عناصر الموضوع

مفهوم الترهيب

الترهيب في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

أساليب عرض الترهيب

مجالات الترهيب في القرآن

صور الترهيب في القرآن الكريم

أثر الترهيب في سلوك المرء

فوائد الترهيب في التربية والدعوة

الترهيب

مفهوم الترهيب

أولًا: المعنى اللغوي:

يرجع أصل الترهيب إلى الفعل الثلاثي (رهب) بالكسر يرهب رهبةً، ورهبًا بالضم ورهبًا بالتحريك، أي: خاف، ورهب الشيء رهبًا ورهبًا ورهبةً: خافه، والاسم الرّهب والرّهبى والرّهبوت والرهبوت، يقال: رجلٌ رهبوتٌ بفتح الهاء أي: مرهوب، وأرهبه واسترهبه أخافـه1.

قال تعالى: [الأنفال: ٦٠]. أي: تخوفونهم.

قال تعالى: [البقرة: ٤٠]. أي: فخافون، الرهبة والرهب مخافة مع تحرز واضطراب، وتعني: الخوف والفزع، قال سبحانه: [الحشر: ١٣].

فيرجع معنى الترهيب إلى التخويف بالعقاب والفزع والاضطراب2.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

عرّفه عبد الرحمن النحلاوي بتعريفين:

«وعيـد وتهديـد بعقوبـة تترتب على اقتراف إثم أو ذنب، مما نهى الله عنه، أو التهاون في أداء فريضة مما أمر الله به».

وعرّفه أيضًا بقوله: «تهديد من الله يقصد به تخويف عباده، وإظهار صفة من صفات الجبروت والعظمة الإلهية؛ ليكونوا دائمًا على حذر من ارتكاب الهفوات والمعاصي»3.

وقيل: «وعيد وتهديد من الله سبحانه و تعالى بعقوبة عاجلة أو آجلة؛ لتخويف العباد من اقتراف الذنوب والمعاصي، أو التهاون في أداء الفرائض التي أمر الله بها»4.

فالمعنى الاصطلاحي لا يخرج عن المعنى اللغوي؛ إذ يرجع معنى الترهيب لغة إلى التخويف بالعقاب والفزع والاضطراب.

الترهيب في الاستعمال القرآني

وردت مادة (رهب) في القرآن الكريم (١٢) مرة، يخص موضوع البحث منها (٨) مرات5.

والصيغ التي وردت هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

الفعل الماضي

١

( ) [الأعراف:١١٦]

الفعل المضارع

٢

( ) [الأعراف:١٥٤]

فعل الأمر

٢

( ) [البقرة:٤٠]

مصدر

٣

( ) [القصص:٣٢]

وجاء (الترهيب) في القرآن الكريم بمعناها اللغوي، وهو الخوف والفزع، أو مخافة مع تحرز واضطراب6، ومنه قوله تعالى: ( ) [الأنبياء:٩٠]. يعني: طمعًا وخوفًا7.

الألفاظ ذات الصلة

التخويف:

التخويف لغة:

الإخافة، وهو إدخال الخوف في نفس المخاطب8.

التخويف اصطلاحًا:

إدخال الفزع في قلب المخاطب9؛ حثًّا على التّحرّز من ارتكاب محظور10.

الصلة بين الترهيب والتّخويف:

الترهيب أعم من التخويف، فالترهيب يكون بالتخويف وبغيره.

التهديد:

التهديد لغة:

التّخويف 11، والتوعّد بالعقوبة12.

التهديد اصطلاحًا:

زعزعة أمن المخاطب بالوعيد 13، وتخويفه بأمر مكروه مفسد لحاله.

الصلة بين الترهيب والتهديد:

التهديد: الوعيد والتّخويف بالعقوبة14، فيتعلق بالعقوبة المحققة لمن أعرض عن الإنذار، والترهيب أعم.

الوعيد:

الوعيد لغة:

التّهديد بالشّرّ15.

الوعيد اصطلاحًا:

إنذار بما سيحدث من دمار ونكبات16.

الصلة بين الترهيب والوعيد:

الوعيد يكون حاصلًا عن غضبٍ، قد يسكن ويزول17 بزوال سببه، أما الترهيب فهو أعم.

الترغيب:

الترغيب لغة:

يقول الراغب الأصفهاني: «والرّغبة والرّغب والرّغبى: السّعة في الإرادة»18، والرغبة إرادة الشيء والسعة في الإرادة، فإذا قيل: رغب فيه وإليه؛ اقتضى الحرص عليه إذا أراده، والرغيبة العطاء الكثير لكونه مرغوبًا فيه.

الترغيب اصطلاحًا:

«وعد من الله سبحانه و تعالى لعباده فيه تحبيب وإغراء بمصلحة، أو لذة أو متعة عاجلـة أو آجلة، يتبعه حرص وإرادة، مقابل القيام بعمل صالح أو ترك عمل سيء؛ طاعة لله سبحانه و تعالى »19.

الصلة بين الترهيب والترغيب:

أن الترهيب فيه إثارة للخوف والقلق، ويؤثّر في النفس تنغيصًا، بينما الترغيب يعزز الأمن والاطمئنان، ويؤثر في النفس سرورًا، وعليه فإن اللفظين متضادان.

أساليب عرض الترهيب

إنّ المتدبر لآيات القرآن الكريم يجد أنّ أسلوب الترهيب جاء على أربعة أنواع:

أولًا: أن يأتي الترهيب في آية واحدة مستقلة:

وقع هذا النوع في كثير من الآيات القرآنية التي جاء الترهيب فيها بآية مستقلة بذاتها، مثل قوله تعالى: ﯣﯤ ﯨﯩ [النحل: ٥١].

يقول الشنقيطي في تفسيره: «نهى اللّه جل وعلا في هذه الآية الكريمة جميع البشر عن أن يعبدوا إلهًا آخر معه، وأخبرهم أنّ المعبود المستحقّ لأن يعبد وحده واحدٌ، ثمّ أمرهم أن يرهبوه، أي: يخافونه وحده؛ لأنّه هو الّذي بيده الضّرّ والنّفع، لا نافع ولا ضارّ سواه»20، ومن الأمثلة على هذا النوع أيضًا قوله تعالى في سورة النمل: [النمل: ٩٠].

ذكر الشوكاني ما أجمع عليه أهل التأويل في بيانه لهذه الآية: «إنّ المراد بالسّيّئة هنا الشّرك، ووجه التّخصيص قوله: فهذا الجزاء لا يكون إلّا بمثل سيّئة الشّرك، ومعنى: أنّهم كبّوا فيها على وجوههم وألقوا فيها وطرحوا عليها، يقال: كببت الرّجل: إذا ألقيته لوجهه فانكبّ وأكبّ، وجملة بتقدير القول: أي: يقال ذلك، والقائل: خزنة جهنّم، أي: ما تجزون إلّا جزاء عملكم»21، ومن الآيات الدالة على هذا النوع قوله تعالى: ﯪﯫ [السجدة: ٢٠].

فهذا نوع من أنواع الترهيب إلى أولئك الذين فسقوا وخرجوا عن طاعة الله، فهؤلاء مقرّهم النار التي جمعت الشقاء والعذاب، فكلما ظنوا بأنهم سوف يخرجون منها أعيدوا وردّوا للعذاب مرة أخرى، واشتد عليهم الكرب، فيقال لهم -إذلالًا وإهانة-: ذوقوا العذاب الذي كنتم تكذبون به في دنياكم بسبب إنكاركم البعث والحساب22.

ثانيًا: أن يأتي الترهيب في آيتين متتابعتين:

قال تعالى: [النمل: ٣ - ٦].

يقول الإمام الطبري: «إن الذين لا يصدّقون بالدار الآخرة، وقيام الساعة، وبالمعاد إلى الله بعد الممات والثواب والعقاب، يقول: حبّبنا إليهم قبيح أعمالهم، وسهّلنا ذلك عليهم. يقول: فهم في ضلال أعمالهم القبيحة التي زيّناها لهم يتردّدون حيارى يحسبون أنهم يحسنون»23، فكان جزاء هؤلاء العذاب كالقتل والأسر في الدنيا، وفي الآخرة كانوا أشد الناس خسارة لفوات المثوبة واستحقاق العقوبة24.

وقال تعالى: ﭽﭾ ﭿ ﮋﮌ ﮐﮑ [لقمان: ٦- ٧].

« ما يلهي عن طاعة الله، ويصد عن سبيله، مما لا خير ولا فائدة فيه أي: ليضل الناس عن طريق الهدى، ويبعدهم عن دينه القويم، بغير حجة ولا برهان أي: ويتخذ آيات الكتاب المجيد سخرية واستهزاءً، وهذا أدخل في القبح، وأغرق في الضلال ﭿ أي: لهم عذاب شديد مع الذلة والهوان أي: وإذا قرئت عليه آيات القرآن ﮋﮌ أي: أعرض وأدبر متكبرًا عنها كأنه لم يسمعها، شأن المتكبر الذي لا يلتفت إلى الكلام، ويجعل نفسه كأنها غافلة أي: كأن في أذنيه ثقلًا وصممًا يمنعانه عن استماع آيات الله أي: أنذره يا محمد بعذاب مؤلمٍ، مفرطٍ في الشدة والإيلام، ووضع البشارة بأشد العذاب»25.

وهكذا نجد أن القرآن الكريم ذكر آيات كثيرة في كتابه تندرج تحت هذا النوع من أنواع الترهيب؛ حتى يكون المسلم على حذرٍ من الوقوع في أي معصية أو ذنب، يستحق بسببهما العذاب سواء في الدنيا أو الآخرة.

ثالثًا: أن يأتي الترهيب في مقطع قرآني:

قال تعالى: [النبأ: ٢١ - ٣٠].

يقول الزحيلي في تفسيره: « موضع رصد، يرصد فيه خزنة النار للطّاغين الكافرين، الذين طغوا بمخالفة أوامر ربهم، مرجعًا ومأوى، لابثين مقيمين، دهورًا لا نهاية لها، جمع حقب، وواحدها حقبة، وهي مدة مبهمة من الزمان، برودة الهواء، ويطلق أيضًا على النوم، أي: ما يشرب تلذذًا لتسكين العطش، الحميم: الماء الحارّ الشديد الغليان، قيح وصديد أهل النار الدائم السيلان من أجسادهم، أي: جوزوا بذلك جزًاء موافقًا لأعمالهم وكفرهم، فلا ذنب أعظم من الكفر، ولا عذاب أعظم من النار، لا يخافون أو لا يتوقعون محاسبة على أعمالهم لإنكارهم البعث، القرآن تكذيبًا كثيرًا، أي: من الأعمال ضبطناه، أي: ضبطناه بالكتابة، أي: فيقال لهم في الآخرة عند وقوع العذاب عليهم: ذوقوا جزاءكم، أي: فوق عذابكم»26.

ومن الأمثلة على الترهيب في مقطع قرآني، ما وصفه الله سبحانه وتعالى من العذاب لأهل النار، في قوله تعالى في سورة الواقعة: [الواقعة: ٤١ - ٤٤].

يقول جلال الدين المحلي: « ريح حارّة من النّار تنفذ في المسامّ ماء شديد الحرارة دخان شديد السّواد، كغيره من الظّلال حسن المنظر»27.

وبعد هذه الآيات ذكرت لنا السورة أسباب استحقاق هؤلاء الكفار للعذاب في أنهم كانوا منعّمين بالحرام في الدنيا، وكانوا يصرّون على الشرك بالله، وأنكروا البعث والجزاء، ثم جاءت الآيات لتصف لنا أنواعًا أخرى من العذاب، فقال سبحانه وتعالى: [الواقعة: ٥١ - ٥٦].

يقول القاسمي في تفسيره: « أي: الجاهلون المصرّون على جهالاتهم، والجاحدون للبعث، وهو من أخبث شجر البادية في المرارة، وبشاعة المنظر، ونتن الريح منها أي: من ثمراتها الوبيئة البشعة المحرقة، أي: الماء الذي انتهى حره وغليانه، أي: الإبل التي بها الهيام، وهو داء لا ريّ معه؛ لشدة الشغف والكلب، بها أي: جزاؤهم في الآخرة»28.

رابعًا: أن يأتي الترهيب في سورة قرآنية:

من أنواع الترهيب في القرآن الكريم ما جاء في سورة قرآنية، مثل ما جاء في سورة الهمزة.

قال سبحانه وتعالى: ﭱﭲ ﭿ [الهمزة: ١ -٩].

يقول الطبري: « الوادي يسيل من صديد أهل النار وقيحهم، : لكل مغتاب للناس، ولم ينفقه في سبيل الله، ولم يؤدّ حق الله فيه، ولكنه جمعه فأوعاه وحفظه، يحسب أن ماله الذي جمعه وأحصاه وبخل بإنفاقه مخلّده في الدنيا، فمزيل عنه الموت، ثم أخبر -جلّ ثناؤه- أنه هالك ومعذّب على أفعاله ومعاصيه التي كان يأتيها في الدنيا، فقال -جل ثناؤه-: ليقذفنّ يوم القيامة في الحطمة، والحطمة: اسم من أسماء النار، وأيّ شيء أشعرك يا محمد ما الحطمة، ثم أخبره عنها ما هي، ﭿ يقول: التي يطلع ألمها ووهجها القلوب، يعني: على هؤلاء الهمازين اللمازين : مطبقة، أنهم يعذّبون بعمد في النار، والله أعلم كيف تعذيبه إياهم بها»29.

من خلال ما سبق بيانه، ظهر لنا أنّ القرآن الكريم استخدم أنواع الترهيب المختلفة في كتابه، وإن دل ذلك على شيء، فإنما يدل على أنّ القرآن الكريم لم يغفل هذا الجانب؛ لأهميته في حياة المسلم، وأثره الكبير في استقامة الإنسان على طاعة ربه وامتثال أوامره واجتناب نواهيه؛ كي ينجو من العذاب الذي أعدّه الله سبحانه وتعالى لمن عصاه وأشرك به، ويفوز بالجزاء العظيم، والنعيم المقيم الذي أعدّه لعباده المتقين.

مجالات الترهيب في القرآن

يسعى الشيطان جاهـدًا ليوقـع الإنسان في الضلال والغواية، ويجعله يرتكب جرائـم عديـدة، أخطرهـا تلـك التـي تتعلق بحق الله سبحانه و تعالى، كالكفر والشرك والنفاق، وقـد رهّـب سبحانه و تعالى من هـذه الجرائـم ورتّب عليها عقوبات زاجرة؛ حتى تكون مانعة للإنسـان من الوقـوع فيهـا، فإن الشـرك خطره كبير، فهو من أكبر الكبائر، ومن أعظم الظلم، فهو سبب في عدم مغفرة الذنـب، كذلـك النفاق أشد خطرًا من الكفر والشرك، وقد جاءت الآيات القرآنية تحذّر من الوقوع فيه، وقد توعّد الله سبحانه و تعالى المنافقين بالعذاب الشديد يوم القيامة، وإن الكفر من الجرائم المتعلقة في حق الله سبحانه وتعالى؛ لأنه منافٍ للإيمـان، ومحبط للعمل، فقد رتّب الله سبحانه و تعالى على مرتكبي هذه الجرائم أشد العقوبات وأبشعها؛ لأنها من الأعمال السيئة؛ كي تكون رادعة للإنسان في حياته الدنيا وزاجرة له، وسوف نتحدث في هذه السطور عن مجالات الترهيب في القرآن كالكفر والشرك والنفاق، والأعمال السيئة والعقاب:

أولًا: الكفر:

إنّ الكفر والشرك والنفاق من الجرائم المتعلقة بحق الله سبحانه وتعالى.

ولذا فقد رهّب الله سبحانه وتعالى من هذه الأمور، ورتّب عليها العقوبات، وهذا ما سنتحدث عنه:

ويعدّ الكفر من الجرائم المتعلقة بحق الله؛ لأنه منافٍ للإيمان، وقد ذم الله سبحانه و تعالى الكفر.

وبيّن سوء عاقبته على الكافرين في كثير من آيات القرآن الكريم، وتوعّدهم بالعذاب والهلاك، ومن صور الوعيد ما يلي:

١. العذاب الأليم.

قال تعالى: [آل عمران: ٢١].

بيّن سبحانه و تعالى حال أولئك الكافرين ومصيرهم، فهم يكفرون بآيات الله، وهي الدلائل الواضحة، وما بعث به رسله، ويقتلون مع ذلك النبيين بغير حق ولا سبب موجب للقتل، ويقتلون الذين يأمرونهم من أتباع الأنبياء المؤمنين الصالحين، فكان مصيرهم العذاب أليم30.

٢. العذاب المهين.

قال تعالى: [البقرة: ٩٠].

توعّد الله سبحانه وتعالى الكافرين بالعذاب المهين وهو الذي يهين صاحبه ويذله في الدنيا والآخرة؛ وذلك بسبب كفرهم بالله وما أنزل على رسله31.

٣. الضلال المبين.

قال تعالى: [النساء: ١٣٦].

، وبمحمد وما جاء به من عند الله.

يقول السعدي في تفسيره: «واعلم أن الكفر بشيء من هذه المذكورات، كالكفـر بجميعها؛ لتلازمها وامتناع وجود الإيمان ببعضها دون بعض»32.

وقد بيّن سبحانه و تعالى جزاء من يكفر بهذه المذكورات فإنه يعني: فقد ذهب عن قصد السبيل، وجار عن محجّة الطريق إلى المهالك؛ لأن كفر من كفر بذلك، خروجٌ منه عن دين الله الذي شرعه لعباده، والخروج عن دين الله فيه الهلاك والبوار، وفيه الضلال عن الهدى33.

٤. لعنة الله والملائكة على الكافرين.

قال تعالى: [البقرة: ١٦١].

يقول ابن كثيـر في تفسيره: «ثم أخبر تعالى عمن كفر به، واستمر به الحال إلى مماته بأنّ أي: في اللعنة التابعة لهم إلى يوم القيامة، ثم المصاحبة لهـم في نار جهنم التي لا يخفّف عنهم العذاب فيها، أي: لا ينقص عما هم فيه، ولا هم ينظـرون، أي لا يغيّر عنهم ساعة واحدة ولا يفتر، بل هو متواصل دائم، فنعوذ بالله من ذلك»34، وقال سبحانه و تعالى: [الأحزاب: ٦٤].

٥. شراب الكافرين من الحميم.

قال تعالى: [يونس: ٤].

يخبر سبحانه و تعالى عن أولئـك الذيـن جحدوا وحدانية الله، ورسالة رسوله صلى الله عليه وسلم، بأن لهم شرابًا من ماء حارٍّ شديد الحرارة، يشوي الوجوه ويقطّع الأمعاء، ولهم عذاب موجع بسبب كفرهم وضلالهم35.

٦. الكافرون لا مولى لهم، ولا ناصر ينصرهم.

قال تعالى: [محمد: ١١].

إن الله سبحانه و تعالى ولي المؤمنين وناصرهم ومؤيدهم، أما الكافرون فـ ينصرهم، أو يدفع عنهم ما حلّ بهم من دمار وخسران بسبب كفرهم وجحودهم36.

٧. الخلود في نار جهنم.

قال تعالى: ﭪﭫ [البقرة: ٣٩].

يقول البغوي: « يعني: جحدوا، بالقرآن، يوم القيامة، لا يخرجون منها، ولا يموتون فيها»37.

وهكذا نجد أن الله سبحانه وتعالى توعّد من كفر، أو وقع في الكفر بأنواع عديدة من العذاب، ولما علـم الإنسان ماله من الوعيد حينما يكفر بالله عز و جل وآياته، وأن مأواه جهنم، وأن الله عز و جل سـيذله ويذيقـه من العذاب الأليم والشراب الحميم، ويلعنه الله والملائكة والناس أجمعون، ويخلـد في نـار جهنـم، كمـا قال سبحانه و تعالى: ﭪﭫ [البقرة: ٣٩].

فإن الإنسـان لا يسـتقيم حالـه إلا بإقـراره بوحدانيـة ربـه وتوحيـده، وتجعلـه يسـير وفـق ما يريد الله عز و جل، ويجتنـب الأمـور التي توقـع صاحبهـا في الكفـر، فإن علـم الإنسـان المسـلم ذلك، فإنـه سينقـاد إلـى طاعـة خالقـه عز وجل، ويبتعـد عن الكفر، ويكفر بكل ما عبد من غير الله عز وجل، من حجر، وشجر وغيره.

يقول الله عز و جل: ﰕﰖ [البقرة: ٢٥٦].

فالإيمـان بالله سـبب من أسـباب اسـتقامة الإنسـان على طاعة الرحمن، والبعد عن طاعة الشيطان.

ثانيًا: الشرك:

إن ّالشرك جريمة عظيمة بحق الله سبحانه و تعالى، فالشرك ظلم النفس، حيث وصفه سبحانه وتعالى بأنه أعظم الظلم، قال سبحانه وتعالى: [لقمان: ١٣].

وذلك لأن المشرك يجعل المخلوق في منزلة الخالق؛ لذلك جاء التحذير منه في القرآن الكريم، واعتبره الرسول صلى الله عليه وسلم كبيرة من كبائر الذنوب، فالشـرك: جعـل شريك لله في ربوبيته أو إلهيته، كأن يدعو مع الله غيره، أو يصرف له شيئًا من أنواع العبادة، كالذبح والنذر والخوف والرجاء38.

ولقد تنوعت دلالة النصوص على ذم الشرك، والتحذير منه وبيان خطره، وسوء عاقبته على المشركين في الدنيا والآخرة، وبيان ذلك في النقاط الآتية:

١. الشرك الذنب الذي لا يغفر إلا بتوبة.

قال تعالى: [النساء: ٤٨].

يقول أبو بكر الجزائري: «فأخبر تعالى عن نفسه بأنه لا يغفر الذنب المعروف بالشرك والكفر، وأما سائر الذنوب كبيرها وصغيرها فتحت المشيئة، إن شاء غفرها لمرتكبها فلم يعذّبه بها، وإن شاء آخذه بها وعذّبه، وأن من يشرك به تعالى فقد اختلق الكذب العظيم؛ إذ عبد من لا يستحق العبادة، ومن لا حق له في التأليه؛ فلذا هو قائل بالزور وعامل بالباطل، ومن هنا كان ذنبه عظيمًا»39، فمن رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده أنه يغفر الذنوب مهما عظمت، فإذا تاب المشرك عن شركه، ورجع إلى ربه وأناب، فإن الله سبحانه وتعالى يغفر لـه، يقول الإمام السعدي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: «وهذه الآية الكريمة في حـق غير التائب، وأما التائب فإنه يغفر له الشرك فما دونه، كما قال تعالى: ﮮﮯ [الزمر: ٥٣].

أي: لمن تاب إليه وأناب؛ ولهذا حتّم على صاحبه بالخلود بالعذاب وحرمان الثواب» 40، قال تعالى: [طه: ٨٢].

٢. وصف الله الشرك بأنه ظلم عظيم.

قال تعالى: [لقمان: ١٣ ].

يقول ابن عاشور في تفسيره: «والمراد بالظالمين ابتداءً: المشركون، أي: الذيـن ظلمـوا أنفسهم إذ أشركوا بالله، قال تعالى: [لقمان: ١٣ ].

والظلم يشمل أيضًا عمل المعاصي الكبائر، كما وقع في قوله تعالى: ﮋﮌ [الصافات: ١١٣ ].

وقد وصف القرآن اليهود بوصف الظالمين في قوله: [المائدة: ٤٥ ].

فالمراد بالظلم: المعاصي الكبيرة وأعلاها الشرك بالله تعالى»41، وإنّ أول وصية وصى بها لقمان ابنه وهو يعظه ألا يشرك بالله؛ لخطره على صاحبه، قال تعالى: ﭯﭰ [لقمان: ١٣ ].

٣. الشرك محبطٌ لجميع للأعمال، وسببٌ في خسران صاحبه.

قال تعالى: [الزمر: ٦٥].

أي: أوحى الله سبحانه و تعالى إلى محمد صلى الله عليه وسلم كما أوحى إلى الأنبياء من قبله، بنا غيرنـا فـي عبادتنـا أي: يبطل كله، ولا تثاب على شيء منه وإن قلّ، بعد ذلك من جملة الخاسرين الذين يخسرون أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، وذلك هو الخسران المبين42، وقال سبحانه وتعالى: [الأنعام: ٨٨].

يقول ابن كثير: «هذا تشديد لأمر الشرك، وتغليظ لشأنه، وتعظيم لملابسته»43.

٤. تحريم دخول الجنة على المشرك.

قال تعالى: ﭿ ﮄﮅ [المائدة: ٧٢].

يقول ابن جرير الطبري في تفسيره: « ﭿ ، أن يسكنها في الآخرة، يقول: ومرجعه ومكانه الذي يأوي إليه ويصير في معاده، من جعل لله شريكًا في عبادته نار جهنم، ، يقول: وليس لمن فعل غير ما أباح الله له، وعبد غير الذي له عبادة الخلق، ، ينصرونه يوم القيامة من الله، فينقذونه منه إذا أورده جهنم»44.

٥. المشرك حلال الدم والمال.

قال تعالى: [التوبة: ٥].

يقول سبحانه وتعالى: أي: «التي حرم فيها قتال المشركين المعاهدين، وهي الأشهر الحرم الأربعة45، وتمام المدة لمن له مدة أكثر منها، في أي مكان وزمان»46، يقول القرطبي: «يقتضي جواز قتلهم بأي وجه كان، إلا أن الأخبار وردت بالنهي عن المثلة»47، أسرى أي: ضيّقوا عليهم واحبسوهم، فلا تدعوهم يتوسـعون في بلاد اللّه وأرضه، التي جعلها الله معبدًا لعباده، فهؤلاء ليسوا أهلًا لسكنها، ولا يستحقون منها شـبرًا؛ لأن الأرض أرض اللّه، وهـم أعداؤه المتنابذون له ولرسـله، المحاربـون الذيـن يريدون أن تخلو الأرض من دينه، ويأبى اللّه إلا أن يتم نوره، ولو كره الكافرون، أي: كل ثنية وموضع يمرون عليه، ورابطوا في جهادكم، وابذلوا غاية مجهودكم في ذلك، ولا تزالوا على هذا الأمر؛ حتى يتوبوا من شركهم»48.

٦. براءة الله سبحانه و تعالى من المشركين ورسوله صلى الله عليه وسلم.

قال تعالى: ﭸﭹ [التوبة: ٣].

أمر النبي صلى الله عليه وسلم مؤذنه أن يؤذّن يوم الحج الأكبر، وهو يوم النحر، وقت اجتماع الناس مسلمهم وكافرهم، من جميع جزيرة العرب، أن يؤذن بأنّ اللّه بريء ورسوله من المشركين، فليس لهم عنده عهد وميثـاق، فأينما وجدوا قتلوا، وقيل لهم: لا تقربوا المسجد الحرام بعد عامكم هذا، وكان ذلك سنة تسع من الهجرة، ثم رغّب تعالى المشركين بالتوبة، ورهّبهم من الاستمرار على الشرك49.

فقال تعالى: ﭿ ﮀﮁ [التوبة: ٣].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه قال: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، فمن عمل عملًا فأشرك فيه غيري، فأنا منه بريء، وهو للذي أشرك)50.

٧. نجاسة المشرك (المعنوية).

قال تعالى: [التوبة: ٢٨].

يقول الإمام السعدي: « أي: خبثاء في عقائدهم وأعمالهم، وأي نجاسة أبلغ ممن كان يعبد مع اللّه آلهة لا تنفع ولا تضر، ولا تغني عنه شيئًا، وأعمالهم ما بين محاربة للّه، وصد عن سبيل اللّه ونصر للباطل، ورد للحق، وعمل بالفساد في الأرض لا في الصلاح»51.

٨. الشرك افتراءٌ و إثم عظيمٌ على الله سبحانه و تعالى.

قال تعالى: [النساء: ٤٨].

ومن يشـرك بالله في عبادتـه، أي: اختلق ، وإنما جعله الله تعالى مفتريًا؛ لأنه قال زورًا، وإفكًا بجحوده وحدانيـة الله، وإقراره بأن لله شريكًا من خلقه.

لما يعلم الإنسان خطر الشرك، فإنه سيبذل قصارى جهده من أجل عدم الوقوع فيه؛ لأن الشرك سبب في عدم مغفرة الذنوب، فالمشرك حلال الدم والمال، وإنّ الله سبحانه و تعالى تبرأ من المشركين ورسوله صلى الله عليه وسلم.

فالشرك يوجب لصاحبه العذاب في الدنيا والآخرة، قال تعالى: [الأحزاب: ٧٣].

فهو أبغض الأشياء إلى الله، قال ابن القيم: «إنّ الشرك لما كان أظلم الظلم، وأقبح القبائح، وأنكر المنكرات، كان أبغض الأشياء إلى الله، وأكرهها له وأشدها مقتًا لديه، ورتّب عليه من عقوبات الدنيا والآخرة ما لم يرتبه على ذنب سواه، وأخبر أنه لا يغفره، وأن أهله نجس، ومنعهم من قربان حرمه، وحرّم ذبائحهم ومناكحتهم، وقطع الموالاة بينهم وبين المؤمنين، وجعلهم أعدًاء له سبحانه ولملائكته ورسله وللمؤمنين، وأباح لأهل التوحيد أموالهم ونساءهم وأبناءهم وأن يتخذوهم عبيدًا؛ وهذا لأن الشرك هضم لحقّ الربوبية، وتنقيص لعظمة الإلهية»52.

فيجب علـى الإنسـان أن يتحرر من جميع مظاهر الشرك، وأن يقلع عنها، ويسـتنير بنـور التوحيـد؛ لأنه سـبب في مغفـرة الذنـوب واستقامة الإنسان، يقول ابن القيـم: «فإن التوحيـد الخالص الذي لا يشـوبه شـرك، لا يبقى معه ذنب فإنه يتضمـن مـن محبـة الله تعالى، وإجلالـه، وتعظيمـه وخوفـه، ورجائـه وحـده مما يوجب غسـل الذنوب، ولو كانت قراب الأرض»53، فالذي يتوجه إلى ربه بالعبادة وحده لا شريك لـه، ولا يصرف شيئًا من العبادة لغيره، فقد حقّق التوحيد واستقام على شرع الله سبحانه و تعالى.

ثالثًا: النفاق:

إن النفاق داء عضال، وانحراف خطير في حياة الأفراد والمجتمعات والأمم، فخطره عظيم، وشرور أهله كثيرة، وتكمن خطورته في آثاره المدمرة على حياة الأفراد والمجتمعات.

النفاق معناه: إظهار الإسلام وإبطان الكفر والشرك54.

وسوف نتحدث عن النفاق ونبين صفات المنافقين؛ حتى يكون المسلم على حذر من الوقوع في النفاق، ومما يعين المسلم على ذلك تدبر ما ذكره الله سبحانه وتعالى في كتابه من صفاتهم، وما صحت به السنة النبوية، إن للمنافقين صفات كثيرة نشير إليها مجرد إشارات مختصرة، وإلا فإن التفصيل يحتاج إلى مؤلفات تفضح ما هم عليه، ومن أهم صفات المنافقين ما يأتي:

١. أنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم.

قال تعالى: [البقرة: ٨].

ومن الناس فريق يتردد متحيرًا بين المؤمنين والكافرين، وهم المنافقون الذين يدّعون الإيمان بألسنتهم ويضمرون الكفر في قلوبهم، وهم في باطنهم كاذبون لم يؤمنوا بالله ولا باليوم الآخر، فنفى الله سبحانه و تعالى عنهم صفة الإيمان؛ لأنهم أشد خطورة من الكافرين55.

٢. خداع الله سبحانه وتعالى والمؤمنين.

قال تعالى: ﭿ [البقرة: ٩].

يقول ابن كثير في تفسيره للآية: « أي: بإظهارهم ما أظهروه من الإيمان مع إسرارهم الكفر، يعتقدون بجهلهم أنهم يخادعون الله بذلك، وأنّ ذلك نافعهم عنده، وأنه يروج عليه كما يروج على بعض المؤمنين.

قال تعالى: ﯬﯭ ﯱﯲ [المجادلة: ١٨]؛ ولهذا قابلهم على اعتقادهم ذلك بقوله تعالى: ﭿ يقول: وما يغـرون بصنيعهـم هـذا ولا يخدعون إلا أنفسهم، وما يشعرون بذلك من أنفسهم»56.

٣. الإفساد في الأرض بالقول والفعل.

قال تعالى: [البقرة: ١٢].

يقول سيد طنطاوي في تفسيره: «الفساد: خروج الشيء عن حالة الاعتدال والاستقامة، وعن كونه منتفعـًا به، وضده الصلاح، يقال: فسد الشيء فسادًا، وأفسده إفسادًا، والمراد به هنا: كفرهم، ومعاصيهـم، ومن كفـر بالله وانتهك محارمه فقد أفسد في الأرض؛ لأن الأرض لا تصلح إلا بالتوحيد والطاعة، ومن أبرز معاصي هؤلاء المنافقين، ما كانوا يدعون إليه في السر من تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم، وإلقاء الشّبه في طريق دعوته، والتحالف مع المشركين ضد المسلمين، كلما وجدوا لذلك سبيلًا»57.

٤. الاستهزاء بالمؤمنين.

قال تعالى: [البقرة: ١٤-١٥].

«هؤلاء المنافقون إذا قابلوا المؤمنين قالوا: صدّقنا بالإسلام مثلكم، وإذا انصرفوا وذهبوا إلى زعمائهم الكفرة المتمردين على الله، أكّدوا لهم أنهم على ملة الكفر لم يتركوها، وإنما كانوا يستخفّون بالمؤمنين، ويسخرون منهم، فالله سبحانه وتعالى يستهزئ بهم معاملة لهم بالمثل؛ لتزداد حيرتهم، وتضطرب نفوسهم، وتضل عقولهم؛ لأنهم استبدلوا الإيمان بالكفر والإخلاص بالنفاق»58.

٥. المنافقون يحلفون كذبًا ليستروا جرائمهم.

قال تعالى: ﮩﮪ [المنافقون: ٢].

يقول ابن كثير في تفسيره: «أي: اتقوا الناس بالأيمان الكاذبة، والحلفان الآثمة؛ ليصدقوا فيما يقولون، فاغتر بهم من لا يعرف جلية أمرهم، فاعتقدوا أنهم مسلمون، فربما اقتـدى بهـم فيما يفعلون، وصدّقهم فيما يقولون، وهم من شأنهم أنهم كانوا في الباطن لا يألون الإسـلام وأهله خبالًا -مفسدة- فحصل بهذا القدر ضرر كبير على كثير من الناس»59.

٦. موالاة المنافقين للكافرين ونصرتهم على المؤمنين.

قال تعالى: ﯜﯝ [النساء: ١٣٨، ١٣٩].

يقول الإمام الشوكاني: «إطلاق البشارة على ما هو شر خالص لهم تهكم بهم»60.

وقد وصف الله سبحانه وتعالى حال المنافقين بأنهم يوالون الكافرين، ويتخذونهم أعوانًا لهم، ويتركون ولاية المؤمنين، ولا يرغبون في مودتهـم، أيطلبـون بذلك النصرة والمنعة عند الكافرين؟ إنهم لا يملكون ذلك، فالنصرة والعزة والقوة جميعها لله تعالى وحده 61.

وهذا المعنى الذي دلّت عليه هذه الآية الكريمة، جاء موضحًا في آيات من كتاب اللّه تعالى، كقوله تعالى: ﭼﭽ ﭿ [مريم: ٨٢].

وقوله تعالى: ﭵﭶ ﭺﭻ [يونس: ٦٥].

وقوله تعالى: ﮋﮌ ﮒﮓ [المنافقون: ٨].

٧. المنافقون يعملون على تهوين المؤمنين وتخذلهم.

قال تعالى: ﯕﯖ ﯡﯢ ﯿﰀ ﭯﭰ ﭿ ﮄﮅ [الأحزاب: ١٢ - ١٨].

يقول المنافقون والذين في قلوبهم شك ومرض: ما وعدنا الله ورسوله من النصر والتمكين إلا باطلًا من القول والغرور، فلا تصدّقوا، واذكر يا محمد قول طائفة من المنافقين الذين ينادون المؤمنين من أهل المدينة: لا إقامة لكم في معركة خاسرة، فارجعوا إلى منازلكم؛ لأنها غير محصنة، فالحق أنهم قصدوا بذلك الفرار من القتال، فهؤلاء المنافقون عاهدوا الله سبحانه وتعالى ألا يفروا من الحرب، وألا يتأخروا إذا دعوا إلى الجهاد؛ لكنهم خانوا عهدهم وسيحاسبهم الله سبحانه وتعالى على تلك الخيانة وعدم وفائهم بالعهد، وقل يا محمد لهؤلاء المنافقين: من المعركة خوفًا من الموت أو القتل، فإن ذلك لا يؤخّر آجالكم، وإن فررتم فلن تتمتعوا إلا بقدر أعمالكم المحدودة، وهو زمن يسير جدًّا بالنسبة للآخرة، ومن الذي يمنع المنافقين من عذاب الله وسخطه، فالمنافقون ليس لهم من دون الله ناصر ينصرهم، وإن الله سبحانه وتعالى يعلم المثبطين من المنافقين عن الجهاد في سبيل الله، فكان ديدن هؤلاء المنافقين العمل على تهوين المؤمنين وتثبيطهم وتخذلهم62.

٨. التحاكم إلى الطاغوت.

قال تعالى: [النساء: ٦٠، ٦١].

هكذا حـال المنافقين: إنهم يتركون التحاكم إلى الله ورسوله، فهم حين لا يقبلـون حكم الله ورسوله، ويفتضح نفاقهم، يأتون بأعذار كاذبة ملفقة، ويحلفون الأيمان لتبرئة أنفسهم، إننا لم نرد مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم في أحكامه، إنما أردنا التوفيـق والمصالحة، وأردنا الإحسان لكل من الفريقين المتخاصمين، ومن عجيب أمرهم في ذّلك، أنهم إذا وجدوا الحكم لصالحهم قبلوه63، وإن يكن عليهم يعرضوا عنه.

وقد أخبر الله سبحانه وتعالى بذلك ﮘﮙ [النور: ٤٧ - ٤٩].

٩. طعنهم في المؤمنين وتشكيكهم في نوايا الطائعين.

قال تعالى: ﯴﯵ [التوبة: ٧٩].

إن الله سبحانه وتعالى توعد بالعذاب الأليم للمنافقين الذين يسخرون من المؤمنين المتصدقين، فإذا تصدق الأغنياء بالمال الكثير عابوهم واتهموهم بالرياء، وإذا تصدق الفقراء بما في طاقتهم استهزءوا بهم، وقالـوا: إن الله غني عن هذه الصدقة، وقد روى ابن مسعود رضي الله عنه قال: (لما نزلت آية الصدقة كنا نحامل على ظهورنا، فجاء رجل فتصدق بشيء كثير، فقالوا: مراء، وجاء رجل فتصدق بصاع فقالوا: إن الله لغني عن صدقة هذا، فنزل قوله: ﯴﯵ [التوبة: ٧٩])64.

والنفاق انحراف خطير يطرأ على سلوك الإنسان، وقد رهّب منه القرآن الكريم؛ حيث توعد الله سبحانه وتعالى المنافقين بالعذاب الشديد في نار جهنم.

قال تعالى: ﯤﯥ ﯧﯨ ﯪﯫ [التوبة: ٦٨].

وقد حذّر الله سبحانه وتعالى من النفاق؛ لما له من آثار جسيمة على الفرد والمجتمع، فلما يعلم الإنسان خطر النفاق وآثاره المدمرة وصفات المنافقين، وما أعد لهم من الوعيد الشديد، حيث قال سبحانه وتعالى: [النساء: ١٤٥].

فإن الإنسان يحرص كل الحرص، ويحذر كل الحذر من الوقوع في النفاق بأنواعه، فيبدأ بتصحيح نواياه ومعتقداته، ويجعلها خالصة لله عز وجل، مما يدفعه ذلك إلى الاستقامة على طاعة ربه، فيترفع عن أخلاق المنافقين وصفاتهم الذميمة التي أشار إليها القرآن والسنة، وبذلك تتحقق الاستقامة للفرد والمجتمع.

رابعًا: الأعمال السيئة:

رهّب الله سبحانه وتعالى من الأعمال السيئة، وبيّن أن الإنسان مسئول عن أعماله سواء كانت صالحة أو سيئة، قال تعالى: ﰑﰒ ﰕﰖ [فصلت: ٤٦].

وسوف نتحدث هنا عن بعض الأعمال السيئة في القرآن، كالقتل، والزنا، والقذف، والسرقة.

١. القتل.

إن القتل جريمة خطيرة، لها أضرارها على الفرد والمجتمع، وقد ذكر الله تحريمها في مواطن كثيرة من القرآن الكريم.

فقال تعالى: ﮛﮜ ﮧﮨ [الإسراء: ٣٣].

وقال تعالى: ﭘﭙ ﭧﭨ ﭳﭴ ﭿ ﮂﮃ ﮋﮌﮍ [النساء: ٩٢، ٩٣].

جاءت الآية الأولى تبين حكم من قتل مؤمنًا خطأً، والقتل الخطأ هو القتل الحادث بغير قصد الاعتداء لا للفعل، ولا للشخص، كأن وقع شخص على آخر فمات، أو رمى شجرة أو دابة، فأصابت الرمية إنسانًا فمات، أو رمى آدميًّا فأصاب غيره فمات، فإذا حصل ووقع القتل بطريق الخطأ؛ فعلى القاتل عتق رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهل القتيل، إلا إذا عفوا عنه وأسقطوا الدية باختيارهم فلا تجب حين إذن، وإذا كان المقتول مؤمنًا وأهله من الكفار، فالواجب على قاتله عتق رقبة مؤمنة، ولا تجب الدية لأهله؛ لأنهم أعداء محاربون فلا يعطوا من أموال المسلمين ما يستعينون به على قتالهم، وأما إذا كان المقتول معاهدًا أو ذميًّا فالواجب في قتله كالواجب في قتل المؤمن، وهي دية مسلمة إلى أهله تكون عوضًا عن حقهم، وعتق رقبة مؤمنة كفّارة عن حق الله، فمن لم يجد الرقبة التي يحررها فعليه صوم شهرين متتابعين، توبة من الله على عباده المؤمنين؛ لأن الله عليم بما يصلح الناس، وحكيم في تشريعه65.

وجاءت الآية الثانية تبيّن حكم وجزاء من يقتل مؤمنًا متعمدًا، حيث غلّظ الشارع في العقوبة على هذه الجريمة؛ لعظمها عند الله تعالى، فعن البراء بن عازبٍ أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: (لزوال الدّنيا أهون على اللّه من قتل مؤمنٍ بغير حقٍّ)66.

ولم يذكر القرآن الكريم له كفارة، بل جعل عقابه أشد عقاب توعّد به القاتل، فهو سبب في هلاك صاحبه في الدنيا والآخرة، حيث قال تعالى: [النساء: ٩٣].

فقد حكمت الآية على القاتل المتعمد بعقوبات ثلاثة، وذلك كما يأتي:

الأولى: الخلود في جهنم.

الثانية: استحقاق الغضب واللعنة.

الثالثة: العذاب العظيم في الآخرة.

وثبـت فـي السـنة تشـريع عقوبـة أخرى للقتـل العمـد، وهـي الحرمـان من الإرث، والوصيـة، وذلـك في قولـه صلى الله عليه وسلم: (ليس لقاتـل ميـراث)67.

فإذا قتل الوارث مورثـه، أو الموصى له الموصـي، حرم من الميراث والوصية، عملًا بمبدأ سد الذرائع؛ حتى لا يطمع أحد بمال مورثه، فيتعجـل موتـه بالقتـل، فمن تعجّل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه68.

ومن أضرار جريمة القتل ما يأتي:

  1. خسران القاتل الآخرة باستحقاقه العذاب والغضب واللعنة.
  2. إنها من الكبائر المنصوص عليها في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا السبع الموبقات...)69وعدّ منها قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق.
  3. إنّ قتل نفسٍ واحدةٍ كقتل الناس جميعًا، قال تعالى: ﭫﭬ [المائدة: ٣٢]. قال ابن كثير: «أي: من قتل نفسًا بغير سبب من قصاص أو فساد في الأرض، واستحل قتلها بلا سبب ولا جناية، لأنه لا فرق عنده بين نفس ونفس»70.
  4. إنّ القتل أول ما يقضى فيه بين العباد يوم القيامة، فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أول ما يقضى بين الناس في الدماء)71.

    فمن خلال ما سبق ظهرت لنا بعض أضرار جريمة القتل على مرتكبها، فلابد للإنسان أن يضع مخافة الله سبحانه و تعالى نصب عينيه قبل أن يقدم على هذه الجريمة؛ حتى لا يقع في الهلاك والخسران.

    ٢. الزنا.

    قال تعالى: ﭙﭚ [النساء: ١٥].

    وقال تعالى: ﮋﮌﮍ [الإسراء: ٣٢].

    يقول الإمام السعدي رحمه الله: «والنهي عن قربانه أبلغ من النهي عن مجرد فعله؛ لأن ذلك يشمل النهي عن جميع مقدماته ودواعيه»72، وقد كانت عقوبة الزانية في صدر الإسلام الحبس في البيت، وعدم الإذن لها بالخروج، وكانت عقوبة الرجل التأنيب والتوبيخ قولًا، قال تعالى: ﭙﭚ [النساء: ١٥].

    ثم نسخ ذلك بجلد الزاني أو الزانية البكر، ورجم المحصن منهم73.

    قال تعالى: ﭢﭣ ﭰﭱ ﭿ ﮅﮆ [النور: ٢، ٣].

    ذكر الله سبحانه و تعالى عقاب من انتهك حرمات الله تعالى بالزنا، وبيّن عقوبة كلًّا من الزانيين، وهي مائة جلدة، تستوفونها منهما كاملة دون رحمة أو شفقة، ودون تخفيف من العقاب، أو انتقاص من الحد، وقدّم الزانية لأن الزنا كان حينئذ في النساء أكثر، فإنه كان منهنّ إماء وبغايا يجاهرن بتلك الجريمة، فإن جريمة الزنا أخطر وأعظم من أن تستدر العطف، أو تدفع إلى العفو عن مرتكب هذه الجريمة النكراء، فإن من عرف آثار جريمة الزنا وأضرارها من تدنيس للعرض والشرف وضياع للأنساب، واعتداء على كرامة الإنسان، وتلطيخ لهم بالعار، وتعريض الأولاد للتشرد والضياع؛ حيث يولد اللقيط وهو لا يدري أباه، ولا يعرف حسبه ولا نسبه، فمن عرف ذلك أدرك حكمة الله تعالى في تشريع هذا العقاب الزاجر الصارم، وليس هذا فحسب بل لابد أن تشهدوا على هذه العقوبة؛ لتكون زاجرًا له ولأفراد المجتمع من اقتراف مثل هذا المنكر الشنيع، فتحصل العبرة والعظة74.

    وعبّر القرآن بقوله « ولم يقل: (فاضربوا) للتنبيه على أن الغرض من هذا العقاب هو الإيلام، حيث يصل ألمه إلى الجلد؛ وذلك لعظم هذا الجرم»75.

    وفرّقت الشريعة الإسلامية بين حد البكر (غير المتزوج) وحد المحصن (المتزوج) فخففت العقوبة في الأول فجعلتها مائة جلدة، وغلّظت العقوبة في الثاني فجعلتها الرجم بالحجارة حتى الموت؛ وذلك لأن جريمة الزنا بعد الإحصان (التّزوج) أشد وأغلظ من الزنا قبل الإحصان في نظر الإسلام، فالجريمة التي يرتكبها رجل محصن مع (امرأة محصنة) عن طريق الفاحشة أشنع وأقبح من الجريمة التي يرتكبها مع البكر؛ لأنه قد أفسد نسب غيره، ودنّس فراشه، وسلك لقضاء شهوته طريقًا غير مشروع، مع أنه كان متمكنًا من قضائها بطريق مشروع، فكانت العقوبة أشد وأغلظ76.

    وبيّن الله تعالى أن الزاني لا يليق به أن ينكح المؤمنة العفيفة الشريفة، إنما ينكح من هي مثله أو أخس منه، ينكح الزاني الفاجرة، أو المشركة الوثنية، ولا عجب في أنّ الفاسق الخبيث لا يرغب غالبًا إلا في فاسقة مثله أو مشركة، والزانية الخبيثة، كذلك لا ترغب إلا في خبيث مثلها أو مشرك77.

    وقد صدق الله تعالى حيث يقول: ﯞﯟ ﯣﯤ ﯨﯩ [النور: ٢٦].

    هكذا نجد أنّ الله تعالى حرّم جريمة الزنا لما فيها من أضرار عظيمة ومخاطر جسيمة تودي بحياة الأفراد والجماعات، حيث جعل الله تعالى عقوبة الزاني المحصن الرجم حتى الموت، والبكر الجلـد مائـة جلـدة، وفـي ذلـك ردع لـه عن الإقدام على مثل هذه الفعلة ولا حتى قربانها، وقد بيّن الله سبحانه أنه لابد من حضور طائفة من المؤمنين ليشهدوا عذاب الزاني، قال تعالى: يفيد حضور جمع من المؤمنين عند إقامة الحد؛ وذلك تنكيلًا وعبرةً وعظةً لغيره من التفكير في الإقدام عليها، حيث قال سبحانه وتعالى: ﮋﮌﮍ [الإسراء: ٣٢].

    نهـى عن مقاربته بالمقدمات، كالعزم والنظر وشبهه، أي: فعلة ظاهر فحشها وقبحها، ؛ قبح طريقًا طريقه؛ لمـا فيه من اختلاط الأنساب وهتك محارم الناس، وتهييج الفتـن، فلما يعلم الإنسان أنه ينفضح على رءوس الأشهاد، يقـف ويفكّر مليًّا في ما سيفعله، فيكون هذا الترهيب دافعًا له على الاستقامة، وإذا استقام الإنسان يستقيم حال المجتمع، فتصان الأعراض وتحفظ الأنساب78.

    ٣. القذف.

    القذف جريمة عظيمة نص عليها القرآن والسنة، فهو من الكبائر، ومن أشنع الذنوب وأبلغها في الإضرار بالمقذوف والإسـاءة إليه؛ لذا كان التحذير منه في القرآن الكريم شديدًا، وقد عاقب الله سبحانه وتعالى القاذفين بعقوبات عديدة.

    قال تعالى: ﮛﮜ [النور: ٤].

    قال الإمام الطبري رحمه الله في تفسير هذه الآية: «يقول تعالى ذكره: والذين يشتمون العفائف من حرائر المسلمين، فيرمونهنّ بالزنا، ثم لم يأتوا على ما رموهن به من ذلك بأربعة شهداء عدول يشهدون عليهن أنهم رأوهن يفعلن ذلك، فاجلدوا الذين رموهن بذلك ثمانين جلدة، ولا تقبلوا لهم شهادة أبدًا، وأولئك هم الذين خالفوا أمر الله وخرجوا من طاعته ففسقوا عنها»79.

    يقول الإمام القرطبي: «للقذف شروط عند العلماء تسعة: شرطان في القاذف، وهما: العقل والبلوغ؛ لأنهما أصلا التكليف؛ إذ التكليف ساقط دونهما، وشرطان في الشيء المقذوف به وهو: أن يقذف بوطء يلزمه فيه الحد، وهو الزنا واللواط أو بنفيه من أبيه دون سائر المعاصي، وخمسة من المقذوف وهي: العقل، والبلوغ، والإسلام، والحرية، والعفة عن الفاحشة»80.

    بيّنت الآية حكم جلد القاذف للمحصنة وهي الحرة البالغة العفيفة، فإذا كان المقذوف رجلًا فكذلك يجلد قاذفه أيضًا ، وليس فيه نزاع بين العلماء، فإن أقام القاذف بيّنة على صحة ما قاله درأ عنه الحد؛ ولهذا قال تعالى: ﮛﮜ ، وقوله: يدل على أن شهادة الأربعة شرط في إثبات الزنا81.

    أوجب الله سبحانه وتعالى على القاذف إذا لم يأت بالبينة على صحة ما قال ثلاث عقوبات، حسية ومعنوية ودينية:

    أولًا: العقوبة الحسية: وتتمثل في جلد القاذف ثمانين جلدة.

    ثانيًا: العقوبة المعنوية: وتتمثل في عدم قبول شهادة القاذف، فيهدر قوله، ويصبح في المجتمع من المنبوذين، فلا ثقة له بين الناس.

    وقد توعد الله سبحانه وتعالى لأولئك الذين يرمون المؤمنات المحصنات ويتهمونهن بالزنا، باللعنة في الدنيا والآخرة والعذاب العظيم لجرم الذنب الذي ارتكبوه في حقهن، قال تعالى: [النور: ٢٣].

    يقول الإمام القرطبي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: « قال العلماء: إن كان المراد بهذه الآية المؤمنين من القذفة، فالمراد باللعنة: الإبعاد وضرب الحد واستيحاش المؤمنين منهم وهجرهم لهم، وزوالهم عن رتبه العدالة، والبعد عن الثناء الحسن على ألسنة المؤمنين»82.

    لذلك نجد الله سبحانه وتعالى شدّد في عقوبة القذف، فجعلها قريبة من عقوبة الزنا؛ وذلك صيانة للأعراض من التهجم، وقطع ألسنة السوء، فيمتنع ضعاف النفوس من أن يجرحوا مشاعر الناس، وجريمة القذف تولّد أخطارًا جسيمة في المجتمع، فكم من فتاة عفيفة شريفة لاقت حتفها بسبب كلمة قالها قائل، فوصل خبرها إلى الناس، وافتضح أمرها، وانتشر صيتها، وهي بريئة من ذلك، فجاءت حكمة التشريع في بيان العقوبة المترتبة على هذه الجريمة؛ ردعًا للقاذف من أن يتهم الناس بالفاحشة، وحماية سمعتهم من التدنيس، ومنع إشاعة الفاحشة بين المؤمنين، فإن كثرة الترامي بها، وكثرة سماعها، وسهولة قولها، يجرئ السفهاء على ارتكابها، فكانت العقوبة غليظة؛ حتى لا يتجرأ أحد على ارتكابها، ولا يقدم على فعلها، فيمتنع عن هذا الفعل الشنيع، وبذلك يستقيم الإنسان، وتصان الأعراض من أن تنتهك، وتحفظ كرامة الأمة، ويطهر المجتمع من مقالة السوء، وتنتشر المودة والمحبة بين الأفراد، وبذلك تستقيم حياة الأمة83.

    ٤. السرقة.

    السرقة من الجرائم العظيمة في الإسلام، فهي لا تحل في شرع الله، ولا في أي قانـون وضعـي؛ لأن إباحـة السرقة تخلّ بأمن الناس، وتفقد الطمأنينة؛ ومن ثمّ يتزعزع استقرار المجتمع؛ لذا فقد جعل الله سبحانه و تعالى عقوبة السرقة القطع زجرًا لأخذ الأموال بغير حق.

    يقول تعالى: ﭨﭩ ﭷﭸ [المائدة: ٣٨، ٣٩].

    الأحكام التشريعية المستنبطة من النص:

    جاءت الآية الأولى تبيّن حكم السرقة، فكل من يسرق فحكمه أن تقطع يده اليمنى من الكوع، وكذا يد السارقة؛ مجازاة لهما على ظلمهما بالاعتداء على أموال غيرهم، وقد ذكر عطفًا على حتى لا يفهم منها أنّ الحكم مقتصرٌ على الذكور فقط دون الإناث، فقد كانت العرب لا تقيم الحدود على الإناث قبل الإسلام، ونلاحظ أن الآية لم تبيّن مفهوم السرقة ولا النصاب الذي تسمى عنده سرقة فتوجب الحد، ولا كيفية القطع ومكانه، فقد بيّنت ذلك السنة النبوية، كما بيّنت الآية أن هذا الحكم إنما هو جزاءً من الله على ظلم السارق والسارقة في اعتدائهما على حقوق العباد، وأنه عقوبة من الله تعالى لهما تجعل غيرهما لا يقدم على أخذ أموال الناس بطريق السرقة المحرمة، وذلك الحكم لأن الله سبحانه و تعالى في ملكه لا يغالبه مغالب، و في تدبيره وقضائه84.

    وبيّنت الآية الثانية أنّ من تاب من السارقين بعد قيامه بالسرقة فأقلع عن السرقة وعمل عملًا صالحًا، فإن الله يقبل توبته، لكن مع الانتباه أن الآية لم تذكر إسقاط عقوبة السرقة، وإن جاء السارق تائبًا قبل القدرة عليه85.

    وقد جعل الله تعالى عقوبة السرقة هي القطع «ليكون هذا العقاب الصارم عبرة للناس؛ حتى يرتدع أهل البغي والفساد، ويأمن الناس على أموالهم وأرواحهم»86.

    وعليه فالجزاء على السرقة جزاء يقصد منه الردع وعدم العود، فليس بانتقام، ولكنه استصلاح وتهذيب لسلوك الفرد والمجتمع، فلا يكون المراد أن القطع تعويض عن المسروق، فعندما يعلم المكلف أن يده ستقطع، وأنه سيصبح بلا يد فتكون علامة مادية للمجتمع أنه سارق، فإنه سيفكر جيدًا في هذا التصرف من حيث أنه سيلقى عقابه بقطع يده، وسيلقى الخزي بين مجتمعه بيده المقطوعة؛ ومن ثمّ يصبح هذا الحكم دافعًا له للاستقامة على الطاعة وحفظ الأمانة، واجتناب المعصية.

صور الترهيب في القرآن الكريم

  1. ذكر القرآن الكريم صور وطرقًا عديدة تخوّف المؤمن من حصول العذاب في الدنيا والآخرة، فمن طريقة القرآن الكريم وأساليبه، ترهيب المؤمن بما أعد الله من أصناف العذاب لمن خالف أمره، وكل ذلك حتى يكون على طاعة مستمرة لربه، وبذلك يحصل له الفوز في الدنيا والآخرة.

    والمتأمل في القرآن الكريم يجد أن أسلوب الترهيب لم يأت بصيغة الترهيب الصريحة فحسب، بل جاء في العديد من المواضع بطريق التلميح والتعريض والتهديد، وبطرق أخرى نبيّنها فيما يلي:

    ١. التهديد والتخويف بصيغة العلم.

    فكثيرًا ما يقع التهديد في القرآن بذكر (العلم)، والمثال على هذا قوله عز وجل: ﯰﯱ [البقرة: ٢٢٣].

    فالأمر بـ (العلم) بأن لقاء الله آتٍ لا مفر منه مشعر بالتهديد87، ومن هذا القبيل أيضًا ، قوله تعالى: [الأنعام: ١١٩].

    ٢. الترهيب بصيغة (أفعل).

    والمراد: المبالغة في التهديد والزجر، والمثال عليه قوله سبحانه: ﭿﮀ ﮈﮉ ﮋﮌ [البقرة: ١١٤].

    ففي الآية تهديد عظيم لمن منع مساجد الله أن تقام فيها العبادة، ونحو هذا قوله تعالى: ﯱﯲ [البقرة: ١٤٠].

    ٣. الإملاء للمعرضين والإمداد لهم.

    والمثال عليه قوله سبحانه: [الزخرف: ٨٣].

    ونظير هذا قوله عز وجل: [الطور: ٤٥].

    ٤. التعبير بصيغة المستقبل بالإخبار عن عاقبة المعرضين.

    ومثاله قوله تعالى: [الأعراف: ١٤٥].

    يقول ابن كثير: «سترون عاقبة من خالف أمري وخرج عن طاعتي كيف يصير إلى الهلاك والدّمار والتّباب»88، ونظيره قوله سبحانه: [الشعراء: ٢٢٧].

    ٥. الأمر بطاعة الله سبحانه والرهبة منه.

    مثال ذلك قوله تعالى: [البقرة: ٤٠].

    فالأمر هنا متضمن معنى التهديد والوعيد.

    ٦. تكرار الكلام بلفظه، والقصد التهديد.

    قال تعالى: [الرحمن: ١٣].

    فقد تكررت هذه الآية كثيرًا في سورة الرحمن؛ بقصد التهديد لمن تنكّر لنعم الله عليه وأفضاله.

    ٧. إخباره سبحانه بعدم غفلته عما يفعله عباده.

    والمثال عليه قوله تعالى: [البقرة: ٧٤].

    فالمراد: التهديد، ونحو هذا قوله تعالى: ﯼﯽ ﯿ [إبراهيم: ٤٢].

    ٨. الخطاب بلفظ (الإنذار).

    من ذلك قوله تعالى: [مريم: ٣٩]. فالإنذار يتضمن معنى الترهيب.

    ٩. ختم الآيات بعبارات تفيد أنّ من يخالف أوامر الله سبحانه فإنه معرّض للعذاب الشديد.

    كقوله تعالى: ﭪﭫ [البقرة: ٣٩].

    ١٠. الإخبار بلفظ الغلبة والحشر.

    كقوله سبحانه: ﭺﭻ [آل عمران: ١٢].

    فالمراد بـ(الغلبة) و(الحشر) هنا التهديد.

    ١١. التذكير بالأمم السالفة، وما نزل بها من العقاب والعذاب.

    كقوله تعالى: ﯛﯜ [سبأ: ٤٥].

    فالآية سيقت مساق التهديد بتذكيرهم بالأمم السالفة التي كذّبت رسلها، وكيف عاقبهم الله على ذلك، وكانوا أشد قوة من قريش، وأعظم سطوة منهم.

    ومن خلال ما تقدم تبيّن أن أساليب القرآن الكريم تعددت في خطاب النفس البشرية، ما بين ترهيب وإنذار، ووعيد، وتخويف، وكان الترهيب من الأساليب التي اعتمدها القرآن في خطابه؛ وذلك أن من النفوس البشرية من لا تستجيب لنداء الحق إلا إذا خوطبت بخطاب فيه تهديد ووعيد.

أثر الترهيب في سلوك المرء

  1. إنّ القرآن الكريم استخدم الكثير من الآيات المتضمنة للترهيب، قال تعالى: ﯣﯤ ﯨﯩ [النحل: ٥١].

    قال البيضاوي في تفسيره: « ذكر العدد مع أن المعدود يدل عليه دلالة على أن مساق النهي إليه، أو إيماء بأن الاثنية تنافي الألوهية، كما ذكر الواحد في قوله: ﯥﯦ ﯧﯨ، للدلالة على أن المقصود إثبات الوحدانية دون الإلهية، أو للتنبيه على أن الوحدة من لوازم الإلهية، نقل من الغيبة إلى التكلم مبالغة في الترهيب، وتصريحًا بالمقصود، فكأنه قال: فأنا ذلك الإله الواحد فإياي فارهبون لا غير»89، وفي قوله: يقول: فإياي فاتقوا وخافوا عقابي بمعصيتكم إياي إن عصيتموني وعبدتم غيري، أو أشركتم في عبادتكم لي شريكًا، فدلت هذه الآية على مخافة العبد من غضب الله وسخطه وعذابه90.

    ولا شك أن الترهيب بأنواعه المتعددة وأساليبه المختلفة له أثره الكبير على سلوك المرء؛ لكون هذا الأسلوب رادعًا للفرد حينما يقصّر في أداء ما فرضه الله سبحانه وتعالى عليه من العبادات، وللعبادات تأثير واضح في سلوك الفرد، فهي التي تزكّي نفسه، وتزيد مراقبته لربه تعالى في السر والعلن، والخوف منه، فينزجر عن المعاصي والإضرار بالناس، ويسارع إلى عمل الخير، ولاشكّ أن المجتمع سيكون سعيدًا إذا زاد فيه عدد الصالحين الخائفين من الله تعالى، وأنّ كمية الخير في المجتمع ستكثر، وأن الجرائم تقل، فالعبادات في الإسلام تصلح الفرد والمجتمع، ولها الأثر الكبير في استقامة الإنسان91.

    وكذلك إذا اجتنب المرء ما نهى الله عنه من كبائر الذنوب والمعاصي، يبقى الفرد في اتصال دائم مع ربه فيخاف عقابه وعذابه ويرجو رحمته، قال تعالى: [النساء: ٣١].

    يقول القاسمي في تفسيره: « أي: كبائر الذنوب التي نهاكم الشرع عنها، مما ذكر هاهنا ومما لم يذكر، أي: صغائر ذنوبكم، ونمحها عنكم، وندخلكم الجنة»92.

    ومن رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده أن جعل باب التوبة مفتوحًا لمن أقدم على كبيرة من الكبائر، كالقتل والشرك والزنا والعقوق وغيرها من الآثام، قال سبحانه: [طه: ٨٢].

    أي: إن الله يغفر لمن رجع عما كان فيه من كفر أو شرك أو نفاق أو معصية، وآمن بقلبه، وعمل الصالحات بجوارحه ثم استقام على طاعة ربه93.

    فلما يعلم المرء أن الله سبحانه وتعالى يغفر الذنوب والكبائر والمعاصي، فإنه يبادر إلى التوبة والرجوع والإنابة إلى الله وحده، فيستقيم على طاعة ربه، ويبتعد عن كل ما يسخط الله ويغضبه؛ لأنه يعلم الوعيد الذي أعده الله سبحانه لمن خالف أمره وعصاه، فلو استطاع الإفلات من عذاب الدنيا، فإن العقاب الأخروي ينتظره، فمن ثمّ يكون لهذا الترهيب الأثر البالغ على سلوك المرء، لاسيما وإنّ الترهيب يثير عند الإنسان عامل الخوف، وعامل الرجاء والأمل، وهما في الواقع يوجّهان اتجاه الإنسان إلى السلوك الأفضل والطريق الأقوم.

فوائد الترهيب في التربية والدعوة

  1. أولًا: فوائد الترهيب في التربية:

    لاشك أن الترهيب في التربية له فوائده الكثيرة التي تعود بالنفع على صاحبه، وتظهر مكانة الترهيب وأهميته من أمر الله تعالى الصريح بتطبيقه واستعماله في حقّه جلّ ثناؤه، قال تعالى: [البقرة: ٤٠].

    وقوله تعالى: [المائدة: ٤٤].

    فالترهيب من ركائز الإيمان، فيقتضي الخوف؛ لذا قيّده الله تعالى بالإيمان في قوله: [آل عمران: ١٧٥].

    فجعل الخوف والرهبة شرطًا في تحقيق الإيمان، فإذا تحقق الشرط وهو الخوف، تحقق المشروط وهو الإيمان، فالمقصود أن الخوف من لوازم الإيمان وموجباته فلا يختلف عنه، فالخوف يربي المؤمن على طاعة ربه، ومن ثمّ يبقى على صلة بالله؛ فيزداد إيمان المؤمن بالطاعات، وبالبعد عن المنكرات.

    وكذلك فإن الترهيب سبب في وصول المسلم إلى أعلى الدرجات، فمثلًا صاحب القلب الخائف، هو الّذي يقيم الصلاة على أكمل وجه، وهو الّذي يؤدي الزكاة بنفس طيبة، وهو الّذي يخشى الله في السر والعلن، قال تعالى: [التوبة: ١٨].

    ولهذا كان جزاؤه الفوز والفلاح وميراث جنة الفردوس.

    وقد بيّن سبحانه وتعالى اتصاف أنبيائه صلوات الله وسلامه عليهم به، بعد أن أثنى عليهم ومدحهم، فقال تعالى: [الأنبياء: ٩٠].

    وقال تعالى عن ملائكته الكرام الذين أمنهم من عذابه: [النحل: ٥٠].

    وقال سبحانه عن عباده العلماء: [فاطر: ٢٨].

    وهكذا نجد أن الأنبياء والملائكة والعلماء كانوا يدعون ربهم خوفًا ورهبة منه سبحانه وتعالى، وفي ذلك دعوة لنا أن نتذكر هذا الأسلوب الناجع في حياتنا، فالأفضل منا جميعًا كانوا يتصفون به، فمن باب أولى أن نكون أول من يلتزم ويتذكر هذا الأسلوب التربوي الذي ذكره الله سبحانه في كتابه؛ كي يكون رادعًا لنا في حياتنا اليومية.

    والترهيب سبب في الانتفاع بالعبر والقصص القرآنية التي تحدثت عن مصير الأمم الغابرة؛ لأنّ من طبع النفس النسيان والغفلة؛ لذلك فإن الترهيب يصبح نوعًا من التذكير بما آلت إليه النفس من ارتكاس ونكوص، ووقوع في الرذائل والآثام هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن من رهب الله تعالى وخاف وعيده أوجب له ذلك الحذر، ومن ثمّ الانتفاع بالعظات والآيات والعبر، قال تعالى: [ق: ٤٥].

    وقال تعالى: [الأعلى: ١٠].

    وقال سبحانه: [هود: ١٠٣].

    ومن خلال ما سبق ذكره من الآيات ظهر لنا فوائد الترهيب في التربية، فهو سبب في القضاء على كثير من الأمراض والجرائم الاجتماعية، والمخالفات السلوكية، وسبب في تقوية وزيادة الإيمان، بمعنى أن من لم يرتدع بالترغيب والإرشاد والجدل واللين، واستمرّ على ما هو عليه، فلابد له حينئذٍ من سياط التخويف وسطوات السيوف من خلال الترهيب العمليّ، فمثلًا المرتد المصرّ على ردّته يقتل، والزاني المحصن يرجم، والسارق المستمر في فعله تقطع يده، ومن خلال ما سبق ظهر لنا فوائد هذا الأسلوب في التربية.

    ثانيًا:فوائد الترهيب في الدعوة إلى الله:

    قال تعالى: ﮬﮭ ﮱﯓ ﯛﯜ [النحل: ١٢٥].

    الدعوة إلى الله واجب كل مسلم، كما كانت من قبل وظيفة الأنبياء والرسل، ولقد شرع لنا الله سبحانه في دعوتنا للناس أساليب ووسائل تتنوع بين الحين والآخر، فقد يستخدم مع المدعو أحيانًا أسلوبًا أو وسيلة تختلف عنه مع مدعو آخر.

    ومن هنا يبرز لنا أهمية أسلوب الترهيب في الدعوة إلى الله؛ لأن هنالك بعضًا من الناس وأصنافًا منهم لا يجدي فيهم الترغيب والوعود الجميلة، وإنما ينفع معهم التقريع والتعنيف والتهديد، وكسر حدة النفس ونتوئها وإعراضها عن الحق، وإلزامها كلمة التقوى والمتابعة، فكان الترهيب والتخويف مناسبًا لذلك.

    ومن صوره: الترهيب من ترك جنس الطاعات، وعدم القيام بأركان الإسلام والإيمان والإحسان، أو التهاون في بقية أنواع الطاعات الأخرى، والحقوق والواجبات المترتبة على المسلم، فناسب تنبيهه إلي ما ينبغي عليه العمل بـه والتحلي بموجبه94.

    لذلك ينبغي للداعية عندما يلجأ إلى الترهيب في الدعوة إلى الله، أن يوازن بين ما يحصل من مفاسد، وما يترتب على ترهيبه من مصالح، إذ لابد أن تكون المصلحة الترهيبية راجحة على المفسدة؛ لأن هذا هو الذي يحبه الله ويرضاه، وبهذا بعثت الرسل وأنزلت الكتب، لذا إن تأكد الداعية حدوث مفسدة أعظم من التي أراد إزالتها بسبب ترهيبه فليس له أن يرهّب، وكذلك لابد للداعية أن يكون حريصًا على إيصال الحق إلى الخلق، فهو مطالب باستخدام هذه الوسيلة، فنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ذهب إلى عكاظ وذي المجاز وغيرهما وغشى أندية قريش واجتماعاتهم، ولكن لابد للداعية أن يكون متسلحًا بالعلم وقوة الإيمان والأسلوب الأمثل للمدعوين زمانًا ومكانًا وتأهيلًا95.

    وقال تعالى: ﮠﮡ [آل عمران: ١٠٤].

    فلابد للداعية المسلم أن يكون حريصًا على دعوة أخيه إلى الخير، وينهاه عن المنكر في دنياه؛ لأن هناك الكثير من الناس يتعلق بهذه الدنيا الزائلة، ويجعلها همه وغايته، ولما كان الإنسان يعيش في الدنيا ويتعرض لإغراءاتها مما قد يجرّه إلى الركون إليها، والتعلق بها، ونسيان الآخرة، فلابد إذن من تنفير المدعوين من إيثارها على الآخرة، لا من الفرار منها جملة واحدة، مع بيان حقيقتها وقيمتها وقدرها بالنسبة إلى الآخرة ونعيمها.

    وقد بيّن ذلك كله القرآن الكريم خير بيان، مما يجعل أيّ مسلم عاقل يؤثر الآخرة على الدنيا، بل ويجعل المدعو غير المسلم منجذبًا إلى هذه الحقائق في موازنة الدنيا مع الآخرة، وقد يجرّه ذلك إلى الإيمان لما يحسه من صدق هذا البيان والتصوير لقيمة الدنيا الفانية، ومن الآيات القرآنية الدالة على ذلك قوله تعالى: ﯹﯺ ﯿ [يونس: ٢٤].

    وقال تعالى: ﭴﭵ ﭿ ﮁﮂ ﮊﮋﮌ [الحديد: ٢٠].

    يقول السعدي في تفسيره: «يخبر تعالى عن حقيقة الدنيا وما هي عليه، ويبين غايتها وغاية أهلها، بأنها لعب ولهو، تلعب بها الأبدان، وتلهو بها القلوب، وهذا مصداقه ما هو موجود وواقع من أبناء الدنيا، فإنك تجدهم قد قطعوا أوقات أعمارهم بلهو القلوب، والغفلة عن ذكر الله، وعما أمامهم من الوعد والوعيد، وتراهم قد اتخذوا دينهم لعبًا ولهوًا، بخلاف أهل اليقظة وعمّال الآخرة، فإن قلوبهم معمورة بذكر الله، ومعرفته ومحبته، وقد أشغلوا أوقاتهم بالأعمال التي تقرّبهم إلى الله، من النفع القاصر والمتعدي»96.

    وهكذا تظهر لنا فوائد الترهيب في الدعوة إلى الله؛ لأن هناك بعض المدعوين لا ينفع معهم الترغيب، فهو بحاجة لأسلوب رادع وزاجر كأسلوب الترهيب في القرآن.

    موضوعات ذات صلة:

    التربية، الترغيب، الدعوة، النصيحة


1 انظر: لسان العرب، ابن منظور، ١/٤٣٧، القاموس المحيط، الفيروز آبادي، ١/١١٨، مختار الصحاح، الرازي، ١/٢٦٧، المصباح المنير، الفيومي ١/٢٤١، التعاريف، المناوي، ١/٣٧٥.

2 انظر: المفردات، ص٣٦٧

3 أصول التربية الإسلامية وأساليبها، ص٢٥٧.

4 الترغيب والترهيب ودورهما في استقامة الإنسان، أحمد رزق ص٤.

5 انظر: المعجم المفهرس، محمد فؤاد عبد الباقي ص ٣٢٥.

6 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ١/ ٣٦٦.

7 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٣/ ٤٦٨.

8 انظر: مختار الصحاح، الرازي ص٩٨.

9 انظر: لسان العرب، ابن منظور ،٩/ ٩٩.

10 انظر: المفردات، الأصفهاني ، ص٣٠٣.

11 انظر: مختار الصحاح، الرازي، ص٣٢٥.

12 انظر: المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، ٢/ ٩٧٦.

13 انظر: المفردات، الأصفهاني، ص٨٣٤.

14 لسان العرب، ابن منظور، ٣/ ٤٣٣.

15 انظر: تاج العروس، الزبيدي، ٩/ ٣٠٩، معجم اللغة العربية المعاصرة، أحمد عمر مختار ، ٣/ ٢٤٦٧.

16 انظر: معجم اللغة العربية المعاصرة، أحمد عمر مختار، ٣/ ٢٤٦٧.

17 انظر: المصباح المنير، الفيومي، ٢/ ٦٦٥.

18 المفردات، ص ٣٥٨.

19 الترغيب والترهيب ودورهما في استقامة الإنسان، أحمد رزق ص٣.

20 أضواء البيان ، ٢/٣٨٢.

21 فتح القدير ، ٤/١٧٩.

22 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٢١/٢٣١، أيسر التفاسير، الجزائري، ٤/٢٣٢، تيسير الكريم الرحمن ، السعدي، ص٦٥٦.

23 جامع البيان، ١٩/٤٢٦.

24 انظر: لباب التأويل، الخازن ، ٣/٣٣٧، أنوار التنزيل، البيضاوي، ٤/١٥٤.

25 صفوة التفاسير، الصابوني، ٢/٤٤٨.

26 التفسير المنير، ٣٠/١٦.

27 تفسير الجلالين، ص٧١٥.

28 محاسن التأويل ، ٩/١٢٥.

29 جامع البيان ، ٢٤/٥٩٩.

30 انظر: أيسر التفاسير، أبو بكر الجزائري، ١/٣٠٠.

31 انظر: فتح القدير، الشوكاني، ٥/٢٦٢.

32 تيسير الكريم الرحمن، ص٢٠٩.

33 انظر: جامع البيان، الطبري، ٩/٣١٤.

34 تفسير القرآن العظيم، ٢/١٣٨.

35 انظر: روح المعاني، الألوسي، ٧/٤٣٠.

36 انظر: الوسيط، محمد سيد طنطاوي، ١/٣٨٨٦.

37 معالم التنزيل، ١/٨٦.

38 انظر: عقيدة التوحيد، صالح الفوزان، ص٥١.

39 أيسر التفاسير، ١/٤٨٩.

40 تيسير الكريم الرحمن، ص١٨١.

41 التحرير والتنوير، ١/٧٠٦.

42 انظر: أيسر التفاسير، أبو بكر الجزائري، ٤/٥٠٥.

43 تفسير القرآن العظيم، ٥/٤٤٥.

44 جامع البيان، ١٠/٤٨١.

45 الأشهر الحرم أربعة هي: ذو القعدة، ذو الحجة، محرم، رجب.

46 تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٣٢٩.

47 الجامع لأحكام القرآن، ٨/٧٢.

48 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٣٢٩.

49 المصدر السابق، ص٣٢٨.

50 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزهد، باب من أشرك في عمله، ٤/٢٢٨٩، رقم ٢٩٨٥.

51 تيسير الكريم الرحمن، ص٣٣٣.

52 إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، ١/٦٠.

53 المصدر السابق، ١/٦٤.

54 انظر: عقيدة التوحيد، صالح الفوزان، ص٥٨.

55 انظر: أيسر التفاسير، أبو بكر الجزائري، ١/٢٥.

56 تفسير القرآن العظيم، ١/٢٨٣.

57 الوسيط، ١/٢٧.

58 أيسر التفاسير، أبو بكر الجزائري، ١/٢٨.

59 تفسير القرآن العظيم، ١٤/٥.

60 فتح القدير، ١/٧٩٣.

61 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي، ٦/٢٨٠.

62 انظر: الكشاف، الزمخشري، ٥/٥٥، مفاتيح الغيب، الرازي، ٢٥/١٤٧.

63 انظر: اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل الحنبلي، ٦/٤٥٢.

64 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب اتقوا النار ولو بشق تمرة، ٢/١٠٩، رقم ١٣٤٩.

65 انظر: أحكام القرآن، الجصاص ١/١٨٠، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٤/١٩٢، الفقه الإسلامي وأدلته، وهبة الزحيلي، ٧/٥٣٧، روائع البيان، الصابوني، ١/٤٩٥.

66 أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الديات، باب التغليظ في قتل مسلم ظلمًا، ٤/٢١٢، رقم ٢٦١٩.

وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه، ٦/١١٩.

67 أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الديات، باب ليس لقاتل ميراث، ٤/٣٣٣، رقم ٢٦٤٦.

وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه، ٦/١٤٦.

68 انظر: الفقه الإسلامي وأدلته، وهبه الزحيلى، ٧/٦٢٨.

69 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان الكبائر وأكبرها، ١/٦٤، رقم ٨٩.

70 تفسير القرآن العظيم، ٥/١٨٠.

71 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الديات، باب قول الله ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا، ٨/١١١، رقم ٦٤٧١.

72 تيسير الكريم الرحمن، ص٤٥٧.

73 انظر: روائع البيان، الصابوني، ٢/١٩.

74 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ١٠/١٥٩، روائع البيان، الصابوني، ٢/١١٢.

75 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٢/١٦٠.

76 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٤/٢٧٦.

77 انظر: روائع البيان، الصابوني، ٢/١٢.

78 انظر: البحر المديد، ابن عجيبة، ٤/١٢٦.

79 جامع البيان، ١٩/١٠٢.

80 الجامع لأحكام القرآن، ١٢/١٧٣.

81 انظر: أحكام القرآن، الكيا الهراسي، ٤/٢٣، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ١٠/١٧١.

82 الجامع لأحكام القرآن، ١٢/٢١٠.

83 انظر: التشريع الجنائي في الإسلام، عبدالقادر عودة، ٢/١٧٧.

84 انظر: أيسر التفاسير، أبو بكر الجزائري، ١/٦٢٩.

85 انظر: التحرير والتنوير، ٦/١٩٠-١٩٣.

86 الجامع لأحكام القرآن ،القرطبي ، ١/٢٥٣.

87 انظر: جامع البيان، الطبري، ٣/٧٦٣.

88 تفسير القرآن العظيم، ٣/٤٢٦.

89 أنوار التنزيل، ٣/٢٢٩.

90 انظر: جامع البيان، الطبري ، ١٧/٢٢٠.

91 انظر: أصول الدعوة، عبد الكريم زيدان، ص ٦٩.

92 محاسن التأويل ، ٣/٨٨.

93 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٥/٣٠٩.

94 انظر: وسائل الدعوة، عبد الرحيم المغذوي، ص٢٠٥.

95 انظر: من وسائل الدعوة، محمد بن عبد العزيز الثويني، ص ٢٩.

96 تيسير الكريم الرحمن ص٨٤١.