عناصر الموضوع

مفهوم التزكية

التزكية في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

من له تزكية النفوس؟

أنواع الثناء على النفس

أنواع التزكية

التزكية وظيفة الأنبياء وأتباعهم

وسائل التزكية في القرآن

جزاء التزكية

التزكية

مفهوم التزكية

أولًا: المعنى اللغوي:

تدل مادة (زكا) على النمو والزيادة1. قال الراغب: «وأصل الزكاة: النمو الحاصل عن بركة الله تعالى، ويعتبر ذلك بالأمور الدنيوية والأخروية. يقال: زكا الزرع يزكو: إذا حصل منه نمو وبركة، ومنه الزكاة: لما يخرج الإنسان من حق الله تعالى إلى الفقراء، وتسميته بذلك لما يكون فيها من رجاء البركة، أو لتزكية النفس، أي: تنميتها بالخيرات والبركات، أو لهما جميعا، فإن الخيرين موجودان فيها»2.

ويقال: «زكى الرجل نفسه تزكيةً أي: مدحها. ومنه قوله تعالى: ( ﯛﯜ ) [النجم: ٣٢]. قيل: لا تمدحوها بحسن أعمالها»3.

وقد تطلق التزكية على الصلاح، قال الفيومي رحمه الله: «زكا الرجل يزكو إذا صلح وزكيته -بالتثقيل- نسبته إلى الزكاء وهو الصلاح»4.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

التزكية: إنها تعني: تطهير النفس من نزعات الشر والإثم، وتنمية فطرة الخير فيها؛ مما يؤدي إلى استقامتها، وبلوغها درجة الإحسان5.

وقيل: تخليص النفس الإنسانية من كل ما يتعلق بها من شوائب، ونواقص، وترسيخ الفضائل والقيم النبيلة والأخلاق السامية فيها، وتوجيهها إلى كل ما فيه الخير والصلاح6.

وترجمة ذلك كله في كلمتين مشهورتين عن أهل السلوك والطريق، وهما: (التخلية) و(التحلية). والمقصود من التخلية: هو تطهير النفس من الرذائل؛ كالحسد والرياء والكبر، والعجب وحب الدنيا، وغيرها من الرذائل. والمقصود بالتحلية: هو العمل بالطاعات والمبرات والقربات؛ مما يترتب عليه تحلي النفس وتزكيتها بالفضائل؛ كالعفة والشجاعة والعدل والصدق.

التزكية في الاستعمال القرآني

وردت مادة (زكى) في القرآن (٢٢) مرة7.

والصيغ التي وردت هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

الفعل الماضي

٥

( ) [الشمس:٩]

الفعل المضارع

١٥

( ) [التوبة:١٠٣]

صيغة المبالغة

٢

( ) [مريم:١٩]

وجاءت التزكية في الاستعمال القرآني على ثلاثة وجوه:

الأول: الإصلاح: ومنه قوله تعالى: ( ) [التوبة:١٠٣]. أي: تصلحهم بها.

الثاني: الثناء والمدح: ومنه قوله تعالى: ( ) [النجم:٣٢]. أي: فلا تمدحوها8.

الثالث: الطهارة والنقا: ومنه قوله تعالى: ( ) [الشمس:٩] أي: طهرها من الذنوب والمعاصي 9.

الألفاظ ذات الصلة

التربية:

التربية لغة:

قال ابن فارس: «الراء والباء والحرف المعتل يدل على أصلٍ واحد، وهو: الزيادة والنماء. تقول: ربا الشيء يربو، إذا زاد». ويتعدى بالتضعيف فيقال: ربيته وتربيته فتربى. وهذا مما يكون على معنيين:

أحدهما: من الذي ذكره، وهو النمو والزيادة؛ لأنه إذا ربي نما وزكا وزاد.

والمعنى الثاني: من ربيته من التربيب، من رب، بمعنى أصلحته وأحسنت القيام على أمره10.

التربية اصطلاحًا:

يرى ابن سينا: أن التربية تعني: إبلاغ الذات إلى كمالها الذي خلقت له. وقيل: التربية: تعنـي: تنمية وزيادة الوظائف الجسمية والعقلية والخلقية عند الإنسان، وذلك بهدف البلوغ إلى الكمال والرقي والتمام الإنساني، ولا يتم ذلك إلا عن طريق التدريب والمجاهدة المستمرة، بالإضافة إلى وجود القابلية والطواعية لدى هذا الإنسان11. وقيل: التربية طريقة لإعداد الإنسان الصحيح والصالح والمتميز بسلوكه الفكري والإنساني، والقادر على توظيف مصادر المعرفة لديه في حل مشاكله ومشاكل مجتمعه12.

الصلة بين التزكية والتربية:

عن العلاقة بينهما يقول الشيخ محمد الغزالي: «والتزكية أقرب الكلمات وأدلها على معنى التربية، بل تكاد التزكية والتربية تترادفان في إصلاح النفس، وتهذيب الطباع، وشد الإنسان إلى أعلى؛ كلما حاولت المثبطات والهواجس أن تسف به وتعوج»13.

التطهير:

التطهير لغة:

هو النقاء من الدنس والنجس ومن كل ما يشين14.

فالتطهير في المفهوم اللغوي يدور حول: النزاهة والنظافة، والخلوص من الأدناس؛ حسية كانت كالأنجاس، أم معنوية كالعيوب من الحقد والحسد ونحوهما15.

التطهير اصطلاحًا:

المقصود به في بحثنا: تطهير النفس وتنزيهها من الذنوب والخطايا والعيوب المعنوية، كالحقد والغل والكبر ونحوهم.

الصلة بين التزكية والتطهير بناءً على ماسبق ذكره:

يكونان متقاربين إلى غاية كبيرة في المفهوم والمضمون.

التهذيب:

التهذيب لغة:

التنقية مما يعيب. قال ابن فارس: «الهاء والذال والباء: كلمة تدل على تنقية شيء مما يعيبه. يقال: شيء مهذب: منقى مما يعيبه. وأصله الإهذاب: السرعة في الطيران والعدو، ومعناه أنه لا يمكن التعلق به... كذلك المهذب لا يتعلق منه بعيب »16، فتنقية كل شيءٍ وإصلاحه وتخليصه من الشوائب يسمى تهذيبًا17.

التهذيب اصطلاحًا:

لايخرج عن معناه اللغوي.

الصلة بين التزكية و التهذيب:

هما متقاربان في المفهوم والمضمون.

التدسية:

التدسية لغة:

إدخال الشيء تحت الشيء بما بفيد الستر والخفاء18.

قال ابن منظور: «دسس: الدس: إدخال الشيء من تحته، دسه يدسه دسًا فاندس ودسسه.....، ودسه يدسه دسًا إذا أدخله في الشيء بقهرٍ وقوة»19. وقال الفيومي: «دسه في التراب دسا -من باب قتل- أي: دفنه فيه، وكل شيء أخفيته فقد دسسته، ومنه يقال للجاسوس: دسيس القوم»20.

وفي التنزيل العزيز: ( ) [الشمس: ٩-١٠].

يعني: ( ) جعل نفسه زكيةً مؤمنةً، و( ) في أهل الخير وليس منهم21. قال البغوي: «و() أصله: دسسها من التدسيس، وهو إخفاء الشيء، فأبدلت السين الثانية ياء. والمعنى هاهنا: أخملها وأخفى محلها بالكفر والمعصية»22.

التدسية اصطلاحًا:

لا تخرج عن المفهوم اللغوي.

الصلة بين التزكية والتدسية:

العلاقة بينهما التناقض كما هو واضح. قال الزمخشري: «ودسى نفسه: نقيض زكاها»23.

من له تزكية النفوس؟

مما لاشك فيه أن الحق سبحانه وتعالى هو المطهر للنفوس المزكي لها بهدايته وتوفيقه؛ ولهذا نسبت التزكة إليه في قوله تعالى: ( ﯞﯟ ﯮﯯ ) [النساء: ٤٩-٥٠].

وقوله تعالى: ( ) عام في ظاهره، ولم يختلف أحد من المتأولين في أن المراد اليهود24.

قال النيسابوري: «ويدخل فيه كل من زكى نفسه، ووصفها بزكاء العمل أو قبول الطاعة والزلفى عند الله»25.

والرؤية: إما بمعنى الإبصار: أي ألم تنظر إليهم، وإما بمعنى الإدراك القلبي متضمنًا معنى الوصول والانتهاء: أي ألم ينته علمك إليهم. والاستفهام في قوله تعالى: ( ) للتعجب من أحوالهم، والتهوين من شأنهم، حيث بالغوا في مدح أنفسهم مع أنهم كاذبون في ذلك. فهم يصفون أنفسهم بالأفعال الحسنة، ويمدحونها مدحًا كثيرًا، مع أنهم لا يستحقون إلا الذم بسبب سوء أقوالهم وأفعالهم26.

قال أبو جعفر: «وأولى الأقوال بالصواب في: معنى (تزكية القوم)، الذين وصفهم الله بأنهم يزكون أنفسهم، وصفهم إياها بأنها لا ذنوب لها ولا خطايا، وأنهم لله أبناء وأحباء، كما أخبر الله عنهم أنهم كانوا يقولونه في قوله تعالى: ( ) [المائدة: ١٨].

وقوله تعالى: ( ) [البقرة: ١١١]؛ لأن ذلك هو أظهر معانيه؛ لإخبار الله عنهم أنهم إنما كانوا يزكون أنفسهم دون غيرها»27.

فالمراد بتزكيتهم أنفسهم: ادعاؤهم الطهارة عن المعاصي والرذائل، وهذا يدل على إدعائهم الصلاح. ولكن الحق سبحانه وتعالى يبطل معتقدهم وإدعائهم بإثبات ضده، فيقول تعالى: ( ) وهذا إضراب وإعراض عن قولهم.

قال أبو السعود: «عطفٌ على مقدر ينساق إليه الكلام: كأنه قيل هم لا يزكونها في الحقيقة لكذبهم وبطلان اعتقادهم، بل الله يزكي من يشاء تزكيته ممن يستأهلها من المرتضين من عباده المؤمنين؛ إذ هو العليم الخبير بما ينطوي عليه البشر من المحاسن والمساويء»28.

فهذه الآية تقتضي الغض من المزكي لنفسه بلسانه، والإعلام بأن الزاكي المزكى من حسنت أفعاله، وزكاه الله عز وجل، فليدع العباد تزكية أنفسهم، ويفوضوا أمر ذلك إلى الله سبحانه وتعالى، فإن تزكيتهم لأنفسهم مجرد دعاوى فاسدة، تحمل عليها محبة النفس، وطلب العلو، والترفع والتفاخر29.

قال الإمام الرازي عند تفسيره لقوله تعالى: ( ﯛﯜ ) [النجم: ٣٢]: «لما بالغ اليهود في تزكية أنفسهم -يعني: أثنوا على أنفسهم بما ليسوا هم له بأهل- ذكر تعالى في هذه الآية أنه لا عبرة بتزكية الإنسان نفسه، وإنما العبرة بتزكية الله له؛ لأن التزكية متعلقةٌ بالتقوى، والتقوى صفةٌ في الباطن، ولا يعلم حقيقتها إلا الله، فلا جرم لا تصلح التزكية إلا من الله، وفى هذا دلالة على أن الإيمان يحصل بخلق الله تعالى ؛ لأن أجل أنواع الزكاة والطهارة وأشرفها هو الإيمان، فلما ذكر تعالى أنه هو الذي يزكي من يشاء؛ دل على أن إيمان المؤمنين لم يحصل إلا بخلق الله تعالى »30.

وبعد أن بين الحق تعالى أنه لا تصلح التزكية إلا من الله، أتبع ذلك بقوله تعالى: ( ) وهذه الجملة عطفٌ على جملةٍ قد حذفت تعويلًا على دلالة الحال عليها، وإيذانًا بأنها غنيةٌ عن الذكر، أي: يعاقبون بتلك الفعلة القبيحة ولا يظلمون في ذلك العقاب31.

فالمقصود من الجملة: أنهم لا ينقصون أي قدر من أعمالهم، ولو كان كأصغر الأشياء التي لا يلتفت إليها، ولا يتجه النظر نحوها، ولو كان بقدر الفتيل، وهو الخيط الذي يكون في شق نواة التمر، أو القشرة التي تكون حول النواة، أو هو ما تفتله بين أصابعك من وسخ وغيره32.

وفى الآية موضع من العبرة: حيث يحذر الحق المسلمين الغرور بدينهم كما كان أهل الكتاب فى عصر التنزيل، وأن يبتعدوا عن تزكية أنفسهم بالقول، واحتقار من عداهم من المشركين، وأن يعلموا أن الله لا يحابى فى نظم الخليقة أحدًا، لا مسلمًا ولا يهوديًا ولا نصرانيًا، ألا ترى أن خاتم النبيين قد شج رأسه، وكسرت سنه، وردي فى حفرة من جراء تقصير عسكره فيما يجب من اتباع أمر القائد وعدم مخالفته، وأن يهتدوا بكتاب الله وبسنته فى الأمم، وأن يتركوا وساوس الدجالين الذين يصرفونهم عن الاهتداء بهدى كتابهم، ويشغلونهم بما لم ينزل الله به عليهم سلطانًا، فإنه ما زال ملكهم وما ذهب عزهم إلا بتركهم لهدى دينهم، واتباعهم لأولئك الدجالين والمشعوذين33.

ولما أخبر تعالى أن التزكية إنما هي إليه بما له من العظمة والعلم الشامل، وكان ذلك أمرًا لا نزاع فيه، وشهد عليهم بالضلال، والكذب، ثبت كذبهم فزاد في توبيخهم فقال معجبًا لرسوله صلى الله عليه وسلم من وقاحتهم واجترائهم على من يعلم كذبهم، ويقدر على معالجتهم بالعذاب: ( ﯮﯯ )[النساء: ٥٠]34.

فالآية: تشجب لمدعيات هؤلاء القوم، وتكذب مفترياتهم، وتفضحهم على رؤوس الأشهاد، وتدعو الناس جميعًا أن ينظروا إليهم وهم فى هذا الثوب الكاذب المفضوح35!!.

وهو تعجيب إثر تعجيب، وتنبيه على أن ما ارتكبوه متضمن لأمرين عظيمين موجبين للتعجيب: ادعاؤهم الاتصاف بما هم متصفون بنقيضه. وافتراؤهم على الله سبحانه، فإن ادعاءهم الزكاء عنده تعالى متضمن لادعائهم قبول الله وارتضاءه إياهم، تعالى عن ذلك علوًا كبيرًا، ولكون هذا أشنع من الأول جرمًا، وأعظم قبحًا -لما فيه من نسبته سبحانه وتعالى إلى ما يستحيل عليه بالكلية من قبول الكفر وارتضائه لعباده، ومغفرة كفر الكافر وسائر معاصيه- وجه النظر إلى كيفيته؛ تشديدًا للتشنيع وتأكيدًا للتعجيب. والتصريح بالكذب، مع أن الافتراء لا يكون إلا كذبًا؛ للمبالغة في تقبيح حالهم36. فجعل افتراءهم الكذب، -لشدة تحقق وقوعه-، كأنه أمر مرئي ينظره الناس بأعينهم، وإنما هو مما يسمع ويعقل، وكلمة ( ) نهاية في بلوغه غاية الإثم37.

وإنما وصف () بقوله: () في: ( )؛ لأن كذب الإنسان على مثله ممن قد يصدقه هذا معقول، لكن إن كذب على الله فهو قبيح؛ لذلك قال الحق: ( ). إذن فالكذب مطلقًا هو إثم، والكذب المبين: هو الكذب على الله38.

ولما كانت التزكية من الله للعباد فضلًا وكرمًا، امتن عليهم، فقال تعالى: ( ﭲﭳ ) [النور: ٢١].

قال الشيخ الشنقيطي: «بين -جل وعلا- في هذه الآية، أنه لولا فضله ورحمته، ما زكا أحد من خلقه، ولكنه بفضله ورحمته يزكي من يشاء تزكيته من خلقه. ويفهم من الآية أنه لا يمكن أحدًا أن يزكي نفسه بحال من الأحوال»39. فالآية: بيان لمظاهر فضله تعالى ولطفه بعباده المؤمنين. والمراد بالتزكية هنا: التطهير من أرجاس الشرك، ومن الفسوق والعصيان40.

قال الإمام الطبري: «ولولا فضل الله عليكم أيها الناس ورحمته لكم، ما تطهر منكم من أحد أبدًا من دنس ذنوبه وشركه، ولكن الله يطهر من يشاء من خلقه. وقوله: ( ) يقول: والله سميع لما تقولون بأفواهكم، وتلقونه بألسنتكم، وغير ذلك من كلامكم، عليم بذلك كله وبغيره من أموركم، محيط به، محصيه عليكم، ليجازيكم بكل ذلك»41.

وقال الإمام ابن عجيبة عند تفسيره لهذه الآية: «( ) بالهداية والتوفيق لأسباب التطهير والعصمة والحفظ، ( ) أي: ما طهر من أدناس العيوب ولوث الفواحش ( ) إلى ما لا نهاية له، وإذا كان التطهير والعصمة بيد الله فلا تروا لأنفسكم؛ فضلًا عمن لم يعصمه الله، فإنه مقهور تحت مجاري الأقدار، ( ) يطهر من يشاء من عباده بإفاضة آثار فضله ورحمته عليه بالحفظ والرعاية، أو بالتوبة بعد الجناية، ( ) سميع لأقوالكم وإن خفيت، ومن جملتها: الحلف على ترك فعل الخير، عليم بنياتكم وإخلاصكم»42.

أنواع الثناء على النفس

أولًا: الثناء المذموم:

إن هناك أناسًا كثيرين يظنون أن ثناء الإنسان على نفسه أمر مذموم مطلقًا، وفي كل الأحوال والمواطن، وفي المقابل هناك مبالغون في الثناء على أنفسهم في كل الأحوال والأوقات، والكل مجانب للصواب، فالثناء قد يكون مذمومًا في بعض الأحوال، و قد يكون محمودًا في بعضها، وإذا كان الأمر كذلك يمكن القول بأنه يمنع ثناء الإنسان لنفسه لغير ضرورة أو حاجة؛ لظاهر قوله تعالى: ( ﯛﯜ ) [النجم: ٣٢].

قال صاحب اللباب: «التزكية -ها هنا - عبارةٌ عن مدح الإنسان نفسه»43. قال ابن عباس: «أي: فلا تمدحوها». ( ) أي: بمن بر وأطاع وأخلص العمل لله تعالى 44. وقال الحسن: «علم الله من كل نفس ما هي صانعة وإلى ما هي صائرة، فلا تزكوا أنفسكم، ولا تبرؤوها عن الآثام، ولا تمدحوها بحسن أعمالها»45.

قال أبو حيان: «أي: لا تنسبوها إلى زكاء الأعمال والطهارة عن المعاصي، ولا تثنوا عليها، واهضموها، فقد علم الله منكم الزكي والتقي قبل إخراجكم من صلب آدم، وقبل إخراجكم من بطون أمهاتكم. وقال الكلبي ومقاتل: كان الناس يعملون أعمالًا حسنة ثم يقولون: صلاتنا وصيامنا وحجنا، فأنزل الله تعالى هذه الآية»46.

قال الثعالبي: «وقوله سبحانه: ( ) ظاهره النهي عن تزكية الإنسان نفسه»47.

وهذا إذا كان على سبيل الإعجاب أو الرياء، لا على سبيل الاعتراف بالنعمة، والتحدث بها، فإنه جائز لأن المسرة بالطاعة طاعة، وذكرها شكرها. والأحسن في إيراد الاعتراف والشكر أن يقدم ذكر نقصه، فيقول مثلًا: كنا جهالًا فعلمنا الله، وكنا ضلالًا فهدانا الله، وكنا غافلين فأيقظنا الله، وهكذا، فنحن اليوم كذا وكذا48.

وقال الزمخشري: «وهذا إذا كان على سبيل الإعجاب أو الرياء: فأما من اعتقد أن ما عمله من العمل الصالح من الله وبتوفيقه وتأييده ولم يقصد به التمدح: لم يكن من المزكين أنفسهم؛ لأن المسرة بالطاعة طاعة، وذكرها شكر»49.

وقد جاء في صحيح مسلم: عن محمد ابن عمرو بن عطاءٍ، قال: سميت ابنتي برة، فقالت لي زينب بنت أبي سلمة: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا الاسم، وسميت برة)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزكوا أنفسكم، الله أعلم بأهل البر منكم) فقالوا: بم نسميها؟ قال: (سموها زينب)50.

قال القرطبي عند تفسيره لهذه الآية: «فقد دل الكتاب والسنة على المنع من تزكية الإنسان نفسه»51.

ذلك أن المثني على نفسه يكون قد وقع في عدة محاذير شرعية، منها: الكبر والعجب وأن يكون فخورًا... إلخ وكلها أمراض خطيرة تورث النفس الهلكة، وتقودها إلى جهنم وبئس المصير. وقد قيل لحكيم: ما الذي لا يحسن أن يقال وإن كان حقا، فقال: «مدح الرجل نفسه، وقد قال معاوية رحمه الله لرجل: من سيد قومك، فقال: أنا، فقال: لو كنته لما قلته»52.

خلاصة القول: أن الأصل منع الإنسان الثناء على نفسه؛ لما قد يصاحبه من العجب أو الفخر؛ ولذا يحذر الحق سبحانه وتعالى أتباع هذا الدين الحنيف من مدح أنفسهم والثناء عليها بأي شئ مما تمدح له النفس، أو يتباهى به تباهيًا وتفاخرًا على الغير؛ لأن هذا ثناء ومدح مذموم، فإذا كان الله تعالى ( ﭿ ) [آل عمران: ٥]، يعلم البر والفاجر التقي والعاصي، فلا حاجة لمثل هذا الثناء البغيض. فأعرف الناس بنفسه أشدهم إيقاعًا للتهمة بها في كل ما يبدو ويظهر له منها، وأجهلهم بمعرفتها وخفايا آفاتها وكوامن مكرها من زكاها، وأحسن ظنه بها؛ لأنها مقبلةٌ على عاجل حظوظها، معرضةٌ عن الاستعداد لآخرتها53.

ثانيًا: الثناء المحمود:

إذا دعت حاجة أو ضرورة لأن يمدح الإنسان نفسه فإن الأمر يكون جائزًا ومباحًا ولاشيء فيه، بل قد يستحب أو يجب في بعض الأحوال. قال الإمام السيوطي: «يحسن من الإنسان الثناء على نفسه في مواضع مستثناة من الأصل الغالب، وهو أن الإنسان يهضم نفسه ولا يثني عليها»54. وقال السيوطي أيضًا: «قال ابن الجوزي رحمه الله: اعلم أن المدحة إذا خلت عن البغي والاستطالة على أهل الحق، وكان مقصود قائلها إقامة حق أو إبطال جور أو إظهار نعمة، لم يلم»55.

ومن المواطن التي يجوز فيها للإنسان أن يثني على نفسه: الموطن الذي يشبه ما قال فيه يوسف صلى الله عليه وسلم: ( ﭸﭹ ) [يوسف: ٥٥]

قال ابن كثير: «مدح نفسه، ويجوز للرجل ذلك إذا جهل أمره، للحاجة. وذكر أنه () أي: خازن أمين، () ذو علم وبصر بما يتولاه. وسأل العمل لعلمه بقدرته عليه، ولما في ذلك من المصالح للناس، وإنما سأل أن يجعل على خزائن الأرض، وهي الأهرام التي يجمع فيها الغلات؛ لما يستقبلونه من السنين التي أخبرهم بشأنها؛ ليتصرف لهم على الوجه الأحوط والأصلح والأرشد، فأجيب إلى ذلك رغبة فيه، وتكرمة له؛ ولهذا قال تعالى: ( ﭿ ﮆﮇ ﮋﮌ ) [يوسف: ٥٦ - ٥٧]»56.

وقال القرطبي: «دلت الآية أيضًا على أنه يجوز للإنسان أن يصف نفسه بما فيه من علم وفضل، قال الماوردي: وليس هذا على الإطلاق في عموم الصفات، ولكنه مخصوص فيما اقترن بوصفه، أو تعلق بظاهره مكسب، وممنوع منه فيما سواه؛ لما فيه من تزكية ومراءاة، ولو ميزه الفاضل عنه لكان أليق بفضله، فإن يوسف دعته الضرورة إليه لما سبق من حاله، ولما يرجو من الظفر بأهله»57.

ومن المواطن التي يجوز فيها الثناء: ما قاله شعيب: ( ) [القصص: ٢٧].

قال الطبري: «( ) أي: في حسن الصحبة والوفاء بما قلت»58.

وقال الزمخشري: «يريد بالصلاح: حسن المعاملة ولين الجانب. ويجوز أن يريد الصلاح على العموم»59.

والمراد باشتراطه مشيئة الله فيما وعد من الصلاح: الاتكال على توفيقه فيه ومعونته؛ لأنه إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل ذلك60.

يقول شمس الدين ابن قيم الجوزية عن هذا الموطن المحمود: قال: «وكذلك -يعني من الثناء الجائز- إذا اثنى الرجل على نفسه ليخلص بذلك من مظلمة وشر، أو ليستوفى بذلك حقًا له يحتاج فيه الى التعريف بحاله، أو ليقطع عنه اطماع السفلة فيه أوعند خطبته الى من لا يعرف حاله»61.

وكذلك يكون الثناء على النفس ممدوحًا: إذا لم ينصف الإنسان أو نوزع أو عورض، أو كان بين قوم لا يعرفون مقامه، فسيدنا أبو بكر رضي الله عنه لما ولى الخلافة وخطب قائلًا: «إنى وليت عليكم ولست بخيركم»62 على قاعدة التواضع وهضم النفس، ثم بلغه عن بعض الناس كلام، فخطب فقال: «ألست أحق الناس بها؟ ألست أول من أسلم؟ ألست صاحب كذا؟ ألست صاحب كذا؟»63 فحدث بمناقبه وأثنى على نفسه بمحاسنه عندما تكلم بعضهم في مبايعته64.

ومن مواطن الثناء الجائزة: المواطن التي يكون المقصد منها التحدث بنعمة الله، كما قال الله: ( ) [الضحى: ١١].

وعن عبد الله بن غالب أنه كان إذا أصبح يقول: «رزقني الله البارحة خيرًا، قرأت كذا وصليت كذا، فإذا قيل له: يا أبا فراس مثلك يقول مثل هذا؟ قال: يقول الله تعالى: ( ) وأنتم تقولون: لا تحدث بنعمة الله». وإنما يجوز مثل هذا إذا قصد به اللطف، وأن يقتدى به غيره، وأمن على نفسه الفتنة، والستر أفضل65.

وروي عن الحسن بن علي في قوله: ( ) قال: «إذا أصبت خيرًا فحدث إخوانك ليقتدوا بك». وعن عمرو بن ميمون أنه قال: «من قام لورده في الليل فلا بأس أن يحدث به الثقة من إخوانه، ويقول: رزقني الله كذا وكذا»66.

ولما سئل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه عن الصحابة فأثنى عليهم وذكر خصالهم، فقالوا له: فحدثنا عن نفسك فقال: «مهلًا، فقد نهى الله عن التزكية. فقيل له: أليس الله تعالى يقول: ( ) فقال: فإني أحدث، كنت إذا سئلت أعطيت، وإذا سكت ابتديت، وبين الجوانح علم جم، فاسألوني»67.

استحب بعض السلف التحدث بما عمله من الخير إذا لم يرد به الرياء والافتخار، وعلم الاقتداء به68.

وقال ابن القيم: «الشيء الواحد يكون صورته واحدة، وهو ينقسم إلى: محمود، ومذموم، فمن ذلك: التحدث بالنعمة شكرًا، والفخر بها. فالأول: القصد به إظهار فضل الله وإحسانه ونعمته، والثاني: القصد به الاستطالة على الناس والبغي عليهم، والجور والتعدي، وإهانتهم واستعبادهم، وهذا هو المذموم»69.

قال النووي: «باب مدح الإنسان نفسه وذكر محاسنه: قال الله تعالى: ( ) [النجم: ٣٢].

اعلم أن ذكر محاسن نفسه ضربان: مذموم، ومحبوب. فالمذموم: أن يذكره للافتخار، وإظهار الارتفاع، والتميز على الأقران، وشبه ذلك. والمحبوب: أن يكون فيه مصلحة دينية، وذلك بأن يكون آمرًا بمعروف، أو ناهيًا عن منكر، أو ناصحًا، أو مشيرًا بمصلحة، أو معلمًا، أو مؤدبًا، أو واعظًا، أو مذكرًا، أو مصلحًا بين اثنين، أو يدفع عن نفسه شرًا، أو نحو ذلك، فيذكر محاسنه ناويًا بذلك أن يكون هذا أقرب إلى قبول قوله واعتماد ما يذكره، أو أن هذا الكلام الذي أقوله لا تجدونه عند غيري فاحتفظوا به، أو نحو ذلك»70.

خلاصة القول: أن الثناء على النفس يبين حكمه آيتان في القرآن، الأولى قوله: ( ﯛﯜ ) [النجم: ٣٢].

وهذا لمن يقصد الفخر والعجب والاستطالة على خلق الله، وهذا مذموم، والثانية: ( ) [الضحى: ١١]، وهذا لمن بعد عن الفخر والعجب، ويريد التحدث بنعم الله عليه والتعريف بها، والاعتراف بفضل الله عليه، أو التعريف بنفسه لمن لا يعرفه، وعلى ذلك يحمل قول النبي: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع)71.

وأشباه ذلك كثيرة72.

أنواع التزكية

إن الناظر في آيات القرآن يجد أنه قد تحدث عن نوعين:

أولًا: التزكية الفطرية:

التزكية الفطرية هي التي تكون مع الإنسان وملازمة له منذ ولادته، وعندما يكون في مرحلة الطفولة والبراءة إلى أن يبلغ الحلم، فعنده فطرية الإيمان، ونقاء السريرة، وطهارة النفس، وصفاء القلب، يقول سبحانه وتعالى: ( ) [الكهف: ٧٤].

وردت هذه الآية في سياق سرد القرآن الكريم لقصة سيدنا موسى عليه السلام مع العبد الصالح الخضر، فبعد المشهد العجيب الأول وهو خرق السفينة، كان المشهد العجيب الثاني وهو قتل الغلام الصغير، المشار إليه بقوله: ( ) فاشتد بموسى الغضب، وأخذته الحمية الدينية، فانطلق لسانه عليه السلام ولعله هنا يمثل كل إنسان على سليقته حال رؤيته مثل هذا المشهد- حيث قال: ( ) كيف عرف سيدنا موسى عليه السلام وحكم أن نفس الغلام زكية هكذا، رغم أنه لأول مرة يرى هذا الغلام؟، إنها التزكية الفطرية التي هي الأصل الذي يولد بها كل إنسان، لقد وصف النفس بالزاكية لأنها نفس غلامٍ لم يبلغ الحلم فلم يقترف ذنبًا فكان زكيًا طاهرًا73 على أصل خلقته، وهذه هي التزكية الفطرية، فكل إنسان يولد على التزكية الفطرية التي تشمل كونه على عبادة الله، وطاهرًا من العيوب والذنوب74.

أولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، وينصرانه، أو يمجسانه..)75؟.

ولما انضم إلى ذلك كون هذا القتل (بغير نفس) أى: بغير مستند لقتله76 ازداد عجب سيدنا موسى عليه السلام فقال: ( ) أى: منكرًا عظيمًا. يقال: نكر الأمر، أى: صعب واشتد. والمقصود: ( ) أشد من الأول -وهو خرق السفينة- في فظاعته واستنكار العقول له77.

ومن قبيل التزكية الفطرية أيضًا ما جاء في سورة مريم في قوله تعالى: ( ﭿ ﮋﮌ ) [مريم: ١٦-١٩].

يقول الإمام الرازي: «لما علم جبريل عليه السلام خوفها قال: ( ) ليزول عنها ذلك الخوف، ولكن الخوف لا يزول بمجرد هذا القول، بل لابد من دلالة تدل على أنه كان جبريل عليه السلام وما كان من الناس»78.

قال القرطبي: «قال لها جبريل عليه السلام: ( )، أسند الفعل إليه وإن كانت الهبة من الله تعالى لأنه أرسل به ( ). قال ابن عباس: ولدًا صالحًا طاهرًا من الذنوب»79. وهو عيسى عليه السلام، أو ناميًا على الخير، أي مترقيًا من سن إلى سن على الخير والصلاح80.

قال الإمام أبو زهرة: «أي: غلامًا طاهرًا ناميًا في جسمه ونفسه وروحه، وكل ما يتصل بالنمو الإنساني الكامل»81.

خلاصة القول: أن التزكية الفطرية هى تزكية يمر بها كل إنسان يولد في هذه الحياة الدنيا، وتكون تلك التزكية الفطرية في مرحلة بداية ولادة الإنسان، إلى مرحلة أن يصير غلامًا؛ لأنه في تلك المرحلة غير مكلف، بل هو في مرحلة الصفاء والنقاء والإيمان الفطري بالله. وتمتد التزكية الدائمة من الله بعد ذلك للأنبياء دون غيرهم؛ لأنهم متصفون بالعصمة والوقوع في الزلل.

ثانيًا: التزكية المكتسبة:

يقصد بالتزكية المكتسبة: التزكية التي يكتسبها الإنسان من خلال مجاهدته لنفسه الأمارة بالسوء، ومقاومة شهواته المختلفة؛ لتتخلى تلك النفس عن القبائح والرذائل، وتتحلى بالفضائل من السلوكيات والأخلاق، من خلال العمل بالطاعات والمبرات والقربات، وهذا يعنـي أن التزكية المكتسبة تحتاج لأمرين: الأمر الأول: عزيمة قوية وإرادة متينة. الثاني: الاستمرار طالما بقي الإنسان على قيد الحياة.

من أجل ذلك أمر الله الحق بها، فقال تعالى: ( ﯿ ﰀﰁ ) [فاطر: ٨١].

يحض الحق سبحانه وتعالى على تزكية النفوس وتطهيرها فيقول: ( ﯿ ﰀﰁ ).

يقول تعالى ذكره: ومن يتطهر من دنس الكفر والذنوب بالتوبة إلى الله، والإيمان به، والعمل بطاعته، فإنما يتطهر لنفسه، وذلك أنه يثيبها به رضا الله، والفوز بجنانه، والنجاة من عقابه الذي أعده لأهل الكفر به82.

فالجملة الكريمة دعوة من الله تعالى للناس إلى تزكية النفوس وتطهيرها من كل سوء، بعد بيان أن كل نفس مسؤولة وحدها عن نتائج أفعالها، وأن أحدًا لن يلبي طلب غيره في أن يحمل شيئًا عنه من أوزاره83.

وقوله: ( ) يعنـي: وإلـى الله مصير كل عامل منكم أيها الناس، مؤمنكم وكافركم، وبركم وفاجركم، وهو مجازٍ جميعكم بما قدم من خير وشر على ما أهل منه84.

قال الرازي: «ثم قال تعالى: «( ) أي: مصير المتزكي إن لم تظهر فائدته عاجلًا، فالمصير إلى الله يظهر عنده في يوم اللقاء في دار البقاء، والوازر إن لم تظهر تبعة وزره في الدنيا فهي تظهر في الآخرة؛ إذ المصير إلى الله»85.

قال صاحب الظلال: «( ﯿ ) لا لك ولا لغيرك. إنما هو يتطهر لينتفع بطهره. والتطهر معنى لطيف شفاف، يشمل القلب وخوالجه ومشاعره، ويشمل السلوك واتجاهاته وآثاره. وهو معنى موحٍ رفاف. ( ) وهو المحاسب، والمجازي، فلا يذهب عمل صالح، ولا يفلت عمل سيئ، ولا يوكل الحكم والجزاء إلى غيره ممن يميلون أو ينسون أو يهملون»86.

إذن القرآن يدعوا إلى تزكية النفس ويدعو الإنسان إلى السعي والبحث عن الوسائل التي تساعده على تزكية نفسه، وتطهيرها من الآثام والذنوب، وسيأتي الحديث عن تلك الوسائل في السطور القادمة إن شاء الله.

التزكية وظيفة الأنبياء وأتباعهم

لقد نسب الحق سبحانه وتعالى التزكية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه المربي والمزكي لأمته، والمرشد لها إلى طريق الخير، وهذه هي المهمة التي كلفه الله تعالى بها وأمره بأدائها.

قال تعالى: ( )[البقرة: ١٥١-١٥٢].

وقد اختلف المفسرون في اتصال قوله: ( ) بما قبلها أو بعدها على قولين: قال العلماء: ( ) كاف التشبيه تحتاج إلى شيء ترجع إليه:

فقيل: ترجع إلى ما قبلها: والتقدير: لقد حولت القبلة إلى شطر المسجد الحرام لأتم نعمتي عليكم إتماما مثل إتمام نعمتي عليكم؛ بإرسال الرسول صلى الله عليه وسلم فيكم؛ إجابة لدعوة إبراهيم وإسماعيل إذ قالا: ( ) وإن قلنا: إنها متعلقة بما قبلها كان وجه التشبيه: أن النعمة في أمر القبلة كالنعمة بالرسالة. وهو تشبيه يدل على عظم شأن تحويل القبلة إلى الكعبة87.

وقيل: إن الكاف متعلقة بما بعدها وهو قوله: ( ): والتقدير: ( ) يعلمكم الدين القويم، والخلق المستقيم ومنحتكم هذه النعمة فضلًا مني وكرمًا، () بالشكر عليها () برحمتي وثوابي، ووجه التشبيه أن النعمة بالذكر جارية مجرى النعمة بإرسال الرسول.

وتبين الآية الكريمة صفات الرسول صلى الله عليه وسلم والتي من بينها التزكية، فعدد هنا خمس صفات هي بمثابة وظائف للرسول، وهي على النحو الآتي:

الصفة الأولى: ( ) وقوله: () متعلق بـ () وقدم على المفعول تعجيلًا بإدخال السرور، وقوله: () في موضع نصب؛ لأنه صفة لقوله: () والمخاطبون بهذه الآية الكريمة هم العرب. وفي إرساله الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم وهو منهم نعمة تستوجب المزيد من الشكر؛ لأن إرساله منهم يسبقه معرفتهم لنشأته الطيبة وسيرته العطرة، ومن شأن هذه المعرفة أن تحملهم على المسارعة إلى تصديقه والإيمان به، ولأن في إرساله فيهم وهو منهم شرف عظيم لهم، ومجد لا يعدله مجد؛ حيث جعل سبحانه خاتم رسله من هذه الأمة، ولأن المشهور من حالهم الأنفة الشديدة من الانقياد، فكون الرسول منهم ادعى إلى إيمانهم به وقبولهم لدعوته88.

فالحق يمن على العرب بأن جعل فيهم رسولًا منهم ليقول مانًا عليهم بذلك، كما من عليهم بجعل القبلة إلى الحرم الآمن الذي قدسوه وكرموه، فالرسول صلى الله عليه وسلم أرسل فيهم وهو منهم، كما قال تعالى: ( ). [التوبة: ١٢٨].

فهو فيهم ومنهم، وهو أكثر تأليفًا لقلوبهم، ورعاية لنفوسهم وهو الحق من ربهم89.

وقد قال كذلك: ( ) [آل عمران: ١٦٤]

الصفة الثانية: ( ).

قال صاحب اللباب: «فيه نعمٌ عليكم عظيمة؛ لأنه معجزة باقية تتأدى به العبادات، ومستفاد منه مجامع الأخلاق الحميدة. وإذا كان المراد بالآيات القرآن، فالتلاوة فيه ظاهرة، وإذا كان المراد بالآيات المعجزات، فمعنى التلاوة لها تتابعها؛ لأن الأصل في التلاوة التتابع، يقال: جاء القوم يتلو بعضهم بعضًا أي بعضهم إثر بعض»90.

وفي هذه الجملة -كما قال الألوسي- إشارة إلى طريق إثبات نبوته عليه الصلاة والسلام ؛ لأن تلاوة الأمي للآيات الخارجة عن طوق البشر باعتبار بلاغتها واشتمالها على الإخبار بالمغيبات والمصالح التي ينتظم بها أمر المعاد والمعاش؛ أقوى دليل على نبوته91.

الصفة الثالثة: ().

قال ابن كثير: «أي: يطهرهم من رذائل الأخلاق ودنس النفوس وأفعال الجاهلية»92.

من وأد البنات، وقتل الأولاد؛ تخلصًا من النفقة، وسفك الدماء لأوهن الأسباب، ويغرس فيها فاضل الأخلاق وحميد الآداب. وبهذه الزكاة التي زكوا بها أنفسهم فتحوا الممالك الكبرى، وكانوا أئمة الأمم التي كانت تحتقر هذا الجنس، وعرفوا لهم فضلهم بعدلهم وسياستهم للأمم سياسة حكيمة أنستهم سياسة الأمم التي قبلهم، وجعلت لذلك الدين أثرًا عميقًا في نفوسهم، فدانوا لحكمه خاضعين، واهتدوا بهديه راشدين93.

فالتزكية تطهير النفس؛ لأن في أصل خلقة النفوس كمالات وطهارات تعترضها أرجاس ناشئة عن ضلال أو تضليل، فتهذيب النفوس وتقويمها يزيدها من ذلك الخير المودع فيها.

قال تعالى: ( ) [التين: ٤-٦].

وفي الحديث: (بعثت لأتمم حسن الأخلاق)94، ففي الإرشاد إلى الصلاح والكمال نماء لما أودع الله في النفوس من الخير في الفطرة95.

«إن الإسلام كما جاء بالتوحيد الماحي للشرك، جاء بالتهذيب المطهر من سفساف الأخلاق وقبائح العادات والمعاصي التي كانت فاشية في العرب، فقد كانوا يئدون بناتهم -يدفنونهن أحياء- ويقتلون أولادهم للتخلص من النفقة عليهم، وذلك نهاية القسوة والشح، وكانوا يسفكون الدماء فيما بينهم لأهون سبب يثير حميتهم الجاهلية؛ لما اعتادوه من البغي في الثارات، ومن شن الغارات، ونهب بعضهم بعضًا، وكان عندهم من التسفل أن أحدهم يتزوج زوج أبيه أو يعضلها حتى تفتدي منه، إلى غير ذلك. وقد زكاهم النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك كله باقتدائهم بأخلاقه العظيمة في عباداته الكاملة وآدابه العالية، وجمعهم بعد تلك الفرقة، وألف الله بينهم على يديه، حتى صاروا كرجل واحد، وجعلت شريعته ذمتهم واحدة يسعى بها أدناهم، فإذا أعطى مولى أو رقيق لهم أمانا لأي إنسان محارب؛ كان ذلك كتأمين أمير المؤمنين له، فأي تزكية أعلى من هذه التزكية؟»96.

وقدمت جملة () هنا على جملة ( ) عكس ما جاء في الآية السابقة في حكاية قول إبراهيم: ( ﭿ)؛ لأن المقام هنا للامتنان على المسلمين، فقدم ما يفيد معنى المنفعة الحاصلة من تلاوة الآيات عليهم، وهي منفعة تزكية نفوسهم اهتمامًا بها، وبعثًا لها بالحرص على تحصيل وسائلها وتعجيلًا للبشارة بها. أما في دعوة إبراهيم فقد رتبت الجمل على حسب ترتيب حصول ما تضمنته في الخارج، مع ما في ذلك التخالف من التفنن. وقيل: حيث يقدم التزكية يكون معظم المخاطبين عوامًا مقلدين ليسوا أهلًا لتعلم الحكمة والكتاب، فتكون التزكية أهم، وحيث يقدم التعليم يكون المخاطبون خواصًا، فيكون الأهم التعليم مع أن كلا الأمرين مطلوب97.

وإذا أشرقت النفوس بنور الحق، وتحلت بالأخلاق الحميدة، قويت على تلقي ما يرد عليها من الحقائق السامية. فقال: ( ) وهي صفة رابعة للرسول صلى الله عليه وسلم. أي: ويعلمكم القرآن الكريم، ويبين لكم ما انطوى عليه من الحكم الإلهية، والأسرار الربانية، التي لأجلها وصف بأنه هدى ونور، فالنبى صلى الله عليه وسلم كان يتلوه عليهم ليحفظوا نظمه ولفظه؛ حتى يبقى مصونًا من التحريف والتصحيف، ويرشدهم إلى ما فيه من أسرار وحكم ليهتدوا بهديه، ويستضيئوا بنوره. () وهي العلم المقترن بأسرار الأحكام ومنافعها، الباعث على العمل بها، ذاك أن سنة الرسول العملية وسيرته صلى الله عليه وسلم في بيته، ومع أصحابه في السلم والحرب، والسفر والإقامة، فى القلة والكثرة، جاءت مفصلة لمجمل القرآن، مبينة لمبهمه، كاشفة لما في أحكامه من الأسرار والمنافع، ولولا هذا الإرشاد العملي لما كان البيان القولي كافيًا في انتقال الأمة العربية من طور الشتات والفرقة والعداء والجهل، إلى الائتلاف والاتحاد، والتآخي والعلم، وسياسة الأمم.

فالنبى صلى الله عليه وسلم وقف أصحابه على فقه الدين، ونفذ بهم إلى سره، فكانوا حكماء علماء عدولًا أذكياء، حتى إن أحدهم كان يحكم المملكة العظيمة، ويقيم فيها العدل، ويحسن السياسة، وهو لم يحفظ من القرآن إلا بعضه، لكنه فقهه وعرف أسرار أحكامه98.

وقوله تعالى: ( ) صفة خامسة له صلى الله عليه وسلم. قال القاسمي: «تنبيه على أنه تعالى أرسل رسوله على حين فترة من الرسل، وجهالة من الأمم، فالخلق كانوا متحيرين ضالين في أمر أديانهم. فبعث الله تعالى النبي بالحق، حتى علمهم ما احتاجوا إليه في دينهم، فصاروا أعمق الناس علمًا، وأبرهم قلوبًا، وأقلهم تكلفًا، وأصدقهم لهجة، وذلك من أعظم أنواع النعم.

قال تعالى: ( ) [آل عمران: ١٦٤] الآية.

وذم من لم يعرف قدر هذه النعمة فقال تعالى: ( ﮋﮌ ) [إبراهيم: ٢٨].

قال ابن عباس يعني: بنعمة الله، محمدًا صلى الله عليه وسلم. والمراد بعدم علمهم: أنه ليس من شأنهم أن يعلموه بالفكر والنظر وغير ذلك من طرق العلم؛ لانحصار الطريق في الوحي.

ومما لم يكونوا يعلمونه وعلمهم إياه صلى الله عليه وسلم: وجوه استنباط الأحكام من النصوص أو الأصول المستمدة منها، وأخبار الأمم الماضية، وقصص الأنبياء، وغير ذلك مما لم تستقل بعلمه عقولهم. وبهذا النوع من التعليم صار الدين كاملًا قبل انتهاء عهد النبوة99.

إذًا التزكية هي إحدى وظائف الأنبياء عليهم السلام جميعًا، وقد أدوها خير الأداء دون تقصير أو إخلال، فالنبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ الرسالة و أدى الأمانة، وبما أن العلماء الذين هم الصف الأول في اتباع الأنبياء، فهم ورثة الأنبياء، والأنبياء عليهم السلام لم يورثوا درهما ولا دينارًا، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر، إن مهمة التزكية تنتقل إليهم بوفاة الأنبياء.

وسائل التزكية في القرآن

إن طبيعة الأديان تعتبر النفس الصالحة هي البرنامج المفضل لكل إصلاح، والخلق القوي هو الضمان الخالد لكل حضارة. وليس في هذا تهوين، ولا غض من عمل الساعين لبناء المجتمع والدولة، بل هو تنويه بقيمة وأهمية تزكية النفوس والإصلاح النفسي في صيانة الحياة وإسعاد الأحياء.

إن النفس المختلسة تثير الفوضى في أحكم النظم، وتستطيع النفاذ منه إلى أغراضها الدنيئة، والنفس الكريمة ترقع الفتوق في الأحوال المختلفة، ويشرق نبلها من داخلها، فتحسن التصرف والمسير وسط الأنواء والأعاصير100، ومن هنا كان حتمية تزكية النفس وإصلاحها وتقويمها، وسوف نستعرض أهم وسائل التزكية من خلال القرآن على النحو الآتي:

لكن قبل ذلك نقول: أنه يقصد بوسائل التزكية: الأعمال التي تؤثر تاثيرًا مباشرًا على النفس بأن تشفيها من مرض، أو تخرجها من أسر، أو تحققها بخلق101.

أولًا: الإيمان:

الأساس الأول في التزكية هو الإيمان بالله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له، فهذا هو الوسيلة الأساسية والأولى التي تبنى عليها كافة الوسائل الأخرى للتزكية، فلابد لكل بناء من أساس، وبمقدار قوة ذلك الأساس ورسوخه بمقدار ما ينهض البناء ويعلو ويقاوم الأعاصير، وبناء النفس على الاستقامة والصلاح، أساسه العبودية الحقة لله وحده، والإيمان به سبحانه وتعالى وبالدين الحق الذي ارتضاه لعباده؛ ليكون لهم شرعة ومنهاجًا، والإيمان ليس مجرد إعلان المرء بلسانه أو كلمات يرددها بين الحين والآخر، وإنما هو ما وقر في القلب وصدقه العمل، فهو عمل نفسي يبلغ أغوار النفس ويصحبه الخضوع والطاعة والتسليم والعبادة، وكلما ازداد الإيمان رسوخًا أثمر ثمراته اليانعة في تزكية النفس واستقامة السلوك102.

والقرآن قد بين أركان الإيمان الستة في قوله تعالى: ( ﭸﭹ ﭿﮀ ﮃﮄ ) [البقرة: ١٧٧].

وقوله تعالى: ( )[القمر: ٤٩].

وقد جاء في حديث جبريل المشهور بيان لأصل الإيمان الذي هو التصديق الباطن، وفيه تفصيل لما يجب أن نؤمن به، وذلك جوابًا عن قوله صلى الله عليه وسلم: (فأخبرني ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال صلى الله عليه وسلم: صدقت)103.

فالإيمان بالله من شأنه أن يفجر المشاعر النبيلة، ويوقظ حواس الخير، ويربي ملكة المراقبة، ويبعث على طلب المعالي من الأمور وأشرفها، وينأى بالمرء عن محقرات الأعمال وسفسافها.

والإيمان بالملائكة يدعو إلى التشبه بهم والتعاون معهم على الحق والخير، كما يدعو إلى الوعي الكامل واليقظة التامة، فلا يصدر من الإنسان إلا ما هو حسن، ولا يتصرف إلا لغاية كريمة.

والإيمان بالكتب السماوية السابقة، إنما هو عرفان بالمنهج الرشيد الذي رسمه الله للإنسان كي يصل بالسير عليه إلى كماله المادي والأدبي.

والإيمان بالرسل إنما يقصد به ترسم خطاهم، والتخلق بأخلاقهم، والتأسي بهم، باعتبارهم أنهم يمثلون القيم الصالحة، والحياة النظيفة التي أرادها الله للناس. فالتمسك بما جاءوا به هو الطريق الموصل إلى سعادة الدنيا والآخرة.

والإيمان باليوم الآخر هو أقوى باعث على فعل الخير، وترك الشر، فيحرص الإنسان على طاعة الله؛ رغبة في ثواب ذلك اليوم، والبعد عن معصيته؛ خوفًا من عقاب ذلك اليوم.

والإيمان بالقدر خيره وشره حلوه ومره، يزود المؤمن بقوى وطاقات إيمانية تساعده على تحدي كل العقاب والصعاب. والمؤمن بالقدر إذا رزقه الله مالًا، أو جاهًا أو علمًا أو غير ذلك تواضع لله؛ لعلمه أن هذا من الله وبقدر الله، ولو شاء لانتزعه منه، إنه على كل شيء قدير، كما أنه يجعله يرضى بالله ربًا مدبرًا مشرعًا، فتمتليء نفسه بالرضا عن ربه، فإذا رضي بالله أرضاه الله104.

وهكذا يبدو بجلاء أن العقيدة الإسلامية، وأسسها يقصد بها تهذيب السلوك، وتزكية النفوس، وتوجيهها نحو الأمثل، فضلًا عن أنها حقائق ثابتة، بل هي تعد من أعلى المعارف الإنسانية إن لم تكن أعلاها على الإطلاق، وتهذيب سلوك الفرد وتزكية نفسه من خلال الإيمان وغرس العقيدة الإيمانية هو من أعظم أساليب التربية، ذلك أن للدين سلطانًا على النفوس وتأثيرًا على المشاعر والأحاسيس، لا يكاد يدانيه في سلطانه وتأثيره شيء آخر من الوسائل التي ابتكرها العلماء والحكماء ورجال التربية105.

ولهذا جعل القرآن الإيمان رأس تزكية النفوس، فقال موسى عليه السلام لفرعون عدو الله: ( ) [النازعات: ١٨-١٩]

قال الطبري: «فقل له يا موسى: هل لك إلى أن تتطهر من دنس الكفر، وتؤمن بربك؟» 106. يعني: هل ترغب في توحيد ربك، وتشهد أن لا إله إلا الله، وتزكي نفسك من الكفر؛ فتطهر من الذنوب107وهذا لطف في الاستدعاء؛ لأن كل عاقل يجيب مثل هذا السؤال بنعم، وتزكى108.

فالمقصود من الآية: حثه على أن يستعد لتخليص نفسه من العقيدة الضالة التي هي خبث مجازي في النفس، فيقبل إرشاد من يرشده إلى ما به زيادة الخير، فإن فعل المطاوعة يؤذن بفعل فاعل يعالج نفسه ويروضها إذ كان لم يهتد أن يزكي نفسه بنفسه109.

فالحق أرشده إلى طريق الدعوة بألطف طريق؛ وذلك أن يعرض عليه ليؤامر نفسه ويرى رأيه، كما تقول للضيف: ألا تنزل بنا؟ وهذا فحوى قوله: ( )110.

وهنا يرد سؤال: لم أمرا بتليين القول للعدو المعاند؟ جوابه: لأن من عادة الجبابرة إذا أغلظ لهم في الكلام أن يزدادوا عتوًا وعلوًا. وقيل: لما له من حق تربية موسى شبه حق الأبوة111.

ولما أشار له إلى الطهارة عن الشرك، أتبعها بالأعمال فقال: () أي: أبين لك بعد التزكية بالإيمان الذي هو الأساس: كيف المسير ( ) أي: الموجد لك، والمحسن إليك، والمربي لك بتعريفك ما يرضيه من الأعمال، وما يغضبه من الخصال، بعد أن بلغك في الدنيا غاية الآمال () أي: فيتسبب عن ذلك أنك تصير تعمل أعمال من يخاف من عذابه خوفًا عظيمًا، فتؤدي الواجبات وتترك المحرمات وسائر المنهيات، فتصير إلى أعلى رتب التزكية، فتجمع ملك الآخرة إلى ملك الدنيا، فإن الخشية هي الحاملة على كل خير، والآمن هو الحامل على الشر. وتقديم التزكية على الهداية لأنها تخلية112.

أي: أن المطلوب أولًا: التخلي عن دنس الشرك والكفر بالإيمان، ثم التحلي ثانيًا بخصال الخير والفضائل وملء النفس بالأخلاق الفاضلة، وإحلالها محل الأخلاق الرذيلة -وعلى رأسها الشرك- بعد أن خليت منها.

وقوله: ( ) خبر مبتدأ مضمر. و( ) متعلق بذلك المبتدأ، وهو حذفٌ سائغٌ، والتقدير: هل لك سبيل إلى التزكية، ومثله: هل لك في الخير، تريد: هل لك رغبة في الخير113.

وفى هذا الأسلوب القرآنى الخطة المثلى، والمثل الكامل القويم لأصحاب الدعوات، من القادة، والزعماء، والمصلحين، إنهم لن يبلغوا بدعوتهم مواطن الإقناع، ولن يحصلوا منها على ثمر طيب، إلا إذا جعلوا الرفق واللين سبيلهما إلى الناس، والا إذا غذوها بمشاعر الحب، والرغبة الصادقة فى الإصلاح، وبخاصة إذا كان الداعي يدعو إلى حق، ويهدف إلى هدى وإصلاح، ( ﮬﮭ ) [النحل: ١٤٥].

وليس مما يدخل فى هذا الباب، المداهنة، والمخادعة، والنفاق، فذلك كله شر، إذا اختلط بالدعوة الصالحة أفسدها، وإذا خالط الحق أثار الدخان الكثيف فى سمائه الصافية، فغشى على الأبصار، وحجب الرؤية عن مواقع الهدى114.

ومن هنا يظهر لنا أن نقطة البداية والنهاية في تزكية النفس هي التوحيد، فهو الذي يطهر النفوس من أدران الشرك، وما يستتبعه الشرك من عجب وغرور، وكبر وحسد، وغير ذلك، وبقدر ما يتعمق التوحيد في النفس بقدر ما تزكو وتتحقق بثمرات التوحيد من صبر وشكر، وعبودية، وتوكل، ورضا115.

ثانيًا: أمهات العبادات:

إن العبادات التي شرعت في الإسلام واعتبرت أركانًا في الإيمان به ليست طقوسًا مهمة في النوع الذي يربط الإنسان بالغيوب المجهولة، ويكلفه بأداء أعمال غامضة، وحركات لا معنى لها، كلا، فالفرائض التي ألزم الإسلام بها كل منتسب إليه، هي تمارين متكررة لتعويد المرء أن يحيا بأخلاق صحيحة، وأن يطهر نفسه من قبائح الأعمال، فالصلاة والصيام والحج، وما أشبه هذه الطاعات من تعاليم الإسلام هي مدارج الكمال المفرد، وروافد التطهر الذي يصون الحياة ويعلي شأنها، فإذا لم يستفد المرء منها ما يزكي قلبه، وينقي لبه، ويهذب بالله وبالناس صلته فقد هوى116 وسوف نعرض لذلك كما يلي:

الوسيلة الأولى: الصلاة:

تأتي الصلاة في الرتبة الأولى من العبادات التي لها دور في تزكية النفس، وتطهيرها من الآثام والشرور، ولأهمية هذه الشعيرة عند الحق لم يعف منها مسلم ولا مسلمة -كأصل عام- مهما كانت ظروفهما، فلا يحول دون أدائها فقر ولا ضعف، ولا مرض ولا سفر، بل لم يعف منها مسلم وقت الحرب -ولذلك كانت صلاة الخوف-، وهذا دليل قاطع على منزلة الصلاة عند الله؛ لما فيها من فوائد تعود على مؤديها بالخير والصلاح في الدنيا والآخرة117.

فالصلاة أبان الله لنا الحكمة منها قائلًا: ( ﯡﯢ ﯨﯩ ﯬﯭ )[العنكبوت: ٤٥].

يقول الإمام ابن كثير: «إن الصلاة تشتمل على شيئين: على ترك الفواحش والمنكرات، أي: إن مواظبتها تحمل على ترك ذلك»118.

فالصلاة تنأى بالمؤمن عن الغرور بمتاع الدنيا، والاستعلاء على غيره من خلق الله وظلمهم والطغيان فيهم، حين يقف بين يدي الواحد الديان، خاشعًا مكبرًا ومتجردًا ومنصرفًا عن كل متاع الدنيا وزخرفها، متوجهًا إلى الحق سبحانه إيمانًا بأن العزة كلها لله. ( ) حين تقام حق القيام ( ) ذلك أنها اتصال بالله، يخجل صاحبه ويستحيي أن يصطحب معه كبائر الذنوب وفواحشها ليلقى الله بها، وهي تطهرٌ وتجردٌ لا يتسق معها دنس الفحشاء والمنكر وثقلهما119.

فالصلاة في الإسلام تشكل دعامة أساسية من دعامات التهذيب النفسي، فالإبعاد عن الرذائل، والتطهير من سوء القول، وسوء العمل، هو حقيقة الصلاة، وهذا هو جوهر التزكية.

الوسيلة الثانية: الزكاة:

إن الزكاة -ومثلها الصدقة- ليست ضريبة تؤخذ من الجيوب، بل هي تطهير للنفس من داء البخل والشح، وتدريبها على البذل والسخاء، وتربيتها على الإنفاق والعطاء. وعليه فتشكل الزكوات والإنفاق في سبيل الله الوسيلة الثانية في الأهمية في باب التزكية، قال تعالى: ( ) [النساء: ١٢٨].

والإنفاق في سبيل الله هو الذي يطهر النفس من الشح فتزكو بذلك النفس120 كما قال: ( ﮢﮣ ﮧﮨ ) [التوبة ١٠٣].

قال ابن عباس: لما أطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا لبابة وصاحبيه انطلق أبو لبابة وصاحبه، فأتوا بأموالهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: خذ أموالنا وتصدق بها عنا، وصل علينا، يريدون استغفر لنا وطهرنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا آخذ شيئًا منها حتى أومر به)، فأنزل الله عز وجل: ( ...) الآية. فظاهر قوله: () أن الزكاة إنما وجبت لكونها طهرة من الآثام. فأمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يأخذ من أموالهم صدقة يطهرهم ويزكيهم به121.

وكأن الحق يقول: () يا أكمل الرسل ( ) أى: من أموال هؤلاء المذنبين التائبين النادمين عما صدر عنهم من المخالفة حين أذنوا لك أن تخرج أنت منها ( ) عن أدناس الطبيعة المولعة بحب المال والحرص في جمعها ونمائها ( ) أى: تصفي بواطنهم عن الشواغل العائقة عن اللذات الروحانية.

قال ابن كثير: «وهذا عام، وإن أعاد بعضهم الضمير في () إلى الذين اعترفوا بذنوبهم، وخلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا»122.

فالزكاة تطهر صاحبها عن خبث البخل المهلك، وإنما طهارته بقدر بذله، وبقدر فرحه بإخراجه واستبشاره بصرفه إلى الله تعالى123؛ ولهذا جعل الحق الإنفاق والزكاة سببًا من الوقاية من النار فقال: ( ) [الليل: ١٧-١٨].

غاية القول: أن للزكاة دورًا في تزكية النفس؛ ذلك أنها تدرب الإنسان على قهر نفسه وقمع شهواتها، بل يتعدى دور الزكاة إلى تزكية وتطهير نفس المحتاجين من الحقد والحسد، والمقاربة بين نفوس المؤمنين، فيحل التحاب والتواد محل البغضاء والكراهية.

الوسيلة الثالثة: الصوم:

يأتي الصوم في المرتبة الثالثة من الأهمية في تزكية الأنفس، فمن الشهوات العاتية عند الإنسان شهوتا البطن والفرج، ذلك أن المقصود من الصيام حبس النفس عن الشهوات، وفطامها عن المألوفات، وتعديل قوتها الشهوانية؛ لتستعد لطلب ما فيه غاية سعادتها ونعيمها، وقبول ما تزكو به مما فيه حياتها الأبدية، ويكسر الجوع والظمأ من حدتها وسورتها، ويذكرها بحال الأكباد الجائعة من المساكين.

وتضيق مجاري الشيطان من العبد بتضييق مجاري الطعام والشراب، وتحبس قوى الأعضاء عن استرسالها لحكم الطبيعة فيما يضرها في معاشها ومعادها، ويسكن كل عضو منها وكل قوة عن جماحه وتلجم بلجامه، فهو لجام المتقين، وجنة المحاربين، ورياضة الأبرار والمقربين، وهو لرب العالمين من بين سائر الأعمال، فإن الصائم لا يفعل شيئًا، وإنما يترك شهوته وطعامه وشرابه من أجل معبوده، فهو ترك محبوبات النفس وتلذذاتها إيثارا لمحبة الله ومرضاته، وهو سر بين العبد وربه لا يطلع عليه سواه، والعباد قد يطلعون منه على ترك المفطرات الظاهرة، وأما كونه ترك طعامه وشرابه وشهوته من أجل معبوده، فهو أمر لا يطلع عليه بشر، وذلك حقيقة الصوم124.

إن الصوم علاج للنفس للبشرية، فرضه الله لحكمة ارتضاها؛ وقاية وصيانة وجهادًا وتربية وترقية وتهذيبًا، كما قال: ( )[القرة: ١٨٣].

لأن الصيام وصلة إلى التقى؛ إذ هو يكف النفس عن كثير مما تتطلع إليه من المعاصي125.

فالحق سبحانه بين بهذا الكلام أن الصوم يورث التقوى؛ لما فيه من انكسار الشهوة وانقماع الهوى، فإنه يردع عن الأشر والبطر والفواحش، ويهون لذات الدنيا ورئاستها؛ وذلك لأن الصوم يكسر شهوتي البطن والفرج، وإنما يسعى الناس لهذين، كما قيل في المثل السائر: المرء يسعى لعارية بطنه وفرجه، فمن أكثر الصوم هان عليه أمر هذين، وخفت عليه مؤنتهما، فكان ذلك رادعًا له عن ارتكاب المحارم والفواحش، ومهونًا عليه أمر الرياسة في الدنيا، وذلك جامع لأسباب التقوى126.

والحديث عن الصيام ذو شجون، جملة الحديث: أن الصوم كما يقول الإمام الكمال بن الهمام -أحد فقهاء الحنفية- في فوائد الصوم: «أن الصوم يسكن النفس الأمارة بالسوء ويكسر سورتها في الفضول المتعلقة بجميع الجوارح، من العين واللسان والأذن والفرج؛ ولذلك قيل: إذا جاعت النفس شبعت جميع الأعضاء، وإذا شبعت جاعت كلها»127.

ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يوصي الشباب، والذين تموج بهم عواصف الشهوات، وتكون غرائزهم مهيأة لاقترافها أكثر من غيرهم بالزواج، فإن لم يستطيعوا إليه سبيلًا، فإن أنجع طريق لهم مقيدة لشهواتهم وكسر حدتها الصوم؛ فيقول صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء)128.

الوسيلة الرابعة: الحج:

الحج في الإسلام فريضة على كل مسلم ومسلمة، بالغ، عاقل، قادر على تكاليف الحج والقيام به، كما قال الله: ( ﯕﯖ ) [آل عمران: ٩٧].

وقد نوه الحق بشأن دور الحج في تهذيب النفوس ومعالجته لها من بعض أمراضها فقال: ( ﭓﭔ ) [البقرة: ١٩٧].

بين الحق أثر الحج في تهذيب النفوس والسلوكيات فقال: ( ) [البقرة: ١٩٧]

يبين الحق سبحانه وتعالى في هذه الآية ثلاثة أمور ينبغي أن ينتبه إليها كل مسلم، لأهميتها في تزكية النفوس:

أولًا: الرفث:

قال ابن كثير: «وقوله: ( ) أي: من أحرم بالحج أو العمرة، فليجتنب الرفث، وهو الجماع، كما قال تعالى: ( ) [البقرة: ١٨٧].

وكذلك يحرم تعاطي دواعيه من المباشرة والتقبيل ونحو ذلك، وكذا التكلم به بحضرة النساء. أي: التعريض بذكر الجماع، ذلك بأن يقول مثلًا: (إذا حللنا فعلت بك كذا وكذا)، وما أشبه ذلك»129.

قال ابن العربي: «المراد بقوله: ( ) نفيه مشروعًا لا موجودًا، فإنا نجد الرفث فيه ونشاهده، وخبر الله سبحانه لا يجوز أن يقع بخلاف مخبره، وإنما يرجع النفي إلى وجوده مشروعًا لا إلى وجوده محسوسا»130.

ثانيًا: الفسوق:

قال ابن كثير: «وقوله: ( ) قيل: هي المعاصي. وقيل: الفسوق إتيان معاصي الله في الحرم. وقيل: الفسوق هاهنا السباب، متمسكين بما ثبت في الصحيح (سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر)131.

ثم قال بعد ذكر تلك الأقوال: «والذين قالوا: الفسوق هاهنا هو جميع المعاصي، معهم الصواب، كما نهى تعالى عن الظلم في الأشهر الحرم، وإن كان في جميع السنة منهيا عنه، إلا أنه في الأشهر الحرم آكد؛ ولهذا قال تعالى: ( ﯖﯗ ﯚﯛ ) [التوبة: ٣٦].

وقال في الحرم: ( ) [الحج: ٢٥]»132.

وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي حازم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)133.

ثالثًا: الجدال:

قال ابن عباس: الجدال هو المراء، وهو أن يماري الرجل صاحبه ويخاصمه حتى يغضبه. وقيل: هو الجدال الذي يخاف معه الخروج إلى السباب، والتكذيب، والتجهيل134.

فالمراد النهى عن المماراة والمنازعة التي تؤدى إلى البغضاء وتغير القلوب. قال النيسابوري: «( ) أي: لا نزاع للسالك الصادق في طلب الوصول لا بالفروع ولا بالأصول، فلا في مالها -أي: الدنيا- مع أحد يخاصم، ولا في جاهها لأحد يزاحم، فمن نازعه في شيء من ذلك يسلمها إليه ويسلم عليه ( ) [الفرقان: ٦٣]»135.

فإن قيل: ما الحكمة في أن الله تعالى ذكر هذه الألفاظ الثلاثة: وهي الرفث، والفسوق، والجدال في الحج، من غير زيادةٍ ولا نقصٍ؟. فالجواب: لأنه ثبت في العلوم العقلية أن للإنسان أربع قوىً: قوة شهوانيةٌ بهيميةٌ، وقوةٌ غضبيةٌ سبعيةٌ، وقوةٌ وهميةٌ شيطانيةٌ، وقوة عقليةٌ ملكيةٌ، والمقصود من جميع العبادات قهر القوى الثلاث، أعني: الشهوانية والغضبية والوهمية. فقوله: ( ) إشارةٌ إلى قهر الشهوانية. وقوله: ( ) إشارةٌ إلى قهر القوة الغضبية التي توجب المعصية والتمرد. وقوله: ( ) إشارةٌ إلى قهر القوة الوهمية، التي تحمل الإنسان على الجدال في ذات الله، وصفاته، وأفعاله، وأحكامه، وأسمائه، وهي الباعثة على منازعة الناس، ومماراتهم، والمخاصمة معهم في كل شيءٍ، فلما كان سبب الشر محصورًا في هذه الأمور الثلاثة؛ لا جرم لا يذكر معها غيرها136.

وقال القاسمي: «قال بعضهم: النكتة في منع هذه الأشياء على أنها آداب لسانية: تعظيم شأن الحرم، وتغليظ أمر الإثم فيه، إذ الأعمال تختلف باختلاف الزمان والمكان، فللملأ آداب غير آداب الخلوة مع الأهل. ويقال في مجلس الإخوان ما لا يقال في مجلس السلطان. ويجب أن يكون المرء في أوقات العبادة والحضور مع الله تعالى على أكمل الآداب، وأفضل الأحوال، وناهيك بالحضور في البيت الذي نسبه الله سبحانه إليه! وأما السر فيها على أنها محرمات الإحرام، فهو أن يتمثل الحاج أنه بزيارته لبيت الله تعالى مقبل على الله تعالى، قاصد له، فيتجرد عن عاداته ونعيمه، وينسلخ من مفاخره ومميزاته على غيره، بحيث يساوي الغني الفقير، ويماثل الصعلوك الأمير، فيكون الناس من جميع الطبقات في زي كزي الأموات، وفي ذلك -من تصفية النفس، وتهذيبها، وإشعارها بحقيقة العبودية لله، والأخوة للناس- ما لا يقدر قدره، وإن كان لا يخفى أمره!»137.

جملة القول: أن الحج تعويد للنفس على معانٍ، منها بذل الجهد والمال في سبيل الله، والاستسلام والخضوع لأمر الله، وتربية للنفس على خصال الخير ومحامد الطبائع والأخلاق.

ثالثًا: الأخلاق والقيم:

إذا كان القرآن قد بين أن للإيمان أثرًا في تزكية النفوس من خلال التخلي عن الكفر والنفاق، والتحلي بالإيمان والعبودية لله تعالى، كما بين أن للعبادات أثرًا في تزكية النفوس مثل الصلاة والزكاة والحج ونحوهم، أيضًا بين لنا القرآن أثر القيم والأخلاق في تزكية النفوس والارتقاء بها نحو الفضيلة والاستقامة على منهج الإسلام وطريقه الواضح القويم، ويمكن بيان أهمها كما يلي:

أولًا: أكل الطيبات:

وقد أشار إلى ذلك قوله تعالى في سياق الحديث عن أصحاب الكهف: ( ﮩﮪ ﮯﮰ ﯗﯘ )[الكهف: ١٩].

قال الإمام الطبري: «يقول تعالى ذكره: كما أرقدنا هؤلاء الفتية في الكهف، فحفظناهم من وصول واصل إليهم، وعين ناظر أن ينظر إليهم، وحفظنا أجسامهم من البلاء على طول الزمان، وثيابهم من العفن على مر الأيام بقدرتنا، فكذلك بعثناهم من رقدتهم، وأيقظناهم من نومهم؛ لنعرفهم عظيم سلطاننا، وعجيب فعلنا في خلقنا، وليزدادوا بصيرة في أمرهم الذي هم عليه من براءتهم من عبادة الآلهة، وإخلاصهم لعبادة الله وحده لا شريك له، إذا تبينوا طول الزمان عليهم، وهم بهيئتهم حين رقدوا.

وقوله: ( ) يقول: ليسأل بعضهم بعضًا ( ) يقول عز ذكره: فتساءلوا، فقال قائل منهم لأصحابه: ( ) وذلك أنهم استنكروا من أنفسهم طول رقدتهم ( ) يقول: فأجابه الآخرون فقالوا: ( )، ظنًا منهم أن ذلك كذلك كان، فقال الآخرون: ( ) فسلموا العلم إلى الله»138.

وقوله: ( ) يعني: مدينتهم التي خرجوا منها هرابًا، التي تسمى (أفسوس) ( ) ذكر أنهم هبوا من رقدتهم جياعًا، فلذلك طلبوا الطعام139.

وعليه فالمعنى: ( )، أي: أحل من جهة أنه ذبيحة مؤمن، أو من جهة أنه غير مغصوب، وأطهر وأجود وأطيب وأكثر بركة وأرخص. ( )، أي: بطعام منه. ()، أي: وليرفق في السؤال. ( )، أي: لا يعلمن بمكانكم أحدًا من الناس. ( )، يعني: إن يطلعوا عليكم ()، يقتلوكم. ( )، أي لن تفوزوا، ولن تسعدوا ( ) إن عبدتم غير الله تعالى140.

والآية تحمل جملة من الفوائد لها تأثير في تزكية النفس الإنسانية والارتقاء بها: منها كما قال الإمام الألوسي: «والإشارة فيه.... إلى أن اللائق بأهل الإسلام استعمال الورع، ألا ترى كيف طلب القائل الأزكى، ولذلك قال ذو النون: العارف من لا يطفىء نور معرفته نور ورعه...»141.

ومنها: الحث على العلم، وعلى المباحثة فيه؛ لكون الله بعثهم لأجل ذلك. ومنها: الأدب فيمن اشتبه عليه العلم، أن يرده إلى عالمه، وأن يقف عند حده. ومنها: صحة الوكالة في البيع والشراء، وصحة الشركة في ذلك. ومنها: جواز أكل الطيبات، والمطاعم اللذيذة، إذا لم تخرج إلى حد الإسراف المنهي عنه؛ لقوله: ( ) [الكهف: ١٩].

ومنها: الحث على التحرز، والاستخفاء، والبعد عن مواقع الفتن في الدين، واستعمال الكتمان في ذلك على الإنسان وعلى إخوانه في الدين. ومنها: شدة رغبة هؤلاء الفتية في الدين، وفرارهم من كل فتنة، في دينهم وتركهم أوطانهم في الله. ومنها: ذكر ما اشتمل عليه الشر من المضار والمفاسد، الداعية لبغضه، وتركه، وأن هذه الطريقة، هي طريقة المؤمنين المتقدمين، والمتأخرين لقولهم: ( )[الكهف: ٢٠]142.

ثانيًا: الاستئذان عند دخول البيوت أو الرجوع:

وإليه يشير قوله تعالى في سوة النور: ( ﯻﯼ ﯿ ﭚﭛ ﭠﭡ ﭤﭥ ) [النور: ٢٧-٢٨].

جاءت امرأة من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله إني أكون في بيتي على حال لا أحب أن يراني عليها أحد، فلا يزال يدخل علي رجل من أهلي فنزلت: ( ) الآية143.

والنداء للذين آمنوا، وفي ذلك إشارة إلى ما يطلبه سبحانه من خواص أهل الإيمان، وهو من الأدب الذي يناسب إيمانكم وهو عدم التهجم على الأسر، وتكشف أستارها، وتحاشي إزعاجها144. ومعنى قوله تعالى: ( ) أي: بيوتًا ليست لكم145.

والصواب من القول في الاستئناس: أن يقال: إن الاستئناس: الاستفعال من الأنس، وهو أن يستأذن أهل البيت في الدخول عليهم، مخبرًا بذلك من فيه، وهل فيه أحد؟ وليؤذنهم أنه داخل عليهم، فليأنس إلى إذنهم له في ذلك، ويأنسوا إلى استئذانه إياهم. وقد حكي عن العرب سماعًا: اذهب فاستأنس، هل ترى أحدًا في الدار؟ بمعنى: انظر هل ترى فيها أحدًا؟146.

( ) بيان حكم الآية أنه لا يدخل بيت الغير إلا بعد الاستئذان والسلام. واختلفوا في أيهما يقدم فقال الأكثرون: يقدم السلام، ففي الآية تقديم وتأخير، وهذا صفة الاستعلام والسلام147.

فتأويل الكلام إذن: ( ) (تسلموا وتستأذنوا) وذلك أن يقول أحدكم: السلام عليكم، أأدخل؟148.

وعبر سبحانه عن الاستئذان في الدخول بالاستئناس؛ لأنه يوحي بأن القادم قد استأنس بمن يريد الدخول عليهم وهم قد أنسوا به، واستعدوا لاستقباله، فهو يدخل عليهم بعد ذلك وهم متهيئون لحسن لقائه، فإذا ما صاحب كل ذلك التسليم عليهم، كان حسن اللقاء أتم وأكمل149.

فإن قيل: أن كلمة () للغاية، والحكم بعد الغاية يكون بخلاف ما قبلها، فقوله: ( ) يقتضي جواز الدخول بعد الاستئذان، وإن لم يكن من صاحب البيت إذن، فما قولكم فيه؟

الجواب: من وجوه:

أحدها: أن الله تعالى جعل الغاية الاستئناس لا الاستئذان، والاستئناس لا يحصل إلا إذا حصل الإذن بعد الاستئذان.

وثانيها: أنا لما علمنا بالنص أن الحكمة في الاستئذان أن لا يدخل الإنسان على غيره بغير إذنه فإن ذلك مما يسوءه، وعلمنا أن هذا المقصود لا يحصل إلا بعد حصول الإذن، علمنا أن الاستئذان ما لم يتصل به الإذن وجب أن لا يكون كافيًا.

وثالثها: أن قوله تعالى: ( ) فحظر الدخول إلا بإذن، فدل على أن الإذن مشروط بإباحة الدخول في الآية الأولى150.

وقوله: () أي: استئناسكم وتسليمكم على أهل البيت الذي تريدون دخوله ( ﯿ) من تحية الجاهلية والدمور -وهو الدخول بغير إذن- فكان الرجل من أهل الجاهلية إذا دخل بيت غيره يقول: حييتم صباحًا، وحييتم مساء، ثم يدخل فربما أصاب الرجل مع امرأته في لحاف واحد ( ) أي: قيل لكم هذا لكي تذكروا وتتعظوا وتعملوا ما أمرتم به في باب الاستئذان151 وغيره مما أمركم الله به.

وقد خاطب بالإشارة بأمرين: أولهما- أنه ( ﯿ)، لكي تصان الأعراض، وتستر العورات، ولا يكون نطاق اتهام، ونفور بالاستيحاش، وحيث كشفت الأستار كانت الفتن وكان ظن السوء، فتسود القطيعة، والتفاحش، ورمي الأبرياء. ثانيهما- رجاء التذكر وتعرف المصلحة وتحري الاحتشام، حتى من الآباء والأمهات152.

وقد ثبت في الصحيح: أن أبا موسى حين استأذن على عمر ثلاثًا، فلم يؤذن له، انصرف. ثم قال عمر: ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس يستأذن؟ ائذنوا له. فطلبوه فوجدوه قد ذهب، فلما جاء بعد ذلك قال: ما رجعك؟ قال: إني استأذنت ثلاثًا فلم يؤذن لي، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا استأذن أحدكم ثلاثًا، فلم يؤذن له، فلينصرف). فقال: لتأتين على هذا ببينة وإلا أوجعتك ضربًا. فذهب إلى ملأ من الأنصار، فذكر لهم ما قال عمر، فقالوا: لا يشهد لك إلا أصغرنا. فقام معه أبو سعيد الخدري فأخبر عمر بذلك، فقال: ألهاني عنه الصفق بالأسواق153.

من خلال ما سبق يتضح: أن الاستئناس والتسليم لثلاثة أسباب:

أولها: أن يكون صاحب البيت ليس على حال يصح للقاء واستقبال الناس.

وثانيها: احترام الملكية، سواء أكانت ملكية عينية بأن يكون البيت ملكه، أو ملكية منفعة إذا كان مؤجرًا.

وثالثها: إزالة وحشة المفاجأة154.

ثم قال: ( ﭚﭛ ﭠﭡ ﭤﭥ ) [النور: ٢٨].

قال أبو بكر بعد نزول ( ) الآية: يا رسول الله، أرأيت الخانات والمساكن التي ليس فيها ساكن، فنزل ( ) [النور: ٢٩] الآية155.

قال ابن العربي: «هذا تبيان من الله لإشكال يلوح في الخاطر، وهو أن يأتي الرجل إلى منزل لا يجد فيه أحدًا، فيقول في نفسه: إذا كانت المنازل خالية فلا إذن؛ لأنه ليس هناك محتجب، فيقال له: إن الإذن يفيد معنيين. أحدهما: الدخول على أهل البيت. والثاني: كشف البيت واطلاعه، فإن لم يكن هنالك أحد محتجب، فالبيت محجوب لما فيه، وبما فيه، إلا بإذن من ربه»156.

يعني: ( ) أي: إن وجدتموها خالية ( ﭚﭛ ) أي: إن ردوكم فلا تقفوا على أبوابهم وتلازموها. والضمير في ( ) للبيوت التي هي بيوت الغير157 ( ) أي: الرجوع هو أطهر وأطيب وأصلح لكم؛ لما فيه من سلامة الصدور والبعد عن الريبة؛ ذلك أنه لا يخلو الإلحاح والوقوف على الباب وفي ذلك من الكراهة وترك المروءة، وهذا لا يليق بكرامة الكريم، أو أنفع لدينكم ودنياكم. قوله: ( ) أي: من الدخول بالإذن وغير الإذن. () فيعلم ما تأتون وما تذرون مما كلفتموه، فيجازيكم عليه، وهو وعيد للمخاطبين، فالمقصود من هذا الإخبار: إفادة لازمه، وهو المجازاة على هذه الأعمال158.

وهكذا فإن الآيات تظهر عظمة الإسلام في حرصه على حفظ العرض، واحترام الخصوصية، ومراعاة مشاعر الناس، وتقف في وجه النفس الإنسانية التي دوما تريد التطلع والنظر دونما قيود أو شروط، فتأتي تلك الضوابط والتوجيهات لتسمو بالنفس من الدنية إلى الطهر والتزكية التي تصلح الحال وتريح البال.

قال الزمخشري: «وإذا نهى عن ذلك لأدائه إلى الكراهة، وجب الانتهاء عن كل ما يؤدي إليها من قرع الباب بعنف، والتصييح بصاحب الدار، وغير ذلك مما يدخل في عادات من لم يتهذب من أكثر الناس»159.

فهذه آداب اجتماعية شرعية ذات مدلول حضاري، وتمدن رفيع؛ لما فيها من تنظيم لحياة المجتمع، وأحوال الأسر في البيوتات؛ حفظًا لروابط الود والمحبة، وإبقاء على حسن العشرة، وتبادل الزيارات بين المؤمنين160.

ثالثًا: غض البصر وحفظ الفرج:

ويشير إلى ذلك قوله تعالى: ( ﭿ ﮄﮅ ﮈﮉ ﮋﮌ ) [النور: ٣٠].

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ( ﭿ) بالله وبك يا محمد ( ) أي: يكفوا من نظرهم إلى ما يشتهون النظر إليه، مما قد نهاهم الله عن النظر إليه ( ) هذا أمر بالتعفف، و(من) للتبعيض، والمراد غض البصر عما يحرم، والاقتصار به على ما يحل.

فإن قلت: كيف دخلت في غض البصر دون حفظ الفروج؟

قلت: دلالة على أن أمر النظر أوسع. ألا ترى أن المحارم لا بأس بالنظر إلى شعورهن وصدورهن وثديهن وأعضادهن وأسوقهن وأقدامهن، والأجنبية ينظر إلى وجهها وكفيها وقدميها في إحدى الروايتين. وأما أمر الفرج فمضيق، وكفاك فرقًا أن أبيح النظر إلا ما استثنى منه، وحظر الجماع إلا ما استثنى منه. -وهذا على أن المراد حفظها عن الإفضاء إلى ما لا يحل161ولم يذكر الله تعالى ما يغض البصر عنه ويحفظ الفرج، غير أن ذلك معلوم بالعادة، وأن المراد منه المحرم دون المحلل162.

وقيل: المراد حفظها عن الإبداء.. يعني على المعنى الثاني: ( ﭿ ) أبصارهم عن عورات النساء، ويحفظوا فروجهم عن أبصار الناس.

قال الإمام ابن كثير: «وحفظ الفرج تارة يكون بمنعه من الزنى، كما قال: ( ) [المعارج: ٢٩-٣٠].

وتارة يكون بحفظه من النظر إليه، كما جاء في الحديث في مسند أحمد والسنن: (احفظ عورتك، إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك)163»164.

( ) يقول: فإن غضها من النظر عما لا يحل النظر إليه، وحفظ الفرج عن أن يظهر لأبصار الناظرين أو عن الإفضاء إلى ما لا يحل، أطهر لهم عند الله وأفضل ( ﮋﮌ ) يقول: إن الله ذو خبرة بما تصنعون -أيها الناس- فيما أمركم به من غض أبصاركم عما أمركم بالغض عنه، وحفظ فروجكم عن إظهارها لمن نهاكم عن إظهارها له، أو عن ما لايحل لها165.

فالأمر للمؤمنين بغض البصر فيه تزكية للنفوس، وتطهير للمجتمع من أدران الفاحشة، والتردي في بؤرة الفساد والتحلل الخلقي، وتجنيب للنفوس من أسباب الإغراء والغواية.

قال الإمام أبو زهرة: «( ) ذلك، وهو غض البصر، وحفظ الفروج، أطهر لكم، فيكون المجتمع طاهرًا نقيًا سليمًا، والبيوت طاهرة سليمة، وهم في ذات أنفسهم أطهار طيبون، ويكونون خيرًا في خير يظلهم الخير دائمًا، ويكونون في قبة من الفضيلة تظلهم، وتؤدي بهم جميعًا إلى جنة الآخرة، كما كانوا في ظلة من الفضيلة في الدنيا»166.

لذلك فإن رسوله صلى الله عليه وسلم نهى عن النظر إلى الحرام وسماه زنا العين، ففي الحديث الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تمني وتشتهي، والفرج يصدق ذلك كله ويكذبه)167.

قال الشعراوي: «( ...) [النور: ٣٠].

يعني: أطهر وأسلم وأدعى لراحة النفس؛ لأنه إما أن ينزع فيرتكب محرمًا، ويلج في أعراض الناس، وإما ألا ينزع فيكدر نفسه ويؤلمها بالصبر على ما لا تطيق. ثم يقول سبحانه: ( ﮋﮌ ) [النور: ٣٠].

فهو سبحانه خالق هذه النفس البشرية، وواضع مسألة الشهوة والغريزة الجنسية التي هي أقوى الغرائز ليربط بها بين الرجل والمرأة، وليحقق بها عملية النسل وبقاء الاستخلاف في الأرض، ولو لم تربط هذه العلاقة بالشهوة الملحة لزهد الكثيرون في الزواج وفي الإنجاب وما يترتب عليه من تبعات»168.

وفي غض البصر عدة منافع:

منها: أنه امتثالٌ لأمر الله الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده.

ومنها: أنه يورث القلب أنسًا بالله وجمعيةً عليه.

ومنها: أنه يقوي القلب ويفرحه.

ومنها: أنه يكسب القلب نورًا.

ومنها: أنه يفرغ القلب للفكرة في مصالحه والاشتغال بها.

ومنها: أن بين العين والقلب منفذًا وطريقًا يوجب انتقال أحدهما عن الآخر، وأن يصلح بصلاحه، ويفسد بفساده، فإذا فسد القلب، فسد النظر، وإذا فسد النظر، فسد القلب، وكذلك في جانب الصلاح، فإذا خربت العين وفسدت، خرب القلب وفسد، وصار كالمزبلة التي هي محل النجاسات والقاذورات والأوساخ، فلا يصلح لسكنى معرفة الله ومحبته والإنابة إليه، والأنس به والسرور بقربه فيه، وإنما يسكن فيه أضداد ذلك169.

جملة القول: أن غض البصر فيه تزكية للنفس وتطهيرها من أوحال الرذيلة؛ ولذا قال تعالى بعد الأمر بغض البصر: ( )، كما أن في غض البصر استعلاء على النفس الأمارة بالسوء، وإغلاقًا للنافذة الأولى من نوافذ الفتنة والغواية، ودليلًا صادقًا على قوة العزيمة.

جزاء التزكية

لقد اهتم القرآن الكريم اهتمامًا كبيرًا بتزكية النفس، ولا أدل على ذلك من أن القرآن قد جعل التزكية من وظائف الأنبياء، فضلًا عن كونه بين الكثير من الوسائل التي تعين الإنسان على التزكية بداية من الإيمان، مرورًا بالعبادات، وانتهاءً بالأخلاق -كما رأينا في ثنايا البحث-، وكنتيجة طبيعية لهذا الاهتمام والترغيب في سلوك طريق التزكية رتب القرآن الكريم على تزكية النفس جزاءً عظيمًا في الدنيا والآخرة. فبزكاء النفس وطهارتها يصير الإنسان مستحقًا في الدنيا الأوصاف المحمودة، وفي الآخرة الأجر والمثوبة170.

ويمكننا بيان ذلك الجزاء في القرآن كما يلي:

أولًا: الفلاح والنجاح:

كما قرر ذلك قوله تعالى: (ﯿ )[الأعلى ١٤-١٥]

قال الإمام ابن كثير ما مضمونه: «يعنـي قد فاز وظفر من تطهر من دنس الشرك والمعاصي، وتعهد نفسه بالتزكية والتهذيب والتطهير من الرذائل والمفاسد والأخلاق الوضيعة، وتابع ما أنزل الله على رسوله، صلوات الله وسلامه عليه. وعمل بما أمره الله به، ونهاه الله عنه»171.

ومن هذا تعلم أن تزكية النفس إنما تكون بالإيمان بالله ونفي الشركاء، والتصديق بكل ما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم مع صالح العمل والأخلاق الطيبة172.

وقد قال الله: ( ) [النازعات ٤٠-٤١].

قال القاسمي: «( ) أي: تذكر جلال ربه وعظمته، فخشع وأشفق وقام بما له وعليه»173.

قال صاحب الظلال: «يقرر أن هذا الذي تطهر وذكر اسم ربه، فاستحضر في قلبه جلاله: ().. إما بمعنى خشع وقنت. وإما بمعنى الصلاة الاصطلاحي، فكلاهما يمكن أن ينشأ من التذكر واستحضار جلال الله في القلب، والشعور بمهابته في الضمير.. هذا الذي تطهر وذكر وصلى (ﯿ ) يقينًا. أفلح في دنياه، فعاش موصولًا، حي القلب، شاعرًا بحلاوة الذكر وإيناسه، وأفلح في أخراه، فنجا من النار الكبرى، وفاز بالنعيم والرضى»174.

وعبر سبحانه بقوله: (ﯿ ) ليجمع في هذا التعبير البليغ، كل معاني الخير والنفع؛ لأن الفلاح معناه: وصول المرء إلى ما يطمح إليه من فوز ونفع. وجاء التعبير بالماضي المسبوق بقد للدلالة على تحقيق هذا الفلاح بفضل الله تعالى ورحمته.

وقد اشتملت هاتان الآيتان على الطهارة من العقائد الباطلة والمعاصي والذنوب وسوء الأخلاق () وعلى استحضار معرفة الله تعالى: ( ) وعلى أداء التكاليف الشرعية التي على رأسها الصلاة فصلى. وهذه المعاني هي التي أوصلت صاحبها إلى الفلاح الذي ليس بعده فلاح175.

وقد أكد ذلك مرة أخرى: فقال: ( ) [الشمس ٩-١٠]

( ) أي: دسسها، أي: أخملها ووضع منها بخذلانه إياها عن الهدى، حتى ركب المعاصي وترك طاعة الله عز وجل 176. وأصل فعل دسى: دسس، فلما اجتمع ثلاث سينات، قلبت الثالثة ياء، يقال: دس فلان الشيء إذا أخفاه وكتمه.

قال ابن القيم: «فالطاعة والبر: تكبر النفس وتعزها وتعليها، حتى تصير أشرف شيء وأكبره، وأزكاه وأعلاه، ومع ذلك فهي أذل شيء وأحقره وأصغره لله تعالى. وبهذا الذل لله حصل لها العز والشرف والنمو، فما صغر النفس مثل معصية الله، وما كبرها وشرفها ورفعها مثل طاعة الله»177.

قال العلامة البقاعي عند تفسيره لتلك الآية: «قال تعالى: ( ) أي ظفر بجميع المرادات ( ) أي: نماها وأصلحها وصفاها تصفية عظيمة بما يسره الله له من العلوم النافعة والأعمال الصالحة، وطهرها على ما يسره لمجانبته من مذام الأخلاق؛ لأن كلًا ميسٌر لما خلق له، والدين بني على التحلية والتخلية و(زكى) صالح للمعنيين، ( ) أي: حرم مراده مما أعد لغيره في الدار الآخرة وخسر، وكان سعيه باطلًا ( ) أي: أغواها إغواء عظيمًا، وأفسدها، ودنس محياها وقذرها وحقرها وأهلكها بخبائث الاعتقاد ومساوىء الأعمال، وقبائح النيات والأحوال، وأخفاها بالجهالة والفسوق، والجلافة والعقوق..»178.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها)179.

ثم قال: «فالتزكية أن يحرص الإنسان على شمسه أن لا تكسف، وقمره أن لا يخسف، ونهاره أن لا يتكدر، وليله ألا يطفى، والتدسيس أقله إهمال الأمر حتى تكسف شمسه، ويخسف قمره، ويتكدر نهاره، ويدوم ليله، وطرق ذلك اعتبار نظائر المذكورات من الروحانيات وإعطاء كل ذي حق حقه، فنظير الشمس هي النبوة؛ لأنها كلها ضياء باهر وصفاء قاهر، وضحاها الرسالة، وقمرها الولاية، والنهار هو العرفان، والليل عدم طمأنينة النفس بذكر الله وما جاء من عنده، وإعراضها عن الانقياد لقبول ما جاء من النبوة أو الولاية، والعلماء العاملون هم أولياء الله، ونظير السماء العزة والترفع عن الشهوات، وعن خطوات الشياطين من الإنس والجن، والأرض نظيرها التواضع لحق الله ولرسوله وللمؤمنين، فيكون بإخراجه المنافع لهم كالأرض المخرجة لنباتها، والتدسية خلاف ذلك، من عمل بالسوء»180.

ثانيًا: الدخول في الجنة ونيل نعيمها:

ويقرر ذلك تعالى في قوله: ( ﯿ ﰘﰙ ) [طه ٧٤-٧٦]

قال الإمام ابن كثير: «الظاهر من السياق أن هذا من تمام ما وعظ به السحرة لفرعون، يحذرونه من نقمة الله وعذابه الدائم السرمدي، ويرغبونه في ثوابه الأبدي المخلد»181.

والمجرم: فاعل الجريمة، وهي المعصية والفعل الخبيث. والمجرم في اصطلاح القرآن هو الكافر، كقوله تعالى: ( ) [المطففين: ٢٩]182.

والهاء في () ضمير الشأن، أى: حال وشأن ( ) يوم القيامة في حال كونه () أى: مرتكبًا لجريمة الكفر والشرك بالله تعالى ( ) أي: لهذا المجرم (ﯿ) يعذب فيها عذابًا شديدًا، من مظاهره: أنه لا يموت فيها فيستريح، ولا يحيى حياة فيها راحة183.

قال ابن عطية: «هذا مختص بالكافر؛ فإنه معذب عذابًا ينتهي به إلى الموت، ثم لا يجهز عليه فيستريح، بل يعاد جلده ويجدد عذابه، فهو لا يحيى حياة هنية، وأما من يدخل النار من المؤمنين بالمعاصي فهم قبل أن تخرجهم الشفاعة في غمرة، قد قاربوا الموت، إلا أنهم لا يجهز عليهم ولا يجدد عذابهم فهذا فرق ما بينهم وبين الكفار»184.

وقوله: ( ) أي: ومن لقي ربه يوم المعاد مؤمن القلب، قد صدق ضميره بقوله وعمله، ( ) أي: الطاعات وما أمر به ونهي عنه () إشارة إلى (من)، وفي التعبير بـ () معنى البعد للإشعار بعلو درجتهم وبعد منزلتهم، أي: فأولئك المؤمنون العاملون للأعمال الصالحات -وما أمر به ونهي عنه- لهم بسبب إيمانهم وعملهم ذلك ( ) أي: الجنة ذات الدرجات العاليات، والغرف الآمنات، والمساكن الطيبات185.

قال الإمام الطبري: «ثم بين تلك الدرجات العلى ما هي، فقال: هن ( ) يعني: جنات إقامة لا ظعن عنها ولا نفاد لها ولا فناء ( ) يقول: تجري من تحت غرفها وسررها وأشجارها () من الخمر والعسل واللبن والماء ( ) يقول: ماكثين فيها إلى غير غاية محدودة؛ فالجنات من قوله: ( ) مرفوعة بالرد على الدرجات. أي: بدل من ( ).

وهذه الدرجات العلى -التي هي جنات عدن على ما وصف جل جلاله- ثواب من طهر نفسه من الدنس والخبث والذنوب، فعبد الله وحده لا شريك له، وصدق المرسلين فيما جاءوا به من خبر وطلب. فأطاع الله فيما أمره، ولم يدنس نفسه بمعصيته فيما نهاه عنه. وهذا معنى قوله: ( )»186.

قال الشيخ الشعراوي: «فمعنى: ( ) أي: تطهر من المعاصي، ثم نمى نفسه، ومعنى التنمية هنا: ارتقاءات المؤمن في درجات الوصول للحق، فهو مؤمن بداية، لكن يزيد إيمانه وينمو ويرتقي يومًا بعد يوم، وكلما ازداد إيمانه ازداد قربه من ربه، وازدادت فيوضات الله عليه. والطهارة للأشياء سابقة على تنميتها؛ لأن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة.

إذن: زكى نفسه: طهرها أولًا: ثم ينميها ثانيًا، كمن يريد التجارة، فعليه أولًا: أن يأتي برأس المال الطاهر من حلال ثم ينميه، لكن لا تأتي برأس المال مدنسًا ثم تنميه بما فيه من دنسٍ. وكلما نمى الإنسان إيمانه ارتقى في درجاته، فكانت له الدرجات العلا في الآخرة»187.

ثالثًا: النجاة من النار:

ويبين ذلك قوله: ( ) [الليل ١٤-١٨].

في هذه الآيات يبين لنا القرآن صفات صنفين من الناس: صنف من الذين يكون مصيرهم النار، وصنف من الذين يكون مصيرهم الابتعاد عنها، كما يبين أعمال كلٍ منهم التي قادته إلى مصيره.

قال الطبري: «يقول تعالى ذكره: () أيها الناس () تتوهج، وهي نار جهنم، يعني: احذروا أن تعصوا ربكم في الدنيا، وتكفروا به، فتصلونها في الآخرة»188.

قال السمرقندي: «قوله عز وجل: ( ) يعني: لا يدخل في النار -فيصلى بسعيرها- ( ) يعني: الذي ختم له بالشقاوة ( ) يعني: كذب بالتوحيد، وتولى عن الإيمان، وعن طاعة الله تعالى، وأخذ في طاعة الشيطان»189.

ثم يبين الحق سبحانه وتعالى صفات عباده الذين سيبتعدون عن النار، وينجون منها فقال: ( ) أي: وسيبتعد عن هذه النار المتأججة الأتقى، وهو من بالغ في صيانة نفسه عن كل ما يغضب الله تعالى، وحرص كل الحرص على فعل ما يرضيه عز وجل، فالمراد بالأشقى والأتقى: الشديد الشقاء، والشديد التقوى، والتعبير بقوله: () يشعر بابتعاده عنها ابتعادًا تامًا، بحيث تكون النار في جانب، وهذا الأتقى في جانب آخر190.

فصفات الإنسان المبالغ في تقواه وطاعته لربه أنه ( ) أي: هذا الإنسان الشديد التقوى من صفاته أنه يقدم ماله لغيره، وينفقه في وجوه البر والطاعة، رجاء أن يكون عند ربه زاكيًا ناميًا، خاليًا من شبهة الرياء والتفاخر وأملًا في أن يتطهر به من الذنوب. فقوله: () في محل نصب على الحال من فاعل () أي: يؤتى ماله حال كونه لا يطلب من وراء ذلك إلا تزكية ماله، وتطهير نفسه. وفائدة الحال التنبيه على أنه يؤتي ماله لقصد النفع والزيادة من الثواب تعريضًا بالمشركين الذي يؤتون المال للفخر والرياء والمفاسد والفجور191.

قال القاسمي: «وفي حصر () بالمنفق، على الشريطة المذكورة، عناية عظيمة به، وترغيب شديد في اللحاق به، كيف لا؟ وبالمال قوام الأعمال، ورفع مباني الرشاد وهدم صروح الفساد»192.

قال ابن كثير: «وقد ذكر غير واحد من المفسرين أن هذه الآيات نزلت في أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، حتى إن بعضهم حكى الإجماع من المفسرين على ذلك. ولا شك أنه داخل فيها، وأولى الأمة بعمومها، فإن لفظها لفظ العموم، وهو قوله تعالى: ( ) [الليل ١٧-١٩].

ولكنه مقدم الأمة وسابقهم في جميع هذه الأوصاف وسائر الأوصاف الحميدة؛ فإنه كان صديقًا، تقيًا، كريمًا، جوادًا، بذالًا لأمواله في طاعة مولاه، ونصرة رسول الله...»193.

موضوعات ذات صلة:

التربية، الدعوة، الزكاة، العفة


1 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/١٨.

2 المفردات، الراغب الأصفهانى١/٣٨١.

3 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ٤/١٩٠.

4 المصباح المنير، الفيومي ١/٢٥٤.

5 منهج الإسلام في تزكية النفس، د أحمد كرزون ١/٥.

6 مفهوم التزكية وتطبيقاتها في التربية الإسلامية، نايف الشريف ص ٢١٩.

7 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبدالباقي ص ٣٣١.

8 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١١/٣٧.

9 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٥/٤٨٨.

10 انظر: مادتي ربا و رب في مقاييس اللغة ٢/٣٨١- ٤٨٤، المصباح المنير، الفيومي ١/٢١٧، ٢١٤.

11 انظر: المعجم الفلسفي، جميل صليبا ص٢٦٦، جوانب التربية الإسلامية الأساسية، مقداد يالجن، ص ٢٢، التربية الوالدية في مرحلة الطفولة المبكرة، محمد القزاز ص١٤١.

12 انظر: المباديء التربوية في القرآن الكريم، ئاراس محمد صالح، ص ٤.

13 انظر: نظرية التربية الإسلامية للفرد والمجتمع، محمد الغزالي، ص١٠.

14 المصباح المنير، الفيومي ٢/٣٧٩، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ٢/٥٦٨.

15 انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية ١٧/١٠٩.

16 مقاييس اللغة، ابن فارس ٦/٤٥.

17 انظر: تاج العروس، الزبيدي٤/٣٨٦.

18 مختار الصحاح، الرازي ص١٠٤.

19 لسان العرب ٦/٨٢.

20 المصباح المنير، الفيومي ص. ١٩٤.

21 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/٢٧٧.

22 معالم التنزيل ٨/٤٣٩.

23 أساس البلاغة، ١/٢٨٦.

24 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/٦٥، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٥/٢٤٦، الجواهر الحسان، الثعالبي ٢/٢٤٧.

25 غرائب القرآن، النيسابوري٢/٤٢٥.

26 انظر: الوسيط، طنطاوي ٣/١٧٩.

27 جامع البيان، ٨/٤٥٥.

28 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٢/١٨٨.

29 انظر: الجواهر الحسان، الثعالبي٢/٢٤٧، فتح القدير، الشوكاني١/٥٥١.

30 مفاتيح الغيب، ١٠/١٠٠.

31 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٢/١٨٨.

32 انظر: مراح لبيد، الجاوي ١/٢٠١.

33 تفسير المراغي، ٥/٦١.

34 نظم الدرر، البقاعي ٢/٢٦٦.

35 التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ٣/٨١٣

36 إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٢/١٨٨.

37 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٥/٨٥.

38 انظر: تفسير الشعراوي ٤/٢٣١١.

39 أضواء البيان ٥/٤٨٥.

40 الوسيط، طنطاوي ١/٣٠٦١.

41 جامع البيان، الطبري ١٩/١٣٥.

42 البحر المديد ٤/٢٣.

43 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ٦/٤١٩.

44 انظر: معالم التنزيل، البغوي٧/٤١٣.

45 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٧/١١٠، الدر المنثور، السيوطي ٧/٦٥٨.

46 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ٤/١٩٠، البحر المحيط، أبو حيان ١٠/١٩، لباب التأويل، الخازن ٤/٢١٢.

47 الجواهر الحسان، الثعالبي ٥/٣٢٩. إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٨/١٦٢.

48 البحر المديد، ابن عجيبة ٥/٥١١.

49 الكشاف، ٤/٤٢٦.

50 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الآداب، باب استحباب تغيير الاسم القبيح إلى حسنٍ، وتغيير اسم برة إلى زينب وجويرية. رقم٢١٤٢.

51 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي٥/٢٤٦.

52 الذريعة إلى مكارم الشريعة، الراغب الأصفهاني ص١٩٧.

53 الجواهر الحسان، الثعالبي ٥/٣٢٩.

54 نزول الرحمة في التحدث بالنعمة، السيوطي ص٢٣.

55 المصدر السابق ص٣٢- ٣٣.

56 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٣٩٦.

57 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/٢١٧.

58 جامع البيان، الطبري ١٩/٥٦٥.

59 الكشاف ٣/٤٠٥.

60 مدارك التنزيل، النسفي ٢/٦٣٩.

61 مفتاح دار السعادة، ابن القيم ١/١٣٩

62 انظر: البداية والنهاية، ابن كثير ٥/٢٦٩.

63 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب المناقب، باب رقم ١٦، ٥/٦١١، رقم ٣٦٦٧.

64 نزول الرحمة، السيوطي ص٣٢، ٣٣.

65 الكشاف، الزمخشري ٤/٧٦٩.

66 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن أبي حاتم ١٠/٣٤٤٤، تفسير القرآن، السمعاني ٦/٢٤٦، الدر المنثور، السيوطي ٨/٥٤٥.

67 الكشاف، الزمخشري ٤/٧٦٩.

68 انظر: حاشية الشهاب ٨/٣٧٢.

69 انظر: الروح، ص٢٣٠، ٢٧٤.

70 الأذكار، ١/٢٧٨.

71 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب تفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم على جميع الخلائق رقم ٢٢٧٨.

72 قال النووي: «وقوله صلى الله عليه وسلم: أنا سيد ولد آدم قاله لوجهين أحدهما: امتثال قوله تعالى: ( ) والثاني: أنه من البيان الذي يجب عليه تبليغه إلى أمته؛ ليعرفوه ويعتقدوه، ويعملوا بمقتضاه، ويوقروه صلى الله عليه وسلم بما تقتضي مرتبته كما أمرهم الله تعالى».

انظر: المنهاج شرح صحيح مسلم، النووي ١٥/٣٧.

73 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٥/٣٧٨.

74 وللمفسرين فيها أقوال: منها: أن الزكية: المطهرة، قاله أبو عبيدة. وهو الراجح؛ لأن ذلك هو المتناسب مع لفظ الغلام، فالغلام به تزكية فطرية وتطهير رباني وفطرة سليمة، فالنفس المطهرة هي التي لا ذنب لها، ولم تذنب قط لصغرها أي: أنها لم تبلغ حد التكليف...، وقال الشيخ ابن عاشور: «والزكاة: الطهارة، مراعاة لقول موسى: ». ١٦/١٣. والله أعلم.

75 أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات، هل يصلى عليه؟ رقم ١٣٥٩.

76 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٥/١٩١، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/١٨٣.

77 الوسيط، طنطاوي ٨/٥٥٦.

78 مفاتيح الغيب، الرازي٢١/٥٢٣.

79 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٣/١٨٤.

80 أنوار التنزيل، البيضاوي ٤/٨.

81 زهرة التفاسير ٩/٤٦٢٣.

82 جامع البيان، الطبري ٢٠/٤٥٦.

83 الوسيط، طنطاوي ١١/٣٤٠.

84 جامع البيان، الطبري ٢٠/٤٥٦.

85 مفاتيح الغيب، ٢٦/٢٣١.

86 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٢٩٣٩.

87 انظر: لباب التأويل، الخازن ١/٩٢.

88 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي٤/١٢٣، لباب التأويل، الخازن ١/٩٢.

89 زهرة التفاسير، أبو زهرة ١/٤٦٢.

90 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ٣/٧٤.

91 روح المعاني، الألوسى ٢/١٨

92 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٤٦٤.

93 تفسير المراغي ٢/١٨.

94 أخرجه أحمد في المسند، ١٤/٥١٢، رقم ٨٦٥٢.

قال ابن عبدالبر في الاستذكار ٨/٢٨٠: «وهذا حديثٌ مسندٌ صحيحٌ».

وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم ٤٥.

95 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢/٤٩.

96 تفسير المنار، محمد رشيد رضا ٢/٢٣.

97 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢/٤٥.

98 تفسير المراغي ٣/١٩.

99 انظر: جامع البيان، الطبري ٣/٢١١، إرشاد العقل السليم، أبو السعود ١/١٧٩.

100 خلق المسلم، محمد الغزالي ص٢١.

101 المستخلص في تزكية الأنفس، سعيد حوى ص ٢٧.

102 الإيمان والحياة، يوسف القرضاوي ص ١٩.

103 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الإيمان ما هو وبيان خصاله، رقم ٩.

104 العقائد الإسلامية، سيد سابق ص١١.

105 المصدر السابق.

106 جامع البيان، الطبري ٢٤/٢٠١.

107 تفسير السمرقندي ٣/٥٤٣، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٩/٢٠١.

108 البحر المحيط، أبو حيان ٤/٣٩٨.

109 التحرير والتنوير، ابن عاشور٣٠/٧٧.

110 غاية الأماني، الكوراني ص٣٢٤.

111 غرائب القرآن، النيسابوري٤/٥٤٧.

112 انظر: نظم الدرر، البقاعي ٢١/٢٣١، روح المعاني، الألوسي ١٥/٢٣٠.

113 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل٢٠/١٣٦.

114 التفسير القرآني للقرآن، عبدالكريم الخطيب ١٦/١٤٣٨.

115 المستخلص في تزكية الأنفس، سعيد حوى ص٢٨.

116 خلق المسلم، محمد الغزالي ص ٩.

117 القرآن والسلوك الإنساني، محمد سليم ص٥٧.

118 تفسير القرآن العظيم٦/٢٨٠.

119 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٢٧٣٨، القرآن والسلوك الإنساني، محمد سليم ص٦٠.

120 المستخلص في تزكية الأنفس، سعيد حوى ص٥١.

121 انظر: لباب التأويل، الخازن ٢/٤٠٣.

122 تفسير القرآن العظيم ٤/٢٠٧.

123 انظر: إحياء علوم الدين، الغزالي ١/٢١٤.

124 زاد المعاد، ابن القيم ٢/٢٧.

125 زاد المسير، ابن الجوزي١/١٤١.

126 مفاتيح الغيب، الرازي ٥/٢٤١.

127 فتح القدير، ابن الهمام ٢/٣٠٠.

128 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: من استطاع منكم الباءة فليتزوج، رقم ٥٠٦٥، ومسلم في صحيحه، كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه، ووجد مؤنه، واشتغال من عجز عن المؤن بالصوم، رقم ١٤٠٠.

129 انظر: جامع البيان، الطبري ٤/١٢٦، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٥٤٣.

130 أحكام القرآن، ابن العربي ١/١٨٨.

131 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب ما ينهى من السباب واللعن، رقم ٦٠٤٤، ومسلم في صحيحه، كتب الإيمان، باب بيان قول النبي صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم فسوقٌ وقتاله كفرٌ، رقم ٦٤.

132 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/١٤٦.

133 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحج، باب فضل الحج المبرور، رقم ١٥٢١، ومسلم في صحيحه، كتاب الحج، بابٌ في فضل الحج والعمرة، ويوم عرفة، رقم ١٣٥٠.

134 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل٣/٤٠٢.

135 غرائب التأويل، النيسابوري ١/٥٧٣.

136 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل٣/٤٠٥.

137 محاسن التأويل، القاسمي ٢/٧١.

138 جامع البيان، الطبري١٧/٦٢٧.

139 المصدر السابق ١٧/٦٢٨.

140 تفسير السمرقندي ٢/٣٤٢.

141 انظر: روح المعاني، ٨/٢٤٧.

142 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤٧٢.

143 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي ٧/٨٤. ٨٦، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٢/٢١٣، البحر المحيط، أبو حيان ٨/٣٠.

144 زهرة التفاسير، أبو زهرة ١٠/٥١٧٥.

145 زاد المسير، ابن الجوزي ٣/٢٨٨.

146 جامع البيان، الطبري ١٩/١٤٩.

147 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٦/٣٠، زاد المسير، ابن الجوزي ٣/٢٨٨.

148 جامع البيان، الطبري ١٩/١٤٩.

149 الوسيط، طنطاوي١٠/١٠٩.

150 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٣/٣٥٨.

151 مدارك التنزيل، النسفي ٢/٤٩٨.

152 زهرة التفاسير، أبو زهرة ١٠/٥١٧٦. ٥١٧٧

153 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاستئذان، باب التسليم، رقم ٦٢٤٥، ومسلم في صحيحه، كتاب الآداب، باب الاستئذان، رقم ٢١٥٣.

154 زهرة التفاسير، أبو زهرة ١٠/٥١٧٦.

155 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي٧/٨٤. ٨٦. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٢/٢١٣. البحر المحيط، أبو حيان ٨/٣٠.

156 أحكام القرآن ٢/٣٧٤.

157 زاد المسير، ابن الجوزي٣/٢٨٨، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٢/٢١٩.

158 انظر: مدارك التنزيل، النسفي ٢/٤٩٩، البحر المحيط، أبو حيان ٨/٣٠، اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ٤/٣٤٧، الوسيط، طنطاوي ١٠/١١٠.

159 الكشاف ٣/٢٢٨.

160 التفسير المنير، الزحيلي ١٣/٢٠٠.

161 انظر: تفسير السمرقندي ٢/٥٠٨، الكشاف ٣/٢٢٩.

162 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٢/٢٢٢.

163 أخرجه أحمد في مسنده، ٣٣/٢٣٥، رقم ٢٠٠٣٤، وأبو داود في سننه، كتاب الحمام، باب ما جاء في التعري، ٤/٤٠، رقم ٤٠١٧، والترمذي في سننه، أبواب الأدب، باب ما جاء في حفظ العورة، ٤/٤٩٣، رقم ٢٧٦٩، والنسائي في الكبرى، كتاب عشرة النساء، باب نظر المرأة إلى عورة زوجها، ٨/١٨٧، رقم ٨٩٢٣، وابن ماجه في سننه، كتاب النكاح، باب التستر عند الجماع، ١/٦١٨، رقم ١٩٢٠.

164 تفسير القرآن العظيم ٣/٤٣.

165 انظر: جامع البيان، الطبري١٩/١٥٤.

166 زهرة التفاسير ١٠/٥١٨١.

167 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاستئذان، باب زنا الجوارح دون الفرج، رقم ٦٢٤٣.

168 تفسير الشعراوي ١٣/١٠٢٥٤.

169 انظر: الجواب الكافي، ابن القيم ص١٧٩- ١٨٠.

170 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص٣٨١.

171 انظر: تفسير القرآن العظيم، ٨/٣٨١.

172 انظر: تفسير المراغي ٣٠/١٢٨.

173 محاسن التأويل، ٩/٤٥٩.

174 في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/٣٨٩٣.

175 انظر: الوسيط، طنطاوي ١٥/٣٦٨ .

176 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٨/٤١٢.

177 التفسير القيم ص٥٧١.

178 نظم الدرر ٢٢/٧٨.

179 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الذكر والدعاء، باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل، رقم ٢٧٢٢.

180 نظم الدرر٢٢/٧٨.

181 تفسير القرآن العظيم٥/٣٠٥- ٣٠٧.

182 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٦/٢٦٨.

183 الوسيط، طنطاوي ٩/١٣٠.

184 المحرر الوجيز، ٤/٥٣.

185 انظر: تفسير القرآن العظيم ٥/٣٠٥- ٣٠٧.

186 جامع البيان، الطبري ١٨/٣٤٢.

187 تفسير الشعراوي ١٥/٩٣٣٦.

188 جامع البيان، ٢٤/٤٧٧ .

189 تفسير السمرقندي ٣/٥٩٠.

190 الوسيط، طنطاوي ١٥/٤٢٢.

191 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ٩/٤٨٧، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣٠/٣٩١.

192 محاسن التأويل ٩/٤٨٧.

193 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٨/٤٢٢.