التوبة
أولًا: المعنى اللغوي:
توب: التّاء والواو والباء كلمةٌ واحدةٌ تدلّ على الرّجوع. يقال: تاب من ذنبه، أي رجع عنه، يتوب إلى اللّه توبةً ومتابًا، فهو تائبٌ. والتّوب: التّوبة. قال اللّه تعالى: (ﭯ ﭰ)[غافر: ٣]1.
وتاب إلى اللّه توبًا وتوبةً ومتابًا وتابةً وتتوبةً: رجع عن المعصية، وهو تائبٌ وتوّابٌ، وتاب الله عليه: وفّقه للتّوبة، أو رجع به من التّشديد إلى التّخفيف، أو رجع عليه بفضله وقبوله، وهو توّابٌ على عباده2.
والتائب يقال لباذل التوبة ولقابل التوبة؛ فالعبد تائب إلى الله، والله تائب على عبده.
والتّوّاب: العبد الكثير التوبة، وذلك بتركه كلّ وقت بعض الذنوب على الترتيب حتى يصير تاركًا لجميعه، وقد يقال ذلك لله تعالى؛ لكثرة قبوله توبة العباد حالًا بعد حال3.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
التوبة في الشرع: الرجوع عن الأفعال المذمومة إلى الممدوحة.
والتوبة النصوح: ألا يبقي على عمله أثرًا من المعصية، سرًّا وجهرًا 4.
قال الطبري رحمه الله: «التوبة من العبد إلى ربه: إنابته إلى طاعته، وأوبته إلى ما يرضيه بتركه ما يسخطه من الأمور التي كان عليها مقيمًا مما يكرهه ربه، فكذلك توبة الله على عبده هو أن يرزقه ذلك، ويتوب من غضبه عليه إلى الرضا عنه، ومن العقوبة إلى العفو والصفح عنه»5.
وهذا التعريف في الاصطلاح لا يخرج عن معناه في اللغة.
وردت مادة (توب) في القرآن(٨٧) مرة6.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
٣٤ |
(ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [التوبة:١١٧] |
الفعل المضارع |
٢١ |
(ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [النساء:١٧] |
الفعل الأمر |
٨ |
(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [التحريم:٨] |
المصدر |
٨ |
(ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [الشورى:٢٥] |
اسم الفاعل |
٢ |
(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ) [التوبة:١١٢] |
صيغة المبالغة |
١٢ |
(ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [النصر:٣] |
وجاءت التوبة في القرآن على وجهين7:
أحدها: الندم على فعل الشيء والرجوع عنه، ومنه قوله تعالى:(ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [الأعراف:١٤٣].يعني: ندمت ورجعت إليك.
والثاني: التجاوز، ومنه قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) [النساء:٢٧].يعني: يتجاوز عنكم.
الاعتذار:
الاعتذار لغة:
(اعتذر) فلان: صار ذا عذر، وإليه: طلب قبول معذرته، ويقال: اعتذر من ذنبه واعتذر عن فعله: تنصل واحتج لنفسه8.
الاعتذار اصطلاحًا:
تحري الإنسان ما يمحو به أثر ذنبه، وذلك ثلاثة: الأول: أن يقول: لم أفعل أو فعلت لأجل كذا، فيذكر ما يخرجه عن كونه ذنبًا، الثاني: أن يقول: فعلت ولا أعود ونحو ذلك، والثالث: هو التوبة، فكل توبة عذر ولا عكس9.
الصلة بين التّوبة والاعتذار:
التوبة من الذنب الذي لا عذر في اقترافه، والمعتذر يذكر أن له في ما أتاه من المكروه عذرًا، ولو كان الاعتذار التّوبة لجاز أن يقال: اعتذر إلى الله، كما يقال: تاب إليه، وأصل العذر: إزالة الشّيء عن جهته، أي: أزال ما كان في نفسه عليه في الحقيقة أو في الظّاهر10.
الندم:
النّدم لغة:
(ندم) على الأمر ندمًا وندامة: أسف وكرهه بعدما فعله فهو نادم11.
النّدم اصطلاحًا:
التّحسّر من تغيّر رأي في أمر فائتٍ12.
الصلة بين النّدم والتّوبة:
التّوبة من النّدم؛ وذلك أنّك قد تندم على الشّيء ولا تعتقد قبحه، ولا تكون التّوبة من غير قبح، فكل توبة ندم، وليس كل ندم توبة13.
الاستغفار:
الاستغفار لغة:
(استغفر): أي طلب المغفرة، واستغفر اللّه ذنبه: طلب منه غفره14، وفي اللغة العربية إذا دخلت السين والتاء على الفعل أفادت معنى الطلب.
وبهذا، فإنّ معنى الاستغفار في اللغة: طلب السّتر، وطلب ترك المؤاخذة على الذّنب.
الاستغفار اصطلاحًا:
طلب ستر الذنب بالعفو عنه، وعدم العقوبة عليه15.
الصلة بين التوبة والاستغفار:
قال ابن القيم: «الاستغفار يتضمن التوبة، والتوبة تتضمن الاستغفار، وكل منهما يدخل في مسمى الآخر عند الإطلاق، وأما عند اقتران إحدى اللفظتين بالأخرى، فالاستغفار: طلب وقاية شر ما مضى، والتوبة: الرجوع وطلب وقاية شر ما يخافه في المستقبل من سيئات أعماله»16.
الإصرار:
الإصرار لغة:
(أصر) على الأمر: ثبت عليه ولزمه، وأكثر ما يستعمل في الآثام17.
الإصرار اصطلاحًا:
وهو: التّعقّد في الذّنب والتّشدّد فيه، والامتناع من الإقلاع عنه، قال الله تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ)[آل عمران: ١٣٥].
الصلة بين التوبة والإصرار:
علاقة تضاد، فالعبد إذا عصى وطال زمان التوبة وقع في الإصرار، قال تعالى: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ)، أي تبتدئ التوبة من زمانٍ قريب من زمان المعصية؛ لئلا يقع في الإصرار18.
اقتران التوبة بالإصلاح والاستغفار
أولًا: اقتران التوبة بالإصلاح:
قرن الله سبحانه بين التوبة والإصلاح في مواضع من كتابه، منها: قوله تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ)[البقرة: ١٦٠].
وقوله تعالى : (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ)[آل عمران: ٨٩].
وقوله تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ)[النساء١٦].
وقوله تعالى: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [النساء: ١٤٦].
وقوله تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [المائدة٣٩].
وقوله تعالى: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [الأنعام: ٥٤].
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ)[النحل: ١١٩].
وقوله تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [النور: ٥].
فالآيات تدل دلالةً واضحةً على أنه ليس المقصود بالتوبة ترك القبيح فحسب، بل يجب فعل الحسن، وهو الإصلاح.
ومن أجل ذلك شرط سبحانه وتعالى في توبة أهل الكتاب الذين كان ذنبهم كتمان ما أنزل الله من البينات والهدى؛ ليضلوا الناس بذلك، شرط أن يصلحوا العمل في نفوسهم، ويبيّنوا للناس ما كانوا يكتمونهم إياه، فقال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [البقرة: ١٥٩ - ١٦٠].
وشرط في توبة المنافقين الذين كان ذنبهم إفساد قلوب ضعفاء المؤمنين، وتحيزهم واعتصامهم باليهود والمشركين أعداء الرسول، وإظهارهم الإسلام رياءً وسمعةً: أن يصلحوا بدل إفسادهم، وأن يعتصموا بالله بدل اعتصامهم بالكفار من أهل الكتاب والمشركين، وأن يخلصوا دينهم لله بدل إظهارهم رياءً وسمعةً، فهكذا تفهم شرائط التوبة وحقيقتها19، كما قال تعالى: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [النساء: ١٤٦].
وتجدر الإشارة هنا إلى أن هناك أعمالًا طلب الله فيها التوبة فقط، وأعمالًا طلب فيها التوبة والإصلاح، وأعمالًا طلب فيها التوبة والإصلاح والبيان.
ثانيًا: اقتران التوبة بالاستغفار:
قرن الله سبحانه وتعالى بين التوبة والاستغفار على ألسنة رسله.
قال محمد صلى الله عليه وسلم: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ)[هود: ٣].
وقال هود عليه السلام: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [هود: ٥٢].
وقال صالح عليه السلام: (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ)[هود: ٦١].
وقال شعيب عليه السلام: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [هود: ٩٠].
الاستغفار: طلب وقاية شرّ ما مضى، والتوبة: الرجوع وطلب وقاية شر ما يخافه في المستقبل من سيئات أعماله20.
وقيل في العلاقة بينهما: التوبة: هي الرجوع إلى الله مما يكرهه الله ظاهرًا وباطنًا إلى ما يحبه الله ظاهرًا وباطنًا؛ ندمًا على ما مضى، وتركًا في الحال، وعزمًا على أن لا يعود، والاستغفار: طلب المغفرة من الله، فإن اقترن به توبة فهو الاستغفار الكامل الذي رتّبت عليه المغفرة، وإن لم تقترن به التوبة فهو دعاء من العبد لربه أن يغفر له، فقد يجاب دعاؤه وقد لا يجاب، وهو بنفسه عبادة من العبادات، فهو دعاء عبادة، ودعاء مسألة21.
اشتقّ الله سبحانه وتعالى من التوبة اسمًا له، وهو التوّاب؛ دلالة على عظم التوبة وفضلها:
أولًا: معنى اسم الله التواب:
قال الطبري رحمه الله: «إن الله جل ثناؤه هو التوّاب على من تاب إليه من عباده المـذنبين من ذنوبه، التارك مجازاته بإنابته إلى طاعته بعد معصيته بما سلف من ذنبه»22.
وجاء (توّاب) على أبنية المبالغة لقبوله توبة عباده، وتكرير الفعل منهم دفعة بعد دفعة، وواحدًا بعد واحد على طول الزمان، وقبوله عز وجل ممن يشاء أن يقبل منه؛ فلذلك جاء على أبنية المبالغة، فالعبد يتوب إلى الله عز وجل ويقلع عن ذنوبه، والله يقبل توبته. فالعبد تائب والله توّاب23.
وقال ابن القيم في نونيته24:
وكذلك التوّاب من أوصافه
والتوّاب في أوصافه نوعان
إذن بتوبة عبده وقبولها
بعد المتاب بمنة المنان
ويقول السعدي رحمه الله: «فهو التائب على التائبين أولًا بتوفيقهم للتوبة، والإقبال بقلوبهم إليه، وهو التائب عليهم بعد توبتهم قبولًا لها، وعفوًا عن خطاياهم»25.
ثانيًا: الأسماء المقترنة باسمه التوّاب:
ورد اسم الله سبحانه وتعالى (التَّوَّاب) في إحدى عشرة آية في القرآن الكريم26:
١. الرحيم.
اقترن اسم التواب باسم الرحيم في (٩) آيات، منها:
قوله تعالى: (ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ)[البقرة: ٣٧].
وقوله تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ)[التوبة: ١٠٤].
وقوله تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ)[الحجرات: ١٢].
ومناسبة هذا الاقتران: أن توبة الله على عباده وتوفيقهم إليها ثم قبولها منهم، هو من آثار رحمته تعالى وبره وإحسانه.
قال الطبري رحمه الله في تفسير قوله تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ)[التوبة: ١١٨]: «إن الله هو الوهاب لعباده الإنابة إلى طاعته، الموفق من أحب توفيقه منهم لما يرضيه عنه، الرحيم بهم أن يعاقبهم بعد التوبة، أو يخذل من أراد منهم التوبة والإنابة ولا يتوب عليه»27.
وقال السعدي رحمه الله: «(ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) أي: كثير التوبة والعفو، والغفران عن الزلات والعصيان، (ﭰ) وصفه الرحمة العظيمة التي لا تزال تنزل على العباد في كل وقت وحين، في جميع اللحظات، ما تقوم به أمورهم الدينية والدنيوية»28.
٢. الحكيم.
اقترن اسم التواب باسم الحكيم مرة واحدة، في قوله تعالى: (ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ)[النور: ١٠].
فهو (ﰉ) يقبل العاصين منكم، ويردّهم إلى دائرة المؤمنين الصالحين، إذا هم تابوا وأصلحوا، وهو سبحانه: (ﰊ) فيما حدّ من حدود ورصد من عقوبات، للمعتدين على حدوده29.
وفي ذكر وصف (ﰊ) هنا مع وصف (ﰉ) إشارةٌ إلى أن في هذه التوبة حكمة، وهي استصلاح الناس30.
تنوّعت مجالات التوبة وتنوّعت معها شروطها. وشرط التوبة من ذنب هي فعل ضده، فشرط توبة المشرك: الإيمان؛ لأن ذنبه الإشراك، وشرط توبة المنافق الإخلاص؛ لأن ذنبه الرياء، وشرط توبة الكاتمين ما أنزل الله من البينات والهدى: البيان، وتوبة القاذف إكذابه نفسه؛ لينتفي عن المقذوف العار الذي ألحقه به بالقذف.
وسوف نوضّح مجالات التوبة فيما يلي:
أولًا: التوبة عن الشرك والكفر:
أرسل الله الأنبياء والرسل لدعوة أقوامهم إلى التوبة من الشرك والكفر، بأمرهم بالاستغفار من الشرك ثم بالتوبة من بعده:
قال هود عليه السلام: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ)[هود: ٥٢].
أي: آمنوا به حتى يغفر لكم ذنوبكم. والاستغفار: هو الإيمان بالله في هذا الموضع؛ لأن هودًا عليه السلام إنما دعا قومه إلى توحيد الله؛ ليغفر لهم ذنوبهم، ثم توبوا إلى الله من سالف ذنوبكم وعبادتكم غيره بعد الإيمان به31.
والذنب الذي طلب هود عليه السلام قومه التوبة منه هو ذنب الشرك، قال أبو بكر الأصم: «استغفروا: أي سلوه أن يغفر لكم ما تقدم من شرككم، ثم توبوا من بعده بالندم على ما مضى، وبالعزم على أن لا تعودوا إلى مثله»32.
وقال صالح عليه السلام: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ)[هود: ٦١].
«اعملوا عملًا يكون سببًا لستر الله عليكم ذنوبكم، وذلك الإيمان به، وإخلاص العبادة له دون ما سواه واتباع رسوله صالح، ثم اتركوا من الأعمال ما يكرهه ربكم إلى ما يرضاه ويحبه، إن ربي قريب ممن أخلص له العبادة ورغّب إليه في التوبة، مجيب له إذا دعاه»33.
ويظهر من ختام الآية بجملة: (ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) أنهم استعظموا أن يكون جرمهم مما يقبل الاستغفار عنه، فطمأنهم صالح عليه السلام إلى استجابته سبحانه وتعالى لتوبتهم إذا تابوا وقبولها منهم.
ويستفاد من الآيات أنه: يجب على كل داعٍ إلى الله أن يحبّب عباد الله إلى خالقهم، ويبشّرهم بحبه سبحانه لتوبتهم واستجابته ممن تاب إليه.
وقال شعيب عليه السلام: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ)[هود: ٩٠].
واستغفروا ربكم من سالف الذنوب، ثم توبوا إليه فيما تستقبلونه من الأعمال السيئة، (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) أي: لمن تاب وأناب34. ويستفاد من الآية: أن الله شديد المحبة لمن يتقرب إليه بالتوبة.
وأخبر سبحانه وتعالى أن الذين عملوا السيئات من الكفر والمعاصي، ثم رجعوا من بعد فعلها إلى الإيمان والعمل الصالح، فإنه سبحانه وتعالى من بعد التوبة النصوح لغفور لأعمالهم.
قال تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ)[الأعراف: ١٥٣].
هذا خبر من الله تعالى ذكره أنه قابل من كل تائب إليه من ذنب أتاه صغيرة كانت معصيته أو كبيرة، كفرًا كانت أو غير كفر، كما قبل من عبدة العجل توبتهم بعد كفرهم به بعبادتهم العجل، وارتدادهم عن دينهم35.
ويستفاد من الآية: أنه سبحانه وتعالى يقبل توبة عباده من أي ذنب كان، حتى ولو كان من كفر أو شرك أو نفاق أو شقاق.
وأخبر سبحانه وتعالى إن رجع المشركون عن كفرهم، ودخلوا الإسلام، والتزموا شرائعه من إقام الصلاة وإخراج الزكاة، فاتركوهم، فقد أصبحوا إخوانكم في الإسلام.
قال تعالى: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ)[التوبة: ٥].
(ﯘ ﯙ) من شركهم (ﯚ ﯛ) أي: أدوها بحقوقها (ﯜ ﯝ) لمستحقيها (ﯞ ﯟ) أي: اتركوهم، وليكونوا مثلكم، لهم ما لكم، وعليهم ما عليكم، (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) يغفر الشرك فما دونه، للتائبين، ويرحمهم بتوفيقهم للتوبة، ثم قبولها منهم.
وفي هذه الآية دليل على أن من امتنع من أداء الصلاة أو الزكاة، فإنه يقاتل حتى يؤديهما، كما استدل بذلك أبو بكر الصديق رضي الله عنه36.
ورغّب سبحانه وتعالى المشركين في التوبة، ورهّبهم من الاستمرار على الشرك، فقال: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ)[التوبة: ٣].
«يقول تعالى: فإن تبتم من كفركم أيها المشركون، ورجعتم إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له دون الآلهة والأنداد، فالرجوع إلى ذلك خير لكم من الإقامة على الشرك في الدنيا والآخرة، وإن أدبرتم عن الإيمان بالله وأبيتم إلا الإقامة على شرككم، فأيقنوا أنكم لا تفيتون الله بأنفسكم من أن يحل بكم عذابه الأليم وعقابه الشديد على إقامتكم على الكفر، كما فعل بذويكم من أهل الشرك، من إنزال نقمه به وإحلاله العذاب عاجلًا بساحته، وأعلم يا محمد الذين جحدوا نبوتك وخالفوا أمر ربهم بعذاب موجع يحل بهم»37.
والترغيب والترهيب في آية البراءة يشيران إلى أن المنهج الإسلامي منهج هداية قبل كل شيء، فهو يتيح للمشركين هذه المهلة لا لمجرد أنه لا يحب أن يباغتهم ويفتك بهم متى قدر- كما كان الشأن في العلاقات الدولية ولا يزال!- ولكنه كذلك يمهلهم هذه المهلة للتروي والتدبر، واختيار الطريق الأقوم، ويرغّبهم في التوبة عن الشرك والرجوع إلى الله، ويرهّبهم من التولي، وييئسهم من جدواه، وينذرهم بالعذاب الأليم في الآخرة فوق الخزي في الدنيا. ويوقع في قلوبهم الزلزلة التي ترجها رجًّا، لعل الركام الذي ران على الفطرة أن ينفض عنها، فتسمع وتستجيب!38.
ثانيًا: التوبة عن النفاق:
استثنى الله سبحانه وتعالى من الوعيد بالدرك الأسفل من النار من آمن من المنافقين، وأصلح حاله، واعتصم بالله دون الاعتزاز بالكافرين، وأخلص دينه لله.
قال تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ)[النساء: ١٤٥-١٤٦].
يخبر تعالى عن مآل المنافقين أنهم في أسفل الدركات من العذاب، وأشرّ الحالات من العقاب، فهم تحت سائر الكفار؛ لأنهم شاركوهم بالكفر بالله ومعاداة رسله، وزادوا عليهم المكر والخديعة والتمكن من كثير من أنواع العداوة للمؤمنين، على وجه لا يشعر به ولا يحس، ورتبوا على ذلك جريان أحكام الإسلام عليهم، واستحقاق ما لا يستحقونه، فبذلك ونحوه استحقوا أشد العذاب، وليس لهم منقذ من عذابه ولا ناصر يدفع عنهم بعض عقابه، وهذا عام لكل منافق إلا من منّ الله عليهم بالتوبة من السيئات، وأصلحوا له الظواهر والبواطن، والتجأوا إلى الله في جلب منافعهم ودفع المضار عنهم (ﯤ ﯥ) الذي هو الإسلام والإيمان والإحسان (ﯦ) فقصدوا وجه الله بأعمالهم الظاهرة والباطنة، وسلموا من الرياء والنفاق، فمن اتصف بهذه الصفات (ﯧ ﯨ ﯩ) أي: في الدنيا، والبرزخ، ويوم القيامة (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) لا يعلم كنهه إلا الله، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. وتأمل كيف خصّ الاعتصام والإخلاص بالذكر، مع دخولهما في قوله: (ﯡ)؛ لأن الاعتصام والإخلاص من جملة الإصلاح؛ لشدة الحاجة إليهما خصوصًا في هذا المقام الحرج، فلا يزيله إلا شدة الاعتصام بالله، ودوام اللجأ والافتقار إليه في دفعه، وكون الإخلاص منافيًا كل المنافاة للنفاق، فذكرهما لفضلهما وتوقف الأعمال الظاهرة والباطنة عليهما، ولشدة الحاجة في هذا المقام إليهما.
وتأمل كيف لما ذكر أن هؤلاء مع المؤمنين لم يقل: وسوف يؤتيهم أجرًا عظيمًا، مع أن السياق فيهم، بل قال: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ)؛ لأن هذه القاعدة الشريفة لم يزل الله يبدئ فيها ويعيد، إذا كان السياق في بعض الجزئيات، وأراد أن يرتّب عليه ثوابًا أو عقابا وكان ذلك مشتركًا بينه وبين الجنس الداخل فيه، رتّب الثواب في مقابلة الحكم العام الذي تندرج تحته تلك القضية وغيرها، ولئلا يتوهم اختصاص الحكم بالأمر الجزئي، فهذا من أسرار القرآن البديعة، فالتائب من المنافقين مع المؤمنين وله ثوابهم39.
والمتدبر لآيات التوبة في مواضعها في القرآن يلحظ أنه «كان يكتفي بأن يقول: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) فالتوبة والإصلاح يتضمنان الاعتصام بالله، وإخلاص الدين لله، ولكنه هنا ينص على الاعتصام بالله، وإخلاص الدين لله؛ لأنه يواجه نفوسًا تذبذبت، ونافقت، وتولت غير الله، فناسب أن ينص عند ذكر التوبة والإصلاح، على التجرد لله، والاعتصام به وحده، وخلاص هذه النفوس من تلك المشاعر المذبذبة، وتلك الأخلاق المخلخلة.. ليكون في الاعتصام بالله وحده قوة وتماسك، وفي الإخلاص لله وحده خلوص وتجرد.
بذلك تخف تلك الثقلة التي تهبط بالمنافقين في الحياة الدنيا إلى اللصوق بالأرض، وتهبط بهم في الحياة الآخرة إلى الدرك الأسفل من النار.
وبذلك يرتفع التائبون منهم إلى مصاف المؤمنين المعتزين بعزة الله وحده، المستعلين بالإيمان، المنطلقين من ثقلة الأرض بقوة الإيمان»40.
وأخبر سبحانه وتعالى عن المنافقين أنهم إذا رجعوا إلى الإيمان والتوبة فهو خير لهم، وإن يعرضوا، أو يستمروا على حالهم، يعذّبهم الله العذاب الموجع في الدنيا على أيدي المؤمنين، وفي الآخرة بنار جهنم.
قال تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ)[التوبة: ٧٤].
قال أبو جعفر: «اختلف أهل التأويل في الذي نزلت فيه هذه الآية، والقول الذي كان قاله، الذي أخبر الله عنه أنه يحلف بالله ما قاله، ثم قال: والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله تعالى أخبر عن المنافقين أنهم يحلفون بالله كذبًا على كلمة كفر تكلموا بها أنهم لم يقولوها، وجائز أن يكون ذلك القول ما روي عن عروة أن الجلاس قاله، وجائز أن يكون قائله عبد الله بن أبي بن سلول، والقول ما ذكره قتادة عنه أنه قال، ولا علم لنا بأن ذلك من أيٍّ؛ إذ كان لا خبر بأحدهما يوجب الحجة ويتوصل به إلى يقين العلم به، وليس مما يدرك علمه بفطرة العقل، فالصواب أن يقال فيه كما قال الله جل ثناؤه: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ)[التوبة: ٧٤]»41.
ثم دعاهم الله تبارك وتعالى إلى التوبة رفقًا بهم ولطفًا بالرغم من أفعالهم العظيمة، فقال تعالى: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ)[التوبة: ٧٤].
فإن يتب هؤلاء القائلون كلمة الكفر من قيلهم الذي قالوه فرجعوا عنه، يك رجوعهم وتوبتهم من ذلك خيرًا لهم من النفاق، وإن يدبروا عن التوبة فيأبوها، ويصروا على كفرهم يعذّبهم عذابًا موجعًا في الدنيا، إما بالقتل، وإما بعاجل خزي لهم فيها، ويعذّبهم في الآخرة بالنار42.
وفي الآية دلالة أنه لا يحصل الخير إلا عند التوبة؛ لأن التوبة أصل السعادة في الدنيا والآخرة.
ثالثًا: التوبة عن المعاصي:
أخبر سبحانه وتعالى أن العبد إذا تاب من أمهات الكبائر: الشرك والقتل والزنا، وفّقه للتوبة وقبلها منه.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ)[الفرقان: ٦٨-٧١].
روى مسلم بسنده، عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما أنّ ناسًا من أهل الشّرك قتلوا فأكثروا، وزنوا فأكثروا، ثمّ أتوا محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: إنّ الّذي تقول وتدعو لحسنٌ، ولو تخبرنا أنّ لما عملنا كفّارةً، فنزل: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ)43.
ومعنى الآية: «والذين لا يعبدون مع الله إلها آخر فيشركون فى عبادتهم إياه، بل يخلصون له العبادة ويفردونه بالطاعة، ولا يقتلون النفس بسبب من الأسباب إلا بسبب الحق المزيل لحرمتها وعصمتها، كالكفر بعد الإيمان، والزنا بعد الإحصان، وقتل النفس بغير حق، ولا يأتون ما حرّم الله عليهم إتيانه من الفروج، ومن يفعل خصلة من خصال الفجور السالفة، يلق في الآخرة جزاء إثمه وذنبه الذي ارتكبه، بل سيضاعف له ربه العذاب يوم القيامة ويجعله خالدا أبدًا في النار مع المهانة والاحتقار، فيجتمع له العذاب الجسمي والعذاب الروحي. وبعد أن أتم تهديد الفجار على هذه الأوزار أتبعه بترغيب الأبرار في التوبة والرجوع إلى حظيرة المتقين فيفوزون بجنات النعيم، فقال: لكن من رجع عن هذه الآثام مع إيمانه وعمله الصالحات فأولئك يمحو الله سوابق معاصيهم بالتوبة، ويثبت لهم لواحق طاعته، ومن تاب عن المعاصي التي فعلها، وندم على ما فرط منه، وزكى نفسه بصالح الأعمال، فإنه يتوب إلى الله توبة نصوحًا، مقبولة لديه، ماحية للعقاب، محصلة لجزيل الثواب، إلى أنه ينير قلبه بنور من عنده يهديه إلى سواء السبيل، ويوفقه للخير، ويبعده عن الضير»44.
أخبر سبحانه وتعالى بأنه لا يحق لمؤمن الاعتداء على أخيه المؤمن وقتله بغير حق، إلا أن يقع منه ذلك على وجه الخطأ الذي لا عمد فيه.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ)[النساء: ٩٢].
اختلف المفسرون فيمن نزلت: منهم من قال: نزلت في عياش بن أبي ربيعة وقتيله.
قال السدي: «نزلت في عياش بن أبي ربيعة المخزومي، فكان أخًا لأبي جهل بن هشام لأمه، وإنه أسلم وهاجر في المهاجرين الأولين قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطلبه أبو جهل والحارث بن هشام ومعهما رجل من بني عامر بن لؤي، فأتوه بالمدينة، وكان عياش أحب إخوته إلى أمه، فكلّموه وقالوا: إن أمك قد حلفت أن لا يظلها بيت حتى تراك وهي مضطجعة في الشمس، فأتها لتنظر إليك ثم ارجع.
وأعطوه موثقًا من الله لا يحجزونه حتى يرجع إلى المدينة، فأعطاه بعض أصحابه بعيرًا له نجيبًا، وقال: إن خفت منهم شيئًا فاقعد على النجيب، فلما أخرجوه من المدينة أخذوه فأوثقوه، وجلده العامري، فحلف ليقتلن العامري. فلم يزل محبوسًا بمكة حتى خرج يوم الفتح، فاستقبله العامري وقد أسلم ولا يعلم عياش بإسلامه، فضربه فقتله، فأنزل الله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ) يقول: وهو لا يعلم أنه مؤمن (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) فيتركوا الدية»45.
وقال آخرون: نزلت في أبي الدرداء: قال ابن زيد في قوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) الآية. قال: نزل هذا في رجل قتله أبو الدرداء كانوا في سرية، فعدل أبو الدرداء إلى شعب يريد حاجة له، فوجد رجلًا من القوم في غنم له، فحمل عليه بالسيف، فقال: لا إله إلا الله قال: فضربه ثم جاء بغنمه إلى القوم. ثم وجد في نفسه شيئًا، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا شققت عن قلبه؟) فقال: ما عسيت أجد. هل هو يا رسول الله إلا دم أو ماء؟ قال: (فقد أخبرك بلسانه، فلم تصدّقه) قال: كيف بي يا رسول الله؟ قال: (فكيف بلا إله إلا الله؟) قال: فكيف بي يا رسول الله؟ قال: (فكيف بلا إله إلا الله؟) حتى تمنيت أن يكون ذلك مبتدأ إسلامي. قال: ونزل القرآن: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) حتى بلغ: (ﭥ ﭦ ﭧ)
قال الطبري رحمه الله: «والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله عرّف عباده بهذه الآية ما على من قتل مؤمنًا خطأ من كفارة ودية. وجائز أن تكون الآية نزلت في عياش بن أبي ربيعة وقتيله، وفي أبي الدرداء وصاحبه. وأي ذلك كان: فالذي عنى الله تعالى بالآية تعريف عباده ما ذكرنا، وقد عرف ذلك من عقل عنه من عباده تنزيله، وغير ضائرهم جهلهم بمن نزلت فيه»46.
ومعنى الآية: «على القاتل الخطأ (ﭞ ﭟ ﭠ) كفارة لذلك، تكون في ماله، ويشمل ذلك الصغير والكبير، والذكر والأنثى، والصحيح والمعيب، في قول بعض العلماء، ولكن الحكمة تقتضي أن لا يجزئ عتق المعيب في الكفارة؛ لأن المقصود بالعتق نفع العتيق، وملكه منافع نفسه، فإذا كان يضيع بعتقه، وبقاؤه في الرق أنفع له فإنه لا يجزئ عتقه، مع أن في قوله: (ﭞ ﭟ) ما يدل على ذلك؛ فإن التحرير: تخليص من استحقت منافعه لغيره أن تكون له، فإذا لم يكن فيه منافع لم يتصور وجود التحرير.
وأما الدية فإنها تجب على عاقلة القاتل في الخطأ وشبه العمد (ﭽ ﭾ ﭿ) جبرًا لقلوبهم، والمراد بأهله هنا هم ورثته، فإن الورثة يرثون ما ترك الميت، فالدية داخلة فيما ترك.
وقوله: (ﭥ ﭦ ﭧ) أي: يتصدق ورثة القتيل بالعفو عن الدية، فإنها تسقط، وفي ذلك حث لهم على العفو؛ لأن الله سماها صدقة، والصدقة مطلوبة في كل وقت (ﭩ ﭪ) المقتول (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) أي: من كفار حربيين (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) أي: وليس عليكم لأهله دية؛ لعدم احترامهم في دمائهم وأموالهم (ﭴ ﭵ ﭶ) المقتول (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) وذلك لاحترام أهله بما لهم من العهد والميثاق (ﮄ ﮅ ﮆ) الرقبة ولا ثمنها، بأن كان معسرًا بذلك، ليس عنده ما يفضل عن مؤنته وحوائجه الأصلية شيء يفي بالرقبة، (ﮇ ﮈ ﮉ) أي: لا يفطر بينهما من غير عذر، فإن أفطر لعذر، فإن العذر لا يقطع التتابع، كالمرض والحيض ونحوهما. وإن كان لغير عذر انقطع التتابع ووجب عليه استئناف الصوم. (ﮊ ﮋﮌﮍ) أي: هذه الكفارات التي أوجبها الله على القاتل توبة من الله على عباده ورحمة بهم، وتكفيرًا لما عساه أن يحصل منهم من تقصير وعدم احتراز، كما هو واقع كثيرًا للقاتل خطأ (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) أي: كامل العلم كامل الحكمة، لا يخفى عليه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، في أي وقت كان وأي محل كان47.
أخبر الله سبحانه أنه يقبل التوبة من الذين يرتكبون المعاصي والذنوب بجهل منهم لعاقبتها.
قال تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ)[النساء: ١٧].
المعنى: ما التوبة على الله لأحد من خلقه إلا للذين يأتون ما يأتونه من ذنوبهم جهالة منهم وهم بربهم مؤمنون، ثم يراجعون طاعة الله ويتوبون منه إلى ما أمرهم الله به من الندم عليه والاستغفار، وترك العود إلى مثله من قبل نزول الموت بهم48، فالله سبحانه لا يطارد عباده الضعاف، ولا يطردهم متى تابوا إليه وأنابوا. وهو سبحانه غني عنهم، وما تنفعه توبتهم، ولكن تنفعهم هم أنفسهم، وتصلح حياتهم وحياة المجتمع الذي يعيشون فيه. ومن ثمّ يفسح لهم في العودة إلى الصف تائبين متطهرين49.
وأجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن كل معصية هي بجهالة عمدًا كانت أو جهلًا50.
قبول التوبة لا يجب على الله عقلًا، وأما من جهة السمع فتضافرت ظواهر الآي والسنة على قبول الله التوبة، وأفادت القطع بذلك51.
اتفقت الأمة على أن التوبة فرض على المؤمنين؛ لقوله تعالى: (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ)[النور: ٣١].
وذهب الجمهور إلى أنها تصح من ذنب دون ذنب؛ خلافًا للمعتزلة52.
أخبر سبحانه وتعالى أن المرابي محارب لله ورسوله، قد آذنه الله بحربه.
قال تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ)[البقرة: ٢٧٨-٢٧٩].
أي: عقاب شديد من نوع الحروب، فإنّ الإصرار على عمل الربا إن كان من شخص يقدر الإمام عليه قبض عليه وأجرى عليه حكم الله: من التعزير والحبس، إلى أن تظهر منه التوبة، وإن كان له عسكر وشوكة حاربه الإمام كما يحارب الفئة الباغية، وكما حارب أبو بكر رضي الله عنه مانعي الزكاة53.
وقوله تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) يعني إن تركتم الربا وتبتم إلى الله منه، وقد عاقدتم عليه، فإنما لكم رؤوس أموالكم، لا تزدادون عليها فتظلمون الآخذ، ولا تنقصون منها فيظلمكم من أخذها54.
أخبر سبحانه وتعالى أنه من تاب من بعد سرقته، وأصلح في كل أعماله، فإن الله يقبل توبته.
قال تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ)[المائدة:٣٨-٣٩].
يقول جل ثناؤه: من رجع من هؤلاء السراق عما يكرهه الله من معصيته إياه إلى ما يرضاه من طاعته من بعد ظلمه، وظلمه: هو اعتداؤه وعمله ما نهاه الله عنه من سرقة أموال الناس، وأصلح نفسه بحملها على مكروهها في طاعة الله والتوبة إليه مما كان عليه من معصيته، فإن الله عزو جل يرجعه إلى ما يحب ويرضى عما يكرهه ويسخط من معصيته، إن الله -عز ذكره- ساتر على من تاب وأناب عن معاصيه إلى طاعته ذنوبه بالعفو عن عقوبته عليها يوم القيامة، وتركه فضيحته بها على رؤوس الأشهاد، رحيم به وبعباده التائبين إليه من ذنوبهم55.
قال الشافعي: «إذا تاب السارق قبل أن يتلبس الحاكم بأخذه، فتوبته ترفع عنه حكم القطع قياسًا على توبة المحارب»56. «فأما أموال الناس فلابد من ردّها إليهم أو بدلها عند الجمهور»57، أو الاستحلال منها58.
رابعًا: التوبة عن التقصير:
المؤمن الحق لا يمكنه القطع أنه أتى بالعبادات كما ينبغي، فخوف التقصير ملازم له طالما فيه عين تطرف، وقلب ينبض، وقد يحدث التقصير: إما على سبيل السهو، أو على سبيل ترك الأولى.
وهذا الخلق من شيم الكرماء، يأتون بأبلغ وجوه الكرم ويستقلونه، ويعتذرون من التقصير، وفي قمة هؤلاء: الأنبياء عليهم السلام، والصحابة الكرام رضي الله عنهم.
وقد ذكر الله لنا أن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام طلبا التوبة بالرغم من أنهما قاما ببناء قواعد البيت بتكليف إلهي، قال تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ)[البقرة: ١٢٨].
عن وهيب بن الورد أنه قرأ: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ)[البقرة: ١٢٧].
ثم يبكي ويقول: يا خليل الرحمن، ترفع قوائم بيت الرحمن، وأنت مشفق أن لا يتقبل منك59.
وقال تعالى عن رحمته بالنبي والمهاجرين والأنصار: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ)[التوبة: ١١٧].
قال ابن عطية رحمه الله: «التوبة من الله رجوعه بعبده من حالة إلى أرفع منها، فقد تكون في الأكثر رجوعًا من حالة طاعة إلى أكمل منها، وهذه توبته في هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه رجع به من حاله قبل تحصيل الغزوة وأجرها وتحمل مشقاتها إلى حاله بعد ذلك كله، وأما توبته على «المهاجرين والأنصار» فحالها معرضة، لأن تكون من تقصير إلى طاعة وجدٍّ في الغزو ونصرة الدين، وأما توبته على الفريق الذي كاد أن يزيغ فرجوع من حالة محطوطة إلى حال غفران ورضا»60.
هذا وقد حكى الله تعالى لنا عن حال المؤمنين الخلّص في قوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ)[المؤمنون: ٦٠].
أي: يعطون ما أعطوا من الصدقات والنفقات والقربات وقلوبهم وجلة61.
في الآيات: دلالة على أنه ما من مؤمن إلا وهو محتاج إلى التوبة والاستغفار، حتى الأنبياء عليهم السلام والمهاجرون والأنصار رضي الله عنهم، والخلّص من المؤمنين.
خامسًا: التوبة عن كتمان العلم:
أخبر سبحانه وتعالى أن من شروط قبول توبة كاتم العلم أن يصلح ما أفسده، وأن يبيّن ما كتمه.
قال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ)[البقرة: ١٥٩-١٦٠].
أي: إن أهل الكتاب الذين كتموا أمر الإسلام وأمر محمد صلى الله عليه وسلم وهم يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل بيّنًا واضحًا، يستحقون الطرد والبعد من رحمة الله، ويستوجبون بأعمالهم الدعاء عليهم باللعن من الملائكة والناس أجمعين. وحكم هذه الآية شامل لكل من كتم علمًا فرض الله بيانه للناس، ومن هنا ترى أن الذي يرى حرمات الله تنتهك أمام عينيه، والدين يداس جهارًا بين يديه، ويرى البدع تمحو السنن، والضلال يغشى الهدى، ثم هو لا ينتصر بيد ولا لسان، يكون ممن يستحق وعيد الآية.
ثم استثنى سبحانه وتعالى من الوعيد من تاب إليه: فقال: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) أي: إلا من أناب عن كتمانه، وراجع التوبة بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وأقرّ بنبوته، وصدّق ما جاء به من عند الله، وأصلح حال نفسه بالتقرّب إلى الله بصالح الأعمال، وبيّن ما علم من وحي الله إلى أنبيائه، وما عهد إليهم في كتبه، فلم يكتمه ولم يخفه، فهؤلاء يتوب الله عليهم، ويفيض عليهم مغفرته تفضّلًا منه ورحمة، وهو الذي يرجع قلوب عباده المنصرفة عنه ويردّها إليه بعد إدبارها عن طاعته، وهو الرّحيم بالمقبلين عليه يتغمدهم برحمته ويشملهم بعفوه، ويصفح عما كانوا اجترحوا من السيئات. وفي الآية: ترغيب للقلوب الواعية التي تخاف سخط الله وشديد عقابه في التوبة عما فرط من الذنوب، وطرد لليأس من رحمة الله مهما ثقلت الذنوب وكثرت الآثام62.
وفي هذه الآية: دلالة على أن الداعية إلى كفر أو بدعة إذا تاب إلى الله تاب الله عليه63، وتوبته أن يبيّن للناس أن ما كان يدعو إليه بدعة وضلالة، وأن الهدى في ضده، ولا يكفي اعترافه وحده أو في خلواته.
قال ابن عاشور رحمه الله: «فالعالم يحرم عليه أن يكتم من علمه ما فيه هدى للناس؛ لأن كتم الهدى إيقاع في الضلالة، سواء في ذلك العلم الذي بلغ إليه بطريق الخبر كالقرآن والسنة الصحيحة، والعلم الذي يحصل عن نظر كالاجتهادات إذا بلغت مبلغ غلبة الظن بأن فيها خيرًا للمسلمين، ويحرم عليه بطريق القياس الذي توميء إليه العلة أن يبثّ في الناس ما يوقعهم في أوهام بأن يلقّنها وهو لا يحسن تنزيلها ولا تأويلها، وكذلك كل ما يعلم أن الناس لا يحسنون وضعه»64.
أخبر سبحانه وتعالى أنه غافر الذنب للمذنبين، وقابل التوب من التائبين، قال تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [غافر: ٣].
عطف قابل التوب على صفة غافر الذنب؛ لإفادة أنه يجمع للمذنب التائب بين رحمتين: بين أن يقبل توبته فيجعلها له طاعة، وبين أن يمحو عنه بها الذنوب التي تاب منها وندم على فعلها، فيصبح كأنه لم يفعلها. وهذا فضل من الله65.
وأخبر الله سبحانه وتعالى أنه هو وحده الذي يقبل التوبة عن عباده إذا رجعوا إلى توحيده وطاعته.
قال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ)[التوبة: ١٠٤].
وقال تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ)[الشورى: ٢٥].
يقول تعالى ذكره: والله الذي يقبل مراجعة العبد إذا رجع إلى توحيد الله وطاعته من بعد كفره، ويعفو أن يعاقبه على سيئاته من الأعمال، وهي معاصيه التي تاب منها، ويعلم ربكم أيها الناس ما تفعلون من خير وشر، لا يخفى عليه من ذلك شيء، وهو مجازيكم على كل ذلك جزاءه، فاتقوا الله في أنفسكم، واحذروا أن تركبوا ما تستحقون به منه العقوبة66. ومن الحكمة في استخدام الحرف (عن) بدلًا من (من) في قوله تعالى: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) أن التوبة التي يقبلها الله من عباده تضع عنهم ما حمّلوا به من أوزار، وما أثقل كاهلهم من ذنوب، فكان في قبول التوبة منهم رفع لهذه الآثام عنهم، ولهذا ضمّن الفعل (يقبل) معنى الفعل يضع، أو يسقط.. ونحو هذا، كما نظر إلى التوبة على أنها شيء محمّل بالذنوب والآثام؛ لأن التوبة لا تكون إلا عن ذنب وقع، أو إثم اقترف.. فكان قوله تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) يعني: ألم يعلموا أن الله يضع الذنوب والآثام عن عباده67.
شروط قبول التوبة:
قال تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [النساء: ١٧].
ذكرت الآية لقبول التوبة قيدين: (ﮁ) و(ﮄ ﮅ).
والجهالة تطلق على سوء المعاملة، وعلى الإقدام على العمل دون روية، وهي ما قابل الحلم؛ ولذلك تطلق الجهالة على الظلم. قال عمرو بن كلثوم68:
ألا لا يجهلن أحد علينا
فنجهل فوق جهل الجاهلينا
وقال تعالى حكاية عن يوسف: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ)[يوسف: ٣٣].
والمراد هنا ظلم النفس69. وعلى ذلك فالجهالة: سفاهة وقلة تحصيل أدى إلى المعصية70.
وقوله: (ﮄ ﮅ) إلى وقت الذنب، ومدة الحياة كلها.
وجمهور المفسرين على أنها التوبة قبل المعاينة، قال عكرمة: قبل الموت، وقال الضحاك: قبل معاينة ملك الموت، وقال السدي والكلبي: أن يتوب في صحته قبل مرض موته71.
وقد روى الترمذي بسنده عن ابن عمر، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (إنّ اللّه يقبل توبة العبد ما لم يغرغر)72.
وإنما صحت التوبة من العبد في هذا الوقت؛ لأن الرجاء فيه باقٍ، ويصح منه الندم، والعزم على ترك الفعل73.
ولا خلف في وعده سبحانه وتعالى على قبول توبة العبد «إذا كانت بشروطها المصححة لها، وهي أربعة: الندم بالقلب، وترك المعصية في الحال، والعزم على ألا يعود إلى مثلها، وأن يكون ذلك حياء من الله تعالى لا من غيره، فإذا اختل شرط من هذه الشروط لم تصح التوبة. وقد قيل من شروطها: الاعتراف بالذنب وكثرة الاستغفار»74.
عدم قبول التوبة:
أخبر سبحانه وتعالى أنه لا يكون قبول التوبة من الذين يصرّون على ارتكاب المعاصي، ولا يرجعون إلى ربهم إلى أن تأتيهم سكرات الموت، ولا تقبل توبة الذين يموتون وهم كافرون.
قال تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ)[النساء: ١٨].
يعني بذلك جل ثناؤه: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) من أهل الإصرار على معاصي الله، (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) يقول: إذا حشرج أحدهم بنفسه، وعاين ملائكة ربه قد أقبلوا إليه لقبض روحه قال: وقد غلب على نفسه، وحيل بينه وبين فهمه بشغله بكرب حشرجته وغرغرته: (ﮛ ﮜ ﮝ)، يقول: فليس لهذا عند الله تبارك وتعالى توبة؛ لأنه قال ما قال في غير حال توبة75.
وسنة الله عز وجل أن العبد إذا عاين الانتقال الى الله تعالى لم ينفعه توبة ولا إقلاع76؛ وذلك أن التوبة في هذه الحاله توبة المضطر، لجّت به الغواية، وأحاطت به الخطيئة، توبة الذي يتوب لأنه لم يعد لديه متسع لارتكاب الذنوب، ولا فسحة لمقارفة الخطيئة. وهذه لا يقبلها الله؛ لأنها لا تنشيء صلاحًا في القلب ولا صلاحًا في الحياة، ولا تدل على تبدل في الطبع ولا تغير في الاتجاه.
(ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ)، وهؤلاء قد قطعوا كل ما بينهم وبين التوبة من وشيجة، وضيّعوا كل ما بينهم وبين المغفرة من فرصة77.
وأخبر سبحانه وتعالى أنه لا يقبل التوبة عندما يأتي بعض أشراط الساعة وعلاماتها الدالة على مجيئها، وهي طلوع الشمس من مغربها، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [الأنعام: ١٥٨].
والحكمة في هذا ظاهرة، فإنه إنما كان الإيمان ينفع إذا كان إيمانًا بالغيب، وكان اختيارًا من العبد، فأما إذا وجدت الآيات صار الأمر شهادة، ولم يبق للإيمان فائدة؛ لأنه يشبه الإيمان الضروري، كإيمان الغريق والحريق ونحوهما، ممن إذا رأى الموت أقلع عما هو فيه، كما قال تعالى: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ)[غافر: ٨٤- ٨٥]78.
قال جمهور أهل التأويل: الآية التي لا تنفع التوبة من الشرك أو من المعاصي بعدها، هي طلوع الشمس من المغرب79.
وقد روى البخاري بسنده، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم السّاعة حتّى تطلع الشّمس من مغربها، فإذا رآها النّاس آمن من عليها، فذاك حين (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ))80.
ومن نماذج الذين لم تقبل توبتهم عند المعاينة: فرعون، قال تعالى في وصف فرعون: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [يونس: ٩٠-٩١]، فلم يقبل الله توبته عند مشاهدة العذاب81.
ومن استمر على ذنوبه وأصر على عيوبه، حتى صارت فيه صفاتٍ راسخةً، فإنه يعسر عليه إيجاد التوبة التامة، والغالب أنه لا يوفّق للتوبة، ولا ييسّر لأسبابها، الذي يعمل السوء على علم تام ويقين وتهاون بنظر الله إليه، فإنه سدّ على نفسه باب الرحمة82.
وقوله: (ﮐ ﮑ) تنبيهٌ على نفي القبول عن نوع من التوبة، وهي التي تكون عند اليأس من الحياة83.
أولًا: الأنبياء:
١. توبة آدم عليه السلام.
أخبر الله سبحانه وتعالى أن آدم عصاه بأكله من الشجرة التي نُهي عن الأكل منها، قال تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ)[طه: ١٢١].
ثم أخبر سبحانه وتعالى أنه وفّق آدم إلى التوبة؛ وذلك بإلهامه قوله سبحانه وتعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ)[الأعراف: ٢٣].
فتلقاها آدم بالقبول، فتاب الله عليه، وغفر له ذنبه، قال تعالى: (ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ)[البقرة: ٣٧].
أي: استقبلها بالأخذ والقبول، والعمل بها حين علمها، ووفّق لها84.
القراءات في قوله تعالى: (ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ):
قرأ ابن كثير: (فتلقى آدم) بالنصب (كلماتٌ) بالرفع، جعل الفعل للكلمات؛ لأنها تلقت آدم عليه السلام، وحجته أن العرب تقول: تلقيت زيدًا، وتلقاني زيد، والمعنى واحد؛ لأن من لقيته فقد لقيك، وما نالك فقد نلته.
وقرأ الباقون: (ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) رفع بفعله؛ لأنه تلقى من ربه الكلمات، أي أخذها منه وحفظها وفهمها، والعرب تقول: تلقيت هذا من فلان، المعنى: إن فهمي قبلها منه، وحجتهم ما روي في التفسير في تأويل قوله: (ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) أي قبلها، فإذا كان آدم القابل، فالكلمات مقبولة85.
وقوله تعالى: (ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) تأكيد فائدته أن التوبة على العبد إنما هي نعمة من الله، لا من العبد وحده؛ لئلا يعجب التائب، بل الواجب عليه شكر الله تعالى في توبته عليه86.
والتعقيب بالرحيم؛ لأن الرحيم جارٍ مجرى العلة للتواب؛ إذ قبوله التوبة عن عباده ضرب من الرحمة بهم87.
٢. توبة نوح عليه السلام.
أخبر سبحانه وتعالى عن توبة نوح عليه السلام في مسألته ربه عن ابنه.
قال تعالى: (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ)[هود: ٤٥-٤٧].
«يقول تعالى ذكره مخبرًا نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم عن إنابة نوح عليه السلام بالتوبة إليه من زلته في مسألته التي سألها ربه في ابنه، قال: رب إني أستجير بك أن أتكلف مسألتك، مما قد استأثرت بعلمه، وطويت علمه عن خلقك، فاغفر لي زلتي في مسألتي إياك ما سألتك في ابني، وإن أنت لم تغفرها لي وترحمني فتنقذني من غضبك أكن من الذين غبنوا أنفسهم حظوظها وهلكوا»88. فحينئذ ندم نوح عليه السلام ندامة شديدة، على ما صدر منه.
ودلت الآية على أن نوحًا عليه السلام لم يكن عنده علم بأن سؤاله لربه في نجاة ابنه محرّم، داخل في قوله: (ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ) بل تعارض عنده الأمران، وظن دخوله في قوله: (ﭖ)، وبعد ذلك تبين له أنه داخل في المنهي عن الدعاء لهم، والمراجعة فيهم89.
٣. توبة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام.
أخبر سبحانه وتعالى عن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام أنهما دعوا الله أن يتوب عليهما.
قال تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [البقرة: ١٢٨].
قال الطبري رحمه الله: «فإن قال لنا قائل: وهل كان لهما ذنوب فاحتاجا إلى مسألة ربهما التوبة؟ قيل: إنه ليس أحد من خلق الله إلا وله من العمل فيما بينه وبين ربه ما يجب عليه الإنابة منه والتوبة. فجائز أن يكون ما كان من قبلهما ما قالا من ذلك، وإنما خصا به الحال التي كانا عليها من رفع قواعد البيت؛ لأن ذلك كان أحرى الأماكن أن يستجيب الله فيها دعاءهما، وليجعلا ما فعلا من ذلك سنة يقتدى بها بعدهما، وتتخذ الناس تلك البقعة بعدهما موضع تنصل من الذنوب إلى الله»90.
وقال السعدي رحمه الله: «ولما كان العبد -مهما كان- لابد أن يعتريه التقصير، ويحتاج إلى التوبة قالا: (ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ)»91.
٤. توبة موسى عليه السلام.
أخبر الله سبحانه وتعالى أنه تاب على موسى عليه السلام من مسألته الرؤية في هذه الحياة الدنيا.
قال تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ)[الأعراف: ١٤٣].
أي: من أن أسألك الرؤية في الدنيا وأنت لا تبيحها92، أو إني تبت إليك من سؤال الرؤية بغير إذنك، وأنا أول المؤمنين بأنك لا ترى في الدنيا، أو يقال: وأنا أول المؤمنين بأنه لا يجوز السؤال منك الا بإذنك93.
قال ابن عاشور رحمه الله: «ولا نشك في أنه سأل رؤية تليق بذات الله تعالى، وهي مثل الرؤية الموعود بها في الآخرة، فكان موسى عليه السلام يحسب أن مثلها ممكن في الدنيا، حتى أعلمه الله بأن ذلك غير واقع في الدنيا، ولا يمتنع على نبي عدم العلم بتفاصيل الشؤون الإلهية قبل أن يعلّمها الله إياه؛ ولذلك كان أئمة أهل السنة محقين في الاستدلال بسؤال موسى رؤية الله على إمكانها بكيفية تليق بصفات الإلهية، لا نعلم كنهها، وهو معنى قولهم: «بلا كيف»، وكان المعتزلة غير محقين في استدلالهم بذلك على استحالتها بكل صفة»94.
٥. توبة داود عليه السلام.
ذكر الله تعالى نبأ خصمين اختصما عند داود في قضية جعلها الله فتنة له، وموعظة لخلل ارتكبه، فتاب الله عليه، وغفر له، وقيّض له هذه القضية، فقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ)[ص: ٢١-٢٥].
فسأل داود ربه غفران ذنبه، وخرّ ساجدًا لله، ورجع إلى رضا ربه، وتاب من خطيئته95، وهذا الذنب الذي صدر من داود عليه السلام، لم يذكره الله لعدم الحاجة إلى ذكره، فالتعرض له من باب التكلف، وإنما الفائدة ما قصه الله علينا من لطفه به وتوبته وإنابته، وأنه ارتفع محله، فكان بعد التوبة أحسن منه قبلها96.
٦. توبة يونس عليه السلام.
قال تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [الأنبياء: ٨٧ -٨٨].
أي: واذكر عبدنا ورسولنا ذا النون وهو: يونس، أي: صاحب النون، وهو الحوت، بالذكر الجميل، والثناء الحسن، فإن الله تعالى أرسله إلى قومه، فدعاهم، فلم يؤمنوا، فوعدهم بنزول العذاب بأمد سمّاه لهم، فجاءهم العذاب ورأوه عيانًا، فعجّوا إلى الله، وضجّوا وتابوا، فرفع الله عنهم العذاب، كما قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [يونس: ٩٨].
وقال: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ)[الصافات١٤٧-١٤٨].
وهذه الأمة العظيمة، الذين آمنوا بدعوة يونس من أكبر فضائله، ولكنه عليه الصلاة والسلام، ذهب مغاضبًا، وأبق عن ربه لذنب من الذنوب، التي لم يذكرها الله لنا في كتابه، ولا حاجة لنا إلى تعيينها؛ لقوله: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ)[الصافات: ١٤٠].
(ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ)[الصافات: ١٤٢].
أي: فاعل ما يلام عليه، وظن أن الله لا يضيّق عليه في بطن الحوت، فركب في السفينة مع أناس، فاقترعوا، من يلقون منهم في البحر؟ لما خافوا الغرق إن بقوا كلهم، فأصابت القرعة يونس، فالتقمه الحوت، وذهب به إلى ظلمات البحار، فنادى في تلك الظلمات: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) فأقرّ لله تعالى بكمال الألوهية، ونزّهه عن كل نقص، وعيب وآفة، واعترف بظلم نفسه وجنايته، (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) أي الشدة التي وقع فيها (ﮬ ﮭ ﮮ) وهذا وعد وبشارة لكل مؤمن وقع في شدة وغم أن الله تعالى سينجيه منها، ويكشف عنه ويخفف لإيمانه كما فعل بـيونس عليه السلام97.
ثانيًا: التوبة على الثلاثة الذين خلّفوا:
أخبر سبحانه وتعالى عن توبته على الثلاثة الذين خلّفوا من الأنصار، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ)[التوبة: ١١٨].
يخبر سبحانه وتعالى عن الثلاثة الذين خلّفوا عن غزوة تبوك -وهم كعب بن مالك، وهلال بن أميّة، ومرارة بن الربيع- حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بسعتها غمًا وندمًا على تخلفهم عن الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وضاقت عليهم أنفسهم بما نالهم من الوجد والكرب بذلك، وأيقنوا بقلوبهم أن لا شيء لهم يلجئون إليه مما نزل بهم من أمر الله من البلاء بتخلفهم خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم ينجّيهم من كربه، ولا مما يحذرون من عذاب الله إلا الله. ثم رزقهم الإنابة إلى طاعته، والرجوع إلى ما يرضيه عنهم؛ لينيبوا إليه ويرجعوا إلى طاعته والانتهاء إلى أمره ونهيه، إن الله هو الوهاب لعباده الإنابة إلى طاعته، الموفّق من أحب توفيقه منهم لما يرضيه عنه، الرحيم بهم أن يعاقبهم بعد التوبة، أو يخذل من أراد منهم التوبة والإنابة ولا يتوب عليه98.
قوله: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) لما كان هذا القول في تعديد نعمه بدأ في ترتيبه بالجهة التي هي عن الله عز وجل ؛ ليكون ذلك منبّهًا على تلقي النعمة من عنده لا رب غيره، ولو كان القول في تعديد ذنب لكان الابتداء بالجهة التي هي عن المذنب، كما قال الله تعالى: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ)[الصف: ٥]؛ ليكون هذا أشد تقريرًا للذنب عليهم، وهذا من فصاحة القرآن وبديع نظمه ومعجز اتساقه.. وإنما عظم ذنبهم واستحقوا عليه ذلك؛ لأن الشرع يطلبهم من الجد فيه بحسب منازلهم منه وتقدّمهم فيه؛ إذ هم أسوة وحجة للمنافقين والطاعنين، إذ كان كعب من أهل العقبة وصاحباه من أهل بدر. وفي هذا ما يقتضي أن الرجل العالم والمقتدى به أقل عذرًا في السقوط من سواه99.
وفي الآية: دليل على أن توبة الله على عبده بحسب ندمه وأسفه الشديد.
وقد ذكر البخاري في صحيحه حديث كعب بن مالك وهو أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم، عن عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن كعب بن مالكٍ عن أبيه قال: سمعت أبي كعب بن مالكٍ وهو أحد الثّلاثة الّذين تيب عليهم أنّه لم يتخلّف عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في غزوةٍ غزاها قطّ غير غزوتين، غزوة العسرة، وغزوة بدرٍ، قال: فأجمعت صدقي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ضحًى، وكان قلّما يقدم من سفرٍ سافره إلّا ضحًى، وكان يبدأ بالمسجد فيركع ركعتين، ونهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن كلامي وكلام صاحبيّ، ولم ينه عن كلام أحدٍ من المتخلّفين غيرنا، فاجتنب النّاس كلامنا، فلبثت كذلك حتّى طال عليّ الأمر، وما من شيءٍ أهمّ إليّ من أن أموت فلا يصلّي عليّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم، أو يموت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فأكون من النّاس بتلك المنزلة، فلا يكلّمني أحدٌ منهم ولا يصلّي ولا يسلّم عليّ، فأنزل اللّه توبتنا على نبيّه صلى الله عليه وسلم حين بقي الثّلث الآخر من اللّيل، ورسول اللّه صلى الله عليه وسلم عند أمّ سلمة، وكانت أمّ سلمة محسنةً في شأني معنيّةً في أمري، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: (يا أمّ سلمة، تيب على كعبٍ). قالت: أفلا أرسل إليه فأبشّره، قال: (إذًا يحطمكم النّاس فيمنعونكم النّوم سائر اللّيلة). حتّى إذا صلّى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر آذن بتوبة اللّه علينا وكان إذا استبشر استنار وجهه حتّى كأنّه قطعةٌ من القمر، وكنّا أيّها الثّلاثة الّذين خلّفوا عن الأمر الّذي قبل من هؤلاء الّذين اعتذروا حين أنزل اللّه لنا التّوبة، فلمّا ذكر الّذين كذبوا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من المتخلّفين واعتذروا بالباطل ذكروا بشرّ ما ذكر به أحدٌ، قال اللّه سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ)100.
ثالثًا: توبة حفصة وعائشة رضي الله عنهما:
أخبر سبحانه وتعالى عن حفصة وعائشة رضي الله عنهما أنه وجد منهما ما يوجب التوبة حيث مالت قلوبهما إلى محبة ما كرهه رسول الله صلى الله عليه وسلم، من إفشاء سرّه.
قال تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ)[التحريم: ٣-٤].
«يقول تعالى ذكره: إن تتوبا إلى الله أيتها المرأتان فقد مالت قلوبكما إلى محبة ما كرهه رسول الله صلى الله عليه وسلم من اجتنابه جاريته، وتحريمها على نفسه، أو تحريم ما كان له حلالًا مما حرمه على نفسه بسبب حفصة»101.
فلما سمعن -رضي الله عنهن- هذا التخويف والتأديب، بادرن إلى رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الأسلوب القرآني في الحث على التوبة
تنوعت أساليب القرآن في الحث على التوبة على النحو الآتي:
أولًا: أسلوب الطلب:
قال تعالى على لسان إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام في طلبهما التوبة من الله تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ)[البقرة: ١٢٨].
قوله تعالى: (ﭬ ﭭ) استتابة لذريتهما وحكايتها عنهما لترغيب الكفرة في التوبة والإيمان، أو توبةٌ لهما عما فرط منهما سهوًا، قالاه هضمًا لأنفسهما وإرشادًا لذريتهما، (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) وهو تعليلٌ للدعاء، ومزيد استدعاء للإجابة، قيل: إذا أراد العبد أن يستجاب له فليدع الله عز وجل بما يناسبه من أسمائه وصفاته102.
ففي هذا الدعاء إرشاد للمؤمنين للاقتداء بإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام في طلب التوبة من الله تعالى.
ثانيًا: أسلوب الأمر:
قال تعالى آمرًا عباده بالتوبة مما يقع منهم من تقصير: (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ)[النور: ٣١].
أي: وارجعوا أيها المؤمنون إلى طاعة الله فيما أمركم ونهاكم، من غضّ البصر، وحفظ الفرج، وترك دخول بيوت غير بيوتكم من غير استئذان ولا تسليم، وغير ذلك من أمره ونهيه103.
قوله تعالى: (ﯻ) أمر. ولا خلاف بين المسلمين في وجوبها، وأنها فرض من فرائض الدين104.
وهو دعوة للمؤمنين والمؤمنات إلى التوبة إلى الله، والرجوع إليه من قريب؛ حيث إن الإنسان في هذه المواقف معرّض للزلل والعثار، من خطرات نفسه، أو نظرات عينه، أو فحش لسانه، إلى غير هذا مما لا يكاد يسلم منه أحد، وليس لهذا من دواء إلا التوبة إلى الله من كل زلّة أو عثرة.. فإن هذه التوبة هي التي تصحّح للمؤمن إيمانه، وتبقي على ما في قلبه من جلال وخشية لله رب العالمين105.
وفي الآية: أمر بالتوبة مطلقًا من كل شيء صغير وكبير.
وأمر الله المؤمنين بالتوبة النصوح، ووعد عليها بتكفير السيئات، ودخول الجنات، والفوز والفلاح.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ)[التحريم: ٨].
أمر بالتوبة، وهي فرض على الأعيان في كل الأحوال وكل الأزمان106.
قال العلماء: التوبة النصوح هي: أن يقلع عن الذنب في الحاضر، ويندم على ما سلف منه في الماضي، ويعزم على أن لا يفعل في المستقبل، ثم إن كان الحق لآدمي رده إليه بطريقه107.
وكان من أساليب الرسل في دعوة أقوامهم أمرهم بالتوبة: قال موسى عليه السلام لقومه: (ﮘ ﮙ ﮚ) [البقرة: ٥٤]. أي: خالقكم.
وقال هود عليه السلام آمرًا قومه بالتوبة: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ)[هود: ٣].
وقال: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [هود: ٥٢].
وقال صالح عليه السلام آمرًا قومه بالتوبة: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) [هود: ٦١].
وقال تعالى: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [المائدة: ٧٤].
قال الفراء: «هذا أمر في لفظ الاستفهام»108.
ثالثًا: أسلوب الترغيب والترهيب:
قال تعالى في سياق الحديث عن المنافقين مرغّبًا لهم في التوبة، ومرهّبًا لهم إن أعرضوا عنها كعادة القرآن في ذكر الترهيب بعد الترغيب والعكس: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [التوبة: ٧٤].
هو تنبيه لهؤلاء الضالّين، وإشارة مضيئة تطلع في ليلهم المطبق عليهم؛ رجاء أن يتوبوا إلى الله، ويستقيموا على طريق الحقّ، فإن فعلوا رشدوا وأمنوا، وإن أبوا، ضلوا وهلكوا، وأخذهم الله بالعذاب الأليم في الدنيا، بما يصيبهم على يد المؤمنين من خزى وبلاء، وبعذاب السعير في الآخرة، حيث لا ولىّ لهم، ولا نصير، يردّ عنهم بأس الله الواقع بهم109.
رابعًا: الأسلوب الخبري:
أخبر سبحانه وتعالى أنه يتوب على عباده كما قال تعالى: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [آل عمران: ١٢٨].
وقال تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [النساء: ٢٦].
(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ)[النساء: ٢٧].
وقال تعالى: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [الأحزاب: ٧٣].
وإظهار اسم الجلالة في قوله: (ﯹ ﯺ) وكان الظاهر إضماره؛ لزيادة العناية بتلك التوبة؛ لما في الإظهار في مقام الإضمار من العناية110.
ومن أمثلة الأسلوب الخبر: الإخبار عن محبة الله للتائبين.
فقد أخبر الله سبحانه وتعالى أنه يحب من يرجع إليه تائبًا من ذنوبه، وهذا من لطفه بعباده، وحثًّا للاقتداء بهم.
قال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ)[البقرة: ٢٢٢].
أي: من ذنوبهم على الدوام111.
فهي دعوة إلى التزام الطريق القويم لمن كان قد انحرف عنه، وأتى المرأة من غير المأتى الطبيعي لها، فباب التوبة مفتوح لمن أناب إلى الله والتزم حدوده، فالتوبة تغسل الحوبة.. وليس مصيبة الإنسان في أن يخطيء ويزل، فالإنسان بحكم أنه بشرٌ عرضة للخطأ والزلل، ولكن المصيبة ألّا يتأثّم من الإثم، ولا يتحرج من الانحراف، فيقيم على إثمه، ويصر على انحرافه، وليس يستنقذ الإنسان من أن يحيط به ذنبه إلّا أن يرجع إلى الله من قريب، وأن يلقاه نادمًا تائبًا، هنالك يجد من ربه رحمة ومغفرة، ورضى ورضوانًا112.
وقد روى مسلم بسنده عن أبى هريرة قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم (للّه أشدّ فرحًا بتوبة أحدكم من أحدكم بضالّته إذا وجدها)113.
ومن أمثلة الأسلوب الخبري: الثناء على التائبين.
فأخبر الله سبحانه وتعالى أن من صفات المؤمنين الذين لهم البشارة بدخول الجنة أنهم الراجعون عما كرهه الله إلى ما يحبه ويرضاه؛ وذلك حثًّا لعباده على الاقتداء بهم.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ)[التوبة: ١١٢].
التائبون: هم الراجعون عن الحالة المذمومة في معصية الله إلى الحالة المحمودة في طاعة الله، والتائب هو الراجع. والراجع إلى الطاعة هو أفضل من الراجع عن المعصية لجمعه بين الأمرين114. «والتوبة شعور بالندم على ما مضى، وتوجّهٌ إلى الله فيما بقي، وكفٌّ عن الذنب، وعمل صالح يحقق التوبة بالفعل كما يحققها بالترك. فهي طهارة وزكاة، وتوجّهٌ، وصلاح»115.
وفي سياق تهديد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم بالطلاق وإبداله خيرًا منهن من النساء اللاتي من صفاتهن أنهن راجعات إلى ما يحبه الله من طاعته، حثًّا للمؤمنات على الاقتداء بهن في الخيرية، قال تعالى: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ا)[التحريم: ٥].
والتوبة هي الندم على ما وقع من معصية، والاتجاه إلى الطاعة116.
ثمرات التوبة وعاقبة الإعراض عنها
للتوبة إلى الله ثمرات، وللمعرضين عنها عاقبة، نتناولهما فيما يلي:
أولًا: ثمرات التوبة:
ذكر القرآن ثمرات للتوبة؛ لحض العباد على المسارعة إليها، منها:
١. الفلاح في الدنيا والآخرة.
علّق الله سبحانه وتعالى الفلاح على التوبة، فقال: (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [النور:٣١] فمن سبل الفلاح التوبة، وهي الرجوع مما يكرهه الله، ظاهرًا وباطنًا، إلى ما يحبه ظاهرًا وباطنًا، ودل هذا أن كل مؤمن محتاج إلى التوبة؛ لأن الله خاطب المؤمنين جميعًا، وفيه الحث على الإخلاص بالتوبة في قوله: (ﯻ ﯼ ﯽ) أي: لا لمقصد غير وجهه، من سلامة من آفات الدنيا، أو رياء وسمعة، أو نحو ذلك من المقاصد الفاسدة117.
٢. دعاء حملة العرش للتائبين.
ذكر سبحانه وتعالى دعاء الذين يحملون عرش الرحمن من الملائكة ومن حول العرش ممن يحف به منهم، بالمغفرة للذين تابوا من الشرك والمعاصي.
قال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ)[غافر: ٧].
أي: فاصفح عن المسيئين إذا تابوا وأنابوا، وأقلعوا عما كانوا فيه، واتبعوا ما أمرتهم به من فعل الخيرات وترك المنكرات118.
٣. المتاع الحسن.
ذكر الله سبحانه وتعالى أن هودًا عليه السلام دعا قومه أن يسألوا الله أن يغفر لهم ذنوبهم، ثم يرجعوا إليه نادمين يمتعّهم في دنياهم متاعًا حسنًا بالحياة الطيبة فيها، إلى أن يحين أجلهم.
قال تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ)[هود: ٣].
أي: استغفروا ربكم، ثم توبوا إليه، فإنكم إذا فعلتم ذلك بسط عليكم من الدنيا، ورزقكم من زينتها، وأنسأ لكم في آجالكم إلى الوقت الذي قضى فيه عليكم الموت119.
وهذه القاعدة التي يقررها القرآن في مواضع متفرقة، قاعدة صحيحة تقوم على أسبابها من وعد الله، ومن سنة الحياة، كما أن الواقع العملي يشهد بتحققها على مدار القرون. والحديث في هذه القاعدة عن الأمم لا عن الأفراد. وما من أمة قام فيها شرع الله، واتجهت اتجاهًا حقيقيًا لله بالعمل الصالح والاستغفار المنبيء عن خشية الله، ما من أمة اتقت الله وعبدته وأقامت شريعته، فحققت العدل والأمن للناس جميعًا، إلا فاضت فيها الخيرات، ومكّن الله لها في الأرض، واستخلفها فيها بالعمران وبالصلاح سواء120.
ووصف المتاع «بالحسن» إنما هو لطيب عيش المؤمن برجائه في الله عز وجل وفي ثوابه وفرحه بالتقرب إليه بمفترضاته والسرور بمواعيده121. وفي الآية دلالة على أن ثمرة الاستغفار والتوبة سعة الرزق ورغد العيش.
٤. إبدال السيئات حسنات.
ذكر الله سبحانه وتعالى أن من تاب من الذنوب توبة نصوحًا وآمن إيمانًا جازمًا مقرونًا بالعمل الصالح، فأولئك يمحو الله عنهم سيئاتهم ويجعل مكانها حسنات؛ بسبب توبتهم وندمهم.
قال تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الفرقان:٧٠].
أي: تتبدل أفعالهم وأقوالهم السيئة تتبدل حسنات، فيتبدل شركهم إيمانًا، ومعصيتهم طاعة، وتتبدل نفس السيئات التي عملوها ثم أحدثوا عن كل ذنب منها توبة وإنابة وطاعة تبدّل حسنات122، وهو فيض من عطاء الله لا مقابل له من عمل العبد إلا أنه اهتدى ورجع عن الضلال، وثاب إلى حمى الله، ولاذ به بعد الشرود والمتاهة123.
وفي الآية دلالة على أن باب التوبة دائمًا مفتوح، يدخل منه كل من استيقظ ضميره، وأراد العودة والمآب، لا يصد عنه قاصد، ولا يغلق في وجه لاجئ، أيًا كان، وأيًا ما ارتكب من الآثام.
وقد روى مسلم بسنده عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم (إنّي لأعرف آخر أهل النّار خروجًا من النّار، وآخر أهل الجنّة دخولًا إلى الجنّة، يؤتى برجلٍ فيقول: نحّوا كبار ذنوبه، وسلوه عن صغارها، قال: فيقال له: عملت يوم كذا، كذا وكذا، وعملت يوم كذا، كذا وكذا، فيقول: نعم لا يستطيع أن ينكر من ذلك شيئًا، فيقال: فإنّ لك بكلّ سيّئةٍ حسنةً، فيقول: يا ربّ عملت أشياء لا أراها هاهنا) قال: فضحك رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه124.
٥. الإمداد بالمطر وقت الحاجة إليه.
أخبر سبحانه وتعالى أن هودًا عليه السلام قال لقومه: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [هود: ٥٢].
يقول سبحانه: «فإنكم إن آمنتم بالله، وتبتم من كفركم به، أرسل قطر السماء عليكم، يدرّ لكم الغيث في وقت حاجتكم إليه، وتحيا بلادكم من الجدب والقحط، ورزقكم المال والولد»125.
قيل: إنهم «كانوا أصحاب زروع وبساتين، وعمارات، حراصًا عليها أشد الحرص، فكانوا أحوج شيء إلى الماء، وكانوا مدلين بما أوتوا من هذه القوة والبطش والبأس، مهيئين في كل ناحية»126.
في الآية دلالة على أن من ثمرة التوبة حياة البلاد من الجدب والقحط، وحياة العباد بزيادة الأموال والأولاد.
ثانيًا: عاقبة المعرضين عن التوبة:
ذكر القرآن الكريم عاقبة المعرضين عن التوبة، والتي منها:
١. عذاب جهنم.
عرض الله سبحانه وتعالى على من قتل أولياءه التوبة، وهدّدهم إن لم يتوبوا بالعذاب الشديد، فقال: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ)[البروج:١٠].
أي: ثم لم يتوبوا، أي لم يقلعوا عما فعلوا، ويندموا على ما أسلفوا، (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) وذلك أن الجزاء من جنس العمل، قال الحسن رحمه الله: انظروا إلى هذا الكرم والجود، هم قتلوا أولياءه وأهل طاعته، وهو يدعوهم إلى التوبة والمغفرة127.
وفي الآية تعريض للمشركين بأنهم إن تابوا وآمنوا سلموا من عذاب جهنم128.
٢. استحقاق العقاب.
وأخبر سبحانه وتعالى أن على العبد أن يتوب إلى الله تعالى، ويخرج من حق أخيه المسلم، باستحلاله، والاستغفار، والمدح له مقابل ذمه، وإلا أصبح ظالمًا لنفسه مستحقًا لعقاب الله.
قال تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ)[الحجرات: ١١].
قوله تعالى: (ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ)، «يقول تعالى ذكره: ومن لم يتب من نبزه أخاه بما نهى الله عن نبزه به من الألقاب، أو لمزه إياه، أو سخريته منه، فأولئك هم الذين ظلموا أنفسهم، فأكسبوها عقاب الله بركوبهم ما نهاهم عنه»129.
وإذا كان كل من السخرية واللمز والتنابز معاصٍ فقد وجبت التوبة منها، فمن لم يتب فهو ظالم؛ لأنه ظلم الناس بالاعتداء عليهم، وظلم نفسه بأن رضي لها عقاب الآخرة مع التمكن من الإقلاع عن ذلك، فكان ظلمه شديدًا جدًّا. فلذلك جيء له بصيغة قصر الظالمين عليهم، كأنه لا ظالم غيرهم؛ لعدم الاعتداد بالظالمين الآخرين في مقابلة هؤلاء على سبيل المبالغة ليزدجروا. والتوبة واجبة من كل ذنب، وهذه الذنوب المذكورة مراتب، وإدمان الصغائر كبيرة130.
٣. العذاب الأليم في الدنيا والآخرة.
دعا الله سبحانه المنافقين الذين أساءوا للرسول صلى الله عليه وسلم وحاولوا الإضرار به وارتدوا عن الإسلام أن يرجعوا إلى الإيمان والتوبة، فإن رجعوا فهو خير لهم، وإن يعرضوا، أو يستمروا على حالهم، يعذّبهم الله العذاب الموجع في الدنيا على أيدي المؤمنين، وفي الآخرة بنار جهنم، قال تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ)[التوبة: ٧٤].
أي: وإن يستمروا على طريقهم (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) أي: بالقتل والهم والغم، ( ﮇ) أي: بالعذاب والنكال والهوان والصغار، (ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) أي: وليس لهم أحد يسعدهم ولا ينجدهم، لا يحصّل لهم خيرًا، ولا يدفع عنهم شرًا131.
وفي الآية دليل على قبول توبة الزنديق المـسرّ الكفر، المظهر للإيمان، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي. وقال مالك: لا تقبل، فإن جاء تائبًا من قبل نفسه قبل أن يعثر عليه قبلت توبته بلا خلاف132.
٤. العذاب الكبير.
دعا هود عليه السلام قومه للرجوع إلى الله نادمين، وهدّدهم إن أعرضوا عمّا يدعوهم إليه فسوف يحل عليهم عذاب كبير، وهو يوم القيامة.
قال تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ)[هود: ٣].
«يقول تعالى ذكره: وإن أعرضوا عما دعوتهم إليه من إخلاص العبادة لله، وترك عبادة الآلهة، وامتنعوا من الاستغفار لله، والتوبة إليه فأدبروا مولين عن ذلك، فإني أيها القوم أخاف عليكم عذاب يوم كبير شأنه، عظيم هوله»133، ووصفه بالكبير لزيادة تهويله134.
موضوعات ذات صلة: |
الاستغفار، الاستقامة، الذنب |
1 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ١/ ٣٥٧.
2 انظر: القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص٦٢.
3 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ١٦٩.
4 انظر: التعريفات، الجرجاني ص ٧٠.
5 جامع البيان، الطبري، ١/ ٥٨٧.
6 المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص ١٥٦- ١٥٨، المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، ص ٣٦٩-٣٧١.
7 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص ٢٣٢.
8 المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ٢/٥٩٠.
9 انظر: التوقيف، المناوي ص ٧٤.
10 الفروق اللغوية، العسكري، ١/ ٢٣٥.
11 المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ٢/٩١١.
12 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٧٩٦.
13 الفروق اللغوية، العسكري، ١/ ٢٣٥.
14 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٥/٣٢٧٤.
15 انظر: جامع البيان، الطبري ٣/١٨٥، روح المعاني، الألوسي ١١/٢٠٧.
16 مدارج السالكين ١/٣٠٨.
17 المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ١/٥١٢.
18 الدر المصون، السمين الحلبي ٣/ ٦٢٤.
19 عدة الصابرين، ابن القيم ص ١٧.
20 مدارج السالكين، ابن القيم، ١/ ٣٤٥
21 تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن، السعدي ٢/ ٣٦٤.
22 جامع البيان، الطبري، ١/ ٥٨٧
23 اشتقاق أسماء الله، ص ٦٢.
24 الكافية الشافية، ابن القيم ص٢٠٩.
25 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٩٤٦.
26 المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، ص٣٧٠.
27 جامع البيان، الطبري، ١٢/ ٥٤.
28 تيسير الكريم الرحمن، ص ٣٥٤.
29 التفسير القرآني للقرآن، عبدالكريم الخطيب ٩/ ١٢٢٦.
30 التحرير والتنوير، ١٨/ ١٣٥.
31 جامع البيان، الطبري، ١٢/ ٤٤٤.
32 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ١٨/ ٣٦٣.
33 جامع البيان، الطبري، ١٢/ ٤٥٣.
34 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٤/ ٢٩٧.
35 جامع البيان، الطبري، ١٠/ ٤٦٥.
36 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٣٢٩.
37 جامع البيان، الطبري، ١١/ ٣٤٠.
38 في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/ ١٥٩٩.
39 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٢١١.
40 في ظلال القرآن، سيد قطب ٢/ ٧٨٥.
41 جامع البيان، ، ١١/ ٥٧٢.
42 المصدر السابق ١١/ ٥٧٥.
43 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الهجرة والحجّ،١/ ٣٠٥، رقم١٧٤.
44 تفسير المراغي، ١٩/ ٤٠.
45 جامع البيان، ٧/ ٣٠٨.
46 المصدر السابق ٧/ ٣١٠.
47 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١٩٢.
48 انظر: جامع البيان، الطبري، ٦/ ٥٠٧.
49 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ١/ ٦٠٤.
50 المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/ ٢٤.
51 البحر المحيط، أبو حيان ٣/ ٥٦٠
52 فتح القدير، الشوكاني، ١/ ٥٠٥.
53 تفسير آيات الأحكام، السايس، ص١٨٠.
54 التفسير القيم، ابن القيم، ص١٧٥.
55 جامع البيان، الطبري، ٨/ ٤١١.
56 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/ ١٩٠.
57 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٣/ ١٠٠.
58 البحر المحيط، أبو حيان ٤/ ٢٥٦.
59 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ١/ ٣٠٢.
60 المحرر الوجيز، ٣/ ٩٢.
61 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ١/ ٣٠٢.
62 تفسير المراغي، ٢/ ٢٨.
63 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ١/ ٣٤٣.
64 التحرير والتنوير، ٢/ ٧٢.
65 المصدر السابق ٢٤/ ٨٠.
66 جامع البيان، الطبري، ٢٠/ ٥٠٦.
67 التفسير القرآني للقرآن، عبدالكريم الخطيب، ٦/٨٩٠.
68 البيت من معلقته المشهورة.
انظر: ديوان عمرو بن كلثوم ص ٧٨.
69 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٤/ ٢٧٨.
70 المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/ ٢٤.
71 مدارج السالكين، ابن القيم ١/ ٢٩٥.
72 أخرجه الترمذي في سننه، كتاب الدّعوات، باب إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر، رقم ٣٥٣٧.
وحسنه الألباني في صحيح الجامع، رقم ١٩٠٣.
73 المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/٢٥.
74 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٥/ ٩١.
75 جامع البيان، الطبري، ٦/ ٥١٦.
76 مفتاح دار السعادة، ابن القيم ١/ ٢٨٣.
77 في ظلال القرآن، سيد قطب ١/ ٦٠٤
78 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٢٨١.
79 المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/ ٣٦٧.
80 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، سورة الأنعام، باب لا ينفع نفس إيمانها، ١٤/ ١٧٤، رقم ٤٢٦٩.
81 مفاتيح الغيب، الرازي، ١٠/٨.
82 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص١٧١.
83 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٤/ ٢٨٠.
84 إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ١/ ٩٢.
85 حجة القراءات، ابن زنجلة ص٩٤- ٩٥.
86 المحرر الوجيز، ابن عطية ١/ ١٣١.
87 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١/ ٤٣٩.
88 جامع البيان، الطبري، ١٢/ ٤٣٧.
89 تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٣٨٢.
90 جامع البيان، الطبري، ٢/ ٥٧٢.
91 تيسير الكريم الرحمن، ص٦٦.
92 المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/ ٤٥٢.
93 مفاتيح الغيب، الرازي، ١٤/ ٣٥٩.
94 التحرير والتنوير، ٩/ ٩١.
95 جامع البيان، الطبري، ٢٠/ ٦٤.
96 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٧١١.
97 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥٢٩.
98 جامع البيان، الطبري، ١٢/ ٥٤.
99 المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/ ٩٤.
100 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، سورة براءة، ١٤/ ٢٤٨، رقم ٤٣٠٩.
101 جامع البيان، الطبري، ٢٣/ ٩٣.
102 إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ١/ ١٦١.
103 جامع البيان، الطبري، ١٧/ ٢٧٣.
104 فتح القدير، الشوكاني، ٤/ ٣٠.
105 التفسير القرآني للقرآن، عبدالكريم الخطيب ٩/ ١٢٦٩.
106 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٨/ ١٩٧.
107 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٨/ ١٩٠.
108 مفاتيح الغيب، الرازي، ١٢/ ٤٠٩.
109 التفسير القرآني للقرآن، عبدالكريم الخطيب ٥/ ٨٤٨.
110 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٢/ ١٣٢.
111 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١٠٠.
112 التفسير القرآني للقرآن، عبدالكريم الخطيب ١/ ٢٥٤.
113 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب التّوبة، باب في الحضّ على التّوبة والفرح بها، ٤/٢١٠٢، رقم ٢٦٧٥.
114 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٨/ ٢٦٩.
115 في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/ ١٧١٩.
116 المصدر السابق، ٦/ ٣٦١٦.
117 تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٥٦٦.
118 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٧/ ١١٩.
119 جامع البيان، الطبري، ١٢/ ٣١٣.
120 في ظلال القرآن، سيد قطب، ٦/ ٣٧١٣.
121 المحرر الوجيز، ابن عطية، ٣/ ١٤٩.
122 تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٥٨٧.
123 في ظلال القرآن، سيد قطب، ٥/ ٢٥٧٩.
124 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان باب، ما أدنى أهل الجنة منزلة، رقم ٣٠٨.
125 جامع البيان، الطبري، ١٢/ ٤٤٤.
126 البحر المحيط، أبو حيان ٦/ ١٦٦.
127 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٨/ ٣٦٥.
128 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣٠/ ٢٤٦.
129 جامع البيان، الطبري، ٢١/ ٣٧٣.
130 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٢٦/ ٢٥٠.
131 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٤/ ١٦١.
132 البحر المحيط، أبو حيان، ٥/ ٤٦٦.
133 جامع البيان، الطبري، ١٢/ ٣١٥.
134 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ١١/ ٣١٩.