الثواب
أولًا: المعنى اللغوي:
الثواب اسم للمصدر؛ لأنّ مصدر الثلاثي ثوبٌ وثوبانٌ، ومصدر الرباعي إثابة، وفعل الثواب ثلاثي أجوف معتل العين، ولفظ الثواب في اللغة جاء على عدة معانٍ أبرزها: العود والرجوع، والاجتماع، والجزاء1.
المعنى الأول: العود والرجوع، قال ابن فارس: «الثاء والواو والباء قياسٌ صحيحٌ من أصلٍ واحد، وهو العود والرّجوع. يقال: ثاب الرّجل يثوب ثوبًا وثوبانًا، أي: رجع بعد ذهابه، ويقال: ثاب فلانٌ إلى اللّه، وتاب، بالثّاء والتّاء، أي: عاد ورجع إلى طاعته».
المعنى الثاني: الاجتماع واللجوء، يقال: ثاب الناس، أي: اجتمعوا وجاءوا. وثاب ماله، أي: كثر واجتمع. وثاب القوم: أتوا متواترين -أي: مجتمعين-. وكذلك الماء إذا اجتمع في الحوض، يقال: ثاب الماء في الحوض، أي: اجتمع فيه.
المعنى الثالث: الثّواب والمثوبة يراد به أيضًا مطلق الجزاء في الخير والشّرّ لا جزاء الطّاعة فقط، قال ابن الأثير: «الثّواب، يكون في الخير والشّرّ، إلّا أنّه بالخير أخصّ وأكثر استعمالًا».
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
قيل: الثواب: هو إعطاء ما يلائم الطبع2.
أو الثّواب: الجزاء كيف ما كان من الخير والشّر، إلّا أن استعماله في الخير أكثر3.
من خلال تلك التعريفات يتبين لنا أنّ الثواب هو النتيجة النهائية لعمل الإنسان وما تجنيه عليه نفسه، فإن أساء في عمله سيكون ثوابه وجزاؤه شرًّا، وإن أحسن في عمله سيكون ثوابه وجزاؤه خيرًا.
وردت مادة (ثوب) في القرآن الكريم (٢٨) مرة، يخصّ موضوع البحث منها (١٩) مرة4.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
٤ |
(ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [المائدة:٨٥] |
المصدر |
١٥ |
(ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [آل عمران:١٩٥] |
وجاء الثّواب في الاستعمال القرآني بمعناه اللغوي، وهو: ما يرجع إلى الإنسان من جزاء أعماله5 سواء كان فتحًا، أو وعدًا، أو زيادة، أو منفعة6.
الأجر:
الأجر لغة:
يطلق الأجر في اللغة على عدة معانٍ، منها: الجزاء على العمل، والثواب.
والأجر: الجزاء على العمل. والأجر الثواب، تقول: أجره الله يأجره ويأجره أجرًا من باب ضرب ونصر إذا (جزاه) وأثابه وأعطاه الأجر. فالفعل أجر يأجر أجرًا، والمفعول مأجورٌ. والأجير: المستأجر. والإجارة ما أعطيت من أجرٍ في عملٍ7.
الأجر اصطلاحًا:
الأجر والأجرة: ما يعود من ثواب العمل دنيويًّا كان أو أخرويًّا، نحو قوله تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [يونس: ٧٢].
(ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [العنكبوت: ٢٧].
(ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [يوسف: ٥٧].
وكلاهما -أي: الأجرة والأجر- يقال فيما كان من عقد وما يجرى مجرى العقد، ولا يقال إلاّ في النفع دون الضرّ، نحو (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) (ﯕ ﯖ ﯗ)8.
الصلة بين الأجر والثواب:
الثواب والأجر يوجد بينهما ترادف، فكلاهما جزاء للعمل الذي يعمله الإنسان، غير أن الأجر أخص من الثواب؛ لأن الأجر لا يكون إلا في مقابل العمل الذي فيه النفع والخير، والثواب يكون في مقابل العمل الذي فيه النفع والخير، وكذلك العمل الذي فيه ضرر وشر. إلا أنّ إطلاق الثواب -في مقابل العمل الذي فيه النفع والخير- أكثر، والأجر يقال غالبًا فيما كان من عقد وما يجرى مجرى العقد9.
العقاب:
العقاب لغة:
العقاب مأخوذ من (عقب): العين والقاف والباء أصلان صحيحان: أحدهما يدل على تأخير شيء وإتيانه بعد غيره. والأصل الآخر يدل على ارتفاع وشدة وصعوبة10.
العقاب اصطلاحًا:
العقاب: هو جزاء الشّرّ، والنكال أخص منه11، أو هو ما يلحق الإنسان بعد الذّنب من المحنة في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما معًا12.
الصلة بين العقاب والثواب:
إنّ العقاب يكون على فعل الشر، أما الثواب فيكون على فعل الشر والخير إلا أنه في الخير أكثر، وعلى هذا فالثواب أعم والعقاب أخص منه.
الجزاء:
الجزاء لغة:
المكافأة على الشيء13.
الجزاء اصطلاحًا:
هو الغناء والكفاية والمكافأة بالشيء وما فيه الكفاية من المقابلة إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشر، ومنه قوله تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [لقمان:٣٣]14.
الصلة بين الثواب والجزاء:
كلا اللفظين يكونان في الخير والشر، فالثواب يكون على عمل الخير والشر، وكذك الجزاء، إلا أن الغالب استعمال الثواب في مقابلة الخير، واستعمال الجزاء في مقابلة الشر.
إنّ الحق سبحانه وتعالى خلق الإنسان في هذه الحياة الدنيا، وهيأ له من الأسباب والوسائل ما يعينه على أداء مهمته في الحياة الدنيا من عبادة لله، وتعمير للأرض، وإصلاح للنفس وتهذيبها، كل ذلك طمعًا في تفضّل الحق سبحانه وتعالى وإكرامه بالمثوبة والمكافأة من عنده سبحانه، فهو الخالق الرازق، الذي يعطي كل ذي حق حقه، وهو بيده مقاليد السماوات والأرض، وهو على كل شئ قدير.
فالإنسان المؤمن الحقيقي يسعي في عبادته ومعاملاته وأخلاقه وكل شئونه في نيل الثواب من الله، ولكن شغف بعض الناس بالحياة الدنيا يجعله يلهث وراءها وما تجلبه من سعادة خادعة وفرح مكذوب، ويرجو أن يحصل على منافع الدنيا فقط، فيعمل العمل يرجو فقط المثوبة الدنيوية من أولاد أو مال أوجاه أو سلطان أو نحو ذلك.
فالحق سبحانه يهيىء له ما يجعله يحصل على مثوبة الدنيا كما أراد -وإن كان سيحرم من الآخرة كما في حالة الكافر-؛ لأن الثواب والمكافأة من الله في كل الأحوال سواء طلب الإنسان ثواب الدنيا فقط أم طلب ثواب الدنيا والآخرة.
وهذا المعنى أشارت إليه غير آية من القرآن، فيقول جل جلاله: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ)[آل عمران: ١٤٥]
فالحق يقول لنا: من يرد منكم أيها المؤمنون بعمله جزاء من الحق جل جلاله يتمثل هذا الجزاء فقط في بعض أعراض الدنيا دون ما عند الله من الكرامة والنعيم في الآخرة.
(ﮡ ﮢ) أي: يعطه الحق من الدنيا ما قسم له فيها من رزق أيام حياته، ثم لا نصيب له في كرامة الله التي أعدها لمن أطاعه، وطلب ما عنده في الآخرة.
(ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) أي: ومن يرد منكم بعمله جزاء من الحق جل جلاله يتمثل في ثواب الآخرة، مما عند الله من نعيمه وكرامته التي أعدها للعاملين له في الآخرة.
(ﮡ ﮢ) أي: يعطه من الآخرة؛ من كرامة الله التي خص بها أهل طاعته في الآخرة15.
فعند الله ثواب الدارين: الدنيا والآخرة، فمن قصد الدنيا فقط، أعطاه الله من الدنيا ما قدّر له، وكان له في الآخرة العذاب، كالمجاهد الذي يريد بجهاده الغنيمة فقط أو نصرة راية غير إسلامية، فيأخذ الغنيمة ويحقق المطمع الدنيوي الرخيص، وليس له في عالم القيامة إلا النار، (ﰂ ﰃ ﰄ) لكل قول، (ﰅ) بكل قصد وعمل، فعلى الإنسان أن يخلص في عمله لله تعالى، ويكون قصده إرضاء الله عز وجل، ولا مانع أن يقصد بعمله وجهاده معًا ثواب الدنيا ومكافأتها، وثواب الآخرة ونعيمها الخالد في الجنة16.
وفي ذلك تعليم للمؤمنين أن لا يصدهم الإيمان عن طلب ثواب الدنيا، إذ الكل من فضل الله، ويجوز أن تكون تذكيرًا للمؤمنين بأن لا يلهيهم طلب خير الدنيا عن طلب الآخرة؛ إذ الجمع بينهما أفضل، وكلاهما من عند الله أو هي تعليم للمؤمنين أن لا يطلبوا خير الدنيا من طرق الحرام، فإن في الحلال سعة لهم ومندوحة، وليتطلبوه من الحلال يسهّل لهم الله حصوله؛ إذ الخير كله بيد الله، فيوشك أن يحرم من يتطلبه من وجه لا يرضيه أو لا يبارك له فيه17.
وفي الآية ملمح لحقيقة هذا الدين مفاده أنّ الدعوة للعمل لخيري الدنيا والآخرة دليل على أن الإسلام كفل لأتباعه وكل من سار على هديه سعادة الدنيا والآخرة، وهذا المنهاج المتوازن والخط المعتدل هو قوام الحياة الإسلامية القرآنية التي تعتمد الدنيا وسيلة ومزرعة، والآخرة مقصدًا وغاية، (ﭩ ﭪ ﭫ) أعمالهم في دنياهم، وينشدون ثواب الله في آخرتهم18.
وهذه الآية وإن نزلت في الجهاد خاصة لكنها عامة في جميع الأعمال؛ ذلك لأن الأصل في ذلك كله يرجع إلى نية العبد، فإن كان يريد بعمله الدنيا فليس له جزاء إلّا فيها، وكذلك من أراد بعمله الدار الآخرة فجزاؤه أيضًا فيها19.
فالتعبير بقوله: (ﮤ) دليل على أن الإرادة للشخص هي التي تكيّف العمل، فتارة يكون خيرًا، وتارة يكون شرًّا؛ ولذلك روي عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنّما الأعمال بالنيات، وإنّما لكل امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه)20.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كانت نيته طلب الآخرة جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت نيته طلب الدنيا جعل الله الفقر بين عينيه، وشتّت عليه أمره، ولا يأتيه منها إلا ما كتب له)21.
فالحق يقول: إن لنيل ثواب الدنيا سننًا ولنيل ثواب الآخرة سننًا، فمن سار على سنن واحدة منهما وصل إليها، فإذا كان المشركون قد استظهروا على المسلمين -يعني: في غزوةأحد- في هذه المرة فلأنهم طلبوا بعملهم الدنيا وأخذوا له أهبته من حيث قد قصّر المسلمون في اتباع السنن في ذلك بمخالفة الرسول.
كما أنه يقول لأولئك الذين ضعفوا وفشلوا وانقلبوا على أعقابهم: ما الذي تريدونه بعملكم هذا؟ إن كنتم تريدون ثواب الدنيا فالله لا يمنعكم ذلك، وما عليكم إلا أن تسلكوا طريقه، ولكن ليس هذا هو الذي يدعوكم إليه محمد صلى الله عليه وسلم، وإنما يدعوكم إلى خير ترون حظًّا منه في الدنيا، والمعوّل فيه على ما في الآخرة. فالمسألة معكم بين أمرين: إرادة الدنيا وإرادة الآخرة، كل يريد أمرًا، ولكل أمر سنن تتّبع، ولكل دار طريق تسلك22.
وهذه الآية مثل قوله تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [البقرة: ٢٠٠-٢٠٢].
وفيها بيان أن من يطلب الدنيا وحدها ولا يعمل للآخرة عملها فليس له في الآخرة من نصيب، وأن من هدي الإسلام أن يطلب المرء خير الدنيا وخير الآخرة ويقول: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) فالإنسان يطلب ويريد بحسب سعة معرفته، وعلو همته، ودرجة إيمانه، وله ما يريد كله أو بعضه، بحسب سنن الله وتدبيره لنظام هذه الحياة23.
وعلى الإنسان أن يعلم أن له طورين: طور عاجل قصير، وهو طور الحياة الدنيا، وطور آجل أبدي، وهو طور الحياة الآخرة، وسعادته في كل من الطورين مرتبطة بإرادته وما توجهه إليه من العمل، فالناس إنما يتفاضلون بالإرادات والمقاصد: فقوم يحاربون حبًّا فى الربح والكسب، أو ضراوة بالفتك والقتل، فإذا غلبوا أفسدوا فى الأرض وأهلكوا الحرث والنسل، وقوم يحاربون دفاعًا عن الحق وإقامة لقوانين العدل، فإذا غلبوا عمروا الأرض وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، فهل يستوى الفريقان، وهما في المقصد مفترقان؟
كذلك يطلب الرجل الربح والكسب أحيانًا بكل وسيلة مستطاعة طلبًا للذاته، والحصول على شهواته، فيغلو في الطمع، ويمعن في الحيل، ولا يبالي أمن الحرام أكل أم من الحلال؟ يأكل الربا أضعافًا مضاعفةً، فيجمع القناطير المقنطرة، وهو مع ذلك يمنع الماعون، (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [الماعون: ٣].
ولو سئل البذل في المصالح العامة كان أشد الناس بخلًا وأقبضهم كفًّا، بينا يطلب آخر الكسب طلبًا للتجمل وحبًّا للكرامة في قومه وعشيرته، فيقتصد فى الطلب، ويتحرى الربح الحلال، ويلتزم الصدق والأمانة، ويبتعد عن الفسوق والخيانة، وهو مع هذا ينفق مما أفاء الله به عليه، فيواسي البائسين، ويساعد المعوزين، وتكون له اليد الطّولى في الأعمال النافعة لأمته، فيشيد لها المدارس والمعابد، والملاجيء والمستشفيات، فهل ينظر الناس إلى هذين نظرة متساوية، وهل هما فى القرب عند الله بمنزلة واحدة، أو يفضل أحدهما الآخر بحسن القصد والإرادة والميل إلى الخير وحب المصلحة العامة 24.
وقصارى القول إن أقدار الرجال تتفاوت وتختلف باختلاف إرادتهم، فبينما تتسع دائرة وجود الشخص بحسب كبر إرادته وسعة مقصده، فتحيط بالكرة الأرضية، بل فوق ذلك بما يكون له من الكرامة في العالم العلوي- إذا بآخر تضيق دائرة وجوده إذا هو أخلد إلى الشهوات، وركن إلى اللذات، فيكون حظه من عمله كحظ الحشرات، يأكل ويشرب ويبغي على الضعيف ويخاف من القوي. والله قد جعل عطاءه للناس معلقًا على إرادتهم، ولا يقدر مثل هذا إلا القليل منهم25.
فشتان بين حياة وحياة! وشتان بين اهتمام واهتمام! -مع اتحاد النتيجة بالقياس إلى العمر والأجل- والذي يعيش لهذه الأرض وحدها، ويريد ثواب الدنيا وحدها، إنما يحيا حياة الديدان والدواب والأنعام! ثم يموت في موعده المضروب بأجله المكتوب. والذي يتطلع إلى الأفق الآخر، إنما يحيا حياة الإنسان الذي كرّمه الله واستخلفه وأفرده بهذا المكان، ثم يموت في موعده المضروب بأجله المكتوب، كما قال: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [آل عمران: ١٤٥].
(ﮪ ﮫ) الذين يدركون نعمة التكريم الإلهي للإنسان، فيرتفعون عن مدارج الحيوان ويشكرون الله على تلك النعمة، فينهضون بتبعات الإيمان.
وهكذا يقرر القرآن حقيقة الموت والحياة، وحقيقة الغاية التي ينتهي إليها الأحياء، وفق ما يريدونه لأنفسهم، من اهتمام قريب كاهتمام الدود، أو اهتمام بعيد كاهتمام الإنسان! وبذلك ينقل النفس من الانشغال بالخوف من الموت والجزع من التكاليف -وهي لا تملك شيئًا في شأن الموت والحياة- إلى الانشغال بما هو أنفع للنفس، في الحقل الذي تملكه، وتملك فيه الاختيار. فتختار الدنيا أو تختار الآخرة. وتنال من جزاء الله ما تختار26!.
ولقد جاء هذا المعنى نفسه في آية أخرى في سورة الشورى فقال سبحانه أيضًا: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [الشورى: ٤٢-٢٠].
فمن يزرع في النشأة الأولى بذور الأعمال الصالحة والأخلاق الحميدة ليحصد ما يترتب عليها من المثوبات والكرامات في النشأة الأخرى (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) ونضاعف ثوابها لأجله ونعطه من اللذات الروحانية ما لا مزيد عليه تفضلًا منّا عليه وتكريمًا له، (ﮟ ﮠ) منهم (ﮡ ﮢ ﮣ) ونوى نماء بذوره فيها (ﮤ ﮥ) كمال مبتغاه ومتمناه فيها؛ إذ لكل امرئ ما نوى ولكن (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) من اللذات الجسمانية والروحانية الباقية (ﮪ ﮫ) لاختياره لذات الدنيا وشهواتها الفانية على ما في الآخرة من اللذات الروحانية الباقية؛ لذلك ليس له في الآخرة نصيب من خيراتها الباقية، ونعيمها الدائم.
ولم يذكر في عامل الآخرة أن رزقه المقسوم يصل إليه للاستهانة بذلك إلى جنب ما هو بصدده من زكاء عمله وفوزه في المآب27.
خلاصة القول: أنّ من أراد العمل لله بما يرضيه، أعانه الله على عبادته، ومن أراد الدّنيا مؤثرًا لها على الآخرة لأنه غير مؤمن بالآخرة، يؤته منها، وهو الذي قسم له، (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) لأنه كافر بها لم يعمل لها28.
فعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بشّر هذه الأمة بالسنا والرفعة والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب)29.
إذًا من يعمل العمل يبتغي به وجه الحق سبحانه وتعالى، يثيبه الله تعالى على عمله حسن الثواب والأجر؛ لأنه الكريم المتفضل على العباده، المجازاي بما يليق بعظمته وكرمه وإحسانه؛ لذا فإن الحق سبحانه يبشّر المؤمنين الذين هجروا أوطانهم فارين بدينهم، وألجأهم المشركون إلى الخروج من الديار، وتحملوا الأذى من أجل دين الله، وقاتلوا أعداء الله، وقتلوا في سبيله، أنه سيمحو ذنوبهم بمغفرته ورحمته وسيدخلهم جنات النعيم جزاءً من عند الله على أعمالهم الصالحة فالله (ﭼ ﭽ ﭾ) والجزاء، وهي الجنة التي فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [آل عمران: ١٩٥]30.
فقد ختم سبحانه وتعالى النص الكريم بقوله تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) لبيان اختصاصه سبحانه بالثواب الحسن، كأن كل جزاء للأعمال في الدنيا لا يعدّ حسنًا بجوار ما أعده الله تعالى للمحسنين من عباده، وما في الدنيا من ثمرات الأعمال لا يعد شيئًا31.
فالحق جل جلاله يرزق العبد على قدر نيته، ويمدّه على قدر همته، فمن كانت همته في الحظوظ العاجلة والشهوات الفانية، أمده الله فيها، ومتّعه بها ما شاء، على حسب القسمة، ثم أعقبه الندم والحسرة، ومن كانت همته الآخرة، أمدّه سبحانه في الأعمال التي توصله إلى نعيمها، كصلاة وصيام وصدقة وتدريس علم، وأذاقه من حلاوتها ما يهون عليه مرارتها، ثم أعقبه النعيم الدائم من القصور والحور، وأنواع الطيبات، مما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين.
ومن كانت همته الله -أي: الوصول إلى حضرته دون شيء سواه- أمدّه الله في الأعمال التي توصله إليه، وهي أعمال القلوب من التخلية والتحلية، كالتخلية من الرذائل، والتحلية بالفضائل، وكقطع المقامات بأنواع المجاهدات....32.
ومن خلال ما سبق نستطيع أن نعلم أن على الإنسان أن يكون مخلصًا في عمله لله تعالى، ويكون قصده إرضاء الله عز وجل دون غيره، وأن من يطلب الدنيا وحدها ولا يعمل للآخرة عملها فليس له في الآخرة من نصيب ولاحظ. كما يتبين أن ثواب الآخرة كله في غاية الحسن.
كما أنّ الذي يعيش لهذه الأرض وحدها، ويريد ثواب الدنيا وحدها، إنما يحيا حياة الديدان والدواب والأنعام! وهي حالة من لايؤمن بالآخرة ولايؤمن بالجناة والنار والحساب، وكذلك حياة المسلمين الذي استغرقتهم ملاذ الدنيا ومنافعها الزائلة حياتهم، وغفلوا عن الآخرة وما أعده الله من الثواب والجزاء الكبير فيها لعباده المؤمنين، فلا ينبغي أن يلهيهم طلب خير الدنيا عن طلب الآخرة؛ إذ الجمع بينهما أفضل، وكلاهما من عند الله.
قلنا عند الحديث عن المفهوم اللغوي للثّواب والمثوبة أنهما يدلان على مطلق الجزاء في الخير والشّرّ، وليس جزاء الطّاعة والخير فقط، فالثّواب يكون في الخير والشّرّ، إلّا أنّه يستعمل في الخير أكثر من استعماله في الشر، والثواب دالًّا على الخير والشر قد ورد في القرآن الكريم، وهذا ما سنتاوله من خلال السطور القادمة:
أولًا: ثواب الخير:
ومنه قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [الكهف: ٤٦]
تشير الآية السابقة إلى أبرز لونين وأزهاهما فى هذه الحياة الدنيا، التي يفتن الناس بها، وينشغلون بها عن الله، وعن الحياة الآخرة، وهما المال والبنون، وقدّم الحق سبحانه المال على البنين، لأنه المطلب الأول للإنسان، فكل إنسان طالب للمال، وليس كل إنسان طالبًا للولد، فكثير من الناس لا يطلبون الأولاد، بل يعيشون بغير سكن إلى زوجة، ولكنهم جميعًا لا يستغنون عن طلب المال، ومع هذا فإنه إذا حصل الإنسان على الولد، تعلق قلبه به، وكان الولد عنده مقدّمًا على المال! فالمال والبنون، هما أشدّ مظاهر الحياة فتنة للناس، وأكثرها داعية لهم، وأقواها سلطانًا عليهم، والله سبحانه وتعالى يقول: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ..) [التغابن: ١٥]33.
وفي التعبير بقوله سبحانه زينة، بيان بديع، وتعبير دقيق لحقيقتهما، فهما زينة وليسا قيمة، فلا يصح أن توزن بهما أقدار الناس، وإنما توزن أقدار الناس بالإيمان والعمل الصالح، كما قال تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [الحجرات: ١٣].
وهذا ردٌّ على المشركين الذين كانوا يفتخرون بالأموال والأولاد، فأخبر الله تعالى أن ذلك مما يتزيّن به في الدنيا، لا مما ينفع في الآخرة، وإنما كان المال والبنون زينة الحياة الدنيا لأن في المال جمالًا ونفعًا، وفي البنين قوة ودفعًا34.
ثم بيّن الحق الأعمال التي تحقق ثواب الخير في الدنيا والآخرة فقال: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ)
فالأعمال التي تبقى ثمراتها الأخروية، من الاعتقادات والأخلاق والعبادات الكاملات، خير عند ربك من المال والبنين، في الجزاء والفائدة وخير مما يتعلق بهما من الأمل، فإن ما ينال بهما من الآمال الدنيوية، أمرها إلى الزوال، وما ينال بالباقيات الصالحات من منازل القرب الربانيّ والنعيم الأبديّ، لا يزول ولا يحول35.
فالباقيات وصف لموصوف محذوف، أي: والأعمال التي تبقى، ولا تفنى سريعًا، وهي صالحة في ذاتها عامرة لما بين العبد وربه أولًا، وبينه وبين الناس ويباركها الرب ثانيًا، سواء أكانت من شأنها أن تكون ذات أثر باق في الدنيا، من عمل طيب يبقى أثره بعد الموت، أم كان يرجى خيره في الآخرة، وفي الجملة الأعمال التي تكون كثيرة النفع في ذاتها ويبقى أثرها بعدها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)36، هذا في الدنيا، أما في الآخرة فكل ما يحرثه العبد للآخرة يكون باقيًا، يقول عليّ رضي الله عنه: «الحرث حرثان حرث الدنيا المال والبنون، وحرث الآخرة الباقيات الصالحات، وقد يجمعهن اللّه تعالى لأقوام».
وقد حكم سبحانه بأن: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ)، أي: خير فائدة وعائدة وعاقبة، وتفتح باب الأمل لخير عميم، ونعيم مقيم، وجنة خالدين فيها. وكرر كلمة (ﭙ)، لاختلاف نوعهما، فالأول عاجل في الدنيا، والثاني أمل ورجاء في الآخرة37.
والظاهر أن (ﭗ ﭘ) كل عمل خير، فلا وجه لقصرها على الصلاة كما قال بعض العلماء، ولا لقصرها على نوع من أنواع الذكر كما قاله بعض آخر، ولا على ما كان يفعله فقراء المهاجرين باعتبار السبب؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وبهذا فإن تفسير الباقيات الصالحات في الأحاديث لا ينافي إطلاق هذا اللفظ على ما هو عمل صالح من غيرها38.
ومثلها قول الحق تبارك وتعالى: (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) [مريم: ٧٦].
فالطاعات التي بها تنشرح الصدور، وتستنير القلوب، وتصل إلى القرب من الله، ونيل رضوان خير عند ربك منفعة وعاقبة مما متّع به أولئك الكفرة من النعم الفانية التي يفخرون بها من مال وولد وجاه ومنافع تحصل منها، فإن عاقبة الأولين السعادة الأبدية، وعاقبة أولئك الحسرة الدائمة والعذاب المقيم.
وخلاصة هذا أن الطاعات التي يبقى ثوابها لأهلها خير عند ربهم جزاء، وخير عاقبة من مقامات هؤلاء المشركين بالله وأنديتهم التي بها يفخرون على أهل الإيمان فى الدنيا39.
فإن قلت: كيف قيل: خير ثوابًا كأنّ لمفاخراتهم ثوابًا، حتى يجعل ثواب الصالحات خيرًا منه؟ قلت: كأنه قيل: ثوابهم النار، ثم بنى عليه خير ثوابًا. وفيه ضرب من التهكم الذي هو أغيظ للمتهدد من أن يقال له: عقابك النار40.
فلا يجوز أن يقال: هذا خير إلا والمراد أنه خير من غيره، فالمراد إذا: أنه خير مما ظنه الكفار بقولهم: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [مريم: ٧٣]41.
وهكذا فإنّ الأعمال الصالحة التي يفعلها الإنسان من العبادات والمعاملات والأخلاق هي التي يكون عليها خير المثوبة والجزاء من الله تعالى، وليس التفاخر بالمال والبنين وغيرهما من الزينة التي قد تتحول إلى نقمة إذا كانت مبعثًا للتفاخر والكبر والبطر، وأمثال ذلك مما لايرضي الله تبارك وتعالى، فمآل المال والجاه والثروة والسيادة إلى الحسرة والخسران وأنواع الخيبة والخذلان، ومآل العبادة إلى الجنة والغفران والرحمة والرضوان.
ثانيًا: ثواب الشر:
ومن ذلك قوله تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [آل عمران: ١٥٣].
لما شد المشركون على المسلمين بأحد فهزموهم، دخل بعضهم المدينة، وانطلق بعضهم فوق الجبل إلى الصخرة فقاموا عليها، وجعل الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو الناس: (إليّ عباد الله، إليّ عباد الله). فذكر الله صعودهم على الجبل، ثم ذكر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إياهم فقال: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ...)42.
وكأنه يقول للمسلمين: تستبقون إلى الهرب في مستوى الأرض، وفي بطون الأودية والشعاب، فالإصعاد: الذهاب في صعيد الأرض، أو الإبعاد فيه، والصعيد: ما على وجه الأرض من تراب وحجر ونحوهما، وقيل: هو من الصعود، وأنهم صعدوا هاربين في أحد (ﮭ ﮮ) ولا تلتفتون والرّسول يناديكم وأنتم منهزمون: (إليّ عباد الله، إليّ عباد الله)، والمراد: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يدعو المنهزمين إلى الثبات، وإلى ترك الفرار من الأعداء، وإلى معاودة الهجوم عليهم، وهو ثابت لم يتزعزع ومعه نفر من أصحابه.
(ﯖ) أي: جزاكم الحق سبحانه وتعالى غمًّا، أي: هزيمة، بغمٍّ أي: مقابل غمكم للرسول -صلوات الله تعالى وسلامه عليه-، ومخالفتكم أمره. أو المعنى: غمكم بالهزيمة في أحد، مقابل غم الكافرين وهزيمتهم ببدر، وهو كقوله تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [آل عمران: ١٤٠].
وأصل الإثابة إعطاء الثواب، وهو شيء يكون جزاء على عطاء أو فعل، ولفظ الثواب لا يستعمل في الأعم الأغلب إلا في الخير، والمراد به هنا: العقوبة التي نزلت بهم. وسميت العقوبة التي نزلت بهم ثوابًا على سبيل الاستعارة التهكمية كما في قوله: (ﯤ ﯥ ﯦ)[آل عمران: ٢١].
فالبشرى لا تكون إلا على الخير.
ويجوز أن يكون اللفظ مستعملًا في حقيقته؛ لأن لفظ الثواب في أصل اللغة معناه ما يعود على الفاعل من جزاء فعله، سواء أكان خيرًا أو شرًّا43؛ لأن الثواب يدل على مطلق الجزاء كما سبق القول.
يقول الإمام الخازن: «فمتى حملنا الثواب على أصل اللغة كان الكلام صحيحًا، ومتى حملناه على الأغلب كان على سبيل المجاز، فهو كقول الشاعر:
أخاف زيادًا أن يكون عطاؤه
أداهم سودًا أو محدرجةً سمرا
فجعل العطاء مكان العقاب؛ لأن الأداهم السود هي القيود الثقال، والمحدرجة هي السياط»44.
وعلى كلٍّ فالمقصود تذكير للمسلمين بما كان منهم فى هذه المعركة -معركة أحد- وغمزة عتاب لهم على أن فرّوا صاعدين الجبل، لا يلوون على أحد، أي: غير ملتفتين إلى من وراءهم، وإن وراءهم إخوانًا لهم صمدوا للمشركين، واستقبلوا الموت راضين، بل وراءهم، نبيّهم يواجه العدوّ وحده في بضعة رجال من أصحابه فكيف يفرّون؟ ثم إذا كانت منهم فرّة أفلا كانت منهم لفتة إلى النبي وقد أحاط العدوّ به؟ ثم ألا كانت منهم كرّة إلى العدوّ، يدفعون يده الضاغطة على رسول الله ومن معه؟ وهل شىء أحبّ إلى المسلم وأعزّ عنده من النبي، ولو كانت نفسه التي بين جنبيه؟!45.
قلت: ولا يفهم من ذلك أنّ هناك خيانة وقعت من الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا توهم غير صحيح، وإنما هو اجتهاد من الصحابة لم يصبهم التوفيق فيه، كانت نتيجته عدم تحقيق النصر على المشركين، وهو أمر كان ممكن تحقيقه لولا مخالفة الرماة أمر النبي، وتركهم لأماكنهم في المعركة بحثًا عن الغنائم.
إذًا فكانت نتيجة مخالفتهم لأمر الرسول وعدم الاستجابة لأمره ثواب الشر الذي جنته أيديهم وعملته جوارحهم، فثواب الشر يكون جزاء كل عمل لا يرضي الله ورسوله، ويخالف منهجه صلى الله عليه وسلم.
تحدث القرآن عن المستحقين للثواب في الدنيا والآخرة، وسوف نبين ذلك فيما يأتي:
أولًا: المستحقون لثواب الدنيا:
أولًا: ثواب الخير:
قال تعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [الفتح: ١٨].
يعني: لقد رضي الله يا محمد عن المؤمنين (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) يعني: بيعة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله بالحديبية حين بايعوه على مناجزة قريش الحرب، وعلى أن لا يفرّوا، ولا يولوهم الدّبر تحت الشجرة، وكانت بيعتهم إياه هنالك فيما ذكر تحت شجرة.
وكان سبب هذه البيعة ما قيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أرسل عثمان بن عفان رضي الله عنه برسالته إلى الملأ من قريش، فأبطأ عثمان عليه بعض الإبطاء، فظنّ أنه قد قتل، فدعا أصحابه إلى تجديد البيعة على حربهم على ما وصفت، فبايعوه على ذلك، وهذه البيعة التي تسمى بيعة الرضوان46.
ثم يقول تعالى ذكره: فعلم ربك يا محمد ما في قلوب المؤمنين من أصحابك إذ يبايعونك تحت الشجرة، من صدق النية، والوفاء بما يبايعونك عليه، والصبر معك فأنزل الطمأنينة، والثبات على ما هم عليه من دينهم وحسن بصيرتهم بالحقّ الذي هداهم الله له، حتى بايعوا على أن يقاتلوا ولا يفرّوا.
(ﮟ ﮠ ﮡ) أي: وعوّضهم ومنحهم -على الرّضى بقضائه- في العاجل مما رجوا الظفر به من غنائم أهل مكة بقتالهم أهلها فتحًا قريبًا، وذلك فيما قيل: فتح خيبر47.
فالحق أعطاهم ومنحهم فتحًا قريبًا، وهو فتح خيبر، الذي كان بعد صلح الحديبية بأقل من شهرين، وقيل: المراد به: فتح مكة، والأول أرجح؛ لأن فتح خيبر لم يكن فتح أقرب منه، ولأن المسلمين قد أصابوا من فتح خيبر غنائم كثيرة48.
وتوسع الإمام ابن كثير في المراد بـ(ﮟ ﮠ ﮡ) حيث قال رحمه الله: «إن المراد: ما أجرى الله على أيديهم من الصلح بينهم وبين أعدائهم، وما حصل بذلك من الخير العام المستمر المتصل بفتح خيبر وفتح مكة، ثم فتح سائر البلاد والأقاليم عليهم، وما حصل لهم من العز والنصر والرفعة في الدنيا والآخرة»49.
قال الآلوسى رحمه الله: «والتعبير بالمضارع لاستحضار صورة هذه المبايعة»50. وقوله سبحانه: (ﮖ ﮗ) متعلق (ﮕ)... وفي التقييد بذلك إشارة إلى مزيد وقع تلك المبايعة في النفوس. ولذا استوجبت رضا الله تعالى الذي لا يعادله شيء، ويستتبع مالا يكاد يخطر على البال.
ويكفي فيما ترتب على ذلك ما رواه الإمام مسلم عن أم بشر، عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة)51.
وصح برواية الشيخين وغيرهما في أولئك المؤمنين من حديث جابر، أنه صلى الله عليه وسلم قال لهم: (أنتم خير أهل الأرض..)52.
وهكذا كان ثواب المؤمنين المخلصين الصادقين الموفين بعهودهم تجاه الله ورسوله، أنّ أعطاهم الله النصر على الأعداء والطمأنية والسكينة، إضافة إلى -رضى الله عنهم-، ورضا الله سبب كل الخير، وإثابة ونجاح وفلاح.
قال تعالى: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [آل عمران: ١٤٨]
يحكي لنا القرآن أنّ كثيرًا من الأنبياء كانوا يقاتون من أجل إعلاء كلمة الله، وأنّ هؤلاء الأنبياء قاتل معهم علماء ربانيون لم يضعفوا لما أصابهم من القتل والجراح في سبيل الله، ولم يذلوا ويخضعوا لعدوهم أثناء القتال، إلأ أنهم طلبوا المغفرة من الله لخطايهم، وتثبيتهم في مواطن الحرب، ونصرهم على أعدائهم (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ)53.
فكانت الثمار التي ترتبت على هذا الدعاء الخاشع والإيمان الصادق والعمل الخالص لوجهه سبحانه فقال: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ). والفاء في قوله: (ﯹ) لترتيب ما بعدها على ما قبلها.
فهؤلاء الذين آمنوا بالله حق الإيمان وجاهدوا في سبيله حق الجهاد لم يخيّب الله تعالى سعيهم، ولم يقفل بابه عن إجابة دعائهم، وإنما أعطاهم الله تعالى ثواب الدنيا من النصر والغنيمة وقهر الأعداء، وصلاح الحال.
كما أعطاهم حسن ثواب الآخرة بأن منحهم رضوانه ورحمته ومثوبته وجنته، وإنما خص ثواب الآخرة بالحسن للتنبيه على عظمته وفضله ومزيته، وأنه هو المعتدّ به عنده تعالى لأنه غير زائل، وغير مشوب بتنغيص أو قلق.
وقوله: (ﰁ ﰂ ﰃ) تذييل مقرر لمضمون ما قبله، فإن محبة الله تعالى للعبد مبدأ كل خير وسعادة54.
فأعطى الله الذين وصفهم بما وصفهم، من الصبر على طاعة الله بعد مقتل أنبيائهم، وعلى جهاد عدوهم، والاستعانة بالله في أمورهم، واقتفائهم مناهج إمامهم على ما أبلوا في سبيل الله (ﯻ ﯼ) يعني: جزاء في الدنيا، وذلك: النصر على عدوهم وعدو الله، والظفر، والفتح عليهم، والتمكين لهم في البلاد.
(ﯽ ﯾ ﯿ) يعني: وخير جزاء الآخرة على ما أسلفوا في الدنيا من أعمالهم الصالحة، وذلك: الجنة ونعيمها55.
فخص تعالى ثواب الآخرة بالحسن تنبيهًا على جلالة ثوابهم؛ وذلك لأن ثواب الآخرة كله في غاية الحسن، فما خصه الله بأنه حسن من هذا الجنس فانظر كيف يكون حسنه! ولم يصف ثواب الدنيا بذلك لقلتها، وامتزاجها بالمضار، وكونها منقطعة زائلة56.
وبمفهوم آخر: خص ثواب الآخرة بالحسن دلالة على فضله وتقدّمه، وأنه هو المعتدّ به عنده (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ)[الأنفال:٦٧]57.
وهذا تعليم من الله تعالى للمؤمنين ما يفعلون ويقولون عند لقاء العدوّ من الالتجاء والخضوع والتذلل لله58.
وبالجملة فإنّ الحق سبحانه تعالى يبين لنا أنّه كلما كان العبد قريبًا من ربه متمسكًا بمنهجه، سائرًا على منهج نبيه صلى الله عليه وسلم كان له الثواب والمكأفاة من الله في العاجل والآجل، في الحياة وبعد الممات.
ثانيًا: ثواب الشر:
قال سبحانه: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [المائدة: ٦٠].
يقول الإمام القرطبي في سبب نزول الآية: «قال ابن عباس رضي الله عنه: جاء نفر من اليهود -فيهم أبو ياسر بن أخطب ورافع بن أبي رافع- إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه عمن يؤمن به من الرسل عليهم السلام، فقال: نؤمن (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [البقرة: ١٣٦].
إلى قوله: (ﭿ ﮀ ﮁ)، فلما ذكر عيسى عليه السلام جحدوا نبوته وقالوا: والله ما نعلم أهل دين أقل حظًّا في الدنيا والآخرة منكم، ولا دينًا شرًّا من دينكم، فنزلت هذه الآية وما بعدها»59.
والمشار إليه بقوله: (ﭓ) يعود إلى ما نقمه اليهود على المؤمنين من إيمانهم بالله وبالكتب السماوية. وقيل: يعود إلى الكثرة الفاسقة من أهل الكتاب المعبّر عنها بقوله: (ﭺ ﭻ). وتوحيد اسم الإشارة لكونه يشار به إلى الواحد وغيره، أو لتأويله بالمذكور ونحوه. والخطاب لأهل الكتاب المتقدم ذكرهم. وقيل: للكفار مطلقًا. وقيل: للمؤمنين.
والمثوبة: مصدر ميمى بمعنى الثواب الثابت على العمل، وأكثر استعمالها في الخير. وقد استعملت هنا بمعنى: العقوبة على طريقة التهكم بهم، كما في قوله تعالى: (ﯤ ﯥ ﯦ) وهي منصوبة على أنها تمييز لقوله: (ﭷ). وقوله: (ﭾ ﭿ ﮀ) [المائدة: ٦٠].
خبر لمبتدأ محذوف أي: هو من لعنه الله، والمراد اليهود؛ لأن الصفات التي ذكرت في الآية لا تنطبق إلا عليهم60.
وشر اسم تفضيل، أصله أشر، وهو للزيادة في الصفة، حذفت همزته تخفيفًا لكثرة الاستعمال، والزيادة تقتضي المشاركة في أصل الوصف فتقتضي أن المسلمين لهم حظ من الشر، وإنما جرى هذا تهكمًا باليهود لأنهم قالوا للمسلمين: لا دين شر من دينكم، وهو مما عبّر عنه بفعل (تنقمون). وهذا من مقابلة الغلظة بالغلظة كما يقال: «قلت فأوجبت»61.
والمعنى: قل يا محمد لهؤلاء اليهود الذين عابوا على المؤمنين إيمانهم بالله وبما أنزله من كتب سماوية والذين قالوا لكم: ما نعلم أهل دين أقل حظًّا في الدنيا والآخرة منكم، ولا دينًا شرًّا من دينكم، قل لهم على سبيل التبكيت والتنبيه على ضلالهم: هل أخبركم بشر من أهل ذلك الدين عقوبة عند الله يوم القيامة؟ هو (ﭾ ﭿ ﮀ) أي: أبعده من رحمته (ﮁ ﮂ) بأن منع عنه رضاه (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) بأن مسخ بعضهم قردة وبعضهم خنازير، وجعل منهم من عبد الطاغوت، أي: من عبد كل معبود باطل من دون الله كالأصنام والأوثان، وغير ذلك من المعبودات الباطلة التي اتبعوها بسبب طغيانهم وفساد نفوسهم62.
فإن قيل: إن قوله: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) يفيد أن ما عابه اليهود على المؤمنين من إيمانهم بالله فيه شر، إلا أن ما عليه اليهود أشد شرًّا، مع أن إيمان المؤمنين لا شر فيه ألبتة، بل هو عين الخير فكيف ذلك؟.
فالجواب: أن الكلام مسوق على سبيل المشاكلة، والمجاراة لتفكير اليهود الفاسد، وزعمهم الباطل، فكأنه سبحانه يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: إن هؤلاء اليهود -يا محمد- ينكرون عليكم إيمانكم بالله وبالكتب السماوية، ويعتبرون ذلك شرًّا -مع أنه عين الخير-، قل لهم على سبيل التبكيت وإلزامهم الحجة: لئن كنتم تعيبون علينا إيماننا وتعتبرونه شرًّا لا خير فيه في زعمكم، فشر منه عاقبة ومآلا ما أنتم عليه من لعن وطرد من رحمة الله، وما أصاب أسلافكم من مسخ بعضهم قردة، وبعضهم خنازير، وما عرف عنكم من عبادة لغير الله، وشبيه بهذه الآية في مجاراة الخصم في زعمه قوله تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [سبأ: ٢٤]63.
(ﮊ) الممسوخون الملعونون (ﮋﮌ) جعلت الشرارة للمكان وهي لأهله مبالغة (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) عن قصد الطريق الموصل إلى الجنة64.
فأثبت سبحانه الشرية لمكانهم؛ ليكون أبلغ في الدلالة على كثرة شرورهم؛ إذ إن إثبات الشرية لمكان الشيء كناية عن إثباتها للشيء نفسه. فكأن شرهم قد أثّر في مكانهم، أو عظم وضخم حتى صار متجسمًا65. ولذا قال في حقهم: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [البقرة: ١٠٣].
المستحقون لثواب الآخرة:
أولًا: الخير:
قال تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ)[آل عمران: ١٩٥].
يبين الحق سبحانه وتعالى الثواب العظيم والأجر الكبير للذين هاجروا وتركوا أوطانهم من أجل إعلاء كلمة الله، وأخرجوا من ديارهم، فرارًا بدينهم من ظلم الظالمين، واعتداء المعتدين، (ﭨ) وتحملوا الأذى والاضطهاد في سبيل الحق الذي آمنوا به (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) أعداء الله (ﭬ) وهم يجاهدون من أجل إحقاق الحق وإبطال الباطل. فهؤلاء تكفل لهم الله تعالى بالثواب والنعيم في الآخرة فضلًا عن الدنيا.
ففي هذا النص تعداد للأعمال الصالحات التي قام بها هؤلاء واستحقوا بها نعيم الجنة، واتقوا بها عذاب النار، وهي أمور ثلاثة، آخذ بعضها بحجز بعض، ومتلاقية في معناها ومغزاها66.
الأول: أنهم هاجروا وأخرجوا من ديارهم فهم هجروا مغانيهم التي تربوا فيها غير راغبين ولا محبين للخروج، بل ملجئين مضطرين، ولذلك روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مخاطبًا مكة عندما خرج منها: (إنك أحب أرض الله إليّ، ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت)67، ويروى أن ورقة بن نوفل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: «ليتني أكون جذعًا إذ يخرجك قومك». فقال له عليه الصلاة والسلام: (أو مخرجيّ هم)؟! قال: (ما أوتى أحد بمثل ما أوتيت إلا عودي)68.
والله تعالى يقول: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ...)، فكان الإخراج سبب الهجرة.
الثاني: الذي استحقوا به الجزاء الأوفى هو أنهم تحملوا الأذى في سبيل الله تعالى، فهم أوذوا في مكة قبل الهجرة، واستمر الإيذاء بعدها، وكل ذلك في سبيل الله، وفي سببل الحق وإعلائه، وجعل كلمته هي العليا، وكلمة الباطل هي السفلى، وإن هذا يزكي الخير فيهم، فإنهم ما أخرجوا من ديارهم، وهجروا أحباءهم وذويهم إلا في سبيل الله تعالى.
الثالث: أنهم قاتلوا في سبيل الله تعالى فجاهدوا الأعداء واستشهدوا في هذا القتال، فلهم فضلان: فضل القتال والتقدم، وفضل الاستمرار فيه والشهادة في سبيل الحق69، وإليه الإشارة (ﭫ ﭬ).
وقد ذكر الله صفات المؤمنين هكذا، لينبّهنا إلى أن نرّوض أنفسنا ونختبرها، فإن رأيناها تحتمل الأذى فى سبيل الله حتى القتل فلها الرضوان من ربها، وإلا فلنروّضها حتى تصل إلى هذه المنزلة، والسر فى هذا التكليف الشاق أن الحق لا يقوى إلا إذا وجد من ينصره ويؤيده، ويقاوم الباطل وأعوانه؛ حتى تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الباطل هي السفلى، فيجب على أنصار الحق ألا يفشلوا ولا ينهزموا، بل يثبتوا مهما لاقوا من المحن والأرزاء، فقد كتب الله النصر لعباده المؤمنين70.
وقد بيّن سبحانه وتعالى الجزاء والثواب بقوله تعالت كلماته: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ).
قلنا: الثواب والمثوبة يرادبه الجزاء، وقد جعله الدين أثرًا طبيعيًّا للعمل، فللأعمال تأثير في نفس العامل بتزكيتها فتكون منعمة في الآخرة، أو تدسيتها فتكون معذّبة فيها.
وقد وعد الله تعالى من فعل ذلك بأمور: هي بمثابة الإثابة على أعمالهم: فأثابهم بمحو السيئات وغفران الذنوب، ودل على ذلك بقوله: (ﭭ ﭮ ﭯ)، ووعدهم كذلك بإعطائهم الثواب العظيم المتمثل في الجنة، وهو المشار إليه بقوله: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) وهذا الثواب مقرون بالتعظيم والإجلال، وهو قوله: (ﭷ ﭸ ﭹ) والمعنى لأكفرنّ عنهم سيئاتهم، ولأدخلنهم الجنات، ولأثيبنهم بذلك ثوابًا من الله لا يقدر عليه غيره.
(ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) أي: هو ثواب من عنده مختص به، بحيث لا يقدر عليه غيره، وهذه الجملة تأكيد لشرف ذلك الثواب؛ لأنه تعالى قادر على كل شيء، غني عن كل أحد، فهو لا محالة فى غاية الجود والكرم والإحسان71.
ففي قوله تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) إشارة إلى أن هذا الجزاء والثواب الذي يجزونه، هو فضل عليهم من الله سبحانه وتعالى، إذ هداهم إلى الإيمان، ووفّقهم للعمل الصالح من الجهاد وتحمل الأذى في سبيل الله، الذي أنزلهم منازل الرضا والقبول عند الله.
روي عن جعفر الصادق أنه قال: «من حزبه أمر فقال خمس مرات: ربنا، أنجاه الله مما يخاف، وأعطاه ما أراد، وقرأ هذه الآية، قال: لأن الله حكى عنهم أنهم قالوا خمس مرات: ربنا، ثم أخبر أنه استجاب لهم.
ثم قال: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) وهو تأكيد؛ ليكون ذلك الثواب في غاية الشرف؛ لأنه تعالى لما كان قادرًا على كل المقدورات، عالمًا بكل المعلومات، غنيًّا عن الحاجات، كان لا محالة في غاية الكرم والجود والإحسان، فكان عنده حسن الثواب»72.
قال تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [القصص:٧٩-٨٠].
يبين الحق سبحانه أن الإيمان بالله والصبر عن طلب زينة الحياة الدنيا خير من طلب الزينة والتكبر والغرور على الخلق.
إن الناس لما رأوا قارون على تلك الزينة قال من كان منهم يرغب في الدنيا: يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون من هذه الأمور والأموال، والراغبون يحتمل أن يكونوا من الكفار وأن يكونوا من المسلمين الذين يحبون الدنيا، وأما العلماء وأهل الدين فقالوا للذين تمنوا هذا: ويلكم ثواب الله خير من هذه النعم؛ لأن للثواب منافع عظيمة وخالصة عن شوائب المضار ودائمة، وهذه النعم العاجلة على الضد من هذه الصفات الثلاث، قال صاحب الكشاف: «ويلك أصله الدعاء بالهلاك، ثم استعمل في الزجر والردع والبعث على ترك ما لا يرتضى»73.
فقال: (ﮇ ﮈ ﮉ) بالله، حين رأوا قارون خارجًا عليهم في زينته، -للذين قالوا: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ): ويلكم اتقوا الله وأطيعوه، فثواب الله وجزاؤه لمن آمن به وبرسله، وعمل بما جاءت به رسله من صالحات الأعمال في الآخرة، خير مما أوتي قارون من زينته وماله لقارون.
وقوله: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) يقول: (ﮒ ﮓ)، أي: ولا يوفّق لقيل هذه الكلمة، وهي قوله: (ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) والهاء والألف كناية عن الكلمة. وقال: (ﮔ ﮕ) يعني بذلك: الذين صبروا عن طلب زينة الحياة الدنيا، وآثروا ما عند الله من جزيل ثوابه على صالحات الأعمال على لذّات الدنيا وشهواتها، فجدّوا في طاعة الله، ورفضوا الحياة الدنيا.
أو(ﮒ ﮓ) أي: لا يؤتى الجنة، ولا يدخلها، أو لا يوفّق للأعمال الصالحة (ﮔ ﮕ) على الطاعات، وعن المعاصي74.
وقال تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [الكهف: ٣١].
لقد جعل اللّه تعالى سبب ما يستقبلهم من النعيم والثواب أمرين:
الأول: إيمان صادق وإخلاص يعمر القلوب، فإنه لا ثواب من غير قلب منيب.
الثاني: عمل صالح نافع بأداء ما أمر اللّه به واجتناب ما نهى اللّه عنه في استقامة قلب، وكمال قصد واتجاه إلى النفع75.
(ﮠ) خبر (ﮓ) (ﮘﮙ ﮚ) اعتراض، ولك أن تجعل (ﮘﮙ ﮚ) و(ﮠ) خبرين معًا. أو تجعل (ﮠ) كلامًا مستأنفًا بيانًا للأجر المبهم. فإن قلت: إذا جعلت (ﮘﮙ ﮚ) خبرًا، فأين الضمير الراجع منه إلى المبتدأ؟ قلت: (ﮜ ﮝ ﮞ) و(ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) ينتظمهما معنى واحد، فقام (ﮜ ﮝ) مقام الضمير. أو أردت: (ﮜ ﮝ ﮞ) منهم، فكان كقولك: السمن منوان بدرهم. من الأولى للابتداء، والثانية للتبيين76.
وتنكير (ﮫ) لإبهام أمرها في الحسن. وجمع بين السندس: وهو ما رقّ من الديباج، وبين الاستبرق: وهو الغليظ منه؛ جمعًا بين النوعين. وخص الاتكاء؛ لأنه هيئة المنعمين والملوك على أسرّتهم77.
وإحسان العمل: أن يريد العبد العمل لوجه الله، متبعًا في ذلك شرع الله. فهذا العمل لا يضيعه الله، ولا شيئًا منه، بل يحفظه للعاملين، ويوفيهم من الأجر، بحسب عملهم وفضله وإحسانه، وافتتاح الجملة باسم الإشارة لما فيه من التنبيه على أن المشار إليهم جديرون لما بعد اسم الإشارة لأجل الأوصاف المذكورة قبل اسم الإشارة، وهي كونهم آمنوا وعملوا الصالحات78.
فبيّن الحق جزاء وثواب السعداء، الذين آمنوا بالله وصدّقوا المرسلين فيما جاءوا به، وعملوا بما أمروهم به من الأعمال الصالحة، فيقول في شأن الموصوفين بالإيمان والعمل الصالح: أن لهم الجنات العاليات التي قد كثرت أشجارها، فأجنت من فيها، وكثرت أنهارها، فصارت تجري من تحت تلك الأشجار الأنيقة، والمنازل الرفيعة، وحليتهم فيها الذهب، ولباسهم فيها الحرير الأخضر من السندس، وهو الغليظ من الديباج، والإستبرق، وهو ما رق منه.
وفي الصحيحين عن أبى هريرة أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: (تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء)79.
وقد قالوا: ثلاثة مذهبة للحزن: الماء والخضرة والوجه الحسن.
ولفظ: (ﮣ) بمعنى: إقامة لا رحيل بعدها ولا تحول. وأصله من عدن فلان بالمكان. إذ أقام به واستقر فيه.
(ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ)، وهي السرر المزينة، المجملة بالثياب الفاخرة، فإنها لا تسمى أريكة حتى تكون كذلك، وفي اتكائهم على الأرائك، ما يدل على كمال الراحة، وزوال النصب والتعب، وكون الخدم يسعون عليهم بما يشتهون، وتمام ذلك الخلود الدائم والإقامة الأبدية، فهذه الدار الجليلة (ﯚ ﯛ) للعاملين أي: نعمت الجنة ثوابًا لهم على أعمالهم (ﯜ ﯝ) أي: حسنت منزلًا ومقيلًا ومقامًا يرتفقون بها، ويتمتعون بما فيها، مما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، من الحبرة والسرور، والفرح الدائم، واللذات المتواترة، والنعم المتوافرة، وأي مرتفق أحسن من دار، أدنى أهلها، يسير في ملكه ونعيمه وقصوره وبساتينه ألفي سنة، ولا يرى فوق ما هو فيه من النعيم، قد أعطى جميع أمانيه ومطالبه، وزيد من المطالب، ما قصرت عنه الأماني، ومع ذلك، فنعيمهم على الدوام متزايد في أوصافه وحسنه، فنسأل الله الكريم أن لا يحرمنا خير ما عنده من الإحسان، بشر ما عندنا من التقصير والعصيان.
ودلت الآية الكريمة وما أشبهها على أن الحلية عامة للذكور والإناث، كما ورد في الأحاديث الصحيحة؛ لأنه أطلقها في قوله: (ﮨ) وكذلك الحرير ونحوه80.
ونحو الآية قوله: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [الفرقان: ٧٥-٧٦].
وبذلك نرى الآية الكريمة قد اشتملت على ألوان متعددة من التكريم والثواب لأولئك المؤمنين الذين عمروا دنياهم بالعمل الصالح. فقد بشّرهم سبحانه بجنات عدن، ثم بشّرهم ثانيًا بأن (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ)، ثم بشّرهم ثالثًا بأنهم (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ)، ثم بشّرهم رابعًا بأنهم (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ)، ثم بشّرهم خامسًا، بأنهم يتكئون في تلك الجنات (ﯗ ﯘ).
وفي هذه البشارات ما فيها من الحض على المسارعة إلى العمل الصالح، الذي يرفع درجات المؤمن إلى أعلى عليين، وذلك (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [الحديد: ٢١].
نسأل الله تعالى أن يرزقنا هذا الفضل، فهو أكرم مسئول، وأعظم مأمول.
ويقول تعالى -في شأن بعض أهل النصارى الذين آمنوا- على لسانهم: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [المائدة: ٨٤-٨٥]
قال الإمام الطبري: «هذا خبرٌ من الله تعالى ذكره عن هؤلاء القوم الذين وصف صفتهم في هذه الآيات»81، أنهم إذا سمعوا ما أنزل إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من كتابه، آمنوا به وصدّقوا كتاب الله، وقالوا: (ﭨ ﭩ ﭪ) نقرّ بوحدانية الله (ﭭ ﭮ) من عند الله من كتابه وآي تنزيله، ونحن (ﭱ) بإيماننا بذلك (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ).
فالمقصود بـ(ﭶ ﭷ): المؤمنون بالله، المطيعون له، الذين استحقّوا من الله الجنة بطاعتهم إياه. وإنما معنى ذلك: ونحن نطمع أن يدخلنا ربّنا مع أهل طاعته مداخلهم من جنته يوم القيامة، ويلحق منازلنا بمنازلهم، ودرجاتنا بدرجاتهم في جنّاته82.
فجزاهم الله بقولهم: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [المائدة: ٨٣ - ٨٤].
(ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [المائدة: ٨٥].
يعني: بساتين تجري من تحت أشجارها الأنهار (ﮂ ﮃ) يقول: دائمًا فيها مكثهم، لا يخرجون منها ولا يحوّلون عنها (ﮅ ﮆ ﮇ)، فيقول الحق: فهذا الذي جزيت هؤلاء القائلين بما وصفت عنهم من قيلهم على ما قالوا، من الجنات التي هم فيها خالدون، جزاء كل محسنٍ في قيله وفعله.
فقد بيّنت هذه الآية الكريمة أنه سبحانه قد أجابهم إلى ما طلبوا، بل أكبر مما طلبوا، فقد كانوا يطمعون في أن يكونوا (ﭵ ﭶ ﭷ)، وأن يكتبهم مع الشاهدين، فأعطاهم سبحانه جنات تجرى من تحتها الأنهار، وسماهم محسنين، والإحسان أعلى درجات الإيمان، وأكرم أوصاف المتقين.
هذا جزاء الذين (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ) صلى الله عليه وسلم فآمنوا به، وقالوا ما قالوا مما يشهد بصفاء نفوسهم83.
و(إحسان المحسن) في ذلك، أن يوحّد الله توحيدًا خالصًا محضًا لا شرك فيه، ويقرّ بأنبياء الله وما جاءت به من عند الله من الكتب، ويؤدّي فرائضه، ويجتنب معاصيه. فذلك كمال إحسان المحسنين «الذين قال الله تعالى ذكره أنه أثابهم بما قالوا جنات...»84.
ثانيًا: ثواب الشر:
قال تعالى: (ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [المطففين: ٣٤ - ٣٦].
تأتي تلك الآيات من سورة المطففين في إطار حديث القرآن عن المقارنة بين أعمال الكفار وأعمال المؤمنين، وما يستحقه المؤمنون من الثواب العظيم والسعادة في الدنيا والأخرة والجنة التي عرضها السماوات والأرض، وما أعدّه الله لهؤلاء المؤمنين في الجنة من نعيم دائم؛ حيث يتتعمون في الجنة بكل ما يشتهون.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر)85.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنّ أدنى أهل الجنّة منزلةً لمن ينظر إلى جنانه وأزواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنةٍ، وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوةً وعشيّةً)86.
وبعد أن بيّن الحق سبحانه ثواب المؤمنين المتمثل في الجنة ونعيمها، أردف ذلك ببيان ما يستحقه الكفار من ثواب الشر الذي جنته أيديهم وعملته جوارحهم من الإنكار والمكابرة، وعدم الإيمان، والاستهزاء بالرسول والرسالة، وأتباع النبي من المؤمنين، فهؤلاء الكفار كانوا يسخرون من المؤمنين ويحتقرون من شأنهم، ويتهمونهم بالضلال لإيمانهم بسيدنا محمد، وتركهم شهوات الدنيا وملاذتها.
وبعد بيان حالة هؤلاء الكفار الذين كانوا يضحكون على المؤمنين في الدنيا، يقول لهم الحق سبحانه وتعالى: (ﰑ) يعني: ففي هذا اليوم يوم الجزاء والعدل والحساب وهو يوم القيامة (ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ) أي: يضحك المؤمنون على الكفار في مقابلة ما ضحك بهم أولئك في الدنيا87.
وقوله: (ﭑ ﭒ ﭓ) حال، أي: يضحكون منهم، ناظرون إليهم وإلى ما هم فيه من الهوان والصغار بعد العزة والاستكبار، وهم على الأرائك -أي: على الأسرّة فى حجالها آمنون-، وقيل: يفتح للكفار باب إلى الجنة فيقال لهم: هلموا إلى الجنة، فإذا وصلوا إليها أغلق دونهم فيضحك المؤمنون منهم88.
فهذا بيان للحال التي عليها المؤمنون، وهم يضحكون من الكفار، إنهم يضحكون وهم جالسون، مستريحون على الأرائك، على حين يتقلب المجرمون على جمر جهنم89.
فالمقصود من الآية الكريمة تسلية المؤمنين، وتبشيرهم بأنهم سيأخذون بثأرهم من المشركين عما قريب، وأنهم -أي: المؤمنون- سيكونون يوم القيامة على سرر قد فرشت بأجمل الفراش، وأنهم لا ينظرون إلا إلى ما يسرّهم ويبهج نفوسهم90.
وقوله: (ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) أي: هل جوزي الكفار على ما كانوا يقابلون به المؤمنين من الاستهزاء والتنقص أم لا؟ يعني: قد جوزوا أوفر الجزاء وأتمه وأكمله91.
فالاستفهام للتقرير كأنه خطاب للمؤمنين؛ تعظيمًا لهم وتكريمًا وزيادة في مسرتهم. أي: هل رأيتم كيف جازى الله الكافرين بأعمالهم، أي: أنه فعل. و(ﭘ) مصدرية أو موصولة.
وثوّبه وأثابه بمعنى جازاه، وهو من (ثاب) بمعنى: رجع. فالثواب ما يرجع على العبد في مقابلة عمله. ويستعمل في الخير والشر، وهو هنا مستعمل في الشر؛ لأننا في سياق الحديث عن أحوال الكافرين وما يستحقونه من الجزاء92.
فهم قد جوزوا يومئذ بأسوء الجزاء بسبب (ﭘ ﭙ ﭚ) من الاستهانة والاستهزاء بالمؤمنين، ومن ضحكهم بأعمالهم، وتغامزهم فيما بينهم بعيونهم تهكّمًا عليهم.
وجاء الجزاء بأسلوب الاستفهام لتأكيد هذا الجزاء، حتى لكأن المخاطب هو الذي نطق بهذا الجزاء العادل الذي استحقه الكافرون، ولبيان أن عدالة الله تعالى تقتص من المعتدين مهما طالت بهم الحياة.
والتعبير بـ (ﭖ) -مع أنه أكثر ما يستعمل في الخير- إنما هو من باب التهكم بهم، كما في قوله تعالى: (ﯤ ﯥ ﯦ)93.
وهكذا تشير تلك الآيات إلى مجموعة من الومضات والإشارات الربانية، فتشير إلى أنّ المؤمنين المخلصين الذين تمسكوا بكتاب الله وسنة نبيه يرزقهم الله النعيم والثواب العظيم في الدنيا والآخرة. وتوميء إلى خبث الكافرين، وسوء أخلاقهم، وتعمدهم الاستهزاء بالمؤمنين، والتنكيل بهم، والنيل منهم بكل الوسائل والطرق. كما تشير إلى عدل الحق سبحانه وتعالى في الجزاء والعقاب، فمن يحسن يكون نصيبه الخير والفلاح، ومن يكون غير ذلك يكون نصيبه الخزي والندامة في الدنيا والآخرة، (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [الكهف: ٤٩].
فـ (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ)[النساء: ٤٠].
للثواب في القرآن مقاصد عديدة، يمكن إجمالها فيما يلي:
أولًا: تحفيز العباد على الأعمال الصالحة:
الأصل في المسلم أن يؤدي ما كلّفه الله من العبادات والمعاملات والأخلاق، وأن يجتهد في أداء ذلك على الوجه الذي يرضي الله سبحانه وتعالى، إلا أنّ الحق سبحانه وتعالى عالم بأحوال عباده الذين قد يصيبهم ضعف في الهمة، وتكاسل عن أداء المطلوبات الشرعية، فحضّهم على الأعمال الصالحة من خلال مجموعة من المحفّزات التي تجعل الإنسان المسلم يسارع في أداء ما كلّف به بهمة ونشاط، ومن ثمّ يحصل على الثواب والأجر من الله.
فالتحفيز معناه أن تدفع الشخص لعملٍ ما، وتحثه عليه بإثارته لفعل هذا الشيء وحثه عليه، من خلال الترغيب والترهيب أو الوعد أو البشارة، وغيرها من أساليب التحفيز المختلفة المعروفة لدى علماء التربية والسلوك، وسواء أكان الثواب العظيم من الله تبارك وتعالى في الدنيا أو الآخرة، أو في الحال أو المآل، وسواء أكان الثواب ماديًّا أو معنويًّا.
فمن أولى أساليب التحفيز التي انتهجها القرآن، إخبار الحق أنّ عمل العبد لن يضيعه الله، وسيثيب العبد عليه، ويجازيه على عمله، فقال تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [الكهف: ٣٠].
فالمراد بقوله: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) أنه لا يترك أعمال العباد تذهب ضياعًا، بل يجازي الإنسان عليه بالثواب.
فأولى المحفزات نحو العمل والعبادة بيان الحق سبحانه للعباد أنّ أي عمل يعملونه في هذه الدنيا لن يضيع عند الله، بل يجازي الحق عباده، ويثيبهم عليه أحسن الجزاء والثواب.
وجعل القرآن من وسائل وأساليب التحفيز الترغيب في فعل الخير والعمل الصالح؛ ابتغاء الثواب من الله وأجره في الآخرة، والفوز بالحياة الكريمة الطيبة في الدنيا، فقال تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [النحل: ٩٧]94.
قال الإمام الشوكاني: «هذا شروع في ترغيب كل مؤمن في كل عمل صالح، وجعل سبحانه الإيمان قيدًا في الجزاء المذكور؛ لأن عمل الكافر لا اعتداد به؛ لقوله سبحانه: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [الفرقان: ٢٣].
ثم ذكر سبحانه الجزاء لمن عمل ذلك العمل الصالح فقال: (ﮒ ﮓ ﮔ) وقد وقع الخلاف في الحياة الطيبة بماذا تكون؟ وأكثر المفسرين على أن هذه الحياة الطيبة هي في الدنيا لا في الآخرة؛ لأن حياة الآخرة قد ذكرت بقوله: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ)»95.
وقال الإمام الطبري: «وأولى الأقوال بالصواب قول من قال: تأويل ذلك: (ﮒ ﮓ ﮔ) بالقناعة، وذلك أن من قنعه الله بما قسم له من رزق لم يكثر للدنيا تعبه، ولم يعظم فيها نصبه، ولم يتكدّر فيها عيشه باتباعه بغية ما فاته منها، وحرصه على ما لعله لا يدركه فيها»96.
فجعل سبحانه وتعالى من المحفزات لمن آمن وعمل الصالحات الحياة الطيبة في الدنيا، مما يدفع نحو العمل الصالح؛ لنيل تلك الحياة، ولنيل القرب والثواب من الله تبارك وتعالى.
كذلك من أساليب التحفيز الوعد بالثواب، وهو يتعلق بوصف ما أعده الله من شتى ألوان النعيم في الدار الآخرة لمن آمن وعمل الصالحات، وبهذا يكون الوعد حافزًا للإنسان للقيام بتلك الأعمال الصالحة، والإكثار منها؛ لنيل ما وعد الله به عباده الصالحين.
قال تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [الرعد: ١٥].
قال القرطبي: «لما قال عز وجل: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [الحج: ١٤].
وصف تلك الجنات، أي: صفة الجنة المعدّة للمتقين. (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) أي: غير متغير الرائحة. (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) أي: لم يحمض بطول المقام كما تتغير ألبان الدنيا إلى الحموضة. (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) أي: لم تدنّسها الأرجل، ولم ترنقها الأيدي كخمر الدنيا، فهي لذيذة الطعم طيبة الشرب لا يتكرهها الشاربون. (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) العسل ما يسيل من لعاب النحل. (ﮠ) أي: من الشمع والقذى، خلقه الله كذلك لم يطبخ على نار ولا دنّسه النحل. (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) (ﮤ) زائدة للتأكيد. (ﮧ ﮨ ﮩ) أي: لذنوبهم. (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) قال الفراء: «المعنى: أفمن يخلّد في هذا النعيم كمن يخلّد في النار»97.
كذلك من أساليب التحفيز في القرآن البشارة أو التبشير بالثواب، من خلال تبشير المؤمنين الذين عملوا الصالحات بحسن العاقبة يوم القيامة، وفي الحياة الدنيا بالنصر والتمكين والتأييد، كما قال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [فصلت: ٣٠].
قال الإمام ابن كثير: «(ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) فيبشرونهم بذهاب الشر وحصول الخير»98.
ومن أساليب التحفيز الإيجابي التي استخدمها القرآن إحياء الأمل وطرد اليأس، الأمل في الله والرجاء فيما عنده من النعيم والرحمة والمغفرة، وهذا ينبع من الإيمان بالله وعباته حق العبادة. قال تعالى: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [الكهف: ٤٦].
قال الإمام الشوكاني99: «(ﭗ ﭘ) أي: أعمال الخير، (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) أي: أفضل من هذه الزينة بالمال والبنين ثوابًا، وأكثر عائدة ومنفعة لأهلها، (ﭝ ﭞ) أي: أفضل أملًا، يعني: أن هذه الأعمال الصالحة لأهلها من الأمل أفضل مما يؤمله أهل المال والبنين؛ لأنهم ينالون بها في الآخرة أفضل مما كان يؤمله هؤلاء الأغنياء في الدنيا»100.
وإضافة إلى ذلك قد يتخذ التحفيز في القرآن منحى التكريم، فقال تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [الكهف: ٨٨].
أي: وأمّا من آمن بالله، وأحسن العمل في الدنيا، وقدّم الصالحات فجزاؤه الجنة يتنعّم فيها (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) أي: نيسّر عليه في الدنيا، فلا نكلّفه بما هو شاق، بل بالسهل الميسّر101.
كما قد يكون من أساليب التحفيز أسلوب المدح والثناء، كما أثنى الله تبارك وتعالى على بعض أنبيائه الأخيار ومدحهم فقال: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [الأنبياء: ٩٠].
قال الإمام الخازن: «(ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) يعني: الأنبياء المذكورين في هذه السورة -الأنبياء-. وقيل: زكريا وأهل بيته، والمسارعة في الخيرات من أكبر ما يمدح به المرء؛ لأنها تدل على حرص عظيم في طاعة الله عز وجل (ﯫ ﯬ ﯭ) يعني: أنهم ضموا إلى فعل الطاعات أمرين:
أحدهما: الفزغ إلى الله لمكان الرغبة في ثوابه والرهبة من عقابه.
والثاني: الخشوع، وهو قوله تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ).
الخشوع هو الخوف اللازم للقلب، فيكون الخاشع هو الحذر الذي لا ينبسط في الأمور؛ خوفًا من الوقوع في الإثم102.
فالسبق إلى الخيرات يكشف عن المعادن النفيسة التي تواظب على الطاعات، وتستزيد من الحسنات، وتقلع عن السيئات، وتراقب رب الأرض السماوات، ووقت السبق هو الحياة الدنيا؛ لأنه وقت التكليف ووقت العمل103. وهكذا يحفّز القرآن إلى القيام بالعمل بهمة ونشاط، دون تكاسل أو تأخير104.
هذا عن بعض جوانب التحفيز الإيجابية، وهناك نوع آخر من أنواع التحفيز، يسمى بالتحفيز السلبي أو الترهيبي، وهذا النوع من التحفيز يعتبر بمثابة الدرع الواقي وطوق النجاة للمسلم، حيث يمنع هذا النوع من التحفيز، أو على الأقل يحاول منع أو تقليل ارتكاب المخالفات أو المعاصي من خلال تلك الأساليب التي تكوّن لديه وازعًا دينيًّا أخلاقيًّا متينًا، يكفّه عن عمل الشرور والمنكر، وقد تنوعت تلك الأساليب:
منها: الترهيب، والترهيب ضد الترغيب، وهو تخويف الإنسان، وتهديده بالعقوبة والعذاب والسخط من عند الله، إذا لم ينته عما نهاه الله عنه، أو لم يلتزم بما فرضه الله عليه وكلّفه به من الواجبات.
قال تعالى: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [طه: ١٢٤، ١٢٧].
وقال تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ)[الأنبياء: ٩٠].
قال الطبري: «يقول تعالى ذكره: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) الذي أذكّره به فتولى عنه، ولم يقبله، ولم يستجب له، ولم يتعظ به فينزجر عما هو عليه مقيم من خلافه أمر ربه (ﯸ ﯹ ﯺ) يقول: فإن له معيشة ضيقة، والضنك من المنازل والأماكن والمعايش: الشديد، يقال: هذا منزل ضنك، إذا كان ضيقًا»105.
وقال أيضًا: «(ﯭ) يعني: رهبة منهم من عذابه وعقابه، بتركهم عبادته وركوبهم معصيته»106.
قال القرطبي عن قوله: (ﭻ ﭼ) [البقرة: ٤٠].
«أي: خافون. والرّهب والرّهب والرّهبة الخوف. ويتضمّن الأمر به معنى التّهديد»107.
والترغيب والترهيب يمثلان قاعدة أساسية، وبناءً متينًا في تعاليم الدين الإسلامي الحنيف؛ ذلك أن الترغيب والترهيب في القرآن يأتيان مقرونين بتوضيح وبيان طبائع الحسن والقبح في الأفعال والأعمال، حتي يكون الإقبال عليها أو القيام بها، أو الابتعاد والنفور منها صادرًا عن قناعة ووعي108.
ومن ضمن الأساليب التحفيزية للامتناع عن كل ما يخالف منهاج الشرع وأوامر الله سبحانه وتعالى الوعيد، وهو ضد الوعد، وهو التهديد والتخويف بالعذاب يوم القيامة، كما قال تعالى: (ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ) [طه: ١١٣].
قال الشوكاني: «(ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) بيّـنّا فيه ضروبًا من الوعيد تخويفًا وتهديدًا، أو كررنا فيه بعضًا منه (ﰋ ﰌ) أي: كي يخافوا الله فيتجنبوا معاصيه، ويحذروا عقابه (ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ) أي: اعتبارًا واتعاظًا»109.
وكذلك الذم من الأساليب للحث عن الابتعاد عن الذنوب والمعاصي، وهو ضد المدح، ويعني التوبيخ واللوم لمن يرتكب ما نهى الله عنه، أو يقصّر فيما أمره الله به، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [الإسراء: ١٨].
قال الطبري: «(ﭡ) على قلة شكره إيانا، وسوء صنيعه فيما سلف من أيادينا عنده في الدنيا (ﭢ) يقول: مبعدًا، مقصى في النار.... وعن ابن عباس، قوله: (ﭡ) يقول: ملومًا»110
ويدخل في تلك الأساليب للتحفيز على تجنب ما لايرضي الله ورسوله: النذارة أو الإنذار، ويعني: التحذير من سوء العاقبة المترتبة على مخالفة أمر الله، وعدم طاعة النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [إبراهيم: ٤٤].
قال الإمام الطبري: «وأنذر يا محمد الناس الذين أرسلتك إليهم داعيًا إلى الإسلام ما هو نازل بهم، يوم يأتيهم عذاب الله في القيامة»111.
وقال تعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [الشورى: ٧].
قال صاحب الظلال: «وقد كان الإنذار الأكبر والأشد والأكثر تكرارًا في القرآن هو الإنذار بيوم الجمع، يوم الحشر، يوم يجمع الله ما تفرق من الخلائق على مدار الأزمنة واختلاف الأمكنة؛ ليفرقهم من جديد: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) بحسب عملهم في دار العمل، في هذه الأرض، في فترة الحياة الدنيا»112.
وقصارى القول: أنّ من مقاصد الثواب في القرآن التحفيز نحو إتيان الأفعال والأعمال التي ترضي الحق سبحانه وتعالى، ويستفيد من يأتي بتلك الأفعال وينفذها بالثواب الجزيل من الله تبارك وتعالى في الدنيا والآخرة، أو التحفيز نحو الابتعاد عن الأفعال التي لا ترضي الله ورسوله، ويستفيد من ينتهي ويبتعد عن تلك الأفعال بالثواب والأجر الكبير من الله.
ولقد تنوعت أساليب التحفيز في القرآن ما بين ترغيب وترهيب، ووعد ووعيد، وتبشير وإنذار وغيرها، وفي ذلك التنويع ما يدل على ثراء القرآن وإعجازه في إقناع المتلقين، ومن ثمّ استمالتهم وتحفيزهم على تحصيل الثواب.
ثانيًا: المبادرة إلى أحب الأعمال وأكثرها ثوابًا:
إن الحق سبحانه وتعالى قد يرغّب في فعل بعض الأعمال وذلك بزيادة المثوبة التي تترتب على فعلها، وذلك يقع في النفوس والقلوب موضع الإقبال والمبادرة، فيبادر الإنسان لفعل تلك التكاليف والعبادات التي يكون في مقابلها من الحق مزيد الثواب والأجر، فمزيد الثواب على بعض الأعمال يقصد به الحق سرعة الاستجابة لتنفيذ الأمر الإلهي بالفعل، سواء أكان الأمر يدل على وجوب الفعل أو الندب إليه أم حتى مجرد إباحته، فتعظيم الثواب يعظّم من الاستجابة والتنفيذ، وكلما كان التنفيذ على وجه السرعة كان دليلًا على حسن الاعتقاد، وزيادة الإيمان، وكمال الإسلام.
كما قال تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [البقرة: ٢٦١-٢٦٢].
فهذا المثل راجع إلى قوله: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [البقرة: ٢٥٤].
والآية تثير في نفوس السامعين الاستشراف لما يلقاه المنفق في سبيل الله، فهذا مثل ضربه الله تعالى لتضعيف الثواب لمن أنفق في سبيله وابتغاء مرضاته، وأن الحسنة تضاعف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف113.
فقوله: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) أي: في وجوه الخيرات من الواجب والنفل (ﮄ ﮅ) لابد من تقرير مضافٍ في أحد الجانبين أي: (ﭽ) نفقتهم (ﮄ ﮅ) أو مثلهم (ﮄ) باذر (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) أي: أخرجت ساقًا تشعّب منها سبع، لكل واحدة منها سنبلة (ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ) كما يشاهد ذلك في الذرة والدخن في الأراضي المغلة، بل أكثر من ذلك، وإسناد الإنبات إلى الحبة مجازيٌ كإسناده إلى الأرض والربيع، وهذا التمثيل تصويرٌ للأضعاف كأنها حاضرةٌ بين يدي الناظر114.
وهذا المثل أبلغ في النفوس، من ذكر عدد السبعمائة، فإن هذا فيه إشارة إلى أن الأعمال الصالحة ينميها الله عز وجل لأصحابها، كما ينمي الزرع لمن بذره في الأرض الطيبة.
وروي عن ابن مسعود: أن رجلًا تصدق بناقة مخطومة في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لتأتين يوم القيامة بسبعمائة ناقة مخطومة)115.
وعن عبد الله بن مسعود كذلك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل جعل حسنة ابن آدم بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، إلا الصوم، والصوم لي وأنا أجزي به، وللصائم فرحتان: فرحة عند إفطاره وفرحة يوم القيامة، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)116.
ومعنى قوله: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ) أن المضاعفة درجات كثيرة لا يعلمها إلا الله تعالى ؛ لأنها تترتب على أحوال المتصدق وأحوال المتصدق عليه، وأوقات ذلك وأماكنه. وللإخلاص، وقصد الامتثال ومحبة الخير للناس، والإيثار على النفس، وغير ذلك مما يحف بالصدقة والإنفاق، تأثير في تضعيف الأجر، (ﯙ ﯚ ﯛ)117.
وقوله: (ﯙ ﯚ ﯛ) أي: إنه تعالى لا ينحصر فضله، ولا يحد عطاؤه، وهو عليم بمن يستحق هذه المضاعفة كالمنفقين في إعلاء شأن الحق، وتربية الأمم على آداب الدين وفضائله التي تسوقهم إلى سعادة المعاش والمعاد، حتى إذا ما ظهرت آثار ذلك في قوة ملتهم وسعادة أمتهم جنوا من ذلك أجلّ الفوائد وعاد ذلك عليهم بالخير الوفير118.
ثم بيّن ثواب الإنفاق في الآخرة بعد بيان منافعه في الدنيا فقال: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) أي: إن الذين يبذلون أموالهم يبتغون بذلك مرضاة ربهم، ولا يتبعون ذلك بمنّهم على من أحسنوا إليهم ولا بإيذائهم، لهم عند ربهم ثواب لا يقدر قدره، (ﮫ ﮬ ﮭ) حين يخاف الناس وتفزعهم الأهوال، (ﮮ ﮯ ﮰ) حين يحزن الباخلون الممسكون عن الإنفاق في سبيل الله، إذ هم أهل السكينة والاطمئنان والسرور الدائم119.
مما سبق يمكن القول أن تعظيم القرآن لشأن الإنفاق، وتكثير ثوابه، وتضعيف الأجر عليه يجعل في النفس الهمة والمبادرة إلى ذلك العمل الذي يحبه الله، ويعظّم من شأنه، ويكثر من ثوابه وفضله، وهكذا فإن من مقاصد الثواب جعل الإنسان المؤمن يبادر ويسارع إلى فعل الخيرات، كما قال: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [الأنبياء: ٩٠].
فدأب المؤمنين دائمًا المسارعة والمبادرة إلى فعل الخيرات؛ لنيل الثواب من الله، وكما قال: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [المؤمنون: ٦١].
ثالثًا: بيان عدل الله وفضله في معاملة الخلق:
إن الله تبارك وتعالى خلق الخلق، ونظّم لهم حياتهم بما يحفظ لكل ذي حق حقه، وأمر بالعدل، وجعل العدل هو ميزان الدنيا والآخرة، فلا جور ولا حيف، كما قال تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [المائدة: ٨].
ففي الآية أمر بالعدل حتى مع الأعداء، فالعدل نظام هذا الوجود الإنساني، فلا يصح أن يكون البغض الشديد حاملًا على الاعتداء، ولا أن يكون البغض الشديد حاملًا على منع الحقوق، بل يعطي كل ذي حق حقه، ولو كان عدوًّا مبينًا، فالحق ليس منحة من شخص لشخص يسلبه إن أبغض، ويعطيه إن أحب، بل إن التمكين منه واجب مقدس أمر الله سبحانه وتعالى به، وحث عليه120.
فعن أبي ذرٍّ، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنّه قال: (يا عبادي إنّي حرّمت الظّلم على نفسي، وجعلته بينكم محرّمًا، فلا تظالموا)121.
وإذا كان العدل ينبغي أن يكون شعار كل مسلم فما بالنا بالخالق الذي من أسمائه العدل، ولذلك بيّن الحق سبحانه وتعالى أنه لا يظم أحدًا فقال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [الكهف: ٤٩].
قال الطبري: «ولا يجازي (ﮙ ﮚ) يا محمد بغير ما هو أهله، لا يجازي بالإحسان إلا أهل الإحسان، ولا بالسيئة إلا أهل السيئة، وذلك هو العدل»122.
ولذا يقول سبحانه وتعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [الزلزلة: ٧- ٨].
و(المثقال) مفعال من الثقل، ويطلق على الشيء القليل الذي يحتمل الوزن، و(الذرة) تطلق على أصغر النمل، وعلى الغبار الدقيق الذي يتطاير من التراب عند النفخ فيه. والمقصود المبالغة في الجزاء على الأعمال مهما بلغ صغرها، وحقر وزنها123.
قال الطبري: «فمن عمل في الدنيا وزن ذرة من خير، يرى ثوابه هنالك -يعني: في الآخرة- حتى ولو كان هذا العمل في نهاية القلة»124.
(ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) يقول: ومن كان عمل في الدنيا وزن ذرة من شر يرى جزاءه هنالك. حتى ولو كان هذا العمل أيضًا في أدنى درجات القلة.
والآية تدل على أمرين مهمين:
الأول: أن الحق سبحانه وتعالى يسجّل لكل عبد من عباده -من خلال الملائكة- الحسنات والسيئات مهما قلّت أو كثرت، كما قال: (ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [الكهف: ٤٩].
الثاني: أن الحق سبحانه وتعالى يجازي كل إنسان بما كسبت يديه، فمن يعمل خيرًا يجد جزاء ذلك خيرًا، ومن يعمل شرًّا يجد جزاء ذلك شرًّا، فالجزاء من جنس العمل، والثواب والجزاء من قبل الله يكون في الدنيا والآخرة. فعدل الله أنه يثيب المحسن ويجازي المسيء.
ولذا يقول الحق مؤكدًا هذا المعنى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [الأنبياء: ٤٧].
فقوله: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) أي: فلا يظلم الله نفسًا ممن ورد عليه منهم شيئًا، بأن يعاقبه بذنب لم يعمله، أو يبخسه ثواب عمل عمله، وطاعة أطاعه بها، ولكن يجازي المحسن بإحسانه، ولا يعاقب مسيئًا إلا بإساءته. وقوله: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) أي: وإن كان الذي من عمل الحسنات، أو عليه من السيئات وزن (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) وجئنا بها فأحضرناها إياه. وقوله: (ﭽ ﭾ ﭿ) يقول: وحسب من شهد ذلك الموقف بنا حاسبين؛ لأنه لا أحد أعلم بأعمالهم وما سلف في الدنيا من صالح أو سيِّء منا125.
وهكذا يتبين عدل الحق سبحانه وتعالى في معاملة الخلق، ومجازاة كل إنسان بما كسبت يداه وعملته جوارحه.
موضوعات ذات صلة: |
الإهلاك، الجزاء، العذاب |
1 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ١/٣٩٣، مختار الصحاح، الرازي ص٩٠، لسان العرب، ابن منظور ١/٢٤٣، القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص٦٤، تاج العروس، الزبيدي ٢/١٠٣.
2 التعريفات، الجرجاني ص ٧٢، القاموس الفقهي، سعدي أبو جيب ص٧٢
3 الكليات، الكفوي ص٣٢٨.
4 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص١٦٢.
5 انظر: بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٢/٣٣٧.
6 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص١٤٧-١٤٨.
7 انظر: الصحاح، الجوهري ٢/٥٧٦، مقاييس اللغة، ابن فارس ١/٦٣، المصباح المنير، الفيومي ١/١٣، تاج العروس، الزبيدي١٠/٢٤.
8 المفردات، الراغب الأصفهاني ١/٦٤، بصائر ذوي التمييز، الفيوزآبادي ١/١٣١، الكليات، الكفوي ص٤٨.
9 وبمعنى آخر أنّ الثواب يكون جزاءً لمطلق العمل إن خيرًا فيكون الثواب خيرًا، وإن شرًّا فيكون الثواب شرًّا، إلا أنّ الثواب قد شهر في الجزاء على العمل الذي فيه الخير والنفع،، أما الأجر فلا يقال إلا جزاءً للعمل النافع الذي فيه خير.
10 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٤/٧٧.
11 الكليات، الكفوي ص٦٥٤.
12 انظر: كشاف اصطلاحات الفنون، التهاوني ٢/١١٩٢.
13 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١٤/١٤٣، الكليات، الكفوي ص ٣٥٦، تاج العروس، الزبيدي ٣٧/٣٥١.
14 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص ١٩٥، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٢/٣٨٠.
15 انظر: جامع البيان، الطبري ٦/١٠٨.
16 التفسير الوسيط، الزحيلي ١/٣٩٢.
17 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٥/٢٢٤.
18 التفسير الوسيط، الزحيلي ١/٣٩٣.
19 انظر: لباب التأويل، الخازن ١/٣٠٥، التفسير الواضح، حجازي ١/٢٩١.
20 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي، رقم ١، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنية) رقم ١٩٠٧.
21 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب القيامة، باب رقم ١٤، ٧/١٦٥. وفيه يزيد الرقاشي وهو ضعيف، وله شاهد عند ابن ماجه من حديث زيد بن ثابت في الزهد، باب الهم في الدنيا، رقم ٤١٠٥، ٢/١٣٧٥. قال البوصيري في الزوائد: «إسناده صحيح ورجاله ثقات».
22 المنار، محمد رشيد رضا، ٤/١٣٨.
23 المصدر السابق ٤/١٣٨.
24 تفسير المراغي ٤/ ٩١.
25 المصدر السابق ٤/٩٢.
26 في ظلال القرآن، سيد قطب ١/٤٨٧.
27 مدارك التنزيل، النسفي ٣/٢٥١.
28 زاد المسير، ابن الجوزي ٤/٦٣.
29 أخرجه الإمام أحمد في مسنده، ٣٥/١٤٥، رقم ٢١٢٣٠، والحاكم في المستدرك، ٤/٣١١ . وصححه الحاكم على شرط الشيخين، ولم يتعقبه الذهبي. وصححه الألباني في صحيح الجامع ١/٥٤٥، رقم ٢٨٢٥.
30 وتمام الآية: ( ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ) [آل عمران: ١٩٥].
31 زهرة التفاسير، أبو زهرة ٣/١٥٥٧.
32 البحر المديد، ابن عجيبة ٣/٣٥٨.
33 التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ٨/٦٢٧.
34 انظر: زاد المسير ٣/٨٧، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٠/٤١٣، الوسيط، طنطاوي ٨/٥٢٧.
35 محاسن التأويل، القاسمي ٧/٣٩.
36 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثّواب بعد وفاته، رقم١٦٣١.
37 زهرة التفاسير، أبو زهرة ٩/٤٥٣٩.
38 قال الإمام ابن جرير رحمه الله: «وأولى الأقوال بالصواب قول من قال: هن جميع أعمال الخير، لأن ذلك كله من الصالحات التي تبقى لصاحبها في الآخرة، وعليها يجازى ويثاب. وإن الله عز وجل لم يخصص من قوله: (ﭗ ﭘ ﭙ) بعضًا دون بعض في كتاب، ولا بخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم». جامع البيان ١٥/١٦٧.
39 تفسير المراغي ١٦/٧٩.
40 الكشاف، الزمخشري ٣/٣٨.
41 اللباب في علوم الكتاب، لابن عادل ١٣/١٣١.
42 انظر: جامع البيان، الطبري ٤/١٢٣، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/١٣٧.
43 الوسيط، طنطاوي ٢/٣٠٠.
44 لباب التأويل، الخازن ١/٣٠٨.
45 التفسير القرآني للقرآن، عبدالكريم الخطيب ٢/٦١٥.
46 جامع البيان، الطبري ٢٢/٢٢٤.
47 انظر: المصدر السابق ٢٢/٢٢٨.
48 الوسيط، طنطاوي ١٣/٢٧٦.
49 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٣٤٠.
50 روح المعاني، الألوسي ٢٦/١٠٨.
51 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصّحابة رضي الله تعالى عنهم، باب من فضائل أصحاب الشّجرة أهل بيعة الرّضوان رضي الله عنهم رقم، ٢٤٩٦.
52 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال، وبيان بيعة الرّضوان تحت الشّجرة رقم، ١٨٥٦.
53 وتمام الآيات قال تعالى: ( ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [آل عمران: ١٤٦-١٤٨].
54 التفسير الوسيط، طنطاوي ٢/٢٨٩.
55 جامع البيان ٧/٢٧٥.
56 مفاتيح الغيب، الرازي ٩/٣٨٢.
57 الكشاف، الزمخشري ١/٤٢٥.
58 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ١/٣٣٢ .
59 الجامع لأحكام القرآن ٦/٢٣٣.
60 انظر: إرشاد العقل السلبم، أبو السعود ٣/٥٥، الوسيط، طنطاوي ٤/٢٠٨.
61 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٦/٢٤٥.
62 الوسيط، طنطاوي ٤/٢٠٨.
63 المصدر السابق.
64 مدارك التنزيل، النسفي ١/٤٥٨.
65 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٣/٣٩١.
66 زهرة التفاسير، أبو زهرة ٣/١٥٥٥.
67 أخرجه أحمد في مسنده، ٣١/١٣، رقم ١٨٧١٧، والترمذي في سننه، أبواب المناقب، باب فضل مكة، رقم ٣٨٦٠.
68 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي، رقم ٣، ومسلم في صحيحه، كتاب الايمان، باب بدء الوحي، رقم ٢٣١، عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها.
69 زهرة التفاسير، أبو زهرة ٣/١٥٥٦.
70 تفسير المراغي ٤/١٦٧.
71 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٩/٤٧١.
72 انظر: المصدر السابق، التفسير القرآني للقرآن، عبدالكريم الخطيب ٢/٦٧٤.
73 الكشاف ٣/٤٣٢.
74 انظر: جامع البيان، الطبري ١٩/٦٢٩.
75 زهرة الفاسير، أبو زهرة ٩/٤٥٢٥.
76 الكشاف ٢/٧٢٠.
77 المصدر السابق ٢/٧٢٠.
78 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٥/٣١١.
79 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الطهارة، باب تبلغ الحلية حيث يبلغ الوضوء، رقم، ٢٥٠.
80 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/١٥٦، تفسير المراغي ١٥/١٤٥.
81 جامع البيان ١٠/٥١١.
82 الوسيط، طنطاوي ٨/٥١٣.
83 الوسيط، طنطاوي ٤/٢٥٩.
84 انظر: جامع البيان، الطبري ١٠/٥١٢.
85 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة، رقم ٣٢٤٤، ومسلم في صحيحه، أوائل كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، رقم ٢٨٢٤.
86 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب صفة الجنة، رقم ٢٥٥٣.
87 مدارك التنزيل، النسفي ٣/٦١٨.
88 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٣٥٤.
89 التفسير القرآني للقرآن، عبدالكريم الخطيب ١٦/١٤٩٩.
90 الوسيط، طنطاوي ١٥/٣٢٩.
91 مدارك التنزيل، النسفي ٣/٦١٨.
92 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ٥/٤٣٧.
93 التفسير القرآني للقرآن، عبدالكريم الخطيب ١٦/١٤٩٩.
94 انظر: التحفيز التربوي في القرآن الكريم وتطبيقاته التربوية، أحمد الحافظي، ص٥، ١٧، ٢٤.
95 فتح القدير ٢/٢٣١.
96 جامع البيان ١٧/٢٩٢.
97 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٦/٢٣٧.
98 تفسير القرآن العظيم ٧/١٧٧.
99 فتح القدير ٣/٣٤٤.
100 انظر: التحفيز التربوي في القرآن الكريم وتطبيقاته التربوية، أحمد الحافظي، ص٣٣-٣٥.
101 صفوة التفاسير، الصابوني ٢/١٨٨.
102 لباب التاويل ٣/٢٤٢.
103 السابقون إلى الخيرات، سعد الحجري ص٩.
104 انظر: التحفيز التربوي في القرآن الكريم وتطبيقاته التربوية، أحمد الحافظي، ص٣٣-٣٥.
105 جامع البيان ١٨/٣٩٠.
106 المصدر السابق ١٨/٥٢١.
107 الجامع لأحكام القرآن ١/٣٣٢.
108 انظر: التحفيز التربوي في القرآن الكريم وتطبيقاته التربوية، أحمد الحافظي، ص٣٦.
109 فتح القدير ٣/٤٥٩.
110 جامع البيان ١٧/٤٠٩.
111 المصدر السابق ١٧/٣٥.
112 في ظلال القرآن، ٥/٣١٤٤.
113 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٦٩١، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣/٤٢.
114 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ١/٢٥٧.
115 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب فضل الصّدقة في سبيل الله وتضعيفها، رقم ١٨٩٢.
116 أخرجه أحمد في مسنده، ٧/٢٩٠، رقم ٤٢٥٦. قال المحقق: «صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف».
117 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣/٤٢.
118 تفسير المراغي٣/٣٠.
119 المصدر السابق ٣/٣١.
120 زهرة التفاسير، أبو زهرة ٤/٢٠٥٩.
121 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البرّ والصّلة والآداب، باب تحريم الظّلم، رقم ٢٥٧٧، عن أبي ذر رضي الله عنه،.
122 جامع البيان ٢٠/١٥١.
123 الوسيط، طنطاوي ١٥/٤٧٩.
124 جامع البيان ٢٤/٥٤٩.
125 المصدر السابق ١٨/٤٥١.