عناصر الموضوع
التسخير
أولًا:المعنى اللغوي:
قال ابن فارس: «سخر: السين والخاء والراء أصل مطرد مستقيم يدل على احتقار واستذلال، من ذلك قولنا سخر الله عز وجل الشيء، وذلك إذا ذلله لأمره وإرادته، ثم قال: ومن الباب: سخرت منه، إذا هزئت به، ولا يزالون يقولون: سخرت به، وفي كتاب الله تعالى: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [هود: ٣٨]»1.
والتسخير: تذليل الشيء وجعله منقادًا للآخر وسوقه إلى الغرض المختص به قهرًا، ومنه قوله تعالى: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [إبراهيم: ٣٣]. أي: ذللهما، وكل ما ذل وانقاد أو تهيأ لك على ما تريد فقد سخر لك2.
فالتسخير له معنيان:
الأول: التسخير والتذليل، ومنه قوله تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [المؤمنون: ١١٠].
والثاني: السخرية والاحتقار، ومنه قوله: (ﮅ ﮆ ﮇ) [المؤمنون: ١١٠].
وقد استعمل القرآن الكريم هذا المعنى اللغوي للتسخير، وعلى ذلك وردت أقوال المفسرين في بيان هذه اللفظة كما سيأتي.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
والتسخير اصطلاحًا: تذليل الشيء وجعله منقادًا للآخر، وسوقه إلى الغرض المختص به قهرًا.
ومنه قوله تعالى: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [إبراهيم: ٣٣]3.
قال ابن عاشور: «والتسخير حقيقته تذليل ذي عمل شاق، أو شاغل بقهر وتخويف، أو بتعليم وسياسة بدون عوض»4.
وردت مادة (سخر) في القرآن (٤٢) مرة، يخص التسخير منها (٢٧) مرة5.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
٢٢ |
(ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [النحل:١٤] |
المصدر |
١ |
(ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [الزخرف:٣٢] |
اسم المفعول |
٤ |
(ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [البقرة:١٦٤] |
وجاء (التسخير) في القرآن بمعناه اللغوي العام، وهو السياقة إلى الغرض المختص قهرًا6، ومنه تسخير العبيد والأسرى، وتسخير البهائم، وكذلك تصريف الشيء غير ذي الإرادة، في عمل عجيب، يصعب استعماله فيه، بحيلة أو إلهام؛ كتسخير الفلك للمخر في البحر بالريح، وتسخير السحاب للأمطار، وتسخير النهار للعمل، والليل للسكون، وتسخير الليل للسير في الصيف، والشمس للدفء في الشتاء، والظل للتبرد7.
التذليل:
الذل لغة:
ضد العز، ومنه: التذليل، وهو الخضوع والانقياد والاستكانة، واللين، ومنه قوله تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [يس: ٧٢]. أي: وصيرناها سهلة غير مستعصية عليهم في شيء مما يريدون بها8.
التذليل اصطلاحًا:
الخضوع والانقياد والاستكانة، واللين، ومنه قوله تعالى: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [النحل: ٦٩]. أي: منقادة غير متصعبة9.
والتذليل: جعل الشيء منقادًا من غير صعوبة، وتسهيله على وجه ينتفع منه العباد10.
الصلة بين التسخير والتذليل:
أنهما بمعنى واحد، وهو تذليل الشيء، وجعله منقادًا للآخر، وسوقه إلى الغرض المختص به قهرًا، وبينهما عموم وخصوص، فالتذليل يخص الله كما يخص البشر، بينما التسخير فلا يسخر إلا الله11.
الانقياد:
الانقياد لغة:
الخضوع والطاعة والإذعان، تقول: قدته فانقاد، واستقاد لي، إذا أعطاك مقادته،
وانقاد فلان للأمر وأعطى القياد إذا أذعن طوعًا أو كرهًا12.
الانقياد اصطلاحًا:
الخضوع والذل والطاعة والإذعان، يقال: انقاد للأمر والطريق سهل واستقام13، ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي له.
الصلة بين التسخير والانقياد:
أنهما بمعنى واحد، وهو: تذليل الشيء وجعله منقادًا للآخر، وسوقه إلى الغرض المختص به قهرًا، والتسخير أعم من الانقياد، فيشمل ما كان داخلًا تحت قدرة الإنسان وتسخيره حقيقة، كالحيوان، وما كان داخلًا تحت تصرفه بتسخير وإلهام وتعليم، كتسخير الفلك14.
التسليط:
التسليط لغة:
التغليب، وإطلاق القهر والقدرة، يقال: سلطه الله عليه، أي: جعل له عليه قوة وقهرا، ومنه قوله تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [النساء: ٩٠]15.
التسليط اصطلاحًا:
التحكم، والتمكين، والسيطرة، والقوة، والقهر، والغلبة، قال تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [النساء: ٩٠]16، ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي له.
الصلة بين التسخير والتسليط:
أنهما بمعنى واحد، وهو: تذليل الشيء وجعله منقادًا للآخر، وسوقه إلى الغرض المختص به قهرًا، ولكن التسخير يقال في المحبوب والمكروه، والتسليط يقال في المكروه.
إن تسخير هذا الكون بما فيه من المنافع لهذا الإنسان العاجز الضعيف، فيه دلالة على الربوبية والألوهية وصفات الله تعالى، كما أنها تدل على البعث والنشور، وبيان ذلك من خلال النقاط الآتية:
أولًا: دلالاته على الربوبية والألوهية:
لقد ذكر القرآن الكريم دلالة التسخير على الربوبية والألوهية.
قال تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [النحل: ١٢].
الرب: هو السيد والمالك، والخالق والمدبر، والمربي والمصلح، والقيم والمنعم، والإله: هو المعبود، أي: الذي يتوجه إليه الإنسان عند الشعور بالحاجة إلى ما يعجز عنه بكسبه ومساعدة الأسباب له، فيدعوه لكشف الضر أو جلب النفع، ويتقرب إليه بالأقوال والأعمال التي يرجى أن ترضيه، وأما اسم الجلالة الأعظم (الله) فهو اسم لرب العالمين، خالق الخلق أجمعين، الذي ينفي الموحدون الحنفاء ربوبية غيره وألوهية سواه، ويقول بعض المشركين: إنه أكبر الأرباب أو رئيسهم، وأعظم الآلهة أو مرجعهم الذي يشفعون عنده، وكان مشركو العرب وأمثالهم ينفون وجود رب سواه، وإنما يعبدون آلهة تقربهم إليه17.
يخبر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه سخر لخلقه خمسة أشياء عظام، وهي: الليل، والنهار، والشمس، والقمر، والنجوم، وفيها من عظيم نعمته ما لا يعلمه إلا هو، وفيها الدلالات الواضحات لأهل العقول: على أنه الواحد المستحق لأن يعبد وحده، وكرر في القرآن ذكر إنعامه بتسخير هذه الأشياء، وأنها من أعظم أدلة وحدانيته واستحقاقه للعبادة وحده؛ كقوله تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [الرعد: ٢].
افتتح الآية باسم الجلالة دون الضمير الذي يعود إلى (ﭛ) [الرعد: ١]، لأنه معين به لا يشتبه غيره من آلهتهم ليكون الخبر المقصود جاريا على معين لا يحتمل غيره؛ إبلاغا في قطع شائبة الإشراك، والذي رفع هو الخبر، وجعل اسم موصول لكون الصلة معلومة الدلالة على أن من تثبت له هو المتوحد بالربوبية؛ إذ لا يستطيع مثل تلك الصلة غير المتوحد ولأنه مسلم له ذلك، (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [العنكبوت: ٦١]18.
وقوله جل جلاله: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [الأعراف: ٥٤].
وإغشاؤه الليل النهار: هو تسخيرهما، وقوله سبحانه: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [إبراهيم: ٣٣].
وقوله جل وعلا: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [يس: ٣٧-٣٩].
فقد بين سبحانه إلهيته وربوبيته: بأن هذا الكون وكل ما فيه من الخيرات الكثيرة والنعم العظيمة؛ فهي منه، وتحت تدبيره وتسخيره، فيجب على عباده أن يشكروه عليها، ويعبدوه دون غيره مما عبدوه معه وليس له من الخلق ولا من الأمر شيء19.
قال سيد قطب عند تفسير قوله تعالى: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [الزمر: ٥].
«وهذه اللفتة إلى ملكوت السماوات والأرض، وإلى ظاهرة الليل والنهار، وإلى تسخير الشمس والقمر، توحي إلى الفطرة بحقيقة الألوهية التي لا يليق معها أن يكون هناك ولد ولا شريك، فالذي يخلق هذا الخلق وينشئه إنشاء، لا يحتاج إلى الولد ولا يكون معه شريك، وآية الوحدانية ظاهرة في طريقة خلق السماوات والأرض، وفي الناموس الذي يحكم الكون، والنظر المجرد إلى السماوات والأرض يوحي بوحدة الإرادة الخالقة المدبرة»20.
ثانيًا: دلالاته على أسماء الله وصفاته:
لقد ذكر القرآن الكريم دلالة التسخير على أسماء الله وصفاته.
قال تعالى: (ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ) [الجاثية: ١٢-١٣].
يخبر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن من فضله وإنعامه أنه سخر لخلقه هذا الكون بما فيه، فلا يوجد شيء في هذا الكون إلا وللإنسان به انتفاع من وجوه، فهو سبحانه الذي خلق البحر بهذه الخصائص، وخلق مادة الفلك بهذه الخصائص، وجعل خصائص الضغط الجوي، وسرعة الرياح، وجاذبية الأرض، وسائر الخصائص الكونية الأخرى؛ مساعدة على أن تجري الفلك في البحر، وهدى الإنسان إلى هذا كله، فأمكنه أن ينتفع به، وأن ينتفع كذلك بالبحر في نواح أخرى: (ﯾ ﯿ ﰀ)، كالصيد للطعام وللزينة، وكذلك التجارة، والمعرفة، والتجربة، والرياضة، والنزهة، وسائر ما يبتغيه الحي من فضل الله في البحار، فالسماء لهم بناء، والأرض لهم مهاد، وفي البحر منافع عظيمة، والشمس ضياء، وفي كل مخلوق من هذه المخلوقات منافع، وقد هدى الله تعالى الإنسان للانتفاع بهذه النعم21.
وقوله تعالى: (ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ)، هذا تعميم بعد تخصيص اقتضاه الاهتمام أولًا، ثم التعميم ثانيًا، فمن تخصيص البحر بالذكر إلى التعميم والشمول، فلقد سخر الله لهذا الإنسان ما في السماوات وما في الأرض، من قوى وطاقات، ونعم وخيرات، مما يصلح له ويدخل في دائرة خلافته: (ﰌ ﰍ)، فكل شيء في هذا الوجود منه وإليه، وهو منشئه ومدبره، وهو مسخره أو مسلطه، وهذا المخلوق الصغير الإنسان، مزود من الله بالاستعداد لمعرفة طرف من النواميس الكونية، وأتاح لهم الانتفاع به في كل وجه من وجوه الانتفاع، حسب استعدادهم وقدرتهم على التصرف فيه22.
وقوله تعالى: (ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ)، أي: في ذلك المذكور من خلقها وتدبيرها وتسخيرها؛ دالٌ على نفوذ مشيئة الله وكمال قدرته، وما فيها من الإحكام والإتقان وبديع الصنعة وحسن الخلقة دالٌ على كمال حكمته وعلمه، وما فيها من السعة والعظمة والكثرة دالٌ على سعة ملكه وسلطانه، وما فيها من التخصيصات والأشياء المتضادات دليل على أنه الفعال لما يريد، وما فيها من المنافع والمصالح الدينية والدنيوية دليل على سعة رحمته، وشمول فضله وإحسانه، وبديع لطفه وبره، وكل ذلك دالٌ على أنه وحده المألوه المعبود الذي لا تنبغي العبادة والذل والمحبة إلا له، وأن رسله صادقون فيما جاءوا به، فهذه أدلة عقلية واضحة لا تقبل ريبًا ولا شكًا23.
قال الرازي: «وأما الاستدلال بأحوال الشمس والقمر: فهو قوله سبحانه وتعالى: (ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [الرعد: ٢].
واعلم أن هذا الكلام اشتمل على نوعين من الدلالة: النوع الأول: قوله: (ﭰ ﭱ ﭲ)، وحاصله يرجع إلى الاستدلال على وجود الصانع القادر القاهر بحركات هذه الأجرام، وذلك لأن الأجسام متماثلة، فهذه الأجرام قابلة للحركة والسكون، فاختصاصها بالحركة الدائمة دون السكون لا بد له من مخصص، وأيضًا أن كل واحدة من تلك الحركات مختصة بكيفية معينة من البطء والسرعة، فلا بد أيضًا من مخصص، لا سيما عند من يقول الحركة البطيئة معناها حركات مخلوطة بسكنات، وهذا يوجب الاعتراف بأنها تتحرك في بعض الأحياز وتسكن في البعض، فحصول الحركة في ذلك الحيز المعين والسكون في الحيز الآخر؛ لا بد فيه أيضًا من مرجح....
ثم قال: والنوع الثاني: من الدلائل المذكورة في هذه الآية قوله: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ)، وفيه قولان:
الأول: قال ابن عباس: للشمس مائة وثمانون منزلًا، كل يوم لها منزل، وذلك يتم في ستة أشهر، ثم إنها تعود مرة أخرى إلى واحد منها في ستة أشهر أخرى، وكذلك القمر له ثمانية وعشرون منزلا، فالمراد بقوله: كل يجري لأجل مسمى هذا، وتحقيقه: أنه تعالى قدر لكل واحد من هذه الكواكب سيرًا خاصًا إلى جهة خاصة، بمقدار خاص من السرعة والبطء، ومتى كان الأمر كذلك لزم أن يكون لها بحسب كل لحظة ولمحة حالة أخرى ما كانت حاصلة قبل ذلك.
والقول الثاني: أن المراد: كونهما متحركين إلى يوم القيامة، وعند مجيء ذلك اليوم تنقطع هذه الحركات وتبطل تلك السيرات، كما وصف الله تعالى ذلك في قوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [التكوير: ١-٢]»24.
وقال المهايمي: «إن ربط العالم بعضه ببعض دليل توحيده، وجعل البعض سبب البعض، دليل حكمته، وجعل الكل مسخرًا للإنسان، دليل كمال جوده، فمن أنكر هذه الآيات ولم يشكر هذه النعم، استوجب أعظم وجوه الانتقام»25.
ثالثًا: دلالاته على البعث:
لقد ذكر القرآن الكريم دلالة التسخير على البعث.
قال تعالى: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [الزمر: ٥].
وقال سبحانه: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [الرعد: ٢].
فقد بين سبحانه أن هذا الكون وكل ما فيه من الخيرات الكثيرة والنعم العظيمة، وهذه الصفات الدالة على كمال قدرته، دليل على قدرته في البعث والإعادة، فخلق السماوات والأرض، وتسخير الشمس والقمر؛ هو تذليلهما للعمل على ما جعل الله لهما من نظام السير، سير المتبوع والتابع.
وعطفت جملة (ﯬ ﯭ ﯮ) على جملة (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) ؛ لأن ذلك التسخير مناسب لتكوير الليل على النهار وعكسه، فإن ذلك التكوير من آثار ذلك التسخير. فتلك المناسبة اقتضت عطف الجملة التي تضمنته على الجملة التي قبلها.
والأجل: هو أجل فنائهما، فإن جريهما لما كان فيه تقريب فنائهما جعل جريهما كأنه لأجل الأجل، أي: لأجل ما يطلبه ويقتضيه أجل البقاء.
ويجوز أن يكون المراد بالأجل: أجل حياة الناس الذي ينتهي بانتهاء الأعمار المختلفة، وليس العمر إلا أوقاتًا محدودة وأنفاسًا معدودة، وجري الشمس والقمر تحسب به تلك الأوقات والأنفاس، فصار جريهما كأنه لأجل.
والمسمى: المجعول له وسم، أي: ما به يعين، وهو ما عينه الله لأن يبلغ إليه.
ويشهد لهذا حديث أبي ذر، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يومًا: (أتدرون أين تذهب هذه الشمس؟) قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: (إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش، فتخر ساجدة، فلا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي، ارجعي من حيث جئت، فترجع فتصبح طالعة من مطلعها، ثم تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش، فتخر ساجدة، ولا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي، ارجعي من حيث جئت، فترجع فتصبح طالعة من مطلعها، ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئًا حتى تنتهي إلى مستقرها ذاك تحت العرش، فيقال لها: ارتفعي أصبحي طالعة من مغربك، فتصبح طالعة من مغربها)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتدرون متى ذاكم؟ ذاك حين (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [الأنعام: ١٥٨])2627.
وقوله تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ)، أي: أن الذي فعل هذه الأفعال وأنعم على خلقه هذه النعم، هو العزيز في انتقامه ممن عاداه، الغفار لذنوب عباده التائبين إليه منها بعفوه لهم عنها، والجملة استئناف ابتدائي، هو في معنى الوعيد والوعد، فإن وصف العزيز كناية عن أنه يفعل ما يشاء لا غالب له، فلا تجدي المشركين عبادة أوليائهم، ووصف الغفار مؤذن باستدعائهم إلى التوبة باتباع الإسلام، وفي وصف الغفار مناسبة لذكر الأجل؛ لأن المغفرة يظهر أثرها بعد البعث الذي يكون بعد الموت، وانتهاء الأجل تحريضا على البدار بالتوبة قبل الموت حين يفوت التدارك28.
وقوله تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ)، أي: يبين الآيات التي تدل على أن من قدر على خلق هذه الأشياء وتسخيرها قادر على البعث والإعادة، (ﮀ)، أي: تتيقنوا وتتحققوا، أو لتعلموا علم اليقين القاطع الذي لا شك فيه أن الله قادر على البعث والإعادة، والحساب والجزاء، وإحياء الموتى من القبور في أي مكان دفنوا، في البر أو البحر أو في أجواف الحيوان29.
قال الشوكاني: «والمراد من هذا: تنبيه العباد أن من قدر على هذه الأشياء فهو قادر على البعث والإعادة، ولذا قال: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [الرعد: ٢]. أي: لعلكم عند مشاهدة هذه الآيات توقنون بذلك لا تشكون فيه، ولا تمترون في صدقه»30.
إن الله تعالى سخر كل ما في هذا الكون لخدمة العباد واستخراج جميع ما فيها من المنافع والخيرات الدينية والدنيوية، فسخر الشمس والقمر والأرض وسخر ما يركب ويؤكل ويلبس، وبيان ذلك من خلال النقاط الآتية:
أولًا: تسخير الشمس:
من نعم الله العظيمة تسخير الشمس في منافع العباد.
قال تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [الأعراف: ٥٤].
وقال سبحانه: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [النحل: ١٢].
بينت الآيات: أن من نعم الله على العباد تسخير الشمس والقمر لمنافعهم، وتأثير الشمس والقمر أظهر الآثار السماوية، وتأثير الشمس أظهر من تأثير القمر، وأظهر الآثار بعد الشعاع التسخين الحاصل منه، ولولا ذلك ما كان كون ولا فساد، ولا استحالة ولا ليل، ولا نهار ولا فصول، ولا مزاج ولا حيوانات، ولا غيرها، ومن آثارهما انتشار الضوء31، ومعرفة عدد السنين والحساب، وتأثيرهما في إزالة الظلمة، وإصلاح النبات والحيوان، فالشمس سلطان النهار، والقمر سلطان الليل، فلولا الشمس لما حصلت الفصول الأربعة، ولولاها لاختلت مصالح العالم بالكلية32.
ومنافع الشمس والقمر اللذين سخرهما الله لأهل الأرض لا يحصيها إلا الله، وقدم القرآن الكريم ذكر الشمس على القمر، لأن نعمة الشمس أكثر نفعًا وأعم فضلًا من نعمة القمر.
قال تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [نوح: ١٦].
وقدم هنا القمر على الشمس، قيل: لمراعاة الفاصلة، وقيل: لأن انتفاع أهل السموات العائد عليهن الضمير به أكثر33.
وقال سبحانه: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [يونس: ٥].
وقال جل وعلا: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [الإسراء: ١٢].
إلى غير ذلك من الآيات المبينة لذلك التسخير لأهل الأرض34.
وقوله تعالى: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [إبراهيم: ٣٣].
أي: دائمين في سيرهما وإنارتهما ودرئهما الظلمات، وإصلاحهما ما يصلحان من الأرض والأبدان والنبات، وأصل الدأب: العادة المستمرة 35.
قال علي صبح: «ومن روعة الإعجاز في التصوير القرآني في مجال ذكر النعم التي سخرها الله تعالى لعباده؛ لينتفعوا بها، مع تأتي النعمة الأكثر نفعًا والأعظم فضلًا للعباد متقدمة على ما دونها في النفع والفضل؛ لذلك تقدمت الشمس على القمر، لأن نعمة الشمس أكثر نفعًا وأعم فضلًا من نعمة القمر، ويؤيد هذا اتساق الآيات بعضها مع بعض، وتلاؤم ما بعدها وما قبلها في ترابط وتلاحم وثيق»36.
وقال سيد قطب: «إن هذا المخلوق الصغير.. الإنسان.. يحظى من رعاية الله سبحانه بالقسط الوافر، الذي يتيح له أن يسخر هذه الخلائق الكونية الهائلة، وينتفع بها على شتى الوجوه، وذلك بالاهتداء إلى سنن الكون الإلهي الذي يحكمها، والذي تسير وفقه ولا تعصاه! ولولا هذا الاهتداء إلى طرف السر ما استطاع الإنسان بقوته الهزيلة المحدودة أن ينتفع بشيء من قوى الكون الهائلة، بل ما استطاع أن يعيش معها وهو هذا القزم الصغير، وهي هذه المردة الجبابرة من القوى والطاقات والأحجام والأجرام، والبحر أحد هذه الجبابرة الضخام التي سخرها الله للإنسان، فهداه إلى شيء من سر تكوينها وخصائصها عرف منه هذه الفلك التي تمخر هذا الخلق الهائل، وهي تطفو على ثبج أمواجه الجبارة ولا تخشاها!» 37.
ثانيًا: تسخير الأرض:
سخر الله عز وجل الأرض لعباده وذللها وهيأها لهم.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [الحج: ٦٥].
وقال سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [لقمان: ٢٠].
وقال جل وعلا: (ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ) [الجاثية: ١٣].
بينت الآيات: أن الله تعالى سخر لخلقه ما في السماوات وما في الأرض، من دابة، وشجر، وجبل، وجماد، وسفن، وغير ذلك لمنافعكم ومصالحكم.
وبدأ بذكر السموات والأرض لأنهما أصلان يتفرع عليهما سائر ما يذكر بعد من النعم، (ﰌ ﰍ)، أي: نعمة منه عليكم، فإياه فاحمدوا واشكروا.
وقد جاء هذا التسخير مبينًا في آيات أخر، قال تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [الملك: ١٥].
الذلول: فعول بمعنى مفعول، وهو مبالغة في التذليل، تقول: دابة ذلول بينة الذل، وهو تمكين الانتفاع منها عن تسهيل الاستقرار عليها وتثبيتها بالجبال، كقوله تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ)[النازعات: ٣٠-٣٣]38.
ومن تسخيرها: استخراج جميع ما فيها من المنافع والخيرات الدينية والدنيوية، فذللها لنا لنحرثها ونزرعها ونغرسها، ونستخرج معادنها وبركتها، وجعلها طوع علومنا وأعمالنا؛ لنستخرج منها الصناعات النافعة، فجميع فنون الصناعات على كثرتها وتنوعها وتفوقها -لاسيما في هذه الأوقات- كل ذلك داخل في تسخيرها لنا، وقد عرفت الحاجة بل الضرورة في هذه الأوقات إلى استنباط المنافع وترقية الصنائع إلى ما لا حد له، وقد ظهر في هذه الأوقات من موادها وعناصرها أمور فيها فوائد عظيمة للخلق.
قال تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [عبس: ٢٧-٣٢].
وقوله سبحانه: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [الرحمن: ١٠-١٣].
وقوله جل في علاه: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [المرسلات: ٢٥-٢٧].
أي: أن من تسخير الله تعالى للأرض أن جعلها كفاتًا للإنسان في حياته؛ بتسهيل معيشته منها وحياته على ظهرها، فإذا مات كانت له أيضا كفاتًا بدفنه فيها.
ومما يشير إلى هذه المعاني كلها قوله تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [الملك: ١٥]؛ لترتبه على ما قبله بالفاء، أي: بسبب تذليلها بتيسير المشي في أرجائها، وطلب الرزق في أنحائها؛ بالتسبب فيها من زراعة وصناعة وتجارة إلخ.
والأمر في قوله تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ)، للإباحة، ولكن التقديم لهذا الأمر بقوله تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ)، فيه امتنان من الله تعالى على خلقه، مما يشعر أن في هذا الأمر مع الإباحة توجيهًا وحثًا للأمة على السعي والعمل والجد، والمشي في مناكب الأرض من كل جانب؛ لتسخيرها وتذليلها، مما يجعل الأمة أحق بها من غيرها.
وعليه، فقد وضع القرآن الأمة الإسلامية في أعز مواضع الغنى، والاستغناء والاستثمار والإنتاج، فما نقص عليها من أمور دنياها إلا بقدر ما قصرت هي في القيام بهذا العمل وأضاعت من حقها في هذا الوجود39.
ثالثًا: تسخير البحر لاستخراج المأكل والملبس:
لقد ذكر القرآن الكريم تسخير البحر لاستخراج ما يؤكل ويلبس منه.
قال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [النحل: ١٤].
يخبر تعالى في هذه الآية أنه هو الذي سخر البحر، وهو الذي سخر ما فيه من منافع للناس، وهذه نعمة عظيمة من الله؛ حيث جعل البحر مستودعًا لا ينضب لمادة غذائية تعتبر شيئًا أساسيًا في حياة معظم الشعوب، يتناولونها من البحر دون أن يخسروا مالًا وجهدًا في تربيتها، ولولا ذلك لضاقت معيشة أكثر الناس؛ حيث إن عليها اعتمادهم في الغذاء، وبها يتجرون ويتكسبون، ومن رحمة الله إباحتها حية وميتة في الحل والإحرام، حيث يؤكل منها السمك الطري.
والطري: ضد اليابس، ووصف سبحانه لحم أسماكه بالطراوة، لأن أكله في هذه الحالة أكثر فائدة، وألذ مذاقًا، فالمنة بأكله على هذه الحالة أتم وأكمل.
وقيل: في وصفه بالطراوة، تنبيه إلى أنه ينبغي المسارعة إلى أكله؛ لأنه يسرع إليه الفساد والتغير، وقد أثبت الطب أن تناوله بعد ذهاب طراوته من أضر الأشياء، فسبحان الخبير بخلقه، ومعرفته ما يضر استعماله وما ينفع، وفيه أيضًا إيماء إلى كمال قدرته تعالى في خلقه الحلو الطري في الماء المر الذي لا يشرب40.
وقوله تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ)، أي: لتستخرجوا منه ما يتحلى به نساؤكم كاللؤلؤ والمرجان وما يشبههما، وأسند اللبس إليهم لأنهن من جملتهم، ولأنهن يتزين بها لأجلهم، والحلية: اسم لما يتحلى به الناس، وجمعها حلى وحلى، يقال: تحلت المرأة إذا لبست الحلي، والتعبير بقوله سبحانه: (ﯣ) يشير إلى كثرة الإخراج فالسين والتاء للتأكيد، كما يشير إلى أن من الواجب على المسلمين أن يباشروا بأنفسهم استخراج ما في البحر من كنوز، وألا يتركوا ذلك لأعدائهم41.
ومما جاء في بهيمة الأنعام قوله تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [النحل: ٦٦-٦٧].
وقوله جل وعلا: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [يس: ٧١-٧٣].
لقد خلق الله سبحانه وتعالى بهيمة الأنعام لمصالح عباده، وجعلها مذللة مسخرة لقضاء شؤونهم الحياتية، إذ منها طعامهم وشرابهم ولباسهم وأثاثهم وخباؤهم وركوبهم وجمالهم.
وعلى الرغم من أن هذه البهائم تملك من القوة الجسمية والعضلية أضعاف ما يملكه الإنسان؛ إلا أن سنة التسخير قد سلبها المقاومة والتمرد على إرادة الإنسان وتدبيره، وهذا ما يوجب أداء حق الشكر لله سبحانه وتعالى، ولو ترك أمر تذليل هذه المخلوقات للإنسان لعجز عن تذليل ذبابة كما عجز من خلقها، ولكنها المشيئة الإلهية وقدرته في الخلق والتذليل والتسخير42.
قال القاسمي: «والسر في إفراده هذه النعمة، والتذكير بها دون غيرها من نعمه وآلائه، أن بها حياة العرب وقوام معاشهم، إذ منها طعامهم وشرابهم ولباسهم وأثاثهم وخباؤهم وركوبهم وجمالهم، فلولا تفضله تعالى عليهم بتذليلها لهم، لما قامت لهم قائمة، لأن أرضهم ليست بذات زرع، وما هم بأهل صناعة مشهورة، ولا جزيرتهم متحضرة متمدنة، ومن كانوا كذلك، فيجدر بهم أن يذكروا المتفضل عليهم بما يبقيهم، ويشكروه ويعرفوا له حقه، من عبادته وحده وتعظيم حرماته وشعائره، فالاعتبار بها من ذلك، موجب للاستكانة لرازقها، والخضوع له والخشية منه، هذا أولًا. وثانيًا: قد يقال: إنما أفردت لتتبع بما هو البر الأعظم والخير الأجزل، وهو مواساة البؤساء منها، نظير الآية -على ما ظهر لنا- قوله تعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [قريش: ٣-٤]. فإن ذلك من أجل ما يرضيه تعالى»43.
وقال سيد قطب: «إن هذه الأنعام التي خلقها الله لهم وملكهم إياها، وذللها لهم، يركبونها، ويأكلون منها، ويشربون ألبانها، وينتفعون بها منافع شتى، وكل ذلك من قدرة الله وتدبيره، ومن إبداعه: ما أودع من الخصائص في الناس والأنعام، فجعلهم قادرين على تذليلها واستخدامها والانتفاع بها، وحين ينظر الإنسان إلى الأمر بهذه العين وفي هذا الضوء الذي يشيعه القرآن الكريم؛ فإنه يحس لتوه إنه مغمور بفيض من نعم الله، فيض يتمثل في كل شيء حوله، وتصبح كل مرة يركب فيها دابة، أو يأكل فيها قطعة لحم، أو يشرب جرعة من لبن، أو يتناول قطعة من سمن أو جبن، أو يلبس ثوبًا من شعر أو صوف أو وبر، لمسة وجدانية، تشعر قلبه بوجود الخالق ورحمته ونعمته، ويطرد هذا في كل ما تمس يده من أشياء حوله، وكل ما يستخدمونه في حي أو جامد في هذا الكون الكبير، وتعود حياته كلها تسبيحًا لله وحمدًا، وعبادة آناء الليل وأطراف النهار»44.
وفي هذه الآية: دعوة للمؤمنين إلى استغلال هذه النعمة العظيمة والاستفادة منها بكل الوسائل الممكنة والمتاحة، وشكر الله تعالى عليها.
رابعًا: تسخير ما يركب:
من نعم الله تعالى على عباده تسخير ما يركب.
قال تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [الزخرف: ١٢-١٣].
يخبر جل وعلا في هذه الآية خلقه بما سخر لهم من قوى وطاقات، ووسائل المواصلات والنقل والتجارة، وأنه هو الذي سخر لهم ما يركبونه في البر والبحر من الفلك، التي هي السفن، ومن الأنعام والدواب وغيرها من كل ما يركب، فيدخل فيه الطائرات والغواصات والسيارات على اختلاف أنواعها.
والتسخير: التذليل والتطويع، وتسخير الله الدواب هو: خلقه إياها قابلة للترويض فاهمة لمراد الراكب، وتسخير الفلك حاصل بمجموع خلق البحر صالحًا لسبح السفن على مائه، وخلق الرياح تهب فتدفع السفن على الماء، وخلق حيلة الإنسان لصنع الفلك، ورصد مهاب الرياح، ووضع القلوع والمجاذيف، ولولا ذلك لكانت قوة الإنسان دون أن تبلغ استخدام هذه الأشياء القوية، ولهذا عقب بقوله: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ)، أي: مطيقين، أي: بمجرد القوة الجسدية، أي: لولا التسخير المذكور45.
وقوله تعلى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) إن تسخير وسائل النقل والمواصلات من الأنعام والدواب والسفن والسيارات والطائرات، وغيرها من وسائل النقل من أعظم النعم على البشرية.
وهذا التسخير سهل للناس سبل الحياة، ولذلك يمتن الله على عباده بتسخيرها، وجيء بفعل جعل مراعاة؛ لأن الفلك مصنوعة وليست مخلوقة، والأنعام قد عرف أنها مخلوقة؛ لشمول قوله: (ﭠ ﭡ) إياها، ومعنى جعل الله الفلك والأنعام مركوبة: أنه خلق في الإنسان قوة التفكير التي ينساق بها إلى استعمال الموجودات في نفعه، فاحتال كيف يصنع الفلك ويركب فيها، واحتال كيف يروض الأنعام ويركبها.
وقدم الفلك على الأنعام؛ لأنها لم يشملها لفظ الأزواج، فذكرها ذكر نعمة أخرى، ولو ذكر الأنعام لكان ذكره عقب الأزواج بمنزلة الإعادة، فلما ذكر الفلك بعنوان كونها مركوبًا عطف عليها الأنعام، فصار ذكر الأنعام مترقبًا للنفس لمناسبة جديدة46.
ولما كانت هذه النعمة عظيمة، قال تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ)، أي: تذكروها بقلوبكم معترفين بها مستعظمين لها ثم تحمدوا عليها بألسنتكم، وتقييدها في هذه الحالة وقت تبوء النعمة؛ لأن كثيرًا من الخلق تسكرهم النعم، وتغفلهم عن الله، وتوجب لهم الأشر والبطر، فهذه الحالة التي أمر الله بها هي دواء هذا الداء المهلك، وهذا يشير إلى أن الإنسان إذا غفل عن ذكر الله، والنعمة غائبة عنه، فإنه لا ينبغى أن يغفل والنعمة حاضرة بين يديه، يعيش فيها وينعم بها، (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ)، أي، وتقولوا سبحان الذي ذلله وجعله منقادًا لنا، متعجبين من ذلك، وليس الإشارة للتحقير، بل تصوير الحال وفيها مزيد تقرير لمعنى التعجب، والكلام -وإن كان إخبارًا على ما سمعت أولًا- يشعر بالطلب47.
خامسًا: تسخير بني آدم بعضهم لبعض:
سخر الله تعالى العباد بعضهم لبعض.
قال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [الزخرف: ٣١-٣٢].
ذكرت الآية أن الله تعالى هو الذي يقسم فضله بين أهل الفضل، على حسب علمه بمواقع الاختيار، ومن يصلح له ممن لا يصلح، وهو الذي رفع بعضهم فوق بعض درجات، وقسم بينهم معايشهم ودرجات التفضيل، فهو القاسم ذلك وحده لا غيره، وهو الذي جعل لكل واحد من عباده درجة معينة في الأرزاق والأخلاق، والمحاسن والمساوي، والمناظر والأشكال والألوان.
وجعل لكل واحد من السعداء والأشقياء في الدنيا درجة معينة من موجبات السعادة وموجبات الشقاوة، ومنهم من يعيش بالحلال، ومنهم من يعيش بالحرام.
وجعل الله تعالى هذا التفاوت بين العباد لحكمة؛ لأنه لو سوى بينهم في كل هذه الأحوال لم يخدم أحد أحدًا، ولم يصر أحد منهم مسخرًا لغيره، وحينئذ يفضي ذلك إلى خراب العالم وفساد نظام الدنيا.
وفي هذا التفاوت الذي بين الناس، وفي درجات التفاضل المقسومة بينهم، يتحرك الناس، فيلحق المتأخر بالمتقدم، ويسعى المتقدم ليلحق بمن تقدم عليه وفضله، أو ينزل عن مكانه الذي هو فيه ليأخذه غيره.
وهكذا يتحرك الناس في الحياة صعودًا وهبوطًا، ويتبادلون المواقف، ويتنازعون منازل الفضل، وبهذا تظل ريح الحياة في حركة دائمة مجددة، يتنفس فيها الناس أنفاس الأمل، والقوة، والحياة48.
وقد أوضح تعالى الحكمة من هذا التفاضل والتفاوت في الأرزاق والحظوظ، والقوة والضعف، ونحو ذلك، فقال تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) أي: يخدم بعضهم بعضًا، ويسخر بعضهم لبعض؛ لأن نظام العالم في الدنيا يتوقف قيامه على ذلك.
فمن حكمته جل وعلا أن يجعل هذا فقيرًا مع كونه قويًا قادرًا على العمل، ويجعل هذا ضعيفًا لا يقدر على العمل بنفسه، ولكنه تعالى يهيء له دراهم يؤجر بها ذلك الفقير القوي، فينتفع القوي بدراهم الضعيف، والضعيف بعمل القوي؛ فتنتظم المعيشة لكل منهما.
وهكذا ليس فيهم خادم ومخدوم، بل كلهم يخدم ويخدم، ويستوى في هذا العالم والجاهل، والزارع، والصانع، والقوى والضعيف، والحاكم والمحكوم، إنهم جميعًا أشبه بالآلة الميكانيكية، لا تكون آلة عاملة، ذات قوة محركة، إلا إذا عمل كل جزء من أجزائها، أيًا كان وضعه فيها، وأيًا كانت قيمته الذاتية بين أجزائها، بل إنهم أشبه بالجسد الإنساني في تجاوب أعضائه جميعًا في العمل على كل ما من شأنه أن يحفظ عليه حياته، ويوفر له أمنه وسعادته49.
وقوله تعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ)، يعني أن النبوة والاهتداء بهدى الأنبياء، وما يناله المهتدون يوم القيامة خير مما يجمعه الناس في الدنيا من حطامها50.
قال سيد قطب: «وطبيعة هذه الحياة البشرية قائمة على أساس التفاوت في مواهب الأفراد، والتفاوت فيما يمكن أن يؤديه كل فرد من عمل، والتفاوت في مدى إتقان هذا العمل.
وهذا التفاوت ضروري لتنوع الأدوار المطلوبة للخلافة في هذه الأرض، ولو كان جميع الناس نسخًا مكرورة ما أمكن أن تقوم الحياة في هذه الأرض بهذه الصورة، ولبقيت أعمال كثيرة جدًا لا تجد لها مقابلًا من الكفايات، ولا تجد من يقوم بها، والذي خلق الحياة وأراد لها البقاء والنمو، خلق الكفايات والاستعدادات متفاوتة تفاوت الأدوار المطلوب أداؤها، وعن هذا التفاوت في الأدوار يتفاوت الرزق، هذه هي القاعدة.
أما نسبة التفاوت في الرزق فقد تختلف من مجتمع إلى مجتمع، ومن نظام إلى نظام، ولكنها لا تنفي القاعدة الفطرية المتناسقة مع طبيعة الحياة الضرورية لنمو الحياة، ومن ثم لم يستطع أصحاب المذاهب المصطنعة المتكلفة أن يساووا بين أجر العامل وأجر المهندس، ولا بين أجر الجندي وأجر القائد، على شدة ما حاولوا أن يحققوا مذهبهم، وهزموا أمام الناموس الإلهي الذي تقرره هذه الآية من كلام الله، وهي تكشف عن سنة ثابتة من سنن الحياة51.
آثار التسخير الإيمانية على العبد
إن تسخير هذا الكون بما فيه من المنافع والنعم العظيمة في المأكل والملبس والمشرب والزينة ووسائل النقل والمواصلات، وغيرها من النعم، يوجب على الإنسان شكر الله تعالى وتعظيمه، وبيان ذلك من خلال النقاط الآتية:
أولًا: شكر الله تعالى:
من آثار التسخير الإيمانية التي ذكرها القرآن الكريم شكر الله.
قال تعالى: (ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [الجاثية: ١٢].
وقال سبحانه: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الحج: ٣٦].
إن تسخير البحار وجعلها خاضعة وميسرة لمنافع الإنسان، فتجري عليها السفن في حمل البضائع والأسفار واستخراج الطعام واللباس منها، وتسخير وسائل النقل والمواصلات من الأنعام والسفن والسيارات والطائرات، وغيرها من وسائل النقل.
وتسخير الأنعام من إبل وبقر وغنم فتذبح وتركب وتحلب، وتمكنه من الانتفاع بها من أعظم النعم على البشر، لذا يوجههم إلى الأدب الواجب في شكر هذه النعمة وتذكر المنعم كلما عرضت النعمة، لتبقى القلوب موصولة بالله عند كل حركة في الحياة.
(ﰁ ﰂ) الله تعالى، فإنكم إذا شكرتموه زادكم من نعمه، وأثابكم على شكركم أجرًا جزيلًا.
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [يس: ٧١-٧٣].
استفهامٌ تعجيبيٌ لتركهم تكرير الشكر على هذه النعم العدة فلذلك جيء بالمضارع المفيد للتجديد والاستمرار لأن تلك النعم متتالية متعاقبة في كل حين52.
وأصل الشكر في اللغة: الوصف بالجميل على جهة التعظيم على النعمة، من اللسان والجنان والأركان، وقيل: الظهور، ويضاده الكفران، وهو نسيان النعمة وسترها، وشكر العبد لربه: هو أن يستعين بنعمه على طاعته، وشكر الرب لعبده: هو أن يثيبه الثواب الجزيل من عمله القليل، وأما من يستعين بنعم الله على معصيته فليس من الشاكرين؛ وإنما هو كنود كفور.
وقد بين تعالى أن الشكر يزيد النعم والكفر يذهبها، إلا ما كان استدراجًا، فقال في شكر النعمة: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [إبراهيم: ٧].
وقال في الكفران وعواقبه: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [النحل: ١١٢].
وبهذه المناسبة: فعلى كل المسلمين أفرادًا وجماعات، أن يقابلوا نعم الله بالشكر، وأن يشكروها بالطاعة والعبادة لله، وأن يحذروا كفران النعم53.
ويخص البدْن بالذكر لأنها أعظم الهدي، فيقرر أن الله أراد بها الخير لهم، فجعل فيها خيرًا وهي حية تركب وتحلب، وهي ذبيحة تهدى وتطعم، فجزاء ما جعلها الله خيرًا لهم أن يذكروا اسم الله عليها، ويتوجهوا بها إليه وهي تهيأ للنحر بصف أقدامها، (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ)، والإبل تنحر قائمة على ثلاث معقولة الرجل الرابعة، (ﯖ ﯗ ﯘ)، واطمأنت على الأرض بموتها أكل منها أصحابها استحبابًا، وأطعموا منها الفقير القانع الذي لا يسأل، والفقير المعتر الذي يتعرض للسؤال، فلهذا سخرها الله للناس ليشكروه على ما قدر لهم فيها من الخير حية وذبيحة54.
وقوله تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ)، أي: ذللناها لكم، وجعلناها منقادة لكم، تفعلون بها ما شئتم من نحر وركوب، وحلب وغير ذلك من المنافع، ولولا أن الله ذللها لكم لم تقدروا عليها؛ لأنها أقوى منكم، ألا ترى البعير إذا توحش صار صاحبه غير قادر عليه، ولا متمكن من الانتفاع به، وقوله هنا: (ﯢ ﯣ) قد قدمنا مرارًا أن لعل تأتي في القرآن لمعان، أقربها اثنان: أحدهما: أنها بمعناها الأصلي، الذي هو الترجي والتوقع55.
وفي الآيات تسخير الله تعالى لهذا الكون دون مقابل يستوجب الشكر، وهذا هو الأدب الواجب في حق المنعم، يوجهنا الله إليه، لنذكره كلما استمتعنا بنعمة من نعمه التي تغمرنا، والتي نتقلب بين أعطافها ثم ننساه.
ثانيًا: تعظيم الله تعالى:
من آثار التسخير الإيمانية التي ذكرها القرآن الكريم: تعظيم الله تعالى.
قال تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [الزخرف: ١٢-١٣].
إن تسخير وسائل النقل والمواصلات من الأنعام والسفن والسيارات والطائرات، وغيرها من وسائل النقل من أعظم النعم على البشرية، لذا يجب على الإنسان تعظيم الله حين ركوبها والاستواء عليها، وقد نبهنا ربنا جل وعلا وعلمنا كيفية هذا التعظيم بقوله: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) والتسبيح: تنزيه الله عما لا يليق، فهو يدل على التنزيه عن النقائص، وهو من مادة السبح والسباحة، وهي: الذهاب السريع البعيد في البحر أو البر.
و (ﭶ)، اسم يدل على الثبوت والدوام، فكأن تنزيه الله موجود وثابت له سبحانه قبل أن يوجد المنزه، كما نقول في الخلق، فالله خالق ومتصف بهذه الصفة قبل أن يخلق شيئًا، وهو يدل على تنزيه الله جل وعلا أكمل التنزيه وأتمه، عن كل ما لا يليق بكماله وجلاله.
والإشارة في قوله: (ﭺ)، راجعة إلى لفظ (ﭨ)، من قوله: (ﭨ ﭩ)، وجمع الظهور نظرًا إلى معنى ما؛ لأن معناها عام شامل لكل ما تشمله صلتها، ولفظها مفرد، فالجمع في الآية باعتبار معناها، والإفراد باعتبار لفظها56.
وقوله تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ)، ثم تذكروا مع التعظيم في قلوبكم وألسنتكم نعمة ربكم إذا استويتم عليه، وذلك الذكر هو: أن يعرف أن الله تعالى خلق وجه البحر، وخلق الرياح، وخلق جرم السفينة على وجه يتمكن الإنسان من تصريف هذه السفينة إلى أي جانب شاء وأراد.
فإذا تذكروا أن خلق البحر، وخلق الرياح، وخلق السفينة على هذه الوجوه القابلة لتصريفات الإنسان ولتحريكاته ليس من تدبير ذلك الإنسان، وإنما هو من تدبير الحكيم العليم القدير، عرف أن ذلك نعمة عظيمة من الله تعالى، فيحمله ذلك على الانقياد والطاعة له تعالى، وعلى الاشتغال بالشكر لنعمه التي لا نهاية لها.
وتقييدها في هذه الحالة وقت تبوء النعمة؛ لأن كثيرًا من الخلق تسكرهم النعم، وتغفلهم عن الله، وتوجب لهم الأشر والبطر، فهذه الحالة التي أمر الله بها هي دواء هذا الداء المهلك، فإنه متى ذكر العبد أنه مغمور بنعم الله، وأن أصولها وتيسيرها وتيسير أسبابها وبقائها ودفع ما يضادها أو ينقصها، كله من فضل الله وإحسانه، خضع لله وذل، وشكره وأثنى عليه، وبهذا تدوم النعمة ويبارك الله فيها، وتكون نعمة حقيقية.
فأما إذا قابلها بالأشر والبطر، ونسي المنعم، وربما تكبر بها على عباد الله، فهذه نقمة في صورة نعمة، وهي استدراج من الله للعبد سريعة الزوال، وشيكة بالعقاب عليها والنكال، نسأل الله أن يوزعنا شكر نعمه57.
وقوله تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ)، أي: بمجرد القوة الجسدية 58.
وفي الآية: تعظيم الله تعالى وتمجيده وشكره؛ لأنه هو الذي سخر لنا ما نركبه من الأنعام والسفن وذللها، ولو لم يذللها الله لهم لما قدرنا عليها، ولا يخفى أن الجمل أقوى من الرجل، وكذلك البحر لو لم يذلله لهم ويسخر لهم إجراء السفن فيه لما قدروا على شيء من ذلك.
وقد علمنا رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم تعظيم الله عند الركوب.
فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركب راحلته، كبر ثلاثًا، ثم قال: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون ثم يقول: اللهم إني أسألك في سفري هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا السفر، واطو لنا البعيد، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم اصحبنا في سفرنا، وأخلفنا في أهلنا)، وكان صلى الله عليه وسلم إذا رجع إلى أهله قال: (آيبون تائبون إن شاء الله عابدون، لربنا حامدون)59.
وإن تسخير الأنعام من إبل وبقر وغنم للإنسان وتمكنه من الانتفاع بها من أعظم النعم على البشر، لذا يطلب تعظيم الله حين ذبحها والتسمية عليها، والأكل منها.
وإن الله لا ينتفع من أعمال العباد بشيء، ولكن النفع يعود على الإنسان ذاته.
فما يقدمه من قرابين وهدايا للحرم المكي أو أضاحي أو نذور، فإنما يقصد به تربية الإنسان، وغرس جذور التقوى في نفسه، وأداء واجبه، وشكر نعمة الله عليه، وتكبيره على هداية الله إياه، وإحسانه القول والعمل.
قال الله تعالى مبينًا ما يطلب حال ذبح الإبل: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [الحج: ٣٦-٣٧].
والتكبير في الآية: قيل: إنه ما يكون عند الذبح: بسم الله، الله أكبر، والأحسن أن يفسر بالتعظيم والتقديس والشكر، وترى أيضًا أنه قد أعيد في الآية حديث تسخير الأنعام، وتذليلها للناس، لأن في الإعادة تذكيرًا بالنعمة يبعث على شكرها والثناء على الله من أجلها، والقيام له بما يجب لعظمته وكبريائه، لأنه تعالى سخر لهم تلك البهائم، وأخضعها لتصريفهم، وأراهم ما يصنعون فيها، وكيف يتقربون بها60.
وفي الآية: دلالة على أن التقوى وشكر الله تعالى والإحسان في العمل له جل شأنه من أهم المطالب الشرعية، التي لا يجوز لأحد إغفالها أو التهاون فيها.
لقد ظهر أثر هذا التسخير في الكون في كل مناحي الحياة، في المعدن والنبات، وفي البر والبحر والهواء، فظهرت آثار مادية ومعنوية، وبيان ذلك من خلال النقاط الآتية:
أولًا: الآثار الحسية:
لقد ذكر القرآن الكريم آثار التسخير المادية في عمارة الأرض.
قال تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [ص: ٣٦-٣٨].
وقال سبحانه: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [سبأ: ١٢-١٣].
بينت الآيات الآثار الحسية، والتي منها: التجارة، والاقتصاد، والصناعة.
فأخبر تعالى أنه سخر لسليمان عليه السلام الريح، ومعنى تسخيره الريح: خلق ريح تلائم سير سفنه للغزو أو التجارة، فجعل الله لمراسيه في شواطئ فلسطين رياحًا موسمية تهب شهرًا مشرقة لتذهب في ذلك الموسم سفنه، وتهب شهرًا مغربة لترجع سفنه إلى شواطىء فلسطين.
قال تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [الأنبياء: ٨١].
فأطلق الغدو على الانصراف والانطلاق من المكان تشبيهًا بخروج الماشية للرعي في الصباح، وهو وقت خروجها، أو تشبيهًا بغدو الناس في الصباح61.
وقوله تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ)، والإسالة: جعل الشيء سائلًا في الأرض كمسيل الوادي، وعين القطر ليست عينًا حقيقة، ولكنها مستعارة لمصب ما يصهر في مصانعه من النحاس، حتى يكون النحاس المذاب سائلًا خارجًا من مساقي، ونحوها من الأنابيب، كما يخرج الماء من العين لشدة إصهار النحاس وتوالي إصهاره، فلا يزال يسيل ليصنع له آنية وأسلحة ودرقًا، وما ذلك إلا بإذابة وإصهار خارقين للمعتاد بقوة إلهية.
شبه الإصهار بالكهرباء أو بالألسنة النارية الزرقاء، وذلك ما لم يؤته ملك من ملوك زمانه، ويجوز أن يكون السيلان مستعارًا لكثرة القطر كثرة تشبه كثرة ماء العيون والأنهار62.
وقوله تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) قصور حصينة ومساكن شريفة، سميت بها؛ لأنها يذب عنها ويحارب عليها، والمحاريب: جمع محراب، وهو الحصن الذي يحارب منه العدو والمهاجم للمدينة، أو لأنه يرمى من شرفاته بالحراب، ثم أطلق على القصر الحصين، وقد سموا قصور غمدان في اليمن: محاريب غمدان، وهذا المعنى هو المراد في هذه الآية، ثم أطلق المحراب على المكان الذي يختلى فيه للعبادة، فهو بمنزلة المسجد الخاص63.
والتماثيل: هي الصورة الممثلة، أي: المجسمة، فكان النحاتون يعملون لسليمان تماثيل للملائكة والأنبياء على ما اعتادوا من العبادات ليراها الناس فيعبدوا نحو عبادتهم64.
والجفان: جمع جفنة، وهي القصعة العظيمة التي يجفن فيها الماء، وشبهت الجفان في عظمتها وسعتها بالجوابي، وهي جمع جابية، وهي: الحوض العظيم الواسع العميق، الذي يجمع فيه الماء لسقي الأشجار والزروع65.
وقوله تعالى: (ﯩ)، من يغوصون له من الشياطين، أي: يغوصون له في البحار فيستخرجون له منها الجواهر النفيسة، كاللؤلؤ والمرجان، والغوص: النزول تحت الماء، والغواص: الذي يغوص البحر ليستخرج منه اللؤلؤ ونحوه، أن الشياطين المسخرين له يعملون له عملًا دون ذلك، أي: سوى ذلك الغوص المذكور، أي: كبناء المدائن، والقصور، وعمل المحاريب، والتماثيل، والجفان، والقدور الراسيات، وغير ذلك من اختراع الصنائع العجيبة66.
وظهر أثر هذا التسخير في الكون في كل مناحي الحياة، في المعدن والنبات، وفي البر والبحر والهواء، فشيدت ناطحات السحاب، وأقيمت السدود العملاقة لإنتاج الطاقة، وحولت الصحاري إلى مناطق زراعية خصبة، وعمرت المدن الكبيرة.
ومن هذه الأثار الحسية: ما نشاهد من مصانع تشاد لصناعة وسائل النقل بمختلف أنواعها، السفن البحرية، الشراعية والنارية، والطائرات والسيارات والقطارات، (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [الزخرف: ١٢].
ومن آثار التسخير الحسية التي ذكرها القرآن الكريم: صناعة الدروع والأسلحة من الحديد.
قال تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الأنبياء: ٨٠].
وقال سبحانه: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [سبأ: ١٠-١١]67.
ومن آثار التسخير الحسية التي ذكرها القرآن الكريم: صناعة السدود، فيصور القرآن ما صنعه ذو القرنين ليوقف زحف يأجوج ومأجوج على الآخرين.
فقال تعالى: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ ﰢ ﰣ) [الكهف: ٩٤-٩٧].
وكان إقامة هذا السد لدفع الأذى عن الإنسان، وقد استخدمت السدود اليوم في توليد طاقة المياه الجارية، فيقيم على مسارها عجلات تحركها المياه فتدير الطواحين لغلاله.
كذلك عرف الإنسان كيف يقيم مراوح تحركها الرياح، وكيف يحول تلك الحركة إلى إدارة الطواحين، وساهم هذا الاختراع في توليد الطاقة الكهربائية، التي تستخدم في جميع المجالات والاحتياجات الإنسانية، ومن الرياح ما يحمل النفع للناس، ففيها تحريك السفن التي تنقل الناس والتجارة، ومن الرياح ما يحمل السحاب ويسوق المطر.
قال تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [البقرة: ١٦٤]68.
ومن آثار التسخير المادية: صناعة الأسورة وأدوات الزينة من الذهب، واستخراج الأحجار الكريمة في خدمة البشر. فمن المياه كان يستخرج اللؤلؤ والمرجان، واللؤلؤ: إفراز كلسي تحتضنه قواقع معينة ذات ضلفتين (صدفتين)، ويكون اللؤلؤ في حبيبات مستديرة أو قريبة من الاستدارة في حجم حبة الحمص، وقد تكون أصغر أو أكبر، بيضاء اللون عادة، وقد يشوبها لون آخر، واشتهرت المياه الدافئة بوجود أصداف اللؤلؤ، ويمارس غواصو اللؤلؤ صناعة الحصول على اللؤلؤ من أصدافه، أما المرجان فيكون في أعواد متشعبة ذات لون برتقالي أو أحمر، ولها مظهر أعواد النبات، إلا أنها حيوان بحري من عائلة المرجانيات، وهو حيوان رخوي يحتمي داخل أعواد كلسية مجوفة، هي أعواد المرجان، ويمكن الحصول على اللؤلؤ وعلى المرجان من المياه المالحة أساسًا، ومن المياه العذبة في ظروف خاصة.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [فاطر: ١٢].
وقال سبحانه: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [الرحمن: ٢٢]69.
ثانيًا: الآثار المعنوية:
لقد ذكر القرآن الكريم الأثار المعنوية للتسخير، قال تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [سبأ: ١٠-١١].
بينت هذه الآية الصورة الكريمة والثناء الجميل للإنسان الذي يحقق معنى التسخير، وفي هذا التسخير للجبال والطير مع كونه معجزة لداود عليه السلام وكرامة وعناية من الله به إذ آنسه بتلك الأصوات في وحدته في الجبال وبعده عن أهله وبلده، على التمام والكمال، وإذا كان داود وسليمان قد خلع الله سبحانه وتعالى عليهما هذه الخلع العظيمة من نعمه، فإن هذه النعم قد وضعها الله تعالى للبشرية جميعًا، وتسخير هذا الكون بما فيه من الطاقات الهائلة التي تغطي احتياجات البشرية هو الذي يحقق للأمة كرامتها وعزها ومجدها.
قال تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [الإسراء: ٧٠].
وقد جمعت الآية خمس منن: التكريم، وتسخير المراكب في البر، وتسخير المراكب في البحر، والرزق من الطيبات، والتفضيل على كثير من المخلوقات. والتكريم: جعله كريمًا، أي: نفيسًا غير مبذول ولا ذليل في صورته ولا في حركة مشيه وفي بشرته، والتكريم بما جعل الله فيه من المعارف والصنائع، وقبول التطور في أساليب حياته وحضارته، وهذا من كرمه عليهم وإحسانه الذي لا يقادر قدره، حيث كرم بني آدم بجميع وجوه الإكرام، فكرمهم بالعلم والعقل، وإرسال الرسل وإنزال الكتب، وجعل منهم الأولياء والأصفياء، وأنعم عليهم بالنعم الظاهرة والباطنة، (ﮓ ﮔ ﮕ)، على الركاب من الإبل والبغال والحمير والمراكب البرية، (ﮖ)، في السفن والمراكب، (ﮗ ﮘ ﮙ)، من المآكل والمشارب والملابس والمناكح، فما من طيب تتعلق به حوائجهم إلا وقد أكرمهم الله به ويسره لهم غاية التيسير، ومن التكريم: أن يكون الإنسان قيمًا على نفسه، محتملًا تبعة اتجاهه وعمله، فهذه هي الصفة الأولى التي بها كان الإنسان إنسانًا، حرية الاتجاه وفردية التبعة، وبها استخلف في دار العمل، فمن العدل أن يلقى جزاء اتجاهه وثمرة عمله في دار الحساب70.
وإن آيات التسخير في القرآن الكريم فيها دلالة عظيمة ودعوة للمؤمنين إلى أن هذا التسخير يجب أن يستفيدوا منه في الحصول على كل الطاقات المسخرة في هذا الكون بما يغطي جميع الاحتياجات، ويدفع المسلمين إلى النهضة، ويلفتهم إلى جلال القرآن، ويحركهم إلى الانتفاع بقوى هذا الكون العظيم الذي سخره الله لنا، انتفاعًا يعيد لأمة الإسلام نهضتها ومجدها وكرامتها، قال تعالى: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [يونس: ١٠١]وقال سبحانه: (ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ) [الجاثية: ١٣].
فلا يليق بالمسلمين وهم المخاطبون بهذا أن يفروا من وجه هذه المنافع العامة، ولا أن يزهدوا في علوم الكون، ولا أن يحرموا أنفسهم فوائد التمتع بثمرات هذه القوى العظيمة التي أودعها الله لخلقه في خزائن سماواته وأرضه، ولهذا نص علماؤنا على أن تعلم تلك العلوم الكونية وحذق هذه الصناعات الفنية فرض من فروض الكفايات؛ ما داموا في حاجة إليها لمصلحة الفرد أو المجموع، وذلك لأن البقاء في هذه الحياة للأصلح، والحياة في هذا الوجود إنما تقوم على التمهر في العلوم، وعلى السبق في حلبة الصناعات والفنون.
ومما يشير إلى هذه المعاني كلها قوله تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [الملك: ١٥]؛ لترتبه على ما قبله بالفاء، أي: بسبب تذليلها بتيسير المشي في أرجائها، وطلب الرزق في أنحائها بالتسبب فيها من زراعة وصناعة وتجارة إلخ، والأمر في قوله تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ)، للإباحة، ولكن التقديم لهذا الأمر بقوله تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ)، فيه امتنان من الله تعالى على خلقه مما يشعر أن في هذا الأمر مع الإباحة توجيهًا وحثًا للأمة على السعي والعمل والجد، والمشي في مناكب الأرض من كل جانب؛ لتسخيرها وتذليلها، مما يجعل الأمة أحق بها من غيرها.
وعليه، فقد وضع القرآن الأمة الإسلامية في أعز مواضع الغنى، والاستغناء والاستثمار والإنتاج، فما نقص عليها من أمور دنياها إلا بقدر ما قصرت هي في القيام بهذا العمل، وأضاعت من حقها في هذا الوجود، وإن على الأمة الإسلامية أن تعمل على استثمار وإنتاج كل حاجياتها حتى الإبرة؛ لتستغني عن غيرها، وإلا احتاجت إلى الغير بقدر ما قصرت في الإنتاج، وهذا هو واقع العالم اليوم، إذ القدرة الإنتاجية هي المتحكمة وذات السيادة الدولية، وقد أعطى الله العالم الإسلامي الأولوية في هذا كله، فعليهم أن يحتلوا مكانهم، ويحافظوا على مكانتهم، ويشيدوا كيانهم بالدين والدنيا معا71.
قال عبد الكريم الخطيب: «ولكن هذه الخلقة المهيأة لأن تكون بمقام الخلافة لله تعالى على الأرض، لا يتحقق لها هذا، حتى تحقق هي ذاتيتها، وتخرج القوى الكامنة فيها، وتفجر الطاقات المندسة في كيانها، كالنواة التي تضم في كيانها عناصر شجرة عظيمة، أو نخلة باسقة، تظل هكذا شيئًا ضئيلًا ميتًا، حتى تندس في صدر الثرى، ثم تتفاعل معه، وتخرج خبأها بعد جهد وصراع، أما الإنسان الذي لا يعمل على الانتفاع بما أودع الله فيه من قوى، فسيظل كتلة باردة من لحم ودم، لا يرتفع كثيرًا عن مستوى أدنى الحيوانات وأحطها منزلة، والله سبحانه وتعالى يقول: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [التين: ٤-٦].
هذا هو مقام الإنسان في العالم الأرضي، إنه سيد المخلوقات كلها في هذا العالم، مادام محتفظًا بإنسانيته، عاملًا على الارتقاء بوجوده، أما المخلوقات التي في غير هذا العالم الأرضي، فلا شأن للإنسان بها، كما أنها لا شأن لها بالإنسان، ومن ثم فالمفاضلة بينه وبينها شيء غير وارد، وغير منظور إليه، إذ لا تعامل بين الإنسان وبين تلك المخلوقات!»72.
ومن الآثار المعنوية للتسخير في قوله تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [ص: ٣٦-٣٨]. ففي هذه الآية دليل على عظمة وقوة ملك سليمان عليه السلام وعزة سلطانه، وذلك أن الريح قوة عاتية وجبارة وقد سخرها الله تعالى في خدمة سليمان عليه السلام ومملكته العظيمة، وكذلك الجن طائفة عاتية وقبيلة طاغية ماردة تسخر هذه الطاقة في خدمة مملكة سليمان عليه السلام.
وقال تعالى يصف معجزة سليمان في تسخير الرياح: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [الأنبياء: ٨١].
وقال سبحانه: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [سبأ: ١٢].
وقال جل وعلا: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [فاطر: ١٢].
وهكذا صور القرآن الكريم الحرف الصناعية تصويرًا معجزًا ليرسي الخلق الإسلامي، خلق القرآن الكريم؛ فيتحقق ما يأتي: التشريع والتقرير لهذه الصناعات، وأنها مشروعة من قبل الله عز وجل: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [الملك: ١٥].
وغرس القيم وتنمية الفضائل من خلال التشريع لهذه الصناعات المتنوعة، لتحقق الغاية من الإسلام وهي الأخلاق، كما جاء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)73، كما حث الإسلام على العمل والصمود فيه، فخير الكسب ما كان من عمل اليد.
عن المقدام رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (ما أكل أحد طعامًا قط، خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام، كان يأكل من عمل يده)7475.
موضوعات ذات صلة: |
الأرض، الأنهار، الشمس، القمر، الجبال |
1 مقاييس اللغة ٣/ ١٤٤.
2 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٤/ ٣٥٣، تاج العروس، الزبيدي ١١/ ٥٢٢.
3 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٤٠٢، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٣/ ٢٠٣.
4 انظر: التحرير والتنوير ٨/ ١٦٨.
5 انظر: المعجم المفهرس، محمد فؤاد عبد الباقي، ص ٣٤٧-٣٤٨.
6 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني، ص ٤٠٢.
7 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٨/ ١٦٨.
8 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/ ٣٤٥، تاج العروس، الزبيدي ٢٩/ ١٣.
9 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٣٣٠، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٣/ ١٧ تفسير القرآن، السمعاني ٥/ ١٣٧.
10 انظر: تفسير القرآن، السمعاني ٥/ ١٣٧.
11 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٧/ ٣٢١.
12 انظر: المصباح المنير، الفيومي ٢/ ٥١٨، القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص ٣١٣، تاج العروس، الزبيدي ٩/ ٧٧.
13 انظر: المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ٢/ ٧٦٥، تاج العروس، الزبيدي ٩/ ٧٧.
14 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٨/ ١٦٨.
15 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/ ٩٥، لسان العرب، ابن منظور ٧/ ٣٢١، تاج العروس، الزبيدي ١٩/ ٣٧٧.
16 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٤٢٠، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٣/ ٢٤٦، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ١/ ٤٤٣.
17 انظر: المنار، محمد رشيد رضا ٨/ ٣٩٥، تفسير المراغي ٨/ ١٦٩، الألفاظ والمصطلحات المتعلقة بتوحيد الربوبية، آمال العمرو ص ١٣٨، تاج العروس، الزبيدي ٢/ ٤٦٣.
18 انظر: تفسير المراغي ٨/ ١٧٤، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٣/ ٨٠.
19 انظر: تفسير المراغي ٨/ ١٧٤، أضواء البيان، الشنقيطي ٢/ ٣٤٠.
20 في ظلال القرآن ٥/ ٣٠٣٨.
21 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/ ٣٢٢٦، التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ١٣/ ٢٣٠.
22 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/ ٣٢٢٦، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٥/ ٣٣٧.
23 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٧٧٦، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٥/ ٣٣٧.
24 مفاتيح الغيب، ١٨/ ٥٢٦.
25 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ٨/ ٤٢٨.
26 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان، رقم ١٥٩، ١/١٣٨.
27 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٣/ ٣٢٩.
28 انظر: جامع البيان، الطبري ٢١/ ٢٥٤، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٣/ ٣٢٩، التفسير المنير، الزحيلي ١٣/ ١٠٤.
29 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٣/ ١٣٦، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/ ٢٧٩ .
30 فتح القدير، الشوكاني ٣/ ٧٧.
31 انظر: روح المعاني، الألوسي ٧/ ٢١٠.
32 انظر: اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ١١/ ٣٩١.
33 انظر: الإتقان في علوم القرآن، السيوطي ٣/ ٤٢، التصوير القرآني للقيم الخلقية والتشريعية، علي صبح ص ١٣٩.
34 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٢/ ٢٦٤.
35 انظر: مدارك التنزيل، النسفي ٢/ ١٧٤، روح المعاني، الألوسي ٧/ ٢١٠.
36 التصوير القرآني للقيم الخلقية والتشريعية، علي صبح ص ١٣٩.
37 في ظلال القرآن ٥/ ٣٢٢٦.
38 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٢/ ٦٥، الهداية، مكي بن أبي طالب ١٠/ ٦٧٧٤، روح المعاني، الألوسي ٧/ ٢١١.
39 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٨/ ٢٣٨، القواعد الحسان، السعدي ص ٧١.
40 انظر: التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ٧/ ٢٧٧، الوسيط، طنطاوي ٨/ ١١٨، عقيدة التوحيد في القرآن الكريم، محمد ملكاوي ص ٢٤٠.
41 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٣/ ٢٢٢، الوسيط، طنطاوي ٨/ ١١٨.
42 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ٧/ ٢٤١، مباحث في التفسير الموضوعي، مصطفى مسلم ص ١٣٨.
43 محاسن التأويل ٧/ ٢٤١.
44 في ظلال القرآن ٥/ ٢٩٧٦.
45 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٥/ ١٧٥، بيان المعاني،عبد القادر العاني ٤/ ٦٣، أضواء البيان، الشنقيطي ٧/ ٨٦.
46 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٥/ ١٧٣.
47 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٥/ ١٧٥، تيسير اللطيف المنان، السعدي ص٣٤٥، التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ١٣/ ١١٣، تفسير الشعراوي ١٧/ ١٠٧٢١.
48 انظر: لباب التأويل، الخازن ٢/ ١٧٩، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/ ٣٨٤، التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ٤/ ٣٥٩.
49 انظر: التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ٦/ ١٢٢٣، أضواء البيان، الشنقيطي ٧/ ١١٢.
50 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٧/ ١١٤.
51 في ظلال القرآن ٥/ ٣١٨٧.
52 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/ ٤٣٠، فتح القدير، الشوكاني ٣/ ٥٣٨، في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/ ٣١٨٠، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٣/ ٦٩.
53 انظر: اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ٣/ ٧٧، أضواء البيان، الشنقيطي ٢/ ٣٦٠.
54 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/ ٢٤٢٣.
55 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٥/ ٢٦٠.
56 انظر: تفسير المنار، محمد رشيد رضا ٧/٢٢١، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٥/١٧٤، أضواء البيان، الشنقيطي ٧/ ٨٦.
57 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٤/٤٠٦، مفاتيح الغيب، الرازي ٢٧/ ٦٢١، تيسير اللطيف المنان، السعدي ص ٣٤٥، التفسير المنير، الزحيلي ٢٥/ ١٢٥.
58 انظر: تيسير اللطيف المنان، السعدي ص ٣٤٥، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٥/ ١٧٥.
59 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب ما يقول إذا ركب إلى سفر الحج وغيره، رقم ١٣٤٢، ٢/ ٩٧٨.
60 انظر: الوسيط، الزحيلي ٢/ ١٦٤٧، تفسير آيات الأحكام، السايس ص ٥١٢.
61 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٢/ ١٥٨.
62 انظر: المصدر السابق.
63 انظر: الهداية، مكي بن أبي طالب ٩/ ٥٨٩٥، أنوار التنزيل، البيضاوي ٤/ ٢٤٣، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٢/ ١٦٠.
64 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٤/ ٢٤٣، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٢/ ١٦٢.
65 انظر: المصادر السابقة.
66 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٤/ ٢٣٦، الوسيط، طنطاوي ٩/ ٢٣٩.
67 انظر: التصوير القرآني للقيم الخلقية والتشريعية، علي صبح ص ٢٨٧.
68 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٧٦٣، التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ١٣/ ٢٣١.
69 انظر: القرآن وعلوم الأرض، محمد سميح ص ١٩١.
70 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ٧/ ٦٩، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٦٣، التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ١١/ ٧٨٣، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٥/ ١٦٥، في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/ ٢٢٤١.
71 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٨/ ٢٣٨، مناهل العرفان، الزرقاني ١/ ٢٥.
72 التفسير القرآني للقرآن ٨/ ٥٢٥.
73 أخرجه أحمد في المسند، رقم ٨٩٥٢، ١٤/ ٥١٢، والبيهقي في السنن الكبرى رقم كتاب الشهادات، باب بيان مكارم الأخلاق ومعاليها، ٢٠٧٨٢، ١٠/ ٣٢٣.
والحديث صححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة ١/ ١١٢.
74 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب كسب الرجل وعمله بيده، رقم ٢٠٧٢، ٣/ ٥٧.
75 انظر: النكت، القصاب ٣/ ٦٨٧، روح المعاني، الألوسي ١٠/ ١٦٩.