناس: احتقارهم.
انظر: المنهاج شرح صحيح مسلم، النووي ٢/٩٠.
52 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر، ١/٩٣، رقم ١٤٧، عن ابن مسعود رضي الله عنه.
53 أخرجه الطبري في تفسيره ١٤/٢٩.
54 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٤/ ٥٥٢.
55 أنوار التنزيل، ٢/ ٥٩٤.
56 زاد المسير ٤/ ٣٠١.
57 جامع البيان، الطبري ٧/١٤.
58 أنوار التنزيل، ١/ ٥٣٤.
59 انظر: المحرر الوجيز ٢/٤٢١.
60 الفج: هو الطريق الواسع بين جبلين. مختار الصحاح ص ٤٠١.
61 أخرجه أحمد في مسنده، ٢٢/٦٦، رقم ١٤١٦٠، والحاكم في المستدرك، كتاب التفسير، سورة الأعراف، ٢/٣٥١، رقم ٣٢٤٨.
وحسن إسناده ابن حجر في الفتح ٦/٣٨٠.
62 التوقيف، ١/ ٧٦.
63 انظر: لسان العرب، ٧/ ١٦٥.
64 التحرير والتنوير، ١٦/ ١١٧.
65 سبق تخريجه قريبًا.
66 في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/١٣١٣.
67 انظر: تفسير القرآن العظيم ٤/٥٥٢.
68 انظر: التحرير والتنوير ٩/٢٩١.
69 انظر: أسباب هلاك الأمم، سعيد سيلا، ص٤٠٣.
70 انظر: لسان العرب ٥/٣٠٣٥.
71 جامع البيان ١٥/١٤.
72 العارم: هو الشرير المفسد الخبيث. وقيل: القوى الشرس.
انظر: النهاية في غريب الحديث، ابن الأثير ٣/٢٢٣.
73 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ)، ٤/١٤٨، رقم ٣٣٧٧، ومسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء، ٤/٢١٩٠، رقم ٢٨٥٥.
74 التفسير القرآني للقرآن، عبدالكريم الخطيب ١/ ٧٧.
75 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٣/ ٤٤٢.
76 فتح القدير، الشوكاني ٣/ ١٤٠.
77 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١١/ ٢٨٨.
78 انظر: المصدر السابق.
79 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير،٣/ ٣٥٦.
80 المصدر السابق ٤/ ٥٤٣.
81 المصدر السابق.
82 لباب التأويل، الخازن، ٣/٣٣٠.
83 إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٣/ ٣٦٣.
84 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١١/ ٢٨٨.
85 لباب التأويل، الخازن، ٢/ ٤٩١.
86 معاني القرأن وإعرابه، الزجاج ٣/ ٦٠.
87 انظر جامع البيان، الطبري، ١٧/ ٦٢٨.
88 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني، ص ٢٨١.
89 انظر: تأويل مشكل القرآن، ابن قتيبة ص٥٠١، لسان العرب، ابن منظور ٤/٢٤٥٠.
90 انظر: جامع البيان، الطبري، ٢/٢٤، المحرر الوجيز، ابن عطية ٥/٨.
91 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١١/٢٥٢.
92 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٢٨٩.
وانظر: لسان العرب، ابن منظور ٤/٢٥٣٢.
93 روح المعاني، الألوسي ١٢/٩٦.
94 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٨/٢٥٧.
95 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/١٩.
96 انظر: المصدرين السابقين.
97 فتح القدير، ٨/٢٥٧.
98 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/ ٢٤٢.
99 انظر: المصدر السابق، مفاتيح الغيب، الرازي ٤/ ١٦٥.
100 انظر: مدارك التأويل، النسفي، ٢/ ٥٧٠.
101 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/ ٢٤٢.
102 معاني القرآن وإعرابه، الزجاج، ٢/ ٣٥١.