عناصر الموضوع

مفهوم التوكل

التوكل في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

دلالة اقتران التوكل بالإيمان والعبادة

التوكل في حق الله تعالى

الأنبياء عليهم السلام والتوكل

دوافع التوكل على الله تعالى

مواطن التوكل على الله تعالى

ثمرات التوكل

التوكل

مفهوم التوكل

أولًا: المعنى اللغوي:

من الجذر «و ك ل» وأصلها: اعتمادك على غيرك1، تقول:وكلته إليك أكله كلةً، أي:فوضته، ورجل وكلٌ ووكلةٌ وهو الـمواكل يعتمد على غيره فيضيع أمره، وتقول:وكلت بالله، وتوكّلت على الله، ووكلت فلانًا إلى الله، أكله إليه، والوكيل: فعله التّوكّل، والتوكّل إظهار العجز والاعتماد على غيرك، وكذلك يعني «التكلان» الذي انقلبت تاؤه عن واو، ومصدر التوكل الوكالة 2، قال ابن منظور: «يقال:توكّل بالأمر إذا ضمن القيام به، ووكلت أمري إلى فلانٍ أي ألجأته إليه واعتمدت فيه عليه، ووكّل فلانٌ فلانًا إذا استكفاه أمره؛ ثقةً بكفايته، أو عجزًا عن القيام بأمر نفسه»3.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

غلب استخدام مصطلح التوكل في توكل العبد على ربه؛ لذا عرفه العلماء أنه: «الثقة بما عند الله، واليأس عما في أيدي الناس»4، وقال الرازي: «التوكل هو أن يراعي الإنسان الأسباب الظاهرة، ولكن لا يعول بقلبه عليها، بل يعول على عصمة الحق»5، وأضاف النسفي أن التوكل هو «قطع العلائق وترك التملق للخلائق»6، وقال ابن عاشور:«هو انفعال قلبي عقلي يتوجه به الفاعل إلى الله؛ راجيًا الإعانة، ومستعيذًا من الخيبة والعوائق»7.

وقد نخلص من المعاني السابقة إلى أن التوكل على الله هو: ثقة العبد بالله تعالى، وتفويض الأمر إليه، والاعتماد عليه في جلب النفع أو دفع الضر.

والمتأمل في التعريفين اللغوي والاصطلاحي يجد توافقًا واضحًا بينهما، فالتوكل لغةً هو تفويض الأمر والاعتماد على الآخر مع الثقة، والمعنى الاصطلاحي يتضمن تفويض الأمر لله تعالى، والاعتماد عليه وحده في تسيير الأمور؛ ثقةً بقدرته الكاملة عز وجل.

التوكل في الاستعمال القرآني

وردت مادة (وكل) في القرآن (٧٠) مرة 8.

والصيغ التي وردت هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

الفعل الماضي

١٣

( ﯿ ) [هود:٨٨]

الفعل المضارع

١٨

( ) [النحل:٤٢]

فعل الأمر

١١

( ﯿ ) [الأنفال:٦١]

اسم الفاعل

٤

( ) [آل عمران:١٥٩]

الصفة المشبهة

٢٤

( ) [الزمر:٦٢]

والتوكل هو: الاعتماد على الغير وتفويض الأمور له، ولم يخرج في الاستعمال القرآني عن هذا المعنى9.

الألفاظ ذات الصلة

الثقة:

الثقة لغة:

الائتمان10.

الثقة اصطلاحًا:

من يعتمد عليه في القول والفعل11.

الصلة بين الثقة والتوكل:

يوجد تكامل كبير في المفردتين، فلا يمكن أن يتوكل الإنسان إلا على من يثق به ويأتمنه على القيام بالأمر.

الثقة:

الاعتماد لغة:

اعتمد على الشيء اتكأ، واعتمد عليه في كذا اتكل، ويقال:اعتمد الشّيء: قصده وأمضاه، ويقال:اعتمد الرئيس الأمر: وافق عليه وأمر بإنفاذه12.

الاعتماد اصطلاحًا:

هو «القصد إلى الشيء والاستناد إليه مع حسن الركون»13.

الصلة بين الاعتماد والتوكل:

المفردتان متقاربتان؛ لأن في كلتيهما استنادًا إلى المعتمد عليه مع حسن الركون والاطمئنان.

التواكل:

التواكل لغة:

«تواكل القوم: اتكل بعضهم على بعض14.

التواكل اصطلاحًا:

هو التخاذل وترك العمل بالأسباب، وانتظار الأماني15.

الصلة بين التواكل والتوكل:

المفردتان متضادتان، فالتوكل هو عمل الجوارح مع توكل القلوب، أما الكسل عن الأخذ بالأسباب مع الادعاء بالتوكل هو حقيقة التواكل.

التفويض:

التفويض لغة:

«فوض إليه الأمر تفويضًا: رده إليه، وجعله الحاكم فيه»16.

التفويض اصطلاحًا:

هو «ردّ الأمر إلى الله والتبرؤ من الحول والقوة»17.

الصلة بين التفويض والتوكل:

المفردتان متقاربتان، فالتفويض والتوكل يشتركان في رد الأمور إلى الآخر فيما لا تستطيعه قدرة الشخص.

دلالة اقتران التوكل بالإيمان والعبادة

التوكل من أعظم العبادات المرتبطة بالإيمان؛ لذلك كثر اقترانه بمصطلحي «العبادة» و«الإيمان»، فالتوكل على الله هو أجمع أنواع العبادة، وأعلى مقامات التوحيد وأعظمها وأجلها؛ لما ينشأ عنه من الأعمال الصالحة؛ فإنه إذا اعتمد على الله في جميع أموره الدينية والدنيوية دون كل ما سواه؛ صح إخلاصه ومعاملته مع الله، وكذلك لا يصح إيمان الإنسان إذا فسد توكله، فالتوكل شرط في الإيمان18، بدلالة قول الله تعالى: ( ﯿ ) [المائدة:٢٣]. أي على الله وحده اعتمدوا وثقوا، فهو وكيلكم الأعلم بما يصلح لكم إن كنتم مؤمنين، وإن لم تكونوا متوكلين فلن ينطبق عليكم سمت المؤمنين19.

وفي موضع آخر قال جل وعلا: ( ) [يونس:٨٤].

وهنا يظهر اشتراط التوكل للإسلام، فيجب أن يسلّم الإنسان أموره لله عز وجل خالصة دون تخليط؛ حتى ينال الرضا من الله تعالى20.

وقد قرن التوكل بالعبادة في أكثر من موضع، منها قول الله تعالى: ( ﮚﮛ ) [هود:١٢٣].

وقد بيّن الرازي أن أول درجات السير إلى الله تعالى هو عبودية الله، وآخرها التوكل على الله، وأن هذا هو السبب الذي أدّى إلى ترتيب الآية هكذا: ( )، بمعنى أن المخلص في العبادة المؤدي لها بيقين وتأمل وصفاء يصل به التدبر إلى عظم الخالق عز وجل وروعة إبداعه، وأنه لا يملك أمام تلك القدرة المطلقة سوى تفويض أموره كلها والاعتماد عليه تعالى في تسيير شؤون حياته كلها21.

ولعل ترتيب الآية السابقة يؤكد على مبدأ العبادة والعمل، ومن ثمّ تفويض الأمور لله تعالى، وهذا هو التوكل الصحيح، خلافًا لما يفعله المتواكلون من القعود عن العمل، وترك الأمور بحجة التفويض، وإسناد الأمور للخالق عز وجل، فالله يحب العاملين ولا يحب المتخاذلين.

التوكل في حق الله تعالى

من أسماء الله تعالى الوكيل، وقد حقّ لجلاله وعزته وحكمته هذا الاسم، فعليه يجب أن يتوكل المؤمنون، وعلى غيره لا يصح التوكل؛ لأن التوكل عبادة قلبية، لا تصرف إلا لله عز وجل22، وسيأتي بيان معنى اسم الله الوكيل واستحقاقه جل وعلا لهذا الاسم فيما يأتي:

أولًا: الوكيل من أسماء الله الحسنى:

أثبت الله تعالى لنفسه اسم الوكيل، يقول الحق عز وجل: ( ﮒﮓ ) [الزمر:٦٢].

وقال في موضع آخر: ( ﯿ ) [آل عمران:١٧٣].

والوكيل هو المتكفل باحتياجات عباده، وقيل: الموكول إليه ذلك، فإن عباده وكّلوا إليه مصالحهم اعتمادًا على إحسانه عز وجل23.

يقول الطوسي: الوكيل «هو الموكول إليه الأمور، ولكن الموكول إليه ينقسم إلى من يوكل إليه بعض الأمور، وذلك ناقص، وإلى من يوكل إليه الكل، وليس ذلك إلا الله سبحانه وتعالى، والموكول إليه ينقسم إلى: من يستحق أن يكون موكولًا إليه لا بذاته ولكن بالتفويض والتوكيل، وهذا ناقص؛ لأنه فقير إلى التفويض والتولية، وإلى من يستحق بذاته أن تكون الأمور موكولة إليه، والقلوب متوكلة عليه لا بتوليةٍ وتفويضٍ من جهة غيره، وذلك هو الوكيل المطلق، والوكيل أيضًا ينقسم إلى: من يفي بما وكّل إليه وفاءً تامًا من غير قصور، وإلى: من لا يفي بالجميع، والوكيل المطلق: هو الذي الأمور موكولة إليه وهو مليٌّ بالقيام بها، وفيٌّ بإتمامها، وذلك هو الله تعالى»24.

والفرق بين وكالة الله ووكالة العباد، أن الوكيل صفة الله التي تعني المتولي القائم بتدبير خلقه؛ لأنه مالك لهم رحيم بهم، أما توكيل العباد إنما يعقد بالتوكيل، ولا يتضمن الرحمة25، لذا حريٌّ بنا أن نتوجه إلى الله جل جلاله بالدعاء باسمه الوكيل، وبجميع أسمائه الحسنى، فالله تعالى حقيق بذلك، وقد أمرنا بهذا في قوله تعالى: ( ﭷﭸ ﭽﭾ ﭿ ) [الأعراف:١٨٠].

وعلى الإنسان أن يستحضر لحظة الدعاء عزة الربوبية وذلة العبودية، فبذلك يعظم الدعاء ويحسن الذكر26.

ثانيًا: استحقاق الله تعالى للتوكل لاتصافه بصفات الكمال:

لله تعالى من الصفات المطلقة ما يجعلنا نسارع إلى عبادته، ونجتهد في التوكل عليه، توقًا إلى رحمته، وحرصًا على استحقاق جنته، فمن أهم ما يجعل المؤمن يتوكل على ربه عز وجل:

١. سعة علمه.

الله عز وجل هو العليم، فقد أثبت العلم المطلق لنفسه تبارك وتعالى: ( ﯿ ﰃﰄ ) [الأنفال:٦١].

وأثبتها له صفوة عباده المؤمنين، فقد وردت على لسان أنبياء الله الكرام، كقول إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام: ( ﭚﭛ ) [البقرة:١٢٧].

وأيضًا أثبت العلم المطلق لله تعالى يعقوب عليه السلام في قوله: ( ﮬﮭ ﮯﮰ ﯗﯘ ) [يوسف:٨٣].

وقال تعالى عن مريم ابنة عمران: ( ﮮﮯ ) [آل عمران:٣٥].

والعليم يعني: أن الله تعالى يحيط بكل شيء علمًا، ظاهره وباطنه، دقيقه وجليله، أوله وآخره، عاقبته وفاتحته، فمعلوماته تعالى لا نهاية لها، وكذلك وضوحها وكشفها على أتم ما يمكن فيه، بحيث لا يتصور مشاهدة وكشف أظهر منه، ثم لا يكون تعالى مستفيدًا من المعلومات، بل تكون المعلومات مستفادة منه، فهو تعالى الذي يمدّ بالعلم من يشاء27، وهذا العلم الإلهي يجعلنا نسلّم أمورنا متوكلين على الله تعالى؛ فنحن الجاهلون وهو الأعلم بحالنا وبما يصلح لشؤون ديننا ودنيانا، وهو الراضي عنا بهذا التوكل، وهو كافينا ما أهمّنا.

٢. سعة رحمته.

وصف الله عز وجل ذاته المقدسة بالرحمة الواسعة، فقد قال عز وجل: ( ) [الأعراف:١٥٦].

وقال أيضًا: ( ﯞﯟ ) [البقرة:١٦٠].

وتقررت الصفة مرة أخرى في موضع ليس ببعيد عن الموضع السابق في قوله تعالى: ( ﯿﰀ ) [البقرة:١٦٣].

وقد أثبت صفة الرحمة لله تعالى أنبياء الله الكرام، فقد قال تعالى عن موسى: ( ﮣﮤ ) [البقرة:٥٤].

وعن سليمان ( ) [النمل:٣٠].

وأثبتها لله تعالى محمد صلى الله عليه وسلم: ( ﭬﭭ ﭶﭷ ﭼﭽ ﭿ ﮂﮃ ) [الأحقاف:٨].

ورحمة الله تعالى هي تفضله وكرمه على المؤمنين، فقد أوجب تعالى الرحمة على نفسه تفضلًا وإحسانًا، ولم يوجبها عليه أحد28 في قوله: ( ﭿ ) [الأنعام:١٢].

فهو الممتنّ عليهم بعطائه الجزيل، وهو الذي يتوب على عباده،

يقول الطبري: «يقول تعالى ذكره: إن هؤلاء العادلين بي الجاحدين نبوتك يا محمد، إن تابوا وأنابوا قبلت توبتهم، وإني قد قضيت في خلقي: أن رحمتي وسعت كل شيء»29، ونحن نقول: إذا كانت هذه رحمته بالمعرضين عنه، فكيف تكون رحمته بالمقبلين عليه، الساجدين بين يديه، المتوكلين عليه في تسيير أمورهم، وكيف لهم ألا يتوكلوا إذا ما علموا عطفه على عباده ورفقه بهم، ورحمته فيما يقدّر لهم من مقادير!

٣. عزته وقوته.

عزاء المؤمن المظلوم والمقهور في هذه الدنيا يقينه أن الله تعالى هو القوي العزيز، الذي لا تضيع عنده الحقوق ولا يفلت من عقابه الظالمون.

قال تعالى: ( ﮔﮕ ) [هود:٦٦].

وتتجلى قوة الله وعزته في الآية: كونه تعالى قد أوصل العذاب إلى الكفار بصالح عليه السلام، وصان أهل الإيمان عنه، وهذا لا يصحّ إلاّ من القادر الذي يقدر على قهر طبائع الأشياء، فيجعل الشّيء الواحد بالنّسبة إلى إنسان بلاء وعذابًا، وبالنسبة إلى إنسان آخر راحة وريحانًا30.

وقال تعالى: ( ﮏﮐ ) [الشورى:١٩].

أي: أن رب العزة ذو لطف بعباده مؤمنهم وكافرهم، فهو الذي يطعمهم ويسقيهم، وحتى في خلوات المعصية يمرّر إليهم الهواء فيحييهم، وهو تعالى على كرمه معهم قادر على أخذهم بقوته التامة؛ فهو الذي لا يعجزه شيء، وهو العزيز في انتقامه إذا أراد الانتقام من أحد31.

وقد ابتلى الله ابن آدم بالموت؛ ليرى نتيجة عمله، والله هو العزيز المنتقم من الظالمين، القابل توبة التائبين32: ( ﭢﭣ ) [الملك:٢].

والذي يفهم بحق معنى عزة الله وقوته، ويدرك أن الله مقتص من الظالمين، ناصر للطائعين عاجلًا كان أم آجلًا، سيفوّض أموره كلها لله واثقًا متوكلًا موقنًا أنه لن يضيع له حق.

٤. حكمته.

من أسماء الله تعالى: الحكيم، فهو سبحانه صاحب الحكمة المطلقة.

يقول عز وجل: ( ﰅﰆ ) [الأنعام:١٨].

قال ابن القيم: «الحكمة: فعل ما ينبغي، على الوجه الذي ينبغي، في الوقت الذي ينبغي»33.

وقال الطوسي: «الحكمة: هي معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم.. ولا يعرف كنه معرفته غيره، فهو الحكيم الحق؛ لأنه يعلم أجلّ الأشياء بأجلّ العلوم، إذ أجلّ العلوم هو العلم الأزلي الدائم الذي لا يتصور زواله، المطابق للمعلوم مطابقةً لا يتطرق إليها خفاءٌ ولا شبهةٌ، ولا يتصف بذلك إلا علم الله سبحانه وتعالى، وقد يقال لمن يحسن دقائق الصناعات ويحكمها ويتقن صنعتها حكيم، وكمال ذلك أيضًا ليس إلا لله تعالى، فهو الحكيم الحق»34.

وقد أثبتت آيات القرآن الكريم هذه الصفة لله تعالى، قال جل وعلا على لسان ملائكته الكرام: ( ﮇﮈ ) [البقرة:٣٢].

وقال على لسان يوسف عليه السلام: ( ﮰﮱ ﯗﯘ ) [يوسف:١٠٠].

وفي الآية الأخيرة تقرير لحكمة الله العليم، فقد مرت بيوسف عليه السلام ظروف صعبة، ابتداءً من إلقائه في الجب وانتهاءً بسجنه واتهامه ظلمًا، إلا أن نبي الله المعصوم يعلم أن ربه حكيم، يجري كل حدث بمراد دقيق، وبما تقتضيه مصلحة الإنسان35، فإذا تيقن المرء من وجود الحكمة في تقدير الله تعالى وتدبيره، فسيترك التفكير، ويقطع السعي فيما ليس للبشر قدرة عليه، وسيفوّض أموره كلها لخالقه الحكيم العالم بمراد البشر، المتوكل بمصالحهم.

ثالثًا: نفي الإيمان عن غير المتوكل على الله تعالى:

التوكل على الله واجب وشرط لحصول الإيمان، وانتفاؤه انتفاء للإيمان بمقتضى قول الله تعالى36: ( ) [يونس:٨٤].

ولأن التوكل عبادة قلبية، فلا يصح صرفه لغير الله، فهذا من الشرك.

وقد قسّم العلماء التوكل على غير الله إلى قسمين:

الأول: التوكل على غير الله في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله؛ كالذين يتوكلون على الأموات، ويطوفون بالقبور استشفاءً أو طلبًا للنصر والرزق، فهذا شرك أكبر.

الثاني: التوكل على غير الله في الأمور التي يقدر عليها العباد؛ كأن يتوكل على وزير أو أمير في فيما جعله الله في يده من سلطة أو وظيفة، في جلب مصلحة أو دفع أذى، فهذا ينافي كمال الإيمان ويضعفه.

والوكالة الجائزة: هي توكيل الإنسان في فعلٍ مقدور عليه، ولكن ليس له أن يتوكل عليه، وإن وكّله، بل يتوكل على الله ويعتمد عليه في تيسير ما وكّل صاحبه فيه37.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وما رجا أحدٌ مخلوقًا أو توكل عليه إلا خاب ظنه فيه فإنه مشرك»38.

وقد قال رب العزة: ( ) [الحج:٣١].

والمشرك المتوكل على غير الله يوقع الله في قلبه التعلق بالمخلوقين، فيخافهم ويرجوهم فيحصل له رعب، كما قال تعالى: ( ﭳﭴ ﭶﭷ ) [آل عمران:١٥١].

والخالص من الشرك يحصل له الأمن واطمئنان النفس والتعفف عن سؤال الناس39.

قال تعالى: ( ) [الأنعام:٨٢].

ولعل من أهم قوادح التوكل التي نراها في هذه الأيام اعتماد الإنسان على الرقية بواسطة شخص معين، أو العلاج على يد طبيب بعينه اعتقادًا بقدرته على الشفاء، وهذا الأمر منافٍ للتوكل الصحيح الذي يعتمد على رجاء الله أولًا، ثم عمل ما يلزم بواسطة البشر مع عدم تعليق الأمل على أشخاصهم ثانيًا.

الأنبياء عليهم السلام والتوكل

أنبياء الله الكرام هم صفوة خلقه، وقد أبرز القرآن الكريم الأسوة الحسنة من خلال قصصهم مع أقوامهم عليهم السلام، فكانوا خير المؤدّبين لأممهم والمخلّصين لها من أرذال الجاهلية، والمتحلّين بأجمل الخلال، قال تعالى: ( ) [الأنعام:١٢٤].

وقد تحلى أنبياء الله عليهم السلام بالتوكل، وحثوا أقوامهم على ذلك، وسنبين ذلك فيما يأتي:

أولًا: دعوة أقوامهم إلى التوكل على الله تعالى:

دعا أنبياء الله الكرام أقوامهم إلى التوكل؛ لأنه من أجلّ العبادات.

قال الله تعالى: ( ﭹﭺ ﭾﭿ ) [إبراهيم:١٢].

وهذه العبارة نقلها القرآن الكريم ليصور لنا حال أنبياء الله الكرام الذين اجتهدوا في دعوة أنبيائهم إلى التوكل، فقد علّموهم التوكل بالقدوة، وحضّوهم عليها بالقول، وبيّنوا لهم أن هداية الله ونصره وتأييده لا تأتي إلا بالتوكل، ولا ننسى دعوة يعقوب عليه السلام لأبنائه وقومه أن يتوكلوا، وأمرهم باتخاذ الأسباب التي تحميهم، ومن ثمّ تفويض الأمر لله عز وجل برعايتهم وحفظهم.

قال تعالى على لسان يعقوب عليه السلام: ( ﮧﮨ ﮯﮰ ﯕﯖ ﯘﯙ ) [يوسف:٦٧].

قال ابن عاشور:«أراد بهذا تعليمهم الاعتماد على توفيق الله ولطفه مع الأخذ بالأسباب المعتادة الظاهرة؛ تأدبًا مع واضع الأسباب ومقدر الألطاف في رعاية الحالين، لأنا لا نستطيع أن نطلع على مراد الله في الأعمال، فعلينا أن نتعرفها بعلاماتها، ولا يكون ذلك إلا بالسعي لها»40.

وقد وردت في قصة موسى عليه السلام دعوة إلى التوكل، تأمل قول الله تعالى: ( ) [يونس:٨٤].

فالتوكل من أهم الأمور التي دعا إليها موسى عليه السلام وعلمها لقومه، ويظهر ذلك التأديب في قصة نقباء موسى الذين تربوا على يديه.

قال تعالى: ( ﯻﯼ ﯿ ) [المائدة:٢٣].

والقصة تحكي عن اثنين من النقباء الذين أرسلوا إلى الجبارين لاستكشاف قوتهم، وهؤلاء المذكورون في الآية من المؤمنين الذين رباهم موسى عليه السلام على التوكل، فحثوا قومهم على ذلك، وبيّنوا لهم أن قوة الجبارين في أجسادهم فقط، وأنهم إذا غزوهم في عقر دارهم ذلّوهم وهزموهم، وهذه هي التربية المؤمنة التي تعلّم أبناءها بذل الجهد وعدم الانشغال بالنتائج؛ لأن الله ناصر عباده وكافيهم شر الأعداء إن صدقوا الإخلاص وأحسنوا التوكل41.

ثانيًا: الأنبياء أسوة في التوكل على الله تعالى:

التوكل سمة مشتركة لدى الأنبياء عليهم السلام، وقد ظهر التوكل في القصص القرآني بشكل واسع.

قال تعالى: ( ﭠﭡ ﭪﭫ ) [إبراهيم:١١].

ويظهر في الآية التأكيد على صفة التوكل والحث عليها بقوة، فقد بيّنت أن الرسل عليهم السلام أكدوا بشريتهم لأقوامهم وأن الله قد منّ عليهم بالتوحيد والدعوة، وأن الله ناصرٌ أنبياءه بقوته وجبروته تعالى، فقد تحدوا أقوامهم بأنهم متوكلون على الله، في دفع كيدهم ومكرهم، وأن الأنبياء كانوا جازمين بكفايته إياهم، وقد كفاهم الله شرّهم، على الرغم من حرص المكذبين من أقوامهم على إطفاء ما معهم من الحق، وقد كان توكل الرسل عليهم الصلاة والسلام في أعلى المطالب وأشرف المراتب؛ فهو التوكل على الله في إقامة دينه ونصره، وهداية عبيده وإزالة الضلال عنهم، وهذا أكمل ما يكون من التوكل.42

وإمام المتوكلين محمد صلى الله عليه وسلم، فهو الذي توكل على ربه في دعوته وربّى أصحابه الكرام على تلك الصفة، فقد تخفّى عليه الصلاة والسلام مع أبي بكر رضي الله عنه في الغار فرارًا بدينه من بطش المشركين.

قال تعالى: ( ﯜﯝ ﯪﯫ ﯯﯰ ) [التوبة:٤٠].

عن أبي بكر رضي الله عنه قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم وأنا في الغار: (لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال: ما ظنك يا أبا بكر في اثنين الله ثالثهما)43، فرد عليه حبيبه عليه السلام: (لا تحزن) حاثًا إياه على مجاهدة النفس وتوطينها على عدم الاستسلام، وقال له: (إنّ اللّه معنا) يعني بنصره وتأييده44.

يقول الخازن: «وفيه بيان عظيم على توكل النبي صلى الله عليه وسلم.. وفيه فضيلة لأبي بكر وهي من أجلّ مناقبه، والفضيلة من أوجه، منها: اللفظ الدال على أن الله ثالثهما، ومنها: بذله نفسه ومفارقته أهله وماله ورياسته في طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وملازمته النبي صلى الله عليه وسلم ومعاداة الناس فيها، ومنها: جعله نفسه وقاية عنه، وغير ذلك»45.

ولا يخفى ما أظهره أبو بكر الصديق وأصحابه من التوكل على الله عزّ وجل، فها هو أبو بكر رضي الله عنه يتصدق بكل ماله في سبيل الله، ويجيب حبيبه صلى الله عليه وسلم عندما سأله: (ماذا أبقيت لأهلك؟) فيقول: أبقيت لهم الله ورسوله46.

لا يخاف على أهله الموت فقرًا وجوعًا، ومنّا الآن من يستعظم صدقته إذا تجاوزت دخل يوم أو أقل، فلله درك يا أبا بكر !

وقد ظهر التوكل جليًا في قصة نوح عليه السلام عندما قال لقومه: ( ) [يونس:٧١].

أي: إن كان الدين الذي أدعو إليه ثقيلًا عليكم ولا تتحملون مكوثي معكم ودعوتي لكم، فاجتمعوا أنتم وجميع شركائكم وافعلوا أقصى ما تستطيعون جهرًا لا خفية، ولا تمهلوني أو ترحموني أو تألوا في ذلك سبيلًا، فأنا متعلق بالله الذي سيكفيني أمركم وسينصرني بقوته وعزته، وهذه قمة التحدي المبني على التوكل على الله والاعتزاز بالله عز وجل.

كما ظهر توكل سيد المتوكلين إبراهيم عليه السلام في قوله تعالى: ( ) [إبراهيم:٣٧].

انظر كيف يترك إبراهيم عليه السلام زوجه وابنه في صحراء مقفرة لا زرع فيها ولا مياه، يترك ابنه الذي رزقه الله إياه بعد سنين في مكان لا يتصور أحد أن يترك فلذة كبده فيه، وتسأله زوجه: الله أمرك بهذا؟ فيشير برأسه أن نعم، فتقول متوكلة على الله: إذًا لا يضيعنا الله أبدًا، هذه هي أسرة المتوكلين على الله حين علموا أن الله يريد أن يتم أمره الذي قدره47.

ويذكر الإدريسي أن في فعل إبراهيم عليه السلام إشارة إلى تربية أهله بحقائق التوكل والرضا والتسليم، ونعمت التربية تلك، فأعلمنا بسنته القائمة على الحنيفية السمحة السهلة: أن المؤمن الصادق ينبغي ألا يكون معوّلًا على الأسباب فحسب، بل يلزمه التوكل على الله في جميع أموره48.

وعلينا ألا نستغرب هذا التوكل العظيم منه عليه السلام، فهو الذي تبرأ من قومه جهرًا وهو يتوقع أنهم سيلحقون به الضرر، ولم يكن يملك ما يدفع به مكرهم، لكنه لم يخش إلا الله، فقال عليه السلام داعيًا ربه عز وجل: ( ) [الممتحنة:٤].

ولما ألقوه في النار ظهرت نتيجة توكله فكانت تلك الآية الرائعة، والمعجزة العظيمة في تحول النار عن صفة الاحتراق إلى صفة البرودة مع السلام.

قال تعالى: ( ) [الأنبياء:٦٩-٧٠].

فلما رأى النمرود تلك الآية ترك إبراهيم وكف أذاه عنه، فمن ذا الذي يخاف كيد الكافرين ومكرهم وهو في كنف المولى عز وجل، الغالب على أمره ولو كره الكافرون49.

وقد توكل هود عليه السلام على ربه، وتحدى قومه المكذبين أن يضروه، فهو المتوكل على الله ولا يخسر المتوكلون أبدًا، قال تعالى على لسان هود عليه السلام: ( ﭱﭲ ﭹﭺ ﭿ ) [هود:٥٥-٥٦].

وكذلك توكل شعيب عليه السلام على ربه، واعتز بهذا التوكل قائلًا: ( ﮈﮉ ) [الأعراف:٨٩].

وقال أيضًا: ( ﯼﯽ ﯿ ) [هود:٨٨].

ولا يخفى أن التوكل إشارة إلى التوحيد المحض، فكل الأنبياء خصوا الله تعالى وحده بالتوكل، وأكدوا على ذلك في دعوتهم لأقوامهم، وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على كونه عملًا عقديًّا مهمًّا ينبغي ألا يشوبه شوائب50.

دوافع التوكل على الله تعالى

للتوكل على الله تعالى دافعان رئيسان، وهما: الإيمان بالله تعالى، والإيمان بالقدر، وبيان ذلك فيما يأتي:

أولًا: الإيمان بالله تعالى:

التوكل مبني على الإيمان، لقول الله تعالى: ( ﯿ ) [المائدة:٢٣].

قال ابن القيم: «فذكر اسم الإيمان هاهنا دون سائر أسمائهم دليل على استدعاء الإيمان للتوكل، وإن قوة التوكل وضعفه بحسب قوة الإيمان وضعفه، وكلما قوي إيمان العبد كان توكله أقوى، وإذا ضعف الإيمان ضعف التوكل، وإذا كان التوكل ضعيفًا، فهو دليل على ضعف الإيمان ولا بد، والله تعالى يجمع بين التوكل والعبادة، وبين التوكل والإيمان، وبين التوكل والإسلام، وبين التوكل والتقوى، وبين التوكل والهداية»51.

وانتفاء التوكل يعني انتفاء الإيمان، يقول المولى عز وجل: ( ﭿ) [الأنفال:٢-٣].

هذا وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الآية تعني أن من اتصف بتلك الأوصاف هو المؤمن كامل الإيمان، بينما من لم يتصف بها هو المؤمن ناقص الإيمان، فلا ينتفي عنه الإيمان بالجملة52، لكن المتأمل في الآية وفي معنى التوكل يعلم أن التوكل أمر عقدي، لذا يستبعد أن يكون المتوكل على غير الله مؤمنًا إيمانًا ناقصًا، بل يرجّح انتفاء الإيمان عنه، والله أعلى وأعلم.

ثانيًا: الإيمان بالقدر:

الإيمان بالقدر من أهم ما يدفع إلى التوكل على الله؛ فالذي يعلم يقينًا أن الله تعالى قد قدّر حياته ومعاده ورزقه وذريته وزوجه وأمور معاشه كلها، لا يتوانى في تسليم أموره كلها لله، ولا يقلق ولا يجزع من المستقبل، فالذي خلقه هو من قدّر سير حياته، فيعيش مطمئن البال راضيًا بما كتب الله له، لا يلهث وراء الدنيا ولا يتكالب على المناصب والأرزاق، فالله تعالى قد كتب له مقدارًا من الخير سيأتيه دون غيره.

قال تعالى: ( ﯔﯕ ﯡﯢ ﯮﯯ ﯻﯼ ﯿ ﰏﰐ ) [النحل:٧٠-٧٢].

وعن محمد بن عمران قال: قيل لحاتم الأصم: على ما بنيت أمرك هذا من التوكل؟ قال: «أربع خلال:

  1. علمت أن رزقي ليس يأكله غيري، فلست أشغل به.
  2. وعلمت أن عملي لا يعمله غيري، فأنا مشغول به.
  3. وعلمت أن الموت يأتيني بغتة، فأنا أبادره.
  4. وعلمت أني بِعَيْنِ الله في كل حال، فأنا مستحي منه»53.

    والتوكل على الله تعالى لا يعني ترك الأسباب بحجة كون الأمور مقدرة عند الله، فترك الأسباب بدعوى التوكل لا يكون إلا عن جهل بالشرع أو فساد في العقل، فالتوكل محله القلب، والعمل بالأسباب محله الأعضاء والجوارح، ولا يكمل التوكل إلا بالعمل، فالمؤمن يعمل ويأخذ بالأسباب ثم يتوكل على الله تعالى في جلب المنفعة54.

    وقد أمر الله تعالى بأخذ الأسباب في كل الأحوال، تأمل قول الله تعالى: ( ) [الملك:١٥].

    فبالرغم من كون الرزق مقدرًا إلا أننا مأمورون بالسعي من أجله، وبالاجتهاد في استصلاح الأرض والحصول على ثرواتها55.

    وانظر قوله تعالى: ( ) [النساء:٧١].

    فالحذر عمل بأسباب النصر، وكذلك الاستعداد للمعركة من عوامل النصر، ( ) [الأنفال:٦٠].

    وفي الآية: تنبيه إلى ضرورة الاستعداد وعدم الاتكال على حسن النوايا وطيب الهدف، فيجب ألا نقصر في إعدادنا للقوة التي تعيننا على ملاقاة الأعداء ونبذل في سبيل ذلك جهودنا وأموالنا؛ حتى نستحق نصر الله وتأييده56، وتدبر قول يعقوب عليه السلام لابنه يوسف: ( ) [يوسف:٥].

    فقد أمر يعقوب ابنه يوسف عليهما السلام أن يجتنب ذكر أمر الرؤيا أمام إخوته، على الرغم من فهمه ويقينه أن الله سيجعل ليوسف مستقبلًا عظيمًا، إلا أن هذا لا يمنع من صيانة الإنسان لنفسه وحفظه لأموره من الحسد والكيد57.

مواطن التوكل على الله تعالى

  1. يدخل التوكل في تفاصيل حياتنا كلها، فلا يخلو سلوك المؤمن من استحضار التوكل على الله عز وجل في جميع أموره، ومن تلك المواطن التي نتوكل فيها على الله تعالى:

    أولًا: تحقيق المصالح ودفع المضار:

    يمر الإنسان في حياته بلحظات يكون فيها بأمسّ الحاجة إلى توفيقٍ رباني وحفظٍ إلهي، فالدراسة للامتحان والاجتهاد وحده ليس كافيًا للحصول على درجة عالية، أو التنافس على وظيفة راقية، ووجود الزوجة ليس ضامنًا لإنجاب الذرية، ووجود الذرية ليس مؤشرًا على الراحة عند الكبر، واتباع وسائل الإنذار من الحرائق والسرقات لا يضمن عدم حصول كوارث في المنزل أو المؤسسة، وكل ما يفعله الإنسان من اجتهادات لا يغير شيئًا؛ لو لم يقترن بحفظ الله تعالى ونصره وتسديده.

    يقول المولى عز وجل: ( ﭿ ﮁﮂ ﮊﮋ ) [آل عمران:١٦٠].

    وفي الآية: خطاب للمؤمنين أنه إن ينصركم الله ويثبتكم ويوفقكم فلن يستطيع أحد خذلانكم أو مضرتكم، وإن ترك الله نصرتكم فلن يستطيع أحد نفعكم، فتوكلوا على ربكم وثقوا بنصره، وفوضوا جميع أموركم إليه؛ حتى تنالوا إسناده وتوفيقه ونصرته58.

    قال الراغب الأصفهاني: «إن حصل لكم النصرة فلا تعتدّوا ما يعرض من العوارض الدنيوية في بعض الأحوال غلبة، وإن خذلكم في ذلك فلا تعتدّوا ما يحصل لكم من القهر في الدنيا نصرة، فالنصرة والخذلان معتبران بالمآل»59.

    وفي السنة النبوية ما يدلل على دوام توكل النبي صلى الله عليه وسلم قولًا وفعلًا، من ذلك ما ورد عن ابن عباس: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد، قال: اللهم لك الحمد، أنت نور السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت قيم السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت الحق، ووعدك حق، وقولك حق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والساعة حق، والنبيون حق، ومحمد حق، اللهم لك أسلمت، وعليك توكلت، وبك آمنت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت، أو: لا إله غيرك)60.

    فدعاؤه عليه السلام دليل على توكله القولي، واجتهاده في التنبه ليلًا والتوجه إلى الله بالصلاة والدعاء والرجاء على الرغم من كونه نبي هذه الأمة، وأول من يدخل الجنة على الإطلاق؛ دليل عل أهمية العمل لأجل طاعة الله ولاستحقاق رحمته وجنته، هذا إلى جانب مواقفه صلى الله عليه وسلم التي يصعب عدّها والتي جسّد لنا فيها القدوة الرائعة للتوكل على الله تعالى.

    فعلى المؤمن أن يقتدي برسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم الذي علّمنا ألا ندع التوكل على الله في كل صغيرة وكبيرة؛ فهو راحة وطمأنينة واستقرار للرضا في قلب المؤمن، بالإضافة إلى أنه يعود على الإنسان بالعزة والاستغناء عن البشر.

    قال الله تعالى: ( ..) [الطلاق:٣]، أي: كافيه ومغنيه عمن سواه61.

    فيجب أن نأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، وينبغي أن نتوكل على الله وكأن الأسباب ليست بشيء، فكأن الطريق الصحيح عن يمينه واد سحيق، وعن يساره واد سحيق، إن أخذنا بالأسباب واعتمدنا عليها فقد وقعنا في وادي الشرك، وإن لم نأخذ بها وقعنا في وادي المعصية والتواكل، لكن الموقف الأعقل والأكمل أن نأخذ بالأسباب؛ لأنها طريق الأهداف، ثم نتوكل على الله؛ لأن الله جل جلاله لا يمكن أن يعطي لهذه الأسباب فاعليةً إلا بمشيئته وقدرته.

    ثانيًا: الجهاد في سبيل الله:

    التوكل في ميدان الجهاد في سبيل الله من أهم الأمور التي تعود على المؤمنين بالنصر والتوفيق، وقدوتنا في ذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم صاحب السيرة الزاخرة بالتوكل على الله تعالى، وجهاده منذ نزول الوحي عليه وبدئه الدعوة السرية، ثم انتقاله للدعوة الجهرية، فالهجرة والحروب كلها تجسيد لهذا الأدب العظيم الذي لا بد أن نحتذيه في جهادنا ضد أعداء الإسلام.

    قال تعالى: ( ﭞﭟ ﭧﭨ ﭯﭰ ﭵﭶ ﭿ ﮁﮂ ﮊﮋ ) [آل عمران:١٥٩-١٦٠].

    وانطلاقًا من الأمر الإلهي بالتوكل سلك النبي صلى الله عليه وسلم مسلك الثقة واتخاذ الأسباب في شؤون الجهاد والهجرة.

    فقد رتب أمور الهجرة بشكل دقيق حتى يتجنب اللحاق به من قبل المشركين، وقد حرص على عدم إلحاق الأذى بالمسلمين فجعلهم يهاجرون قبله، وأبقى معه أبا بكر رضي الله عنه، وأمره بتجهيز الدواب للسفر، ثم خرج خروج الواثق بربه المستند إلى الحق، فمر من بين المشركين وهم ينتظرون رؤيته ليقتلوه، فأراد الله لعبده المتوكل النصر، فأعمى أبصارهم وحفّه برعايته تعالى.

    ثم التقى عليه السلام بخليله الصديق رضي الله عنه، فانطلقا تحفهما رعاية الرحمن، واتخذ صلى الله عليه وسلم دليلًا خبيرًا ليدله على الطريق، كما استعان بمن يمسح آثار خيله أثناء الرحلة حتى لا يكتشف المشركون أمره.

    وقد أطال الرحلة التي تحتاج ثلاثة أيام إلى أسبوع؛ تحقيقًا للأمن، وتمويهًا للعدو، فأدلج إلى غار ثور حتى يهدأ الطلب وتفتر الهمم في اقتفاء أثره، فيتمكن من السير وهو آمن، وطلب في هذه الفترة من ابن أبي بكر موافاته بأخبار المشركين أولًا بأول، واختار أسماء بنت أبي بكر لتزويدهم بالغذاء؛ فقد كانت تستعد للمخاض ولم تكن تحركاتها لتثير شكوك قريش.

    ورغم بذله عليه السلام للجهد في التخفي إلا أن قريشًا وصلت إلى الغار! لكن لا يخشى من وثق بالله وبذل في سبيل ذلك كل الأسباب، فلا يضيع الله عمل المتوكل العامل، فكان مطمئنًا ومثبتًا لقلب أبي بكر رضي الله عنه62.

    قال تعالى: ( ﯜﯝ ﯪﯫ ﯯﯰ ) [التوبة:٤٠].

    هذا هو نبينا القدوة الذي لم يركن إلى أنه رسول من رب العالمين بعثه ليبلغ دينه، ولم ينتظر النصرة وهو قاعد في بيته، فالإنسان -وإن سمت رسالته وتعلقت بالله تعالى- عليه أن يبذل من أجلها الأسباب؛ حتى تتحقق الغاية منها.

    وفي حروبه صلى الله عليه وسلم مع المشركين نماذج كثيرة من التوكل، أهمها غزوة بدر، أولى الغزوات التي خرج فيها المسلون للقاء من يفوقهم عدة وعتادًا، خرجوا واثقين بنصر الله مصطحبين ما استطاعوا جمعه من عتاد، وقد لا نتصور اطمئنان هذه الفئة وهم أمام جمع غفير من الجنود المدججين الذين أرادوا استئصال الإسلام، لكنه التوكل على الله والثقة بنصره التي لا يوازيها شيء.

    قال تعالى: ( ﭤﭥ ﭫﭬ ﭿ ﮒﮓ ) [الأنفال:٩-١٢].

    قال الزجاج: «أمر بدر كان من أعظم الآيات؛ لأن عدد المسلمين كان قليلًا جدًا، وكانوا رجّالةً، فأيدهم الله، وكان المشركون أضعافهم، وأمدّهم اللّه بالملائكة»63.

    وقد اجتهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستعداد لغزوة الأحزاب، التي تكالب فيها المشركون واليهود على المسلمين، وكانت أعدادهم ثلاثة أضعاف عدد المسلمين، لكن هذا لم يفتّ في عضد المؤمنين الصادقين، فحفر رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الصحابة الكرام الخندق في جو من البرد والجوع، لا يؤازرهم سوى انتصارهم لدين الله تعالى.

    وقد مَنَّ الله عليهم بأن أرعب الأحزاب وشردهم64.

    قال تعالى: ( ﭿﮀ ﮄﮅ ﮢﮣ ) [الأحزاب:٢٥-٢٧].

    فالله تعالى هو ناصر المؤمنين المتوكلين.

    قال السعدي: «لا يغالبه أحد إلا غلب، ولا يستنصره أحد إلا غلب، ولا يعجزه أمر أراده، ولا ينفع أهل القوة والعزة، قوتهم وعزتهم، إن لم يعنهم بقوته وعزته»65.

    ثالثًا: طلب الرزق:

    التوكل على الله تعالى في طلب الرزق سمة المؤمنين؛ لأن الرزق مكفول بربوبية الله تعالى للمؤمن والكافر إن عمل الاثنان بالأسباب.

    يقول المولى عز وجل: ( ﮧﮨ ﯘﯙ ﯥﯦ ) [العنكبوت:٦٠-٦٢].

    فالله تعالى يرزق بفضله جميع عباده، ولا أدلّ على كرمه تعالى من امتنانه بكنوز قارون التي بسطها له بسطًا، فلله خزائن السماوات والأرض، وهو الممتن علينا بالطعام والشراب والذرية وكل ما نملك، وهو المتكفل بأرزاق المستقبل.

    قال تعالى: ( ) [الذاريات:٢٢-٢٣].

    والآية الكريمة تلفت انتباه الإنسان إلى السبب الأهم للرزق، فالسبب الظاهر للرزق هو رعاية الأرض التي تخرج النبات والثروات، لكن المؤمن العاقل عليه أن يرفع بصره نحو السماء؛ فالسبب الحقيقي للرزق هو الله تعالى، الذي يرزق عباده بفضله لا بجهدهم، فالأصل أن يتوكل الإنسان على الله تعالى جازمًا أنه وحده هو المانح للأرزاق، وأن يعمل بأسباب تلك الأرزاق حتى ينال رحمة الله تعالى وفضله.

    يقول سيد قطب في تعليقه على الآية: «والقلب المؤمن يدرك هذه اللفتة على حقيقتها، ويفهمها على وضعها ويعرف أن المقصود بها ليس هو إهمال الأرض وأسبابها، فهو مكلف بالخلافة فيها وتعميرها، إنما المقصود هو ألا يعلق نفسه بها، وألا يغفل عن الله في عمارتها، ليعمل في الأرض وهو يتطلع إلى السماء، وليأخذ بالأسباب وهو يستيقن أنها ليست هي التي ترزقه، فرزقه مقدر في السماء، وما وعده الله لا بد أن يكون»66.

    وقد وعد الله عز وجل المتوكل عليه بكفايته ورزقه، قال تعالى: ( ﮥﮦ ﮬﮭ ﮱﯓ ) [الطلاق:٢-٣].

    وفي الآيات بيانٌ لضرورة تقوى الله في أمور الطلاق أو الإمساك، وحضٌّ على التوكل على الله؛ لأنه الرزاق، ولأن الله تعالى بالغ أمره، توكل الإنسان عليه أو لم يتوكل عليه، غير أن المتوكل يكفر عنه سيئاته، ويعظم له أجرًا67، وقد قسّم ابن عجيبة الأسباب من حيث الأخذ والترك إلى ثلاثة أسباب:

    أولها سبب معلوم قطعًا قد أجراه الله، وهو سنة من سنن الدنيا، فهذا لا يجوز تركه، كالأكل لرفع الجوع واللباس لرفع البرد، والثاني: سبب مظنون، كالتجارة وطلب المعاش، وشبه ذلك، فهذا لا يقدح فعله في التوكل، فإن التوكل من أعمال القلوب لا من أعمال البدن، ويجوز تركه لمن قوي عليه، لكنه أخذ بأسباب الرزق وفعله محمود، والثالث: سبب موهوم بعيد، فهذا يقدح فعله في التوكل، ثم بيّن أن الثالث مثل طلب الكيمياء والكنوز وعلم النار والسحر، وشبه ذلك68.

    قال الزحيلي: «ومن شروط التوكل الصحيح: تنفيذ الأحكام الشرعية، ومراعاة السنن المطلوبة في الحياة، من اتخاذ الأسباب ثم تفويض الأمر إلى الله تعالى»69.

    وقد حثت السنة النبوية على التوكل في طلب الرزق، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو أنّكم كنتم توكّلون على اللّه حقّ توكّله لرزقتم كما يرزق الطّير، تغدو خماصًا، وتروح بطانًا)70.

    وفي الآن نفسه أمر المؤمن بالأخذ بأسباب الرزق اقتداءً بأنبياء الله الكرام، فعن المقدام رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (ما أكل أحد طعامًا قط، خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام، كان يأكل من عمل يده)71.

    أما ترك الكسب والاعتماد على الخوارق والجوائز الربانية فهذا سمت المتقاعسين الذي ذمّه الله عز وجل؛ لأن فيه إبطالًا لقانون الأسباب والمسببات الذي وضعه الله في الكون، ودعوةً إلى التكاسل والقعود ومخالفةً لأمر الله تعالى بإعمار الأرض بالعمل.

    رابعًا: الدعوة إلى الله تعالى:

    الدعوة مضمار مهم يخوضه المسلم بجدّ وحب وإخلاص مقرون بالعلم، ولا يتأتى لنا جني ثمرات الدعوة إلا بعد التوكل على الله عز وجل والثقة بأنه تعالى إن شاء أجرى الحجة على لسان الداعية وقلمه، فجعل القلوب تنجذب إليه وتنقاد إلى ما يدعو إليه، وإن لم يشأ فلن يُكتب للدعوة نجاح، مهما بلغت حجة الداعية، ومهما عظمت خبرته.

    وقد خلّد التاريخ نماذج عديدة من الدعاة المتوكلين الذين لم يعتمدوا على سمو الهدف وربانية مصدر الرسالة، بل اجتهدوا وأخذوا بأسباب النجاح حتى تسمو دعوتهم وتنتصر فكرتهم، ومثالنا على أولئك الدعاة مؤمن ياسين الذي بذل في سبيل دعوته كل جهد.

    قال تعالى: ( ﯷﯸ ﯿ ) [يس:٢٠-٢٧].

    ولعل المتأمل في الأسباب التي اتخذها هذا الداعية المخلص المتوكل على الله تعالى في دعوته لقومه المكذبين يعلم أنه استحق دخول الجنة بحق، ومن هذه الأسباب ما يأتي72:

    • السرعة وعدم التباطؤ في الدعوة، فحينما استشعر حقيقة الإيمان، تحركت هذه الحقيقة في ضميره، فلم يتوان في الإسراع من أجل الدعوة إليها.
    • حضوره من أقصى المدينة، وهو مكان بعيد، وهذا يؤكد إخلاصه في الدعوة ما جعله يحتمل مشاق الطريق من أجل إنجاح دعوته.
    • سعيه، والكلمة دالة على إسراعه مع بذله الجهد في المجيء للدعوة؛ إنقاذًا لهم من ظلمات الكفر.
    • رفقه ولينه مع قومه، واستعطافه لهم بقوله «يا قومٍ».
    • لفته أنظارهم إلى ميزات الأنبياء من حيث الاهتداء وعدم طلب المال.
    • مخاطبته لنفسه من منطلق إشعارهم أنه يخشى عليهم ما يخشى على نفسه ويحب لهم ما يحب لنفسه، واجتهاده في تغيير الأساليب لفتًا لانتباههم.
    • تنبيههم إلى أن الله فاطر النفوس وإليه المعاد، وهو الخالق الذي بيده النفع والضر، وعنده الجزاء بالثواب والعقاب دون سواه.
    • تكرار الدعوة وطلبه أن يهتموا بسماعه وفهم ما يقوله.
    • تحمل تعذيبهم له مقابل إيصال الحق ونشر دين الله، وحرصه على إعلامهم بثواب المؤمن على الرغم من إيذائهم له.

      قال القرطبي: «وفي هذه الآية تنبيه عظيم، ودلالة على وجوب كظم الغيظ، والحلم عن أهل الجهل، والترؤف على من أدخل نفسه في غمار الأشرار وأهل البغي، والتشمر في تخليصه، والتلطف في افتدائه، والاشتغال بذلك عن الشماتة به والدعاء عليه»73.

      ولعل التوكل على الله تعالى هو المسهل الرئيس للدعوة الإسلامية، فلو استحضر الإنسان عند دعوته ما قد يعود عليه من هموم وغموم، وانتقادات وإعراض، فإنه سيترك أمر الدعوة، لكنه مع التوكل على الله تعالى يشعر بقوة وعزة ومناصرة من الله تعالى، فيهون عليه أمر الدعوة، ومن الأمور التي تبعث الداعية على التوكل:

    • رسوخ التوحيد في قلبه، وإدراكه لمعاني أسماء الله وصفاته العلا، والثقة به عز وجل.
    • معرفة الداعية إمكانات نفسه، وإدراكه لضعفه وعجزه إن حرم التوفيق من الله.
    • المعرفة بفضل التوكل وأحوال المتوكلين من السلف والخلف.

      وفي سيرة أنبياء الله الكرام جميعًا، وهم أوائل الدعاة إلى الله تعالى، نماذج عظيمة من التوكل على الله في الدعوة، وعلى رأسهم إمام المتوكلين محمد صلى الله عليه وسلم.

      تأمل قول الله تعالى: ( ﯤﯥ ﯧﯨ ) [التوبة:١٢٨-١٢٩].

      وقد بيّن الله تعالى فضل النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه جاء العرب من جنسهم ومن نسبهم، فهو عربي قرشي مثلهم، يخاف عليهم سوء العاقبة والوقوع في العذاب، حريص ألا تفلت منه أي نفس إلى النار، وهو رؤوف رحيم بحالهم، قيل: لم يجمع الله اسمين من أسمائه لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: ( ) ثم يواسي الله تعالى نبيه الكريم قائلًا: فإن أعرضوا عن الإيمان بك وناصبوك فاستعن وفوّض أمرك إليه، فهو كافيك معرّتهم ولا يضرونك، وهو ناصرك عليهم، وهكذا كان فعله عليه السلام دومًا، فهو الصبور على أذاهم، الحريص على دعوتهم، المتوكل على الله في كل حال74.

      خامسًا: مواجهة الظالمين والمجرمين:

      يلزم على المؤمن استحضار قوة الله تعالى ومساندته عند مواجهة الظالمين والمجرمين، والتوكل عليه تعالى في ذلك، فالطاقة البشرية قاصرة، سيما وإن كانت تتجه لمحاربة الظالمين، فالظالم لا يخشى الله، ولا يردعه شيء، وهو مستعد لبذل أرخص الوسائل وأرذلها للحصول على غرضه، وقد مرّت قصص عبر التاريخ تجسد أدب التوكل على الله في محاربة الظلمة، من ذلك قصة موسى عليه السلام مع الطاغية فرعون.

      تأمل قول الله تعالى: ( ﯩﯪ ﭙﭚ ) [الأعراف:١٠٣-١٠٧].

      إلى قوله تعالى: ( ﭙﭚ ﭡﭢ ﭫﭬ ﭿ ﮈﮉ ﮝﮞ ﮭﮮ ﯗﯘ ) [الأعراف:١٢١-١٢٨].

      وفي الآيات الكريمة تصوير دقيق لتفكير وسلوك الطغاة، فهم يخشون الدين؛ لعلمهم أن الأمة إن التزمت به ووحدت خالقها فستنصرف عن تقديس الظالمين ورجائهم في أمور حياتهم، وستخرج من ظلمات التبعية إلى نور التحرر من القيود البشرية والانقياد لله تعالى وحده دون شركاء، وهذا ما حصل عندما طلب موسى من فرعون أن يترك بني إسرائيل ليعبدوا الله وحده، فأدرك فرعون وملؤه أن هذا يعني سلب السلطة منهم، فأرادوا إحراجه بتقديم الحجة على صدقه أمام الناس.

      وقد أظهر الله على يديه معجزاته التي أبهرت سحرة فرعون كلهم، فآمنوا، وواجهوا ذلك الطاغية المستبد الذي أراد استئصال هذا الدين وأتباعه، وعلى الرغم من تهديده ووعيده إلا أن المؤمنين أيقنوا أن مردهم إلى الله تعالى طال عمرهم أم قصر، وأنهم اختاروا الموت في سبيل لله على الموت كفارًا، وواساهم نبيهم الكريم وذكّرهم بصفة المؤمن، وهي الاستعانة بالله الكريم، السند المتين لعباده، الذي يكفيهم ما أهمّهم، فليس لهم غير الله تعالى، فهو الملاذ الحصين، وعليهم أن يصبروا حتى يأذن الولي بالنصرة في الوقت الذي يقدره بحكمته وعلمه، وإن الأرض لله، وما فرعون وقومه إلا نزلاء فيها، فيجب ألا ينظر إلى الطاغوت أنه مكين في الأرض غير مزحزح عنها، فصاحب الأرض ومالكها هو الذي يقرر متى يطردهم منها، وإن العاقبة للمتقين حتمًا، فلا يخالج قلوب الداعين إلى رب العالمين قلق على المصير75.

      هذا هو نبي الله الذي قال عنه جل وعلا: ( ) [يونس:٨٤].

      فهو الذي يذكر قومه دومًا بحقيقة الإيمان واستلزامه للتوكل على الله وحده دون سواه.

      وقد واجه إبراهيم عليه السلام أعتى الظالمين، فقد جسد النمرود مثالًا للطغيان.

      يقول تعالى: ( ﭿ ﮃﮄ ﮓﮔ ) [البقرة:٢٥٨].

      فالنمرود بن كنعان هو أول من تجبر في الأرض وادّعى الربوبية، وكان إبراهيم عليه السلام قد دخل بلدته، فأرسل إليه النمرود، وقال:من ربك؟ ويظهر أنه لم يسأل إبراهيم ليعرف الجواب، بل سأله استهزاءً، فهو يعلم أنه نبي الله تعالى، وأنه يدعو إلى توحيد الله وعدم الإشراك به، فرد عليه إبراهيم واثقًا متوكلًا متسلحًا بالإيمان والحجة التي أجراها الله على لسانه عليه السلام: ( ﭿ).

      فما كان من تفكيره القاصر، وغروره المتغلغل في أعماق نفسه إلا أن يعمد إلى سجنائه، فيقتل من صدر بحقه التخلية، ويخلي من صدر بحقه القتل، واعتقد أنه بذلك قد أبطل حجة نبي الله إبراهيم، فسأله إبراهيم حينها ما إن كان يستطيع الإتيان بالشمس من المغرب؛ فالله يأتي بها من المشرق.

      وقد ذكر الماوردي أن لتحول إبراهيم للحجة الثانية دون البقاء لنصرة الحجة الأولى احتمالين:

      أحدهما: أنه قد ظهر من فساد قول النمرود ما لم يحتج معه إبراهيم عليه السلام إلى النصرة، ثم أتبع ذلك بغيرها تأكيدًا عليه في الحجة.

      والاحتمال الثاني: أنه لمّا كان في تلك الحجة من تحايل النمرود بما عارضها به من الشبهة، أحب أنه يحتج عليه بما لا تحايل فيه؛ قطعًا له واستظهارًا76.

      هذا هو نبينا إبراهيم عليه السلام الذي ما ترك التوكل على الله تعالى في دعوته.

      يقول الحق تعالى داعيًا إلى التأسي به عليه السلام: ( ﯰﯱ ) [الممتحنة:٤].

      وقد واجه ذو القرنين ظلم يأجوج ومأجوج بالتوكل على الله مع الأخذ بأسباب التوكل واتخاذ عوامل الحيطة منهم.

      قال تعالى: ( ﯿ ﰇﰈ ﰏﰐ ﭕﭖ ﭜﭝ ) [الكهف:٩٣-٩٨].

      وقد ورد في تفسير الآيات أن ذي القرنين ملكٌ حكم الدنيا بأسرها، فاستغاث به قومٌ ليحميهم من يأجوج ومأجوج، وهم جماعة عظيمة من نسل ولديّ يافث بن نوح، اشتهروا بالكثرة وقد هابهم أولئك القوم وخشوا ظلمهم، فسألوا ذا القرنين أن يبني لهم سدًّا منيعًا يحميهم من أذى قوم يأجوج ومأجوج مقابل خرج من المال، فما كان منه إلا أن تواضع لله ولم يغترّ بقوته، بل اعترف بفضل الله عليه أن آتاه الصحة والعافية التي هي خير من أموالهم التي سيجمعونها له77.

      ووافق أن يبني السد متوكلًا على الله وحده، وقد أخذ بأسباب إنجاح مشروعه فطلب منهم إعانته بالرجال وعمل الأبدان والآلة التي يبني بها السد، وهذا بداية النجاح في العمل، فإن القوم لو جمعوا له خرجًا، لم يعنه أحد، ولتركوه يبني، فكان عونهم أسرع في إنجاز العمل وإنجاح المشروع، واستخدم المواد المناسبة لتقوية السد، من حديد وحرارة ونحاس، وهنا يتجلّى ظهور العمل المخلص، وهو أهم مقومات التوكل، ثم أقرّ ذو القرنين مرة أخرى بفضل الله عليه، وأن بقاء السد مرهون بإرادة الله، وأن المولى سيشاء أن يجعله دكاء في وقت يعلمه ويقدره سبحانه78.

      سادسًا: مواجهة الشيطان وأعوانه:

      يتوجب على المؤمن إخلاص التوكل على الله تعالى في مواجهة الشيطان وأعوانه، قال تعالى: ( ) [المجادلة:١٠].

      فلولا التوكل على الله لن يكون للإنسان قدرة في مجابهة قوى الشر العظيمة التي يستخدمها الشيطان في إغواء العباد، ففي الآية الكريمة على لسان إبليس لعنه الله: ( ) [ص:٨٢-٨٣].

      أي لأحسننّ لهم معاصيك، ولأحبّبنها إلى قلوبهم حتى يرتكبوها، ولأضلّنهم عن سبيل الرشاد إلا من أخلصته بتوفيقك فهديته، فإن ذلك ممن لا سلطان لي عليه ولا طاقة لي به79.

      وكان الرد الإلهي المتحدي: ( ﯜﯝ ﯩﯪ ) [الإسراء:٦٣-٦٥].

      فقد أمره الله تعالى أمر إهانة أن يبذل كل جهده وأن يقطع من يشاء عن الحق، وأن يستخدم كل صوت له ولأعوانه في الوسوسة والإبعاد عن الدين، وأمره أن اجمع في سبيل إغوائهم خيولك ورجالك التي تمشي في الإفساد، وشاركهم في أموالهم بأن تجعلهم ينفقونها على المعاصي واجعل من أولادهم بالزنا لك نصيب، أو سيطر على عقولهم فاجعلهم يهوّدون أبناءهم وينصّرونهم، ومنّهم بالأماني الكاذبة أن لا جنة ولا نار، وأنهم غير محاسبين على ما يفعلون، فعباد الله المؤمنون لن يغتروا بكذبك، فهم المخلصون في عبادتهم، والله كافيهم وعاصمهم من سيطرة إبليس عليهم وهو الحافظ لهم من كل سوء80.

      وعلى قدر هذا التحدي الكبير يجب أن يعمل المؤمن لحماية نفسه من سيطرة الشيطان وأعوانه، فهم لا يألون جهدًا في إسقاطنا في المعصية مهما صغرت أو كبرت.

      ولنا في قصة نبي الله يوسف عليه السلام نموذج رائع في تحدي الشيطان وأعوانه، فبالرغم من تعرضه عليه السلام لضغوط شديدة من أجل الوقوع في الرذيلة، إلا أنه واجهها بقوة نابعة من إيمانه بالله تعالى، وأعانه على ذلك استعانته بالله تعالى وتوكله عليه حق التوكل.

      قال تعالى مصورًا لنا تفاصيل القصة: ( ﭜﭝ ﭠﭡ ﭥﭦ ﭮﭯ ﭶﭷ ﭼﭽ ﭿ ﮌﮍ ) [يوسف:٢٣-٢٥].

      حتى قوله عز وجل: ( ﮐﮑ ﮡﮢ ) [يوسف:٣٣-٣٤].

      فقد عاش يوسف عليه السلام في كنف عزيز مصر، ويوسف معترف بفضله وفضل زوجه عليه، وقد تعرض لفتنة امرأة العزيز وهو في مرحلة النضج والشباب، ومن طلبت منه الفاحشة هي صاحبة الفضل عليه وهي متزينة متأهبة له، وقد أوصدت الأبواب وأخلت الأجواء لوقوع الجريمة، ورغم كل هذه العوامل التي اجتمعت على نبي الله المعصوم إلا أنه واجه تلك المحنة بالتعفف الشديد عن الرذيلة81.

      ومن الأسباب التي أخذ بها يوسف عليه السلام في توكله على الله واستعانته به وحده على مواجهة الشيطان:

    • استعاذته بالله تعالى عندما غلقت عليه الأبواب.
    • استحضاره وتذكيره إياها بأن الإحسان لا يرد إلا بمثله.
    • بذل الجهد واستباق الباب، وعدم القعود وانتظار إجباره على ارتكاب المعصية.
    • الرضا بالمكوث في السجن ظلمًا على السقوط في الرذيلة، وهذا قمة الاجتهاد في البعد عن المعصية.
    • اللجوء إلى الله تعالى والتوكل عليه والافتقار إليه وطلب العون والسند في مجابهة المحنة.

      ولنا في هذه القصة القدوة الحسنة، فشبابنا وبناتنا الآن يتعرضون لمحن كثيرة تتعلق بالعفة، فنجدهم يستسلمون للشيطان ويسمحون له بأن يتحكم في عقولهم ويزين لهم المنكر، على أنه علاقة اعتيادية أو علاقة مبدئية لحصول الزواج، وكذلك يتدخل الشيطان في كل أمور حياتنا، فهو الذي يوسوس للسارق أن يستكثر من ماله، وللموظف ألا يؤدي ما عليه بأمانة، وللأبناء أن يتركوا بر آبائهم، وللآباء أن يقصروا في حق أبنائهم.

      وليس للمؤمن للخروج من هذه الابتلاءات إلا أن يتوكل على الله تعالى، ويثق به في تصريف أموره، مع الأخذ بالأسباب المعينة على مواجهة الشيطان، ومن ذلك:

    • إخلاص العمل لله تعالى، واستحضار عظمته ومراقبته عز وجل في كل الأوقات.
    • الاستكثار من أعمال الخير واستغلال الوقت في ذلك؛ فهي معينة على سد مداخل الشيطان.
    • الاستعاذة والدعاء والتزام الذكر وقراءة القرآن لتحصين النفس من الشيطان وأعوانه.
    • الابتعاد عن أعوان الشيطان من السحرة والكهان والعرافين والقائلين بالأبراج الفلكية وما إلى ذلك.
    • الاستعانة بالصحبة الصالحة المعينة على تقوى الله تعالى.

      سابعًا: الإصلاح:

      بذل أنبياء الله الكرام طاقاتهم القصوى من أجل إصلاح شؤون أقوامهم، وقد اعتمدوا في جهودهم الإصلاحية على توفيق الله تعالى ووكلوه أمورهم.

      قال تعالى مصوّرًا قصة سيدنا شعيب عليه السلام مع قومه: ( ﯔﯕ ﯧﯨ ﯰﯱ ﯷﯸ ﯼﯽ ﯿ ﭡﭢ ﭭﭮ ﭾﭿ ﮂﮃ ﮒﮓ ﮟﮠ ﮩﮪ ) [هود:٨٧-٩٣].

      وقد كان من أهم الأمور التي دعا شعيب عليه السلام قومه إليها بجانب توحيد الله هو ترك التطفيف في الكيل والميزان، فقد اشتهر عنهم هذا السلوك المخالف لمبدإ العدل الذي دعا إليه الله تعالى على لسان جميع أنبيائه، ولا يخفى ما يتبع سلوك الظلم من فساد اجتماعي واقتصادي في المجتمع، واستنكر القوم على شعيب أن يدعوهم إلى ترك ما كان يعبده آباؤهم من أوثان، وكذلك ترك التطفيف في البيع والشراء، ولم يعجبهم ذلك، بل استهزؤا به عليه السلام وبصلاته التي جعلته يقتنع بأفكار مخالفة لأفكارهم.

      لكنه خاطبهم باللين والرفق، وبيّن لهم أن الله تعالى قد امتنّ عليه بالرسالة والهداية فأراد أن يهديهم إلى الحق كما هداه الله، وأنه لا يصح أن يخون الوحي، ويترك النهي عن الشرك والظلم، وأنه يريد أن ينصحهم بما نصح نفسه، وأنه لن ينهاهم عن الشيء ويأتيه، بل سيكون القدوة لهم، ووضّح أن غرضه في كل ما يفعل هو إصلاح عقيدتهم وشريعتهم وأمور مجتمعهم، ثم أعلن أن التوفيق الذي ينتظره هو من عند الله وحده وأنه عليه السلام متوكل على الله معتمد على قوته وحكمته وقدرته عز وجل في تيسير أمور دعوته، فالله تعالى هو خالقنا وإليه نعود 82.

      وقد بيّن الله تعالى أثناء سرد القصة الأسباب التي اتخذها شعيب عليه السلام في توكله على الله، فلم يكتف عليه السلام على التوكل القلبي والإعلان القوليّ عن توكله، بل عمل من أجل الإصلاح الذي أخبر قومه به، ومن اجتهاداته الإصلاحية ما يلي:

    • تكرار الدعوة لقومه، والصبر على استهزائهم به وتهديدهم له بالرجم والقتل.
    • كان قدوة حسنة لهم، ووعدهم ألا ينهاهم عن شيء ويأتيه.
    • بيّن لهم حسن نيته وإرادته إصلاح شؤونهم الدنيوية والأخروية.
    • حذّرهم أن يحملهم بغضه إلى الكفر بالله، وإيثاره إحقاق حق الله بغض النظر عن حقه.
    • ذكّرهم بما حل بالأقوام السابقة وبالعذاب الذي أصابهم.
    • جذبهم إلى التوبة باللين والرفق، وأمّلهم برحمة الله تعالى وودّه.
    • أعلمهم بعظمة الله تعالى، وأنه الأحق بالخشية؛ فهو العالم بالظواهر والخفايا.
    • توعّدهم بالعذاب المرتقب إن لم يؤمنوا بالله ويتركوا ما هم عليه.

      هذا نبي الله الكريم الذي لم يقصّر في بذل الجهد لإصلاح عقيدة قومه وسلوكهم، وهكذا لا بد أن نكون، فنبذل ما نستطيع من أجل إعلاء كلمة الله تعالى، لا يمنعنا من ذلك خوفٌ من أي شيء؛ فالله تعالى وكيلنا، عليه نعتمد في كل أمر، وهو الذي وعد عباده المتوكلين المصلحين بالثواب.

      قال تعالى: ( ﯿ ) [الأعراف:١٧٠].

      ثامنًا: إبرام العقود والمعاهدات:

      أمر الله سبحانه وتعالى نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يتوكل عليه عز وجل في عهوده، لا سيما مع غير المؤمنين، فالله تعالى الخبير بصدقهم وكذبهم، وهو كافيه شرّهم وهو الذي لا يضر عباده المتوكلين مهما مكر بهم الماكرون.

      قال تعالى: ( ﯬﯭ ﯿ ﰃﰄ ) [الأنفال:٦٠-٦١].

      وفي الآية أمر للمسلمين بالاستعداد لقتال الأعداء، واتخاذ ما من شأنه تقويتهم على الأعداء، من أدوات الرمي والسيوف والنبال والخيول وغيرها، حتى يخاف الكفار، والمنافقون وأهل الكتاب الذين لا يعرف المسلمين أشخاصهم، لكن الله هو العليم الخبير الذي يعرفهم، ثم أمر الله تعالى نبيه الكريم أن يجنح للسّلم إن هم جنحوا له ولجأوا إليه، وأن يعاهدهم ويبرم معهم العقود على عدم التعدي على المسلمين أو المساس بهم.

      وقد أمر رب العزة الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتوكل عليه في إبرام هذه المعاهدات وألا يخاف من إبطانهم الخداع والمكر، فإن الله هو العاصم لرسوله والمؤمنين من مكرهم، وهو الذي يحيقه بهم إن قصدوه، فجاء الأمر له عليه السلام بتفويض أمره إلى الله فيما عقده مع العدو ليكون عونًا له في جميع أحواله، فهو السميع لأقوالهم العليم بما في صدورهم من نيّات83.

      وفي موضع آخر، يقول الحق عز وجل: ( ﭖﭗ ﭪﭫ ﭯﭰ ﭵﭶ ) [النساء:٨٠-٨١].

      فقد بيّن الله تعالى أن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم هي طاعة الله عز وجل وذلك لأنه عليه السلام ( ) [النجم:٣-٤].

      وأن من تولى عنك يا محمد فاتركه، فلا عليك منه، إن عليك إلا البلاغ، ثم يذكر رب العزة أن هناك من المنافقين وضعاف القلوب من يعاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة والقتال معه، ثم ما إن يخرجوا من عنده حتى يتسارّوا فيما بينهم على خلاف ذلك، والله تعالى يعلم ما يضمرونه من مكر لرسوله الكريم، ويقول لمحمد صلى الله عليه وسلم: اصفح عنهم واحلم عليهم ولا تؤاخذهم، ولا تكشف أمورهم للناس، ولا تخف منهم ومن مكرهم، وكفى بالله وليًّا وناصرًا ومعينًا لمن توكل عليه وأناب إليه، فالتوكل هو أساس الاطمئنان، وهو سمة الأنبياء الذين لطالما عاهدوا أقوامهم، ولم يقلقوا من كيد الأعداء فالله تعالى وكيلهم وسندهم وحاميهم وكافيهم شرور الكائدين84.

    ثمرات التوكل

    • للآداب الربانية آثار يشاء الله تعالى أن تظهر عاجلًا، فيرى المؤمن المتحلي بها أثرها في حياته وفي نظرة الناس إليه، ثم يكرمه الله بها في الآخرة فيعطيه جزاءه الأمثل، وللتوكل على الله تعالى ثمرات عاجلة وآجلة، نبيّنها كما يلي:

      أولًا: ثمرات التوكل في الدنيا:

      ١. محبة الله للمتوكلين.

      تأكد في القرآن الكريم حب الله عز وجل للمتوكلين، تأمل قوله تعالى: ( ﭯﭰ ﭵﭶ ) [آل عمران:١٥٩].

      فقد دعا رب العزة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم إلى مشاورة المؤمنين في أموره، ثم قال له: إذا اطمأنّ قلبك لما اخترت ففوّض أمرك إلى الله واعتمد عليه، وامض بجوارحك، فالله يحب المتوكلين، ومحبته تعالى هي أعظم محبة وهي التي تجلب النصرة والهداية والتوفيق85.

      يمتنّ الله تعالى على من يحب من عباده بأن يجعل له حبًّا في قلوب الناس.

      قال تعالى: ( ) [مريم:٩٦].

      والمعنى: إن الذين صدقوا الله ورسوله، وعملوا بما أمرهم من آداب وشيم- ومن أجلّ تلك الآداب التوكل- سيوقع الله محبتهم وألفتهم في صدور عباده86.

      وذكر أن الله تعالى سيحدث لهم في القلوب مودة من غير تودد منهم، يحبهم الناس، ويتحابون فيما بينهم، ويحبهم اللّه تعالى ويرضى عنهم87.

      وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تبارك وتعالى إذا أحب عبدًا نادى جبريل: إن الله قد أحبّ فلانًا فأحبّه، فيحبه جبريل ثم ينادي جبريل في السماء: إن الله قد أحبّ فلانًا فأحبّوه، فيحبه أهل السماء ويوضع له القبول في أهل الأرض)88.

      ٢. كفاية الله للمتوكلين.

      وعد الله عز وجل عباده المتوكلين عليه بالكفاية.

      قال تعالى: ( ) [الطلاق:٣].

      فقد قضى الله عز وجل على نفسه كفاية المتوكلين، فهو سبحانه الذي يكفيهم ما أهمّهم في دينهم ودنياهم، وهو الضامن لهم الرزق، الحافظ له من كل ما يخشون89.

      قال الربيع بن خثيم يبيّن معنى ( ): «من كل ما ضاق على الناس»90.

      وقد دعا المؤمنون الله تعالى باسمه الوكيل كي يحميهم ويمنع عنهم كيد الكائدين.

      عن ابن عباس رضي الله عنه: (حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا: ( ﯿ) [آل عمران:١٧٣])91.

      أي: الله ربنا، وهو كافينا كل ما أهمنا وهو المفوض إليه تدبير عباده، والقائم بمصالحهم 92.

      ٣. النجاة من الخذلان.

      النصر والنجاة من الخذلان هي مكافأة الله تعالى للمتوكلين عليه.

      قال تعالى: ( ﭿ ﮁﮂ ﮊﮋ ) [آل عمران:١٦٠].

      فنصر الله تعالى هو النصر الحقيقي، وخذلانه للعبد بتركه نصرته ومساندته هو الخذلان الحقيقي، فمهما بلغت مناصرة البشر فهي ليست بشيء أمام مناصرة رب البشر، ومن ناصره الله فلن يضره خذلان الخاذلين، ولن يضيره تقاعس المتقاعسين، قال ابن القيم: «هو حسب من توكل عليه، وكافي من لجأ إليه، وهو الذي يؤمّن الخائف ويجير المستجير، فمن تولاه واستنصر به وتوكل عليه وانقطع بكليّته إليه؛ تولاه وحفظه وحرسه وصانه، ومن خافه واتقاه أمّنه مما يخاف ويحذر، وجلب إليه ما يحتاج إليه من المنافع»93.

      ٤. النجاة من كيد الشيطان.

      قال تعالى: ( ﯜﯝ ﯩﯪ ) [الإسراء:٦٤-٦٥].

      فقد تحدى الله تعالى الشيطان أن يبذل كل جهده وأن يقطع من يشاء عن الحق، وأن يستخدم كل صوت له ولأعوانه في الوسوسة والإبعاد عن الدين، وأن يبذل في سبيل ذلك كل الوسائل المادية المتاحة له، ووعد عز وجل عباده ألا يجعل للشيطان سلطانًا عليهم، وأنه تعالى سيكفيهم ويعصمهم من إغوائه وكيده94، وهو تعالى القائل في محكم كتابه: ( ﯯﯰ ) [المجادلة:١٠].

      فالمؤمن لا يضره التآمر من أي كائن كان؛ لأن الله تعالى حافظه، يقول سيد قطب: «فهو الحارس الحامي، وهو القوي العزيز، وهو العليم الخبير، وهو الشاهد الحاضر الذي لا يغيب، ولا يكون في الكون إلا ما يريد، وقد وعد بحراسة المؤمنين، فأي طمأنينة بعد هذا وأي يقين ؟»95

      ٥. النجاة من الكربات.

      ومن النماذج التي تبيّن نجاة المؤمنين المتوكلين بفضل الله تعالى قصة أصحاب الكهف، فقد فرّوا من ملكهم وقومهم الكافرين ولجأوا إلى حماية الله تعالى.

      قال تعالى: ( ) [الكهف:١٠-١١].

      فقد أوى أولئك الفتية إلى الكهف خائفين لعلّهم يستترون عن الأنظار فلا يراهم أحد من قومهم، وهذا أخذٌ بالأسباب، فلم يكتفوا بالدعاء والمكوث بين الظلمة، بل تركوا المكان، وذادوا بدينهم إلى مكان أمين، ثم فوّضوا أمرهم إلى ربهم، فضرب الله على آذانهم حجابًا يمنعهم من سماع الأصوات والحركات، فناموا في كهفهم ثلاثمائة وتسع سنين، وكانوا يتقلبون بلطف الله وتدبيره من جنب إلى جنب، حتى بعثهم من نومهم وكانت قريتهم وقتئذٍ قد آمنت ولم يعد فيها ملكٌ ظالم، وهذا تفريج الله تعالى لكربتهم واستجابته لتضرعهم96.

      وقد بيّن سيد قطب أن قلوب هؤلاء الفتية مؤمنة ثابتة راسخة، متوكلة مطمئنة إلى الحق الذي عرفت، معتزة بالإيمان الذي اختارت، وقد استحقت بذلك رحمة الله تعالى97.

      ومن أروع الأمثلة على تفريج الكربات، ما حدث أثناء هجرة محمد صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق رضي الله عنه.

      قال الله تعالى: ( ﯜﯝ ﯪﯫ ﯯﯰ ) [التوبة:٤٠].

      فقد خرج رسولنا صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بعد إيذاء المشركين وتآمرهم على قتله، وليس لديه قوة تكفي لمقاومتهم ومدافعتهم، والعرب كلهم ضده، وكان معه صاحبه أبو بكرٍ رضي الله عنه، فكان المقام مقام أدب التوكل الكامل98.

      وقد لجآ إلى الغار، فأقاما فيه ثلاثة أيام ليسكن الطلب عنهما، وذلك لأن المشركين حين فقدوهما ذهبوا في طلبهما كل مذهب من سائر الجهات، وجعلوا لمن ردهما أو أحدهما مائة من الإبل، واقتصوا آثارهما حتى اختلط عليهم، واحتاروا في مكانهما، فصعدوا الجبل الذي هما فيه، وجعلوا يمرون على باب الغار، فتحاذي أرجلهم باب الغار ولا يرونهما، حفظًا من الله لهما99.

      وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متأدبًا بالثقة في نصر الله، فنصره الله وأعلى قدره، ومكّن دينه في سائر أنحاء الأرض، والله عزيزٌ في انتقامه وانتصاره، منيع الجناب، لا يضام من لاذ ببابه واحتمى بالتمسك بخطابه، حكيمٌ في أقواله وأفعاله100.

      ثانيًا: ثمرات التوكل في الآخرة:

      ١. النجاة من العذاب.

      النجاة من العذاب هي مطلب كل مؤمن، وهي الحق الذي وعد الله به عباده المخلصين.

      قال تعالى: ( ﮭﮮ ) [يونس:١٠٣].

      فالمؤمن المتّبع لرسل الله عليهم السلام، المخلص المتقي الشاكر المتوكل يستحق الرحمة من العذاب101.

      ويذكر السعدي أن تلك النجاة تثبت للمؤمنين في الدنيا والآخرة على السواء، وهذا من قبيل دفاع الله تعالى عن المؤمنين الذي ورد في قوله تعالى: ( ﯿ ) [الحج:٣٨].

      وأوضح أنه على قدر ما يتحلى المرء بالآداب، تحصل له النجاة من المكاره102.

      ومن نماذج نجاة المؤمنين من العذاب، نجاة سيدنا هود ومن آمن معه.

      قال تعالى: ( ) [هود:٥٨].

      وذكر ابن عجيبة أن ذكر النجاة تكرر في هذه الآية مرتين؛ لأن الله تعالى عنى بالأولى تنجيتهم من عذاب ريح السموم الذي أصاب قومهم، والتنجية الأخرى من العذاب الغليظ، قصد بها نجاتهم من النار يوم القيامة103.

      وذكر الله تعالى نجاة قوم صالح عليه السلام في قوله تعالى: ( ﮔﮕ ) [هود:٦٦].

      وذكر القشيري أن رب العزة قد أجرى على المكذبين ما توعدهم به من عذاب غير مكذوب، ونجّى نبيّهم المتوكل عليه السلام، ونجّى من اتّبعه من كل عقوبة في الدنيا والآخرة، سنّةً منه سبحانه في تنجية أوليائه أمضاها، وعادةً في تلطفه ورحمته بالمستحقين أجراها104.

      ٢. دخول الجنة.

      الجنة هي أسمى غايات المؤمن، وأرجى آماله، وغاية عمله وعبادته.

      قال تعالى واعدًا عباده المتوكلين الصابرين بالخلود في النعيم المقيم: ( ﮓﮔ ) [العنكبوت:٥٨-٥٩].

      فهذا وعد الله تعالى للمؤمنين المتوكلين بإسكانهم منازل عالية في الجنة، تجري من تحت أشجارها الأنهار، على اختلاف أصنافها، من ماء وخمر وعسل ولبن، ماكثين فيها أبدًا، لا يبغون عنها حولًا، جزاءً لهم على أعمالهم، وأنعم به من جزاء!105.

      قال تعالى: ( ) [الشورى:٣٦].

      حيث يكون ثواب الله نعيمًا لا يفنى، ورزقًا لا ينفد، وهذا الجزاء للذين آمنوا، وتوكلوا على ربهم، وأسلموا أمرهم له، فثواب الله خيرٌ في طبيعته، أبقى في مدته من أي ثواب106.

      وفي الحديث عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفًا بغير حساب؛ هم الذين لا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون)107.

      موضوعات ذات صلة:

      الألوهية، الإيمان، التوحيد، العبادة


1 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٦/١٣٦.

2 انظر: العين، الفراهيدي ٥/٤٠٥، مختار الصحاح، الرازي ١/٣٤٤.

3 لسان العرب ١١/٧٣٤.

4 التعريفات، الجرجاني ١/٧٠.

5 مفاتيح الغيب ٩/٤١٠.

6 مدارك التنزيل ١/٤٣٩.

7 التحرير والتنوير ٤/١٥١.

8 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص٧٦٢-٧٦٣، المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، ص ١٤٢٥-١٤٥٣.

9 انظر: عمدة الحفاظ، السمين الحلبي، ٤/٣٣٦-٣٣٨، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي، ٥/٢٦٦-٢٧٥، نزهة الأعين النواظر، ابن الجوزي، ص٦٠٧-٦٠٨.

10 انظر: تاج العروس، الزبيدي ٢٦/٤٥٠.

11 التوقيف، المناوي ١/١١٦.

12 انظر: لسان العرب، ابن منظور، ٣/٣٠٢، مختار الصحاح، الرازي، ١/٢١٨، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، ٢/٦٢٦.

13 الكليات، الكفوي ١/١٥١.

14 العين، الفراهيدي ٢/٢٦٦.

15 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ٤/١٤٢.

16 تاج العروس، الزبيدي ١٨/٤٩٦.

17 التوقيف، المناوي ١/١٠٤.

18 انظر: الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد، صالح الفوزان ١/٧٨.

19 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٣/٢٠٣.

20 انظر: الكشاف، الزمخشري ٢/٣٦٤.

21 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٨/٤١٤.

22 انظر: الجواب الكافي، ابن القيم ١/١٣٧.

23 انظر: المواقف، الإيجي ٣/٣٢٢.

24 المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى ص١٢٩.

25 انظر: الفروق اللغوية، العسكري ١/٥٧٧.

26 انظر: مراح لبيد، محمد الجاوي ١/٤٠٩.

27 انظر: المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى، الطوسي ص٨٦.

28 انظر: شرح العقيدة الواسطية، الهراس ص١٠٧.

29 جامع البيان ١/١٠٧.

30 انظر: اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ١٠/٥١٧.

31 انظر: أيسر التفاسير، الجزائري ٤/٦٠٥.

32 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٣/٥٠٥.

33 مدارج السالكين ٢/٤٤٩.

34 المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى ص١٢٠.

35 انظر: تفسير الشعراوي ١٢/٧٠٨٦.

36 انظر: مجموع الفتاوى، ابن تيمية ٧/١٦.

37 انظر: تيسير العزيز الحميد، سليمان بن عبدالوهاب ١/٤٢٨.

38 الفتاوى الكبرى ٥/٢٣٢.

39 انظر: المصدر السابق ٥/٢٣٢.

40 التحرير والتنوير ١٣/٢٠.

41 انظر: المصدر السابق.

42 انظر: التفسير الوسيط، محمد سيد طنطاوي ٤/١٠٨.

43 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب المهاجرين وفضلهم، ٥/٤، رقم ٣٦٥٣.

44 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ١٠/٢١٣.

45 لباب التأويل ٣/٩٤-٩٥.

46 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الزكاة، باب الرخصة في ذلك خروج الرجل من ماله، ٢/١٢٩، رقم ١٦٧٨.

47 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/٣٦٨.

48 انظر: البحر المديد، ابن عجيبة ٣/٣٧٥.

49 انظر: لباب التأويل، الخازن ٣/٢٣٠.

50 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٨/٣٨٩.

51 طريق الهجرتين وباب السعادتين ١/٢٥٥.

52 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/٣٦٥، أنوار التنزيل، البيضاوي ٣/٤٩.

53 الكشف والبيان، الثعلبي ٢/١٩٤، سير أعلام النبلاء، الذهبي ١١/٤٨٤.

54 انظر: المنار، محمد رشيد رضا ٤/١٧٠.

55 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٨/٢٣٨.

56 انظر: تفسير الشعراوي ٨/٤٧٧٥.

57 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٤/٢٥٢.

58 انظر: الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ٢/١١٦٢.

59 تفسير الراغب الأصفهاني ٣/٩٥٥.

60 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الدعوات، باب الدعاء إذا انتبه بالليل ٨/٧٠، رقم ٦٣١٧.

61 انظر: تفسير السمرقندي، ٣/٤٦١.

62 انظر: الهجرة النبوية، محمد السيد الوكيل ١/١٧٩.

63 معاني القرآن وإعرابه ٢/٤٠٤.

64 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ٢١/٢٦٧.

65 تيسير الكريم الرحمن ١/٦٦٠.

66 في ظلال القرآن ٦/٣٣٨١.

67 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٣/٤٧.

68 انظر: البحر المديد ١/٤٢٨

69 التفسير المنير ٩/٨.

70 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الزهد، باب في التوكل على الله ٤/٥٧٣، رقم ٢٣٤٤.

71 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب كسب الرجل وعمله بيده ٣/٥٧، رقم ٢٠٧٢.

72 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٧/١٦٣-١٦٤، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٢/٣٦٥.

73 الجامع لأحكام القرآن ١٥/١٧.

74 انظر: الكشاف، الزمخشري ٢/٣٢٥.

75 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/١٣٥٥.

76 انظر: النكت والعيون ١/٣٢٩-٣٣٠.

77 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/١٩٦، فتح القدير، الشوكاني ٣/٤٣٠.

78 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ١٦/٣٢.

79 انظر: جامع البيان، الطبري ١٧/١٠٣.

80 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٠/٢٨٨.

81 انظر: مدارك التنزيل، النسفي ٢/١٠٨.

82 انظر: تفسير السمرقندي، ٢/١٦٥-١٦٦، محاسن التأويل، القاسمي ٦/١٢٥.

83 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٣/٦٥، لباب التأويل، الخازن ٢/٣٢٤.

84 انظر: مختصر تفسير ابن كثير، الصابوني ١/٤١٥.

85 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٢/١٢٣، السراج المنير، الخطيب الشربيني ١/٢٦٠.

86 انظر: الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ٧/٤٦٠٠.

87 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ١٦/١٦٩.

88 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب كلام الرب مع جبريل ونداء الله الملائكة ٩/١٤٢، رقم ٧٤٨٥.

89 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي ٩/٣٣٨.

90 أخرجه البخاري في صحيحه معلقًا، كتاب الرقاق، باب (ومن يتوكل على الله فهو حسبه)، ٨/٩٩.

91 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب (إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم)، ٦/٣٩، رقم ٤٥٦٣.

92 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص١٥٧.

93 بدائع الفوائد ٢/٢٣٧.

94 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٠/٢٨٨.

95 في ظلال القرآن ٦/٣٥١٠.

96 انظر: أيسر التفاسير، الجزائري ٣/٢٣٨.

97 انظر: في ظلال القرآن ٤/٢٢٦١.

98 انظر: المنار، محمد رشيد رضا ٤/١٧٥.

99 انظر: البداية والنهاية، ابن كثير ٣/٢٢٣.

100 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/١٥٥.

101 انظر: لباب التأويل، الخازن ٣/٢١٤.

102 انظر: تيسير الكريم الرحمن ١/٤٨٨.

103 انظر: البحر المديد ٣/٣٠٤.

104 انظر: لطائف الإشارات ٢/١٤٥.

105 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ٢١/٢٥.

106 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٢٧٠٥.

107 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب (ومن يتوكل على الله فهو حسبه)، ٨/١٠٠، رقم٦٤٧٢.