عناصر الموضوع
التقوى
أولًا: المعنى اللغوي:
قال ابن فارس: «وقي: الواو والقاف والياء: كلمة واحدة تدل على دفع شيء بغيره، والوقاية: ما يقي الشيء. واتق الله: توقه»1. وقال ابن منظور: «وقي: وقاه الله وقيًا ووقاية وواقية: صانه.. ووقيت الشيء: أقيه إذا صنته وسترته عن الأذى.. وتوقى واتقى بمعنًى، وقد توقيت واتقيت الشيء وتقيته أتقيه تقًى وتقية وتقاء: حذرته. والاسم: التقوى، التاء بدل من الواو، والواو بدل من الياء»2. وقال القرطبي: «والأصل في التقوى: وقوى، على وزن فعلى، فقلبت الواو تاء من وقيته أقيه أي: منعته، ورجل تقي، أي: خائف، أصله: وقى، وكذلك: تقاة كانت في الأصل وقاة»3.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
عرف ابن كثير التقوى فقال: «التقوى: اسم جامع لفعل الطاعات وترك المنكرات»4.
ويقول ابن رجب الحنبلي: «وأصل التقوى أن يجعل العبد بينه وبين ما يخشاه من ربه من غضبه وسخطه وعقابه وقايةً تقيه من ذلك، وهو فعل طاعته واجتناب معاصيه»5.
قال البيضاوي: «والوقاية: فرط الصيانة، وهو في عرف الشرع: اسم لمن يقي نفسه مما يضره في الآخرة»6.
قال أبو حيان في تعريف المتقي: «والمتقي في الشريعة هو الذي يقي نفسه أن يتعاطى ما توعد عليه بعقوبة من فعل أو ترك»7.
فالتقوى في الاصطلاح: هي عبارة عن اجتناب ما نهى الله عنه، ويدخل فيه أداء ما فرضه الله على المسلم من الطاعات والواجبات.
ورد الجذر (و ق ي) في القرآن (٢٥٨) مرة، يخص موضوع البحث منها(٢٣٩) مرة 8.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
٢٧ |
(ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [البقرة:٢١٢] |
الفعل المضارع |
٥٧ |
( ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [النساء:٧٧] |
الفعل الأمر |
٨٢ |
(ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [البقرة:٢٠٦] |
المصدر |
١٧ |
( ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [البقرة:١٩٧] |
اسم الفاعل |
٤٩ |
(ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [البقرة:١٩٤] |
اسم |
٢ |
(ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [آل عمران:٢٨] |
صفة مشبهة |
٣ |
(ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [مريم:١٣] |
اسم تفضيل |
٢ |
(ﭚ ﭛ ﭜ) [الليل:١٧] |
وجاءت التقوى في القرآن بمعناها في اللغة، وهي: من الوقاية التي تعني: حفظ الشيء مما يؤذيه ويضره9.
الإيمان:
الإيمان لغة:
الإيمان في اللغة يراد به معنيان، يظهر معناهما بحسب السياق، وهما: الأمن وضده الخوف، والتصديق وضده التكذيب، والمعنيان متداخلان10.
ويرى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى معنى لغويًا آخر للإيمان؛ وهو أن يكون الإيمان بمعنى الإقرار؛ فيقول فيه: ومعلوم أن الإيمان هو الإقرار؛ لا مجرد التصديق، والإقرار ضمن قول القلب الذي هو التصديق، وعمل القلب الذي هو الانقياد 11.
الإيمان اصطلاحًا:
التصديق الجازم، والاعتراف التام بجميع ما أخبر الله ورسوله عنه في القرآن والسنة، وأمر بالإيمان به؛ والانقياد له ظاهرًا وباطنًا12.
الصلة بين الإيمان والتقوى:
الإيمان هو التصديق بكل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، والتقوى هي العمل بمقتضى هذا التصديق، فالتقوى مترتبة على الإيمان، والإيمان سبب لها.
الخشية:
الخشية لغة:
قال ابن فارس: «الخاء والشين والحرف المعتل يدل على خوفٍ وذعرٍ»13.
الخشية اصطلاحًا:
وعرف الأصفهاني الخشية بأنها: «خوف يشوبه تعظيم، وأكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى منه، ولذلك خص العلماء بها في قوله: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [فاطر: ٢٨]»14.
وعرفها الجرجاني بأنها: «تألم القلب بسبب توقع مكروه في المستقبل، يكون تارة بكثرة الجناية من العبد، وتارة بمعرفة جلال الله وهيبته، وخشية الأنبياء من هذا القبيل»15.
الصلة بين الخشية و التقوى:
إن في الاتقاء معنى الاحتراس مما يخاف، وليس ذلك في الخشية16، فالخشية مقترنة بالعلم، ففيها زيادة العلم والمعرفة بالمعبود سبحانه وتعالى فهي خوف مع تعظيم.
تنوعت أساليب القرآن الكريم في الأمر بالتقوى والحض عليها، فورد الأمر بالتقوى للناس أفرادًا وجماعات: مؤمنين وغير مؤمنين، كما وردت على لسان كثير من الأنبياء والأولياء، مما يشير للأهمية الكبيرة للتقوى.
١. النبي عليه السلام.
فقد أمر الله سبحانه نبيه بالتقوى فقال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [الأحزاب: ١].
قال البيضاوي: «ناداه بالنبي وأمره بالتقوى؛ تعظيمًا له وتفخيمًا لشأن التقوى. والمراد: الأمر بالثبات عليه؛ ليكون مانعًا له عما نهي عنه بقوله: (ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) فيما يعود بوهن في الدين»17.
وقال ابن الجوزي: «فإن قيل: ما الفائدة في أمر الله تعالى رسوله بالتقوى، وهو سيد المتقين؟ فعنه ثلاثة أجوبة: أحدها: أن المراد بذلك استدامة ما هو عليه. والثاني: الإكثار مما هو فيه. والثالث: أنه خطاب ووجه به، والمراد: أمته»18.
٢. الصحابة.
من الآيات قوله تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [آل عمران: ١٢٣].
فقد أمرهم الله سبحانه بالتقوى عسى أن تكون شكرًا للنعمة على نصره العظيم وقد كانوا قلة. قال ابن عطية: «أمر تعالى المؤمنين بالتقوى ورجاهم بالإنعام الذي يوجب الشكر. ويحتمل أن يكون المعنى: اتقوا الله عسى أن تكون تقواكم شكرًا على النعمة في نصرة بدر»19.
٣. أولو الألباب.
أمر الله أولي الألباب بالتقوى في أكثر من موضع في كتابه منها قوله تعالى: (ﭯ ﭰ ﭱ) [البقرة: ١٩٧].
يعني بذلك جل ثناؤه: واتقون يا أهل العقول والأفهام بأداء فرائضي عليكم التي أوجبتها عليكم في حجكم ومناسككم وغير ذلك من ديني الذي شرعته لكم، وخافوا عقابي باجتناب محارمي التي حرمتها عليكم؛ تنجوا بذلك مما تخافون من غضبي عليكم وعقابي، وتدركوا ما تطلبون من الفوز بجناتي. وخص -جل ذكره- الخطاب بأولي الألباب؛ لأنهم أهل التمييز بين الحق والباطل، وأهل الفكر الصحيح والمعرفة بحقائق الأشياء التي بالعقول تدرك وبالألباب تفهم، ولم يجعل لغيرهم من أهل الجهل في الخطاب بذلك حظا؛ إذ كانوا أشباحا كالأنعام، وصورا كالبهائم، بل هم أضل سبيلا من البهائم20.
وقال ابن عطية رحمه الله «وخص (ﯴ ﯵ) بالخطاب وإن كان الأمر يعم الكل؛ لأنهم الذين قامت عليهم حجة الله، وهم قابلو أوامره والناهضون بها، وهذا على أن اللب لب التجارب وجودة النظر، وإن جعلناه لب التكليف فالنداء بـ (ﯴ ﯵ) عام لجميع المكلفين، واللب العقل»21.
٤. المؤمنون.
أكثر آيات الأمر بالتقوى موجهة للمؤمنين؛ لأن فيها جماع الخير كله.
قال تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [المائدة: ٣٥].
وقال: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [آل عمران: ٢٠٠].
والآيات كثيرة في ذلك؛ لأن القرآن الكريم يربط التقوى بالأوامر والنواهي والنصر والتمكين وغيرها، بصور وأشكال وأساليب مختلفة.
٥. أهل الكتاب.
وقد كانت وصية الله سبحانه لأهل الكتاب بالتقوى، قال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [النساء: ١٣١].
٦. جميع الناس.
وكذلك ورد الأمر بالتقوى لجميع الناس.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [النساء: ١].
فقد ورد الأمر بالتقوى في الخطاب لجميع الناس، قال البيضاوي: «(ﭑ ﭒ) خطاب يعم بني آدم... وترتيب الأمر بالتقوى...؛ لما فيها من الدلالة على القدرة القاهرة التي من حقها أن تخشى، والنعمة الباهرة التي توجب طاعة موليها، أو لأن المراد به تمهيد الأمر بالتقوى فيما يتصل بحقوق أهل منزله وبني جنسه، على ما دلت عليه الآيات التي بعدها»22.
أولًا: أسلوب الغيبة أو الخطاب:
وقد تنوعت صيغة الخطاب فاستخدم القرآن الكريم الغيبة والخطاب المباشر في الحديث عن التقوى، وكان أكثر حديث القرآن بلفظ (ﮨ ﮩ) بصيغة الخطاب المباشر المفيد للأمر بالتقوى، والمرتبط بمختلف الأحكام الشرعية وغيرها.
وقد يبتدأ بالأمر بالتقوى أولًا؛ تمهيدًا للدخول في الموضوع، كقوله تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [التوبة: ١١٩].
وقوله تعالى: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [الأنفال: ١].
وقد يأتي الأمر بالتقوى لاحقًا للأمر أو النهي عن أحكام معينة، كقوله تعالى: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [المائدة: ٢].
وهذه الأوامر وردت بصيغة الأمر.
وقد يرد الخطاب بالتقوى بصيغة الفعل المضارع، كقوله تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [آل عمران: ١٧٩].
وقوله تعالى: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [آل عمران: ١٢٠].
وصيغة الفعل المضارع؛ للتجدد والاستمرار.
وقد يضاف الخطاب بنسبته المباشرة إلى الله تعالى، كقوله تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [البقرة: ١٩٧].
وقد خص بالخطاب أولي الألباب، قال البيضاوي: «حثهم على التقوى ثم أمرهم بأن يكون المقصود بها هو الله تعالى فيتبرأ من كل شيء سواه، وهو مقتضى العقل المعرى عن شوائب الهوى، فلذلك خص أولي الألباب بهذا الخطاب»23.
كما أنه سبحانه أضاف الأمر بالتقوى بالخطاب المباشر لذاته؛ لتربية المهابة، وتأكيد الأمر بالتقوى.
كما ترد التقوى بصيغة الغائب، كقوله تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [آل عمران: ١٩٨].
سواء كان ذلك بصيغة الفعل الماضي كما ذكر في الآية، أو بصيغة الفعل المضارع، كما في قوله تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ) [الأنعام: ٣٢].
وقوله تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [الطلاق: ٢-٣].
ثانيًا: أسلوب الحض على التقوى:
وقد ورد الحض على التقوى بألفاظ وأساليب مختلفة:
فقد يرد الحض بتحصيل التقوى لذاتها؛ لما فيها من جوامع الخير، وسعادة الدنيا والآخرة، كقوله تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [آل عمران: ١٠٢].
ويراد به القيام بما يقتضيه الأمر بالتقوى.
لكن لما كان الأمر غير مقدور للإنسان أن يتقي الله حق تقواه طلب من المرء أن يتقي الله حسب استطاعته. عن سعيد بن جبير في قوله: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [آل عمران: ١٠٢].
قال: «لما نزلت هذه الآية اشتد على القوم العمل، فقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم، فأنزل الله تعالى هذه الآية؛ تخفيفًا على المسلمين (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [التغابن: ١٦].
فنسخت الآية الأولى». لكن روي عن ابن عباس أنه قال عن آية: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [آل عمران: ١٠٢].
أنها لم تنسخ، ولكن حق تقاته: أن يجاهدوا في الله حق جهاده، ولا تأخذهم في الله تعالى لومة لائم، ويقوموا لله سبحانه بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأمهاتهم24.
المهم أن المأمور به من التقوى ما يستطيعه الإنسان؛ لأن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها.
ثم إن التقوى هبة من الله سبحانه وتعالى، لا يملك المرء هذه الملكة إلا بتوفيق منه سبحانه، فيبذل الإنسان جهده في تحصيلها، وأهم وسيلة أن يطلب بصدق من الله تعالى أن يهب له التقوى.
قال تعالى: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [محمد: ١٧].
يقول سيد قطب: «فالذين اهتدوا بدأوا هم بالاهتداء، فكافأهم الله بزيادة الهدى، وكافأهم بما هو أعمق وأكمل: (ﯵ ﯶ) [محمد: ١٧] ...، والتقوى حالة في القلب تجعله أبدًا واجفًا من هيبة الله، شاعرًا برقابته، خائفًا من غضبه، مستطلعًا إلى رضاه، متحرجًا من أن يراه الله على هيئة أو في حالة لا يرضاها»25.
تحدث القرآن عن صفات المتقين وسوف نتناولها فيما يأتي:
أولًا: صفات اعتقادية:
ورد من صفات المتقين الإيمانية أنهم (ﭞ ﭟ) [البقرة: ٣].
والغيب: ما غاب عن الحواس، ويقابله الشهادة، أي: ما تشاهده الحواس.
ولقد نفى الله تبارك وتعالى علم الغيب عن جميع المخلوقات إلا من أراد هو أن يطلعه على الغيب بالقدر الذي يشاء. فقد نفى علم الغيب عن الإنسان وعن الجان وحتى عن الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه.
قال تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [الأنعام: ٥٠].
والجن الذين آتاهم الله بعض القدرة، حيث كانوا يسترقون السمع نفى عنهم علم الغيب فقال: (ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ) [سبأ: ١٤].
والإنسان محاط بالغيب المجهول الذي يقف العقل عنده عاجزًا قاصرًا. وقد أثبت القرآن علم الغيب وجعل له مفاتح لا يعلمها إلا الله تعالى، وأن علم الغيب منفي عن المخلوقات إلا ما يشاؤه الله تعالى، والإيمان بالغيب يجعل الإنسان يتجاوز ما تدركه الحواس فيتجاوز مرتبة التفكير في هذا الوجود الذي كانت فيه دلائل الوحدانية، ولهذا امتدح الله المؤمنين المتقين بأنهم الذين يؤمنون بالغيب.
فقال تعالى: (ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [البقرة: ٢ - ٤].
قال الألوسي: «واختلف الناس في المراد به هنا على أقوال شتى..، والذي يميل إليه القلب أنه ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل عليه السلام وهو الله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره؛ لأن الإيمان المطلوب شرعًا هو ذاك»26.
وفي التعبير بالفعل المضارع (ﭞ) وهو فعل يفيد الاستمرار، فإيمانهم حاضر لا يغيب وهو مستمر في نفوسهم، ولا تجدهم لحظة يفقدون إيمانهم، ولا مستلزمات إيمانهم، أو لاستحضار تلك الصورة البديعة.
وفي اقتران الإيمان بالغيب بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة نجد أن الآيات تتحدث عن الإيمان قبل ذكر الصلاة والزكاة بعدها؛ لأن بينهما صلة: إن علاقة الصلاة بالإيمان بالغيب أنها المظهر العملي له، فالصلاة بها يستشعر الإنسان صفات الله، ويتذكر القرآن والرسل والملائكة واليوم الآخر، فالصلاة مذكرة بهذه المعاني كلها...
وأما علاقة الإنفاق بالإيمان بالغيب فذلك كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصدقة برهان)27.
فالإنسان الذي ينفق ماله مع حبه له وحرصه عليه لا لشيء وبدون مقابل سوى ابتغاء وجه الله فذلك دليل على إيمانه الله واليوم الآخر بشكل عملي ودقيق.
وإذا كان الإيمان بالغيب يشمل أركان الإيمان وهي: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر، وقد أجملت الآية هذه القضايا بقوله (ﭞ ﭟ) ولكن كان لإيمان المتقين بكل ركن من أركان الإيمان صفة خاصة.
من صفات المتقين الإيمانية أنهم يؤمنون باليوم الآخر إيمانًا يقينيًا لا يخالطه أي شك أو ريبة.
ومن صفاتهم أنهم مشفقون من الساعة، فكانت لهم في الإيمان باليوم الآخر صفتان اثنتان:
الأولى: يوقنون بالآخرة.
اليقين هو الاعتقاد بالشيء من حيث لا يعتريه شبهة ولا شك، فإذا انتفت الشبهة والشك عن الشيء سمي يقينًا.
قال الراغب: «اليقين من صفة العلم فوق المعرفة والدراية وأخواتها، يقال: علم يقين، ولا يقال: معرفة يقين، وهو سكون الفهم مع ثبات الحكم...، وقوله عز وجل: (ﮒ ﮓ ﮔ) [النساء: ١٥٧]. أي: ما قتلوه قتلًا تيقنوه، بل إنما حكموا تخمينًا ووهمًا»28.
ومن صفات المؤمن أنه يعتقد اعتقادًا يقينًا فينبغي أن لا يخالط اعتقاده أية شبهة أو شك. وقد جعل الله الأدلة التي تورث اليقين في النفس.
قال تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [الجاثية: ٤].
وقال تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [الذاريات: ٢٠].
وامتدح الله أنبياءه وعباده الصالحين حيث قال: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [الأنعام: ٧٥].
وذم الله الكافرين والمنافقين لعدم يقينهم فقال: (ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) [الروم: ٦٠].
وقال: (ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ) [النمل: ١٤].
وقد امتح الله المتقين بيقينهم بالآخرة حيث قال: (ﭯ ﭰ ﭱ) [البقرة: ٤].
أي: إن اعتقادهم بالآخرة لا يخالطه شك ولا ريبة، فهم يعتقدون اعتقادًا جازمًا بأمر الآخرة وأحوالها.
الثانية: مشفقون من الساعة.
الصفة الثانية التي امتدحهم الله بها هي إشفاقهم من الساعة.
قال تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الأنبياء: ٤٨ - ٤٩].
قال الراغب في بيان معنى الإشفاق: «الشفق: اختلاط ضوء النهار بسواد الليل عند غروب الشمس قال: (ﮫ ﮬ ﮭ) [الانشقاق: ١٦].
والإشفاق: عناية مختلطةٌ بخوف؛ لأن المشفق يحب المشفق عليه ويخاف ما يلحقه، قال: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الأنبياء: ٤٩].
فإذا عدي بـ(من) فمعنى الخوف فيه أظهر، وإذا عدي بـ(في) فمعنى العناية فيه أظهر»29.
فمعنى أنهم من الساعة مشفقون أي: خائفون منها مع الاعتناء بأمورها.
قال أبو السعود: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الأنبياء: ٤٩] «أي: خائفون منها بطريقة الاعتناء... وإيثار الجملة الاسمية؛ للدلالة على ثبات الإشفاق ودوامه»30.
ثانيًا: صفات المتقين الفعلية:
وردت بعض الآيات في وصف صلاة المتقين أنهم يقيمون الصلاة.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [البقرة: ١ - ٣].
وورد في آية البر: (ﭱ ﭲ) [البقرة: ١٧٧].
وفي آية أخرى أنهم يقيمون الليل بالصلاة والاستغفار.
قال تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [الذاريات: ١٥ - ١٨].
فالمتقون يقيمون الليل بالتهجد والاستغفار.
وقبل الحديث عن قوله تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) لابد من الحديث عن معنى إقامة الصلاة وأقوال المفسرين في معنى (ﭠ ﭡ) [البقرة: ٣].
قال الراغب في بيان معنى القيام: «يقال: قام يقوم قيامًا فهو قائم، وجمعه: قيام... والقيام على أضرب: قيامٌ بالشخص إما بتسخير أو اختيار، وقيام للشيء هو المراعاة للشيء والحفظ له، وقيام هو على العزم على الشيء. فمن القيام بالتسخير: (ﭯ ﭰ) [هود: ١٠٠].
ومن القيام الذي هو بالاختيار: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الزمر: ٩].
ومن المراعاة للشيء قوله: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [المائدة: ٨].
ومن القيام الذي هو العزم قوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) [المائدة: ٦].
وقوله (ﯬ ﯭ) [المائدة: ٥٥].
أي: يديمون فعلها ويحافظون عليها»31.
فمعنى (ﯬ ﯭ) أي: يداومون على أفعالها ويحافظون عليها.
وذكر البيضاوي معنى (ﭠ ﭡ) فقال: «أي: يعدلون أركانها ويحفظونها من أن يقع زيغ في أفعالها، من أقام العود إذا قومه، أو يواظبون عليها، من قامت السوق: إذا نفقت وأقمتها: إذا جعلتها نافقة.. فإنه إذا حوفظ عليها كانت كالنافق الذي يرغب فيه، وإذا ضيعت كانت كالكاسد المرغوب عنه. أو يتشمرون لأدائها من غير فتور ولا توانٍ، من قولهم: قام بالأمر وأقامه إذا جد فيه وتجلد، وضده قعد عن الأمر وتقاعد. أو يؤديها، عبر عن الأداء بالإقامة؛ لاشتمالها على القيام، كما عبر عنها بالقنوت والركوع والسجود والتسبيح. والأول أظهر؛ لأنه أشهر، وإلى الحقيقة أقرب وأفيد؛ لتضمنه التنبيه على أن الحقيقة بالمدح من راعى حدودها الظاهرة من الفرائض والسنن، وحقوقها الباطنة من الخشوع والإقبال بقلبه على الله تعالى، لا المصلون الذين هم عن صلاتهم ساهون، ولذلك ذكر في سياق المدح المقيمين الصلاة، وفي معرض الذم فويل للمصلين»32.
وصف الله المتقين بأنهم يؤتون الزكاة، وذكر صفة زكاتهم وإنفاقهم، ومن هذه الصفات هي: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [البقرة: ١٧٧].
وهذه الآية تبين أن المتقين يؤتون المال على حبه.
فهذه الصفة من صفات المتقين أنهم يؤتون المال على حبه، أي: يدفعون للصدقات أفضل ما عندهم من مال، وقوله تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [البقرة: ١٧٧].
يحتمل أن يكون المقصود به الزكاة المفروضة ويحتمل أن يراد به النوافل، قال البيضاوي: (ﭳ ﭴ) [البقرة: ١٧٧].
«يحتمل أن يكون المقصود منه ومن قوله: (ﭤ ﭥ) [البقرة: ١٧٧].
الزكاة المفروضة، ولكن الغرض من الأول بيان مصارفها، ومن الثاني أداؤها والحث عليها. ويحتمل أن يكون المراد بالأول نوافل الصدقات أو حقوقًا كانت في المال سوى الزكاة»33.
وقال الألوسي: (ﭳ ﭴ) [البقرة: ١٧٧] «بناءً على أن المراد بما مر من إيتاء المال نوافل الصدقات. وقدمت على الفريضة؛ مبالغة في الحث عليها، أو حقوق كانت في المال غير مقدرة سوى الزكاة»34.
وعليه فقوله تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [البقرة: ١٧٧].
يحتمل أن يكون في الزكاة أو في نوافل الصدقات. وأيًا ما كانت فإنها صفة امتدح الله بها المتقين، وهي أنهم يؤتون المال على حبه.
والضمير المجرور في قوله: (ﭦ ﭧ) [البقرة: ١٧٧].
عائد على المال «أي: أعطى المال كائنًا على حب المال. والتقييد بقوله: (ﭦ ﭧ) [البقرة: ١٧٧]؛ لبيان أفضل أنواع الصدقة»35.
وقال ابن كثير: «أي: أخرجه وهو محب له راغب فيه»36.
وهناك آية أخرى وصفت إنفاق المتقين، وهي قوله تبارك وتعالى في وصف المتقين: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [آل عمران: ١٣٤].
قال الراغب في بيان معنى الإنفاق: «نفق الشيء: مضى ونفذ.. والإنفاق قد يكون في المال وغيره، وقد يكون واجبًا، وقد يكون تطوعًا»37.
وقال الألوسي: «والإنفاق: الإنفاد، يقال: أنفقت الشيء وأنفدته بمعنًى، والهمزة للتعدية، وأصل المادة تدل على الخروج والذهاب»38.
وقد حث الله تبارك وتعالى على الإنفاق وبذل المال، فقال تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [البقرة: ٢٥٤].
وحث على إخراج الطيبات من الرزق، فقال تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [البقرة: ٢٦٧].
بين سبحانه أجر الإنفاق فقال: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [البقرة: ٢٦١].
وقال جل شأنه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [البقرة: ٢٦٥].
كما بين الله تعالى أن الصدقة والإنفاق لا يذهبان بالمال، بل على العكس فهما ينميان المال أكثر.
قال تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [البقرة: ٢٧٢].
وبهذه الصورة وامتثالًا لأمر الله تبارك وتعالى وسنة رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام لبى المتقون نداء ربهم، فجادت نفوسهم بالعطاء، فكان العطاء بالنسبة لهم خيرًا من الأخذ، وقد علموا أن ما أعطوه إنما هو ذخرٌ لهم عند ربهم تبارك وتعالى، وقد أنفقوا أموالهم في سبيله لا يبتغون إلا رضاء وجهه الكريم.
ومعنى قوله تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [آل عمران: ١٣٤].
أي: في اليسر والعسر.
قال أبو السعود: «في حالتي الرخاء والشدة واليسر والعسر، أو في الأحوال كلها؛ إذ الإنسان لا يخلو من مسرة أو مضرة. أي: لا يخلون في حالٍ ما بإنفاق ما قدروا عليه من قليل أو كثير»39.
وقال ابن كثير: «أي: في الشدة والرخاء والمنشط والمكره والصحة والمرض، وفي جميع الأحوال كما قال: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [البقرة: ٢٧٤].
والمعنى: أنهم لا يشغلهم أمر عن طاعة الله تعالى، والإنفاق في مراضيه، والإحسان إلى خلقه من قراباتهم وغيرهم بأنواع البر»40.
وقد عبر عن الإنفاق بالفعل المضارع؛ لأنه يفيد التجدد والاستمرار.
قال الألوسي: «وأما الإنفاق حيث كان أمرًا متجددًا عبر عنه بما يفيد التجدد والحدوث»41.
بينما عبر في آية أخرى بالجملة الاسمية فقال: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [آل عمران: ١٧].
وذلك أن الجملة الاسمية تفيد الثبات والاستقرار، فالجملة الأولى: (ﭾ ﭿ) تفيد التجدد والاستمرار والتي تبين استمرار إنفاقهم وتصدقهم. والجملة الثانية: (ﭠ) تفيد المدح؛ لأنها منصوبة على المدح. وقد تم الجمع بين الجملة الفعلية والاسمية.
أما قوله تعالى: (ﭢ ﭣ ﭤ) [البقرة: ٣].
فقد عبر هنا عن الشيء الذي ينفقونه بالرزق، والرزق: العطاء... وقيل: أصل الرزق الحظ. قال الراغب: «الرزق يقال للعطاء تارة -دنيويًا كان أم أخرويًا- وللنصيب تارة، ولما يصل إلى الجوف ويتغذى به تارة، يقال: أعطى السلطان رزق الجند، ورزقت علما»42 .
وفي الآية (ﭢ ﭣ ﭤ) [البقرة: ٣].
«أسند الرزق إلى نفسه تبارك وتعالى؛ للإعلام بأنهم ينفقون الحلال المطلق الذي يستأهل أن يضاف إلى الله، ويسمى رزقًا منه...، وقدم مفعول الفعل دلالة على كونه أهم، وكأنه قال: يخصون بعض المال الحلال بالتصدق به»43.
وصف الله المتقين بأنهم يستغفرون الله تبارك وتعالى، وكانت لهم في ذلك صفات مميزة.
قال تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ) [الذاريات: ١٨].
وقال: (ﭡ ﭢ) [آل عمران: ١٧].
وقال: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [آل عمران: ١٣٥].
فالمتقون يستغفرون بالأسحار ولا يصرون على المعاصي.
الاستغفار هو مغفرة الذنوب. وأصل الغفر: الستر والتغطية.
قال ابن منظور في لسان العرب: «وأصل الغفر: الستر والتغطية. وغفر الله ذنوبه، أي: سترها... واستغفر الله ذنبه -على حذف الحرف-: طلب منه غفره»44.
فأصل كلمة غفر: ستر وغطى، وفي الاصطلاح: ستر الذنوب.
والسحر: هو الوقت الذي يكون قبل طلوع الفجر.
قال الراغب في المفردات: «السحر والسحرة: اختلاط ظلام آخر الليل بضياء النهار»45.
فوقت السحر ينتهي بطلوع الفجر. وهو آخر الليل قبيل الصبح. قال ابن كثير: «وأصح ما ورد في تحديد وقت السحر ما ثبت في الصحيحين وغيرهما... من غير وجه عن جماعة من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ينزل الله تبارك وتعالى في كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير، فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من داعٍ فأستجيب له؟ هل من مستغفر فأغفر له؟)46»47.
وقد اختلف المفسرون في بيان معنى الاستغفار في الآية (ﮓ ﮔ ﮕ) [الذاريات: ١٨].
فقال بعضهم: المراد به: الدعاء. قال ابن جرير الطبري: «اختلف أهل التأويل في القوم الذين هذه صفتهم، فقال بعضهم: هم المصلون بالأسحار.. وقال آخرون: هم المستغفرون... وقال آخرون: هم الذين يشهدون الصبح في جماعة.. وأولى هذه الأقوال قول من قال: هم السائلون ربهم أن يستر عليهم فضيحتهم بها بالأسحار، وهي جمع سحر، وأظهر معاني ذلك أن تكون مسألتهم إياه بالدعاء. وقد يحتمل أن يكون معناه: تعرضهم لمغفرته بالعمل والصلاة، غير أن أظهر معانيه ما ذكرنا من الدعاء»48.
وقال القرطبي: «لا تناقض في ذلك فإنهم يصلون ويستغفرون»49.
والحكمة في تخصيص وقت السحر بالدعاء والاستغفار: أنه أفضل الأوقات للعبادة والدعاء. فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ينزل الله تبارك وتعالى في كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير، فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من داع فأستجيب له؟ هل من مستغفر فأغفر له؟)50 .
وقال الشيخ محمد رشيد رضا: «وحكمة تخصيص السحر: أن العبادة تكون حينئذ أشق على أهل البداية؛ لأنه الوقت الذي يطيب فيه النوم ويعزب الرياء، وأروح لأهل النهاية؛ لأن النفس تكون أصفى، والقلب أفرغ من الشواغل»51.
وقال القاسمي في تفسيره: «والحكمة في تخصيص الأسحار: كونه وقت غفلة الناس عن التعرض للنفحات الرحمانية والألطاف السبحانية. وعند ذلك تكون العبادة أشق، والنية خالفة، والرغبة وافرة، مع قربه -تعالى وتقدس- من عباده»52.
وقال الرازي: «واعلم أن الاستغفار بالسحر له مزيد أثر في قوة الإيمان وفي كمال العبودية من وجوه:
الأول: أن وقت السحر يطلع نور الصبح بعد أن كانت الظلمة شاملة للكل، وبسبب طلوع نور الصبح كأن الأموات يصيرون أحياء، فهناك وقت الجود العام والفيض التام، فلا يبعد أن يكون عند طلوع صبح العالم الكبير يطلع صبح العالم الصغير وهو ظهور نور جلال الله تعالى في القلب.
والثاني: أن وقت السحر أطيب أوقات النوم، فإذا أعرض العبد عن تلك اللذة وأقبل على العبودية كانت الطاعة أكمل...»53.
وقال النسفي: «وخص الأسحار؛ لأنه وقت إجابة الدعاء، ولأنه وقت الخلوة»54.
قال الله تعالى في وصف المتقين: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [آل عمران: ١٣٥].
قال الراغب في بيان معنى الفاحشة: «الفحش والفحشاء والفاحشة: ما عظم قبحه من الأفعال والأقوال»55.
وقال البيضاوي: «(ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) فعلة بالغة في القبح كالزنى (ﭱ ﭲ ﭳ) بأن أذنبوا أي ذنب كان. وقيل: الفاحشة الكبيرة، وظلم النفس الصغيرة»56.
فكل تجاوز أو كل ذنب يسمى ظلمًا، والذنب سواء كان كبيرًا أم صغيرًا فإنه يسمى ظلمًا، وعليه فمعناه في الآية: (ﭱ ﭲ ﭳ) [آل عمران: ١٣٥].
أي: أذنبوا في حق الله تعالى، وعليه تكون الفاحشة: المعصية البالغة في القبح، والظلم: الذنب مطلقًا، كما ذكر الألوسي سابقًا.
والمتقون -إن وقع منهم ذنب سواء كان كبيرًا أو عظيمًا والتي سماها (الفاحشة) أو أذنبوا ذنبًا صغيرًا والتي سماها (ﭲ ﭳ)، يسارعون ويتذكرون حق الله تعالى ويتذكرون عقابه ويتذكرون عفوه فيستغفرون الله عما وقع منهم.
ومعنى (ﭴ ﭵ): أي: تذكروا حقه العظيم ووعيده، أو ذكروا العرض عليه، أو السؤال عن الذنب يوم القيامة أو نهيه أو غفرانه.
وقوله تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ).
قال ابن كثير في معناه: «أي: تابوا من ذنوبهم ورجعوا إلى الله عن قريب، ولم يستمروا على المعصية ويصروا عليها غير مقلعين عنها، ولو تكرر منهم الذنب تابوا منه»57.
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أصر من استغفر، وإن عاد في اليوم سبعين مرة)58
قال الراغب: «الإصرار: التعقد في الذنب والتشدد فيه والامتناع من الإقلاع عنه، وأصله من الصر، أي: الشد»59.
من صفات المتقين الإيمانية أنهم (ﮋﮌ ﮍ) [الأنبياء: ٤٩].
والخشية: خوف يشوبه تعظيم.
قال الراغب: «الخشية: خوف يشوبه تعظيم. وأكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى منه، ولذلك خص العلماء بها في قوله تعالى: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [فاطر: ٢٨].
وقوله تعالى: (ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ) [ق: ٣٣]. أي: من خاف خوفًا اقتضاه معرفته بذلك من نفسه»60.
والخشية ينبغي أن تكون خالصة لله تعالى ولا يكون فيها خشية للناس.
قال تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [المائدة: ٤٤].
وقال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ) [البقرة: ١٥٠].
ولقد نهى رسوله أن يخشى الناس؛ إذ الخشية ينبغي أن تكون لله تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [الأحزاب: ٣٧].
وبما أن الخشية أكثر ما تكون عن علم بما يخشى منه فإن خشية الله أكثر ما تكون من خلال معرفته عز وجل بصفاته وآياته وأفعاله، فمن كان أعلم بالله تعالى كان أخشى له، لهذا قال تعالى: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [فاطر: ٢٨].
قال الألوسي: «والمراد بالعلماء: العالمون بالله عز وجل وبما يليق به من صفاته الجليلة وأفعاله الحميدة وسائر شئونه الجميلة، لا العارفون بالنحو والصرف مثلًا، فمدار الخشية ذلك العلم لا هذه المعرفة، فكل من كان أعلم به تعالى كان أخشى... وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أنا أخشاكم لله وأتقاكم له)61.
ولكونه المدار ذكرت الخشية بعد ما يدل على كمال القدرة، ولهذه المناسبة فسر ابن عباس -كما أخرج عنه ابن المنذر وابن جرير- (العلماء) في الآية بالذين يعلمون أن الله تعالى على كل شيء قدير»62.
فمعرفة الله تبارك وتعالى تورث الخشية له، والعلماء العارفون بآيات الله وصفاته أكثر خشية له. ويدخل في إطار العلماء علماء الكون والطبيعة الذين يتوصلون لمعرفة أسرار الله في خلقه. فالكون هو كتاب الله المنظور الذي يدل فيه على أن الله هو خالق هذا الكون والمتصرف فيه، حيث جعل فيه دلائل قدرته وبديع صنعه، فحث على النظر في ملكوت السموات والأرض، والتفكر في شئونهما، لذا كان العلماء الذين يتوصلون لاكتشاف بدائع صنع الله تعالى داخلون في الخشية التي خصهم الله بها، وهذا إن كانت هذه الأمور توصلهم لخشية الله تعالى.
وصف الله المتقين بالقنوت، وهو طاعة الله عز وجل مع الخضوع له.
قال تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [آل عمران: ١٥ - ١٧].
قال الراغب: «القنوت: لزوم الطاعة مع الخضوع، وفسر بكل واحد منهما في قوله: (ﭖ ﭗ ﭘ) [البقرة: ٢٣٨].
وقوله تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ) [البقرة: ١١٦].
وقيل: خاضعون، وقيل: طائعون، وقيل: ساكتون، ولم يعن به كل سكوت، وإنما عنى به ما قال عليه الصلاة والسلام: (إن هذه الصلاة لا يصح فيها شيءٌ من كلام الآدميين: إنما هي قرآن وتسبيح)، وعلى هذا قيل: أي الصلاة أفضل؟ فقال: (طول القنوت)، أي: الاشتغال بالعبادة ورفض كل ما سواه»63.
وقال الألوسي: «(ﭘ) أي: المطيعين، قاله ابن جبير، أو المداومين على الطاعة والعبادة، قاله الزجاج، أو القائمين بالواجبات، قاله القاضي»64.
وقال الألوسي عند قوله تعالى: (ﭖ ﭗ ﭘ) [البقرة: ٢٣٨] : «(ﭘ) أي: مطيعين كما هو أصل معنى القنوت عند البعض، وهو المروي عن ابن عباس رضي الله عنهما »65.
فأصل معنى القنوت: هو الطاعة مع الخضوع، وإذا فسر معناه بعبارات أخرى فإنه ينطوي تحت هذا المعنى، وقد وصف الله المتقين بالقنوت، وهذا يشمل الصلاة وغيرها.
ثالثًا: صفات المتقين الخلقية والسلوكية:
وصف الله تبارك وتعالى المتقين بالصبر، فقال تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [آل عمران: ١٥ - ١٧].
وقال تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [البقرة: ١٧٧].
فقد وصف المتقين بالصبر، وأنهم يصبرون في كل حال، وإليك بيانها.
قال أبو حيان: «واختلف المفسرون في البأساء والضراء، فأكثرهم على أن البأساء هو الفقر»66، وقال الألوسي: «(البأساء): البؤس والفقر»67، وقال الراغب: «البؤس والبأساء في النكاية»68.
وأصل كلمة بؤس وبأس: الشدة والمكروه، لكن ورد عن كثير من المفسرين أن المراد بها هنا: الفقر، ولا يمنع أن يراد بها كل شدة أو مكروه، ومنها الفقر.
وقضية الفقر ابتلاء من الله تبارك وتعالى لعباده، فمن صبر كان من المتقين الذين وصفهم الله وامتدحهم بالصبر على الفقر، لذلك كان الفقراء الصابرون أكرم عند الله تعالى، وكان أكثر أهل الجنة من الفقراء. روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام)69. وروى البخاري ومسلم عن ابن عباس وعمران بن الحصين رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء)70.
الضراء من الضر، وهو عكس النفع، وهو سوء الحال إما في النفس أو في البدن أو في حالة ظاهرة من قلة مالٍ أو جاه أو نحوه.
وقد ورد عن المفسرين تفسير الضراء بالمرض والأسقام.
قال أبو حيان في تفسير البحر المحيط: «واختلف المفسرون في البأساء والضراء، فأكثرهم على أن البأساء هو الفقر، وأن الضراء الزمانة في الجسد، وإن اختلفت عباراتهم»71.
وقال الألوسي: «الضراء: السقم والوجع»72 .
وقد يراد به كل ما يضر الإنسان من مرض أو غيره.
فما يصيب الإنسان من ضر أصابه سواء كان في بدنه أو في نفسه أو غير ذلك إنما هو ابتلاء من الله تبارك وتعالى؛ ليعلم الصابر من غير الصابر.
ففي الابتلاء في المرض تكفير للسيئات وحط للذنوب حتى يلقى الله وما عليه خطيئة من كثرة ما أصابه من البلاء.
ففي الحديث الذي رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة)73.
أي: في مواطن القتال عند لقاء الأعداء، وعندها يكون الصبر فريضة لازمة ويكون الفرار من الزحف من الموبقات التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم. وإذا ما ذكر القتال والحث عليه فإنه غالبًا يذكر الصبر، وغلبة الأعداء مقترنة بالصبر بعد إعداد العدة والتوكل على الله وإخلاص النية لله تعالى، فلا غلبة بلا صبر.
ولهذا يأمر الله المؤمنين بالقتال والثبات والصبر، فيقول تعالى: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [الأنفال: ٤٥ - ٤٦].
ويشتد الأمر بطلب الصبر عندما تتحكم القوى والنفوس، وعندها يتبين الصابر من غيره.
ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث على الثبات عند لقاء العدو، فقد روى البخاري ومسلم عن عبدالله بن أبي أوفى رضي الله عنهما «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التي لقي فيها العدو انتظر حتى إذا مالت الشمس قام فيهم فقال: (يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف)»74.
قال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [آل عمران: ١٣٣ - ١٣٤].
والغيظ يعني: حبس النفس عند الغضب، وهو: أشد أنواع الغضب، والغضب: هيجان في الطبع.
قال الراغب في بيان معنى الغيظ: «الغيظ: أشد غضب، وهو الحرارة التي يجدها الإنسان من فوران دم قلبه»75.
وقال الألوسي: «والغيظ: هيجان في الطبع عند رؤية ما ينكر»76.
والكظم معناه: الحبس.
قال أبو السعود: «والكظم: الحبس يقال: كظم غيظه، أي: حبسه، قال المبرد: تأويله أنه كتمه على امتلائه منه، يقال: كظمت السقاء إذا ملأته وشددت عليه»77.
والمعنى المراد: «والمتجرعين للغيظ، الممسكين عليه عند امتلاء نفوسهم منه، فلا ينقمون ممن يدخل الضرر عليهم، ولا يبدون له ما يكره، بل يصبرون على ذلك مع قدرتهم على الإنفاذ والانتقام، وهذا هو الممدوح»78.
روى الترمذي وأبو داود عن معاذ بن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كظم غيظًا وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله سبحانه وتعالى على رءوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور ما يشاء)79.
فصفة حبس النفس عند الغضب وعدم الانتقام من صفات المتقين التي امتدح الله بها المتقين. ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يرشد أصحابه أن لا يغضبوا، وبين أن الشديد ليس الذي يصرع الناس، إنما الشديد هو الذي يملك نفسه ويضبطها عند الغضب. فقد روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، قال: (لا تغضب) فردد مرارًا، قال: (لا تغضب)80.
وروى البخاري أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)81.
ورسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم كما كان مثالًا يحتذى في كل شيء حسن كان مثالًا في عدم الغضب وفي كظم الغيظ، فكان صلى الله عليه وسلم لا يغضب إلا لأمر يستدعي الغضب، فإنه كان لا يغضب إلا إذا انتهكت حرمة من حرمات الشريعة.
روى البخاري عن أبي مسعود عقبة بن عمرو البدري رضي الله عنه قال: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لأتأخر عن صلاة الصبح من أجل فلان مما يطيل بنا! فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم غضب في موعظة قط أشد مما غضب يومئذ، فقال: (إن منكم منفرين، فأيكم أم الناس فليوجز، فإن من ورائه الكبير والصغير وذا الحاجة)»82.
بعد أن أخبر الله تعالى عن المتقين أنهم (الكاظمين الغيظ) فلا يظهرون غيظهم إلا أن تنتهك حرمة من حرمات الله تعالى، أخبر الله عنهم -إتمامًا لتلك الصفة- أنهم يعفون عن الناس.
فقال تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [آل عمران: ١٣٤].
فكانت صفة العفو من صفات المتقين الراسخة فيهم.
ومعنى العفو: ترك عقوبة المذنب أو المخطئ.
قال الراغب: «عفوت عنه: قصدت إزالة ذنبه»83.
ومعنى قوله تعالى في وصف المتقين: (ﭥ ﭦ ﭧ) أنهم يتركون عقوبة من استحقها.
قال الألوسي: «(ﭥ ﭦ ﭧ) أي: المتجاوزين عن عقوبة من استحقوا مؤاخذته، إذا لم يكن في ذلك إخلال بالدين»84.
وقد أمر الله تبارك وتعالى بالعفو، فقال: (ﮈ ﮉﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [النور: ٢٢].
وقال: (ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [المائدة: ١٣].
كما وصف الله تعالى نفسه بالعفو، فقال تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [الحج: ٦٠].
وصفة العفو صفة حميدة «لا تصدر إلا من نفس كبيرة راجحة العقل، صبرت على اعتداء الغير وأذاه... وإن مقابلة الإساءة بالإحسان تنزع من المعتدي البغضاء، وتتركه مندهشًا فيرتد غالبًا عن غيه وتنقلب بغضاؤه إلى مودة»85.
وقد بين القرآن أن المعاملة الحسنة مع الأعداء تجعلهم ينقلبون عن عداوتهم.
قال تعالى: (ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [فصلت: ٣٤].
ولهذا أمر الله تعالى بالعفو ووصف به المتقين. وفي الآية: (ﭥ ﭦ ﭧ) [آل عمران: ١٣٤].
وصف للمتقين بالجملة الاسمية التي تفيد الثبات والاستمرار وأنها صفة راسخة فيهم.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر الناس تمثلًا بصفة العفو، فكان العفو شيمته صلى الله عليه وسلم، روى البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبيًا من الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)»86.
وصف الله المتقين بالصدق حيث قال: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [آل عمران: ١٥ - ١٧].
وفي آية البر بعد أن ذكر أوصاف الأبرار قال عنهم: (ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [البقرة: ١٧٧].
وقال تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [الزمر: ٣٣].
ففي الآية الأولى قال: (ﭝ ﭞ) وهذه الصفة امتدح الله بها المتقين، وهي منصوبة بتقدير يدل على الاختصاص، أي: أخص أو أعني الصادقين.
وفي الآية الثانية -آية البر- وصف المستجمع لخصال البر بالصدق، حيث قال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [البقرة: ١٧٧].
فقد وصف الله تعالى المستكمل لهذه الخصال بالصدق كما وصفه بالتقوى، فبين أن المتقين صادقون في جميع هذه الخصال وهي:
كما تم الإخبار عنهم باسم الإشارة (ﭩ)، وهذا الاسم يستخدم للإشارة إلى البعيد؛ ليدل على أنهم متأصلون في هذه الصفة.
وفي الآية الثالثة: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [الزمر: ٣٣].
قال ابن عاشور: «الذي جاء به هو: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصدق: القرآن... وجملة: (ﭦ ﭧ) صلة موصول محذوف تقديره: والذي صدق به؛ لأن المصدق غير الذي جاء بالصدق»87. وقال الشوكاني: «وقيل: إن ذلك عام في كل من دعا إلى توحيد الله وأرشد إلى ما شرعه لعباده. واختار هذا ابن جرير، وهو الذي اختاره من هذه الأقوال»88.
وعليه يحتمل أن يكون المعنى أن الذي جاء بالصدق هو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن الذي صدق به هم المؤمنون، فقد ترجموا القرآن إلى سلوك عملي، كما كان رسول صلى الله عليه وسلم عندما أخبرت عنه عائشة: «كان خلق رسول صلى الله عليه وسلم القرآن». فهؤلاء المؤمنون الذين ترجموا القرآن إلى واقع هم المتقون.
قال تعالى في وصف المتقين: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [البقرة: ١٧٧].
ومعنى الوفاء بالعهد: إتمامه وافيًا بكامل حقوقه وشروطه، وعدم نقضه. ومعنى وفى وأوفى: أعطى الحق وافيًا. والعهود نوعان: عهد مع الله، وعهد مع الناس.
والمراد به: ما عاهد عليه المسلم الله من الوفاء والتكاليف والالتزامات التي شرعها، قال الراغب: «وعهد الله تارة يكون بما ركزه في عقولنا، وتارة يكون بما أمرنا به بالكتاب وبالسنة ورسله، وتارة بما نلتزمه وليس بلازم في أصل الشرع كالنذور وما يجري مجراها، وعلى هذا قوله: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ)[التوبة: ٧٥]»89.
وقد جعل الأخير عهدًا مع الله؛ لأن الإنسان يتعامل مع الله من خلال تعامله مع الناس، فلا يجوز نقض العهد؛ لأن الله أمرنا بذلك.
وأول عهد يطالب الإنسان بالوفاء به: عهده مع الله عز وجل بالإقرار له بالربوبية، وعلى نفسه بالعبودية.
يقول الله تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الأعراف: ١٧٢].
ولا يفي الإنسان بهذا العهد حتى يعتقد علمًا وعملًا أن الله وحده له حق الأمر والنهي، والتحليل والتحريم، فعنه يتلقى وله يطيع. ومتى أعطى المسلم حق الطاعة المطلقة، أو حق التشريع والتحليل والتحريم لأحد غيره من هيئة أو جماعة أو فرد أو مجلس فقد نكث بعهد الله وميثاقه.
ومن العهد مع الله الالتزام بالشريعة الإسلامية وتوفية حقوق الله كاملة، فإن من حق الله على عباده أن يطاع فلا يعصى. والوفاء بالالتزام بالشريعة يعني أداء الحقوق كاملة، فالصلاة تؤدى كاملة، وكما أمر تبارك وتعالى من الشروط الظاهرة والباطنة كالخشوع وغيره، وكذلك الزكاة، وكذلك كل عمل يقوم به المرء يقصد التقرب إلى الله تعالى، فإن الوفاء بالعهد يعني توفيته كاملًا غير منقوص ومراعاة حقوقه وشروطه. والوفاء بعهد الله في الجهاد يعني أن يجاهد المرء ويثبت في ذلك حتى ينال الموت في سبيل الله أو النصر على الأعداء، وعلى هذا قوله تعالى في مدح رجال من المؤمنين: (ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [الأحزاب: ٢٣].
ويدخل فيه كل تعامل مع الناس. والواقع أن هذا العهد يدخل في العهد الأول؛ لأن التعامل مع الناس يعني التعامل مع الله، ولهذا لا يجوز للمسلم نقض العهد مع أي إنسان كان مسلمًا أو غير مسلم.
والوفاء بالعهد واجب سواء كان تعاملًا مع المسلمين أم مع غير المسلمين.
أ- التعامل مع المسلمين: ويدخل فيه كل عهد أو عقد يجعله الإنسان مع غيره من أمور الدنيا وغيرها، كالوفاء بالالتزامات التي يجريها الإنسان في معاملاته اليومية، في زواجه وبيعه وشرائه وشركته ومزارعته ما دامت عقوده جائزة شرعًا.
ويدخل فيه الوفاء ببيعة الخليفة، وهي أن يطاع الخليفة أو الأمير الذي اختاره الخليفة مكانه في غير معصية، لذلك حث الله ورسله على طاعة أولي الأمر، فقال تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [النساء: ٥٩].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة)90.
ب- التعامل مع غير المسلمين: ويدخل فيه العهد مع المشركين حينما كان جائزًا في أول الإسلام، والذي انتهى بنزول سورة التوبة التي تأمر بقتل المشركين أينما وجدوا. كما يدخل فيه العهد مع أهل الكتاب، حيث لا يجوز نقضه إلا إذا نقضوه أو ظهر منهم ما يشير إلى الخيانة.
قال تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [الأنفال: ٥٨].
ومعنى (ﮤ ﮥ) أن يخبرهم إخبارًا ظاهرًا مكشوفًا بالنقض، ولا يناجزهم الحرب بغتة91.
ولذلك وصف الله المتقين بالوفاء بالعهد حيث قال سبحانه: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [البقرة: ١٧٧].
والمراد بالعهد هنا: ما يشمل كل الحقوق سواء كانت حقوقًا لله أو حقوقًا للناس.
للتقوى مكانة عظيمة في الدين؛ لأن فيها سعادة الدنيا والآخرة، وقد ورد في مكانتها الكثير، منها أنها خير زاد وأجمل لباس، لذلك أوصى الله بها وصية للأولين والآخرين، وأوصى بها جميع الرسل أقوامهم. ويمكن بيانها من خلال ما يأتي:
أولًا: التقوى خير زاد:
قال تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [البقرة: ١٩٧].
وأصل الزاد من الزيادة، ومعناها: أن ينضم إلى ما عليه الشيء في نفسه شيء آخر. والزيادة قد تكون زيادة فضل، وقد تكون زيادة مذمومة، فإن كانت لا حاجة لها أو تؤدي إلى ضرر فهي مذمومة، وإن كانت زيادة فضل فهي محمودة. والزاد هو الشيء المدخر الزائد على ما يحتاج إليه في الوقت. والتزود هو أخذ الزاد92.
والتقوى خير زاد يتزود به.
واستخدام القرآن الكريم لفظ الزاد للتقوى للإشارة إلى استخدامها وقت الحاجة، بمعنى أن يبذل الإنسان جهده في فعل الخير وقت الرخاء؛ ليستخدمه وقت الحاجة والشدة.
والمرء بحاجة إلى الزاد في الدنيا والآخرة؛ فأما في الآخرة فهو أمر ظاهر؛ لأن الإنسان إذا مات انقطع عمله في الدنيا، ولن يكون له من عمله إلا ما سعى، ويبقى عمله مستمرًا في العلم الذي ينتفع به الآخرون والصدقة الجارية والولد الصالح الذي يدعو له.
وكذلك يحتاج المرء إلى التزود في الحياة الدنيا، فيبذل جهده في فعل الخير وقت الرخاء؛ ليكون عونًا له على ذلك وقت الشدة.
وفي الحديث: (تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة)93.
ولا يعني مفهوم التزود بالتقوى ترك زاد الدنيا، أو ترك الأخذ بأسباب الحياة، فإن هذا المفهوم خاطئ، بل إن الأخذ بأسباب الحياة من التوكل الحقيقي مطلوب. وما ورد من روايات وأسباب النزول يوضح المعنى الحقيقي لمفهوم التزود.
فكان بعض العرب يحجون ولا يتزودون من الطعام، معتبرين أن ذلك هو التوكل الحقيقي، وكانوا يقولون: كيف نحج بيت ربنا ولا يطعمنا؟ فكانوا يحجون بلا زاد، ويقولون: نحن متوكلون على الله سبحانه!94.
بل إن بعضهم كانوا إذا أحرموا ومعهم أزوادهم رموا بها واستأنفوا زادًا آخر فكان يتوكل بعضهم على بعض. فنزلت الآية تبين لهم خطأ هذا المفهوم، وأن التزود بالطعام لا يتنافى مع أعمال الحج، وأرشدهم للزاد الحقيقي الذي هو التقوى.
وذكر البخاري أن هذا المفهوم كان عند أهل اليمن، فعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: «كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون، ويقولون: نحن المتوكلون، فإذا قدموا مكة سألوا الناس، فأنزل الله تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [البقرة: ١٩٧]»95.
ثانيًا: التقوى أجمل لباس يتزين به العبد:
قال تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [الأعراف: ٢٦].
واللباس اسم للشيء الذي يستر عورة الإنسان، سواء كانت مادية أو معنوية. والعورة: سوأة الإنسان، وهي كناية، وأصلها من العار. والسوأة هي كل ما يسيء الإنسان من الأمور الدنيوية والأخروية ومن الأحوال النفسية والبدنية. وكني بالسوأة عن الفرج96؛ لأن كشف السوأة أمر مناف للفطرة.
فاللباس يستخدم لمعنى التغطية والستر، فيسمى ما يستر عورة الإنسان لباسًا، وكذا تغطية معايبه. وسمي الأزواج من الذكور والإناث لباسًا، حيث يمنع كل واحد الآخر ويكون عونًا له في ستر معايبه.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [البقرة: ١٨٧].
قال أبو السعود: «وجعل كل من الرجل والمرأة لباسًا للآخر؛ لاعتناقهما واشتمال كل منهما على الآخر بالليل... أو لأن كلًا منهما يستر حال صاحبه ويمنعه من الفجور»97.
وجعل الليل لباسًا؛ لكونه يستر الناس بظلامه.
قال تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [الفرقان: ٤٧].
واستخدم القرآن الكريم كلمة اللباس للجوع والخوف؛ لكونه غشيهم من كل جانب.
قال تعالى: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [النحل: ١١٢].
لذلك كان لباس التقوى أجمل لباس يلبسه المرء، كما قال تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [الأعراف: ٢٦].
وللمفسرين في معنى (لباس التقوى) عشرة أقوال أوردها ابن الجوزي في زاد المسير، وهي:
ولا مانع من إرادة الجميع. ولباس التقوى خير من الثياب؛ لأن الفاجر وإن كان حسن الثوب فهو بادي العورة.
ثالثًا: وصية جميع الرسل لأقوامهم بالتقوى:
التقوى شعار المؤمنين ووصية الله تعالى للخلق أجمعين، وكانت هدفًا عامًا بعث من أجله الرسل، كما كانت من أهم ما أوصى به الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه وأمته.
فقد أوصى الله تبارك وتعالى جميع الخلق بتقواه، فقال تبارك وتعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [النساء: ١٣١].
وكانت التقوى من أهم ما دعا إليه الأنبياء أقوامهم. فهذا نبي الله نوح عليه السلام يدعو قومه لتقوى الله تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ) [الشعراء: ١٠٦ - ١١٠].
وإبراهيم عليه السلام يدعو للتقوى: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [العنكبوت: ١٦].
وكذلك موسى عليه السلام: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ) [الشعراء: ١٠ - ١١].
وعيسى عليه السلام: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [الزخرف: ٦٣].
وهود: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [الشعراء: ١٢٤ - ١٢٦].
ولوط: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [الشعراء: ١٦١ - ١٦٣].
وإلياس: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [الصافات: ١٢٣ - ١٢٤].
وصالح: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [الشعراء: ١٤٢ - ١٤٤].
وشعيب: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [الشعراء: ١٧٧ - ١٧٩].
وكذلك وصف يحيى بن زكريا بالتقوى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ) [مريم: ١٢ - ١٣].
فهذه نبذة عما ورد على لسان الأنبياء من التقوى تتبين فيها الأهمية البالغة للتقوى.
للتقوى فضائل بينها القرآن الكريم للحث على التخلق بها، نبينها فيما يأتي:
أولًا: فضائل التقوى في العلاقة مع الله:
١. معية الله تعالى.
ومعيته تعالى نوع من ولايته، فالمعية تعني التأييد والنصر.
قال الله تعالى: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) [النحل: ١٢٨].
قال الراغب: «(مع): يقتضي الاجتماع إما في المكان، أو في الزمان، أو في المعنى.. وإما في الشرف والرتبة نحو: هما معًا في العلو، ويقتضي معنى النصرة، وأن المضاف إليه لفظ (مع) هو المنصور، نحو قوله: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [التوبة: ٤٠].. أي: ناصرنا»99.
فأصل هذا الحرف يقتضي الاجتماع كما يقتضي معنى النصرة.
وذهب أبو السعود إلى أن المعية تعني: «الولاية الدائمة التي لا تحوم حول صاحبها شائبة شيء من الحزن»100.
فالمعية أبلغ من الولاية.
والمعية لم تذكر إلا مع أصناف من المسلمين بلغوا درجةً إيمانية عالية، فقد ذكرت المعية مع المتقين والمحسنين: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) [النحل: ١٢٨].
وذكرت المعية مع الصابرين: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [البقرة: ١٥٣].
أما الولاية فهي عامة لكل المؤمنين: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ) [البقرة: ٢٥٧].
وهذه المعية هي المعية الخاصة؛ لأن المعية معيتان: خاصة وعامة، فالمعية العامة لكل البشر، وهي معية ملاحظة ومراقبة، كما في قوله تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [الحديد: ٤].
أما المعية الخاصة فهي تعني: العون والتأييد والنصر والهداية.
قال ابن كثير: « (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) [النحل: ١٢٨].
أي: معهم بتأييده ونصره ومعونته وهديه وسعيه، وهذه معية خاصة، كقوله: (ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [الأنفال: ١٢].
وقوله لموسى وهارون: (ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [طه: ٤٦].
وقول النبي صلى الله عليه وسلم للصديق -الذي ذكره القرآن وهما في الغار-: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [التوبة: ٤٠].
وأما المعية العامة فبالسمع والبصر والعلم، كقوله تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [الحديد: ٤].
وكقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [المجادلة: ٧]»101.
٢. ولاية الله تعالى.
من ثمرات التقوى أن الله تعالى يكون وليًا للمؤمنين يتولاهم بعنايته وتأييده ونصره.
قال الله تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ) [الجاثية: ١٩].
وتدل أصل كلمة الولاية على القرب، قال الألوسي: «والأولياء جمع ولي من الولي، بمعنى: القرب والدنو، يقال: ولي، أي: قرب»102.
وقال ابن عاشور: «والولي: الموالي، أي: المحالف والناصر. وكلها ترجع إلى معنى الولي -بسكون اللام -، وهو القرب، وهو في معنى الولي كلها قرب مجازي»103.
وقال الراغب: «الولاء والتوالي أن يحصل شيئان فصاعدًا، حصولًا ليس بينهما ما ليس منهما. ويستعار ذلك للقرب من حيث المكان، ومن حيث النسبة، ومن حيث الدين، ومن حيث الصداقة، والنصرة، والاعتقاد. والولاية -بكسر الواو-: النصرة، والولاية -بفتح الواو- تولي الأمر.. وحقيقته: تولي الأمر»104.
فأصل كلمة الولاية تعني القرب. والولاية تعني تولي الأمر بالرعاية والعناية لأوليائه على أعدائه؛ لأنه يتولاهم بتأييده ونصره.
وقد وصف الله تعالى نفسه بأنه الولي فقال: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الشورى: ٩].
أي: إن الله وحده هو الولي، فالولاية الحقيقية له تبارك وتعالى.
والولاية ولايتان:
فالله ولي المؤمنين والكافرين من حيث التصرف في شئونهم وأرزاقهم ونصرهم أو خذلانهم.
قال تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [النساء: ١٢٣].
وقال تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [النساء: ١٧٣].
أي: إن الذين اتخذوهم أولياء لا ينصرونهم في شيء فالولاية والنصرة الحقيقية من الله تعالى.
أما الولاية الخاصة فهي ولاية المؤمنين، وذلك بتأييدهم ونصرهم على عدوهم، كما قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ) [البقرة: ٢٥٧].
ولهذا أمر الله تعالى المؤمنين باتخاذ الله وليهم، فقال تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [المائدة: ٥٥].
وبين أن النصر والغلبة والتأييد من عنده تبارك وتعالى، وأن الذين يجعلون الله وليهم ورسوله والمؤمنين هم الغالبون الظافرون.
قال تعالى: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [المائدة: ٥٦].
كما أنه تعالى يخرج أولياءه من الظلمات إلى النور: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [البقرة: ٢٥٧].
وأنه يكفي المؤمنين أن يكون الله وليهم: (ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [النساء: ٤٥].
أما الذين يتخذون من دون الله وليًا فإنهم خاسرون ولا يجدون وليًا أبدًا يرعاهم ويؤيدهم وينصرهم، لهذا نهى الله المؤمنين عن اتخاذ الكافرين أولياء لهم.
قال تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [آل عمران: ٢٨].
وبين أن صف الكافرين واحد، وأنهم أولياء لبعضهم البعض: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [الأنفال: ٧٣].
كما بين أنه لا قيمة أبدًا لمن اتخذه الكافرون أولياء، وأنه لا يملك لغيره، بل ولا لنفسه نفعًا ولا ضرًا: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [الرعد: ١٦].
لهذا عبر عنهم أنهم ليس لهم ولي: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [الشورى: ٨].
كما بين أن الولاية الحقيقية لمن لا يؤمنون هي ولاية للشيطان: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [الأعراف: ٢٧].
وقد نفى الإيمان عن الذين يوالون الكافرين: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [المائدة: ٨١].
وقد شبه الله الذين اتخذوا أولياء من دون الله بالعنكبوت عندما تتخذ بيتًا: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [العنكبوت: ٤١].
وبهذا وصف المتقين بأنهم أولياؤه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [يونس: ٦٢ - ٦٣].
وقد فسر معنى الأولياء هنا بأنهم: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ).
قال ابن عاشور: «ودل قوله: (ﭞ ﭟ) على أن التقوى ملازمة لهم، أخذًا من صيغة (ﭞ)، وأنها متجددة منهم؛ أخذًا من صيغة المضارع في قوله: (ﭟ) »105.
وقال أبو السعود: «فملاك أمر الولاية هو التقوى»106.
وقال ابن عاشور: «وهذه الآية هي أقوى ما يعتمد عليه في تفسير حقيقة الولي شرعًا»107.
وكذلك وصف الله تعالى نفسه أنه ولي المتقين، فقال جل شأنه: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [الجاثية: ١٩].
فإنه إذا كان صف الظالمين واحدًا وأنهم أولياء بعضهم فإن صف المتقين صف واحد، والله وليهم جميعًا، فهو متولي أمرهم بتيسير أمورهم ونصرهم وعونهم وتأييدهم.
٣. حب الله تعالى.
تدل أصل كلمة الحب على ميل القلب إلى أمر يراه خيرًا ويستلذ به، قال الراغب: «والمحبة: إرادة ما تراه أو تظنه خيرًا، وهي ثلاثة أوجه: محبة للذة؛ كمحبة الرجل المرأة... ومحبة للنفع؛ كمحبة شيء ينتفع به... ومحبة فضل؛ كمحبة أهل العلم بعضهم لبعض؛ لأجل العلم. وربما فسرت المحبة بالإرادة في نحو قوله تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [التوبة: ١٠٨].
وليس كذلك، فإن المحبة أبلغ من الإرادة، وقوله تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [المائدة: ٥٤].
فمحبة الله تعالى للعبد إنعامه عليه، ومحبة العبد له طلب الزلفى لديه»108.
وقد تحدث الألوسي عن المحبة ومعناها فقال: «فالمحبة لغة: ميل المتصف بها إلى أمر ملذ» ثم تكلم عن أنها يمكن توفرها في العبد حقيقة... أما محبة الله للعبد فهي من المتشابهات، فقال: «وأنت تعلم أن ذلك من المتشابه، والمذاهب فيه مشهورة»109.
وقال البيضاوي: «ومحبة الله تعالى للعباد إرادة الهدى والتوفيق لهم في الدنيا وحسن الثواب في الآخرة»110.
وذكر ابن القيم عن محبة الله لعبده فقال: «محبة الرب لأوليائه وأنبيائه ورسله صفة زائدة على رحمته وإحسانه وعطائه، فإن ذلك أثر المحبة وموجبها. فإنه لما أحبهم كان نصيبهم من رحمته وبره أتم نصيب»111.
وعلى كل حال فإن المحبة كما قال ابن القيم: «لا تحد بحد أوضح منها، فالحدود لا تزيدها إلا خفاء وجفاء، فحدها وجودها. ولا توصف المحبة بوصف أظهر من المحبة. وإنما يتكلم الناس في أسبابها وموجباتها وعلاماتها وشواهدها وثمراتها وأحكامها»112.
وقد رسم لنا القرآن الكريم الطريق العام لنيل محبة الله تعالى، فقال جل شأنه: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [آل عمران: ٣١].
فإن الطريق لنيل محبة الله اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله.
وكذلك بين لنا الرسول صلى الله عليه وسلم الطريق لنيل محبة الله تعالى، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى قال: من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه)113.
وإذا أحب الله تعالى عبدًا من عباده فإنه يوقع له المحبة من أهل السماء وأهل الأرض. ففي الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تعالى إذا أحب عبدًا دعا جبريل، فقال: إني أحب فلانًا فأحببه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض.. وإذا أبغض عبدًا دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانًا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلانًا فأبغضوه، فيبغضه أهل السماء، ثم توضع له البغضاء في الأرض)114.
وكذلك إذا أحب الله تعالى عبده فإنه يؤيده وينصره، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى قال: من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني أعطيته، ولئن استعاذني لأعيذنه)115.
لذلك قال الله تعالى في ذكر بعض ثمرات التقوى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [آل عمران: ٧٦].
والتقوى صفة من جملة الصفات التي إن تحلى بها المرء نال حب الله تعالى، فقد ذكر القرآن أن الله يحب من اتصف بصفات معينة، وهذه الصفات هي أمهات الفضائل: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [المائدة: ٤٢].
وقال تعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [آل عمران: ١٥٩].
وقال تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [المائدة: ١٣].
وقال تعالى: (ﯡ ﯢ ﯣ) [آل عمران: ١٤٦].
وقال تعالى: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [البقرة: ٢٢٢].
وقال تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [الصف: ٤].
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم: (إن الله يحب العبد التقي، الغني، الخفي)116.
فالتقوى صفة من الصفات التي يحب الله من اتصف بها.
٤. رحمة الله تعالى.
ومن ثمرات التقوى نيل رحمة الله تعالى.
قال تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [الحديد: ٢٨].
ومعنى رحمة الله تعالى لعباده هي: العطف والإنعام والإحسان والرأفة.
والله رحيم بهذا الإنسان يرعاه ويعينه في كل لحظة من لحظات حياته، ولولا رحمة الله بهذا الإنسان لما استطاع العيش ولا للحظة واحدة، إنه المخلوق الضعيف الذي يحتاج إلى الرعاية والعناية.
ورحمة الله واسعة لا تشمل الإنسان فحسب، بل تشمل كل مخلوق خلقه الله تعالى.
قال تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الأعراف: ١٥٦].
وقال تعالى: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [الأنعام: ٥٤].
فالله تعالى هو المتصرف في شئون هذا الكون، وكل ما في الكون ملك له، والإنسان وغيره مخلوقات ضعيفة منقادون لله تعالى، ومع هذا فإن الله تعالى كتب على نفسه الرحمة؛ تفضلًا وتكرمًا، وهذه نعمة عظيمة على المرء أن لا يغفل عنها.
وإذا كانت رحمة الله تعالى تقتضي الإحسان والتخفيف والرأفة على هذا المخلوق الضعيف، وأنها تشمل المؤمن والكافر، إلا أن هناك رحمات خاصة يخص بها عباده المؤمنين الطائعين، وهذه الرحمة تعني: زيادة العطف والعناية والرأفة بهؤلاء المؤمنين، فالله يحيطهم برحمة خاصة، كما قال الله تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [الأعراف: ٥٦].
وقد رسم لنا القرآن الطريق لنيل رحمة الله التي خص بها عباده، فمن هذه الطرق:
والملاحظ في هذه الآيات وغيرها أن الله تعالى يعبر عن نيل رحمته بـ (لعل) كما قال: (ﯥ ﯦ) وهذا يفيد الرجاء، أي: رجاء أن ترحموا. وفي هذا التعبير دلالة على أن الرحمة من الله يعطيها لمن يشاء، فلتطلب الرحمة من طرقها مع رجاء الله في نيل رحمته، أي: إن من أهم طرق الرحمة هو: رجاء الله في نيلها، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لن يدخل هو الجنة بعمله إلا أن يتغمده الله برحمته. فرجاء رحمته تعالى هي أهم شيء في طلبها.
قال تعالى: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [العنكبوت: ٢١].
(ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [البقرة: ١٠٥].
ولهذا نجد القرآن الكريم يحثنا كثيرًا على طلب رحمة الله وعدم القنوط من رحمته تبارك وتعالى التي وسعت كل شيء، وسعت الإنسان مهما عمل من المعاصي إذا تاب.
قال تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [الحجر: ٥٦].
وقال تعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الزمر: ٣٥].
والله تعالى يختص برحمته من يشاء، وقد خص بها أصنافًا من المؤمنين، ومن هؤلاء الأصناف: المتقون.
قال تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [الحديد: ٢٨].
ففي هذه الآية نجد أن من يتقي الله فإن الله يؤتيه كفلين من رحمته. وأصل الكفل: الحظ الذي فيه الكفاية، أي: يؤتكم نصيبين من رحمته.
قال ابن عاشور: «والكفل -بكسر الكاف وسكون الفاء-: النصيب، وأصله: الأجر المضاعف، أي: يؤتكم أجرين عظيمين، وكل أجر منهما هو ضعف الآخر مماثل له، فلذلك ثني كفلين»117.
وقال سيد قطب: «أي: يعطكم نصيبين من رحمته، وهو تعبير عجيب، فرحمة الله لا تتجزأ، ومجرد مسها الإنسان يمنحه حقيقتها، ولكن في هذا التعبير زيادة امتداد للرحمة وزيادة فيض»118.
وقال تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [الأعراف: ١٥٦].
والرحمة هنا ذكرت مقابل العذاب: «قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء» ففي مقابل العذاب جاء ذكر الرحمة؛ لبيان أن الرحمة تسبق العذاب، كما ورد في الحديث القدسي: (إن رحمتي تغلب غضبي).
قال أبو السعود: «وفي نسبة الإصابة إلى العذاب بصيغة المضارع ونسبة السعة إلى الرحمة بصيغة الماضي إيذان بأن الرحمة مقتضى الذات. وأما العذاب فبمقتضى معاصي العباد»119. وقد كانت الرحمة هنا أولًا للذين يتقون.
٥. قبول العمل.
وقبول العمل يعني: أخذه مع إعطاء الثواب عليه، أو الرضا به مع إثابة العامل.
وقد امتن الله على المؤمنين بأن أثابهم على استقامتهم بقبول أفضل أعمالهم، حيث قال تعالى: (ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ) [الأحقاف: ١٣].
ثم قال عنهم: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [الأحقاف: ١٦].
وقبول العمل عطاء من الله تعالى، ولهذا ورد الدعاء بقبول العمل. فهذا إبراهيم وولده إسماعيل عليهما الصلاة والسلام يأمرهما الله تعالى ببناء الكعبة المشرفة، فيقومان بعملهما؛ امتثالًا لأمره تبارك وتعالى، ثم يدعوان الله أن يتقبل عملهما.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [البقرة: ١٢٧].
وهذه امرأة عمران تدعو الله تعالى أن يتقبل منها نذرها، فيكرمها الله تعالى بقبول نذرها.
قال تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [آل عمران: ٣٥ - ٣٧].
وهنا نقدر قيمة ما أعطى الله تعالى للمتقين من قبول العمل، حيث قال الله تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [المائدة: ٢٧].
وذلك أن ابني آدم عليه السلام قربا قربانًا فقبل الله من أحدهما ولم يقبل من الآخر، فأراد الآخر قتل أخيه، فأخبره أن عدم قبوله؛ لانسلاخ نفسه من التقوى.
قال الله تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [المائدة: ٢٧].
قال أبو السعود: «(ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) لا من غيرهم، وإنما تقبل قرباني ورد قربانك؛ لما فينا من التقوى وعدمه، أي: إنما أتيت من قبل نفسك لا من قبلي، فلم تقتلني؟! خلا أنه لم يصرح بذلك بل سلك مسلك التعريض؛ حذرًا من تهيج غضبه، وحملًا له على التقوى، والإقلاع عما نواه»120.
وقال الزمخشري: «إنما أتيت من قبل نفسك؛ لانسلاخها من لباس التقوى، لا من قبلي فلم تقتلني؟ وما لك لا تعاتب نفسك ولا تحملها على تقوى الله التي هي السبب في القبول؟ فأجابه بكلام حكيم مختصر جامع لمعان. وفيه دليل على أن الله تعالى لا يقبل طاعةً إلا من مؤمن متقٍ»121.
٦. التقوى ميزان التفاضل بين العباد.
خصلة التقوى هي التي يتم بها التفاضل عند الله تبارك وتعالى، فأكرم الناس عنده من كان تقيًا. ولا فضل لأي إنسان، ملكًا كان أو أميرًا، صاحب مال أوجاه أو سلطان على غيره من الضعفاء والفقراء.
قال تعالى: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [الحجرات: ١٣].
فهو ميزان التفاضل الحقيقي الذي يضع الناس في أماكنهم، ويجعل تقييمهم حسب المبادئ والقيم والأخلاق. وليس حسب مقاييس اجتماعية براقة كاذبة خداعة. المقاييس التي تجعل من الناس طبقات يتسلط فيها القوي على الضعيف، والغني على الفقير، يتسلط فيها أصحاب الفساد في المجتمعات، فتشترى الذمم وتنتشر الرذائل.
والكرم: اسم للأخلاق والأفعال المحمودة، ويقال: لفظ الكرم لمن ينفق في المحاسن الكبيرة، كمن ينفق مالًا؛ ليجهز جيشًا في سبيل الله، أو يتحمل حمالة تحقن دماء قوم من الناس122.
وأكرم الأفعال وأشرفها ما يقصد به وجه الله تعالى، وأشرفها التقوى، لذلك قال تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [الحجرات: ١٣].
يقول سيد قطب في بيان معنى الآية: «(ﭵ ﭶ) والذي يناديكم هذا النداء هو الذي خلقكم من ذكر وأنثى... وهو يطلعكم على الغاية من جعلكم شعوبًا وقبائل، إنها ليست التناحر والخصام، إنما هي التعارف والوئام. فأما اختلاف الألسنة والألوان، واختلاف الطباع والاخلاق، واختلاف المواهب والاستعدادات فتنوع لا يقتضي النزاع والشقاق، بل يقتضي التعاون؛ للنهوض بجميع التكاليف والوفاء بجميع الحاجات. وليس للون والجنس واللغة والوطن وسائر هذه المعاني من حساب في ميزان الله، إنما هنالك ميزان واحد تتحد به القيم، ويعرف به فضل الناس: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ).. والكريم حقًا هو الكريم عند الله»123.
٧. التقوى طريق للعلم.
والتقوى طريق لتحصيل العلم، حيث قرن القرآن الكريم بين العلم وتقوى الله تعالى، فقال سبحانه: (ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ) [البقرة: ٢٨٢].
والعلم الحقيقي هو العلم الموصل إلى الهداية؛ لأن كل ذرة في هذا الكون تشهد بأن الله هو خالق هذا الكون، فمخلوقات الله تشهد على خالقها، وهذا النوع حث القرآن على النظر فيه والتفكر في شأن السماوات والأرض.
فإذا لم يكن العلم موصلًا إلى الهداية ومؤكدًا لحقيقة الإيمان بالله تبارك وتعالى، فليس هو العلم الذي دعا إليه القرآن الكريم وحث على التعلم فيه، لذلك نجد كثيرًا ممن لا تزيدهم علومهم إلا جهلًا بالحقيقة وابتعادًا عن الإيمان بالله تعالى وهم قلة، وقد قص علينا القرآن مثال الذي آتاه الله علمًا فأضله الله على علم: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [الأعراف: ١٧٥ - ١٧٦].
والعلم الحقيقي هو الذي يبتغي به الإنسان وجه الله، ويكون سببًا في هداية المرء وتعرفه على مخلوقات الله، فيعرف الله سبحانه وتعالى من معرفة مخلوقاته، ولهذا نجد أن القرآن الكريم يمتدح الذين يعقلون والذين يتفكرون في مخلوقاته، وينعى باللائمة على الذين لا يعقلون والذين لا يتدبرون.
ولهذا أشار القرآن إلى أن العلماء هم الذين يخشون الله حق خشيته، وقد خصهم بخشيته فقال: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [فاطر: ٢٨].
ويدخل في إطار العلماء كل من كان له علم حقيقي، سواء كانوا عالمين بالله وبصفاته وبقدرته أم بمخلوقاته وأسرار خلقه من علم بأمور الطبيعة والكون، فالكون هو كتاب الله المنظور الذي يدل على أن الله خالقه ومبدعه. والله جعل في هذا الكون دلائل قدرته وأظهر فيه بدائع صنعه، لذا كانت العلوم الكونية موصلة إلى معرفة أسرار المخلوقات الدالة على خالقها.
وعلى هذا فالعلم الحقيقي موصل إلى الهداية، ومعرف بالحقيقة الأزلية؛ حقيقة خلق الله للأشياء وقدرته وإبداعه، والعلم بهذه الصفات عطاء إلهي، فمنها ما يتوصل إليه بأسباب، ومنها ما لا يكون للوصول إليها إلا بإرادة الله تعالى، ولهذا نجد أن الله تعالى أعطى العبد الصالح -صاحب موسى عليه السلام- من العلم ما لم يعطه لموسى عليه السلام نفسه، وهو نبيه ورسوله، والذي جاء خبره في سورة الكهف، حيث قال تعالى عن العبد الصالح: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [الكهف: ٦٥].
وقد أوحى الله إلى موسى أن هناك عبدًا أعلم منه، وأرشده للذهاب إلى لقياه والتعلم منه124.
وقد جعل القرآن بعض الأمور سببًا في منح شيء من علم الله لهم منها التقوى، فقد جعل القرآن التقوى سببًا من أسباب منحهم شيئًا من علمه تبارك وتعالى.
قال تعالى: (ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ) [البقرة: ٢٨٢].
فقوله تعالى: (ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ) ينبئ عن أن التقوى تثمر العلم.
يقول رشيد رضا: «أي: اتقوا الله في جميع ما أمركم به ونهاكم عنه، وهو يعلمكم ما فيه قيام مصالحكم وحفظ أموالكم وتقوية رابطتكم، فإنكم لولا هدايته لا تعلمون بذلك»125.
ويقول سيد قطب: «ثم -وعلى عادة القرآن في إيقاظ الضمير، لا من مجرد ضغط النص- يدعو المؤمنين إلى تقوى الله في النهاية، وذكرهم بأن الله هو المتفضل عليهم، وهو الذي يعلمهم ويرشدهم، وأن تقواه تفتح قلوبهم للمعرفة وتهيء أرواحهم للتعليم؛ ليقوموا بحق هذا الإنعام بالطاعة والرضى والإذعان»126.
ويقول ابن عاشور: «وقوله: (ﯻ ﯼ) تذكير بنعمة الإسلام الذي أخرجهم من الجهالة إلى العلم بالشريعة، ونظام العالم الذي هو أكبر العلوم وأنفعها، ووعدٌ بدوام ذلك؛ لأنه جيء فيه بالمضارع.
وفي عطفه على الأمر بالتقوى إيماء إلى أن التقوى سبب إفاضة العلوم، حتى قيل: إن الواو فيه للتعليل، أي: ليعلمكم»127.
فالتقوى سبب إفاضة العلوم على الإنسان، فإن من ابتعد عن معاصي الله تعالى ورثه علم ما لم يعلم. وهذا كما قال الإمام الشافعي128:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي
فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور
ونور الله لا يهدى لعاصي
ثانيًا: البركة في الرزق:
ومن ثمرات التقوى: الرزق، فإن من يتق الله فينتهي عما نهى عنه، ويعمل بما أمره به، فالله يرزقه من حيث لا يحتسب.
قال تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [الطلاق: ٢ - ٣].
والرزق من القضايا التي استأثر الله بها وأعطى منها الإنسان بما يشاء تبارك وتعالى وكيف يشاء.
والله وصف نفسه بأنه هو الرزاق: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [الذاريات: ٥٨].
ومعنى ذلك: أنه هو الذي خلق الأرزاق وجعل في الأحياء الباعث على اكتسابها، وخلق فيهم أسباب التمتع بها. لذا كان الرزق من الله وحده، يعطيه لمن يشاء.
قال تعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [البقرة: ٢١٢].
والله تبارك وتعالى قسم الرزق بين عباده فأعطى كلًا منهم بما يشاء، أعطاه لحكمة يعلمها هو تبارك وتعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [سبأ: ٣٦].
فمسألة بسط الرزق وتقديره تتعلق بحكمة من عند الله تبارك وتعالى فهو يوسع على من يشاء ويقدر على من يشاء، فقد يغدق على أهل الخير أو على أهل الشر، وقد يضيق عليهم، كل ذلك؛ ليبتليهم بأمرٍ هذا الرزق.
وبسط الرزق وتقديره يرجع لحكمة، فيعطي الله تعالى كل إنسان بما يشاء وبالقدر الذي يكون أفضل للإنسان المؤمن، فالله تعالى يعلم من أحوال بعض المؤمنين أن قلة المال أفضل لهم حتى لا يشغلهم المال عن ربهم فيضيق عليهم. والمال في حد ذاته فتنة: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [التغابن: ١٥].
إلا من عصمه الله تبارك وتعالى، ولهذا يضيق الله على بعض المؤمنين حتى لا تكون فتنة لهم: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [الشورى: ٢٧].
ويقول تعالى: (ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [الزخرف: ٣٣ - ٣٥].
فلولا الخشية رحمة بالمؤمنين من أن يكون المال فتنة لهم لكان علامة الكافرين أن يغدق عليهم المال الكثير.
والله تبارك وتعالى جعل للزرق أسبابًا معينة وربط بها الرزق، وحث على طلب الرزق في مظانه، ومن جملة هذا الأسباب:
١. السعي في طلب الرزق.
فقد أمر الله تعالى الإنسان أن يسعى في طلب رزقه، فقال: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [الملك: ١٥].
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه للسائل: «إن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة».
وينبغي أن يكون مع السعي توكل على الله تعالى واعتماد على أنه هو مصدر الرزق، فيسعى للرزق وقلبه معلق بالرزاق يدعوه مبتغيًا منه الرزق.
قال تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [العنكبوت: ١٧].
لذلك كان إبراهيم عليه الصلاة والسلام يدعو الله أن يرزق زوجته وولده: (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [البقرة: ١٢٦].
٢. الاستقامة على هدي الله.
وقد يكون من أسباب إفاضة الرزق على العباد الاستقامة على هدي الله تبارك وتعالى، فإن آمن بالله وعبده واتقاه واستغفره وعمل ما أمر به فإن الله يفيض عليه من النعم التي لا تعد ولا تحصى.
وكثيرًا ما يربط القرآن بين الإيمان وصلاح القلوب وبين إفاضة النعم الدنيوية، فضلًا عن الأخروية.
فقد جاء على لسان نوح عليه الصلاة والسلام: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [نوح: ١٠ - ١٢].
وقد ربط القرآن في أكثر من موطن بين التقوى وبين إفاضة النعم، فقوله تبارك وتعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [الطلاق: ٢ - ٣].
ربط فيه بين التقوى وبين إفاضة النعم الدنيوية.
والحديث وإن كان في معرض الكلام عن أحكام الطلاق إلا أن الآية عامة ويندرج فيه أمور الطلاق.
قال الألوسي: «وجوز أن يكون اعتراضًا جيء به على نهج الاستطراد عند ذكر قوله تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ) [الطلاق: ٢]. وهو أولى؛ لعموم الفائدة»129.
ومعنى قوله: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) «أي: من جهة لا تخطر بباله»130.
فقد ضمن الله للمتقين أن يجعل لهم مخرجًا مما يضيق على الناس، وأن يرزقهم من حيث لا يحتسبون، فيدفع عنهم ما يضرهم، ويجلب لهم ما يحتاجون إليه، فإذا لم يحصل ذلك دل على أن في التقوى خللًا فليستغفر الله وليتب إليه.
ثالثًا: غفران الذنوب وتكفير السيئات:
ومن ثمرات التقوى أن الله يغفر ذنوب المتقين، وذلك أن الإنسان لابد له من الخطأ والذنب، والله تعالى وعد المتقين بمغفرة الذنوب، فقال: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [الحديد: ٢٨].
وقال تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [الأحزاب: ٧٠ - ٧١].
ومعنى غفران الذنوب هو كما قال الراغب: «أن يصون العبد من أن يمسه العذاب»131.
وأصل الغفر في اللغة: الستر والتغطية.
والله تعالى يغفر ذنوب المتقين، أي: يسترها ولا يحاسبهم عليها. قال ابن عاشور: «وغفران الذنوب جزاء على التقوى؛ لأن عمود التقوى اجتناب الكبائر، وقد غفر الله للناس الصغائر باجتناب الكبائر، وغفر لهم الكبائر بالتوبة»132.
ويقول سيد قطب: «(ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [آل عمران: ٣١]. فالإنسان إنسانٌ مهما وهب من النور، إنسانٌ يقصر حتى لو عرف الطريق، إنسانٌ يحتاج إلى المغفرة فتدركه رحمة الله»133.
وقال تعالى: (ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) [الطلاق: ٥].
فليس الأجر على التقوى تكفير السيئات فحسب، بل زيادة في الأجر، فإن الله يضاعف الحسنة إلى سبعمائة ضعف أو أكثر.
أما قوله تعالى: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [الأنفال: ٢٩].
فقد جمع هنا بين تكفير السيئات ومغفرة الذنوب مما يدل على اختلافهما.
قال ابن عاشور: «والتقوى تشمل التوبة، فتكفير السيئات يصح أن يكون المراد به تكفير السيئات الفارطة التي تعقبها التقوى.
ومفعول (ﮈ ﮉ) محذوف، وهو ما يستحق الغفران وذلك هو الذنب، ويتعين أن يحمل على نوع من الذنوب، وهو الصغائر التي عبر عنها باللمم، ويجوز أن يكون العكس بأن يراد بالسيئات الصغائر وبالمغفرة مغفرة الكبائر بالتوبة المعقبة لها. وقيل: التكفير: الستر في الدنيا، والغفران: عدم المؤاخذة بها في الآخرة»134.
وهذا الأخير قاله الألوسي حيث قال: «(ﮅ ﮆ ﮇ) أي: يسترها في الدنيا (ﮈ ﮉ) بالتجاوز عنها في الأخرى، فلا تكرار»135.
رابعًا: تيسير الأمور وتفريج الهموم:
ومن ثمرات التقوى أن الله يجعل أمور المتقين ميسرة، ويخرجهم من الضيق الذي يعانون منه، ويصلح لهم أعمالهم.
قال تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [الطلاق: ٢].
وقال تعالى: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [الطلاق: ٤].
فمن كان في ضيق أو تعسر عليه أمر وأراد تيسير أموره فعليه بتقوى الله تعالى. واليسر هو جعل الأمور سهلة غير معقدة، ولا ضيق فيها، يضاده: العسر، الذي هو تضييق الأمور وجعلها معقدة غير ميسرة.
وقوله تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ) [عبس: ٢٠]. أي: سهل خروجه.
وقوله تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [الحج: ٧٠].
أي: سهل غير صعب، وكذلك قوله تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [ق: ٤٤].
واليسر نعمة من الله تعالى يمن بها على عباده المؤمنين المتقين، ولهذا عندما كلف الله موسى عليه السلام بالذهاب إلى فرعون، طلب موسى من الله تعالى أن يجعل أمره سهلًا يسيرًا: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [طه: ٢٥ - ٢٦].
فتيسير الأمور نعمة كبرى يمن الله بها على عباده.
يقول سيد قطب: «واليسر في الأمر غاية ما يرجوه إنسان، وإنها لنعمة كبرى أن يجعل الله الأمور ميسرة لعبد من عباده. فلا عنت ولا مشقة ولا عسر ولا ضيق. يأخذ الأمور بيسر في شعوره وتقديره، وينالها بيسر في حرفته وعمله، ويرضاها بيسر في حصيلتها ونتيجتها»136.
والعسر -الذي هو ضيق في الأمور سواء كان في المعيشة أو غيرها-؛ ابتلاء من الله تعالى يبتلي به العباد؛ ليعلم الصابر من غيره. وقد امتن الله على عباده بأنه رحيم بهم لم يجعل أمورهم كلها في عسر وضيق، بل جعل الفرج من شدة الضيق.
وقال تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [الشرح: ٥ - ٦].
فقد جعل الله تعالى مع كل عسر يسرًا، فإن العبد قد يشتد عليه أمرٌ ما، ولكن الله جعل مع كل عسر يسرًا. وجاء في الآية تكرار (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ)؛ ليؤكد هذا الأمر، وجاء اليسر منونًا بينما العسر معرفًا؛ لتفخيم أمر اليسر. وجعل بعضهم اليسر يسران أخذًا من الآية، وحمله بعضهم على يسر الدنيا ويسر الآخرة137.
فالله جعل اليسر ملازمًا للعسر، وقد عبر عنه بالمعية مع العسر؛ للدلالة على ملازمته الأكيدة والتامة. وفي هذا حث لمن أصيب بالعسر أن يصبر على العسر فإن اليسر معه.
فمن العسر ما يصيب الإنسان من ضيق في أمر معيشته، فإن على المرء أن يصبر ويحتسب ذلك عند الله تعالى؛ لأنه فيه ابتلاء، كما أن الفرج ملازم لهذا الضيق.
ومن العسر ما يصيب الإنسان من ضر في بدنه، فعلى المرء الصبر على ذلك؛ فإن الفرج لابد آتيه، وهذا ما حصل لنبي الله أيوب عليه الصلاة والسلام فصبر واحتسب، فمن الله عليه بالشفاء، وأخرجه من هذا الضيق الذي عاناه.
وهذا نبي الله يوسف عليه الصلاة والسلام يقع في الضيق فيسجن، ولكنه صبر واحتسب، فكان أن من الله عليه بالفرج والخروج من الضيق.
ومن العسر ما يصيب الأنبياء، وكذلك الدعاة من عدم استجابة الناس للدعوة الإلهية، فيصبرون، ثم يأتيهم الفرج والخروج من ذلك الضيق.
والخروج من الضيق والعسر إما أن يكون في الدنيا أو في الآخرة، فيكون في الدنيا بتفريج الأمور وقلبها من الشدة إلى اليسر، وهذا ما حصل ليوسف عليه السلام عندما خرج من السجن وجعله الملك أمينًا للخزائن، وكذلك حصل لأيوب حينما برأه الله ووهب له أهله ومثلهم معهم: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [ص: ٤٣].
وقد لا يكون التفريج في الدنيا، فيكون في الآخرة بأن يثيبه الله تعالى عليه في الآخرة بالثواب العظيم.
ولكن الله تعالى جعل بعض الأمور تزيد في تسهيل الأمور والخروج من الضيق الذي يعانيه المرء، ألا وهي التقوى، كما قال تعالى: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [الطلاق: ٤].
وقال تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [الطلاق: ٢].
خامسًا: النصر والتمكين:
من أهم عوامل النصر للمسلمين التقوى؛ لأن المسلمين لا يتغلبون على أعدائهم بمجرد العدد والعدة، بل لابد من طاعتهم لله تبارك وتعالى، لذا كانت التقوى من أهم المواصفات التي ينبغي أن يتحلى بها المجاهدون في سبيل الله؛ لتحقيق النصر.
وكثيرًا ما يتم التعبير عن المؤمنين -في سياق القتال والجهاد- بالمتقين، وذلك؛ إبرازًا لصفة التقوى وأهميتها، كما في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [التوبة: ١٢٣].
فهذه المعية ليست خاصة بصنف من المؤمنين وهم المتقون، ولكنها عامة لكل المؤمنين، وقد عبر عنهم بالمتقين؛ إبرازًا وتأكيدًا لأهمية هذا الوصف في هذا الجانب وهو القتال في سبيل الله.
قال أبو السعود: «ووضع الظاهر موضع الضمير؛ للتنصيص على أن الإيمان والقتال على الوجه المذكور من باب التقوى، والشهادة بكونهم من زمرة المتقين»138.
أي: إنه قال: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [التوبة: ١٢٣] ولم يقل: إن الله معكم.
وقال الألوسي: «وإنما وضع المظهر موضع المضمر؛ مدحًا لهم بالتقوى، وحثًا للقاصرين على ذلك، وإيذانًا بأنه المدار في النصر»139.
وفي سورة التوبة: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [التوبة: ٣٦].
والمعنى: واعلموا أن الله معكم، ولكنه جعل معيته للمتقين؛ إبرازًا لهذه الصفة، كأنها صارت مثل الشرط، كما قال ابن كثير: «واعلموا أن الله معكم إذا اتقيتموه وأطعتموه»140.
وفي سورة محمد يتحدث عن القتال فيذكر الجنة التي أعدها الله للمؤمنين فيقول: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [محمد: ١٥].
فيبرز صفة التقوى؛ لأهميتها في هذا المجال.
ومن أهم واجبات المؤمن في المعركة الصبر في مواطن القتال، فلا نصر بلا صبر. وكثيرًا ما تحدث القرآن عن الصبر وقرنه بالتقوى، فإن من تمسك بالصبر والتقوى كان في مأمن من كيد الأعداء وكانت له العاقبة والنصر.
قال تعالى: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [آل عمران: ١٢٠].
كما يبين تبارك وتعالى أنه لابد من الصبر والمصابرة والمرابطة مع اقترانهما بالتقوى: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [آل عمران: ٢٠٠].
وقد بين الله تعالى أن المؤمنين في غزوة أحد لو أنهم صبروا واتقوا ربهم لأمدهم بالملائكة ونصرهم على أعدائهم.
قال تعالى: (ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [آل عمران: ١٢٥].
فلابد من الصبر في المعركة واقترانه بالتقوى حتى يكون النصر والتمكين للمؤمنين المتقين. لذلك نجد في مواطن كثيرة يعقب عليها القرآن بقوله: (ﯙ ﯚ) [الأعراف: ١٢٨].
وقوله: (ﯞ ﯟ) [طه: ١٣٢].
قال أبو السعود: «(ﯞ ﯟ) أي: لأهل التقوى، على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه؛ تنبيهًا على أن ملاك الأمر هو التقوى»141.
وكذلك نجد أن القرآن الكريم يمتن على المؤمنين بالنصر في غزوة بدر ويطلب منهم أن يشكروا الله على هذا النصر، طلب منهم أن يشكروه بالتقوى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [آل عمران: ١٢٣].
فإن في التقوى شكرًا له على النصر، وحتى يدوم لهم النصر فلابد من التقوى.
فالقرآن يلوح دومًا بالتقوى في مجال الجهاد وفي المعركة، فلابد من ملازمتها للمجاهد في سبيل الله تعالى، وأنه بقدر تقوى المؤمنين يعطيهم النصر، وبقدر ابتعادهم عن التقوى يسلط عليهم عدوهم كما حصل يوم حنين عندما أعجب البعض بكثرتهم.
بين الله سبحانه وتعالى عاقبة التقوى وآثارها في القرآن الكريم، وسوف نتناول ذلك فيما يأتي:
أولًا: عاقبة التقوى في الدنيا وآثرها على الفرد والمجتمع:
بين الله تبارك وتعالى أن العاقبة الحسنى للتقوى والمتقين.
قال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ) [طه: ١٣٢].
فقد أمر الله تبارك وتعالى بالتقوى وتحصيل مبادئها وترك الالتفات إلى ما سواها؛ لأن العاقبة والنتيجة الحسنى للتقوى، سواء كان ذلك في الدنيا أو في الآخرة.
وأصل العقب هو مؤخر الرجل، وخص العقب والعقبى بالثواب، وكذلك العاقبة142، أي: الثواب الحسن للتقوى، مما يدل على أن التقوى هي ملاك الأمر وعليها تدور دوائر الخير143.
فالتقوى سبيل المؤمنين، وخلق الأنبياء والمرسلين... ووصية الله تعالى لعباده الأولين والآخرين. يقول القرطبي: «التقوى فيها جماع الخير كله، وهي وصية الله في الأولين والآخرين، وهي خير ما يستفيده الإنسان»144.
ويقول العلامة الفيروزآبادي عن التقوى: «لو كانت في العالم خصلة هي أصلح للعبد وأجمع للخير وأعظم للأجر وأجل في العبودية، وأعظم في القدر، وأولى في الحال، وأنجح في المآل من هذه الخصلة لكان الله سبحان أمر بها عباده، وأوصى خواصه بذلك؛ لكمال حكمته ورحمته.
فلما أوصى بهذه الخصلة الواحدة جميع الأولين والآخرين من عباده، واقتصر عليها، علمنا أنها الغاية التي لا متجاوز عنها ولا مقتصر دونها. وأنه عز وجل قد جمع كل محض نصحٍ ودلالةٍ وإرشاد وسنة وتأديب وتعليم وتهذيب في هذه الوصية الواحدة»145.
يقول سيد قطب: «فالإنسان هو الرابح بالعبادة في دنياه وأخراه، يعبد فيرضى ويطمئن ويستريح، ويعبد، فيجزى بعد ذلك الجزاء الأوفى، والله غني عن العالمين»146.
لذلك فإن للتقوى أثرًا عظيمًا على حياة الناس:
فالفرد التقي يجمع كل صفات الخير وينال كل أسباب السعادة الدنيوية، من الرزق والعلم وراحة البال، وكل ما يسعد الإنسان في حياته، يسلم أمره لله في كل شأنه من شئون حياته، ويعلم علم اليقين أن الله الذي يعلم السر وأخفى متكفل به.
والمجاهد في سبيل الله يدرك تمام الإدراك بأنه لو اتقى الله حق تقواه فلابد أن ينصره الله على عدوه، وإن لم يظهر نصره فلخلل في تقواه، إلا أن العاقبة الحسنى في الدنيا للمتقين.
والمجتمع المسلم التقي الذي يؤمن أن في التقوى خيره وما يسعده، فيظهر أثر التقوى في سلوك ذلك المجتمع، وتجد التكافل في أبلغ صوره من التكافل بين الأفراد، وسد حاجة بعضهم لبعض، ويظهر في المجتمع أثر التعاون والإحسان للمحتاج، كما يظهر أثر الإيثار بين الناس، وكرائم الأخلاق، من الصدق والإحسان وكظم الغيظ والعفو عن الناس.
لذلك فإن كان بين العباد فرد فاضل ومجتمع فاضل ومدينة فاضلة فهو مجتمع التقوى والمتقين.
وهذه المثالية لم توجد في مجتمع آخر، كما وجدت في مجتمع المسلمين الأتقياء، لقد وصل الناس في زمن من تاريخ المسلمين لأن ينادى في الشوارع بالصدقات إذا كان هناك أحد يستحقها فلا يجدون، والفرد يتعلم العلم في جميع مراحل حياته وهو مكفول في كل مراحل طلبه للعلم من خلال الأوقاف الكثيرة التي تنفق على طلبة العلم، ولم يعد عند القضاء إلا مسائل معدودة يختلف فيها الناس، ومثل ذلك وغيره كثير.
ثانيًا: عاقبة التقوى في الآخرة:
للمتقين في الحياة الآخرة شأن عظيم، ومهما كان أمرهم في الحياة الدنيا فإنهم في الآخرة أفضل مقامًا وأجرًا.
وقد بين لنا القرآن الكريم أن الدار التي يقيم فيها المتقون في الآخرة أفضل منها في الدنيا، فإنه بقدر ما أعطاهم من ثمرات على التقوى في الدنيا فإنه يعطيهم أفضل منها في الآخرة.
قال الله تعالى: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ) [الأعراف: ١٦٩].
وقال تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ) [القصص: ٨٣].
وكذلك يكون الجزاء في الآخرة أفضل، قال تعالى: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [يوسف: ٥٧].
وقال تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [النساء: ٧٧].
وقال تعالى: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [البقرة: ٢١٢].
وقد أكرم الله المتقين إكرامًا خاصًا في كل مشهد من مشاهد الآخرة، إليك بيانها:
١. عند الوفاة.
يبين القرآن الكريم مشهد المؤمنين المتقين عندما تقبض الملائكة أرواحهم، وكيف تتلقاهم الملائكة بطيب وسرور بالغ وهم يزفون تلك الروح إلى جنة الخلد.
يقول تبارك وتعالى: (ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [النحل: ٣٠ - ٣٢].
وقوله تعالى: (ﯘ) أي: طاهرين من دنس الشرك والمعاصي.
قال الراغب: «وأصل الطيب: ما تستلذه الحواس وما تستلذه النفس..، والطيب من الإنسان من تعرى من نجاسة الجهل والفسق وقبائح الأعمال، وتحلى بالعلم والإيمان ومحاسن الأعمال، وإياهم قصد بقوله: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [النحل: ٣٠]»147.
فالملائكة تتوفى المؤمنين حال كونهم طيبي النفوس، أي: طاهرين من دنس الشرك والمعاصي، وقيل: «فرحين طيبي النفوس ببشارة الملائكة إياهم بالجنة، أو طيبين بقبض أرواحهم؛ لتوجه نفسهم بالكلية إلى جانب القدس»148.
فإن النفس المؤمنة تكون طيبة فرحة بلقاء ربها: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [الفجر: ٢٧ - ٣٠].
٢. يحشر المتقون حشر تكريم.
فإذا كان المجرمون يحشرون على وجوههم صمًا وبكمًا وعميًا فإن المتقين يحشرون حشر تكريم، كما قال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [مريم: ٨٥].
قال ابن عاشور: «أي: حشر الوفود إلى الملوك، فإن الوفود يكونون مكرمين»149.
وقال ابن كثير: «إنه يحشرهم يوم القيامة وفدًا، والوفد: هم القادمون ركبانًا، ومنه الوفود»150.
وقال الألوسي: «أي: ركبانًا... وأصل الوفد جمع وافد، كالوفود والأوفاد والوفد، من وفد إليه وعليه وفدًا ووفودًا ووفادة وإفادة: قدم وورد.. وقال الراغب: الوفد والوفود هم الذين يقدمون على الملوك مستنجزين الحوائج.. وهذا المعنى الذي ذكره هو المشهور، ومن هنا قيل: إن لفظة الوفد مشعرة بالإكرام والتبجيل، حيث آذنت بتشبيه حالة المتقين بحالة وفود الملوك، وليس المراد حقيقة الوفادة من سائر الحيثيات؛ لأنها تتضمن الانصراف من الموفود عليه، والمتقون مقيمون أبدًا في ثواب ربهم عز وجل. والكلام على تقدير مضاف، أي: إلى كرامة الرحمن أو ثوابه وهو الجنة أو إلى دار كرامته أو نحو ذلك...، وكان الظاهر بأن يقال: يوم نحشر المتقين إلينا، إلا أنه اختير الرحمن؛ إيذانًا بأنهم يجمعون من أماكن متفرقة وأقطار شاسعة إلى من يرحمهم»151.
٣. عند اجتياز الصراط.
وبعد بعث الناس وحشرهم يأتي الحساب، فيعطى كل إنسان كتابه بيمينه أو بشماله، ثم يمرون على الصراط.
والصراط جسر على جهنم يمر عليه الناس مؤمنون وكافرون، فيسقط في النار الكافرون ومن قضي عليه بالعذاب، بينما ينجي الله المؤمنين المتقين من الوقوع في النار.
وقد وردت روايات في وصف الصراط بأنه أحد من السيف وأدق من الشعر.
وعلى هذا الصراط يعبر المؤمنون المتقون، ولكن سرعة عبورهم على حسب أعمالهم، وذلك أن المتقين يمرون فلا يقعون، وعندها ينجيهم الله برحمته من الوقوع في جهنم.
قال تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [مريم: ٧١ - ٧٢].
واختلف المفسرون في المراد بالورود، فقال بعضهم: يراد بورود النار: دخولها، فيدخلها المؤمنون، ولكنها تكون عليهم بردًا وسلامًا كما كانت على إبراهيم عليه السلام. وقال آخرون: إن المراد بالورود: المرور عليها من غير دخول.
٤. عند دخول الجنة.
وأول ما نلاحظه في الآيات من دخول المتقين الجنة: أن المتقين قبل دخولهم الجنة فإن الجنة تقرب لهم، كما قال تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ) [الشعراء: ٩٠].
ومعنى الإزلاف: التقريب، أي: قربت الجنة للمتقين.
قال أبو السعود: «أي: قربت الجنة للمتقين عن الكفر والمعاصي بحيث يشاهدونها من الموقف ويقفون على ما فيها من فنون المحاسن فيبتهجون بأنهم المحشورون إليها»152 .
وقال ابن عاشور: «والمعنى أن المتقين يجدون الجنة حاضرة فلا يتجشمون مشقة السوق إليها»153.
بينما قال عن الضالين المجرمين: (ﭼ ﭽ ﭾ) [الشعراء: ٩١].
«أي: جعلت بارزة لهم بحيث يرونها مع ما فيها من أنواع الأحوال الهائلة، ويتحسرون على أنهم المسوقون إليها» 154.
وكذلك فإن المتقين يصلون إلى الجنة فيجدون أن الأبواب قد فتحت لهم وأن خزنة الجنة واقفة عند باب الجنة؛ لاستقبالهم.
أما عن استقبال الملائكة لهم وكيفيته فقد قال الله فيه: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [الزمر: ٧٣].
فالملائكة تستقبلهم بالسلام قائلين لهم (ﯤ ﯥ) ويبينون لهم سبب هذا الدخول وهذا الاستقبال بقولهم: (ﯦ) أي: طبتم من دنس المعاصي والآثام، والتطيب هو التطهير، أي: تطهرتم من المعاصي والشرك، قال سيد قطب: «فهو الاستقبال الطيب والثناء المستحب. وبيان السبب (ﯦ) وتطهرتم، كنتم طيبين، وجئتم طيبين»155.
وقال الألوسي: (ﯦ) أي: من دنس المعاصي، وقيل: طبتم نفسًا بما أتيح لكم من النعيم المقيم، والأول مروي عن مجاهد، وهو الأظهر»156.
وقال أبو حيان: «طبتم أي: أعمالًا ومعتقدًا ومستقرًا أو جزاءً»157.
فالملائكة تستقبل المتقين مسلمة عليهم كما ذكر في سورة (ق): (ﰖ ﰗ) [٣٤].
وبعد دخولهم إلى الجنة واستقبال الملائكة لهم يتوجه المتقون إلى ربهم بالحمد والشكر على هذه النعمة العظيمة: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [الزمر: ٧٤].
والمراد بالأرض: أرض الجنة، قال ابن كثير: «أي: أرض الجنة»158.
وقال الزمخشري: «(ﯱ) عبارة عن المكان الذي أقاموا فيه واتخذوه مقرًا ومتبوأ، وقد أورثوها، أي: ملكوها وجعلوا ملوكها، وأطلق تصرفهم فيها كما يشاءون تشبيهًا؛ بحال الوارث وتصرفه فيما يرثه واتساعه فيه وذهابه في إنفاقه طولًا وعرضًا.
فإن قلت: ما معنى قوله: (ﯵ ﯶ)؟ وهل يتبوأ أحدهم مكان غيره؟
قلت: يكون لكل واحد منهم جنة لا توصف سعة وزيادة على الحاجة، فيتبوأ من جنته حيث يشاء ولا يحتاج إلى جنة غيره»159.
موضوعات ذات صلة: |
الإحسان، الإيمان، البر، الخشية |
1 مقاييس اللغة ٦/١٣١.
2 معجم لسان العرب ١٥/٤٠١ .
3 الجامع لأحكام القرآن ١/١٤١ .
4 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٢٠٠ .
5 جامع العلوم والحكم، ابن رجب ص١٣٨ .
6 أنوار التنزيل، البيضاوي ١/٤٨ .
7 البحر المحيط، أبو حيان ١/٣٨ .
8 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص ٧٥٨-٧٦١.
9 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني، ص ٨٨١.
10 انظر: الصحاح، الجوهري، ٥/٢٠٧١، القاموس المحيط، الفيروزآبادي، ص١٥١٨، لسان العرب، ابن منظور، ١٣/٢١.
11 انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية ٧/٢٩١، الإيمان، حقيقته، خوارمه، نواقضه، عند أهل السنة والجماعة، عبد الله بن عبدالحميد، ص١٩-٢١.
12 التوضيح والبيان لشجرة الإيمان، السعدي، ص٤١.
13 مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/١٤٨.
14 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٢٨٣.
15 التعريفات، الجرجاني ص ٨٦-٨٧.
16 الفروق اللغوية، العسكري ١/ ٢٤٣.
17 أنوار التنزيل، البيضاوي ٣/٧٦.
18 زاد المسير ٣/٤٤٦.
19 المحرر الوجيز ص٣٥٢.
20 جامع البيان، الطبري ٣/ ٥٠١.
21 المحرر الوجيز ١/ ٢٧٤.
22 أنوار التنزيل، البيضاوي ١/٣٢٩ .
23 أنوار التنزيل، البيضاوي ١/١٧٨.
24 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٩٥ .
25 في ظلال القرآن ٦/٣٢٩٤ .
26 روح المعاني، الألوسي ١/١١٤ .
27 جزء من حديث أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الطهارة، باب فضل الوضوء، رقم ٢٢٣، ١/٢٠٣.
28 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٢٥٥ .
29 المصدر السابق ص٢٦٤ .
30 إرشاد العقل السليم، ٦/٧٠ .
31 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٤١٧.
32 أنوار التنزيل، البيضاوي ١/٥٧ .
33 المصدر السابق ١/٣١٣ .
34 روح المعاني ٢/٤٧ .
35 المصدر السابق ٢/٤٧ .
36 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/١٩٧ .
37 المفردات ص٥٠٢ .
38 روح المعاني ١/١١٨ .
39 إرشاد العقل السليم، ٣/٨٤.
40 تفسير القرآن العظيم، ١/٣٨٢ .
41 روح المعاني ٤/٥٨ .
42 المفردات ص١٩٤.
43 الكشاف، الزمخشري ١/٢٣ .
44 لسان العرب، ٥/٢٥.
45 المفردات ص٢٢٦
46 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب قوله تعالى: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ)، رقم ٧٤٩٤، ٩/١٤٣، ومسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين، باب الترغيب في الدعاء، رقم ١٦٩، ١/٥٢١ .
47 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٣٣٣ .
48 جامع البيان، الطبري ٣/٢٠٩ .
49 الجامع لأحكام القرآن ٤/٣٩ .
50 سبق تخريجه.
51 المنار، محمد رشيد رضا ٣/٢٥٣ .
52 محاسن التأويل، القاسمي ٤/٦٥ .
53 مفاتيح الغيب، الرازي ٧/٢٠٢ .
54 مدارك التنزيل، النسفي ٢/١٤٩ .
55 المفردات ص٣٧٤.
56 أنوار التنزيل، البيضاوي ٢/٤٣ .
57 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٣٨٥ .
58 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب في الاستغفار، رقم ١٥١٤، ٢/٨٤.
وحسنه ابن كثير في تفسيره ١/٣٨٥ .
59 المفردات ص٢٧٩ .
60 المفردات ص١٤٩ .
61 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصيام، صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب، رقم ١١١٠، ٢/٧٨١ .
62 روح المعاني ٢٢/١٩١ .
63 المفردات ص٤١٣.
64 روح المعاني ٣/١٠٢ .
65 المصدر السابق ٢/١٥٧ .
66 البحر المحيط، ٢/٨ .
67 روح المعاني ٢/٤٨ .
68 المفردات ص٦٦.
69 أخرجه أحمد في مسنده، ١٦/٣٨٣، رقم ١٠٦٥٤، والترمذي في سننه، أبواب الزهد باب ٣٨، ٤/٥٧٨، رقم ٢٣٥٤.
قال الترمذي: حسن صحيح .
70 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، ٨/١١٣، رقم ٦٥٤٦.
71 البحر المحيط ٢/٨ .
72 روح المعاني ٢/٤٨ .
73 أخرجه أحمد في مسنده، ١٣/٢٤٨، رقم ٧٨٥٩، والترمذي، أبواب الزهد، باب ما جاء في الصبر على البلاء، ٤/٦٠٢، رقم ٢٣٩٩.
قال الترمذي: حسن صحيح .
74 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب لا تمنوا لقاء العدو، ٤/٦٣، رقم ٣٠٢٤، ومسلم في صحيحه، كتاب الجهاد، باب كراهية تمني لقاء العدو، ٣/١٣٦٢، رقم ١٧٤٢.
75 المفردات ص٣٦٨.
76 روح المعاني ٤/٥٨ .
77 إرشاد العقل السليم، ٢/٨٥ .
78 روح المعاني ٤/٥٨ .
79 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب من كظم غيظًا، ٤/٢٤٨، رقم ٤٧٧٧، والترمذي في سننه، أبواب صفة القيامة، رقم ٢٤٩٨.
قال الترمذي: حسن غريب.
80 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب الحذر من الغضب، ٨/٢٨، رقم ٦١١٦.
81 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب الحذر من الغضب، ٨/٢٨، رقم ٦١١٤، ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة، باب فضل من يملك نفسه عند الغضب، ٤/٢٠١٤، رقم ٢٦٠٩.
82 أخرج البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب تخفيف الإمام في القيام، ١/١٤٢، رقم ٧٠٢، ومسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة، ١/٣٤٠، رقم ٤٦٦.
83 المفردات ص٣٣٩ .
84 روح المعاني ٤/٥٨ .
85 روح الدين الإسلامي، عفيف طبارة ص٢١٦.
86 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب حديث الغار، ٤/١٧٥، رقم ٣٤٧٧، ومسلم في صحيحه، كتاب الجهاد، باب غزوة أحد، ٣/١٤١٧، رقم ١٧٩٢.
87 التحرير والتنوير ٢٤/٨ .
88 فتح القدير ٤/٢٦٣ .
89 المفردات ص٣٥٠.
90 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب، باب السمع والطاع للإمام، ٤/٤٩، رقم ٢٩٥٥، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، ٣/١٤٦٩، رقم١٨٣٩ .
91 فتح القدير ٢/٣٢٠ .
92 المفردات ص٢١٦.
93 أخرجه أحمد في مسنده، ٥/١٩، رقم ٢٨٠٣.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٢٩٦١.
94 فتح القدير ١/٢٦٩ .
95 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحج، باب قول الله تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ)، ٢/١٣٣، رقم ١٥٢٣.
96 المفردات ص٢٥٣ .
97 إرشاد العقل السليم، ١/٢٠١ .
98 انظر: زاد المسير ص٤٨٩ .
99 المفردات ص٤٧٠ .
100 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٤/٦٦ .
101 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٥٧٣ .
102 روح المعاني ١١/١٤٦ .
103 التحرير والتنوير ١١/٢١٦.
104 المفردات ص٥٣٣ .
105 التحرير والتنوير ١١/٢١٧ .
106 إرشاد العقل السليم، ٤/١٥٩ .
107 التحرير والتنوير ١١/٢١٧ .
108 المفردات ص١٠٥.
109 روح المعاني ٦/١٦٣ .
110 أنوار التنزيل، ٢/١٥٥ .
111 مدارج السالكين ٣/١٨ .
112 المصدر السابق ٣/٩ .
113 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب التواضع، ٨/١٠٥، رقم ٦٥٠٢، عن أبي هريرة .
114 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب، باب ذكر الملائكة، ٤/١١١، رقم ٣٢٠٩، ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة، باب إذا أحب الله عبدًا حببه إلى عباده، ٤/٢٠٣٠، رقم ٢٦٣٧.
115 سبق تخريجه قريبًا.
116 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزهد والرقائق، رقم ٢٩٦٥، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
117 التحرير والتنوير ٢٧/٤٢٩ .
118 في ظلال القرآن ٦/٣٤٩٦ .
119 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٣/٢٧٨ .
120 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٣/٢٧ .
121 الكشاف ١/٣٣٣ .
122 انظر: المفردات، الراغب ص٤٢٩.
123 في ظلال القرآن ٦/٣٣٤٨ .
124 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٩١ .
125 المنار، ٣/١٣١ .
126 في ظلال القرآن ١/٣٣٧ .
127 التحرير والتنوير ٣/١١٨ .
128 ديوان الشافعي ص ٧٦.
129 روح المعاني ٢٨/١٣٥ .
130 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٣٨٠ .
131 المفردات ص٣٦٢ .
132 التحرير والتنوير ٢٢/١٢٣ .
133 في ظلال القرآن ٦/٣٤٩٦ .
134 التحرير والتنوير ٩/٣٢٧ .
135 روح المعاني ٩/١٩٦ .
136 في ظلال القرآن ٦/٣٦٠٢ .
137 انظر: روح المعاني ٣٠/١٧٠ .
138 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٤/١١٢ .
139 روح المعاني ١٠/٩٣ .
140 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٣٨٤ .
141 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٦/٥١ .
142 المفردات، الراغب ص٣٤٠.
143 فتح القدير، الشوكاني ٣/٣٩٥ .
144 الجامع لأحكام القرآن ١/١٦٢ .
145 بصائر ذوي التميز ٢/١١٦ .
146 في ظلال القرآن ٤/٢٣٥٧ .
147 المفردات ص٣٠٨ .
148 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٥/١١١ .
149 التحرير والتنوير ١٦/١٦٨ .
150 تفسير القرآن العظيم، ٣/١٣٤ .
151 روح المعاني ١٦/١٣٦ .
152 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٦/٢١٥.
153 التحرير والتنوير ١٩/١٥١.
154 روح المعاني، الألوسي ١٩/١٠١.
155 في ظلال القرآن ٥/٣٠٦٣.
156 روح المعاني ٢٤/٣٤.
157 البحر المحيط، ٧/٤٤٣.
158 تفسير القرآن العظيم، ٤/٦٩.
159 الكشاف ٣/٣٥٨.