عناصر الموضوع
التسبيح
أولًا: المعنى اللغوي:
أصل مادة (س ب ح) تدل على معنيني: أحدهما: جنسٌ من العبادة، ومنه التسبيح، وهو تنزيه الله جل ثناؤه من كل سوء. والمعنى الآخر: جنسٌ من السعي، وهو السبح والسباحة، وهو العوم في الماء1.
يتبين مما سبق أن للتسبيح في اللغة معنيين: أحدهما: التنزيه والتبرئة من السوء، والآخر: قول: (سبحان الله)، والمعنى الثاني راجع إلى المعنى الأول2.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
يعد التسبيح من الألفاظ الشرعية التي اشتهرت في الشرع أكثر من اشتهارها في اللغة، والمعنى الاصطلاحي (الشرعي) للتسبيح هو نفس المعنى اللغوي، لا يختلف عنه، أي: بمعنى تنزيه الله عن السوء، وقد ورد هذا المعنى للتسبيح عن النبي صلى الله عليه وسلم3، وعن ابن عباس رضي الله عنه، وعن كثير من أئمة السلف والخلف4.
وقال أبو السعود: «والتسبيح تنزيه الله تعالى وتبعيده اعتقادًا وقولًا وعملًا، عما لا يليق بجنابه سبحانه »5.
وقال ابن القيم: «ومعنى هذه الكلمة - يعني (سبحان الله) - تنزيه الرب وتعظيمه وإجلاله عما لا يليق به »6.
وبهذا يمكن أن نخرج بتعريف اصطلاحي للتسبيح بأنه: تنزيه الله عز وجل في الاعتقاد والقول والعمل، عما لا يليق به سبحانه.
وردت مادة (سبح) في القرآن (٩٢) مرة، يخص التسبيح منها (٨٧) مرة7.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
٤ |
(ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [الحديد:١] |
الفعل المضارع |
٢٠ |
(ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [البقرة:٣٠] |
فعل الأمر |
٢ |
(ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [ق:٤٠] |
المصدر |
٢ |
(ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [الإسراء:٤٤] |
اسم المصدر |
٤١ |
(ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [يوسف:١٠٨] |
اسم الفاعل |
٢ |
(ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [الصافات:١٦٦] |
وجاء (التسبيح) في القرآن بمعناه اللغوي، وهو تنزيه الله جل ثناؤه من كل سوء8. ولم يخرج عن هذا المعنى.
التقديس:
التقديس لغة:
مشتق من الفعل (قدس) بمعنى: طهر، والتقديس هو التطهير والتبريك، وتقدس أي تطهر، من ذلك قيل للسطل: القدس؛ لأنه يتقدس منه، أي: يتطهر، وسمي بيت المقدس بذلك لأنه البيت المطهر، والمكان الذي يتطهر به من الذنوب، والتقديس: تنزيه الله عز وجل9.
التقديس اصطلاحًا:
التقديس: التطهير الإلهي، والتعظيم لله عز وجل، والتطهير هنا غير التطهير الذي هو إزالة النجاسة المحسوسة10.
الصلة بين التقديس والتسبيح:
اللفظان يحملان نفس المعنى من تبعيد الله عن السوء؛ إلا أن التقديس أعم من التسبيح؛ إذ كل مقدس مسبح، وليس العكس؛ فالتسبيح يختص بالله عز وجل دون سواه، أما التقديس فلا يختص به سبحانه؛ بل يستعمل في حق الآدميين وغيرهم من المخلوقات، فيقال: فلان رجل مقدس: إذا أريد تبعيده عن مسقطات العدالة ووصفه بالخير، ولا يقال: رجل مسبح، ويقال: قدس الله روح فلان، ولا يقال: سبحه، ويقال: الأرض المقدسة، ولا يقال: الأرض المسبحة11.
وذكر بعض المفسرين: أن التسبيح يكون بتنزيه الله عز وجل بالقول والعمل، والتقديس تنزيه الله عز وجل باعتقاد صفات الكمال المناسبة للذات العلية12.
كل ما في القرآن الكريم من تمجيد الله عز وجل لنفسه العلية؛ وذكر أسمائه الحسنى وصفاته العلى، وبيان قدرته وعظمته، والحديث عن آياته وآلائه، وقوته وجبروته سبحانه وتعالى، كل ذلك يدخل في تسبيح الله عز وجل لنفسه، وهذا كثير في كتاب الله عز وجل لا يمكن حصره؛ ومن أمثلته آية الكرسي، وسورة الإخلاص، وأواخر سورة الحشر، وغير ذلك كثير في كتاب الله عز وجل.
والذي نريد بيانه في هذا المبحث هو ما ورد من تسبيح الله عز وجل لنفسه في كتابه العزيز بلفظ التسبيح الصريح، ولقد سبح الله عز وجل نفسه العلية في كتابه العزيز -بلفظ التسبيح- في مواضع كثيرة، بلغت سبعة وعشرين موضعًا.
وباستقراء الآيات التي سبح الله عز وجل فيها نفسه نجد أن الله عز وجل قد نزه نفسه فيها عن الولد، وعن الشريك، وعن أن يلحقه نقص أو ضعف.
أولًا: تنزيه الله عز وجل نفسه عن اتخاذ الولد:
لقد ورد في كتاب الله عز وجل آيات تسع نزه الله عز وجل فيها نفسه المقدسة -بلفظ التسبيح- عما وصفه به المشركون المفترون من نسبة الولد له سبحانه، ففي سورة البقرة يقول سبحانه: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [البقرة: ١١٦].
بين سبحانه في هذه الآية أن جميع ما في السماوات والأرض مملوك له، وعبيد له سبحانه، وفي هذا بيان للمانع عقلًا من اتخاذ الولد13.
وفي سورة النساء قال سبحانه: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [النساء: ١٧١].
فبين سبحانه في هذه الآية أيضًا أن (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ)، فلا شريك له سبحانه، فكل الخلق -في السماوات والأرض- له، وعيسى عليه السلام وأمه مريم من جملة ما في السموات وما في الأرض؛ فكيف يكون عيسى إلهًا أو ولدًا لله وهو مخلوق لله عز وجل؟!14.
وفي سورة يونس قال سبحانه: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [يونس: ٦٨].
فأخبر سبحانه أنه (ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) فأقام الحجة على بطلان قول المشركين؛ حيث بين أنه سبحانه هو الغني الذي لا يفتقر إلى غيره، فكيف إذًا يحتاج إلى ولد أو بنت فيستغني به وهو الغني الحميد؟! وبرهان آخر على غناه أن له ما في السموات وما في الأرض، فالجميع خلقه وملكه، فهل يعقل أن يتخذ السيد المالك عبدًا من عبيده ولدًا له15.
وفي سورة النحل سبح الله عز وجل نفسه عما نسبه إليه المشركون من أن له البنات، فقال عز وجل: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [النحل: ٥٧].
وفي التسبيح في هذه الآية تعجب من قول أولئك المشركين، حيث جعلوا لأنفسهم ما يشتهون من البنين، ونسبوا ما يكرهون من البنات لله عز وجل، ففضحهم الله عز وجل، وقال في الآية التالية لتلك الآية: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹJﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [النحل: ٥٨ - ٥٩].
وفي سورة مريم والأنبياء والمؤمنون نزه الله عز وجل نفسه عن اتخاذ الولـد،(ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ) [المؤمنون: ٩١].
فهو سبحانه بيده كـل شيء (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [مريم: ٣٥].
وكل المخلوقات ملكه وطوع أمره، حتى الملائكة العظام - الذين قال عنهم المشركون أنهم بنات الله- ما هم إلا عباد لله، مكرمون عنده في منازل عالية، ومقامات سامية، وهم له في غاية الطاعة قولًا وفعلًا، لا يتقدمون بين يديه بأمر، ولا يخالفونه فيما أمرهم به؛ بل يبادرون إلى فعله، وهو سبحانه محيط بهم، عليم خبير، فلا يخفى عليه منهم خافية (ﭨ ﭩ ﭪ; ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱB ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁR) [الأنبياء: ٢٦ - ٢٨]16.
وفي سورة الزمر بين الله عز وجل بطلان ما نسبه إليه المبطلون من اتخاذ الولد؛ بأن بين أنه سبحانه له ملك كل شيء، وهو سبحانه الذي يعبده كل شيء،(ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [الزمر: ٤].
ولو كان له ولد لم يكن له عبدًا، فأنى يكون له ولد، وهو الواحد الذي لا شريك له في ملكه وسلطانه، والقهار لخلقه بقدرته، فكل شيء له متذلل، ومن سطوته خاشع، فتعالى وتنزه وتقدس عن أن يكون له ولد؛ فإنه الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي كل شيء فقير إليه، وهو الغني عما سواه، قهر الأشياء فدانت له وذلت وخضعت، تبارك وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علوًا كبيرًا17.
وفي آيتي الزخرف يسبح الله عز وجل نفسه عن اتخاذ الولد بقوله سبحانه: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒc ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الزخرف: ٨١ - ٨٢].
قال القرطبي: «المعنى: قل يا محمد: إن ثبت لله ولد فأنا أول من يعبد ولده؛ ولكن يستحيل أن يكون له ولد؛ وهو كما تقول لمن تناظره: إن ثبت بالدليل فأنا أول من يعتقده؛ وهذا مبالغة في الاستبعاد؛ أي لا سبيل إلى اعتقاده. وهذا ترقيق في الكلام، والمعنى على هذا: فأنا أول العابدين لذلك الولد؛ لأن تعظيم الولد تعظيم للوالد. وقال مجاهد: المعنى إن كان للرحمن ولد فأنا أول من عبده وحده، على أنه لا ولد له. وقال السدي أيضًا: المعنى لو كان له ولد كنت أول من عبده على أن له ولدًا؛ ولكن لا ينبغي له ذلك سبحانه»18.
وفي سورة الصافات نزه الله عز وجل نفسه عما نسبه المبطلون (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ? ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [الصافات: ١٥٨ - ١٥٩].
لقد افترى المشركون بهتانًا عظيمًا، وقالوا زورًا كبيرًا؛ إذ زعموا أن بين الله وبين الجن نسبًا؛ حيث زعموا أن الملائكة بنات الله، وأن أمهاتهم من الجن، تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا، (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) أي: والحال أن الجنة قد علمت أنهم محضرون بين يدي الله ليجازيهم عبادًا أذلاء، فلو كان بينهم وبينه نسب، لم يكونوا كذلك، (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ)، الملك العظيم، الكامل الحليم، سبحانه عما يصفه به المشركون19.
وفي الآية الأخرى من السورة (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الصافات: ١٨٠].
«ينزه تبارك وتعالى نفسه ويقدسها ويبرئها عما يقول الظالمون المكذبون المعتدون، تعالى وتنزه وتقدس عن قولهم علوًا كبيرًا، ولهذا قال تبارك وتعالى: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) أي ذي العزة التي لا ترام (ﯾ ﯿ) أي عن قول هؤلاء المعتدين المفترين»20.
ثانيًا: تنزيه الله عز وجل نفسه عن الشريك:
ورد في كتاب الله عز وجل عشر آيات نزه الله عز وجل فيها نفسه -بلفظ التسبيح- عن أن يكون له شريك يشاركه في الخلق أو الملك أو الحكم21.
وقد ساق الله عز وجل -في هذه الآيات- لعباده الأدلة الساطعة والبراهين القاطعة المقنعة على بطلان القول باتخاذ الشريك؛ فالله سبحانه غني عن الشركاء، فهو خالق جميع المخلوقات، فكيف لمخلوق أن يشارك الخالق؟!
قال تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [الأنعام: ١٠٠].
ومن أعظم الأدلة التي ساقها الله عز وجل على نفي الشريك: قوله سبحانه في آية الإسراء: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉZ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [الإسراء: ٤٢ - ٤٣].
فلو كان هناك آلهة أخرى لتسابقوا وتنافسوا إلى ذي العرش لإزالة ملكه والتغلب عليه، أو المعنى لو كان آلهة أخرى لسعوا إلى ذي العرش يبتغون رضاه لأنهم دونه، وفي ذلك كله ردٌ على أولئك المشركين الذين نسبوا لله الشريك، تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا22.
وكذلك آية الأنبياء (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الأنبياء: ٢٢]، «فلو كان في السموات والأرض آلهة أخرى سوى الله عز وجل تدبر أمرهما، لفسدتا، ولخرجتا عن نظامهما البديع، الذي لا خلل فيه ولا اضطراب؛ وذلك لأن تعدد الآلهة يلزمه التنازع والتغالب بينهم، فيختل نظام الكون، ويضطرب الأمر، ويعم الفساد في العالم، ولما كان المشاهد غير ذلك؛ إذ كل شيء في هذا الكون يسير بنظام محكم دقيق، دل الأمر على أن لهذا الكون كله إلهًا واحدًا قادرًا حكيمًا لا شريك له»23.
أما في آية المؤمنون فقد نزه الله عز وجل نفسه عن اتخاذ الشريك، مبينًا دليلًا قطعيًا آخر على وحدانيته واستغنائه عن الشركاء (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [المؤمنون: ٩١].
قال ابن القيم: « فتأمل هذا البرهان الباهر بهذا اللفظ الوجيز البين؛ فإن الإله الحق لابد أن يكون خالقًا فاعلًا، يوصل إلى عابده النفع، ويدفع عنه الضر، فلو كان معه سبحانه إله لكان له خلق وفعل، وحينئذ فلا يرضى بشركة الإله الآخر معه؛ بل إن قدر على قهره وتفرده بالإلهية دونه فعل، وإن لم يقدر على ذلك انفرد بخلقه وذهب به، كما ينفرد ملوك الدنيا عن بعضهم بعضًا بممالكهم، إذا لم يقدر المنفرد على قهر الآخر والعلو عليه، فلابد من أحد أمور ثلاثة: إما أن يذهب كل إله بخلقه وسلطانه، وإما أن يعلو بعضهم على بعض، وإما أن يكون كلهم تحت قهر إله واحد، وملك واحد، يتصرف فيهم ولا يتصرفون فيه، ويمتنع من حكمهم عليه ولا يمتنعون من حكمه عليهم، فيكون وحده هو الإله الحق وهم العبيد المربوبون المقهورون » 24.
وفي آية القصص (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [القصص: ٦٨].
«يخبر تعالى أنه المنفرد بالخلق والاختيار، وأنه ليس له في ذلك منازع ولا معقب، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، فالأمور كلها خيرها وشرها بيده، ومرجعها إليه، وقوله: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) بيان انفراده تعالى بالخلق والتقدير والاختيار، وأنه لا نظير له في ذلك، ولهذا قال: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) أي من الأصنام والأنـداد التي لا تخلـق ولا تختار شيئًا»25.
أما في آية الروم فقد نزه سبحانه نفسه مبينًا بعض أفعاله التي لا يقدر عليها إلا هو سبحانه، (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [الروم: ٤٠]. فهل يقدر الشركاء على شيء من ذلك؟ 26.
ثالثًا: تنزيه الله عز وجل نفسه عن النقائص من خلال بيان عظمته وقدرته:
سبح الله عز وجل نفسه في كتابه العزيز عن كل ما نسبه إليه الكافرون المفترون، وعن كل ما قد يظنه المبطلون من نقص أو عجز أو سوء، ومجد سبحانه نفسه ببيان بعض مظاهر قدرته وعظمته، وبيان بعض أسمائه الحسنى وصفاته العلى، وورد ذلك في كتاب الله عز وجل بلفظ التسبيح الصريح في تسعة مواضع27 في سبع سور، وهذه المواضع هي:
قوله تعالى في سورة الإسراء: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [الإسراء: ١].
حيث «ينزه تعالى نفسه المقدسة ويعظمها؛ لأن له الأفعال العظيمة، والمنن الجسيمة، التي من جملتها أنه أسرى بعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام -الذي هو أجل المساجد على الإطلاق- إلى المسجد الأقصى -الذي هو من المساجد الفاضلة وهو محل الأنبياء-؛ فأسري به في ليلة واحدة، إلى مسافة بعيدة جدًا، ورجع في ليلته، وأراه الله من آياته ما ازداد بها هدى وبصيرة وثباتًا وفرقانًا، وهذا من اعتنائه ولطفه به صلى الله عليه وسلم؛ حيث يسره لليسرى في جميع أموره، وخوله نعمًا فاق بها الأولين والآخرين»28.
وفي سورة النمل يقص علينا ربنا عز وجل قصة موسى عليه السلام عندما قال لأهله -في طريق عودته إلى مصر-: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔe ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [النمل: ٧ - ٨].
ففي ذيل الآية الأخيرة نزه الله عز وجل نفسه المقدسة عن كل نقص أو سوء قد يتطرق إلى بعض العباد؛ فنزه سبحانه نفسه عن مشابهة المخلوقات، يفعل سبحانه ما يشاء، ولا يشبهه شيء من مخلوقاته، ولا يحيط به شيء من مصنوعاته، وهو العلي العظيم، المباين لجميع المخلوقات، لا تكتنفه الأرض والسموات؛ بل هو الأحد الصمد المنزه عن مماثلة المحدثات29.
أما في آيتي سورة الروم: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [الروم: ١٧ - ١٨].
فيسبح الله عز وجل نفسه، ويأمر عباده أن يسبحوه في هذه الأوقات، وقد حمل كثير من المفسرين المقصود بالتسبيح في هاتين الآيتين على الصلوات الخمس المفروضة.
قال ابن الجوزي: «قال المفسرون: المعنى فصلوا لله حين تمسون، أي حين تدخلون في الظهيرة، وهي وقت الزوال، وعشيًا: أي وسبحوه عشيًا، وهذه الآية قد جمعت الصلوات الخمس؛ فقوله: (ﭟ ﭠ) يعني به صلاة المغرب والعشاء، (ﭡ ﭢ) يعني به صلاة الفجر، (ﭩ) العصر، (ﭪ ﭫ) الظهر»30.
وفي سورة يس سبح الله عز وجل نفسه في موضعين: الأول: قوله: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [يس: ٣٦].
والآخر: قوله: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳÆ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [يس: ٨٢ - ٨٣].
وفي كلا الموضعين ينزه الله عز وجل نفسه ببيان بعض مظاهر عظمته وقدرته، وبديع خلقه وعظيم سلطانه وملكوته، فتنزه من خلق الأزواج والأصناف جميعًا، من النبات والحيوان والإنسان ومما لا نعلم31، وتنزه من بيده ملك كل شيء، وخزائن كل شيء، المتصرف في كل شيء، والجميع راجع إليه سبحانه32.
وفي سورة الزمر بيان لعظيم قدرة الملك سبحانه وتعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [الزمر: ٦٧].
فالمشركون الذين أشركوا مع الله غيره، أو نسبوا لله الصاحبة أو الولد، أو افتروا على الله الكذب والبهتان، ما عرفوا الله حق المعرفة، وما عظموه وما قدروه حق قدره، وهو الذي يجعل الأرض بكل طبقاتها وأجزائها في قبضته، والسموات يطويها بيمينه -وذلك يوم القيامة-، فالسموات والأرض جميعًا في يده، ويقول: أنا الملك، أين الملوك؟ صاحب هذه القدرة العظمى كيف يعبد معه آلهة أخرى؟!
لذا نزه الله تعالى نفسه بقوله: (ﯴ) أي تنزه وتقدس عن الشريك والنظير والصاحبة والولد، وعن صفات المحدثين، وتعالى عما يشركون، وترفع عن أن يكون له شريك، وهو رب كل شيء ومليكه 33.
أما في آية الحشر فقد نزه الله عز وجل نفسه بعد أن ذكر بعض أسمائه الحسنى وصفاته العلى، فقال سبحانه: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [الحشر: ٢٣].
«فالله سبحانه هو المعبود بحق، الذي لا إله إلا هو، الملك لجميع الأشياء، المتصرف فيها بلا ممانعة ولا مدافعة، المنزه عن كل نقص، الذي سلم من كل عيب، المصدق رسله وأنبياءه بما يرسلهم به من الآيات البينات، الرقيب على كل خلقه في أعمالهم، العزيز الذي لا يغالب، الجبار الذي قهر جميع العباد، وأذعن له سائر الخلق، المتكبر الذي له الكبرياء والعظمة. تنزه الله تعالى عن كل ما يشركونه به في عبادته»34.
هذه هي المواضع من كتاب الله عز وجل التي ورد فيها تسبيح الله عز وجل لنفسه بلفظ التسبيح الصريح، وقد رأينا أن التسبيح فيها كان بمعنى تقديس الله عز وجل وتنزيهه عن كل ما لا يليق به سبحانه؛ فنزه تعالى نفسه عن اتخاذ الولد، ونزه نفسه عن اتخاذ الشريك، ونزه نفسه عن المثيل والشبيه، وسمى سبحانه نفسه بأعظم الأسماء وأحسنها، ونبه سبحانه عباده على بعض مظاهر قدرته وعظمته وجبروته، وفي ذلك توجيه عظيم للعباد بأن يعظموا ربهم، ويسبحوه، ولا يغفلوا عن ذكره سبحانه طرفة عين.
المسبحون لله عز وجل من المخلوقات
لقد بين الله عز وجل في كتابه العزيز أن جميع المخلوقات تسبح له سبحانه، (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [الإسراء: ٤٤].
وذكر عز وجل في كتابه العزيز تسبيح بعض مخلوقاته على وجه الخصوص؛ فذكر تسبيح الملائكة، وتسبيح بعض الأنبياء، وتسبيح المؤمنين، وتسبيح من عبدوا من دون الله، وفي المطالب التالية سنقف بإذن الله تعالى مع الآيات التي ذكرت تسبيح هذه المخلوقات لربها عز وجل.
أولًا: تسبيح الملائكة عليهم السلام:
الملائكة خلق من خلق الله عز وجل، وهم عباد مكرمون، خلقهم سبحانه لعبادته، (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [الأعراف: ٢٠٦].
والإيمان بالملائكة ركن من أركان الإيمان الستة، فمن أنكرهم فهو كافر، (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [النساء: ١٣٦].
ولقد أخبر الله عز وجل عن تسبيح الملائكة لربها سبحانه في عشرة مواضع من الكتاب العزيز35.
وبتأمل الآيات التي ورد فيها ذلك نستخرج منها الحقائق الآتية:
١. وظيفة الملائكة عبادة الله عز وجل وتسبيحه وتقديسه وتنزيهه سبحانه.
فهم عبادٌ لله، لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [الأنبياء: ١٩].
وفي هذا إبطال لما افتراه المفترون من أن الملائكة بنات الله، أو أنهم شركاء لله عز وجل، تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا، وقد صرحت الملائكة نفسها بذلك في قوله تعالى على لسانهم: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [البقرة: ٣٠].
وتسبيح الملائكة لله بمعنى تعظيمه سبحانه، وتنزيهه عن كل سوء أو نقص، وقيل: تسبيح الملائكة: أي صلاتهم لله عز وجل، وقيل: تسبيحهم: أي التسبيح المعلوم، وهو قولهم سبحان الله36.
قال القرطبي: «اختلف أهل التأويل في تسبيح الملائكة، فقال ابن مسعود وابن عباس: تسبيحهم: صلاتهم. وقيل: تسبيحهم: رفع الصوت بالذكر، قاله المفضل. وقال قتادة: تسبيحهم: سبحان الله، على عرفه في اللغة. وهو الصحيح لما رواه أبو ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أي الكلام أفضل؟ قال: (ما اصطفى الله لملائكته أو لعباده، سبحان الله وبحمده)37»38.
٢. الملائكة يبدؤون حديثهم مع ربهم عز وجل بتسبيحه سبحانه.
وذلك من شدة تعظيمهم له، وعظيم تأدبهم معه سبحانه، فعندما علم الله عز وجل آدم الأسماء كلها وقال لملائكته: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ)[البقرة: ٣١].
ردت ملائكة الرحمن بأدب جمٍ وتعظيم وإجلال للرب سبحانه: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [البقرة: ٣٢].
فبدأوا قولهم بتسبيح ربهم عز وجل، وفي ذلك تقديس وتنزيه لله تعالى أن يحيط أحد بشيء من علمه إلا بما شاء، أو أن يعلم الملائكة شيئًا إلا ما علمهم الله تعالى39.
ويوم القيامة يحشر الله عز وجل الخلق جميعًا، ويقول لملائكته: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [سبأ: ٤٠].
فيكون جوابهم لربهم مبتدءًا بالتسبيح له سبحانه: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [سبأ: ٤١].
فالملائكة بدأت كلامها بتنزيه الله عز وجل عن الشرك أو الند، ثم تبرأت مما افتراه المشركون من عبادتهم من دون الله عز وجل، ثم أقرت الملائكة لربها بأنهم مفتقرون إلى ولايته، مضطرون إليها، فكيف يدعون غيرهم إلى عبادتهم؟ أم كيف يصلح لأن يتخذوا من دون الله أولياء وشركاء؟ فما هم إلا عباد لله منقادون مطيعون له سبحانه40.
٣. الملائكة تسبح ربها عز وجل تسبيحًا دائمًا متواصلًا من غير انقطاع ولا فتور ولا سآمة.
قال تعالى: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [الأعراف: ٢٠٦].
فقوله سبحانه: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) يعني بهم الملائكة41.
وقد وصفهم الله عز وجل في الآية بثلاثة أوصاف: أنهم لا يستكبرون عن عبادة الله تعالى، وأنهم يسبحونه، وأنهم يسجدون له، وهذه الأوصاف الثلاثة دالة على كمال عبوديتهم لله تعالى ؛ حيث قد اجتمعت لهم العبادة القلبية والقولية والبدنية؛ فعدم استكبارهم عبادة قلبية نشأ عنها العبادة القولية والبدنية42.
ونظير هذه الآية قوله تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [الأنبياء: ١٩ - ٢٠].
وقد تضمنت هذه الآية بيان أن الملائكة -زيادة على عدم استكبارهم عن عبادة ربهم عز وجل- (ﮭ ﮮ) أي: لا يتعبون ولا يملون43، ولهذا فهم (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ)، وهذا كالبيان لقوله: (ﮭ ﮮ)؛ لأن من يحب أمرًا ولا يتعب منه، لا يتركه ولا يمل منه؛ بل يواظب عليه44.
ونظير هذا أيضًا في كتاب الله عز وجل قوله تعالى: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [فصلت: ٣٨].
فهذه الآيات دالة على قوة الملائكة وكمال حياتهم، وشدة الداعي القوي منهم إلى تسبيح الله تعالى وملازمته، فلا يلحقهم فيه فتور ولا سآمة، ولا يشغلهم عنه شاغل، وهم مستغرقون دائمًا في العبادة والتسبيح في جميع أوقاتهم، فليس في أوقاتهم وقت فارغ ولا خالٍ منها، وهم على كثرتهم بهذه الصفة، وفي هذا من بيان عظمة الله عز وجل وجلالة سلطانه وكمال علمه وحكمته45.
٤. لقد أخبر القرآن الكريم عن تسبيح الملائكة على العموم، وأخبر كذلك عن تسبيح حملة العرش والحافين من حوله من الملائكة على الخصوص.
وذلك في موضعين منه.
الموضع الأول: قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [الزمر: ٧٥].
وقد جاءت هذه الآية في سياق الحديث عن أحداث يوم القيامة وما يقع فيه من القضاء بين العباد، ووفيت كل نفس ما عملت، ودخول أهل الجنة الجنة، ودخول أهل النار النار، فقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ)، أي في ذلك اليوم العظيم ترى الملائكة محدقين محيطين بالعرش (ﭗ ﭘ ﭙ)، أي: يمجدونه ويعظمونه ويقدسونه، وينزهونه عن الظلم والجور، وعن كل ما لا يليق بجلاله، وقوله: (ﭛ ﭜ ﭝ) أي: قضي بين الخلائق بالعدل،(ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) وهذا إخبار عن حمد الكون أجمعه لله رب العالمين، عقب قضائه سبحانه بالحق بين خلقه46.
أما الموضع الآخر: فهو قول الله تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [غافر: ٧].
حيث بينت الآية الكريمة تسبيح صنفين من ملائكة الرحمن: من يحملون العرش، ومن يطوفون حول العرش، ثم أخبرت الآية الكريمة بثلاثة أمور عن هؤلاء الملائكة العظام:
الأمر الأول: أنهم (ﯖ ﯗ ﯘ) وهذا مدح لهم بكثرة عبادتهم لله عز وجل، وخصوصًا التسبيح والتحميد47.
والأمر الثاني: أنهم(ﯙ ﯚ) أي: «يقرون بالله أنه لا إله لهم سواه، ويشهدون بذلك، لا يستكبرون عن عبادته»48.
والأمر الثالث: أنهم (ﯛ ﯜ ﯝ) أي: يستغفرون للمؤمنين من أهل الأرض، ممن آمن بالغيب، وأقر بمثل إقرار الملائكة من توحيد الله عز وجل والبراءة من كل معبود سواه49.
وتخصيص هذين الصنفين من الملائكة بالذكر في الموضعين السابقين دليل على ما لهما من شأن عظيم؛ إذ اختارهم الله عز وجل لحمل عرشه العظيم والطواف من حوله، فلا شك أنهم من أكبر الملائكة وأعظمهم وأقواهم وأقربهم منه عز وجل50.
٥. الملائكة تمدح نفسها بتسبيحها لربها عز وجل؛ إظهارًا لعبوديتها له سبحانه، وإخبارًا بفضله وامتنانه عليهم.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [البقرة: ٣٠].
والشاهد من الآية هنا: قول الملائكة مقرين بتسبيحهم لله عز وجل، مادحين أنفسهم بذلك: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) أي: ننزهك ونبرئك مما يصفك المشركون مما لا يليق بك51.
وفي سورة الصافات52 تمدحت الملائكة بتسبيحها لله عز وجل: (ﮐ ﮑ ﮒc ﮔ ﮕ ﮖ) [الصافات: ١٦٥ - ١٦٦].
قال قتادة: «هذا قول الملائكة يثنون بمكانهم من العبادة»53.
وقال ابن كثير في قوله تعالى حكاية عن ملائكته: (ﮔ ﮕ ﮖ): «أي نصطف، فنسبح الرب، ونمجده ونقدسه، وننزهه عن النقائص، فنحن عبيد له، فقراء إليه، خاضعون لديه»54.
٦. وصف الله عز وجل حال الملائكة في تسبيحهم له سبحانه.
قال تعالى: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [الرعد: ١٣].
فالملائكة تسبح ربها عز وجل من خيفته؛ ومن هنا: للتعليل، وخيفته يعني: هيبته وإجلاله ورهبته55.
وعلى هذا فلا يظن ظانٌ من وصف الملائكة بأنهم يسبحون الليل والنهار لا يفترون، وأنهم يلهمون التسبيح كما يلهم الناس النفس56 أن التسبيح يصدر منهم على وجه العادة بلا شعور ولا اهتمام، فهذا الظن بعيد غير صحيح؛ إذ الملائكة يسبحون الله خاشعين له، خائفين منه.
قال ابن عباس رضي الله عنه: «يخافون الله، وليس كخوف ابن آدم، لا يعرف أحدهم من على يمينه، ومن على يساره، ولا يشغله عن عبادة الله شيء»57.
٧. إذا علم المؤمن بتسبيح الملائكة لربها عز وجل كما أخبر سبحانه، فينبغي له أن يقتدي بهم في ذلك.
فيكثر من تسبيح ربه عز وجل بالليل والنهار على قدر طاقته؛ فإن إخبار الله عز وجل عن تسبيحهم فيه حثٌ للمؤمنين، وترغيبٌ لهم أن يقتدوا بهم فيما ذكر عنهم58.
ثانيًا: تسبيح الأنبياء عليهم السلام:
الأنبياء عليهم السلام هم صفوة البشر، وأكملهم علمًا وعقلًا وخلقًا، وأعظمهم عبادة وتسبيحًا وتقديسًا لله عز وجل؛ اعتقادًا وقولًا وعملًا؛ لأن الله عز وجل قد اصطفاهم على الناس برسالاته، وخصهم بوحيه، وجعلهم واسطة بينه وبين عباده في تبليغ دينه، وأقام بهم الحجة على خلقه.
وقد ذكر الله عز وجل في كتابه تسبيح بعض أنبيائه، وذلك في سياق ما قصه سبحانه من قصصهم وأخبارهم، فقد ذكر الله عز وجل تسبيح يونس عليه السلام، وتسبيح موسى عليه السلام، وتسبيح داود عليه السلام، وتسبيح زكريا عليه السلام، وتسبيح عيسى عليه السلام، وتسبيح محمد صلى الله عليه وسلم، وسنقف بإذن الله مع الآيات التي ورد فيها ذلك فيما يأتي:
أولًا: تسبيح يونس عليه السلام.
قص الله عز وجل في غير موضع من كتابه العزيز جوانب من قصة يونس عليه السلام، ويونس عليه السلام قد بعثه الله عز وجل إلى أهل قرية نينوى من أرض الموصل، فدعاهـم إلى الله تعالى، فأبـوا عليه وتمادوا في كفرهم، فخرج من بين أظهرهم مغاضبًا لهم، ووعدهم بالعذاب بعد ثلاثٍ، فلما تحققوا منه ذلك، وعلموا أن النبي لا يكذب، خرجوا إلى الصحراء بأطفالهم وأنعامهم ومواشيهم يتضرعون إلى الله عز وجل، فرفع الله عنهم العذاب.
وأما يونس عليه السلام فإنه ذهب فركب مع قومٍ في سفينة، فلججت بهم، وخافوا أن يغرقوا، فاقترعوا على رجل يلقونه من بينهم يتخففون منه، فوقعت القرعة على يونس عليه السلام، فأبوا أن يلقوه، ثم أعادوها فوقعت عليه أيضًا، فأبوا، ثم أعادوها فوقعت عليه أيضًا، فقام عليه السلام وألقى بنفسه في اليم، فالتقمه الحوت، وغاص به في ظلمات البحار59.
قال الله تعالى: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ_ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔe ﮖ ﮗ ﮘ ﮙj ﮛ ﮜ ﮝ ﮞo ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤu ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [الصافات: ١٣٩ - ١٤٤].
لقد أخبر الله عز وجل أن عبده ونبيه يونس عليه السلام بادر -وهو في تلك الظلمات- إلى مناداة ربه عز وجل، وتسبيحه وتوحيده، واعترف بظلمه لنفسه.
قال تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [الأنبياء: ٨٧].
وبهذا الدعاء العظيم، الذي فيه إقرار لله تعالى بكمال الألوهية، وتنزيه عن كل نقص وعيب، واعترف بظلم النفس وجنايتها، كان الفرج من الله عز وجل60، (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [الأنبياء: ٨٨].
لقد كان تسبيح يونس عليه السلام لربه عز وجل سببًا لتفريج كربته وزوال شدته، (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [الصافات: ١٤٣- ١٤٤].
وللمفسرين ثلاثة أقوال في معنى قوله تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ):
أولها: من المصلين، قاله ابن عباس وسعيد بن جبير.
والثاني: من العابدين، قاله مجاهد ووهب بن منبه.
والثالث: قول (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ)، قاله الحسن61.
أما الزمن الذي كان فيه هذا التسبيح فقد قال بعض المفسرين: إنه عليه السلام كان من المسبحين قبل أن يلتقمه الحوت.
وقال آخرون: إنه كان من المسبحين وهو في بطن الحوت62، ولا خلاف بين القولين؛ فإن نبي الله يونس عليه السلام كان -ولاشك- من المسبحين قبل التقام الحوت له، فهو نبي من أنبياء الله، وهم خير خلق الله عز وجل، وخير من سبحه سبحانه.
وأما كونه من المسبحين في بطن الحوت فقد دل عليه قول الله تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [الأنبياء: ٨٧].
والخلاصة: أن تسبيح يونس عليه السلام كان سببًا في تفريج كربته، وفي ذلك موعظة وفائدة للعباد جميعًا بأن التسبيح سبب لتفريج الكروب وزوال الشدائد63.
فقد قال الله سبحانه: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [الأنبياء: ٨٨].
ففي الآية بشارة لكل مؤمن يقتدي بيونس عليه السلام في إخلاصه وصدق توبته، ودعائه لربه، بأن الله عز وجل ينجيه من كربه، ويخلصه من همه64.
وقد جاء هذا المعنى في حديث النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال: (دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له)65.
ثانيًا: تسبيح موسى عليه السلام.
ذكر الله عز وجل تسبيح عبده ونبيه وكليمه موسى عليه السلام في موضعين من كتابه العزيز:
الموضع الأول: قوله تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [الأعراف: ١٤٣].
ففي هذه الآية بيان أن موسى عليه السلام طمع في رؤية ربه عز وجل حين كلمه من وراء حجاب، ولم يعنفه الله عز وجل على ذلك؛ لأنه سأل ما يجوز66؛ ولكن الله عز وجل أراد أن يري موسى عليه السلام من كمال عظمته وجلاله ما يعلم به أن القوة البشرية في هذه الدار الدنيا لا تثبت لرؤيته ومشاهدته عيانًا، ولهذا قال له: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ)، يعني أن الجبل -رغم صلابته وعظمته- لا يستقر مكانه إذا تجلى الله عز وجل له، فكيف بالإنسان الضعيف؟!67.
وقد تبين ذلك لموسى عليه السلام حين رأى الجبل قد صار دكًا عندما تجلى له ربه سبحانه، وسقط موسى عليه السلام مغشيًا عليه من هول ما رأى، وهذا معنى قوله تعالى: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ)68.
ولما أفاق موسى عليه السلام من غشيته كان أول ما نطق به تسبيح الله عز وجل (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ)، سبح ربه في هذا الموقف الجليل الهائل الذي رأى فيه من عظمة ربه وجلاله ما يستدعي التسبيح؛ تعظيمًا لله عز وجل، وتنزيهًا له عما لا يليق بكماله وعظمته سبحانه، ومن أن يقوى أحد من الخلق على رؤيته عيانًا في هذه الحياة الفانية.
ولهذا أتبع التسبيح بقوله: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ)، أي: تبت إليك من مسألتي إياك ما سألتك من الرؤية، وأنا أول المؤمنين بأنه لا يراك أحد في الدنيا إلا مات، وقيل: المراد أول المؤمنين من بني إسرائيل بما توحيه إلى69.
أما الموضع الثاني: فهو قول الله تعالى على لسان موسى عليه السلام: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭÀ ﯯ ﯰÃ ﯲ ﯳ ﯴÇ ﯶ ﯷ ﯸË ﯺ ﯻ ﯼÏ ﯾ ﯿÒ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ×) [طه: ٢٩ - ٣٥].
ففي الآيات بيان أن موسى عليه السلام طلب من الله تعالى أن يجعل له من أخيه هارون معينًا على تبليغ الرسالة وتحمل أعبائها، يتقوى به ظهره، وذلك بأن يكون معه نبيًا مرسلًا من الله عز وجل، وعلل موسى عليه السلام طلبه هذا بقوله: (ﯺ ﯻ ﯼÏ ﯾ ﯿÒ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ×)، حيث علم موسى عليه السلام أن مدار العبادات كلها والدين كله على ذكر الله عز وجل وتسبيحه؛ فسأل الله أن يجعل أخاه معه يساعده ويعاونه على البر والتقوى، فيكثر منهما ذكر الله من التسبيح والتهليل وغيره من أنواع العبادات70.
ثالثًا: تسبيح داود عليه السلام.
ذكر الله عز وجل تسبيح عبده ونبيه داود عليه السلام من خلال ذكر تسبيح الجبال والطير معه، وقد جاء ذلك في كتاب الله عز وجل في ثلاثة مواضع وهي:
فهذه الآيات الثلاث بينت تسبيح نبي الله داود عليه السلام، حيث كان عليه السلام إذا سبح الله تعالى وأثنى عليه، سبحت بتسبيحه الجبال والطير، وجاوبته بالذكر والثناء على الله تبارك وتعالى71.
وقد ذكر المفسرون أن الله عز وجل منح نبيه داود عليه السلام من الصوت الحسن العظيم، الذي كان إذا سبح به تسبح معه الجبال الراسيات الصم الشامخات، وتقف له الطيور السارحات والغاديات والرائحات، وتجاوبه بأنواع اللغات، تسبيحًا معه لله رب العالمين72.
رابعًا: تسبيح زكريا عليه السلام.
ذكر الله عز وجل تسبيح عبده ونبيه زكريا عليه السلام، وجاء ذلك في سياق ذكر قصته عليه السلام حينما طلب من الله عز وجل أن يهب له ذرية طيبة، فاستجاب الله عز وجل دعاءه، وبشره بالولد على لسان الملائكة، وحينها طلب زكريا من ربه أن يجعل له علامة يستدل بها على حصول الولد، فجعل الله عز وجل له علامة ذلك أن ينحبس لسانه عن الكلام مع الناس من غير آفة أو مرض، فلا يستطيع النطق إلا رمزًا وإشارة.
قال تعالى: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [آل عمران: ٤١].
ولقد أمره الله عز وجل بكثرة التسبيح والذكر في هذه الحال، فرغم أن لسانه في هذه الحال ممنوع من كلام الناس؛ إلا أنه لم يكن ممنوعًا من التسبيح والتهليل وذكر الله عز وجل، فعكف زكريا عليه السلام في محرابه وقد اطمأن قلبه، واستبشر بهذه البشارة العظيمة، وامتثل أمر الله عز وجل له بكثرة الذكر، والتسبيح، والصلاة والعبادة73.
ولم يكتف زكريا بأن يسبح وحده لله عز وجل؛ بل خرج على قومه وأمرهم -بالإشارة- بتسبيح الله عز وجل؛ مزيدًا من شكر الله عز وجل على ما بشر به من نعمة الولد74، قال تعالى عن نبيه زكريا: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ± ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [مريم: ١٠ - ١١].
وفي هذا بيان لعظم تسبيح نبي الله زكريا عليه السلام لربه عز وجل، وفيه بيان أن التسبيح من أجل العبادات التي يشكر بها العبد ربه عز وجل على ما أولاه من نعم.
خامسًا: تسبيح عيسى عليه السلام.
ورد في القرآن الكريم تسبيح عبد الله ورسوله عيسى عليه السلام لربه عز وجل، وذلك في قوله تعالى: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [المائدة: ١١٦].
ويكون هذا يوم القيامة، يوم يجمع الله الرسل ويسألهم ماذا أجبتم؟ ويسأل عيسى بمفرده توبيخًا للنصارى -الذين اتخذوه إلهًا- على شركهم، فيقول الله عز وجل هذا لعيسى عليه السلام، فيتبرأ عليه السلام من شركهم ومن مقولتهم الكفرية، وينزه الله عز وجل عن ذلك بالتسبيح له سبحانه75.
لقد بدأ عيسى عليه السلام كلامه مع رب العزة سبحانه بالتسبيح -قبل أن يبرأ نفسه- تنزيهًا له سبحانه عما افتراه المفترون، وتعظيمًا له وإجلالًا، وثناءً عليه، وخضوعًا له وخوفًا منه، وهذا التسبيح من عيسى عز وجل متضمن لبراءته من أن يكون قال للناس شيئًا من ذلك؛ لأنه إذا كان قد نزه الله عز وجل عن ذلك فلاجرم أنه لم يأمر أحدًا به76.
سادسًا: تسبيح النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين وسيدهم، وهو أعظم من نزه الله وسبحه من الخلائق، ولقد ورد في كتاب الله عز وجل كثير من الآيات التي جاء فيها ذكر تسبيح النبي صلى الله عليه وسلم77.
والملاحظ أنه في كل هذه الآيات كان الأمر موجهًا للنبي صلى الله عليه وسلم بتسبيح ربه عز وجل، وبتأمل هذه الآيات نقف على بعض الحقائق المستفادة من تسبيح النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك فيما يأتي:
ثالثًا: تسبيح المؤمنين:
تسبيح الله عز وجل من هدي أصفياء الله المرسلين، ودأب عباد الله المؤمنين، وشغل أوليائه المتقين، وقد ذكر الله عز وجل في كتابه تسبيح عباده المؤمنين له سبحانه، وذلك في عدد من الآيات التي مدحت المسبحين، والتي أمرت المؤمنين بالمداومة على التسبيح.
أولًا: مدح المسبحين من المؤمنين:
جاءت عدة آيات في كتاب الله عز وجل تمدح المؤمنين الذين يسبحون الله عز وجل.
وأول هذه الآيات -من حيث ترتيب المصحف الشريف- قول الله عز وجل: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ d ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [آل عمران: ١٩٠ - ١٩١].
ففي هاتين الآيتين أخبر الله عز وجل عن آياته العظيمة، ودلائل قدرته الباهرة؛ من خلق السماوات والأرض، واختلاف الليل والنهار، وما في ذلك كله من آيات عجيبة، تبهر الناظرين، وتقنع المتفكرين، وتجذب أفئدة الصادقين، ففي هذا الكون من العظمة والسعة، وانتظام السير والحركة، وبديع الصنع، ولطائف الفعل، والمنافع للخلق، ما يدل على عظمة خالقه، وعظمة سلطانه، وشمول قدرته، وعظيم حكمته، وسعة رحمته، وعموم فضله، وشمول بره، ووجوب شكره82.
هذه الآيات التي بثها الله عز وجل في السماوات والأرض إنما يعقلها أولوا الألباب والنهى، الذين استنارت قلوبهم بنور الإيمان، فأبصرت حقيقة الأشياء، إنهم المؤمنون الموقنون، الذين يتفكرون في خلق الله عز وجل، ويقفون على آياته؛ فيزيدهم ذلك إيمانًا على إيمانهم، فتخشع قلوبهم، وتنشط ألسنتهم بذكر ربهم وتسبيحه في كل أحوالهم، ويديمون التفكر والنظر في عظيم خلق الله عز وجل، ولسان حالهم ومقالهم يقول: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ)، أي: لم تخلق يا ربنا هذا الخلق عبثًا ولا لعبًا، ولم تخلقه إلا لأمر عظيم؛ من ثواب وعقاب ومحاسبة ومجازاة، فأنت سبحانك منزه عن اللعب والعبث، ومنزه عن كل نقص أو عيب، لا يكون خلقك إلا لحكمٍ عظيمةٍ83.
لقد مدح الله عز وجل المؤمنين المتفكرين في آياته، المسبحين له على الدوام، الذين دفعهم تفكرهم وتسبيحهم إلى الرغبة في ثواب ربهم عز وجل، والنجاة من عذابه (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ).
والموضع الثاني الذي مدح فيه الله عز وجل عباده المؤمنين المسبحين هو قوله تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ I ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [الإسراء: ١٠٧ - ١٠٨].
ففي هاتين الآيتين يخبر الله عز وجل عن تسبيح مؤمني أهل الكتاب، وابتدأ الله عز وجل في فيهما بأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول للكفار المكذبين بالقرآن الكريم: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ)، وهذا على وجه التبكيت لهم والتهديد، لا على وجه التخيير.
والمعنى: سواء آمنتم بالقرآن أم لم تؤمنوا، فهو حق في نفسه، أنزله الله عز وجل، وإن إيمانكم لا يزيده كمالًا، وتكذيبكم به لا يلحق به نقصًا.
(ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ)، أي: إن العلماء الذين أوتوا الكتب السابقة من قبل القرآن، وعرفوا حقيقة الوحي من مؤمني أهل الكتاب إذا يتلى عليهم هذا القرآن يخرون سجدًا تعظيمًا له وتكريمًا، وعلمًا منهم بأنه من عند الله عز وجل84.
ثم ذكر الله عز وجل تسبيحهم له مادحًا لهم فقال: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ)، أي أنهم عندما يخرون سجدًا لسماع القرآن، يسبحون ربهم عز وجل في سجودهم؛ تسبيح تنزيه لله تعالى عن تكذيب المكذبين بالقرآن، وتعظيم وتبجيل لله عز وجل على قدرته التامة، وأنه لا يخلف الميعاد الذي وعدهم على ألسنة الأنبياء السابقين المتقدمين عن بعثـة محمد صلى الله عليه وسلم، ولهذا قالوا: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ)85.
ومن الآيات التي ورد فيها مدح الله عز وجل لعباده المؤمنين المسبحين له سبحانه قوله تعالى: (ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏâ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [النور: ٣٦ - ٣٨].
ففي هذه الآية مدح لأولئك المسبحين لربهم عز وجل، الذين لم تلههم الدنيا وما فيها من تجارة وبيع ومتاع عن عبادة ربهم، وعن صلاتهم، وزكاتهم، وتسبيحهم، وقد وعدهم الله عز وجل بحسن الجزاء وعظيم الثواب، مع الزيادة بغير حساب؛ لأنهم قدموا طاعته ورضاه على كل ما سواه.
وفي قول الله عز وجل: (ﭑ) مدح لهم، وإشعار بهمتهم العالية، وعزيمتهم الصادقة، التي بها صاروا عمارًا للمساجد التي هي بيوت الله في أرضه86.
وفي سورة السجدة مدحٌ آخر للمؤمنين الساجدين لله، المسبحين له سبحانه، قال تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [السجدة: ١٥].
فلقد أثنى الله عز وجل على هؤلاء المؤمنين الذين يؤمنون بآياته، ووصفهم بالصفة الحسنى بسجودهم عند التذكير والوعظ بآياته، وبتسبيحهم لربهم، وعدم استكبارهم، بخلاف ما يصنع الكفار من الإعراض عند التذكير، وإظهار التكبر87.
ولقد وعد الله عز وجل أولئك المؤمنين المسبحين ربهم عز وجل، والذين (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [السجدة: ١٦].
وعدهم بعظيم المثوبة والجزاء، فقال سبحانه: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [السجدة: ١٧]
وبمدح الله عز وجل لعباده المؤمنين المسبحين نعلم علم اليقين مدى عظم التسبيح، ومدى محبة الله عز وجل لعباده المسبحين له على الدوام، ونعلم أن التسبيح عبادة جليلة، ترفع مقامات العبد عند ربه عز وجل، وهذا كله يدفع العباد الصادقين إلى الحرص الشديد على ملازمة تسبيح الله عز وجل في كل الأوقات، وعلى كل الأحوال.
ثانيًا: أمر المؤمنين بالمداومة على تسبيح الله عز وجل:
لقد أمر الله عز وجل عباده المؤمنين بأن يسبحوه بكرةً وأصيلًا، في الصباح والمساء، في الشدة والرخاء، في كل أوقاتهم، وعلى كل أحوالهم.
قال تعالى: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀÓ ﰂ ﰃ ﰄ) [الأحزاب: ٤١ - ٤٢].
يأمرهم سبحانه أن يذكروه ذكرًا كثيرًا؛ من تهليل، وتحميد، وتسبيح، وتكبير، وغير ذلك من كل قول فيه قربةً إلى الله سبحانه وتعالى، وينبغي مداومة ذلك في جميع الأوقات، وعلى جميع الأحوال؛ فإن ذكر الله عبادة عظيمة، يفوز بها العبد برضوان ربه عز وجل، وينال محبته، ويفوز بأعلى الدرجات في جنته، وذكر يعين العبد على الخير، ويعينه على كف لسانه عن الكلام القبيح88.
ولقد أردف الله عز وجل الأمر بالإكثار من ذكره بالأمر بتسبيحه، مع أن التسبيح داخل في الذكر، وفي ذلك بيان لشرف التسبيح وعظمه عند الله عز وجل.
قال الزمخشري: « والتسبيح من جملة الذكر؛ وإنما اختصه من بين أنواعه ليبين فضله على سائر الأذكار؛ لأن معناه تنزيه الله عز وجل عما لا يجوز عليه من الصفات والأفعال»89.
ومن الآيات التي ورد فيها أمر المؤمنين بالتسبيح في كل الأوقات قول الله تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ± ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [الفتح: ٨ - ٩].
ففي الآية الأولى من هاتين الآيتين بين الله عز وجل الوظيفة التي كلف بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي أن يكون صلى الله عليه وسلم شاهدًا على الناس؛ شاهدًا بالإيمان لمن آمن منهم، وشاهدًا بالكفر لمن كفر منهم، بعد أن بلغهم رسالة ربه تبليغًا تامًا كاملًا، ومن مهمته أيضًا تبشير المؤمنين برضا الله عز وجل، وبما أعد الله لهم من النعيم المقيم، ومن مهمته أيضًا: أن يكون نذيرًا للكافرين وللعصاة بسوء المصير، إذا ما استمروا على كفرهم وعصيانهم.
ثم بين الله عز وجل الحكمة من إرسال النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ)، أي: لتؤمنوا بالله سبحانه وبرسوله صلى الله عليه وسلم، وتعزروا الرسول صلى الله عليه وسلم وتوقروه، أي: تعظموه، وتفخموه، وتجلوه، وتقوموا بحقوقه صلى الله عليه وسلم، ولتسبحوا الله عز وجل بكرة وأصيلًا، أي تنزهوه سبحانه وتصلوا له، وتديموا ذكره وتسبيحه، في أول النهار وآخره90.
قال السعدي: «ذكر الله عز وجل في هذه الآية الحق المشترك بين الله وبين رسوله، وهو الإيمان بهما، وذكر الحق المختص بالرسول صلى الله عليه وسلم وهو التعزير والتوقير، وذكر الحق المختص بالله عز وجل، وهو التسبيح له والتقديس بالصلاة وغيرها»91.
وهناك آيتان في كتاب الله عز وجل أمر الله سبحانه فيهما عباده المؤمنين بأن يسبحوه في حالات مخصوصة -زيادة على التسبيح العام في كل حال-، والآيتان هما:
الآية الأولى: قوله تعالى في سياق الحديث عن حادثة الإفك: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [النور: ١٦].
لقد أمر الله عز وجل عباده المؤمنين في هذه الآية بأن يحسنوا الظن بإخوانهم عند سماع شيء يطعن في أعراضهم، وأن لا يخوضوا في حديث ينتهك أعراض إخوانهم من غير بينة أو دليل، وبين لهم سبحانه أنه كان الواجب عليهم عند سماع خبر الإفك في عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكذبوه ويكذبوا قائله، وأن يبادروا إلى تبرئة النبي صلى الله عليه وسلم وزوجه من هذا البهتان العظيم92.
قال القرطبي: «الآية عتاب لجميع المؤمنين، أي: كان ينبغي عليكم أن تنكروه، ولا يتعاطاه بعضكم من بعض على جهة الحكاية والنقل، وأن تنزهوا الله تعالى عن أن يقع هـذا من زوج نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن تحكموا على هذه المقالة بأنها بهتان»93.
وفي الآية: إرشاد حكيم من رب العزة سبحانه لعباده المؤمنين؛ بأن يسبحوه عند سماع مثل هذه الأخبار المكذوبة التي تطعن في عرض النبي صلى الله عليه وسلم، أو عرض المؤمنين الصالحين، ومناسبة التسبيح في مثل هذه الحالة: تنزيه الله عز وجل من أن يقال مثل هذا الكلام في نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو في نساء صالحي المؤمنين، ولبيان التعجب من تجرؤ الخائضين في مثل هذا الإفك والبهتان العظيم94.
الآية الثانية: قول الله عز وجل: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ: ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [الزخرف: ١٢ - ١٣].
ففي هاتين الآيتين: يذكر الله عز وجل عباده ببعض نعمه عليهم؛ من تسخير الفلك التي تحملهم في البحار بما ينفعهم، وتسخير الدواب والأنعام ليأكلوا منها ويركبوا على ظهورها، وأمرهم سبحانه بأن يذكروا هذه النعم العظيمة عليهم، ويسبحوا ربهم عز وجل؛ شكرًا على هذه النعم، وذلك حين التلبس بمنافعها والاستواء على ظهورها95.
فقوله عز وجل: (ﭫ ﭬ ﭭ) توطئة وتمهيد إلى ذكر نعمة الله عز وجل في قوله: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) أي حينئذ؛ فإن ذكر النعمة في حال التلبس بمنافعها أوقع في النفس وأدعى للشكر عليها، وأجدر بعدم الذهول عنها، أي جعل لكم ذلك نعمة منه سبحانه لتشعروا بها فتشكروه عليها، فالذكر هنا: هو التذكر بالفكر، لا الذكر باللسان فقط.
وقوله سبحانه: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ)، ليكون إعلانًا للشكر باللسان بعد الشكر في النفس والقلب، فلقننا الله عز وجل صيغة شكره سبحانه، كما لقننا صيغة الحمد في سورة الفاتحة96.
قال ابن عاشور: «وافتتح هذا الشكر اللساني بالتسبيح لأنه جامع للثناء؛ إذ التسبيح تنزيه الله عما لا يليق، فهو يدل على التنزيه عن النقائص بالصريح، ويدل ضمنًا على إثبات الكمالات لله عز وجل»97.
ويفهم من هذه الآية أن التسبيح من أعظم ألفاظ الشكر لله عز وجل؛ فإذا ما تلبس عبد بنعمة من نعم الله عز وجل فشعر بها في قلبه، فلينطلق لسانه بتسبيح ربه تنزيهًا له وتعظيمًا، شكرًا على آلائه ونعمه التي لا تعد ولا تحصى.
ولعظم تسبيح الله عز وجل فإنه سيكون دعاء أهل الجنة وهم منعمون فيها، فتسبيح المؤمنين لربهم عز وجل لا ينتهي بانتهاء الدنيا؛ بل يبقى معهم في دار الخلد والنعيم.
قال تعالى: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷH ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [يونس: ٩ - ١٠].
قال السعدي: «عبادتهم فيها لله، أولها تسبيح لله وتنزيه له عن النقائص، وآخرها تحميد لله، فالتكاليف سقطت عنهم في دار الجزاء، وإنما بقي لهم أكمل اللذات، الذي هو ألذ عليهم من المآكل اللذيذة، ألا وهو ذكر الله الذي تطمئن به القلوب، وتـفرح به الأرواح، وهو لهم بمنزلة النفس، من دون كلفـة ومشقة»98.
رابعًا: تسبيح المخلوقات كلها لله عز وجل:
لقد أسند الله عز وجل في كتابه العزيز التسبيح إلى أصناف مخلوقاته جميعًا؛ من الحيوانات، والنباتات، والجمادات، العاقلة منها وغير العاقلة، والناطقة وغير الناطقة، وكل شيء مما خلق الله عز وجل في السماوات أو في الأرض أو فيما بينهما من المخلوقات التي لا يحيط بعلمها، ولا يعلم عددها إلا الله عز وجل الذي خلقها، والذي أحاط بكل شيء علمًا، وأحصى كل شيء عددًا.
ففي كتاب الله عز وجل نحو إحدى عشرة آية من عشر سورٍ99 أسند فيها التسبيح إلى مخلوقات الله عز وجل؛ من هذه الآيات ما أسند فيها التسبيح إلى المخلوقات مجملة، ومنها ما أسند فيها التسبيح إلى مخلوقات معينة.
أولًا: الآيات التي أسند فيها التسبيح لجميع المخلوقات:
الآيات التي أسند فيها التسبيح إلى جميع المخلوقات هي ثماني آيات:
أولها: قول الله تعالى: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [الإسراء: ٤٤].
ففي هذه الآية يخبر سبحانه بأن السماوات والأرض وجميع مخلوقاته تنزهه سبحانه، وتمجده، وتسبحه بلسان الحال والمقال؛ فما من شيء من خلق الله عز وجل إلا ويسبح بحمده؛ ولكن لا تفقهون تسبيحهم، إلا ما كان تسبيحه بمثل ألسنتكم100.
يقول محمد طنطاوي في تفسير هذه الآية: «بين الله سبحانه أن جميع الكائنات تسبح بحمده، فقال تعالى: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) أي تنزه الله تعالى وتمجده السموات السبع، والأرض، ومن فيهن من الإنس والجن والملائكة وغير ذلك، وما من شيء من مخلوقاته التي لا تحصى إلا ويسبح بحمد خالقه سبحانه؛ ولكن أنتم يا بني آدم لا تفقهون تسبيحهم؛ لأن تسبيحهم بخلاف لغتكم، وفوق مستوى فهمكم، وإنما الذي يعلم تسبيحهم هو خالقهم عز وجل.
والمتدبر في هذه الآية الكريمة يراها تبعث في النفوس الخشية والرهبة من الخالق عز وجل؛ لأنها تصرح تصريحًا بليغًا بأن كل جماد وكل حيوان وكل طير وكل حشرة.. بل كل كائن في هذا الوجود يسبح بحمد الله عز وجل، وهذا التصريح يحمل كل إنسان عاقل على طاعة الله، وإخلاص العبادة له، ومداومة ذكره؛ حتى لا يكون -وهو الذي كرمه ربه وفضله- أقل من غيره طاعة لله تعالى»101.
أما الآية الثانية التي أخبر فيها ربنا عز وجل عن تسبيح جميع المخلوقات له سبحانه فهي قول الله تعالى: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [النور: ٤١].
قال ابن كثير: « يخبر تعالى أن جميع ما في السماوات وما في الأرض من شيء يسبح له، ويمجده، ويقدسه، ويصلي له، ويوحده سبحانه»102.
ومعنى قول الله عز وجل: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) يحتمل توجيهين: الأول: أن يكون الضمير في قوله: (ﯡ ﯢ) عائد على الله عز وجل، فيكون معنى الكلام: كل مصل ومسبح منهم قد علم الله صلاته وتسبيحه، والتوجيه الآخر: أن يكون الضمير عائدًا على قوله: (ﯠ) فيكون المعنى: قد علم كل مصل ومسبح منهم صلاة نفسه وتسبيحه، الذي كلفه الله به وألزمه إياه103.
أما الآيات الأخرى التي يخبر فيها ربنا عز وجل عن تسبيح جميع المخلوقات له سبحانه، فهي فواتح كل من السور التالية: الحديد، والحشر، والصف، والجمعة، والتغابن، ففي سورة الحديد والحشر والصف جاء الإخبار بصيغة الفعل الماضي.
قال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الحديد: ١].
وقال سبحانه: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [الحشر: ١].
وقال عز وجل: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [الصف: ١].
أما في سورتي الجمعة والتغابن فقد جاء الإخبار بصيغة الفعل المضارع.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [الجمعة: ١].
وقال عز وجل: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [التغابن: ١].
وقد وجه المفسرون الحكمة من إخبار الله عز وجل عن تسبيح مخلوقاته بالفعل الماضي تارة، وبالفعل المضارع تارة أخرى؛ بأن الفعل الماضي فيه دلالة على أن تنزيه المخلوقات وتسبيحهم لله عز وجل أمرٌ مقرر، أمر الله عز وجل به خلقه وعباده من قبل، وأمر به الناس، فالمخلوقات مسبحة لله عز وجل أبدًا في الماضي، وستظل مسبحة له سبحانه في المستقبل104.
أما الفعل المضارع فيدل -كما هو معلوم عند أهل اللغة- على الدوام والاستمرار والتجدد، وفي ذلك بيان بأن أهل السماوات والأرض والمخلوقات كلها يجددون تسبيحهم لله عز وجل، وهم مستمرون فيه، لا يفترون عنه أبدًا105.
قال الشوكاني: «وجاء هذا الفعل في بعض الفواتح ماضيًا، وفي بعضها مضارعًا، وفي بعضها أمرًا؛ للإشارة إلى أن هذه الأشياء مسبحة في كل الأوقـات، لا يختص تسبيحها بوقت دون وقت؛ بل هي مسبحة أبدًا في الماضي، وستكون مسبحة أبدًا في المستقبل»106.
ويبقى آية أخيرة أخبر الله عز وجل فيها عن تسبيح جميع خلقه له سبحانه، وهي الآية التي ختمت بها سورة الحشر، وهي قول الله عز وجل: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [الحشر: ٢٤].
فقد اشتملت هذه الآية الكريمة على ذكر بعض أسماء الله الحسنى وأوصافه العلى، فأخبر سبحانه بأنه: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) لجميع المخلوقات، المنشئ لها من العدم، (ﯧ) أي مصور المخلوقات ومركبها على هيئات مختلفة، وهذه الأسماء متعلقة بالخلق والتدبير والتقدير، وأن ذلك كله قد انفرد الله به، لم يشاركه فيه مشارك، (ﯩ ﯪ ﯫ) أي: له سبحانه الأسماء الكثيرة العظيمة، التي لا يحصيها ولا يعلمها أحدٌ إلا هو سبحانه، وكلها حسنى تدل على أكمل الصفات وأعظمها، لا نقص في شيء منها بوجه من الوجوه، ومن حسنها: أن الله يحبها، ويحب من يحبها، ويحب من عباده أن يدعوه ويسألوه بها، ومن كماله سبحانه وكمال أسمائه وصفاته أن جميع من في السماوات والأرض مفتقرون إليه على الدوام، يسبحون بحمده، ويسألونه حوائجهم، فيعطيهم من فضله وكرمه ما تقتضيه رحمته وحكمته، (ﯴ ﯵ ﯶ) الذي لا يريد شيئًا إلا ويكون، ولا يكون شيء إلا لحكمة عظيمة107.
ثانيًا: الآيات التي أسند فيها التسبيح لمخلوقات معينة:
أخبر الله عز وجل عن تسبيح مخلوقات معينة له سبحانه، والآيات التي أخبر فيها ربنا عز وجل عن ذلك ثلاث آيات:
الآية الأولى: قول الله عز وجل: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [الرعد: ١٣].
وللمفسرين قولان في المقصود بالرعد في هذه الآية:
أحدهما: أنه اسم الملك الذي يزجر السحاب، وصوته: تسبيحه.
والثاني: أنه الصوت المعهود، المسموع عند حدوث البرق.
والآية تحتمل المعنيين، وإنما خص الرعد بالتسبيح؛ لأنه من أعظم الأصوات108.
والآية الثانية: قوله تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ) [الأنبياء: ٧٩].
ففي هذه الآية الكريمة أخبر سبحانه عن تسبيح مخلوقات معينة له سبحانه، حيث أخبر عن تسبيح الجبال والطير لله عز وجل مع نبي الله داود عليه السلام؛ وذلك أن داود عليه السلام كان من أعبد الناس، وأكثرهم لله ذكرًا وتسبيحًا وتمجيدًا، وكان قد أعطاه الله عز وجل من حسن الصوت ورقته ورخامته ما لم يؤته أحدًا من الخلق، فكان إذا سبح وأثنى على الله، جاوبته الجبال الصم، والطيور البهم، وهذا فضل الله عليه وإحسانه، فلهذا قال: (ﯖ ﯗ)109.
قال القرطبي: «قال وهب: كان داود عليه السلام يمر بالجبال مسبحًا والجبال تجاوبه بالتسبيح، وكذلك الطير. وقيل: كان داود عليه السلام إذا وجد فترة أمر الجبال فسبحت حتى يشـتاق؛ ولهذا قال: (ﮮ) أي جعلناها بحيث تطيعه إذا أمرها بالتسبيح. وقال قتادة: (ﯓ) يصلين معه إذا صلى، والتسبيح: الصلاة، وكلٌ محتمل، وذلك فعل الله تعالى بها»110.
والآية الثالثة: يخبر فيها ربنا عز وجل أيضًا عن تسبيح الجبال والطير مع نبيه داود عليه السلام.
قال سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ- ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [ص: ١٧ - ١٩].
فهذه الآيات مثل آية الأنبياء؛ إلا أنه سبحانه ذكر هنا أن التسبيح كان (ﭣ ﭤ)، والعشي: من وقت العصر إلى الليل، والإشراق: شروق الشمس إلى الضحى، وهذا يدل على كثرة تسبيح نبي الله داود عليه السلام، وكثرة تسبيح الجبال والطير معه111.
خامسًا: تسبيح من عبدوا من دون الله عز وجل:
لقد عبد بعض الضلال من الناس مخلوقات لله عز وجل، بهتانًا وزورًا وافتراءً على الله، فمنهم من عبد نبي الله عيسى عليه السلام، ومنهم من عبد الملائكة، ومنهم من عبد غير ذلك، وكل ذلك شرك وكفر يستحق من فعله الخلود في عذاب الله عز وجل.
ولقد أخبر الله عز وجل في كتابه العزيز أن عيسى عليه السلام والملائكة الذين عبدوا من دون الله سيتبرؤون يوم القيامة مما فعله المبطلون، ومن شرك المشركين، وسيسبحون الله عز وجل وينزهونه عما افتراه المفترون، فعيسى عليه السلام ما دعا أحدًا إلى عبادته؛ وإنما دعا الناس لعبادة الله عز وجل.
قال الله تعالى: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ| ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [المائدة: ١١٦ - ١١٧].
لقد بدأ عيسى عليه السلام كلامه مع رب العزة -سبحانه بالتسبيح -قبل أن يبرأ نفسه- تنزيهًا له سبحانه عما افتراه المفترون، وتعظيمًا له وإجلالًا، وثناءً عليه، وخضوعًا له وخوفًا منه، وهذا التسبيح من عيسى عز وجل متضمن لبراءته من أن يكون قال للناس شيئًا من ذلك؛ لأنه إذا كان قد نزه الله عز وجل عن ذلك فلاجـرم أنه لم يأمر أحدًا به112.
أما الملائكة الذين عبدهم الضلال من دون الله عز وجل، فقد أخبر الله عز وجل بأنهم سيتبرؤون يوم القيامة من عبادة أولئك المشركين لهم، وسيسبحون الله عز وجل تنزيهًا له عن شرك المشركين وافتراء الكافرين.
قال تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘi ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [الفرقان: ١٧- ١٨].
وفي هذا تقريع للكفار الذين عبدوا الملائكة من دون الله عز وجل.
وفي سورة سبأ آيات مماثلة لهذه الآيات، إذ يقول الله عز وجل: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ+ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [سبأ: ٤٠- ٤١].
فالملائكة تقر لله عز وجل بأنه ليس للخلائق كلهم أن يعبدوا أحدًا سواه سبحانه، لا هم ولا غيرهم؛ وتسبح الملائكة ربها عز وجل يوم القيامة قائلين: ما دعونا هؤلاء الكفار إلى عبادتنا؛ فما يكون لنا ذلك؛ بل هم فعلوا ذلك من تلقاء أنفسهم من غير أمرنا ولا رضانا، ونحن برآء منهم ومن عبادتهم؛ فما ينبغي لأحد أن يعبدنا؛ فإنا عبيد لك، فقراء إليك، وكذلك الخلق كلهم113.
وبعد هذا الاستعراض لتسبيح الخلائق كلها لله عز وجل -من الملائكة، والنبيين، والمؤمنين، وسائر المخلوقات- نستشعر عظمة من سبح له الخلق كله؛ فما استكبر مخلوق عن تسبيح خالقه، وما استنكف عبد علم قدر ربه عن عبادة مولاه؛ فالكون كله خلق الله، والخلق كله قد سبح لله، سبحانه وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم.
من خلال تتبع الآيات التي ورد فيها التسبيح في كتاب الله عز وجل، نجد أن التسبيح فيها ورد بعدة صيغ؛ وذلك كما يأتي:
أولًا: التسبيح بصيغة: (سبحان) مضافًا إليها هاء الضمير العائد إلى الله عز وجل (سبحانه).
وهذه الصيغة هي أكثر صيغ التسبيح ورودًا في كتاب الله عز وجل؛ حيث إنها وردت في أربع عشرة آية114.
وبتتبع هذه الآيات التي ورد فيها التسبيح بهذه الصيغة نجد أنها كلها جاءت في سياق تسبيح الله عز وجل لنفسه العلية؛ فمن هذه الآيات -على سبيل المثال قوله تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [البقرة: ١١٦].
وقوله عز وجل: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [الأنعام: ١٠٠].
وقوله تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [يونس: ٦٨].
وقوله سبحانه وتعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [الزمر: ٦٧]
والملاحظ أيضًا أن كل هذه الآيات قد وردت: إما في سياق تنزيه الله عز وجل نفسه عما افتراه المفترون من اتخاذ الولد، أو في سياق تنزيهه سبحانه لنفسه عما نسبه المشركون إليه سبحانه من اتخاذ الشريك، وإما في سياق تعظيم الله عز وجل لنفسه، وبيان بعض مظاهر آيات قدرته وملكه، وامتنانه سبحانه على عباده بما يوجب الشكر والثناء له سبحانه، بتنزيهه وتسبيحه وتمجيده.
ثانيًا: التسبيح بصيغة (سبحان) مضافًا إليها كاف المخاطب (سبحانك).
التسبيح بصيغة (سبحانك) ورد في كتاب الله عز وجل في تسع آيات115.
وبتتبع هذه الآيات نجد أن التسبيح بهذه الصيغة قد ورد على لسان الملائكة المكرمون في ثلاث آيات منها، وورد على لسان ثلاثة أنبياء من أنبياء الله عز وجل -وهم يونس عليه السلام وموسى عليه السلام وعيسى عليه السلام - في ثلاث آيات أخرى، والآيات الثلاث المتبقية ورد فيها التسبيح بهذه الصيغة على لسان المؤمنين.
ثالثًا: التسبيح بصيغة (سبحان الله).
وهذه الصيغة هي أشهر صيغ التسبيح، وتكثر هذه الصيغة أيضًا في سياق الآيات التي يسبح الله عز وجل فيها نفسه العلية عن شرك المشركين وافتراء المفترين؛ من نسبة الولد أو الشريك لله عز وجل، كقوله تعالى: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [المؤمنون: ٩١].
وقوله: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ? ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [الصافات: ١٥٨-١٥٩].
وقوله أيضًا: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [الطور: ٤٣].
ووردت هذه الصيغة أيضًا في سياق أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يخبر عن دعوته التي يدعو هو وأتباعه الناس إليها، (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [يوسف: ١٠٨].
فقوله تعالى: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ)، أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يعلن تسبيحه وتنزيهه لربه عز وجل كما أمر أن يعلن عن دعوته116.
ووردت هذه الصيغة كذلك في سياق أمر الله عز وجل عباده المؤمنين بتسبيحه في أوقات مخصوصة، قال تعالى: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [الروم: ١٧ - ١٨].
قال الإمام الطبري: «يقول تعالى ذكره: فسبحوا الله أيها الناس: أي صلوا له، (ﭟ ﭠ)، وذلك صلاة المغرب، (ﭡ ﭢ)، وذلك صلاة الصبح، (ﭩ) يقول: وسبحوه أيضًا عشيًا، وذلك صلاة العصر، (ﭪ ﭫ) يقول: وحين تدخلون في وقت الظهر»117.
ففي هذه الآية: إخبار عن تنزه الله عز وجل عن السوء والنقص، وعن أن يماثله أحد من الخلق، وفيها أيضًا: أمر للعباد أن يسبحوا ربهم عز وجل حين يمسون وحين يصبحون، ووقت العشي ووقت الظهيرة؛ فهذه الأوقات هي أوقات الصلوات الخمس، أمر الله عباده بالتسبيح فيها والحمد، ويدخل في ذلك الواجب منه، كالمشتملة عليه الصلوات الخمس، والمستحب كأذكار الصباح والمساء وأدبار الصلوات، وما يقترن بها من النوافل118.
رابعًا: التسبيح بصيغة: (سبحان الذي) (الاسم الموصول العائد على الله عز وجل).
ورد التسبيح بهذه الصيغة في أربع آيات من كتاب الله عز وجل؛ وكل هذه الآيات قد وردت في سياق بيان بعض مظاهر قدرة الله عز وجل وعظمته سبحانه، وبيان بعض نعمه على عباده؛ وهذه الآيات هي: قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [الإسراء: ١].
وقوله: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [يس: ٣٦].
وقوله: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ: ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [الزخرف: ١٢ - ١٣].
وقوله تعالى: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳÆ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [يس: ٨٢ - ٨٣].
خامسًا: التسبيح بصيغة: (سبحان ربي)، و(سبحان ربك)، و(سبحان ربنا).
ورد التسبيح مضافًا إلى الرب -جل وعلا- في خمسة مواضع من كتاب الله عز وجل، في موضعين من هذه المواضع ورد بصيغة الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، في قوله تعالى: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴÇ ﯶ ﯷ ﯸË ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿÒ ﰁ ﰂ ﰃÖ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) [الصافات: ١٧٨ - ١٨٢].
وفي قوله سبحانه: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈYﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔeﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡr ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ°) [الإسراء: ٩٠ - ٩٣].
ففي هذه الآيات الأخيرة أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن ينزه ربه عز وجل عما طلبه أولئك الكفار السفهاء من مطالب فيها سوء أدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم، طلبوها على سبيل التعنت والتعجيز له صلى الله عليه وسلم؛ حيث طلبوا منه أمورًا لا يقدر عليها إلا الله عز وجل، وليست في مقدور أحد سواه، فأمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم أن ينزهه عن أقوالهم الباطلة، ومطالبهم السفيهة، فتنزه الله سبحانه عن أن تكون أحكامه وآياته تابعة لأهوائهم الفاسدة، وآرائهم الضالة119.
وورد التسبيح مضافًا إلى رب السماوات والأرض في موضع واحد، وهو قول الله عز وجل: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒc ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الزخرف: ٨١- ٨٢].
وهذه الآية من الآيات التي نزه الله عز وجل فيها نفسه عما افتراه عليه المفترون من اتخاذ الولد، تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا.
وفي ذكره عز وجل في هذا الموضع بصفته رب السماوات والأرض ورب العرش العظيم -وهذه المخلوقات أعظم ما خلق الله سبحانه- يفيد انتفاء أن يكون له سبحانه ولد؛ فهو سبحانه مستغنٍ عن الولد؛ وهو سبحانه رب كل شيء، قال ابن عاشور: «ووصفه -في هذه الآية- بربوبية أقوى الموجودات وأعظمها؛ يفيد انتفاء أن يكون له ولد؛ لانتفاء فائدة الولادة، فقد تم خلق العوالم ونظام نمائها ودوامها، وعلم من كونه خالقها أنه غير مسبوق بعدم، وإلا لاحتاج إلى خالق يخلقه، واقتضى عدم السبق بعدم أنه لا يلحقه فناء؛ فوجود الولد له يكون عبثًا»120.
وورد التسبيح بصيغة: (سبحان ربنا) في موضعين من كتاب الله عز وجل.
الموضع الأول: على لسان مؤمني أهل الكتاب، وذلك في قول الله تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸI ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [الإسراء: ١٠٧- ١٠٨].
لقد أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يقول للكافرين الذين كفروا بالقرآن الذي أنزل: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ)، أي سواء آمنتم به أم لا فهو حق في نفسه، أنزله الله، ونوه بذكره في سالف الأزمان في كتبه المنزلة على رسله، ولهذا قال: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) أي من صالحي أهل الكتاب، الذين تمسكوا بكتابهم ويقيمونه ولم يبدلوه (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) أي لله عز وجل شكرًا على ما أنعم به عليهم من جعله إياهم أهلًا أن أدركوا هذا الرسول الذي أنزل عليه هذا الكتاب، ولهذا يقولون: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) أي تعظيمًا وتوقيرًا على قدرته التامة، وأنه لا يخلف الميعاد الذي وعدهم على ألسنة الأنبياء المتقدمين عن بعثة محمد صلى الله عليه وسلم121.
والموضع الثاني: هو قول الله عز وجل إخبارًا عن أصحاب الجنة: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [القلم: ٢٩].
فبعد أن ذكرهم أوسطهم، وعادوا إلى رشدهم، سارعوا إلى تنزيه ربهم عز وجل وتسبيحه، نزهوه سبحانه عن أن يكون ظالمًا فيما فعل بهم؛ بل هم الذين ظلموا أنفسهم بتركهم قول: إن شاء الله، وبما قصدوا من حرمان المحتاجين122.
سادسًا: التسبيح المقرون بالحمد (سبحان الله وبحمده).
ورد الأمر بقرن التسبيح لله عز وجل بحمده سبحانه في سبع آيات من كتاب الله عز وجل؛ حيث قال تعالى في أربع آيات منها: (ﮊ ﮋ ﮌ)123، وفي آيتين: (ﭻ ﭼ ﭽ)124، وفي آية واحدة قال سبحانه: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [الفرقان: ٥٨].
كما جاء في كتاب الله عز وجل الخبر عن قرن التسبيح بالتحميد في مواضع متعددة، مثل قوله تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [الإسراء: ٤٤].
وقوله عز وجل: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [السجدة: ١٥].
وقوله تعالى عن ملائكته: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [الشورى: ٥] وغير ذلك من الآيات.
وتسبيح الله عز وجل بهذه الصيغة يكون بأن يجمع بين التسبيح والتحميد، وذلك بأن يقول القائل: سبحان الله وبحمده، وهذا ما دل عليه فعل النبي صلى الله عليه وسلم، حيث إنه جاء في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم ما صلى صلاة بعد أن نزلت عليه: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) إلا يقول فيها: (سبحانك ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي)125.
وكذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد وضح لنا تسبيح الملائكة لربها عز وجل، وذلك عندما سئل: أي الكلام أفضل؟ فقال: (ما اصطفى الله لملائكته أو لعباده: سبحان الله وبحمده)126.
وهذا التسبيح المقرون بالحمد يتضمن التعظيم لله تعالى على الإجمال والكمال؛ وذلك لأن التسبيح مع التحميد يجمع النفي والإثبات: نفي المعايب كلها عنه سبحانه، وإثبات المحامد كلها له سبحانه127.
وإن تسبيح الله عز وجل بهذه الصيغة هو أحب الكلام إليه سبحانه، ففي الحديث عن أبى ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبرك بأحب الكلام إلى الله)؟ قلت: يا رسول الله، أخبرني بأحب الكلام إلى الله. فقال: (إن أحب الكلام إلى الله: سبحان الله وبحمده)128.
سابعًا: التسبيح باسم الله العظيم.
ورد الأمر بالتسبيح باسم الله العظيم في ثلاث آيات من كتاب الله عز وجل، وذلك في قوله تعالى: (ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ)129، وفي موضع واحد ورد الأمر بقوله تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [الأعلى: ١].
وليس المراد من التسبيح باسم الله أن يقول العبد: سبحان اسم الله؛ وإنما المراد بذلك التسبيح أن يسبح العبد بقلبه ولسانه لله عز وجل130.
قال ابن القيم: «إن الذكر الحقيقي محله القلب؛ لأنه ضد النسيان، والتسبيح نوع من الذكر، فلو أطلق الذكر والتسبيح لما فهم منه إلا ذلك دون اللفظ باللسان، والله تعالى أراد من عباده الأمرين جميعًا، ولم يقبل الإيمان وعقد الإسلام إلا باقترانهما واجتماعهما، فصار معنى الآيتين: سبح ربك بقلبك ولسانك، واذكر ربك بقلبك ولسانك، فأقحم الاسم تنبيهًا على هذا المعنى، حتى لا يخلو الذكر والتسبيح من اللفظ باللسان»131.
ومما يؤيد أن المراد من التسبيح باسم الله العظيم هو قول: (سبحان ربي العظيم) ذكرًا بالقلب واللسان ما جاء في الحديث عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال: لما نزلت: (ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اجعلوها في ركوعكم)، فلما نزلت: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) قال صلى الله عليه وسلم: (اجعلوها في سجودكم)132.
إن المتدبر للآيات التي ورد فيها التسبيح في كتاب الله عز وجل يجد أن التسبيح يشرع في مواطن مخصوصة -فضلًا عن التسبيح العام في كل وقت وعلى كل حال-، ومن خلال استقراء تلك الآيات نجد أن معظم التسبيح الوارد فيها جاء في مواطن تنزيه الله عز وجل عن شرك المشركين، وافتراء المفترين، أو في مواطن الحديث عن عظمة الله تعالى وجلاله، وبيان آياته الباهرة في خلقه، ويشرع التسبيح أيضًا في مواطن التعجب، وعقيب الطاعات، وبعد الفوز بنصر الله عز وجل.
ونقف فيما يأتي على بيان هذه المواطن، مستشهدين ببعض الآيات في ذلك:
أولًا: التسبيح في موطن تنزيه الله عز وجل:
لقد سبح الله عز وجل نفسه العلية عن كل نقص أو عيب نسبه إليه الكفار المشركون الجاهلون بربهم عز وجل؛ فنزه سبحانه نفسه عن اتخاذ الصاحبة والولد، ونزه نفسه عن الشريك والند والمثيل، والآيات في ذلك أكثر من أن تحصى في بحث واحد.
فمن الآيات التي نزه الله عز وجل فيها نفسه عن اتخاذ الولد، قوله تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [البقرة: ١١٦].
وقوله عز وجل: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [يونس: ٦٨].
وقوله: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [النحل: ٥٧].
أما الآيات التي سبح الله عز وجل فيها نفسه عن شرك المشركين، وعن أن يكون له شريك في ملكه أو ألوهيته، فهي أيضًا كثيرة في كتاب الله عز وجل، منها -على سبيل المثال-: قوله تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉZ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [الإسراء: ٤٢- ٤٣].
وقوله عز وجل: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [الروم: ٤٠].
ولقد أمر الله عز وجل رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم بأن يسبحه عندما طلب منه سفهاء المشركين -على سبيل الاستهزاء- أن يأتيهم بمعجزات لا يقدر عليها البشر، قال تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈY ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔe ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡr ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [الإسراء: ٩٠ - ٩٣].
فأمر الله عز وجل نبيه أن يسبحه في موطن خاض فيه أولئك المشركون فيما ينافي تنزيه الله عز وجل وإجلاله.
قال الطبري: «يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء المشركين من قومك، القائلين لك هذه الأقوال، (ﯘ ﯙ) تنزيهًا لله عما يصفونه به، وتعظيمًا له من أن يؤتى به أو بملائكته، أو يكون لي سبيل إلى شيء مما تسألونيه، (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) يقول: هل أنا إلا عبد من عبيده من بني آدم، فكيف أقدر أن أفعل ما سألتموني من هذه الأمور، وإنما يقدر عليها خالقي وخالقكم، وإنما أنا رسول أبلغكم ما أرسلت به إليكم، والذي سألتموني أن أفعله بيد الله عز وجل، الذي أنا وأنتم عبيد له، لا يقدر على ذلك غيره»133.
وقد ذكر الله عز وجل تسبيح عبده ونبيه عيسى عليه السلام له سبحانه يوم القيامة عما افتراه المبطلون؛ من عبادته عليه السلام من دون الله عز وجل: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [المائدة: ١١٦].
وكذلك الملائكة المكرمون يسبحون ربهم عز وجل، منزهين له سبحانه عن افتراء المفترين وشرك المشركين، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ+ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [سبأ: ٤٠-٤١].
«وفي هذه الآية: دليل على أن العبد المؤمن يسبح الله تعالى عند حدوث ما ينافي تنزيهه وتعظيمه سبحانه؛ من قول أو فعل أو اعتقاد»134.
ثانيًا: التسبيح في المواطن الدالة على قدرة الله عز وجل وعظمته:
إن المواطن التي يستشعر فيها العبد عظمة ربه عز وجل، ويرى من عجيب قدرة الله عز وجل؛ لا يمكن لمخلوق حصرها، ولا يحيط بها إلا الذي خلقها سبحانه وتعالى، وكم من عجائب لله تعالى في العالمين يتغافل عنها الناس ويتجاهلونها؛ إلا أولي الألباب منهم، الذين قال الله عز وجل فيهم: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓd ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [آل عمران: ١٩٠- ١٩١].
إن هؤلاء المتفكرين في خلق الله عز وجل من أولي الألباب لما استشعروا عظمة الخالق امتلأت قلوبهم تنزيهًا له سبحانه، وانطلقت ألسنتهم بتسبيحه (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ)، فإن المواطن التي يقف فيها العبد على شيء من عظيم قدرة ربه وبديع صنعه، لا يملك العبد فيها إلا أن يلهج بتسبيح ربه وتنزيهه عن كل نقص أو عيب نسبه إليه المبطلون.
«إن المؤمن المتفكر بعد أن تدبر ونظر، ودقق وتفكر، يتوجه إلى الله تعالى متضرعًا معلنًا قناعته بحكمة الله العليا في خلق المخلوقات»135.
ولقد افتتح الله عز وجل سورة الإسراء بالتسبيح؛ لأن السياق يتحدث عن معجزة عظيمة لا يقدر عليها أحد إلا الله سبحانه، (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [الإسراء: ١].
فالإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم آية من آيات الله دالة على عظيم قدرته سبحانه.
قال ابن عاشور: «الافتتاح بكلمة التسبيح من دون سبق كلام يؤذن بأن خبرًا عجيبًا يستقبله السامعون، دالًا على عظيم القدرة من المتكلم سبحانه»136.
ومن الآيات التي ورد فيها التسبيح في موطن بيان عظمة الله عز وجل، قوله تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [يس: ٣٦].
وقوله في ذات السورة: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳÆ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [يس: ٨٢- ٨٣].
قال ابن كثير: «أي تنزيه وتقديس وتبرئة من السوء للحي القيوم الذي بيده مقاليد السموات والأرض، وإليه رجع الأمر كله، وله الخلق والأمر، وإليه يرجع العباد يوم المعاد، فيجازي كل عامل بعمله وهو العادل المنعم المتفضل»137.
ثالثًا: التسبيح في مواطن التعجب:
ومن المواطن التي يرد فيها التسبيح ويشرع: مواطن التعجب، وقد ورد التسبيح في عدد من الآيات في موطن التعجب -سواء كان التعجب من عظمة قدرة الله عز وجل أو تعجبٌ من غير ذلك-، ومن الآيات في ذلك قوله تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [البقرة: ١١٦].
فتسبيحه تعالى لنفسه في هذه الآية كما يتضمن تنزيهه عن اتخاذ الولد، يتضمن كذلك التعجب من هذه المقولة الباطلة138.
ومن ذلك -أيضًا: قوله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم جوابًا عما اقترحه الكفار من الآيات: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [الإسراء: ٩٣].
ففي قوله تعالى: (ﯘ ﯙ) تعجبٌ من تعنت هؤلاء الكفار ومن ظنهم السيء في الله عز وجل، وتنزيه له عز وجل عما لا يليق به مما يصفونه به، ومن أن يتقدم أحد بين يديه في أمر من أمور سلطانه وملكه139.
وفي هذه الآية: دليل على أن العبد المؤمن يشرع له أن يسبح الله عز وجل عند حدوث ما ينافي تنزيهه وتعظيمه، من قول أو فعل أو اعتقاد140.
ومن الآيات التي ورد فيها التسبيح في موطن التعجب، قول الله عز وجل: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [النور: ١٦].
ففي هذه الآية يؤدب الله عز وجل المؤمنين بما يجب عليهم فعله وقوله إذا سمعوا كلامًا يسيء إلى عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالذي عليهم أن يبادروا إليه هو إنكار هذا الكلام أشد الإنكار، وأن يزجروا أنفسهم عنه زجرًا (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ)، أي: ما يصح منا إطلاقًا أن نتكلم بهذا الحديث البالغ أقصى الكذب والافتراء، وعلمهم ربهم في هذا الموطن أن يسبحوه سبحانه؛ يسبحوه على سبيل التعجب من شناعة هذا الخبر، فقولهم في هذا الموطن: (ﯛ) أي: نتعجب يا ربنا من شناعة ما سمعناه؛ فإن ما سمعناه عن أم المؤمنين عائشة كذب يبهت ويدهش من يسمعه، وهو فى الشناعة لا تحيط بوصفه عبارة141.
رابعًا: التسبيح عقيب الطاعات:
ومن المواطن التي يشرع فيها التسبيح أيضًا: بعيد الانتهاء من الطاعات والعبادات، كالتسبيح في أدبار الصلوات، وقد أمر الله عز وجل بذلك في قوله تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈY ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [ق: ٣٩- ٤٠].
ففي هذه الآية يأمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر، ويأمره بأن يسبح بحمد ربه في أوقات مخصوصة خصها سبحانه، وذكر سبحانه من هذه الأوقات: أدبار السجود، وللمفسرين أقوال في المقصود بالتسبيح في أدبار السجود، ذكرها الإمام الطبري فقال: «واختلف أهل التأويل في معنى التسبيح الذي أمر الله نبيه أن يسبحه أدبار السجود، فقال بعضهم: عني به الصلاة، فقالوا: وهما الركعتان اللتان يصليان بعد صلاة المغرب. وقال آخرون: عنى به التسبيح في أدبار الصلوات المكتوبات، دون الصلاة بعدها. وقال آخرون: هي النوافل في أدبار المكتوبات»142.
وسواء كان التسبيح المأمور به في أدبار السجود هو صلاة النوافل أم كان مطلق التسبيح؛ فالأمران يصلح أن يطلق عليما تسبيح؛ فالصلاة تسبيح، والتسبيح المطلق المعروف تسبيح، وقد جاءت السنة بالحث على التسبيح في أدبار الصلوات، وذلك في عدة أحاديث، من ذلك: ما رواه كعب ابن عجرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (معقبات لا يخيب قائلهن -أو فاعلهن-: ثلاث وثلاثون تسبيحة، وثلاث وثلاثون تحميدة، وأربع وثلاثون تكبيرة، في دبر كل صلاة)143.
خامسًا: التسبيح بعد النصر:
إن النصر بيد الله عز وجل، يمتن به على من يشاء من عباده، قال تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [آل عمران: ١٢٦].
فإذا أنعم الله عز وجل على الأمة بالنصر على أعدائها، فعليها أن تجتهد في شكر ربها على هذه النعمة العظيمة، ولقد علم الله عز وجل الأمة المؤمنة كيف تشكر ربها عز وجل عند حصول نعمة النصر، وذلك من خلال تلك السورة العظيمة التي أنزلها الله عز وجل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم - وهي آخر سورة أنزلت كاملة على رسول الله صلى الله عليه وسلم -، موجهًا له كيف يقابل نعمة ربه بالنصر والفتح المبين.
قال تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵF ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽN ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆW) [النصر: ١ - ٣].
قال الإمام الطبري: «يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إذا جاءك نصر الله يا محمد على قومك من قريش، والفتح: فتح مكة (ﭷ ﭸ) من صنوف العرب وقبائلها (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) يقول: في دين الله الذي بعثك به أفواجًا، يعني: زمرًا، فوجًا فوجًا، (ﭿ ﮀ ﮁ) يقول: فسبح ربك وعظمه بحمده وشكره، على ما أنجز لك من وعده، وقوله: (ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) يقول: وسله أن يغفر ذنوبك؛ إنه كان ذا رجوع لعبده المطيع إلى ما يحب»144.
ومن هذه السورة الكريمة نعلم: أن من أعظم المواطن التي يشرع فيها التسبيح شكرًا لله عز وجل، موطن حصول النصر للمؤمنين.
ولقد امتثل النبي صلى الله عليه وسلم أمر ربه عز وجل فيما أمره به في هذه السورة، فعن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: كان صلى الله عليه وسلم يكثر -بعد نزول هذه السورة- أن يقول في ركوعه وسجوده: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي) يتأول القرآن145.
قال النووي في شرحه لهذا الحديث: «معنى يتأول القرآن: يعمل ما أمر به في قول الله عز وجل: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ)، وكان صلى الله عليه وسلم يقول هذا الكلام البديع في الجزالة، المستوفي ما أمر به في الآية، وكان يأتي به في الركوع والسجود؛ لأن حالة الصلاة أفضل من غيرها، فكان يختارها لأداء هذا الواجب الذي أمر به ليكون أكمل»146.
سادسًا: التسبيح عند الاستواء على المركوب:
يشرع للمسلم إذا ركب مركوبًا من دابة، أو سفينة، أو سيارة، أو طائرة، أو غيرها من وسائل النقل أن يسبح الله عز وجل تسبيحًا مقرونًا بالحمد والتهليل والتكبير والاستغفار، وذلك امتثالًا لقول الله عز وجل: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ: ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾO ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [الزخرف: ١٢ - ١٤].
ففي هذه الآيات يذكر الله عز وجل عباده بما خلق من أصناف المخلوقات المتنوعة، ويمتن سبحانه على عباده بما جعله لهم من أنواع المراكب التي يركبونها في البحر والبر، إلى حيث قصدوا في الأرض لمعايشهم ومطالبهم، ويعلمهم ما يقولون إذا استقروا على ظهور هذه المراكب، من تسبيح الله عز وجل، وشكره على نعمه، التي منها: تسخير هذه المراكب للناس، والتي لولاه سبحانه ما أطاقوها ولا ضبطوها؛ ولكنه سبحانه من لطفه وكرمه سخرها وذللها ويسر أسبابها، وهذا معنى قوله عز وجل: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ)147.
ولقد شرع الله عز وجل تسبيحه عند الاستواء خاصة (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ)؛ لأن العبد في هذا الموطن -موطن الشعور بالانتفاع بالنعمة- يكون أدعى لشكر النعمة، وأوقع في نفسه، وأبعد ما يكون عن الغفلة عنها148.
ولقد فعل النبي صلى الله عليه وسلم ما أمر الله به معلمًا الأمة كيفية الامتثال لأمر ربها عز وجل، فعن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجًا إلى سفر كبر ثلاثًا، ثم قال: (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون، اللهم إنا نسألك فى سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى...)149.
وفي مشروعية التسبيح عند الاستواء على ظهر المركوب شكرًا لنعمة الله عز وجل تذكير بمشروعية التسبيح عند الانتفاع بكل ما سخر الله عز وجل لنا في هذه الدنيا، فشكر النعمة واجب، ومن أعظم أوجه شكر المنعم سبحانه تسبيحه وتقديسه وتنزيهه، فسبحان الله وبحمده.
سابعًا: التسبيح عند الكرب:
فمن المواطن التي أشار القرآن الكريم إلى مشروعية التسبيح فيها أيضًا: موطن الكرب والشدة، فقد يتعرض العبد في هذه الدنيا إلى الوقوع في شدة أو كرب، يحتاج عندئذ إلى الالتجاء إلى من ينجي من الكرب، ويفرج الشدائد، و(ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [النمل: ٦٢].
ولقد علمنا ربنا عز وجل ماذا نقول في مناجاتنا له سبحانه عند الكرب، وذلك من خلال ما أخبر به سبحانه من قصة ذي النون عليه السلام، عندما ناجى ربه في الظلمات.
قال تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤu ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [الأنبياء: ٨٧- ٨٨].
فقد اشتمل دعاء ذي النون عليه السلام على التسبيح لله عز وجل، وبهذا نعلم أن التسبيح مشروع في موطن الكرب والشدة؛ ليكون فيه تضرع إلى الله عز وجل المنجي من الكرب.
ولقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن دعاء ذي النون عليه السلام في الكرب سبب لتفريج الله عز وجل عن المكروبين، فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له)150.
ذكر الله عز وجل التسبيح في كتابه العزيز مقيدًا بأوقات مخصوصة وأزمنة معينة، حاثًا عباده على الإكثار من تسبيحه في تلك الأوقات المباركة، ومن خلال تتبع الآيات التي ورد فيها ذلك151 يمكن أن نجملها بما يأتي:
أولًا: التسبيح في العشي والإبكار:
ورد الأمر بالتسبيح بالعشي والإبكار موجهًا إلى نبي الله زكريا عليه السلام، وذلك في قول الله تعالى: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [آل عمران: ٤١].
ففي هذه الآية: أمر الله عز وجل نبيه زكريا عليه السلام بأن يذكره كثيرًا، وبأن يسبحه في وقتين مخصوصين؛ وهما: العشي والإبكار152.
والعشي: هو من حين زوال الشمس إلى أن تغيب. قال الأزهري: «ويقع العشي على ما بين زوال الشمس إلى وقت غروبها، كل ذلك عشي، فإذا غابت الشمس فهو العشاء»153.
وأما الإبكار فهو مصدر أبكر، بمعنى خرج ما بين مطلع الفجر إلى وقت الضحى، فوقت الإبكار هو أول النهار، من الفجر إلى الضحى154، وبذلك يكون الله عز وجل قد أمر زكريا عليه السلام بأن يكثر من التسبيح في آخر النهار وأوله.
ومن الآيات التي ورد فيها التسبيح في وقتي العشي والإبكار أيضًا: ما ذكره الله عز وجل عن نبيه زكريا عليه السلام، (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [مريم: ١١].
فبعد أن أمره الله عز وجل بأن يكثر من ذكر ربه، ويداوم على تسبيحه في العشي والإبكار، خرج عليه السلام إلى قومه، وأشار إليهم بأن يسبحوا هم أيضًا في هذين الوقتين العظيمين؛ شكرًا لله عز وجل على ما أنعم عليه155.
ومن الآيات التي فيها أمرٌ بالتسبيح في وقتي العشي والإبكار: قول الله تعالى مخاطبًا رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [غافر: ٥٥].
وهذه الآية جاءت عقب الآيات التي أخبر الله عز وجل فيها عن قصة موسى عليه السلام مع فرعون، وذكر ما تعرض له عليه السلام من شدة وأذى من فرعون وملئه (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ³ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [غافر: ٢٣- ٢٤].
وذكر أخبار ذلك الرجل المؤمن الذي وقف في وجه فرعون نصرةً لموسى عليه السلام، باذلًا وسعه في هداية قومه وإرشادهم (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [غافر: ٢٨].
جاءت هذه الآية بعد ذلك تأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر تأسيًا بمن سبقه من الرسل والأنبياء، ومبشرةً له صلى الله عليه وسلم بأن (ﮍ ﮎ ﮏ) سينصر نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم كما نصر موسى عليه السلام، ثم أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يستغفر لذنبه156، وبأن يكثر من تسبيح ربه عز وجل وتنزيهه عند حلول الليل وعند تباكير الصباح، فإن هذا الاستغفار وذلك التسبيح خير زاد للوصول إلى السعادة، والفوز في الدنيا والآخرة157.
قال السعدي: «أمره بالصبر الذي فيه يحصل المحبوب، وبالاستغفار الذي فيه دفع المحذور، وبالتسبيح بحمد الله تعالى خصوصًا (ﮕ ﮖ) اللذين هما أفضل الأوقات، وفيهما من الأوراد والوظائف الواجبة والمستحبة ما فيهما؛ لأن في ذلك عونًا على جميع الأمور»158.
ومن الآيات التي ذكرت التسبيح في أول النهار وآخره: قول الله عز وجل مخبرًا عن عبده ونبيه داود عليه السلام: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [ص: ١٨- ١٩].
أي: إن الله تعالى سخر الجبال تسبح مع داود عليه السلام عند إشراق الشمس وآخر النهار، وكذلك كانت الطير تسبح بتسبيحه، وترجع بترجيعه؛ إذا مر به الطير وهو سابح في الهواء فسمعه وهو يترنم بقراءة الزبور لا يستطيع الذهاب؛ بل يقف في الهواء ويسبح معه، وتجيبه الجبال الشامخات ترجع معه وتسبح تبعًا له159.
ويًفهم من الآية أن نبي الله داود عليه السلام كان يسبح ربه تسبيحًا خاصًا في هذين الوقتين (ﭣ ﭤ)، وتسبح معه الجبال والطير فيهما، والإشراق الوارد في الآية: هو وقت شروق الشمس إلى وقت الضحى، وهو بذلك مرادف لوقت الإبكار الوارد في الآيات السابقة.
ثانيًا: التسبيح بكرة وأصيلًا:
ورد التسبيح في كتاب الله عز وجل مقيدًا بوقتي البكرة والأصيل في ثلاثة مواضع:
الموضع الأول: قول الله عز وجل: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [الأحزاب: ٤١- ٤٢].
ففي هاتين الآيتين: يأمر الله عز وجل عباده المؤمنين بكثرة ذكرهم لربهم تبارك وتعالى وبكثرة تسبيحه في الصباح والمساء؛ لما لهم في ذلك من جزيل الثواب وجميل المآب160.
فوقت البكرة هو وقت الإبكار، وهو -كما ذكرنا- أول النهار، أما الأصيل فهو الوقت من بعد العصر إلى غروب الشمس، وهو بذلك مرادف لوقت العشي، وحدده بعض أهل اللغة بأنه آخر العشي، قال ابن فارس: «الأصيل بعد العشي»161.
وذكر بعض المفسرين أن المقصود بالتسبيح بكرة وأصيلًا: صلاة الصبح وصلاة العصر162، والصلاة متضمنة للتسبيح ولاشك، وذكر بعضهم أن الله عز وجل يأمر في الآية بالتسبيح في كل الأوقات، مجددًا الزمان بطرفي نهاره وليله163.
والموضع الثاني: قول الله عز وجل: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ± ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [الفتح: ٨- ٩].
ففي الآية الأولى من هاتين الآيتين: بيان للوظيفة التي كلف الله عز وجل بها رسوله صلى الله عليه وسلم؛ من الشهادة على الناس، وتبشير المؤمنين، وإنذار العصاة والكافرين، وفي الآية الثانية: بيان للحكمة من إرسال الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي أن يقوم الناس بالإيمان بالله عز وجل وبرسوله صلى الله عليه وسلم، ويعظموا الرسول ويوقروه، ويسبحوا الله عز وجل أول النهار وآخره164.
أما الموضع الثالث: فهو قول الله تعالى: (ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [النور: ٣٦ - ٣٧].
وفي هاتين الآيتين: مدح لعمار بيوت الله عز وجل، الذين يديمون التسبيح له سبحانه في بيوته في أول النهار وآخره، «وخص هذين الوقتين لشرفهما، ولتيسر السير فيهما إلى الله عز وجل وسهولته، ويدخل في ذلك التسبيح في الصلاة وغيرها؛ ولهذا شرعت أذكار الصباح والمساء وأورادهما عند الصباح والمساء»165.
والمراد بالغدو الوارد في الآية: هو نفس وقت البكرة الوارد في الآيات السابقة، وهو وقت أول النهار166.
ثالثًا: التسبيح قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، وآناء الليل وأطراف النهار، وأدبار السجود:
ورد التسبيح في هذه الأزمنة في ثلاثة مواضع من كتاب الله عز وجل:
الموضع الأول: قول الله تعالى مخاطبًا نبيه صلى الله عليه وسلم: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [طه: ١٣٠].
لقد أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية بأن يصبر على ما يقوله المشركون المكذبون من أباطيل، وأمره بأن يسبح بحمد ربه في أوقات مخصوصة؛ وهي: قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها، وفي ساعات الليل، وفي ساعات النهار.
وقد ذهب كثير من المفسرين إلى أن المراد بالتسبيح في هذه الأوقات: هو الصلوات المكتوبة، فقد روى ابن أبي حاتم «عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) قال: هي الصلاة المكتوبة. وعن قتادة في قوله: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) قال: هي صلاة الفجر،(ﮐ ﮑ) قال: صلاة العصر، (ﮓ ﮔ ﮕ) قال: صلاة المغرب والعشاء، (ﮗ ﮘ) قال: صلاة الظهر»167.
ولا يخفى أن الصلاة مشتملة على تسبيح الله عز وجل، فيكون الأمر بالتسبيح هنا مشتملًا الأمر بالصلاة والأمر بالتسبيح فيها، فيكون المعنى: «وسبح بحمد ربك في صلاة الفجر قبل طلوع الشمس، وفي صلاة العصر قبل غروبها، وفي صلاة العشاء في ساعات الليل، وسبح بحمد ربك أطراف النهار في صلاة الظهر -إذ وقتها طرف النصف الأول والنصف الثاني من النهار- وفي صلاة المغرب؛ كي تثاب على هذه الأعمال بما ترضى به»168.
والموضع الثاني: قول الله عز وجل: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈY ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [ق: ٣٩ - ٤٠].
وهاتان الآيتان مماثلتان للآية السابقة، حيث أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر على ما يقوله المشركون، وهما أيضًا متضمنتان للأمر بالصلوات الخمس المفروضة؛ فالتسبيح قبل طلوع الشمس يشمل صلاة الفجر، والتسبيح قبل غروبها يشمل صلاة العصر، وقيل: يشمل الظهر والعصر، والتسبيح من الليل يشمل صلاتي المغرب والعشاء169.
«وللمفسرين في هذا التسبيح -أي التسبيح في أدبار السجود- ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنه الركعتان بعد صلاة المغرب. والثاني: أنه النوافل بعد المفروضات. والثالث: أنه التسبيح باللسان في أدبار الصلوات المكتوبات»170.
وفي أمر الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم بالتسبيح بعد أمره له بالصبر على أذى الكفار دليلٌ عظيمٌ على أن التسبيح فيه إعانة على الصبر المأمور به171.
والأمر بالتسبيح في نهاية الليل قد ورد أيضًا في قول الله تعالى: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉÜﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ) [الطور: ٤٨ - ٤٩].
فالمراد بإدبار النجوم وقت آخر الليل172، فيكون هذا الوقت داخلًا في وقت آناء الليل، وداخلًا أيضًا في وقت قبل طلوع الشمس.
أما الموضع الثالث: ففيه أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بالتسبيح في جزء طويل من الليل، وذلك قوله تعالى: (ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚí ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) [الإنسان: ٢٥ - ٢٦].
فأمر سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم -بعد أمره بالذكر بكرة وأصيلًا- بتسبيحه في مقدار من الليل طويل، والمراد بذلك: صلاة التهجد التي كانت مفروضة على النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل المراد بالتسبيح هنا: الذكر المطلق سواء كان في الصلاة أو في غيرها173.
رابعًا: التسبيح في الصباح والظهر والمساء وحين القيام:
ورد الأمر بالتسبيح في وقت الصباح والمساء والظهيرة موجهًا للمؤمنين جميعًا في قوله تعالى: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [الروم: ١٧ - ١٨].
وذهب كثير من المفسرين إلى أن المراد من هاتين الآيتين أمر المؤمنين بالصلوات الخمس؛ فقوله: (ﭟ ﭠ) أي: صلاة المغرب والعشاء، وقوله: (ﭡ ﭢ) أي: صلاة الصبح، وقوله: (ﭩ) أي: صلاة العصر (ﭪ ﭫ) أي: صلاة الظهر174.
وذهب بعض المفسرين إلى أن المراد بالتسبيح هنا معناه اللغوي، أي تنزيه الله عز وجل، فيكون المراد في الآية: الأمر بتنزيه الله عز وجل عما لا يليق به سبحانه، في وقت الصباح والمساء، وفي العشي، وفي وقت الظهيرة175.
ووقت المساء هو وقت إقبال الليل بظلامه، فيكون هذا أمرًا بالتسبيح في بعض الليل، كقوله تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [طه: ١٣٠].
وقوله: (ﭡ ﭢ) أي: تدخلون في الصباح، والصباح إسفار النهار بضيائه، وهذا الوقت مرادف لوقت البكرة والإبكار، ومرادف أيضًا لوقت قبل طلوع الشمس، وقوله: (ﭩ) أي حين تزول الشمس إلى المغيب، وهذا مرادف لوقت قبل غروب الشمس، وقوله: (ﭪ ﭫ) أي حين يشتد الضياء من النهار، وهذا الوقت داخل في وقت أطراف النهار176.
قال السعدي: «فهذه الأوقات الخمسة، أوقات الصلوات الخمس أمر الله عباده بالتسبيح فيها والحمد، ويدخل في ذلك الواجب منه، كالمشتملة عليه الصلوات الخمس، والمستحب، كأذكار الصباح والمساء، وأدبار الصلوات، وما يقترن بها من النوافل؛ لأن هذه الأوقات التي اختارها الله عز وجل أفضل من غيرها؛ فالتسبيح والتحميد والعبادة فيها أفضل من غيرها؛ بل العبادة وإن لم تشتمل على قول (سبحان الله) فإن الإخلاص فيها تنزيه لله عز وجل بالفعل أن يكون له شريك في العبادة، أو أن يستحق أحد من الخلق ما يستحقه سبحانه من الإخلاص والإنابة»177.
وذكر بعض المفسرين أن المراد: أن الله سبحانه أمر عباده بتنزيهه في هذه الأوقات؛ لما يتجدد فيها من النعم.
ويحتمل أن تكون هذه الأوقات كناية عن استغراق الزمان كله في التسبيح، فيكون العبد ذاكرًا ربه في كل وقت وعلى كل حال178.
أما الأمر بالتسبيح عند القيام فقد ورد في قول الله تعالى: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) [الطور: ٤٨].
وللمفسرين أقوال في المراد بقوله: (ﰈ ﰉ)، عدد ابن الجوزي ستة منها، أشهرها: أن المراد بذلك: حين تقوم من منامك للصلاة. وقيل: حين تقوم من مجلسك179، ورجح الإمام الطبري القول الأول180.
وفي ختام هذا المبحث تبين أن الله عز وجل جعل للتسبيح أوقاتًا مخصوصة، وأن هذه الأوقات قد شغلت معظم أوقات الإنسان -إن لم يكن كلها-.
ولعل الحكمة من تخصيص تلك الأوقات للتسبيح هي أن تعاقب هذه الأوقات وتتابعها، وما يحدث فيها من أمور مختلفة عجيبة دالة على قدرة الله عز وجل وعظمته، وذلك موجب لتسبيحه عز وجل وتنزيهه عن النقائص والعيوب.
ثم إن لهذه الأوقات مزية خاصة؛ حيث إن الله عز وجل خصصها لشرفها، ولتيسر السير فيها إلى الله عز وجل، فكان التسبيح لله سبحانه فيها من أحسن ما تنهض إليه عقول المؤمنين، وترطب به ألسنة الصالحين، تنزيهًا لله سبحانه، وتعظيمًا له وثناءً عليه181.
إن من تأمل في الآيات التي ورد فيها التسبيح في كتاب الله عز وجل يعلم -ولا ريب- مدى عظم هذه العبادة الجليلة، وعظم فوائدها على العبد المؤمن في الدنيا والآخرة، ونذكر فيما يأتي بعض هذه الفوائد:
أولًا: التسبيح من أعظم العبادات وأجل القربات إلى الله عز وجل.
فهو عبادة الملائكة المكرمين؛ بل هو عبادة المخلوقات جميعًا، (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [الإسراء: ٤٤].
ولقد ذكر الله عز وجل أنه أرسل رسوله ليقوم الناس بالإيمان، وليقوموا بتسبيح الله عز وجل، قال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ± ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [الفتح: ٨ - ٩].
وبهذا فإن العبد المؤمن يجتهد في تسبيح ربه عز وجل؛ في الليل والنهار، وفي السر والعلن، في الشدة والرخاء، مبتغيًا رضا الرحمن، مقتديًا بالملائكة الأطهار، راجيًا الأجر الجزيل والثواب العظيم من الله رب العالمين، سبحانه وتعالى.
ثانيًا: الفوز بثناء الله عز وجل.
إذ إن الله عز وجل قد أثنى في كتابه العزيز على عباده المسبحين، فقال سبحانه: (ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [النور: ٣٦ - ٣٨].
وفي موضع آخر مدح الله سبحانه عباده المسبحين فقال: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [السجدة: ١٥].
ثالثًا: التسبيح عون على الصبر، وسبب لزوال الكرب وضيق الصدر.
ولهذا أمر الله عز وجل به نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم في كثير من المواضع في القرآن الكريم؛ ليكون له فيه العون على الصبر، والفرج من الكرب، من ذلك قوله تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [طه: ١٣٠].
وقوله عز وجل: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹJ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [الحجر: ٩٧ - ٩٨].
ولقد نجا الله عز وجل نبيه يونس عليه السلام من الظلمات بسبب تسبيحه، قال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤu ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [الصافات: ١٤٣- ١٤٤].
رابعًا: التسبيح من أعظم ما يشكر به العبد ربه عز وجل على عطاياه التي لا تعد، ونعمه التي لا تحصى.
قال تعالى: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [الزخرف: ١٣].
خامسًا: التسبيح سبب لمغفرة الخطايا والذنوب.
ولقد رغبنا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما ترغيب، فمن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة؛ حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)182، وقال صلى الله عليه وسلم: (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)183.
سادسًا: التسبيح أفضل ما يستعد به العبد للقاء ربه عز وجل.
فقد اختاره الله عز وجل لنبيه وصفيه ليختم به أجله في هذه الدنيا، وليلقى به ربه عز وجل.
قال تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵF ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽN ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆW) [النصر: ١ - ٣].
موضوعات ذات صلة: |
الاستغفار، الحمد، الدعاء، الذكر، الصلاة |
1 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/١٢٥.
2 انظر: التسبيح في الكتاب والسنة، محمد كندو ١/٢٣.
3 جاء ذلك في حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن تفسير سبحان الله قال: هو تنزيه الله عن كل سوء، أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب الدعاء، ١/٥٠٢ ح١٨٠٢، وقال عنه: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.
4 جمع كثيرًا من تلك الأقوال الدكتور محمد كندو في كتابه التسبيح في الكتاب والسنة ١/٧٢-٧٥.
5 إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم ١/٨٣.
6 حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح ص٤٥٢.
7 انظر: المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، ص٦٣٨-٦٤٤.
8 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/ ١٢٥، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٢/٢٨٥.
9 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٥/٣٥٥٠.
10 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٣٩٦.
11 انظر: الفروق اللغوية، العسكري ص١٢٤.
12 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١/٤٠٦.
13 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ١/٣٨٨، اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ٢/٤٢٢.
14 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٦/٢٥.
15 انظر: أيسر التفاسير، الجزائري ٢/٤٩١.
16 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٩/٣٩٨.
17 انظر: جامع البيان، الطبري ٢١/٢٥٣، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١٢/١١٢.
18 الجامع لأحكام القرآن ١٦/١١٩.
19 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٧٠٨.
20 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١٢/٨٠٣.
21 هذه الآيات هي: الأنعام: ١٠٠، التوبة: ٣١، يونس: ١٨، النحل: ١، الإسراء: ٤٢-٤٣، الأنبياء: ٣١-٣٣، المؤمنون: ٩١، القصص: ٦٨، الروم: ٤٠، الطور: ٤٣.
22 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ٥/٣٨.
23 الوسيط، طنطاوي ٩/١٩٧.
24 التفسير القيم ص ٣٣٨.
25 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١٠/٤٧٩.
26 انظر: الكشاف، الزمخشري ٤/٥٨١.
27 هذه المواضع هي: الإسراء: ١، النمل: ٦-٧، الروم: ١٧-١٨، يس: ٣٦، ٢-٨٣، الصافات: ١٥٨-١٥٩، ١٨٠، الزمر: ٦٧، الحشر: ٢٣.
28 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٥٣.
29 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١٠/٣٩٣.
30 زاد المسير ٦/٢٩٣.
31 انظر: تفسير السمرقندي ٣/١١٦.
32 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٠/٥٥٧.
33 انظر: أيسر التفاسير، الجزائري ٤/٥٠٧.
34 التفسير الميسر، مجمع الملك فهد ص ٥٤٨.
35 هذه المواضع هي: البقرة: ٣٠-٣٢، الأعراف: ٢٠٦، الرعد: ١٣، الأنبياء: ١٩-٢٠، سبأ: ٤٠-٤١، الصافات: ١٦٤-١٦٦، الزمر: ٧٥، غافر: ٧، فصلت: ٣٨، الشورى: ٥.
36 انظر جامع البيان، الطبري ١/٤٧٢.
37 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الذكر والدعاء والتوبة، باب فضل سبحان الله وبحمده، رقم ٢٧٣١، ٤/٢٠٩٣.
38 الجامع لأحكام القرآن ١/٢٧٦.
39 انظر: جامع البيان، الطبري ١/٤٩٣، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٣٥٠.
40 انظر: تفسير السمرقندي ٣/٨٨، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٦٨١.
41 انظر: جامع البيان، الطبري ١٣/٣٥٧.
42 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ٤/٤٥٠.
43 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٩/٣٩٦.
44 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٧/٣٦.
45 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٦٨١.
46 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٧/١٣٤، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١٢/١٦٣.
47 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٧٣٢.
48 جامع البيان، الطبري ٢١/٣٥٤.
49 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١٢/٩٠٩.
50 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٧٣٢.
51 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٣٤٤.
52 ذكر المفسرون أن المراد بالصافات الملائكة الصافات لربها في السماء.
انظر: جامع البيان، الطبري ٢١/٥٥٧.
53 أخرجه الطبري في تفسيره ٢١/١٢٨.
54 تفسير القرآن العظيم ١٢/٨٠٠.
55 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ٥/٣٦٦، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٣/١٠٤.
56 أخرجه البيهقي في شعب الإيمان موقوفًا على كعب الأحبار، ١٥٨، ١/٣١٧، وانظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٩/٣٩٧.
57 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ٤/٣١٤.
58 انظر: التسبيح في الكتاب والسنة، محمد كندو ١/٢٩٢.
59 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٩/٤٣٤.
60 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٥٢٩.
61 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ٧/٨٧.
62 انظر: جامع البيان، الطبري ٢١/١٠٨.
63 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٥٢٩.
64 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١١/٣٣٤، الوسيط، طنطاوي ٩/٢٤٥.
65 أخرجه الترمذي في سننه، كتاب الدعوات، باب رقم ٨٢، ٥/٤٨٤، رقم ٣٥٠٥، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع رقم ٣٣٨٣.
66 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٣/٢٧٥.
67 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٢/٣٥٤.
68 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٣٠٢.
69 انظر: جامع البيان، الطبري ١٣/١٠٤.
70 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٥٠٤، أيسر التفاسير، الجزائري ٣/٣٤٦.
71 انظر: تفسير السمرقندي ٢/٤٣٤، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١١/٣١٩.
72 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١١/٢٦١.
73 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٩٠.
74 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٩/٢٢٠.
75 انظر: أيسر التفاسير، الجزائري ٢/٣٢.
76 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٧/١١٣.
77 من هذه الآيات: الحجر: ٩٨، طه: ١٣٠، الفرقان: ٥٨، غافر: ٥٥، ق: ٣٩-٤٠، الواقعة: ٩٦، الإنسان: ٢٦، الأعلى: ١، النصر: ٦.
78 سورة الإنسان مدنية عند جمهور المفسرين، ومكية عند بعضهم.
انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ٨/٤٢٧، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٩/١١٨.
79 ورد ذلك في حديث حذيفة رضي الله عنه الذي أخرجه أبو داود في سننه، كتاب التطوع، باب وقت قيام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل، رقم ١٣٢١، ١/٥٠٧.
والحديث حسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود ١/٢٤٥، رقم ١١٧١.
80 انظر: الوسيط، طنطاوي ١٠/٢١٣.
81 التفسير المنير ٣٠/٤٥٢.
82 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١٦١.
83 انظر: جامع البيان، الطبري ٧/٤٧٦.
84 انظر: جامع البيان، الطبري ١٧/٥٧٧، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٩/٩١.
85 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٩/٩١.
86 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ١٨/٢٥٠.
87 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٣٦١.
88 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٦٧.
89 الكشاف ٥/٧٧.
90 انظر: الوسيط، طنطاوي ١٣/٢٦٥.
91 تيسير الكريم الرحمن ص٧٩٢.
92 انظر: المصدر السابق ص٥٦٣.
93 الجامع لأحكام القرآن ١٢/٢٠٥.
94 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ٦/٢٢، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١٠/١٩٥.
95 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١٢/٣٠١.
96 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٥/١٧٤.
97 المصدر السابق ٢٥/١٧٤.
98 تيسير الكريم الرحمن ص٣٥٨.
99 هذه السور هي: الرعد: ١٣، والإسراء: ٤٤، والأنبياء: ٧٩، والنور: ٤١، وص: ١٨، والحديد: ١، والحشر: ٢٤،١، والصف: ١، والجمعة: ١، والتغابن: ١.
100 انظر: جامع البيان، الطبري ١٧/٤٥٦، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤٥٨.
101 الوسيط ٨/٣٥٩.
102 تفسير القرآن العظيم ١٣/٥٣٩.
103 انظر: جامع البيان، الطبري ١٩/٢٠٠، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥٧٠.
104 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٨/٣،٤.
105 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٧/٣٥٧.
106 فتح القدير ٥/٢٣٣.
107 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٨٥٤، أيسر التفاسير، الجزائري ٥/٣١٧.
108 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ٤/٣١٤، المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/٣٠٣.
109 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥٢٨.
110 الجامع لأحكام القرآن ١١/٣١٩.
111 انظر: جامع البيان، الطبري ٢١/١٦٨، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١٢/٨١٥.
112 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٧/١١٣.
113 انظر: جامع البيان، الطبري ١٩/٢٤٨، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١٠/٢٩١.
114 وردت هذه الصيغة من صيغ التسبيح في المواضع التالية من كتاب الله عز وجل: البقرة: ١١٦، والنساء: ١٧١، والأنعام: ١٠٠، والتوبة: ٣١، ويونس: ١٨، ٦٨، والنحل: ١، ٥٧، والإسراء: ٤٣، ومريم: ٣٥، والأنبياء: ٢٦، والروم: ٤٠، والزمر: ٤، ٦٧.
115 هذه الآيات هي: البقرة: ٣٢، آل عمران: ١٩١، المائدة: ١١٦، الأعراف: ١٤٣، يونس:١٠، الأنبياء: ٨٧، النور: ١٦، الفرقان: ١٨، سبأ: ٤١.
116 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٤/٢٨٤، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٣/٦٦.
117 جامع البيان ٢٠/٨٣.
118 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٦٣٨.
119 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤٦٦.
120 التحرير والتنوير ٢٥/٢٦٦.
121 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٩/٩١.
122 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٨/٢٤٤، أيسر التفاسير، الجزائري ٥/٤١٢.
123 ورد ذلك في أربع آيات من كتاب الله عز وجل، وهذه الآيات هي: طه: ١٣٠، غافر: ٥٥، ق: ٣٩، الطور: ٤٨.
124 الآيتان هما: الحجر: ٩٨، النصر: ٣.
125 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، رقم ٤٩٦٧، ٦/١٧٨، عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
126 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الذكر والدعاء، باب فضل سبحان الله وبحمده، ٤/٢٠٩٣، رقم ٢٧٣١، عن أبي ذر رضي الله عنه.
127 انظر: قاعدة حسنة في الباقيات الصالحات، ابن تيمية ص ٢٢.
128 سبق تخريجه في الحديث السابق.
129 وردت هذه الآية في كتاب الله عز وجل في ثلاث مواضع: الواقعة: ٧٤، ٩٦، الحاقة: ٥٢.
130 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣٠/٢٧٣.
131 التفسير القيم ٢/١٨٥.
132 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ١٧٤٥٠، ٤/١٥٥، وأبو داود في سننه، تفريع أبواب الركوع والسجود، باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده، ١/٢٣٠، رقم ٨٦٩، وابن ماجه في سننه، كتاب إقامة الصلاة، باب التسبيح في الركوع والسجود، ١/٢٨٧، رقم ٨٨٧، والحاكم في المستدرك، رقم ٣٧٤٢، ٢/٤٧٧.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وتعقبه الذهبي بقوله: إياس ابن عامر الراوي عن عقبة ليس بالمعروف.
133 جامع البيان ١٧/٥٥٥.
134 التسبيح في الكتاب والسنة/ محمد كنده ٢/١٨.
135 التفسير المنير، الزحيلي ٤/٢٠٧.
136 التحرير والتنوير ١٥/٩.
137 تفسير القرآن العظيم ١١/٣٨٧.
138 انظر: التسبيح في الكتاب والسنة، محمد كندو ٢/١٧.
139 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٠/٣٣١.
140 انظر: التسبيح في الكتاب والسنة، محمد كندو ٢/١٨.
141 الوسيط، طنطاوي ١٠/٩٨.
142 جامع البيان ٢٢/٣٧٧.
143 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد، باب استحباب الذكر بعد الصلاة، رقم ١٣٧٨، ٢/٩٨.
144 جامع البيان ٢٤/٦٧١.
145 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، رقم ١١١٢، ٢/٥٠
146 المنهاج شرح صحيح مسلم، ٤/٢٠١.
147 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١٢/٦٧٠، أضواء البيان، الشنقيطي ٧/٨٧.
148 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٥/١٧٤.
149 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب ما يقول إذا ركب إلى سفر، رقم ٣٣٣٩، ٤/١٠٤.
150 سبق تخريجه.
151 بلغ عدد المواضع التي ورد فيها التسبيح مقيدًا بزمن معين في كتاب الله عز وجل اثني عشر موضعًا، في اثنتي عشرة سورة، وهذه المواضع هي: آل عمران: ٤١، مريم: ١١، طه: ١٣٠، النور: ٣٦، الروم: ١٧-١٨، الأحزاب: ٤٢، ص ١٨، غافر: ٥٥، الفتح: ٩، ق: ٣٩-٤٠، الطور: ٤٩، الإنسان: ٢٦.
152 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٥٨.
153 تهذيب اللغة ٣/٥٨.
154 انظر: جامع البيان، الطبري ٦/٣٩٢، الوسيط، الواحدي ص٢٠٩
155 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٩/٢٢٠.
156 قال القرطبي في معنى لذنبك: «قيل: لذنب أمتك، حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، وقيل: لذنب نفسك على من يجوز الصغائر على الأنبياء، ومن قال لا تجوز قال: هذا تعبد للنبي عليه السلام بدعاء، والفائدة زيادة الدرجات، وأن يصير الدعاء سنة لمن بعده، وقيل: فاستغفر الله من ذنب صدر منك قبل النبوة». الجامع لأحكام القرآن ١٥/٣٢٤.
157 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٥/٣٢٤.
158 تيسير الكريم الرحمن ص٧٣٩.
159 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١٢/٨٠.
160 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١١/١٨٠.
161 تهذيب اللغة ١/١١٠.
162 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٠/٢٧٩.
163 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٣٨٨.
164 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٧٩٢.
165 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥٦٩.
166 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ٢/١٤٧.
167 تفسير القرآن العظيم، ابن أبي حاتم ٧/٢٢٢٥.
168 التفسير الميسر، مجمع الملك فهد ص٣٢١.
169 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٧/٣٦٤، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٧/٢٤.
170 زاد المسير، ابن الجوزي ٨/٢٣.
171 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٧/٤٣٢.
172 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ص ٢٥١.
173 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٩/١٥٠، إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٩/٧٦.
174 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٠/٨٣.
175 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٤/٣١١.
176 انظر: الدر المصون، السمين الحلبي ٩/٣٦.
177 تيسير الكريم الرحمن ص٦٣٨.
178 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ٧/١٦١.
179 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ٨/٦٠.
180 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٢/٤٨٩.
181 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥٦٩.
182 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الدعوات، باب فضل التسبيح، رقم ٦٤٠٥، ٨/٨٦.
183 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: ونضع الموازين القسط ليوم القيامة، رقم ٧٥٦٣، ٩/١٦٢.