عناصر الموضوع

مفهوم التشاؤم

الألفاظ ذات الصلة

التشاؤم عادة جاهلية

أسباب التشاؤم

صور التشاؤم

نسبة المصائب إلى أشخاص

آثار التشاؤم

علاج التشاؤم

التشاؤم

مفهوم التشاؤم

لم يرد لفظ التشاؤم في القرآن الكريم، بل جاء ما يدل عليه في بعض الآيات الكريمة بالمعنى نفسه وبسياقات متنوعة، لذا لا بد أن نبين معنى التشاؤم في اللغة والاصطلاح.

أولًا: المعنى اللغوي:

التشاؤم في اللغة: مصدر شئم، والشؤم: خلاف اليمن، يقال: رجل مشؤوم على قومه، أي: غير مبارك، والجمع مشائيم، وتشاءم القوم به مثل تطيروا به، ويقال: شؤم الدار: ضيقها وسوء جارها، نذير شؤم: علامة وقوع مكروه، ما ينبئ بشر ويبعث على الخوف، والتشاؤم: توقع الشر1.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي.

عرفه الحليمي: بأنه سوء ظن بالله تعالى بغير سبب محقق2.

أو هو توقع حدوث الشر أو المكروه من شيء ما تراه أو تسمعه وتتوهم وقوع المكروه به3، ويكون وجوده سببًا في وجود ما يحزن ويضر4.

«ويأتي بمعنى تشاؤم الإنسان بشيء يقع تحت المناظر والمسامع مما تنفر منه النفس مما ليس بطبيعي، فأما نفارها مما هو طبيعي في الإنسان كنفاره من صرير الحديد وصوت الحمار فلا يعد من هذا، وأصله في زجر الطير، وما سواه ملحق به، ثم كثر في غيره حتى قال تعالى حكاية عمن أخبر عنه: ( ﭱﭲ ﭶﭷ ) [النمل: ٤٧]. أي: السبب الذي يسعدكم ويشقيكم عند الله»5.

ويتضح من المعنى اللغوي والاصطلاحي أن التشاؤم: حالة نفسية تلازم بعض الناس، وتبعث في نفوسهم اليأس وعدم الرضا بقدر الله عز وجل.

الألفاظ ذات الصلة

التطير:

التطير في اللغة:

وهو مأخوذ من مادة (ط ي ر)، والطاء والياء والراء أصل واحد يدل على خفة الشيء في الهواء، ثم يستعار ذلك في غيره وفي كل سرعة، فأما قولهم: تطير من الشيء، فاشتقاقه من الطير، كالغراب وما أشبهه6، والاسم (الطيرة) وهو ما يتشاءم به من الفأل الرديء، قال تعالى: ( ) [النمل: ٤٧]أصله: تطيرنا، فأدغم7.

التطير في الاصطلاح:

لا يختلف المعنى الاصطلاحي عن اللغوي.

قال ابن القيم رحمه الله: «التطير: هو التشاؤم من الشيء المرئي أو المسموع»8.

قال الشيخ ابن عاشور رحمه الله: «وإنما غلب لفظ الطيرة على التشاؤم لأن للأثر الحاصل من دلالة الطيران على الشؤم دلالةً أشد على النفس، لأن توقع الضر أدخل في النفوس من رجاء النفع»9.

الصلة بين التطير والتشاؤم:

يتضح من المعنى اللغوي والاصطلاحي أن التطير مأخوذ من الطير في الأصل، ويأتي بمعنى التشاؤم أو التيمن بحركات الطير وأصواتها، ثم صار لفظًا عامًا لكل ما تشاءمت به من طائر أو إنسان أو حيوان أو جماد، وغير ذلك، وعلى هذا فالتطير هو التشاؤم بما يرى من مرور الطير ونحو ذلك ناحية الشمال أو بما يسمع من صوت طائر، كائنًا ما كان، وعلى أية حال كان، ثم أطلق على كل ما يتوهم أنه سبب في حصول الشر.

التفاؤل:

التفاؤل في اللغة:

وأصله الفأل (الفاء والألف واللام)، أي: ما يتفاءل به، وضد الطيرة، والجمع: فؤول، قال الجوهري: الجمع أفؤل، وتفاءلت به وتفأل به؛ قال ابن الأثير: يقال تفاءلت بكذا وتفألت، على التخفيف والقلب، والفأل: أن يكون الرجل مريضًا فيسمع آخر يقول يا سالم، أو يكون طالب ضالة فيسمع آخر يقول يا واجد، فيقول: تفاءلت بكذا، ويتوجه له في ظنه كما سمع أنه يبرأ من مرضه أو يجد ضالته، والطيرة: ضد الفأل، وهي فيما يكره كالفأل فيما يستحب، والطيرة لا تكون إلا فيما يسوء، والفأل يكون فيما يحسن وفيما يسوء، والاسم الفأل مهموز، يقال: لا فأل عليك، بمعنى لا ضير عليك، ولا طير عليك، ولا شر عليك10.

التفاؤل في الاصطلاح:

وهو حسن ظن بالله عز وجل11.

الصلة بين التفاؤل والتشاؤم:

العلاقة بين التفاؤل والتشاؤم هو: أن الفأل يأتي من طريق حسن الظن بالله تعالى والتوكل عليه، بينما التشاؤم لا يكون إلا في السوء والمكروه.

التوكل:

التوكل في اللغة:

مصدر توكل يتوكل، وهو مأخوذ من مادة (وك ل) التي تدل على اعتماد على الغير في أمر ما، ومن ذلك التوكل، وهو: إظهار العجز في الأمر والاعتماد على غيرك12.

التوكل في الاصطلاح:

صدق اعتماد القلب على الله في استجلاب المصالح ودفع المضار13.

الصلة بين التوكل والتشاؤم:

التوكل هو ثقة العبد بالله تعالى والاعتماد عليه في كل الأمور، والرضا بقضائه وقدره، بخلاف التشاؤم الذي يظهر فيه سوء الظن بقضاء الله تعالى وقدره.

التشاؤم عادة جاهلية

لا شك أن التشاؤم هو من عادات أهل الجاهلية والأمم الوثنية السابقة حيث كانوا يتشاءمون من أمور كثيرة، لذا جاء الإسلام فأبطلها؛ لأنها تخل بعقيدة المسلم الصحيحة القائمة على الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره، وفي هذا المبحث سنبين بعض الأقوام الذين كانت أبرز صفاتهم التشاؤم وذلك من خلال النماذج الآتية:

أولًا: تشاؤم قوم صالحٍ عليه السلام:

كان دأب الكفار من قبل أنهم يتطيرون بالأنبياء والرسل عليهم السلام، كما أخبر الله تعالى عن ثمود وما كان من أمرها مع نبيها صالح عليه السلام في قوله تعالى: ( ﭱﭲ ﭶﭷ ) [النمل: ٤٧].

وقوله تعالى: ( ) أي: تشاءمنا بك وبمن معك من أتباعنا، وزجرنا الطير بأنا سيصيبنا بك وبهم المكاره والمصائب، أو ما رأينا على وجهك ووجوه من اتبعك خيرًا، وذلك أنهم لشقائهم كان لا يصيب أحدًا منهم سوء إلا قال: هذا من قبل صالح وأصحابه14.

وأجاب صالح عليه السلام فقال لهم: «( )، بأنه ومن معه ليسوا سبب شؤم، ولكن سبب شؤمهم وحلول المضار بهم هو قدرة الله، واستعير لما حل بهم اسم الطائر مشاكلة لقولهم ( )، ومخاطبة لهم بما يفهمون لإصلاح اعتقادهم، بقرينة قولهم اطيرنا بك»15.

ثم بين أن هذا جهل منهم بقوله: ( )، أي: تختبرون بتعاقب السراء والضراء، والإضراب من بيان طائرهم الذي هو مبدأ ما يحيق بهم إلى ذكر ما هو الداعي إليه، ويحتمل أن غيرهم دعاهم إلى هذا القول، ويحتمل أن يكون المراد أن الشيطان يفتنكم بوسوسته16.

ثم ذكر مآل أمرهم وشديد عقابه بهم فقال تعالى عنهم: ( ﮨﮩ ﮮﮯ ) [هود: ٦٧-٦٨].

ويتضح مما تقدم: أن ثمود -وهم قوم صالح عليه السلام- كانوا يتشاءمون من نبيهم ومن معه من المؤمنين، كأنهم يقولون لهم: أنتم نحس علينا، بمعنى أنك يا صالح كنت أنت ومن معك سببًا لتشاؤمنا، فرد عليهم صالح عليه السلام: طائركم الذي تدعونه لأنفسكم عند الله وحده، وإنكم تمتحنون بتلك الأوهام من التشاؤم، وتظنون أنه يسعدكم أو يشقيكم، وأن علم الغيب الذي تتعرفونه بالطير هو عند الله تعالى علام الغيوب، ونتيجة تشاؤمهم وكفرهم بنبيهم ومن معه أهلكهم الله تعالى بالصيحة، فصعقوا بها جميعًا، فانكبوا على وجوههم ولم ينج منهم أحد.

ثانيًا: تشاؤم أصحاب القرية:

قال تعالى مخبرًا عن أهل القرية إذ جاءها المرسلون: ( ﮆﮇ ﮓﮔ ﮖﮗ ) [يس: ١٨-١٩].

وقولهم: ( ) أي: لم نر على وجوهكم خيرًا في عيشنا.

وقال قتادة: يقولون إن أصابنا شر فإنما هو من أجلكم.

وقال مجاهد: يقولون: لم يدخل مثلكم إلى قرية إلا عذب أهلها، وقوله تعالى: ( )، قال قتادة: بالحجارة، وقال مجاهد: بالشتم، ( )، أي: عقوبة شديدة17.

قال الزمخشري: «وذلك أنهم كرهوا دينهم ونفرت منه نفوسهم، وعادة الجهال أن يتيمنوا بكل شيء مالوا إليه واشتهوه، وآثروه وقبلته طباعهم، ويتشاءموا بما نفروا عنه وكرهوه، فإن أصابهم نعمة أو بلاء قالوا: ببركة هذا، وبشؤم هذا»18.

قال ابن عاشور: «لما غلبتهم الحجة من كل جانب وبلغ قول الرسل ( ﭿ ) [يس: ١٧] من نفوس أصحاب القرية مبلغ الخجل، والاستكانة من إخفاق الحجة، والاتسام بميسم المكابرة والمنابذة للذين يبتغون نفعهم؛ انصرفوا إلى ستر خجلهم وانفحامهم بتلفيف السبب لرفض دعوتهم بما حسبوه مقنعا للرسل بترك دعوتهم؛ ظنًا منهم أن ما يدعونه شيء خفي لا قبل لغير مخترعه بالمنازعة فيه، وذلك بأن زعموا أنهم تطيروا بهم ولحقهم منهم شؤم، ولا بد للمغلوب من بارد العذر»19.

وقول أصحاب القرية: ( ) أي: «إنا تشاءمنا بكم، ومعنى «بكم» بدعوتكم، وليسوا يريدون أن القرية حل بها حادث سوء يعم الناس كلهم، من قحط أو وباء أو نحو ذلك من الضر العام، مقارن لحلول الرسل أو لدعوتهم، -وقد جوزه بعض المفسرين- وإنما معنى ذلك: أن أحدًا لا يخلو في هذه الحياة من أن يناله مكروه، ومن عادة أصحاب الأوهام السخيفة والعقول المأفونة أن يسندوا الأحداث إلى مقارناتها دون معرفة أسبابها، ثم أن يتخيروا في تعيين مقارنات الشؤم أمورًا لا تلائم شهواتهم وما ينفرون منه، وأن يعينوا من المقارنات للتيمن ما يرغبون فيه وتقبله طباعهم، يغالطون بذلك أنفسهم، شأن أهل العقول الضعيفة، فمرجع العلل كلها لديهم إلى أحوال نفوسهم ورغائبهم»20.

«ويجوز أن يكونوا أرادوا بالشؤم أن دعوتهم أحدثت مشاجرات واختلافًا بين أهل القرية، فلما تمالأت نفوس أهل القرية على أن تعليل كل حدث مكروه يصيب أحدهم بأنه من جراء هؤلاء الرسل، اتفقت كلمتهم على ذلك فقالوا: ( )، أي: يقولها الواحد منهم أو الجمع، فيوافقهم على ذلك جميع أهل القرية»21.

حينئذ أجابهم الرسل بقولهم: ( )، أي قالوا لهم: سبب شؤمكم من أفعالكم لا من قبلنا كما تزعمون، فأنتم أشركتم بالله سواه، وأولعتم بالمعاصي واجترحتم السيئات، أما نحن فلا شؤم من قبلنا، فإنا لا ندعو إلا إلى توحيد الله، وإخلاص العبادة له والإنابة إليه، وفي ذلك منتهى اليمن والبركة22.

قال قتادة رحمه الله في قوله تعالى: ( )، أي: أعمالكم معكم23.

ثم قالوا: ( ﮖﮗ )، أي: «أمن جراء أنا ذكرناكم وأمرناكم بعبادة الله مخلصين له الدين تقابلوننا بمثل هذا الوعيد؟ بل أنتم قوم ديدنكم الإسراف ومجاوزة الحد في الطغيان، ومن ثم جاءكم الشؤم، ولا دخل لرسل الله في ذلك»24.

ويتضح مما تقدم أن أصحاب القرية قد تشاءموا بالرسل الذين أرسلهم الله تعالى لهم وتوقعوا الشر منهم ومن دعوتهم، لذلك كذبوهم وهددوهم بالتعذيب أو القتل أو الرجم، إلا أن الله تعالى نجاهم من أصحاب تلك القرية، ولم يذكر القرآن من هم أصحاب القرية، ولا ما هي القرية، ولعل عدم الإفصاح عنها دليل على أن تحديد اسمها أو موضعها لا يزيد شيئًا في دلالة القصة، بل ذكرت على سبيل الاتعاظ والاعتبار.

ثالثًا: تشاؤم آل فرعون:

قال تعالى عن قوم فرعون: ( ﭖﭗ ﭞﭟ ) [الأعراف: ١٣١].

والمعنى: «فإذا جاءت آل فرعون العافية والخصب والرخاء وكثرة الثمار، ورأوا ما يحبون في دنياهم ( )، نحن أولى بها ( )، يعني جدوب وقحوط وبلاء ( )، يقول: يتشاءموا ويقولوا: ذهبت حظوظنا وأنصباؤنا من الرخاء والخصب والعافية، مذ جاءنا موسى عليه السلام»25.

قال ابن عاشور رحمه الله: «والمراد به في الآية: أنهم يتشاءمون بموسى ومن معه، فاستعمل التطير في التشاؤم بدون دلالة من الطير، لأن قوم فرعون لم يكونوا ممن يزجر الطير فيما علمنا من أحوال تاريخهم، ولكنهم زعموا أن دعوة موسى فيهم كانت سبب مصائب حلت بهم، فعبر عن ذلك بالتطير على طريقة التعبير العربي»26.

«فمعنى ( ) يحسبون حلول ذلك بهم مسببًا عن وجود موسى ومن آمن به؛ وذلك أن آل فرعون كانوا متعلقين بضلال دينهم، وكانوا يحسبون أنهم إذا حافظوا على اتباعه كانوا في سعادة عيش، فحسبوا وجود من يخالف دينهم بينهم سببًا في حلول المصائب والإضرار بهم، فتشاءموا بهم، ولم يعلموا أن سبب المصائب هو كفرهم وإعراضهم، لأن حلول المصائب بهم يلزم أن يكون مسببًا عن أسباب فيهم لا في غيرهم»27.

لذلك رد الله تعالى عليهم بقوله: ( ) [الأعراف: ١٣١].

ومقصود الآية الرد عليهم فيما نسبوا إلى موسى عليه السلام من الشؤم.

قال ابن عباس: ( )، أي: «مصائبهم عند الله» 28.

وقوله تعالى: ( )، أي: «لا يعلمون ذلك فيقولون ما يقولون، وإسناد عدم العلم إلى أكثرهم للإشعار بأن بعضهم يعلم ولكن لا يعمل بمقتضى علمه. وقالوا شروع في بيان بعض آخر مما أخذوا به من فنون العذاب التي هي في أنفسها آيات بينات وعدم ارعوائهم عما هم عليه من الكفر والعناد»29.

وبعد أن ذكر أن هذه الحسنات والسيئات التي لم تردعهم عما هم فيه من الطغيان ذكر أنه أصابهم بضروب أخرى من العذاب، وهي في أنفسها آيات بينات، كما أخبر الله عنهم في قوله: ( ) [الأعراف: ١٣٠].

وهم مع ذلك لم يرعووا عن كفرهم وعنادهم وتشاؤمهم بموسى عليه السلام ومن معه، ( ) [الأعراف: ١٣٢].

فكان جزاؤهم أن أهلكهم الله تعالى بالغرق، كما أخبر الله تعالى عنهم بقوله: ( ) [الأعراف: ١٣٦].

رابعًا: تشاؤم كفار قريش:

سار كفار قريش على ما سار عليه الأقوام والأمم السالفة في تشاؤمهم برسلهم وأنبيائهم عليهم الصلاة والسلام، وقد فعلوا ذلك مع النبي صلى الله عليه وسلم، فتطيروا به، وردوا كل مصائبهم إليه وإلى ما يدعو إليه، فقال الله تعالى عنهم: ( ﯭﯮ ﯵﯶ ﯻﯼ ﯿ ) [النساء: ٧٨].

«أي: إن تصبهم حال حسنة تحسن عندهم، من رخاء أو خصب أو ظفر أو غنيمة أو سعة في الرزق، يقولوا: هذه الحال من عند الله تعالى، فإن كان النصر قالوا: من عند الله، وإن يصبهم أمر يسيئهم، كالهزيمة، قالوا: ذلك من محمد، كأنهم ينسبونه إلى سوء تدبيره عليه الصلاة والسلام، أو يتشاءمون به، ويهبطون بذلك هبوطًا شديدًا فالحسنة ما يحسن عندهم، والسيئة ما يسوؤهم، وذلك التفكير الذي يفكرونه ناشئ من ضعفهم النفسي، وضعفهم الإيماني، وسوء ظنهم بالنبي صلى الله عليه وسلم، وذلك شأن أهل النفاق ومن يستمعون إليهم من ضعفاء أهل الإسلام»30.

وجيء في حكاية قولهم: ( )، ( )، بكلمة (عند) للدلالة على قوة نسبة الحسنة إلى الله ونسبة السيئة للنبي عليه الصلاة والسلام، أي: قالوا ما يفيد جزمهم بذلك الانتساب، ولما أمر الله رسوله أن يجيبهم قال: ( ) مشاكلة لقولهم، وإعرابًا عن التقدير الأزلي عند الله31.

«والقول المراد في قوله: ( )، ( )، هو قول نفسي، لأنهم لم يكونوا يجترئون على أن يقولوا ذلك علنًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يظهرون الإيمان به، أو هو قول يقولونه بين إخوانهم من المنافقين، يقولون: هذه من عند محمد، فيكون الإتيان بكاف الخطاب من قبيل حكاية كلامهم بحاصل معناه على حسب مقام الحاكي والمحكي له، وهو وجه مطروق في حكاية كلام الغائب عن المخاطب إذا حكى كلامه لذلك المخاطب»32.

فأخبر الله تعالى رسوله عليه الصلاة والسلام، وأمره أن يقول لهم: ( )، أي: «الجميع بقضاء الله وقدره، وهو نافذ في البر والفاجر، والمؤمن والكافر»33.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: «الحسنة والسيئة من عند الله، أما الحسنة فأنعم بها عليك، وأما السيئة فابتلاك بها»34.

ثم قال تعالى منكرًا على هؤلاء القائلين هذه المقالة الصادرة عن شك وريب، وقلة فهم وعلم، وكثرة جهل وظلم: ( ﯿ )، أي: لا يكادون يعلمون حقيقة ما تخبرهم به، من أن كل ما أصابهم من خير أو شر، أو ضر وشدة ورخاء فمن عند الله، لا يقدر على ذلك غيره، ولا يصيب أحدًا سيئة إلا بتقديره، ولا ينال رخاءً ونعمة إلا بمشيئته، وهذا إعلام من الله عباده أن مفاتح الأشياء كلها بيده، لا يملك شيئًا منها أحد غيره35.

وقال ابن القيم رحمه الله: «ولو فقهوا أو فهموا لما تطيروا بما جئت به؛ لأنه ليس فيما جاء به الرسول ما يقتضي الطيرة، فإنه كله خير محض لا شر فيه، وصلاح لا فساد فيه، وحكمه لا عبث فيها، ورحمة لا جور فيها، فلو كان هؤلاء القوم من أهل الفهم والعقول السليمة لم يتطيروا من هذا؛ فإن الطيرة إنما تكون بالشر لا بالخير المحض والمصلحة والحكمة والرحمة، وليس فيما أتيتهم به لو فهموا ما يوجب تطيرهم، بل طائرهم معهم بسبب كفرهم وشركهم وبغيهم، وهو عند الله كسائر حظوظهم وأنصبائهم التي يتناولوها منه بأعمالهم وكسبهم، ويحتمل أن يكون المعنى: طائركم معكم، أي: راجع عليكم، فالطير الذي حصل لكم إنما يعود عليكم»36.

أسباب التشاؤم

للتشاؤم أسباب عديدة ومتنوعة، من أهمها:

أولًا: الكفر:

إن التشاؤم شرك بالله تعالى، خصوصًا إذا اعتقد المتشائم أن ما يتشاءم به مؤثر بذاته، فهو شرك أكبر، وذلك لأنه اعتقد مع الله عز وجل موجدًا وخالقًا آخر، وأما إذا اعتقد أن المؤثر هو الله تعالى ولكن هذه سبب، فيعد هذا شركًا أصغر، لأنه جعل التشاؤم سببًا في التأثير، والشرع لم يجعله سببًا.

ولا شك أن التشاؤم قد يصل بالإنسان إلى الكفر لما فيه من شرك وادعاء علم الغيب واعتقاد جلب النفع ودفع الضر، واليأس مما عند الله تعالى من خير؛ مما يؤدي إلى انتفاء الإيمان من المتشائم تدريجيًا وصولًا إلى الكفر؛ لذلك ذم الله تعالى اليائسين منه بقوله تعالى: ( ) [يوسف: ٨٧].

أي: «أنه لا ييأس من رحمة الله إلا القوم الكافرون؛ لأن من آمن يعلم أنه متقلب في رحمة الله ونعمته فلا ييأس من رحمته، وأما الكافر فإنه لا يعلم رحمة الله ولا تقلبه في رحمته؛ فييأس من رحمته»37.

قال الإمام الرازي رحمه الله: «واعلم أن اليأس من رحمة الله تعالى لا يحصل إلا إذا اعتقد الإنسان أن الإله غير قادر على الكمال، أو غير عالم بجميع المعلومات، أو ليس بكريم بل هو بخيل، وكل واحد من هذه الثلاثة يوجب الكفر، فإذا كان اليأس لا يحصل إلا عند حصول أحد هذه الثلاثة، وكل واحد منها كفر ثبت أن اليأس لا يحصل إلا لمن كان كافرًا، والله أعلم»38.

وقد يصل العبد بتشاؤمه أيضًا إلى القنوط والوقوع في الكبائر، كما قال تعالى: ( ﭼﭽ ﭿ ) [الروم: ٣٦].

أي: «( ) أي: نعمة من مطر أو سعة أو صحة ( ﭼﭽ ﭿ ) أي: بلاء من جدب أو ضيق أو مرض، والسبب فيها شؤم معاصيهم، قنطوا من الرحمة»39.

وذم الله تعالى أقوامًا كما مضى سابقًا في تشاؤم قوم موسى عليه السلام وأصحاب القرية من رسلهم عليهم السلام، فقد كان تشاؤمهم سببًا في كفرهم بالله تعالى، ومن ثم بأنبياء الله تعالى ورسله عليهم الصلاة والسلام، كما أخبر الله تعالى عنهم بقوله: ( ) [الأعراف: ١٣١].

وإنهم مسرفون في قوله تعالى: ( ﮓﮔ ﮖﮗ ) [يس: ١٩].

قال ابن عباس رضي الله عنهما: «الشؤم الذي أتاكم من عند الله بكفركم»40.

وجاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الطيرة شرك)41.

وإنما جعل التشاؤم شركًا لاعتقادهم أن ذلك يجلب نفعًا أو يدفع ضررًا، فاعتمدوا عليها، فكأنهم أشركوه مع الله تعالى، وذلك مثل أن يريد الرجل سفرًا، فيسمع: يا راشد، أو يا غانم، أو يا سالم؛ فيمضي في سفره اعتمادًا على ما سمع، أو يريد سفرًا فيسمع صياح الغراب، أو البومة فيرجع عن سفره تشاؤمًا منه، كل ذلك شرك؛ لكونه لم يخلص توكله على الله عز وجل.

لذلك نهى صلى الله عليه وسلم عن ذلك وبين كفارته، فقد روي عن عبد الله بن عمرو، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك)، قالوا: يا رسول الله، فما كفارة ذلك؟ قال: (يقول: اللهم لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك، ولا إله إلا أنت)42، أو يقول: (اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك)43.

وقال عليه الصلاة والسلام: (لا طيرة، وخيرها الفأل) قالوا: وما الفأل؟ قال: (الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم)44.

قال الإمام النووي: «معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (لا طيرة) أي: اعتقاد أنها تنفع أو تضر إذا عملوا بمقتضاها معتقدين تأثيرها فهو شرك؛ لأنهم جعلوا لها أثرًا في الفعل والإيجاد، وأما الفأل وقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم بالكلمة الصالحة والحسنة والطيبة، قال العلماء: يكون الفأل فيما يسر وفيما يسوء، والغالب في السرور، والطيرة لا تكون إلا فيما يسوء»45.

قال ابن القيم رحمه الله: «إن التطير هو: التشاؤم من الشيء المرئي أو المسموع، فإذا استعملها الإنسان فرجع بها من سفره وامتنع بها مما عزم عليه فقد قرع باب الشرك، بل ولجه، وبرىء من التوكل على الله، وفتح على نفسه باب الخوف والتعلق بغير الله، والتطير مما يراه أو يسمعه، وذلك قاطع له عن مقام (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [الفاتحة:٥] و(ﮘ ﮙ ﮚ) [هود:١٢٣] و(ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [الشورى:١٠] فيصير قلبه متعلقًا بغير الله عبادة وتوكلًا، فيفسد عليه قلبه وإيمانه»46.

ويتضح مما تقدم: أن التشاؤم قد يكون من الشرك الأصغر المنافي لعبادة الله تعالى وتوحيده، لما فيه من سوء الظن بالله تعالى كما مر سابقًا، وقد يتحول إلى شرك أكبر، إذا اعتقد المتشائم أن ما يتشاءم به كان مؤثرًا في حصول المكروه، أو جلب النفع ودفع الضر وأنها فاعلة بذاتها، إذ لا فاعل إلا الله تعالى، ولا مؤثر في الكون سواه، وقد يصل إلى الكفر بالله تعالى الذي يوجب الوعيد.

ثانيًا: سوء الظن بالله تعالى:

لا يخلو التشاؤم من سوء الظن بالله تعالى وبأقداره الجارية، وتوقع الشر والبلاء مع اعتقاد حصول الضر والنفع من غير الله تعالى، وإن من أعظم الذنوب عند الله: إساءة الظن به جل وعلا، وقد ذم الله تعالى في آياته الكريمة الذين يظنون بالله تعالى ظن السوء بقوله تعالى: ( ﭦﭧ ﭮﭯ ﭴﭵ ﭼﭽ ﭿ ﮇﮈ ﮔﮕ ﮞﮟ ) [آل عمران: ١٥٤].

«ومعنى ( ) أي: حدثتهم أنفسهم بما يدخل عليهم الهم، وذلك بعدم رضاهم بقدر الله تعالى، وبشدة تلهفهم على ما أصابهم، وتحسرهم على ما فاتهم مما يظنونه منجيًا لهم لو عملوه: أي من الندم على ما فات، وإذ كانوا كذلك كانت نفوسهم في اضطراب وتحرق يمنعهم من الاطمئنان»47.

ومعنى قوله: ( )، أي: أنهم ذهبت بهم هواجسهم إلى أن ظنوا بالله ظنونا باطلة من أوهام الجاهلية، وفي هذا تعريض بأنهم لم يزالوا على جاهليتهم ولم يخلصوا الدين لله تعالى.

وقد بين لهم المراد بالظن بقوله: ( )، و() للاستفهام الإنكاري بمعنى النفي، وهو تبرئة لأنفسهم من أن يكونوا سببًا في مقابلة العدو.... ويظنون أن محمدًا صلى الله عليه وسلم ليس برسول؛ إذ لو كان لكان مؤيدًا بالنصر.

ثم قال الله تعالى: ( ﭴﭵ )، ثم فسر ما أخفوه في أنفسهم بقوله: ( ﭿ ) أي: يسرون هذه المقالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم48.

والشاهد في الآية الكريمة أن التشاؤم هو صفة من صفات بعض أهل الجاهلية، وهو سوء ظن بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم، واعتراض على أقدار الله تعالى.

وهذا كله من صفات المنافقين والمشركين الذين توعدهم الله تعالى بالوعيد الشديد بقوله تعالى: ( ﮟﮠ ﮣﮤ ﮫﮬ ) [الفتح: ٦].

وقد بين الإمام ابن القيم أن الظن الوارد في الآية: ظنٌ لا يليق بالله تعالى؛ بأنه سبحانه لا ينصر رسوله، وأن أمره سيضمحل، وأن ما أصابهم لم يكن بقدر الله وحكمته؛ ففسر بإنكار الحكمة وإنكار القدر وإنكار أن يتم أمر رسوله، وأن يظهره على الدين كله، وهذا هو ظن السوء الذي ظن المنافقون والمشركون في سورة الفتح، وإنما كان هذا ظن السوء؛ لأنه ظن لا يليق به سبحانه ولا بحكمته وحمده ووعده الصادق؛ فمن ظن أنه يديل الباطل على الحق إدالة مستمرة يضمحل معها الحق، أو أنكر أن يكون ما جرى بقضائه وقدره، أو أنكر أن يكون قدره لحكمة بالغة يستحق عليها الحمد، بل زعم أن ذلك لمشيئة مجردة؛ فذلك ظن الذين كفروا؛ (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [ص: ٢٧]، وأكثر الناس يظنون بالله ظن السوء فيما يختص بهم وفيما يفعله بغيرهم، ولا يسلم من ذلك إلا من عرف الله وأسماءه وصفاته وموجب حكمته وحمده، فليعتن اللبيب الناصح لنفسه بهذا، وليتب إلى الله، وليستغفره من ظنه بربه ظن السوء49.

وقال أيضًا في وصفه لحال هذا الصنف من الناس: «فأكثر الخلق بل كلهم إلا ما شاء الله يظنون بالله غير الحق ظن السوء، فإن غالب بني آدم يعتقد أنه مبخوس الحق، ناقص الحظ، وأنه يستحق فوق ما أعطاه الله، ولسان حاله يقول: «ظلمني ربي ومنعني ما أستحق» ونفسه تشهد عليه وإن كان لسانه ينكره، ولا يتجاسر على التصريح به، ومن فتش نفسه وتغلغل في معرفة دفائنها وطواياها رأى ذلك فيها، ولو فتشت من فتشته لرأيت عنده تعنتًا على القدر وملامة له، وأنه ينبغي أن يكون كذا وكذا، فمستقل ومستكثر»50.

لذلك يقول ابن عاشور: «الشؤم يقع على من يتشاءم، جعل الله ذلك عقوبة له في الدنيا لسوء ظنه بالله تعالى51».

وتوعد الله تعالى الظانين به ظن السوء بما لم يتوعد به غيرهم، وذلك بقوله تعالى: ( ﮣﮤ ﮫﮬ ) [الفتح: ٦].

فكان جزاؤهم بأن أرداهم الله تعالى فقال تعالى عنهم: ( ﭿ ) [فصلت: ٢٣].

ثالثًا:الإسراف في المعاصي والآثام:

لا شك أن الإسراف في المعاصي هو أساس كل شر وضلالة، فالإسراف: هو الإكثار من الشيء، والمجاوزة عن الحد52، ويأتي أيضًا بمعنى مجاوزة الحد في العصيان، كما حصل مع قصة أصحاب القرية التي مر ذكرها، حيث إن المعاصي والذنوب كانت سببًا في الشؤم الذي أصابهم نتيجة كفرهم برسلهم.

وقد وصف الله تعالى أصحاب القرية بالمسرفين في قوله تعالى: ( ﮓﮔ ﮖﮗ ) [يس: ١٩].

أي: قوم عادتكم الإسراف في العصيان، فمن ثم جاءكم الشؤم، أو في الضلال، ولذلك توعدتم وتشاءمتم بمن يجب أن يكرم ويتبرك به53.

قال قتادة رحمه الله: «مسرفون في تطيركم»54.

قال الشيخ ابن عاشور: «( ) أي: لا طيرة فيما زعمتم، ولكنكم قوم كافرون، غشيت عقولكم الأوهام، فظننتم ما فيه نفعكم ضرًا لكم، ونطتم الأشياء بغير أسبابها من إغراقكم في الجهالة والكفر وفساد الاعتقاد، ومن إسرافكم اعتقادكم بالشؤم والبخت»55.

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: «فلا شؤم إلا المعاصي والذنوب؛ فإنها تسخط الله عز وجل، فإذا سخط على عبده شقي في الدنيا والآخرة، كما إنه إذا رضي عن عبده سعد في الدنيا والآخرة»56.

وقال أيضًا: «فالعاصي مشؤوم على نفسه وعلى غيره، فإنه لا يؤمن أن ينزل عليه عذاب فيعم الناس، خصوصًا من لم ينكر عليه عمله، فالبعد عنه متعين، فإذا كثر الخبث هلك الناس عمومًا، وكذلك أماكن المعاصي وعقوباتها يتعين البعد عنها والهرب منها خشية نزول العذاب»57، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه لما مر على ديار ثمود بالحجر: (لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم، لا يصيبكم ما أصابهم)58.

ويتضح مما تقدم ومن خلال الآية الكريمة: أن الإسراف في المعاصي والآثام سبب من أسباب التشاؤم الذي لحق أصحاب القرية، فكان جزاؤهم أن أهلكهم الله تعالى بالصيحة حتى خمدوا عن آخرهم، كما قال تعالى: ( ) [يس: ٢٩].

رابعًا: الجهل والضلال:

لا شك أن الجهل من أسباب التشاؤم؛ لذا وصف الله تعالى آل فرعون وغيرهم بأن أكثرهم لا يعلمون، وذلك في قوله تعالى: ( ) [الأعراف: ١٣١].

وقوله: ( )، أي: «فلجهلهم بذلك كانوا يطيرون بموسى عليه السلام ومن معه»59.

قال الزمخشري: «ويجوز أن يكون معناه: ألا إنما سبب شؤمهم عند الله وهو عملهم المكتوب عنده الذي يجري عليهم ما يسوءهم لأجله، ويعاقبون له بعد موتهم، بما وعدهم الله في قوله تعالى: ( ﮢﮣ ) [غافر: ٤٦]. ولا طائر أشأم من هذا»60.

قال الخازن رحمه الله: «وإنما قال: ( ) ؛ لأن أكثر الخلق يضيفون الحوادث إلى الأسباب ولا يضيفونها إلى القضاء والقدر»61.

ويتضح من الآية الكريمة: أن الله تعالى ذم آل فرعون، ووصفهم بأنهم لا يعلمون بسبب جهلهم؛ حيث أسندوا حوادث هذا العالم لا إلى قضاء الله تعالى وقدره، بل إلى شؤمهم.

وعلى هذا فالجهل: هو اعتقاد الشيء على خلاف ما هو عليه، واعترضوا عليه بأن الجهل قد يكون بالمعدوم، وهو ليس بشيء، والجواب عنه: أنه شيء في الذهن، ويكون بسيطًا، أو مركبًا، والجهل البسيط هو عدم العلم عما من شأنه أن يكون عالمًا، أما الجهل المركب فهو عبارة عن اعتقاد جازم غير مطابق للواقع62.

وقد جعل الراغب الأصفهاني الجهل على ثلاثة أضراب:

«الأول: هو خلو النفس من العلم وهذا هو الأصل، وقد جعل ذلك بعض المتكلمين معنى مقتضيًا للأفعال الخارجة عن النظام كما جعل العلم معنى مقتضيًا للأفعال الجارية على النظام.

والثاني: اعتقاد الشيء بخلاف ما هو عليه.

والثالث: فعل الشيء بخلاف ما حقه أن يفعل، سواء اعتقد فيه اعتقادًا صحيحًا أم فاسدًا، كتارك الصلاة عمدًا، وعلى ذلك قوله تعالى: ( ﮭﮮ ) [البقرة: ٦٧].

فجعل فعل الهزؤ جهلًا، وقوله تعالى: ( ) [الحجرات: ٦]»63.

والمتأمل في القرآن الكريم يجد آيات كثيرة ذم الله تعالى الجهل وأهله؛ لأنه هو سبب الشر والذنوب والمعاصي، ومنه: ما حصل من تشاؤم آل فرعون وقومه من موسى عليه السلام، وثمود مع صالح عليه السلام، وأصحاب القرية مع رسلهم، ومشركو قريش مع النبي صلى الله عليه وسلم، فسبب اعتقادهم هذا الشيء على خلاف ما هو عليه، فالأنبياء والرسل عليهم السلام لا دخل لهم بما نسبوه إليهم من الشؤم.

وجاء في السنة النبوية ذم الجهل، فمن ذلك ما ورد في الحديث الصحيح عن عياض بن حمار المجاشعي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ذات يوم في خطبته: (ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا، كل مال نحلته عبدًا حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانًا...) الحديث64.

وقوله: (وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم)، أي: مسلمين، وقيل: طاهرين من المعاصي، وقيل: مستقيمين منيبين لقبول الهداية، (وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم)، أي: استخفوهم فذهبوا بهم وأزالوهم عما كانوا عليه، وجالوا معهم في الباطل65.

ودلالة الحديث واضحة في بيان أن الجهل سبب الضلال؛ لذلك حذر الله تعالى منه عباده المؤمنين، كما في قوله تعالى: ( ﭖﭗ ﭛﭜ ﭣﭤ ) [هود: ٤٦].

واستعاذ نبي الله موسى عليه السلام من الجهل في قوله تعالى: ( ) [البقرة: ٦٧].

وكذلك استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم منه، بما صح عن الشعبي عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: «ما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من بيتي قط إلا رفع طرفه إلى السماء فقال: (اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل، أو أزل أو أزل، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي)66.

والجهل لا يزول إلا بالعلم؛ لذا فعلى المسلم إذا جهل أمرًا ما فعليه الرجوع إلى العلماء قال تعالى: ( ) [الأنبياء: ٧].

وقال تعالى: ( ﮒﮓ ﮟﮠ ) [النساء: ٨٣].

ويتضح مما تقدم أن الجهل والضلال واقع في أكثر الناس، لذا لا بد للمؤمن أن يتبين من الأمور ما كان جاهلًا بها، وخصوصًا من كان لديه اعتقاد الشؤم، فالأولى به أن يعالج نفسه بالعلم النافع، ويبذل قصارى جهده فيه، لكي ينقذ نفسه من ضلالة الجهل الذي وقع فيه.

خامسًا: وساوس الشيطان:

حذر الله تعالى في القرآن الكريم عباده من اتباع وساوس الشيطان؛ فهو عدو للإنسان، كما أخبر الله تعالى بذلك في قوله تعالى: ( ﭴﭵ ) [فاطر: ٦].

أي: إن الشيطان معلن عداوته لكم بوسوسته، فعادوه أنتم أشد العداوة، وخالفوه وكذبوه فيما يغركم به، ثم ذكر أعماله ودعوته أتباعه إلى الغواية والضلالة فقال: ( )، أي ما غرضه من دعوة شيعته إلى اتباع الهوى والركون إلى لذات الدنيا إلا إضلالهم وإلقاؤهم في العذاب الدائم من حيث لا يشعرون 67.

ولا شك أن وساوس الشيطان هي سبب من أسباب التشاؤم؛ لذلك وصف الله تعالى قوم صالح عليه السلام بأنهم قوم فتنوا بتشاؤمهم من نبيهم صالح عليه السلام ومن معه من المؤمنين، وذلك في قوله تعالى: ( ﭱﭲ ﭶﭷ ) [النمل: ٤٧].

ومعنى قوله تعالى: ( )، أي: تختبرون، أو تعذبون، أو يفتنكم الشيطان بوسوسته إليكم الطيرة، وقوله: () أي: تستدرجون فيما أنتم فيه من الضلال68.

قال قتادة رحمه الله: «تبتلون بالطاعة والمعصية»69.

وعلى أية حال، فإن القصد بيان أن سبب نزول الشر بهم هو عصيانهم وكثرة ذنوبهم، وكلها تعود إلى وساوس الشيطان لهم.

وكل هذه الوساوس التي يلقيها الشيطان من باب الفتنة، لذلك قال تعالى: ( ﮯﮰ ) [الحج: ٥٣].

ونهى الله تعالى عن اتباع خطوات الشيطان وحذر منها بقوله تعالى: ( ﭘﭙ ﭡﭢ ﭲﭳ ) [النور: ٢١].

وشرع لنا الاستعاذة منه ومن وسوسته فقال تعالى: ( ﭿ ﮃﮄ ) [الأعراف: ٢٠٠].

وعلى هذا فالأحرى بالمسلم الذي تنتابه دواعي الشؤم وتنقدح في قلبه أن يستعيذ بالله تعالى مما ألقى الشيطان في نفسه من تلك الوساوس والعوارض، ويلجأ إلى الله تعالى بكثرة الدعاء، مع حسن الظن بالله والتوكل عليه في كل الأحوال.

سادسًا: التقليد:

لا شك أن التقليد سبب من أسباب التشاؤم، فهو عادة سارت عليها الأمم الوثنية القديمة، وتبعها بعد ذلك أهل الجاهلية، وبقيت مستمرة إلى وقتنا الحاضر، ويأتي التقليد بأشكال متعددة، منها: ما كان في الاعتقاد أو الأفعال أو الأقوال، والسير على ما سار عليه الآباء والأجداد، وذلك بتقليدهم في الباطل دون استناد إلى دليل في ذلك، وهذا ما حصل مع الأقوام التي ذكرناها سابقًا، مثل قوم صالح عليه السلام، وأصحاب القرية، وغيرهم حيث كان التشاؤم عندهم من باب تقليد الآباء والأجداد.

لذلك ذم الله تعالى المقلدين لآبائهم في كل أنواع الضلالة والباطل بما فيها التشاؤم؛ فقال تعالى عنهم: ( ﯿ ) [الزخرف: ٢٢].

أي: ليس لهم علم فيما قالوه ولا نقل، فكان هذا الكلام مسوقًا مساق الذم لهم؛ إذ لم يقارنوا بين ما جاءهم به الرسول وبين ما تلقوه من آبائهم، فإن شأن العاقل أن يميز ما يلقى إليه من الاختلاف ويعرضه على معيار الحق، و() هنا بمعنى الملة والدين، وقوله: ( )، أي: أنهم لا حجة لهم في عبادتهم الأصنام إلا تقليد آبائهم، وذلك ما يقولونه عند المحاجة إذ لا حجة لهم غير ذلك، وجعلوا اتباعهم إياهم اهتداء لشدة غرورهم بأحوال آبائهم، بحيث لا يتأملون في مصادفة أحوالهم للحق70.

«والمقصود أنه تعالى لما بين أنه لا دليل لهم على صحة ذلك القول البتة بين أنه ليس لهم حامل يحملهم عليه إلا التقليد المحض، ثم بين أن تمسك الجهال بطريقة التقليد أمر كان حاصلًا من قديم الدهر، فقال: ( ) [الزخرف: ٢٣]»71.

ورد الله تعالى على المقلدين لآبائهم وأجدادهم في العقائد الضالة وأبطل شبههم وتمسكهم بالتقليد الباطل، حيث قال تعالى: ( ) [البقرة: ١٧٠].

«أي أيتبعون ما ألفوا عليه آباءهم في كل حال وفي كل شيء، ولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئًا من عقائد الدين وعباداته: أي حتى لو تجردوا من دليل عقلي أو نقلي في عقائدهم وعباداتهم»72.

وهو كقوله تعالى: ( ) [الزخرف: ٢٤].

«فعند هذا لم يبق لهم عذر ولا علة، ثم بين تعالى أن مقالة هؤلاء قد سبقهم إليها أشباههم ونظراؤهم من الأمم السالفة المكذبة للرسل، تشابهت قلوبهم، فقالوا مثل مقالتهم: ( ﭠﭡ ) [الذاريات: ٥٢-٥٣].

وهكذا قال هاهنا: ( ) [الزخرف: ٢٣]73.

فكان جزاؤهم أن حلت عليهم النقمة من الله تعالى؛ وذلك لتقليدهم الأعمى في العقائد الضالة، وتكذيبهم للرسل عليهم الصلاة والسلام، فقال الله تعالى عنهم: ( ﭹﭺ ﭿ ) [الزخرف: ٢٥].

صور التشاؤم

اشتهرت العرب في الجاهلية بالتشاؤم كما مر، ولا شك أن التشاؤم يظهر بصور متعددة متنوعة بحسب اختلاف الأمكنة والأزمنة والناس، وسنذكر في هذا المبحث بعض صور التشاؤم، والتي منها:

أولًا: التشاؤم بالصور:

ويشمل هذا النوع من التشاؤم أنواعا متعددة منها ما يأتي:

١. التشاؤم بالبشر.

وهذا النوع من التشاؤم قد حصل مع بعض أنبياء الله تعالى ورسله عليهم الصلاة والسلام من قبل أقوامهم، كما أخبر الله تبارك وتعالى عن ذلك في قصصهم.

قال الله تعالى عن تشاؤم فرعون وقومه من موسى عليه السلام: ( ﭖﭗ ﭞﭟ ) [الأعراف: ١٣١].

ومعنى قوله تعالى: ( ) «أي: الخصب والسعة ( )، أي: هذا ما كنا نعرفه أبدًا وما جرينا على اعتياده، أو أن يقولوا: لنا هذه بفرعون وبعبادتنا له، ( )، قيل: الضيق والقحط، ( )، وقالوا بشؤمه»74.

وهذا كما قال العرب للنبي محمد صلى الله عليه وسلم: ( ﯭﯮ ) [النساء: ٧٨].

ويتضح من هذه الآيات وغيرها أن التشاؤم بالبشر عادة قديمة كانت عند بعض الأقوام كفرعون وقومه، حيث كانوا يتشاءمون ويتطيرون من موسى وأتباعه، معتقدين أنهم هم سبب ما أصابهم من الجدب والضيق والقحط، وتبعهم في ذلك قوم صالح وأصحاب القرية وغيرهم، فبين الله تعالى لهم أن ما أصابهم إنما هو بقضاء الله وقدره، ولا دخل للرسل عليهم الصلاة والسلام في ذلك.

وكذلك منهم من يتشاءم بملاقاة الأعور أو الأعرج أو المهزول أو الشيخ الهرم أو العجوز الشمطاء، وكثير من الناس إذا لقيه وهو ذاهب لحاجة صده ذلك عنها ورجع معتقدًا عدم نجاحها، وكثير من أهل البيع لا يبيع ممن هذه صفته إذا جاءه أول النهار، حتى يبيع من غيره تشاؤمًا به وكراهة له، وكثير منهم يعتقد أنه لا ينال في ذلك اليوم خيرًا قط75.

٢. التشاؤم بالطيور.

ورد لفظ الطير في القرآن الكريم بغير معناه الحقيقي بل ببعض اشتقاقاته التي تدل على معنى التشاؤم كما مر ذكره في قوله تعالى: ( ﮆﮇ ﮓﮔ ﮖﮗ ) [يس: ١٨-١٩].

قال الأزهري: «وقيل للشؤم: طائر وطير وطيرة، لأن العرب كان من شأنها عيافة الطير وزجرها، والتطير ببارحها وبنعيق غربانها، وأخذها ذات اليسار إذا أثاروها، فسموا الشؤم طيرًا وطائرًا وطيرة لتشاؤمهم بها وبأفعالها»76.

قال الشافعي رحمه الله: «وكان العربي إذا لم ير طائرًا سانحًا، فرأى طائرًا في وكره حركه من وكره ليطير، فينظر أيسلك طريق الأشائم، أو طريق الأيامن، فيشبه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أقروا الطير على مكناتها)77، أي: لا تحركوها، فإن تحريكها وما تعملونه، من الطيرة لا يصنع شيئًا، إنما يصنع فيما توجهون به قضاء الله تعالى»78.

وعلى هذا فإن أصل التشاؤم يعتمد على حركة الطيور وأصواتها، كما قال الإمام البيهقي: «وذلك بزجر الطائر وإزعاجها عن أوكارها عند إرادة الخروج للحاجة، حتى إذا مرت على اليمين تفاءل به ومضى على وجهه، وإن مرت على الشمال تشاءم به وقعد، فهذا من فعل أهل الجاهلية الذين كانوا يوجبون ذلك، ولا يضيفون التدبير إلى الله عز وجل»79.

ومن أبرز الطيور التي كانت العرب تتشائم منها قديمًا وحديثًا ما يأتي:

١. الغراب.

وهو أعظم ما يتطيرون به، ويسمونه غراب البين؛ لأنه إذا بان أهل الدار للنجعة وقع في موضع بيوتهم يلتمس ويتقمم، فتشاءموا به وتطيروا إذا كان يعتري منازلهم إذا بانوا، وليس شيء مما يزجرونه من الطير والظباء وغيرها أنكد منه، ولست تراه محمودًا في شيء من الأحوال، ويشتقون من اسمه الغربة80.

ويسمونه أيضًا حاتمًا؛ لأنه يحتم عندهم بالفراق، ويسمونه الأعور على جهة التطير بذلك؛ إذ كان أصح الطير بصرًا، ويقال: سمي أعور لقولهم: « عورات الرجل عن حاجته » إذا رددته عنها81.

وعلى هذا فالغراب أكثر ما يتطير به في الشؤم، كلما ذكروا مما يتطيرون منه شيئا ذكروا الغراب معه.

٢. الهامة.

اسم طائر، كان أهل الجاهلية يتشاءمون بها، وهي من طير الليل، وقيل: هي البومة، وقيل: كانت العرب تزعم أن روح القتيل الذي لا يدرك بثأره تصير هامة، فتقول: اسقوني، فإذا أدرك بثاره طارت، وقيل: كانوا يزعمون أن عظام الميت، وقيل روحه، تصير هامة فتطير، ويسمونه الصدى، فنفاه الإسلام ونهاهم عنه82.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قال القزاز: الهامة طائر من طير الليل كأنه يعني البومة، وقال ابن الأعرابي كانوا يتشاءمون بها إذا وقعت على بيت أحدهم يقول: نعت إلي نفسي، أو أحدًا من أهل داري»83.

وعلى هذا فالهامة هي نوع من أنواع الطيور، وربما تكون البومة حيث كانت العرب تتشاءم منها، فجاء في الحديث الشريف النهي عن التطير بالهامة، بما صح عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا عدوى ولا طيرة، ولا هامة ولا صفر)84.

٣. البارح والسانح.

«البارح من الظباء والطير، لكن خص البارح بما ينحرف عن الرامي إلى جهة لا يمكنه فيها الرمي فيتشاءم به، وجمعه بوارح، وخص السانح بالمقبل من جهة يمكن رميه، ويتيمن به»85.

قال ابن الأثير: «فالسانح: ما مر من الطير والوحش بين يديك من جهة يسارك إلى يمينك، والعرب تتيمن به لأنه أمكن للرمي والصيد، والبارح ما مر من يمينك إلى يسارك، والعرب تتطير به لأنه لا يمكنك أن ترميه حتى تنحرف»86.

ويتضح مما تقدم أن التشاؤم بالطيور كالغراب والبومة ونحوهما عادة كانت منتشرة عند أهل الجاهلية والأمم السالفة، يتشاءمون منها ومن حركاتها وأصواتها وأفعالها، وهي من مخلوقات الله لا أثر لها في حكم الله وقضائه، فجاء الإسلام ونهى عن كل ذلك.

٣. التشاؤم بالحيوانات.

لا يختلف التشاؤم بالحيوانات عن التشاؤم بالطيور الذي مضى ذكره؛ لذا نجد أن كثيرًا من أهل الجاهلية كانوا يتشاءمون ببعض الحيوانات وأصواتها، منها:

١. النطيح والناطح.

«الظبي والطائر الذي يستقبلك بوجهه، كأنه ينطحك، ويتشاءم به، والقعيد من الوحش»87.

٢. الفرس النطيح.

إذا طالت غرته حتى تسيل تحت إحدى أذنيه، وهو يتشاءم به88.

٣. الكلب الأسود.

وهناك من يتشاءم بالأسود من الكلاب، وربما يعود هذا التشاؤم لما ورد في الحديث بقوله صلى الله عليه وسلم: (الكلب الأسود شيطان)89.

والمراد بالحديث ليس التشاؤم منه، بل الإخبار بأن مرور الكلب الأسود يقطع الصلاة، وعلى ذلك فلا يصح التشاؤم به.

٤. الظباء.

وذلك بتنفيرها، فإن تيامنت ذهبوا لحاجتهم، وإن تياسرت تركوها.

وكثير مما شاكل هذا كان الناس في الجاهلية قبل النبوة يتشاءمون به، فجاء الإسلام فنهى عن كل ذلك وأبطله.

ثانيًا: التشاؤم بالأصوات:

يتشاءم كثير من أهل الجاهلية وغيرهم من بعض ما يصدر من الإنسان والحيوان من أصوات، منها ما يأتي:

١. أصوات الطيور.

ومنه: التشاؤم بنعيق الغراب، أو صوت البومة إذا صاحت، قالوا: إنها ناعبة أو مخبرة بشر، ونحو ذلك.

«قال عكرمة: كنا جلوسًا عند ابن عباس، فمر طائر يصيح، فقال رجل من القوم: خير خير، فقال له ابن عباس: لا خير ولا شر، مبادرة بالإنكار عليه لئلا يعتقد له تأثير في الخير أو الشر، وخرج طاووس مع صاحب له في سفر فصاح غراب، فقال الرجل: خير، فقال طاووس: وأي خير عنده؟! والله لا تصحبني»90.

٢. الثعلب.

وذلك بالتشاؤم من صوته.

٣. صوت العطاس.

وهو من العادات الجاهلية فإذا سمع المتشائم صوت العاطس تشاءم منه، وكذلك التثاؤب لأنه من الشيطان، وأما العطاس فقد كان أثره في إيجاد الشؤم شديدًا.

وقيل: إن العرب كانت تتطير منه، فإذا عطس العاطس، قالوا: قد ألجمه، كأنها قد تلجمه عن حاجته91.

قال ابن القيم رحمه الله: «وكانوا إذا عطس من يحبونه قالوا له: عمرًا وشبابًا، وإذا عطس من يبغضونه، قالوا له: وريًا وقحابًا، والوري كالرمي: داء يصيب الكبد فيفسدها، والقحاب: كالسعال وزنًا ومعنى، فكان الرجل إذا سمع عطاسًا يتشاءم به، يقول: بكلابي إني أسال الله أن يجعل شؤم عطاسك بك لأبي»92.

وقال أيضًا: «وكان تشاؤمهم بالعطسة الشديدة أشد، كما حكي عن بعض الملوك أن سامرًا له عطس عطسة شديدة راعته، فغضب الملك فقال سميره: والله ما تعمدت ذلك، ولكن هذا عطاسي، فقال: والله لئن لم تأتني بمن يشهد لك بذلك لأقتلنك، فقال: أخرجني إلى الناس، لعلي أجد من يشهد لي، فأخرجه، وقد وكل به الأعوان، فوجد رجلًا فقال: يا سيدي، نشدتك بالله إن كنت سمعت عطاسي يومًا، فلعلك تشهد لي به عند الملك. فقال: نعم، أنا أشهد لك، فنهض معه وقال: يا أيها الملك، أنا أشهد أن هذا الرجل عطس يومًا فطار ضرس من أضراسه، فقال له الملك: عد إلى حديثك ومجلسك. فلما جاء الله سبحانه بالإسلام وأبطل برسوله ما كان عليه الجاهلية من الضلالة»93.

وهذا خلاف ما جاء في السنة النبوية الشريفة التي بينت أن العطاس أمر يحبه الله تعالى، وذلك بما صح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب العطاس، ويكره التثاؤب، فإذا عطس فحمد الله، فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته...الحديث)94.

ثالثًا: التشاؤم بالأزمنة:

لا شك أن التشاؤم ببعض الأزمنة، مثل شهر شوال وصفر ومحرم، أو بيوم من أيامه هو من باب التشاؤم المنهي عنه، فعلى سبيل المثال كان أهل الجاهلية وغيرهم يتشاءمون من الزواج في شهر شوال.

قال ابن رجب: «كذلك تشاؤم أهل الجاهلية بشوال في النكاح فيه خاصة، وقد قيل: إن أصله أن طاعونًا وقع في شوال في سنة من السنين فمات فيه كثير من العرائس، فتشاءم بذلك أهل الجاهلية، وقد ورد الشرع بإبطاله، قالت عائشة رضي الله عنها: «تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال، وبنى بي في شوال، فأي نسائه كان أحظى عنده مني»95.

قال ابن كثير رحمه الله: «وفي دخوله صلى الله عليه وسلم بها -أي: بعائشة رضي الله عنها- في شوال رد لما يتوهمه بعض الناس من كراهية الدخول بين العيدين؛ خشية المفارقة بين الزوجين، وهذا ليس بشيء»96.

«وكانت عائشة تستحب أن تدخل نساءها في شوال، وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة في شوال أيضًا»97.

ووقع زواج علي بن أبي طالب رضي الله عنه من السيدة فاطمة رضي الله عنها في شهر صفر، كما قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «وأما فاطمة رضي الله عنها فتزوجها ابن عمها علي بن أبى طالب رضي الله عنه في صفر سنة اثنتين، فولدت له الحسن والحسين، ويقال: ومحسن، وولدت له أم كلثوم وزينب»98.

فلم يتشاءم النبي صلى الله عليه وسلم بشهر شوال ويمتنع عن الزواج به من عائشة رضي الله عنها، ولم يؤخر زواج علي بن أبي طالب من فاطمة رضي الله عنهما في شهر صفر، وهذا خلاف ما تفعله الشيعة، الذين يزعمون أنهم أتباع آل البيت وهم يتشاءمون من شهر صفر ومحرم، ولا يتزوجون فيهما أبدًا.

وجاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا عدوى ولا طيرة، ولا هامة ولا صفر)99.

وقوله عليه الصلاة والسلام: (ولا صفر): أي كانت العرب تزعم أن في البطن حية يقال لها: الصفر، تصيب الإنسان إذا جاع وتؤذيه، وإنها تعدي، فأبطل الإسلام ذلك، وقيل: أراد به النسيء الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية، وهو تأخير المحرم إلى صفر، ويجعلون صفر هو الشهر الحرام، فأبطله الإسلام100.

وكل هذه الأقوال غير صحيحة، أبطلها النبي صلى الله عليه وسلم بالحديث المتقدم ذكره، فشهر صفر كبقية الشهور لا أثر له في حكم الله تعالى وقضائه، ولا أصل للتشاؤم فيه ولا بغيره في الإسلام، حيث إن الزواج مطلب شرعي، ومن يتزوج فقد أحرز شطر دينه، فكيف يحرمه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم في شهر من الشهور، أو يوم من الأيام؛ وهي كلها لله تعالى، ولم يرد نص شرعي يمنع الزواج في أي وقت من الأوقات إلا للحاج أو المعتمر حال إحرامهما.

ومن صور التشاؤم عند العرب بالأزمنة أيضًا: أنهم كانوا يتشاءمون ببعض الأيام أو ببعض الساعات، كالحادي والعشرين من الشهر، وآخر أربعاء فيه، ونحو ذلك، فلا يسافر فيها كثيرٌ من الناس، ولا يعقد فيها نكاحًا، ولا يعمل فيها عملًا مهمًا ابتداءً، يظن أو يعتقد أن تلك الساعة نحسٌ، وكذا التشاؤم ببعض الجهات في بعض الساعات، فلا يستقبلها في سفرٍ ولا أمرٍ حتى تنقضي تلك الساعة أو الساعات، وهي من أكاذيب المنجمين الملاعين؛ يزعمون أن هناك فلكًا دوارًا يكون كل يوم أو ليلة في جهة من الجهات، فمن استقبل تلك الجهة في الوقت الذي يكون فيها هذا الفلك لا ينال خيرًا، ولا يأمن شرًا، وهم في ذلك كاذبون مفترون قبحهم الله101.

ومنهم من يترك أكل اللبن والسمك في يومي السبت والأربعاء، ويحرمون الخياطة يوم الجمعة ويوم عرفات، ويمنعون الإبرة والمنخل ليلًا تشاؤمًا، ويعتقدون أن كنس البيت بالليل يجلب الفقر102.

وغير ذلك، كثير من الأمور التي يتشاءمون منها ولا أصل لها سوى سوء الظن بالله تعالى وضعف التوكل عليه.

رابعًا: التشاؤم بالأماكن:

وهو إظهار التشاؤم من عدة أماكن بحسب ما يتوقع المتشائم حصول الشر منها، كالدار التي يسكنها أو يريد أن يشتريها، فيخطر بباله الشؤم منها لأي سبب كان.

روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رجل يا رسول الله إنا كنا في دار كثير فيها عددنا، كثير فيها أموالنا، فتحولنا إلى دار أخرى، فقل فيها عددنا، وقلت فيها أموالنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ذروها ذميمة)103.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وإنما أمرهم بالخروج منها لاعتقادهم أن ذلك منها، وليس كما ظنوا، لكن الخالق جل وعلا جعل ذلك وفقًا لظهور قضائه، وأمرهم بالخروج منها لئلا يقع لهم بعد ذلك شيء فيستمر اعتقادهم، قال ابن العربي: وأفاد وصفها بكونها ذميمة جواز ذلك، وأن ذكرها بقبيح ما وقع فيها سائغ من غير أن يعتقد أن ذلك كان منها، ولا يمتنع ذم محل المكروه وإن كان ليس منه شرعًا، كما يذم العاصي على معصيته وإن كان ذلك بقضاء الله تعالى»104.

وقال الخطابي: «هو استثناء من غير الجنس، ومعناه: إبطال مذهب الجاهلية في التطير، فكأنه قال: إن كانت لأحدكم دار يكره سكناها، أو امرأة يكره صحبتها، أو فرس يكره سيره؛ فليفارقها، قال: وقيل: إن شؤم الدار ضيقها وسوء جوارها»105.

وورد في السنة النبوية روايات تؤكد الشؤم في بعض الأمور، منها: الدار، مما يوهم التعارض مع النصوص التي ورد فيها النهي عن التشاؤم، حيث جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا عدوى، ولا طيرة، وإنما الشؤم في ثلاث: في الفرس والمرأة والدار)106، وفي رواية أخرى: عن ابن عمر رضي الله عنه، قال: ذكروا الشؤم عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن كان الشؤم في شيء ففي الدار، والمرأة، والفرس) 107.

والأمر ليس كذلك، بل يعني: أن الشؤم لو كان له وجود في شيء لكان في هذه الأشياء؛ فإنها أقبل الأشياء له، لكن لا وجود له فيها أصلًا، وعلى هذا فالشؤم في الحديث السابق وغيره محمول على الإرشاد منه صلى الله عليه وسلم، يعني: إن كانت له دار يكره سكناها، أو امرأة يكره صحبتها، أو فرس لا تعجبه، فليفارق بالانتقال من الدار، ويطلق المرأة، ويبيع الفرس، حتى يزول عنه ما يجده في نفسه من الكراهة108.

قال الطبري: «وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «إن كان الشؤم في شيء ففي الدار والمرأة والفرس»، فإنه لم يثبت بذلك صحة الطيرة، بل إنما أخبر صلى الله عليه وسلم أن ذلك إن كان في شيء ففي هذه الثلاث، وذلك إلى النفي أقرب منه إلى الإيجاب، لأن قول القائل: إن كان في هذه الدار أحد فزيد، غير إثبات منه أن فيها زيدًا، بل ذلك من النفي أن يكون فيها زيد، أقرب منه إلى الإثبات أن فيها زيدًا»109.

قال ابن القيم: «فإخباره بالشؤم أنه يكون في هذه الثلاثة ليس فيه إثبات الطيرة التي نفاها، وإنما غايته أن الله سبحانه قد يخلق منها أعيانًا مشؤمة على من قاربها وسكنها، وأعيانًا مباركة لا يلحق من قاربها منها شؤم ولا شر، وهذا كما يعطي سبحانه الوالدين ولدًا مباركًا يريان الخير على وجهه، ويعطي غيرهما ولدًا مشؤمًا نذلًا يريان الشر على وجهه، فكذلك في الديار والنساء والخيل، فهذا لون، والطيرة الشركية لون آخر»110.

وعلى هذا فلا يوجد تعارض بين هذه الأحاديث وغيرها التي جاء النهي فيها عن التشاؤم بالأماكن كالدار ونحو ذلك.

خامسًا: التشاؤم بالألقاب:

ومن صور التشاؤم عند العرب ما ذكره ابن القيم رحمه الله حيث قال: «وقد كانت العرب تقلب الأسماء تطيرًا وتفاؤلًا، فيسمون اللديغ سليمًا باسم السلامة، وتطيرًا من اسم السقم، ويسمون العطشان ناهلًا، أي: سينهل -والنهل: الشرب- تفاؤلًا باسم الري، ويسمون الفلاة مفازةً، - أي: منجاةً - تفاؤلًا بالفوز والنجاة، ولم يسموها مهلكة لأجل الطيرة»111.

وقال أيضًا: «وكانت لهم مذاهب في تسمية أولادهم، فمنهم: من سموه بأسماء تفاؤلًا بالظفر على أعدائهم، نحو غالبٍ وغلابٍ، ومالكٍ، وظالمٍ، وعارمٍ، ومنازلٍ، ومقاتلٍ، ومعاركٍ، ومسهرٍ، ومؤرقٍ، ومصبحٍ، وطارقٍ، ومنهم: من تفاءل بالسلام كتسميتهم بسالم، وثابت، ونحوه، ومنهم: من تفاءل بنيل الحظوظ والسعادة كسعدٍ، وسعيد، وأسعد، ومسعود، وسعدى، وغانم، ونحو ذلك، ومنهم: من قصد التسمية بأسماء السباع ترهيبًا لأعدائهم نحو أسد، وليث، وذئب، وضرغامٍ، وشبل، ونحوها، ومنهم: من قصد التسمية بما غلظ وخشن من الأجسام تفاؤلًا بالقوة كحجر، وصخر، وفهرٍ، وجندلٍ، ومنهم: من كان يخرج من منزله وامرأته تمخض فيسمي ما تلده باسم أول ما يلقاه كائنا من كان من سبع أو ثعلب أو ضب أو كلب أو ظبي أو حشيش أو غيره»112.

ومنعا للتشاؤم سمت العرب المنهوش بالسليم، والبرية بالمفازة؛ تفاؤلًا في تجاوزها والفوز، لئلا يهلكوا فيها عند قطعها، وكنوا الأعمى أبا بصير، والأسود أبا البيضاء، وسموا الغراب بحاتم، إذ كان يحتم الزجر به على الأمور113.

وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تسمية المولود بما يتطير به، وذلك بما صح عن سمرة بن جندب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسم غلامك رباحًا، ولا يسارًا، ولا أفلح، ولا نافعًا)114.

وفي رواية أخرى: (ولا تسمين غلامك يسارًا، ولا رباحًا، ولا نجيحًا، ولا أفلح، فإنك تقول: أثم هو؟ فلا يكون، فيقول: لا. إنما هن أربع فلا تزيدن علي)115.

وكذلك عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال: (أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينهى عن أن يسمى بيعلى، وببركة، وبأفلح، وبيسار، وبنافع، وبنحو ذلك، ثم رأيته سكت بعد عنها، فلم يقل شيئًا، ثم قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينه عن ذلك) ثم أراد عمر أن ينهى عن ذلك، ثم تركه116.

ومعنى هذه الأحاديث: «أن الناس يقصدون بهذه الأسماء التفاؤل بحسن ألفاظها أو معانيها، وربما ينقلب عليهم ما قصدوه إلى الضد إذا سألوا فقالوا: أثم يسار أو نجيح؟ فقيل: لا، فتطيروا بنفيه وأضمروا اليأس من اليسر وغيره، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن السبب الذي يجلب سوء الظن والإياس من الخير»117.

«وقول جابر رضي الله عنه: «ثم سكت عنها»: دليل أنه ترك النهي، وأن نهيه أولًا إنما كان نهي تنزيه وترغيب؛ مخافة سوء الفأل، وما يقع في النفس مما ذكره، وعكس ما قصده المسمى بهذه الأسماء من حسن الفأل، وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم غلام اسمه رباح، ومولى اسمه يسار، وسمى ابن عمر غلامه نافعًا، وكراهته صلى الله عليه وسلم اسم حزن وسماه سهلًا، واسم حرب ومرة لقبح معانيها، وكراهة النفوس لها، وكذلك غير اسم غراب لتشاؤم العرب به، ولما في اسمه من الغربة، ولخبثه وفسقه، وقد غير اسم شيطان وحباب، وقيل أيضًا: لأنه اسم الحية، وغير اسم أصرم؛ لما فيه من ذكر الصرم وهو القطيعة، واسم شهاب؛ لأنه شعلة من نار»118.

سادسًا: التشاؤم بالأرقام:

التشاؤم بالأرقام عادة لم تكن موجودة عند العرب، ولم يكن هذا الأمر معروفًا إلا عند الغربيين، ومعناه أنهم يتوقعون ما سوف يحصل لهم من أحداث سيئة بسبب رؤيتهم بعض الأرقام التي يحسبون أنها تجلب الشؤم والحظ السيء، وهذا بعيد عن مبادئ الإسلام الحنيف الذي يفوض كل ما يصيب الإنسان إلى قضاء الله وقدره الجاري على كل الكون.

حيث يتشاءم النصارى وغيرهم من بعض الأرقام، وأشهر رقم يتشاءمون به هو الرقم - ١٣- ولذلك حذفته بعض شركات الطيران من ترقيم المقاعد، وحذفته بعض العمارات من أرقام الطوابق والشقق؛ لأن الناس يتشاءمون من ذلك الرقم، ويقال: إن قصة ذلك سببها خرافة نصرانية تزعم أن حواريي عيسى عليه السلام عددهم اثنا عشر حواريًا، فانضم إليه يهوذا الأسخريوطي فصاروا ثلاثة عشر، وهذا الأخير هو الذي وشى بعيسى عليه السلام وتسبب في صلبه - كما يزعمون -؛ فلذلك كرهوا هذا الرقم وتشاءموا منه، وهذه خرافة ظاهر بطلانها؛ ذلك أن الأرقام لا تقدم ولا تؤخر، وأن عيسى عليه السلام لم يصلب ولم يقتل، بل رفعه الله إليه119.

وقد نفى الله تعالى ذلك بقوله: ( ﭿﮀ ﮇﮈ ﮐﮑ ) [النساء: ١٥٧].

ولا دخل للرقم(١٣) في ذلك.

وسار على منهج هؤلاء في التشاؤم من الأرقام الشيعة كما أشار إليه ابن تيمية رحمه الله بقوله عنهم: «وأما سائر حماقاتهم فكثيرة جدًا، منها: كونهم يكرهون التكلم بلفظ العشرة، أو فعل شيء يكون عشرة، حتى في البناء لا يبنون على عشرة أعمدة، ولا بعشرة جذوع، ونحو ذلك، لكونهم يبغضون خيار الصحابة، وهم العشرة المشهود لهم بالجنة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم، ويبغضون هؤلاء إلا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ويبغضون سائر المهاجرين، والأنصار من السابقين الأولين الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم -تحت الشجرة- وكانوا ألفًا وأربعمائة، وقد أخبر الله أنه قد رضي عنهم، ومعلوم أنه لو فرض في العالم عشرة من أكفر الناس لم يجب هجر هذا الاسم (يعني الرقم عشرة) لذلك، كما أنه سبحانه وتعالى لما قال: ( ﭿ ) [النمل: ٤٨] لم يجب هجر اسم التسعة مطلقًا، بل اسم العشرة قد مدح الله مسماه في مواضع، كقوله تعالى في متعة الحج: ( ﰍﰎ ) [البقرة: ١٩٦].

وقال تعالى: ( ) [الأعراف: ١٤٢].

وقال تعالى: ( ) [الفجر: ١-٢].

وقد ثبت في الصحيح (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من شهر رمضان حتى توفاه الله تعالى)120، وقال في ليلة القدر: (التمسوها في العشر الأواخر) ومن العجب أنهم يوالون لفظ التسعة، وهم يبغضون التسعة من العشرة، فإنهم يبغضونهم إلا عليًا121.

ويتضح مما تقدم: أن التشاؤم بالأرقام عادة مستحدثة لم يكن لها وجود إلا عند الغربيين، ثم انتقلت إلى المسلمين، فصار بعضهم يتشاءم من بعض الأرقام، وهو اعتقاد باطل لا صحة له؛ لأنه لا دخل للأرقام فيما يصيب الإنسان من خير أو شر، بل الأمر متعلق بقضاء الله تعالى وقدره.

سابعًا: التشاؤم بالأحداث:

هو التشاؤم بالمصائب والبلايا التي تصيب الإنسان، أو الحروب، أو الزلازل، أو المجاعات، فيذيع خبرها بين الناس، فيصيب بعضهم الجزع واليأس والشؤم، ومنهم من إذا أصيب بمصيبة أو بلية من مرض، أو خسارة، أو موت ونحو ذلك نسب كل ما أصابه إلى سوء الحظ، وذلك لسوء ظنه بالله تعالى، وعدم الرضا والتسليم لقضاء الله تعالى وقدره، وهذا كله منافٍ لإيمان المسلم؛ لأنه لا يجتمع الإيمان مع التشاؤم، فالأمر كله لله تعالى؛ لذلك قال تعالى: ( ﯷﯸ ﯿ ) [الأنعام: ١٧].

«فيه إخبار أن ما يصيب العبد من الضر والخير إنما يصيب به، ثم الضر المذكور في الآية لا يخلو من أن يراد به سقم النفس، أو ضيق العيش، أو شدة وظلم يكون من العباد، لا يخلو من هذه الأوجه الثلاثة، فإذا كان كذلك فدل إضافة ذلك إلى الله تعالى على أن لله فيه فعلًا، وهو أن خلق فعل ذلك منهم، فهو على كل شيء قدير من كشف الضر له، والصرف عنه، وإصابة الخير، لا يملك ذلك غيره»122.

قال الزمخشري: «( ) من مرض أو فقر أو غير ذلك من بلاياه، فلا قادر على كشفه إلا هو ( ) من غنى أو صحة ( ﯿ ) فكان قادرًا على ادامته أو إزالته»123.

وجاء في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا، فقال: (يا غلام، إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف)124.

ولا يجوز للعبد التشاؤم من الزمان وحوادثه؛ لما صح عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقولن أحدكم: يا خيبة الدهر، فإن الله هو الدهر)125.

ودلالة الحديث: أن العرب كان شأنها أن تسب الدهر عند النوازل والحوادث والمصائب النازلة بها، من موت أو هرم أو تلف مال أو غير ذلك، فيقولون: يا خيبة الدهر، ونحو هذا من ألفاظ سب الدهر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا الدهر؛ فإن الله هو الدهر، أي: لا تسبوا فاعل النوازل؛ فإنكم إذا سببتم فاعلها وقع السب على الله تعالى؛ لأنه هو فاعلها ومنزلها، وأما الدهر الذي هو الزمان فلا فعل له، بل هو مخلوق من جملة خلق الله تعالى، ومعنى: (فإن الله هو الدهر)، أي: فاعل النوازل والحوادث وخالق الكائنات126.

ولا يصح التشاؤم من البلايا والمصائب كالمرض مثلًا؛ لأن فيه تهذيبًا للنفس وتكفيرًا للخطايا، وقد دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم السائب -أو أم المسيب-، فقال: (ما لك؟ يا أم السائب -أو يا أم المسيب- تزفزفين127؟) قالت: الحمى، لا بارك الله فيها، فقال: (لا تسبي الحمى، فإنها تذهب خطايا بني آدم، كما يذهب الكير خبث الحديد)128.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيرًا له)129.

وهكذا يكون المسلم دائمًا مع الأحداث، ويترك دواعي الشؤم التي تعتريه وتبعث في نفسه الخوف وتوقع حدوث الشر، ويرجعها إلى خالقها، ويسأله من خيرها، وأن يدفع عنه شرها، وأن يؤمن أن الله تعالى قد يبتلي العبد بشتى البلايا والمصائب ومكاره الدنيا، من القحط والجدب والمرض ونحو ذلك، مثلما ينعم عليه من النعم التي لا تحصى.

وليعلم أن ما أصابه من الأحداث مما يكره إنما هو بتقدير الله تعالى، وربما تتسلط عليه بسبب ذنوبه كما قال تعالى: ( ﭩﭪ ﭾﭿ ) [البقرة: ١٥٥-١٥٧].

ولا شك أن الله عز وجل يريد بعباده اليسر ولا يريد بهم العسر؛ لذلك قال تعالى: ( ) [البقرة: ١٨٥].

فالأمر كله راجع إلى الله تعالى، والواجب على المسلم حسن الظن به والتوكل عليه، وأن ما أصابه مما يكره إنما هو بسبب ذنوبه، فيلقي باللوم على نفسه لا على ما تجري به الأقدار.

نسبة المصائب إلى أشخاص

يعتقد المتشاءمون قديمًا وحديثًا بنسبة المصائب والبلايا التي تصيبهم إلى أشخاص معينين، حيث يظنون أن ما يصيبهم من بلاء وشر إنما هو بسببهم، كما أخبر الله تعالى عن تشاؤم آل فرعون وقومه بموسى عليه السلام في قوله تعالى: ( ﭖﭗ ﭞﭟ ) [الأعراف: ١٣١].

أي: «يتشاءمون بهم، ويقولون: هذا من أجل اتباعنا لك وطاعتنا إياك، فرد الله عليهم بقوله: ( )، يعني أن طائر البركة وطائر الشؤم من الخير والشر والنفع والضر من الله تعالى لا صنع فيه لمخلوق»130.

وكذلك تشاؤم قوم ثمود، حيث نسبوا ما أصابهم من بلاء إلى نبيهم صالح عليه السلام في قوله تعالى: ( ﭱﭲ ﭶﭷ ) [النمل: ٤٧].

أي: قالت ثمود لرسولها صالح عليه الصلاة السلام: تشاءمنا بك وبمن معك من أتباعنا، وزجرنا الطير بأنا سيصيبنا بك وبهم المكاره والمصائب، فأجابهم صالح فقال لهم: ( )، أي: ما زجرتم من الطير علمه عند الله، ولا يدرى أيكون ما تظنون من المصائب أو المكاره، أم ما ترجونه من العافية والمحاب131.

ولحقهم في ذلك أصحاب القرية التي جاءها المرسلون: ( ﮆﮇ ﮓﮔ ﮖﮗ ) [يس: ١٨-١٩].

ومن ثم قوله تعالى فيما أخبر عن كفار قريش بأنهم يضيفون ما يصيبهم للنبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال تعالى: ( ﯭﯮ ) [النساء: ٧٨].

ولا يقتصر التشاؤم على العرب فقط، بل تشائمت اليهود أيضًا من قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فقالوا: «غلت أسعارنا، وقلت أمطارنا مذْ أتانا»132.

آثار التشاؤم

لا شك أن للتشاؤم آثارا سيئة تنعكس على المتشائم، وتسبب له خللًا في عقيدته، وتورث في نفسه أمورًا كثيرة، كضعف الإيمان بقضاء الله تعالى وقدره، والتسخط على كل ما يصيبه في حياته من أقدار، وعدم التوكل على الله تعالى، مع اعتقاده أن التشاؤم يضره.

وقلما يخلو من التشاؤم أحد لا سيما من عارضته المقادير في إرادته، وصده القضاء عن طلبته، فهو يرجو واليأس عليه أغلب، ويأمل والخوف إليه أقرب، فإذا عاقه القضاء، وخانه الرجاء، جعل الطيرة عذر خيبته، وغفل عن قضاء الله عز وجل ومشيئته، فإذا تطير أحجم عن الإقدام، ويئس من الظفر، وظن أن القياس فيه مطرد، وأن العبرة فيه مستمرة، ثم يصير ذلك له عادة، فلا ينجح له سعي، ولا يتم له قصد133.

وقد ذكرت الطيرة عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أحسنها الفأل، ولا ترد مسلمًا، فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك)134.

«ومعنى هذا: أن من تشاءم تشاؤمًا منهيًا عنه، وهو أن يعتمد على ما يسمعه أو يراه مما يتطير به، حتى يمنعه مما يريد من حاجته؛ فإنه قد يصيبه ما يكرهه، فأما من توكل على الله ووثق به، بحيث علق قلبه بالله خوفًا ورجاءً وقطعه عن الالتفات إلى هذه الأسباب المخوفة، وقال ما أمر به من هذه الكلمات -أي ما ذكر في الحديث المذكور آنفا-ومضى، فإنه لا يضره ذلك»135.

قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «لا تضر الطيرة إلا من تطير»136.

قال ابن القيم: «والتشاؤم إنما يضر من أشفق منه وخاف، وأما من لم يبال به ولم يعبأ به شيئًا لم يضره البتة، ولا سيما إن قال عند رؤية ما يتطير به أو سماعه: «اللهم لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك، ولا إله غيرك اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يذهب بالسيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك»137.

ولا يخلو المتشائم بتشاؤمه من الوقوع في الشرك ووساوس الشيطان.

ويقول أيضًا: «فالطيرة باب من الشرك وإلقاء الشيطان وتخويفه ووسوسته، يكبر ويعظم شأنها على من اتبعها نفسه واشتغل بها وأكثر العناية بها، وتذهب وتضمحل عمن لم يلتفت إليها ولا ألقى إليها باله ولا شغل بها نفسه وفكره. واعلم أن من كان معتنيًا بها قائلًا بها كانت إليه أسرع من السيل إلى منحدر، فتحت له أبواب الوساوس فيما يسمعه ويراه ويعطاه، ويفتح له الشيطان فيها من المناسبات البعيدة والقريبة في اللفظ والمعنى ما يفسد عليه دينه، وينكد عليه عيشه، فإذا سمع سفرجلًا أو أهدي إليه تطير به، وقال: سفر وجلاء. وإذا رأى ياسمينًا أو سمع اسمه تطير به، وقال: يأس ومين. وإذا رأى سوسنة أو سمعها قال: سوء يبقى سنة. وإذا خرج من داره فاستقبله أعور أو أشل أو أعمى أو صاحب آفة تطير به، وتشاءم بيومه»138.

«والمتطير متعب القلب، منكد الصدر، كاسف البال، سيئ الخلق، يتخيل من كل ما يراه أو يسمعه، أشد الناس خوفًا، وأنكدهم عيشًا، وأضيق الناس صدرًا، وأحزنهم قلبًا، كثير الاحتراز والمراعاة لما لا يضره ولا ينفعه، وكم قد حرم نفسه بذلك من حظ، ومنعها من رزق، وقطع عليها من فائدة»139.

وقد يصل المتشائم عند شعوره باليأس وضعف الإيمان بالله تعالى إلى الكفر، كما أخبر الله تعالى عن ذلك بقوله تعالى: ( ﭛﭜ ) [يوسف: ٨٧].

قال ابن عباس: «إن المؤمن من الله على خير، يرجوه في الشدائد، ويشكره ويحمده في الرخاء، وإن الكافر ليس كذلك»140.

وعلى هذا: فإن اليأس لا يحصل إلا لمن كان كافرًا، والمؤمن لا يقنط من رحمته في شيء من الأحوال، فلا يجتمع إيمانه بالله عز وجل مع اليأس وكراهيته ما قدره الله تعالى له.

وتتلخص آثار التشاؤم في عدة أمور منها141:

  1. ينافي الإيمان، ويضاد التوكل.
  2. لا يدفع مكروها ولا يجلب محبوبًا.
  3. دليل قلة العقل وذهاب الحلم.
  4. اضطراب النفس وبلبلة الفكر.
  5. الفشل في الحياة.
  6. دعوة إلى تعطيل المصالح وترك السعي.
  7. صفة من صفات الجاهلية، وعادة مذمومة من عاداتهم.
  8. دعوة صريحة للكفر بالقضاء والقدر.
  9. فيها مخالفة صريحة لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم.

علاج التشاؤم

  1. أولًا: الإيمان بالقضاء والقدر:

    لا شك أن الإيمان بالقضاء والقدر ركن من أركان العقيدة الصحيحة، وأصل من أصول الإيمان لا يصح إيمان إلا به، ومعلوم أن التشاؤم ينافيه؛ لأن فيه اعتراضًا وتسخطًا على أقدار الله تعالى الجارية على خلقه، وأنه لا يقع شيء إلا بقدر الله وقضائه ومشيئته، فالمؤمن يجب أن يؤمن بذلك، ويتوكل على الله تعالى، ولا يرده شعوره بالتشاؤم عن شيء فإنه لا يضره بشيء، فالأقدار سارية عليه بما قدرها الله تعالى له من الخير والشر.

    قال تعالى: ( ) [القمر: ٤٩].

    أي: قدر قدرًا، وهدى الخلائق إليه، وإن كل كائن في هذه الحياة، فهو بتقدير الله وتكوينه على مقتضى الحكمة البالغة والنظام الشامل، وبحسب السنن التي وضعها في الخليقة، ولهذا يستدل بهذه الآية الكريمة أئمة السنة على إثبات قدر الله السابق لخلقه، وهو علمه الأشياء قبل كونها وكتابته لها قبل برئها142.

    ونحو الآية الكريمة قوله تعالى: ( ) [الفرقان: ٢].

    وقوله تعالى: ( ) [الأعلى: ١-٣].

    وبما إن التشاؤم من الأقدار عادة من عادات أهل الجاهليةً لذلك نرى أن كفار قريش كانوا يخاصمون رسول الله صلى الله عليه وسلم في القدر، كما صح في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء مشركو قريش يخاصمون رسول الله صلى الله عليه وسلم في القدر، فنزلت: ( ) [القمر: ٤٩]143.

    ومعنى الحديث: أن المشركين وأهل الفسق يتعلقون بالأقدار، طالبين بذلك النكول عن الأعمال، فيريدون بخوضهم في ذلك الفتنة، لا التماس الحق، وقد أنزل الله عز وجل في ذلك الكافي المقنع في قوله سبحانه وتعالى: ( )، ومعناه إنا خلقنا كل شيء، خلقناه بقدر، فيستنبط من هذا أن الله سبحانه خالق كل شيء من خير وشر، وأن الله سبحانه وتعالى خلق ما خلقه بقدر سبق، ومقدار لا يزيد عنه شيء من ذلك ولا ينقص144.

    قال الماوردي رحمه الله: «اعلم أنه ليس شيء أضر بالرأي ولا أفسد للتدبير من اعتقاد الطيرة -التشاؤم-، ومن ظن أن خوار بقرة أو نعيب غراب يرد قضاء أو يدفع مقدورا فقد جهل»145.

    وقال تعالى: ( ﭤﭥ ﭪﭫ ) [التغابن: ١١].

    أي: «بقضاء الله وقدره وإرادته ( ) أي يصدق أنه لا يصيبه مصيبة من موت أو مرض أو ذهاب مال ونحو ذلك إلا بقضاء الله وقدره وإذنه، ( )، أي: يوفقه لليقين، حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، فيسلم لقضاء الله تعالى وقدره، وقيل يهد قلبه للشكر عند الرخاء والصبر عند البلاء ( )»146.

    ويحتمل أن يريد بالمصيبة الرزايا، وخصها بالذكر لأنها أهم على الناس، أو يريد جميع الحوادث من خير أو شر، وبإذن الله عبارة عن قضائه وإرادته تعالى ( ) قيل: معناه من يؤمن بأن كل شيء بإذن الله يهد الله قلبه للتسليم والرضا بقضاء الله، وهذا أحسن، إلا أن العموم أحسن منه147.

    قال ابن كثير رحمه الله: «ومن أصابته مصيبة فعلم أنها بقضاء الله وقدره، فصبر واحتسب واستسلم لقضاء الله، هدى الله قلبه، وعوضه عما فاته من الدنيا هدى في قلبه، ويقينًا صادقًا، وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه، أو خيرًا منه»148.

    فمن لا يتشاءم ولا يستجيب لدواعي التشاؤم، ويتوكل على الله تعالى؛ فإنه ينال أفضل الدرجات وأكملها وأرفعها عند الله تعالى، وهي الجنة.

    وقد بين الله تعالى أثر الإيمان بالقضاء والقدر في تخليص العبد من القلق، والحزن، والخوف من حصول المكروه والمصائب والبلايا الناتج من التشاؤم وغيره، بقوله تعالى: ( ﯟﯠ ﯯﯰ ) [الحديد: ٢٢-٢٣].

    وعلم النبي صلى الله عليه وسلم أمته كيف يتخلصون مما يجدونه في نفوسهم من تشاؤم، وذلك بما صح عن معاوية بن الحكم رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله أمورًا كنا نصنعها في الجاهلية، كنا نأتي الكهان، قال: (فلا تأتوا الكهان). قال: قلت: كنا نتطير. قال: (ذاك شيء يجده أحدكم في نفسه، فلا يصدنكم)149.

    «فأخبر أن تأذيه وتشاؤمه بالتطير إنما هو في نفسه وعقيدته لا في المتطير به، فوهمه وخوفه وإشراكه هو الذي يطيره ويصده لا ما رآه وسمعه، فأوضح لأمته الأمر، وبين لهم فساد الطيرة؛ ليعلموا أن الله سبحانه لم يجعل لهم عليها علامة ولا فيها دلالة، ولا نصبها سببًا لما يخافونه ويحذرونه؛ لتطمئن قلوبهم ولتسكن نفوسهم إلى وحدانيته تعالى»150.

    وبشرهم عليه الصلاة والسلام بدخول الجنة ما لم يتشاءموا بما صح عن ابن عباس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب، هم الذين لا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون)151.

    «فأما من ساعدته المقادير ووافقه القضاء فهو قليل الطيرة لإقدامه؛ ثقة بإقباله، وتعويلًا على سعادته، فلا يصده خوف ولا يكفه حزن، ولا يئوب إلا ظافرًا، ولا يعود إلا منجحًا؛ لأن الغنم بالإقدام، والخيبة مع الإحجام، فصارت الطيرة من سمات الإدبار، واطراحها من أمارات الإقبال، فينبغي لمن مني بها وبلي أن يصرف عن نفسه وساوس النوكى152، ودواعي الخيبة، وذرائع الحرمان، ولا يجعل للشيطان سلطانًا في نقض عزائمه ومعارضة خالقه، ويعلم أن قضاء الله تعالى عليه غالب، وأن رزقه له طالب، إلا أن الحركة سبب فلا يثنيه عنها ما لا يضر مخلوقًا ولا يدفع مقدورًا، وليمض في عزائمه واثقًا بالله تعالى إن أعطي، وراضيًا به إن منع»153.

    ويتضح مما تقدم: أن من آمن بالقضاء والقدر، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأنه لن يصيبه إلا ما كتب له، وأن ما يجري من المصائب والبلايا والمحاب والمكروهات كله بقضاء الله وقدره، فقد سلم نفسه من الوقوع في آفة التشاؤم.

    ثانيًا: حسن الظن بالله والتوكل عليه:

    لا شك أن حسن الظن بالله تعالى له أثر كبير في حياة المؤمن وبعد مماته، فالمؤمن حين يحسن الظن بالله تعالى لا يزال قلبه مطمئنًا، ونفسه راضية بقضاء الله وقدره وما يصيبه في السراء والضراء، بخلاف التشاؤم الذي هو سوء ظن بالله عز وجل بغير سبب، والمؤمن مأمور بحسن الظن بالله تعالى والتوكل عليه في كل أحواله.

    وحقيقة التوكل: «هو صدق اعتماد القلب على الله عز وجل في استجلاب المصالح، ودفع المضار، من أمور الدنيا والآخرة كلها، ووكلت الأمور كلها إليه، وتحقيق الإيمان بأنه لا يعطي ولا يمنع، ولا يضر ولا ينفع سواه»154.

    وعلى هذا فالتوكل مرتبط بحسن الظن بالله تعالى، وكلاهما علاج لما يصيب المسلم من دواعي الشؤم.

    قال ابن القيم رحمه الله: فعلى قدر حسن ظنك بربك ورجائك له يكون توكلك عليه، ولذلك فسر بعضهم التوكل بحسن الظن بالله، وأن حسن الظن به يدعوه إلى التوكل عليه، إذ لا يتصور التوكل على من ساء ظنك به، ولا التوكل على من لا ترجوه155.

    قال تعالى: ( ﮬﮭ ﮱﯓ ) [الطلاق: ٣].

    أي: «ومن يكل أمره إلى الله ويفوض إليه الخلاص منه كفاه ما أهمه فى دنياه ودينه، والمراد بذلك: أن العبد يأخذ بالأسباب التي جعلها الله من سننه في هذه الحياة، ويؤديها على أمثل الطرق، ثم يكل أمره إلى الله فيما لا يعلمه من أسباب لا يستطيع الوصول إلى علمها، وليس المراد أن يلقي الأمور على عواهنها، ويترك السعي والعمل ويفوض الأمر إلى الله تعالى»156.

    ثم ذكر السبب في وجوب التوكل عليه فقال تعالى: ( ﮱﯓ ) [الطلاق: ٣].

    أي: إن الله تعالى منفذ أحكامه في خلقه بما يشاء، وقد جعل لكل شيء مقدارًا ووقتًا، فلا تحزن أيها المؤمن إذا فاتك شيء مما كنت تؤمل وترجو، فالأمور مرهونة بأوقاتها، ومقدرة بمقادير خاصة، كما قال تعالى: ( ) [الرعد: ٨]157.

    وعلى هذا: فإن التوكل على الله تعالى هو حسن الظن بالله عز وجل، والبعد عن التشاؤم الذي من أسبابه سوء الظن بالله تعالى وبأقداره السارية على خلقه سواء أكان خيرًا أم شرًا؛ لأن كل هذا ينافي إيمان المسلم، ويخل بعقيدته وحسن عبادته لله تعالى.

    وروي عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن حسن الظن بالله من حسن العبادة)158.

    ودلالة الحديث واضحة في أن حسن الظن عبادة من العبادات الحسنة، كما أن سوء الظن معصية من المعاصي.

    ويؤكد هذا المعنى ما صح عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله: أنا عند ظن عبدي بي)159.

    فحسن الظن بالله تعالى يذهب الشعور بالشؤم؛ لأن الله تعالى هو الذي ينفع وحده ولا يضر سواه، ثم إن شعور المسلم بالشؤم لا يذهبه إلا التوكل على الله تعالى في كل حال، لذلك بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك من خلال تعليمه الصحابة الكرام كيفية علاج التشاؤم، كما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الطيرة من الشرك، وما منا إلا، ولكن الله يذهبه بالتوكل)160.

    ولا مانع أن يتوكل العبد على الله تعالى مع اجتناب الأسباب التي تكون سببًا للبلاء لقوله تعالى: ( ) [البقرة: ١٩٥].

    إذًا: حسن الظن بالله والتوكل عليه يزيل من النفس دواعي التشاؤم، وهما من أقوى الأسباب في علاجه، لذا على المسلم أن يثق بالله تعالى ويوقن أن قضاءه عليه ماض، ولا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه جل وعلا.

    ثالثًا: العلم النافع:

    كما أن الجهل والضلال سبب من أسباب التشاؤم كما مر، فإن العلم النافع هو علاج له، فما كان التشاؤم عادة من عادات الجاهلية والأمم السالفة إلا بسبب جهلهم وضلالتهم، لذلك عندما جاء الإسلام حث على طلب العلم، ومدح الله سبحانه وتعالى أهل العلم في آيات كثيرة، وكذلك السنة الشريفة، إذ هو من أفضل الأعمال الصالحة، ومن أفضل العبادات وأجلها، فقد رفع الله تعالى شأن أهل العلم بقوله تعالى: ( ) [المجادلة: ١١].

    ولم يساوهم أحد في منزلتهم ولا رتبتهم، فقال تعالى: ( ) [الزمر: ٩].

    وقال تعالى: ( ) [فاطر: ٢٨].

    ودلالة الآيات واضحة في بيان منزلة العلم النافع وأهله، فإنه يخرج الناس من الجهل والضلال إلى النور والمعرفة.

    ولأهمية العلم في حياة الناس أمر الله تعالى رسوله أن يطلب المزيد منه في قوله تعالى: ( ) [طه: ١١٤].

    قال قتادة رحمه الله: «لو كان أحد يكتفي من العلم بشيء لاكتفى موسى عليه السلام، ولكنه قال للخضر عليه السلام: ( ) [الكهف: ٦٦]161.

    والعلم النافع يدل على أمرين:

    أحدهما: معرفة الله وما يستحقه من الأسماء الحسنى والصفات العلى والأفعال الباهرة، وذلك يستلزم إجلاله وإعظامه، وخشيته ومهابته، ومحبته ورجاءه، والتوكل عليه، والرضا بقضائه، والصبر على بلائه.

    والأمر الثاني: المعرفة بما يحبه ويرضاه، وما يكرهه ويسخطه من الاعتقادات، والأعمال الظاهرة والباطنة والأقوال162.

    وإن العلم النافع طريق الجنة كما دل على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ومن سلك طريقا يلتمس فيه علمًا، سهل الله له به طريقًا إلى الجنة)163.

    ولهذا لا نجد أحدًا أنعم الله تعالى عليه بالعلم النافع إلا كان متفائلًا، بعيدًا عن التشاؤم، منشرح الصدر، ومطمئن النفس والقلب، ومؤمنًا بأقدار الله تعالى وما يحصل له في الحاضر والمستقبل، وهذا حال المؤمن؛ لذلك قال الله تعالى: ( ﮔﮕ ) [النحل: ٩٧].

    قال ابن القيم رحمه الله: «العلم هادٍ والحال الصحيح مهتد به، وهو تركة الأنبياء وتراثهم، وأهله عصبتهم ووراثهم، وهو حياة القلوب، ونور البصائر، وشفاء الصدور، ورياض العقول، ولذة الأرواح، وأنس المستوحشين، ودليل المتحيرين، وهو الميزان الذي به توزن الأقوال والأعمال والأحوال، وهو الحاكم المفرق بين الشك واليقين، والغي والرشاد، والهدى والضلال، به يعرف الله ويعبد، ويذكر ويوحد، ويحمد ويمجد، وبه اهتدى إليه السالكون، ومن طريقه وصل إليه الواصلون، ومن بابه دخل عليه القاصدون.

    به تعرف الشرائع والأحكام، ويتميز الحلال من الحرام، وبه توصل الأرحام وبه تعرف مراضي الحبيب، وبمعرفتها ومتابعتها يوصل إليه من قريب، وهو إمام، والعمل مأموم، وهو قائد، والعمل تابع، وهو الصاحب في الغربة، والمحدث في الخلوة، والأنيس في الوحشة، والكاشف عن الشبهة، والغنى الذي لا فقر على من ظفر بكنزه، والكنف الذي لا ضيعة على من آوى إلى حرزه، مذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وطلبه قربة، وبذله صدقة، ومدارسته تعدل بالصيام والقيام، والحاجة إليه أعظم منها إلى الشراب والطعام»164.

    ويتضح مما مضى: إن العلم النافع هو نعمة من نعم الله تعالى على عباده، وعلاج لكل ما يصيب الإنسان من الآفات النفسية والقلبية، بما فيها الاعتقادات الخاطئة كالتشاؤم بالبشر، والمصائب والبلايا والطير والحيوان والأسماء، وغير ذلك، وكلها تعود إلى سبب الجهل والضلال.

    رابعًا: مصاحبة المتفائلين:

    للصحبة الصالحة مكانة عظيمة في الإسلام، لما لها من أثر واضح في حياة الإنسان، سواء في معتقده وسلوكه وأفعاله وتوجهاته، والإنسان ميال بفطرته إلى مخالطة الآخرين ومصاحبتهم، ومجالستهم والتأثر بهم.

    ولعل المبتلى بالتشاؤم أولى من غيره بمصاحبة المتقين الأخيار؛ لأن مصاحبتهم وملازمتهم ستؤدي إلى اكتساب صفاتهم من تقوى وإيمان، ومكارم أخلاق، وتفاؤل وجد وإقدام، وحسن توكلٍ على الله تعالى في السراء والضراء.

    لذلك أمر الله تعالى عباده المؤمنين بالتزام الصادقين في قوله تعالى: ( ) [التوبة: ١١٩].

    وحث على صحبة العابدين بقوله تعالى: ( ﭚﭛ ﭣﭤ ) [الكهف: ٢٨].

    ونهى الله تعالى عن صحبة الظالمين لما فيها من حسرة وندامة، كما قال تعالى: ( ) [الفرقان: ٢٧-٢٨].

    وجعل كل صحبة لا تبنى على محبة الله تعالى وتقواه مصيرها العداوة، وذلك في قوله تعالى: ( ) [الزخرف: ٦٧].

    وضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثالًا على الصحبة الصالحة بقوله عليه الصلاة والسلام: (مثل الجليس الصالح والجليس السوء، كمثل صاحب المسك وكير الحداد، لا يعدمك من صاحب المسك إما تشتريه، أو تجد ريحه، وكير الحداد يحرق بدنك، أو ثوبك، أو تجد منه ريحًا خبيثة)165.

    «وقوله: في تمثيل الجليس السوء والجليس الصالح بحامل المسك أو نافخ الكير: فيه تجنب خلطاء السوء ومجالسة الأشرار وأهل البدع والمغتابين للناس؛ لأن جميع هؤلاء ينفذ أثرهم إلى جليسهم، والحض على مجالسة أهل الخير وتلقي العلم والأدب، وحسن الهدى والأخلاق الحميدة»166.

    وقال صلى الله عليه وسلم: (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل)167.

    «قال ابن العربي: أي عادة خليله، فمن كانت عادته في خلق الله ما عودهم الله من لطائف مننه وأسبغ عليهم من جزيل نعمه، وعطف بعضهم على بعض، فلم يظهر في العالم غضبًا لا يشوبه رحمة، ولا عداوة لا يتخللها مودة فذلك الذي يستحق اسم الخلة؛ لقيامه بحقها، واستيفائه لشروطها»168.

    وقال الرسول صلى الله عليه وسلم (لا تصاحب إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامك إلا تقي)169.

    وفي هذه الأحاديث المتقدمة حث على صحبة الصالحين والمتقين وتجنب جلساء السوء، وبما أن التشاؤم عادة سيئة فالأحرى بالمتشائم أن يصاحب المؤمنين الصالحين ليقتدي بإيمانهم وصلاحهم؛ فتنعكس أخلاقهم وأفعالهم وعاداتهم على سلوكه؛ فيجد نفسه قد تخلص من عاداته السيئة، ومنها التشاؤم.

    خامسًا: الدعاء:

    إن الدعـاء هو الصلة القوية بين الخالق والمخلوق، وهو وقوف العبد بين يدي الله تعالى وسؤاله على وجه الافتقار والعجز والانكسار.

    قال الخطابي في معنى الدعاء: «استدعاء العبد ربه عز وجل العناية واستمداده إياه المعونة»170، وإلى نفس هذا المعنى ذهب الإمام الرازي171.

    لذا فإن الإقبال على الله تعالى واللجوء إليه، وكثرة الإلحاح عليه بالدعاء هو من أفضل الأعمال، وعلاج لكل الآفات التي تصيب المسلم، ومنها: شعوره بالتشاؤم، فلا يمنعه ذلك من التضرع إلى الله تعالى أن يشرح صدره، وييسر أمره، ويتجاوز ما يصيبه من دوافع الشؤم بالإيمان وحسن التوكل على الله تعالى في السراء والضراء، ولا يكن كمن قال الله تعالى فيهم: ( ) [الأنعام: ٤٢-٤٣].

    وعلى هذا: يجب على المسلم اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء في اليسر والشدة، والاستعانة به في كل الأحوال، مع الاعتقاد بإجابة الدعاء كما قال تعالى: ( ) [غافر: ٦٠].

    ويؤكد هذا الأمر ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلبٍ غافلٍ لاهٍ)172.

    وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم أمته دعاء الوقاية لمن وجد في نفسه ما يكره من الأشياء وما يبعث في نفسه من شؤم، وذلك بما روي عن عروة بن عامر قال: ذكرت الطيرة عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أحسنها الفأل، ولا ترد مسلمًا، فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك)173.

    وفي هذا الدعاء علاج لمن يجد في نفسه كراهية حدوث بعض الأشياء، فالأولى به أن لا ترده عن حاجته ويذهب متوكلًا على الله تعالى، فإن الله تعالى يكفيه ما وجد في نفسه من ذلك.

    سادسًا: الفأل الحسن:

    حث الله تعالى عباده على التفاؤل والبعد عن التشاؤم في آيات كثيرة، منها: قوله تعالى: ( ) [البقرة: ١٨٥].

    وقوله تعالى: ( ﯛﯜ ) [الشرح: ٥- ٦].

    وجاء أيضًا في الحديث عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل الصالح: الكلمة الحسنة)174.

    والفأل هو: الكلمة الصالحة والطيبة والحسنة؛ بدليل قوله صلى الله عليه وسلم عندما سئل ما الفأل؟ فقال: (الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم)175.

    قال القرطبي رحمه الله: الفأل هو: الاستدلال بما يسمع من الكلام على ما يريد من الأمر إذا كان حسنًا، فإن سمع مكروهًا فهو تطير -تشاؤم-، وأمره الشرع بأن يفرح بالفأل ويمضي على أمره مسرورًا، وإذا سمع المكروه أعرض عنه ولم يرجع لأجله176.

    يقول الإمام الطيبي: «معنى الترخص في الفأل والمنع من التشاؤم: فهو أن الشخص لو رأى شيئًا فظنه حسنًا محرضًا على طلب حاجته فليفعل ذلك، وإن رآه بضد ذلك فلا يقبله بل يمضي لسبيله، فلو قبل وانتهى عن المضي فهو الطيرة التي اختصت بأن تستعمل في الشؤم، والله أعلم»177.

    وقال ابن بطال رحمه الله: «جعل الله تعالى في فطر الناس محبة الكلمة الطيبة والأنس بها، كما جعل فيهم الارتياح بالمنظر الأنيق والماء الصافي وإن كان لا يملكه ولا يشربه»178.

    والفأل الحسن فيه تقوية للعزم، وباعث على الجد، ومعونة على الظفر، فقد تفاءل رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزواته وحروبه، فينبغي لمن تفاءل أن يتأول الفأل بأحسن تأويلاته ولا يجعل لسوء الظن على نفسه سبيلًا179.

    وعلى هذا: فالفأل الحسن هو حسن الظن بالله تعالى وبقضائه وقدره، حيث يجلب السعادة والطمأنينة إلى النفس والقلب، ويبعث فيهما السرور والجد، بخلاف التشاؤم الذي فيه سوء ظن بالله، فلا يتحقق معه إيمان المسلم بقضاء الله تعالى وقدره في كل الأحوال، لذا فالفرق بين الفأل والتشاؤم: أن الفأل من طريق حسن الظن بالله، والتشاؤم لا يكون إلا في السوء.

    ويضرب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام المثل الأعلى في الفأل الحسن من خلال قصصهم الواردة في القرآن الكريم، منها: ما جاء في قصة موسى عليه السلام في قوله تعالى: ( ﭛﭜ ) [الشعراء: ٦١-٦٢].

    أي: فلما تناظر الجمعان: جمع موسى عليه السلام وهم بنو إسرائيل، وجمع فرعون وهم القبط ( )، أي: إنا لملحقون، الآن يلحقنا فرعون وجنوده فيقتلوننا، وذكر أنهم قالوا ذلك لموسى، تشاؤمًا بموسى عليه السلام، ولما لحق فرعون بجمعه جمع موسى وقرب منهم، ورأت بنو إسرائيل العدو القوي والبحر أمامهم ساءت ظنونهم، وقالوا لموسى على جهة التوبيخ والجفاء: ( )فرد عليهم قولهم وزجرهم وذكرهم وعد الله سبحانه له بالهداية والظفر، وقال () لن تدركوا ( )، أي سيهدين لطريق أنجو فيه من فرعون وقومه180.

    ثم ذكر سبحانه كيف هداه ونجاه وأهلك أعداءه فقال: ( ﭨﭩ ) [الشعراء: ٦٣].

    وكذلك ما حصل مع النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصديق رضي الله عنه في الغار، وذلك في قوله تعالى: ( ﯜﯝ ﯪﯫ ﯯﯰ ) [التوبة: ٤٠].

    وجاء في الحديث الصحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: حدثني أبو بكر رضي الله عنه، قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار فرأيت آثار المشركين، قلت: يا رسول الله، لو أن أحدهم رفع قدمه رآنا، قال: (ما ظنك باثنين الله ثالثهما)181.

    وقوله عليه الصلاة والسلام: (يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما) أي: «معناه ثالثهما بالنصر والمعونة والحفظ والتسديد، وهو داخل في قوله تعالى: (ﯿ ) [النحل: ١٢٨].

    وفيه: بيان عظيم توكل النبي صلى الله عليه وسلم حتى في هذا المقام. وفيه: فضيلة لأبي بكر رضي الله عنه وهي من أجل مناقبه، والفضيلة من أوجه: منها: هذا اللفظ، ومنها: بذله نفسه ومفارقته أهله وماله ورياسته في طاعة الله تعالى ورسوله، وملازمة النبي صلى الله عليه وسلم ومعاداة الناس فيه، ومنها: جعله نفسه وقاية عنه وغير ذلك»182.

    فأنزل الله طمأنينته وسكونه على رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد قيل: على أبي بكر رضي الله عنه، وقواه بجنودٍ من عنده من الملائكة، لم تروها أنتم، وجعل كلمة الذين كفروا وهي كلمة الشرك السفلى، لأنها قهرت وأذلت، وأبطلها الله تعالى، ومحق أهلها، وكل مقهور ومغلوب فهو أسفل من الغالب، والغالب هو الأعلى وكلمة الله هي العليا، أي: دين الله وتوحيده وقول لا إله إلا الله، وهي كلمته العليا، على الشرك وأهله183.

    وقد تفاءل النبي صلى الله عليه وسلم في وقائع كثيرة ومن ذلك: تفاؤله بالنصر في غزوة بدر، وإخباره بمصرع كبار صناديد قريش، ويوم الحديبية فإنه لما جاء سهيل بن عمرو، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد سهل لكم من أمركم)184.

    وغير ذلك كثير من هذه الوقائع والقصص التي فيها الحث على التفاؤل وحسن الظن بالله تعالى، والتوكل عليه في الضراء والسراء، وأن التفاؤل من صفات المؤمنين والصالحين، خاصة أنبياء الله تعالى ورسله عليهم الصلاة والسلام، فالمؤمن يتوقع حصول الخير دائمًا، على عكس المتشائم فإنه يتوقع حدوث الشر ووقوعه في الحاضر والمستقبل.

    موضوعات ذات صلة:

    الإيمان، الطير، القدر، اليأس


1 انظر: الصحاح، الجوهري، ٥/١٩٥٧، لسان العرب، ابن منظور، ١٢/٣١٤، المصباح المنير، الفيومي، ١/٣٢٨، معجم اللغة العربية المعاصرة، أحمد مختار، ٢/١١٥٤.

2 انظر: فتح الباري، ابن حجر، ١٠/٢١٥.

3 انظر: كشف المشكل من حديث الصحيحين، ابن الجوزي، ١/٤٨٢.

4 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٩/٦٦.

5 الذريعة إلى مكارم الشريعة، الراغب الاصفهاني، ص١٤٨.

6 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس، ٣/٤٣٦

7 انظر: مختار الصحاح، الرازي، ١/١٩٤.

8 مفتاح دار السعادة، ابن القيم ٢/٢٤٦.

9 انظر: التحرير والتنوير، ٩/٦٦.

10 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس، ٤/٤٦٨، لسان العرب، ابن منظور، ١١/٥١٣.

11 انظر: فتح الباري، ابن حجر، ١٠/٢١٥.

12 لسان العرب، ابن منظور، ١١/٧٣٦، المصباح المنير، الفيومي ٢/٦٧٠.

13 انظر: جامع العلوم والحكم، ابن رجب، ص٤٠٩، التعريفات، الجرجاني ص ٧٠.

14 انظر: جامع البيان، الطبري، ١٩/٤٧٦، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٦/١٩٨.

15 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٩/٢٨١.

16 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ٢٤/٥٦٠، أنوار التنزيل، البيضاوي، ٤/١٦٢.

17 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٦/٥٦٩، ٥٧٠.

18 الكشاف، ٤/٩.

19 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٢٢/٣٦٢.

20 المصدر السابق.

21 المصدر السابق، ٢٢/٣٦٣.

22 تفسير المراغي، ٢٢/١٥٢.

23 انظر: جامع البيان، الطبري، ٢٠/٥٠٣.

24 انظر: تفسير المراغي، ٢٢،١٥٢.

25 جامع البيان، الطبري، ١٣/٤٧.

26 التحرير والتنوير، ٩/٦٦.

27 المصدر السابق.

28 انظر: جامع البيان، الطبري، ١٣/٤٨.

29 روح المعاني، الألوسي، ٥/٣٣.

30 زهرة التفاسير، أبو زهرة، ٤/١٧٧٣.

31 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٥/١٣٤.

32 المصدر السابق، ٥/١٣٠.

33 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٢/٣٦٢.

34 جامع البيان، الطبري، ٨/٥٥٧.

35 انظر: جامع البيان، الطبري، ٨/٥٥٧، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٢/٣٦٢.

36 مفتاح دار السعادة، ابن القيم، ٢/٢٣٣.

37 تأويلات أهل السنة، الماتريدي، ٦/٢٧٩.

38 مفاتيح الغيب، الرازي، ١٨/٥٠١.

39 الكشاف، الزمخشري، ٣/٤٨٠.

40 لباب التأويل، الخازن، ٣/٣٤٩.

41 أخرجه أحمد في مسنده رقم ٣٦٨٧، ٣/٥٤٦، وأبو داود في سننه، كتاب الطب، باب في الطيرة، رقم ٣٩١٠، ٤/١٧، والترمذي في سننه، أبواب السير، باب ما جاء في الطيرة، رقم ١٦١٤، ٤/١٦٠، وابن ماجه في سننه، كتاب الطب، باب من كان يعجبه الفأل، رقم ٣٥٣٨، ٢/١١٧٠.

قال الترمذي: «وهذا حديث حسن صحيح».

42 اخرجه أحمد في مسنده، رقم ٧٠٤٥، ٦/٤٧١، والطبراني في المعجم الكبير، رقم ٢٢/١٣، ٣٨.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد: «رواه أحمد والطبراني، وفيه ابن لهيعة، وحديثه حسن، وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات».

43 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الطب، باب في الطيرة، رقم ٣٩١٩، ٦/٦١.

وصححه النووي في رياض الصالحين ص ٤٧٠.

44 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الطب، باب الطيرة، رقم ٥٧٥٤، ٧/١٣٥.

45 المنهاج شرح صحيح مسلم ١٤/٢١٩.

46 مفتاح دار السعادة، ابن القيم، ٢/٢٤٧.

47 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٤/١٣٤.

48 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٢/١٤٥، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٤/١٣٥.

49 انظر: زاد المعاد، ابن القيم ٣/٢٠٦.

50 المصدر السابق، ٣/٢١١.

51 التحرير والتنوير، ٩/٦٦.

52 تأويلات أهل السنة، الماتريدي، ٤/٤٨٨.

53 أنوار التنزيل، البيضاوي، ٤/٢٦٥.

54 فتح القدير، الشوكاني، ٤/٤١٩.

55 التحرير والتنوير، ٢٢/٣٦٤.

56 لطائف المعارف، ابن رجب، ١/٧٦.

57 المصدر السابق، ١/٧٧.

58 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب الصلاة في مواضع الخسف والعذاب، رقم ٤٣٣، ١/٩٤.

59 انظر: جامع البيان، الطبري، ١٣/٤٨.

60 انظر: الكشاف، الزمخشري، ٢/١٤٥.

61 لباب التأويل، الخازن، ٢/٢٣٩.

62 انظر: التعريفات، الجرجاني، ص٨٠.

63 المفردات ص٢٠٩.

64 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار، رقم ٢٨٦٥، ٤/٢١٩٧.

65 انظر: شرح النووي على مسلم، ١٧/١٩٧.

66 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأدب باب ما يقول إذا خرج من بيته، رقم ٥٠٩٤، ٧/٤٢٤، والترمذي في سننه، أبواب الدعوات، باب رقم ٣٥، رقم ٣٤٢٧، ٥/٤٩٠، والنسائي في سننه الكبرى، كتاب الاستعاذة، باب الاستعاذة من أن يظلم، رقم ٧٨٧٠، ٧/٢٢٢، وابن ماجه في سننه، كتاب الدعاء، باب ما يدعو به الرجل إذا خرج من بيته، رقم ٣٨٨٤، ٢/١٢٧٨.

قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح».

67 انظر: تفسير المراغي، ٢٢/١٠٨.

68 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ٢٤/٥٦٠، البحر المحيط، أبو حيان، ٨/٢٤٩، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٦/١٩٨.

69 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٦/١٩٨.

70 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٥/١٨٧.

71 مفاتيح الغيب، الرازي، ٢٧/٦٢٧.

72 تفسير المراغي، ٢/٤٤.

73 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٧/٢٢٤.

74 تأويلات أهل السنة، الماتريدي، ٤/٥٤٥.

75 انظر: معارج القبول، الحكمي، ٣/٩٩٠.

76 تهذيب اللغة، الأزهري، ١٤/١٢.

77 أخرجه أحمد في مسنده رقم ٢٧١٣٩، ٤٥/١١٣، أبو داود في سننه، كتاب الضحايا، باب في العقيقة، رقم ٢٨٣٥، ٤/٤٥٥، وابن حبان في صحيحه، رقم ٦١٢٦، ١٣/٤٩٥، والحاكم في المستدرك، رقم ٧٥٩١، ٤/٢٦٥.

قال الحاكم: « هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه».

78 السنن المأثورة للشافعي، المزني ١/٣٤٢.

79 شعب الإيمان، ٢/٣٩٦.

80 انظر: المعاني الكبير، ابن قتيبة الدينوري، ١/٢٦٤.

81 انظر: العمدة في محاسن الشعر وآدابه، ابن رشيق، ٢/٢٦١.

82 انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الاثير، ٥/٢٨٣.

83 فتح الباري، ابن حجر، ١٠/٢٤١.

84 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الطب، باب لا هامة، رقم ٥٧٥٧، ٧/١٣٥.

85 المفردات، الراغب ص١١٦.

86 النهاية في غريب الحديث والأثر، ١/١١٤.

87 المفردات، الراغب ص ٦٧٩،٨١١.

88 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٢/٦٢١.

89 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب قدر ما يستر المصلي، رقم ٥١٠، ١/٣٦٥.

90 مفتاح دار السعادة، ابن القيم، ٢/٢٣٥.

91 المعاني الكبير، ابن قتيبة الدينوري، ٣/١١٨٥.

92 مفتاح دار السعادة، ٢/٢٦٢.

93 المصدر السابق، ٢/٢٦٢.

94 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب ما يستحب من العطاس وما يكره من التثاؤب، رقم ٦٢٢٣، ٨/٤٩.

95 لطائف المعارف، ابن رجب ١/٧٤، ٧٥.

96 البداية والنهاية، ابن كثير، ٣/٢٣١.

97 لطائف المعارف، ابن رجب ١/٧٤، ٧٥.

98 البداية والنهاية، ابن كثير ٥/٣٠٩.

99 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الطب، باب لا هامة، رقم ٥٧٥٧، ٧/١٣٥.

100 انظر: عمدة القاري شرح صحيح البخاري، العيني، ٢١/٢٤٧.

101 انظر: معارج القبول، حافظ حكمي ٣/٩٩١.

102 انظر: السنن والمبتدعات، الشقيري، ص٣٣٤.

103 أخرجه البخاري في الأدب المفرد رقم ٩١٨، باب الشؤم في الفرس، ١/٣١٦، وأبو داود في سننه، كتاب الطب، باب في الطيرة، رقم ٣٩٢٤، ٦/٦٧.

قال الحافظ ابن حجر: «له شاهد من حديث عبد الله بن شداد أحد كبار التابعين وله رواية باسناد صحيح إليه عند عبد الرزاق»، فتح الباري ٦/٦٢.

104 فتح الباري، ابن حجر، ٦/٦٢.

105 المصدر السابق.

106 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الطب، باب لا عدوى، رقم ٥٧٧٢، ٧/١٣٨.

107 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب ما يتقي من شؤم المرأة، رقم ٥٠٩٤، ٧/٨.

108 إرشاد الساري، القسطلاني، ٨/٢٥.

109 تهذيب الآثار، الطبري، ٣/٣٢.

110 مفتاح دار السعادة، ٢/٢٥٧.

111 المصدر السابق، ٢/٢٤٥، ٢٤٦.

112 المصدر السابق، ٢/٢٤٦.

113 الحيوان، الجاحظ، ٣/٢٠٩.

114 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الآداب، باب كراهة التسمية بالأسماء القبيحة وبنافع ونحوه، رقم ٢١٣٦، ٣/١٦٨٥.

115 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الآداب، باب كراهة التسمية بالأسماء القبيحة وبنافع ونحوه، رقم ٢١٣٧، ٣/١٦٨٥.

116 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الآداب، باب كراهة التسمية بالأسماء القبيحة وبنافع ونحوه، رقم ٢١٣٨، ٣/١٦٨٦.

117 مرقاة المفاتيح، الملا علي القاري ٧/٢٩٩٧.

118 إكمال المعلم بفوائد مسلم، القاضي عياض، ٧/١٣.

119 انظر: الطيرة، محمد بن إبراهيم الحمد، ص ٤٠.

120 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاعتكاف، باب الاعتكاف في العشر الأواخر في المسجد كلها، رقم ٢٠٢٦، ٣/٤٧.

121 انظر: منهاج السنة النبوية، ابن تيمية، ١/٤٠.

122 انظر: تأويلات أهل السنة، الماتريدي، ٤/٣٨.

123 الكشاف، الزمخشري، ٢/١٠.

124 أخرجه أحمد في مسنده رقم ٢٦٦٩، ٣/١٩٥، والترمذي في سننه، أبواب صفة القيامة، باب رقم ٥٩، رقم ٢٥١٦، ٤/٦٦٧.

قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح».

125 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها، باب النهي عن سب الدهر، رقم ٢٢٤٦، ٤/١٧٦٣.

126 انظر: المنهاج شرح صحيح مسلم، النووي ١٥/٣.

127 الزفزفة: أي الارتعاد من البرد.

انظر: لسان العرب، ٩/١٣٧.

128 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض، أو حزن، أو نحو ذلك حتى الشوكة يشاكها، رقم ٢٥٧٥، ٤/١٩٩٣

129 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزهد والرقائق، باب المؤمن أمره كله خير، رقم ٢٩٩٩، ٤/٢٢٩٥.

130 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٥/٢٨٧.

131 انظر: جامع البيان، الطبري، ١٩/٤٧٦.

132 مفاتيح الغيب، الرازي، ١٤/٣٤٤.

133 انظر: أدب الدنيا والدين، الماوردي، ١/٣١٥.

134 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الطب، باب في الطيرة، رقم ٣٩١٩، ٦/٦٢.

135 لطائف المعارف، ابن رجب ١/٧٢.

136 روح البيان، إسماعيل حقي، ٣/٢١٨.

137 انظر: مفتاح دار السعادة، ٢/٢٣٠.

138 المصدر السابق ٢/٢٣١.

139 المصدر السابق.

140 الوسيط، الواحدي، ٢/٦٢٩.

141 انظر: نضرة النعيم، ٩/٤١٩٩.

142 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٧/٤٨٢، تفسير المراغي، ٢٧/١٠١.

143 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب القدر، باب كل شيء بقدر، رقم ٢٦٥٦، ٤/٢٠٤٦.

144 انظر: الإفصاح عن معاني الصحاح، ابن هبيرة، ٨/١٩٢.

145 أدب الدنيا والدين، ص٣١٤.

146 لباب التأويل، الخازن، ٤/٣٠٣.

147 التسهيل، ابن جزي، ٢/٣٨١.

148 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٨/١٣٧.

149 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب السلام، بالب تحريم الكهانة وإتيان الكهان، رقم ٥٣٧، ٤/١٧٤٨.

150 مفتاح دار السعادة، ٢/٢٣٤.

151 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب ومن يتوكل على الله فهو حسبه، رقم ٦٤٧٢، ٨/١٠٠.

152 والأنوك: أي الأحمق، وجمعه النوكى.

انظر: لسان العرب، ١٠/٥٠١.

153 أدب الدنيا والدين، الماوردي ص ٣١٥، ٣١٦.

154 جامع العلوم والحكم، ابن رجب، ٢/٤٩٧.

155 مدارج السالكين، ابن القيم، ٢/١٢١.

156 تفسير المراغي، ٢٨/١٤١.

157 المصدر السابق، ٢٨/١٤٢.

158 أخرجه أحمد في مسنده رقم ٨٠٢٣، ٨/١٣٤، وأبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب في حسن الظن، رقم ٤٩٩٣، ٤/٢٩٨.

159 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: يريدون أن يبدلوا كلام الله، رقم ٧٥٠٥، ٩/١٤٥.

160 أخرجه أحمد في مسنده رقم ٣٦٨٩، ٣/٥٤٦، والترمذي في سننه، كتاب الطب، باب ما جاء في الطيرة، رقم ١٦١٤، ٤/١٦٠.

قال الترمذي: « حديث حسن صحيح».

161 جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر، ١/٤١٨.

162 فضل علم السلف على الخلف، ابن رجب، ص١٥٠-١٥١.

163 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر، رقم ٢٦٩٩، ٤/٢٠٧٤.

164 مدارج السالكين، ابن القيم، ٢/٤٤٠.

165 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب في العطار وبيع المسك، رقم ٢١٠١، ٣/٦٣، ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب استحباب مجالسة الصالحين ومجانبة قرناء السوء، رقم ٢٦٢٨، ٤/٢٠٢٦.

166 إكمال المعلم بفوائد مسلم، القاضي عياض ٨/١٠٨.

167 أخرجه أحمد في مسنده، ٨/١٣٠، رقم ٨٠١٤، وأبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب من يؤمر أن يجالس، رقم ٤٨٣٣، ٤/٢٥٩، والترمذي في سننه، أبواب الزهد، باب رقم ٤٥، رقم ٢٣٧٨، ٤/١٦٧.

قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.

168 فيض القدير، المناوي، ٦/٢٦٦.

169 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب من يؤمر أن يجالس، رقم ٤٨٣٢، ٤/٢٥٩، والترمذي في سننه، أبواب الزهد، باب ما جاء في صحبة المؤمن، رقم ٢٣٩٥، ٤/٦٠٠.

قال الترمذي: « هذا حديث حسن».

170 انظر: شأن الدعاء، الخطابي، ص٤.

171 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ١/٧٧٨.

172 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ٦٦٥٥، ١١/٢٣٥، والترمذي في سننه، أبواب الدعوات، باب رقم ٦٦، رقم ٣٤٧٩، ٥/٥١٧.

قال الترمذي: «هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه».

173 سبق تخريجه.

174 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الطب، باب الفأل، رقم ٥٧٥٦، ٧/١٣٥.

175 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الطب، باب الفأل، رقم ٥٧٥٥، ٧/١٣٥، ومسلم في صحيحه، كتاب السلام، باب الطيرة والفال وما يكون فيه من الشؤم، رقم ٢٢٢٣، ٤/١٧٤٥.

176 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٦/١٨١.

177 انظر: فتح الباري، ابن حجر، ١٠/٢١٥.

178 انظر: المصدر السابق.

179 أدب الدنيا والدين، الماوردي ص٣١٦، ٣١٧.

180 انظر: جامع البيان، الطبري، ١٩/٣٥٥- ٣٥٦، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٣/١٠٦.

181 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: ( )، رقم ٤٦٦٣، ٦/٦٦، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه، رقم ٢٣٨١، ٤/١٨٥٤.

182 المنهاج شرح صحيح مسلم، النووي ١٥/ ١٥٠.

183 انظر: جامع البيان، الطبري، ١٤/٢٦١.

184 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط، رقم ٢٧٣١، ٣/١٩٣.