عناصر الموضوع
البيوت
أولًا: المعنى اللغوي:
قال ابن فارس: «(بيت) الباء والياء والتاء أصل واحد، وهو المأوى والمآب ومجمع الشمل، يقال: بيت وبيوت وأبيات1».
والبيت سمي بيتًا؛ لأنه يبات فيه ليلًا2.
قال الراغب: «أصل البيت: مأوى الإنسان بالليل؛ لأنه يقال: بات: إذا أقام بالليل، كما يقال: ظل بالنهار، ثم قد يقال للمسكن: بيت من غير اعتبار الليل فيه، وجمعه: أبيات وبيوت، لكن البيوت بالمسكن أخص، والأبيات بالشعر»3.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
عرفه ابن العربي بقوله: « كل ما علاك فأظلك فهو سقف، وكل ما أقلك فهو أرض، وكل ما سترك من جهاتك الأربع فهو جدار، فإذا انتظمت واتصلت فهو بيت»4.
وقال القرطبي: «البيت سمي بذلك؛ لأنها ذات سقف وجدار، وهي حقيقة البيتية، وإن لم يكن بها ساكن»5.
وعرفه إسماعيل حقي بقوله هي: «اسم مبنى مسقف مدخله من جانب واحد، بنى للبيتوتة سواء كان حيطانه أربعة أو ثلاثة»6.
وعرفه ابن عاشور بقوله: «البيت: اسم جنس للمكان المتخذ مسكنًا لواحد، أو عدد من الناس في غرض من الأغراض، وهو مكان من الأرض يحيط به ما يميزه عن بقية بقعته من الأرض ليكون الساكن مستقلًّا به لنفسه، ولمن يتبعه فيكون مستقرًّا له، وكنًّا يكنّه من البرد، وساترًا يستتر فيه عن الناس، ومحطًّا لأثاثه وشؤونه»7.
ورد (البيت) في القرآن الكريم (٦٣) مرة8.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
مفرد |
٢٦ |
(ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [البقرة:١٢٥] |
جمع |
٣٧ |
(ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [النور:٦١] |
وجاءت البيوت في القرآن على ثلاثة أوجه 9:
الأول: المكان المعد للمبيت، ويشمل المنزل والخيمة وغيرها، ومنه قوله تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [النور:٦١]. أي: منازل.
الثاني: المسجد: ومنه قوله تعالى: (ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) [النور:٣٦]. أي: مساجد.
الثالث: الكعبة: ومنه قوله تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [البقرة:١٢٥].
أي: جعلنا الكعبة.
المنزل:
المنزل لغة:
موضع النزول، وهو الحلول، تقول: نزلت نزولًا ومنزلًا؛ ويطلق المنزل على المنهل والدار10، ومنه قوله تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [المؤمنون:٢٩].
المنزل اصطلاحًا هو:
اسم لما يشتمل على بيوت وصحن مسقف ومطبخ ليسكنه الرجل بعياله11، وهو عند الفقهاء دون الدار وفوق البيت، وأقله بيتان أو ثلاثة12.
الصلة بين البيت والمنزل:
أن البيت أخص من المنزل، والمنزل أعم من البيت.
الدار:
الدار لغة:
المحل الذي يجمع البناء والعرصة، وهو من دار يدور؛ لكثرة حركات الناس فيها13، ومنه قوله تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [الأعراف:٩١].
وقوله تعالى: (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ) [يونس:٢٥].
الدار اصطلاحًا:
هو اسم لما اشتمل على بيوت ومنازل وصحن غير مسقف14.
الصلة بين البيت والدار:
أن الدار أشمل من البيت والمنزل لاشتمالها عليهما15.
المسكن:
المسكن لغة:
مكان السكنى، والموضع الذي يسكن فيه16، كما يطلق المسكن: على المنزل والبيت17، ومنه قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [سبأ:١٥].
المسكن اصطلاحًا:
هو البيت سواء كان بناء، أم خيمة، أم غير ذلك18.
الصلة بين البيت والمسكن:
أن المسكن هو البيت الذي يسكن فيه الإنسان إلا أن المسكن فيه معنى الإقامة والاستيطان والاستقرار بالمكان19.
المأوى:
المأوى لغة:
المكان20، قال الجوهري: «المأوى كل مكان يأوي إليه شيء ليلًا أو نهارًا»21، ومنه قوله تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [النجم:١٥].
وقوله تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [النازعات:٣٩].
المأوى اصطلاحًا:
هو كل مكان يأوي إليه شيء، ويكون ملجأ للشخص ومستراحًا يستريح إليه
من الحر والبرد22.
الصلة بين البيت والمأوى:
أن البيت هو محل المأوى الذي يأوي إليه الإنسان ويجتمع شمله بمن أوى إليهم.
العمارة:
العمارة لغة:
نقيض الخراب: يقال: عمر أرضه: يعمرها عمارة، قال تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ) [التوبة:١٩].
وقال تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [التوبة:١٨].
إما من العمارة التي هي حفظ البناء، أو من العمرة التي هي الزيارة، أو من قولهم: عمرت بمكان كذا، أي: أقمت به23.
وعمر المنزل بأهله عمرًا، وعمره أهله: إذا سكنوه، وأقاموا به، وعمرت الدار عمرًا أيضًا: بنيتها، والاسم العمارة بالكسر، والعمران: اسم للبنيان24.
العمارة اصطلاحًا:
هي اسم للبيت المؤلف من طبقات وشقق25.
الصلة بين البيت والعمارة:
أن العمارة اسم للبيت الواسع المكون من طوابق وشقق إلا أن فيه معنى حفظ البناء والإقامة فيه.
الخراب:
الخراب لغة:
ضد العمارة، قال تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ) [البقرة:١١٤]26.
قال ابن فارس: «(خرب) الخاء والراء والباء أصل يدل على التثلم والتثقب، فالخربة: الثقبة، ومن الباب، وهو الأصل، الخراب: ضد العمارة»27.
الخراب اصطلاحًا:
هو ذهاب العمارة28.
الصلة بين البيوت والخراب:
أن الخراب هو نقيض البيوت وعمارتها والسكن فيها.
الخواء:
الخواء في اللغة:
قال ابن فارس: «(خوى) الخاء والواو والياء أصل واحد يدل على الخلو والسقوط»29، وخوت الدار: تهدمت وسقطت؛ ومنه قوله تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [النمل:٥٢].
أي: خالية، كما قال تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [الحج:٤٥]؛ أي: خالية، وقيل: ساقطة على سقوفها، وأرض خاوية: خالية من أهلها30.
الخواء اصطلاحًا:
سقوط البيوت وتهدمها بعد خلوها من سكانها الذين كانوا يعمرونها31.
الصلة بين البيوت والخواء:
أن الخواء صفة للبيوت الخالية من سكانها بسبب ما حل بها من عذاب، كما يلاحظ ذلك من الآيات التي ورد فيها لفظ: (خاوية)، قال تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [البقرة:٢٥٩].
وقال تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [الحج:٤٥].
وقال سبحانه: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [النمل:٥٢].
من نعم الله تعالى على عباده أن جعل البيوت مكانًا للعبادة، ومكانًا للأمن ومكانًا للستر، وللراحة والاستقرار، ومكانًا للأكل والإدخار، وبيان ذلك في الفقرات الآتية:
أولًا: مكان للعبادة:
إن البيوت التي جعلها الله للعبادة على ثلاثة أنواع:
١. البيت الحرام.
وهو مكان للعبادة حيث يجب على المسلم استقبال البيت الحرام في كل صلاة، قال تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [آل عمران:٩٦].
قال أبو جعفر الطبري: «ومعنى ذلك: إن أول بيت وضع للناس لعبادة الله فيه»32.
وأخرج ابن أبي حاتم عن علي رضي الله عنه في قوله تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) قال: «كانت البيوت قبلة، ولكن كان أول بيت وضع لعبادة الله»33.
وقد أمر الله تعالى باستقبال البيت الحرام بقوله: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [البقرة:١٤٤].
والمعنى: «من أي مكان وبقعة شخصت فخرجت يا محمد، فول وجهك تلقاء المسجد الحرام، وهو شطره، وأينما كنتم أيها المؤمنون من أرض الله، فولوا وجوهكم في صلاتكم تجاهه وقبله وقصده»34.
كما أنه مكان لعبادة الحج قال تعالى: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [آل عمران:٩٧].
أي: ويجب الحج على المستطيع من هذه الأمة، واستطاعة السبيل إلى الشيء إمكان الوصول إليه، وتختلف الاستطاعة باختلاف الأشخاص، واختلاف البعد عن البيت والقرب منه35.
والمعنى: ولله على من استطاع من الناس حج البيت، أي: فرض واجب لله تعالى على من استطاع من أهل التكليف السبيل إلى حج بيته الحرام36.
٢. المساجد.
إن المساجد بيوت ومكان للعبادة، قال تعالى: (ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ) [النور:٣٦]37.
والبيوت المذكور في الآية هي: المساجد المخصوصة لله تعالى بالعبادة، وقوله: (ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ)، أي: أذن الله أن تبنى، فيصلى فيها الصلاة المفروضة بالغدو والآصال بالبكر والعشايا38.
٣. بيوت المؤمنين.
إن بيوت المؤمنين مكان للعبادة كما قال تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [يونس:٨٧] يقول: واجعلوا بيوتكم مساجد تصلون فيها39، وقيل: (ﯟ ﯠ ﯡ) أي: صلوا في بيوتكم لتأمنوا من الخوف؛ لأنهم آمنوا على خوف من فرعون40، (ﯢ ﯣ) أي: في بيوتكم، وفي ذلك دلالة على جواز كتم الصلاة عند الخوف، (ﯥ ﯦ) أي: بالنصرة في الدنيا، والجنة في العقبى41.
كما أن الله تعالى أخبر عن حال عباده في بيوتهم، فقال تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الفرقان:٦٤].
أي: والذين يبيتون ساجدين قائمين لربهم، أي: يحيون الليل كله أو بعضه بالصلاة، وخص العبادة بالبيتوتة؛ لأن العبادة بالليل أخص وأبعد عن الرياء، وقال ابن عباس رضي الله عنه: من صلى ركعتين أو أكثر بعد العشاء فقد بات لله ساجدًا قائمًا، ونحو الآية قوله تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [السجدة:١٦].
وقوله تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [الذاريات:١٧-١٨].
وقوله عز وجل: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [الزمر:٩]42.
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل الرجل من صلاته غير المفروضة في بيته شيئًا، فقد روى ابن عمر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم، ولا تتخذوها قبورًا)43.
وروى زيد بن ثابت رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ حجرة قال: حسبت أنه قال من حصير- في رمضان، فصلى فيها ليالي، فصلى بصلاته ناس من أصحابه، فلما علم بهم جعل يقعد، فخرج إليهم فقال: (قد عرفت الذي رأيت من صنيعكم، فصلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة)44.
وفي هذه الأحاديث بيان بأن بيوت المؤمنين مكان للصلاة، وفيها أيضًا حث للصلاة في البيوت فيما عدا الفروض، فإنها تكون في المساجد من أجل الجماعة.
ثانيًا: مكان للأمن:
جعل الله تعالى البيوت مكانًا يأمن فيه الإنسان على نفسه وأهله وماله، وجعل لهذه البيوت حرمة لا يجوز دخولها إلا بإذن من صاحبها فقال تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [النور:٢٧].
وشرع الاستئذان لمن يزور أحدًا في بيته؛ لأن الناس اتخذوا البيوت للاستتار مما يؤذي الأبدان من حرٍّ وقرٍّ ومطرٍ، ومما يؤذي العرض والنفس من انكشاف ما لا يحب الساكن اطلاع الناس عليه، فإذا كان في بيته وجاءه أحد فهو لا يدخله حتى يصلح ما في بيته وليستر ما يحب أن يستره، ثم يأذن له أو يخرج له فيكلمه من خارج الباب45.
وحكمة الاستئذان هي: توفير حرمة المسكن وحرية السكان، لذا قال الله تعالى: (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) أي: أن الاستئذان خير وأفضل للطرفين، المستأذن وأهل البيت، فهو خير من الدخول فجأة، والمعنى: قد أنزل الله عليكم هذا الأدب، وأرشدكم إليه، لتتذكروا وتتعظوا، وتعملوا بالأصلح لكم، (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [النور:٢٨] أي: فإن لم تجدوا في بيوت غيركم أحدًا يأذن لكم، فلا تدخلوها حتى يأذن لكم صاحب الدار، فلا يحل الدخول في هذه الحالة؛ لأنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه؛ ولأن للبيوت حرمة، وهي محل السكن الخاص والطمأنينة الشخصية، والراحة والوداعة46.
وقد أباح النبي صلى الله عليه وسلم حرمة من تطلع في بيوت الغير بغير إذن، وأهدر كل جناية تقع عليه؛ لما أخرجه الشيخان في صحيحيهما، ففي البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن فخذفته بعصاة ففقأت عينه، لم يكن عليك جناح)47، وفي مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: (من اطلع في بيت قوم من غير إذنهم، حل لهم أن يفقؤوا عينه)48.
وفي هذه الأحاديث دليل على أن البيوت مكان للأمن حيث يأمن فيها الإنسان على نفسه وحرمه وأهله، ولهذا فقد أباح النبي صلى الله عليه وسلم ورفع الجناح عن من تطلع في بيت غيره بغير إذن بأن يفقأ عين من يفعل ذلك، وأن ذلك هدر لا قصاص فيه، ولا دية.
والأمن في البيوت نعمة تستوجب الشكر؛ لما رواه سلمة بن عبيد الله بن محصن الخطمي، عن أبيه، وكانت له صحبة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا)، وحِيزَت: جُمِعَت49.
وقد جعل الله تعالى بيته الحرام مكانًا للأمن العام، قال تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [البقرة:١٢٥].
فقد استجاب الله دعوة خليله إبراهيم عليه السلام فجعل مكة المكرمة بلدًا آمنًا، قال تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑﰒ ﰓ ﰔ ﰕ) [البقرة:١٢٦].
فجعل الله مكة المكرمة بلدًا آمنًا من الظلم والإغارات الواقعة على غيره، فكان الرجل يلقى قاتل أبيه فيه فلا يهيجه50.
وقال تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [آل عمران:٩٧].
أي: وأمن من دخله، والعرب جميعًا قد اتفقوا على احترامه وتعظيمه، فمن دخله أمن على نفسه من الاعتداء والإيذاء، ومن أن يسفك دمه أو تستباح حرماته ما دام فيه، وقد مضوا على ذلك الأجيال الطوال في الجاهلية على كثرة ما بينهم من الأحقاد والضغائن، واختلاف المنازع والأهواء، وقد أقر الإسلام هذا، وكل ذلك بفضل دعوة إبراهيم عليه السلام (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [البقرة:١٢٦]»51.
والمعنى: ومن دخله كان آمنًا يعني: حرم مكة إذا دخله الخائف يأمن من كل سوء، وكذلك كان الأمر في حال الجاهلية، كما قال الحسن البصري وغيره: كان الرجل يقتل فيضع في عنقه صوفة ويدخل الحرم، فيلقاه ابن المقتول فلا يهيجه حتى يخرج، وعن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى:(ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) قال: من عاذ بالبيت أعاذه البيت، ولكن لا يؤوى ولا يطعم ولا يسقى، فإذا خرج أخذ بذنبه.
وقال الله تعالى: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [العنكبوت:٦٧].
وقال تعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [قريش:٣-٤] .
وحتى إنه من جملة تحريمها حرمة اصطياد صيدها وتنفيره عن أوكاره، وحرمة قطع شجرها52.
ثالثًا: مكان للستر:
جعل الله تعالى البيوت مكانًا لستر العورات والحرمات، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [النحل:٨٠].
أي: جعل لكم موضعًا تسكنون فيه أيام مقامكم، وقيل: معناه: جعل لكم من بيوتكم ما تسكن إليه أنفسكم من ستر العورة والحرم، فتهدأ فيه جوارحكم53.
وقوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ) موضعًا تسكنون فيه، قال ابن عباس، ومجاهد: يعني: المساكن من الحجر والمدر يستر عوراتكم وحرمكم، وذلك أن الله خلق الخشب والمدر والآلة التي بها يمكن تسقيف البيوت وبناؤها، (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) يعني: الأنطاع والأدم، بيوتًا يعني: القباب والخيام، (ﭝ ﭞ ﭟ) يخف عليكم حملها في أسفاركم، ومعنى الظعن: سير أهل البوادي لنجعة، أو حضور ماء، أو طلب مرتع، (ﭠ ﭡ) قال مقاتل: لا تثقل عليكم في الحالتين54.
رابعًا: الراحة والاستقرار:
جعل الله تعالى البيوت مكانًا للراحة والاستقرار، وهذا ما يفيده معنى السكن الذي جعله الله تعالى في البيوت.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [النحل:٨٠].
يذكر تبارك وتعالى تمام نعمه على عبيده بما جعل لهم من البيوت التي هي سكن لهم، يأوون إليها، ويستترون بها، وينتفعون بها بسائر وجوه الانتفاع، وجعل لهم أيضًا من جلود الأنعام بيوتًا، أي: من الأدم، يستخفون حملها في أسفارهم ليضربوها لهم في إقامتهم في السفر والحضر، ولهذا قال: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) بما يحقق لهم الراحة والاستقرار فيها في كلا الحالين55.
قال سيد قطب: «والسكن والطمأنينة في البيوت نعمة لا يقدرها حق قدرها إلا المشردون الذين
لا بيوت لهم ولا سكن ولا طمأنينة، وذكرها في السياق يجيء بعد الحديث عن الغيب، وظل السكن ليس غريبًا عن ظل الغيب، فكلاهما فيه خفاء وستر، والتذكير بالسكن يمس المشاعر الغافلة عن قيمة هذه النعمة.
ونستطرد هنا إلى شيء عن نظرة الإسلام إلى البيت، بمناسبة هذا التعبير الموحي: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ) فهكذا يريد الإسلام البيت مكانًا للسكينة النفسية والاطمئنان الشعوري، هكذا يريده مريحًا تطمئن إليه النفس وتسكن وتأمن سواء بكفايته المادية للسكنى والراحة، أو باطمئنان من فيه بعضهم لبعض، وبسكن من فيه كل إلى الآخر، فليس البيت مكانًا للنزاع والشقاق والخصام، إنما هو مبيت وسكن وأمن واطمئنان وسلام.
ومن ثم يضمن الإسلام للبيت حرمته، ليضمن له أمنه وسلامه واطمئنانه، فلا يدخله داخل إلا بعد الاستئذان، ولا يقتحمه أحد- بغير حق- باسم السلطان، ولا يتطلع أحد على من فيه لسبب من الأسباب، ولا يتجسس أحد على أهله في غفلة منهم أو غيبة، فيروع أمنهم، ويخل بالسكن الذي يريده الإسلام للبيوت، ويعبر عنه ذلك التعبير الجميل العميق!
ولأن المشهد مشهد بيوت وأكنان وسرابيل، فإن السياق يعرض من الأنعام جانبها الذي يتناسق مع مفردات المشهد: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [النحل:٨٠].
وهو هنا كذلك يستعرض من نعمة الأنعام ما يلبي الضرورات وما يلبي الأشواق، فيذكر المتاع، إلى جانب الأثاث، والمتاع ولو أنه يطلق على ما في الأرحال من فرش وأغطية وأدوات، إلا أنه يشي بالتمتع والارتياح»56.
فهذه البيوت التي جعلها الله سكنًا للإنسان، يأوي إليها، ويجد فيها أنس النفس وروح الروح، بما يجتمع إليه فيها من زوج وولد.. أليس هذا من نعم الخالق ومن سابغات أفضاله؟ ثم هذه البيوت الخفيفة الحمل التي يتخذها الإنسان من جلود الأنعام، أو مما على جلودها من أصواف وأوبار وأشعار- أليست مما يسر الله للإنسان، ومكن له منها؟57.
خامسًا: مكان للأكل والادخار:
جعل الله تعالى البيوت مكانًا للأكل، قال تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [النور:٦١].
فالآية الكريمة قد أجازت الأكل من هذه البيوت المذكورة -وهي أحد عشر بيتًا- وإن لم يكن فيها أصحابها، ما دام الآكل قد علم رضا صاحب البيت بذلك، وأنه لا يكره هذا ولا يتضرر منه، استنادًا إلى القواعد العامة في الشريعة، والتي منها: (لا ضرر ولا ضرار)58، وأنه (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه)5960.
«قال سعيد بن المسيب: إن المسلمين كانوا إذا غزوا وخلفوا زمناهم، وكانوا يدفعون إليهم مفاتيح أبوابهم، ويقولون: قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما في بيوتنا. وكانوا يتحرجون من ذلك، وقالوا: لا ندخلها وهم غيب.
فنزلت هذه الآية رخصة لهم، ومعنى الآية: نفي الحرج عن الزمنى في أكلهم من بيت أقاربهم، أو بيت من يدفع إليهم المفتاح إذا خرج للغزو، وقوله: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [النور:٦١].
أي: ليس عليكم حرج أن تأكلوا من أموال عيالكم وأزواجكم، وبيت المرأة كبيت الرجل، وقال ابن قتيبة: أراد أن تأكلوا من بيوت أولادكم، فنسب بيوت الأولاد إلى الآباء، لأن الأولاد كسبهم وأموالهم كأموالهم»61.
وذكر سبحانه بيوتهم هنا مع أنه من المعروف أنه لا حرج في أن يأكل الإنسان من بيته، للإشعار بأن أكلهم من بيوت الذين سيذكرهم سبحانه بعد ذلك من الآباء والأمهات والأقارب، يتساوى في نفي الحرج مع أكلهم من بيوتهم، أي: أن أكل الناس من بيوتهم لم يذكر هنا لنفي حرج كان متوهمًا، وإنما ذكر لإظهار التسوية بين أكلهم من بيوت أقاربهم وأصدقائهم، وبين أكلهم من بيوتهم62.
ثم ذكر سبحانه بيوتًا أخرى لا حرج عليهم في الأكل منها، فقال: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [النور:٦١].
يعني: بيوت عبيدكم ومما يملكون، وذلك أن السيد يملك منزل عبده، والمفاتح معناها الخزائن، كقوله: (ﯬ ﯭ ﯮ) [الأنعام:٥٩]63.
ويجوز أن تكون التي يفتح بها، وهذا قول عطاء، عن ابن عباس.
قوله: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [النور:٦١] ما خزنتموه لغيركم، قال ابن عباس: يعني بذلك وكيل الرجل وقيمه في ضيعته، لا بأس عليه أن يأكل من ثمر حائطه، ويشرب من لبن ماشيته، قال عكرمة: إذا ملك الرجل المفتاح فهو خازن، فلا بأس أن يطعم الشيء اليسير، وقال السدي: الرجل يولى طعام غيره يقوم عليه، فلا بأس أن يأكل منه64.
وقوله تعالى: (ﮰ ﮱ) [النور:٦١] معطوف على ما قبله والصديق هو من يصدق في مودتك، وتصدق أنت في مودته، وهو اسم جنس يطلق على الواحد والجمع، والمراد هنا: الجمع، أي: ولا حرج عليكم أيضًا في الأكل من بيوت أصدقائكم65، والمعنى: ليس عليكم جناح أن تأكلوا من منازل أصدقائكم وأصحابكم إذا دخلتموها وإن لم يحضروا من غير أن تتزودوا وتحملوا66 إذا علمتم أن ذلك لا يشق عليهم ولا يكرهون ذلك.
وقال قتادة: إذا دخلت بيت صديقك فلا بأس أن تأكل بغير إذنه67.
وقوله تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [النور:٦١].
قال ابن كثير: «قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه الآية: وذلك لما أنزل الله: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [النساء:٢٩] قال المسلمون: إن الله قد نهانا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل، والطعام هو أفضل من الأموال، فلا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد، فكف الناس عن ذلك، فأنزل الله (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) إلى قوله: (ﮰ ﮱ).
وكانوا أيضًا يأنفون ويتحرجون أن يأكل الرجل الطعام وحده حتى يكون معه غيره، فرخص الله لهم في ذلك، أن يأكلوا جميعا أو أشتاتًا، وقال قتادة: كان هذا الحي من بني كنانة يرى أحدهم أن مخزاة عليه أن يأكل وحده في الجاهلية، حتى إن كان الرجل ليسوق الذود الحفل وهو جائع حتى يجد من يؤاكله ويشاربه، فأنزل الله ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعًا أو أشتاتًا، فهذه رخصة من الله تعالى في أن يأكل الرجل وحده ومع الجماعة وإن كان الأكل مع الجماعة أبرك وأفضل»68.
أما الادخار في البيوت:
جعل الله تعالى البيوت مكانًا للادخار وحفظ ما يحتاجه الإنسان في المستقبل، وذلك لأن مسكن الإنسان أعز البيوت عنده وأخفى لما يريد أن يخفيه، ومكان أمنه واستقراره فلا غرابة أن يكون مكان مدخراته، وهذه المدخرات لا يعلم بها إلا صاحبها69، ولهذا جعلها الله تعالى من معجزات سيدنا عيسى عليه السلام.
قال تعالى: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [آل عمران:٤٩].
والمعنى: أن عيسى عليه السلام قد قال لقومه بنى إسرائيل: وإن من معجزاتي التي تدل على صدقي فيما أبلغه عن ربي أني أخبركم بالشيء الذي تأكلونه وبالشيء الذي تخبئونه في بيوتكم لوقت حاجتكم إليه70.
والادخار هو: إعداد الشيء لوقت الحاجة إليه، ويقال: لا يعرف الادخار من المخلوقات إلا الإنسان والفأر والنمل، أما الحمار مثلًا مع قدرته على الحمل لا يحمل رزقه؛ لذلك تراه إن شبع لا يدخر شيئًا، وربما يدوس الأكل الباقي، أو يبول عليه، وكذلك كل الحيوانات 71.
إن البيوت المذكورة في القرآن الكريم على أنواع، منها: بيوت الله تعالى، وبيوت الأنبياء عليهم السلام، وبيوت المؤمنين، وبيوت الظالمين، وبيوت المخلوقات من غير بني آدم، وسيكون بيانها في المطالب الآتية:
أولًا: بيوت الله تعالى:
إن بيوت الله تعالى المذكورة في القرآن هي: البيت المعمور، والبيت الحرام، والمسجد الأقصى، وعامة المساجد، ويمكن بيانها بإجاز في الفقرات الآتية:
١. البيت المعمور.
من بيوت الله تعالى المذكورة في القرآن الكريم: البيت المعمور، وقد ورد ذكره في قوله تعالى: (ﮧ ﮨ ﮩ) [الطور:٤].
وفي البيت المعمور فيه قولان:
القول الأول: أنه بيت في السماء، وفي أي سماء هو؟ فيه ثلاثة أقوال:
أولًا: إنه في السماء السابعة، وهذا هو مذهب جمهور المفسرين 72، وهو الصحيح، ويدل على ذلك ما رواه أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أتيت بالبراق، وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار، ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه)، قال: (فركبته حتى أتيت بيت المقدس)،....، ثم عرج بنا إلى السماء السابعة، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم صلى الله عليه وسلم مسندًا ظهره إلى البيت المعمور، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه)73.
ويدل عليه كذلك حديث مالك بن صعصعة رضي الله عنه في «الصحيحين» قال: «قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بينا أنا عند البيت بين النائم، واليقظان فأتينا السماء السابعة، قيل من هذا؟ قيل: جبريل، قيل من معك؟ قيل: محمد، قيل: وقد أرسل إليه، مرحبًا به، ولنعم المجيء جاء، فأتيت على إبراهيم فسلمت عليه، فقال: مرحبًا بك من ابن ونبي، فرفع لي البيت المعمور، فسألت جبريل، فقال: هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك، إذا خرجوا لم يعودوا إليه آخر ما عليهم)74.
ثانيًا: إنه في السماء السادسة، قاله علي رضي الله عنه75.
ثالثًا: إنه في السماء الدنيا، روي عن ابن عباس رضي الله عنه، وقال: هو حيال الكعبة يحجه كل يوم سبعون ألف ملك، ثم لا يعودون فيه حتى تقوم الساعة، يسمى الضراح76.
القول الثاني: أنه البيت الحرام، وعمارته بالحج والطواف، قاله الحسن77.
ووصف هذا البيت بأنه معمور لكثرة غاشيته، وقاصديه78.
قال الماوردي: «وفي (ﮨ) وجهان: أحدهما: أنه معمور بالقصد إليه، والثاني: بالمقام عليه»79.
وقال ابن كثير: «ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث الإسراء بعد مجاوزته إلى السماء السابعة: (ثم رفع بي إلى البيت المعمور، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألفًا، لا يعودون إليه آخر ما عليهم)80، يعني: يتعبدون فيه ويطوفون به كما يطوف أهل الأرض بكعبتهم، كذلك ذاك البيت المعمور هو كعبة أهل السماء السابعة، ولهذا وجد إبراهيم الخليل عليه السلام مسندًا ظهره إلى البيت المعمور؛ لأنه باني الكعبة الأرضية، والجزاء من جنس العمل، وهو بحيال الكعبة، وفي كل سماء بيت يتعبد فيه أهلها ويصلون إليه، والذي في السماء الدنيا يقال له: بيت العزة»81.
ولعظمة هذا البيت فقد أقسم تعالى به مع ما ذكر في الآية من غيره من مخلوقاته الدالة على قدرته العظيمة على أن عذابه واقع بأعدائه، وأنه لا دافع له عنهم82.
٢. البيت الحرام.
إن البيت الحرام هو: أول بيت وضع في الأرض، وأعظم المساجد وأفضلها، وأهم موضع في مكة، وهو اسم لمسجد الكعبة، وقد يمتد إلى حدود الحرم، وهو قبلة المسلمين، وإليه يحجون من كل فج عميق83.
وقد ورد ذكر البيت في القرآن الكريم في عشرة مواضع، منها قوله تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [آل عمران:٩٦-٩٧].
وقوله تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [البقرة:١٢٥].
كما ورود بلفظ المسجد الحرام في القرآن الكريم في خمسة عشر موضعًا، منها قوله تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [البقرة:١٤٤].
وقوله تعالى: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [المائدة:٢] وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الإسراء:١]84.
٣. المسجد الأقصى.
من بيوت الله تعالى: المسجد الأقصى، وهو بيت المقدس، وهو أولى القبلتين، ومسرى الرسول الكريم، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الإسراء:١].
وسمي الأقصى لبعد ما بينه وبين المسجد الحرام85 أو لأنه أبعد المساجد التي تزار، ويبتغى في زيارته الفضل بعد المسجد الحرام86.
وقد بارك الله حوله بالماء والأنهار والأشجار والثمار، قال مجاهد: سماه مباركًا؛ لأنه مقر الأنبياء، وفيه مهبط الملائكة والوحي، ومنه يحشر الناس يوم القيامة87.
وقد ذكر المسجد الأقصى في القرآن مرتين مرة باللفظ الصريح كما سبق في الآية السابقة والثانية بلفظ المسجد في قوله تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [الإسراء:٧].
والمعنى: وليدخلوا المسجد، أي: بيت المقدس كما دخلوه أول مرة، أي: في التي جاسوا فيها خلال الديار، وليتبروا أي: يدمروا ويخربوا ما علوا أي: ما ظهروا عليه تدميرًا88.
اختلف المفسرون في من بنى المسجد الأقصى؟ على قولين:
القول الأول: ذهب بعض المفسرين إلى أن أول من بناه هو إبراهيم عليه السلام ويدل على ذلك الحديث الذي رواه أبو ذر رضي الله عنه، قال: قلت يا رسول الله، أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: (المسجد الحرام) قال: قلت: ثم أي؟ قال (المسجد الأقصى) قلت: كم كان بينهما؟ قال: (أربعون سنة، ثم أينما أدركتك الصلاة بعد فصله، فإن الفضل فيه)89، وقدر بعض المفسرين أن ما بين إبراهيم وسليمان عليهما السلام من الزمان عشرة قرون90.
القول الثاني: إن أول من بناه هو سليمان عليه السلام91.
واستدلوا بما رواه عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن سليمان بن داود صلى الله عليه وسلم لما بنى بيت المقدس سأل الله عز وجل خلالًا ثلاثة: سأل الله عز وجل حكمًا يصادف حكمه فأوتيه، وسأل الله عز وجل ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه، وسأل الله عز وجل حين فرغ من بناء المسجد أن لا يأتيه أحد لا ينهزه إلا الصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه)92.
الراجح: الجمع بين القولين فقد جمع بعض المفسرين بين القولين: بأن الذي بنى المسجد الأقصى هو إبراهيم عليه السلام لحديث أبي ذر السابق، وهو يدل على أنه قد كان بني أيضًا زمن إبراهيم أو إسحاق ويعقوب عليهما السلام، ولكن بنيانه على التمام وكمال الهيئة كان على عهد سليمان عليه السلام 93.
وهو أحد المساجد التي تشد إليها الرحال دون غيرها؛ لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسجد الأقصى)94.
٤. عامة المساجد.
أما عامة المساجد المنتشرة في بقاع الأرض فهي بيوت الله تعالى التي أمر بأن ترفع، ويذكر فيها اسمه، قال تعالى: (ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ) [النور:٣٦].
قال الماوردي: «في هذه البيوت قولان:
أحدهما: أنها المساجد، قاله ابن عباس، والحسن، ومجاهد.
الثاني: أنها سائر البيوت ، قاله عكرمة.
وفي قوله:(ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) أربعة أوجه:
أحدها: أن تبنى، قاله مجاهد، كقوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ)[البقرة:١٢٧]. أي: يبني.
الثاني: أنها تطهر من الأنجاس والمعاصي ، حكاه ابن عيسى.
الثالث: أن تعظم ، قاله الحسن.
الرابع: أن ترفع فيها الحوائج إلى الله»95.
كما ذكر الله تعالى هذه البيوت باسم المساجد في آيات، منها قوله تعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [الجن:١٨].
فقد ذكر المفسرون أن المراد بالمساجد: بيوت الله التي وضعت للصلاة على أحد المعاني الواردة في الآية، قال قتادة: كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم، أشركوا بالله، فأمر الله أن يخلص المسلمون له الدعوة إذا دخلوا مساجدهم، وقال سعيد بن جبير: المساجد الأعضاء التي يسجد عليها العبد، أي: أن هذه الأعضاء التي يقع السجود عليها مخلوقة لله، فلا يسجدوا عليها لغيره، وقال الحسن: أراد البقاع كلها، يعني: أن الأرض كلها مواضع للسجود، وجعلت مسجدًا لهذه الأمة96.
وقوله تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [التوبة:١٨].
وفي هذه المساجد قولان:
أحدهما: أنها مواضع السجود من المصلى، فعلى هذا عمارتها تحتمل ثلاثة أوجه:
أحدها: بالمحافظة على إقامة الصلاة.
والثاني: بترك الرياء.
والثالث: بالخشوع والإعراض عما ينهى.
والقول الثاني: أنها بيوت الله تعالى المتخذة لإقامة الصلوات.
فعلى هذا عمارتها تحتمل ثلاثة أوجه:
أحدها: إنما يعمرها بالإيمان من آمن بالله تعالى.
والثاني: إنما يعمرها بالزيارة لها والصلاة فيها من آمن بالله تعالى.
والثالث: إنما يرغب في عمارة بنائها من آمن بالله تعالى97.
وعمارة المساجد نوعان: حسية، ومعنوية؛ فالحسية: بالتشييد والبناء والترميم والتنظيف والفرش والتنوير بالمصابيح والدخول إليها والقعود فيها، والمعنوية: بالصلاة وذكر الله والاعتكاف والزيارة للعبادة فيها، وذلك يشمل العمرة، ومن الذكر: درس العلم، بل هو أجله وأعظمه وصيانتها مما لم تبن له المساجد من أحاديث الدنيا، فضلًا عن فضول الحديث98.
والمعنى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) أي: إنما يستحق عمارة المساجد وتستقيم منه العمارة، ويكون أهلًا لها من اتصف بالإيمان بالله تعالى إيمانًا صحيحًا، على النحو المبين في القرآن من الإقرار بوجود الله والاعتراف بوحدانيته، وتخصيصه بالعبادة، والتوكل عليه، وآمن باليوم الآخر الذي يحاسب الله فيه العباد، ويجزي فيه بالثواب للمحسنين وبالعقاب للمسيئين، وأقام الصلاة المفروضة على الوجه المستكمل لأركانها وشروطها وتدبر تلاوتها وأذكارها، وخشوع القلب لله وخشيته، وآتى الزكاة لمستحقيها المعروفين كالفقراء والمساكين وأبناء السبيل، (ﮦ ﮧ) في قوله وعمله إلا الله وحده، دون غيره من الأصنام والعظماء الذين لا ينفعون ولا يضرون في الحقيقة، وإنما النفع والضر بيد الله. أما إنه لم يذكر الإيمان بالرسول فلأنه دل عليه ما ذكر من إقامة الصلاة وغيرها لأنه مما جاء به الرسول، فإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة إنما يصح من المؤمن بالرسول.
وهؤلاء الموصوفون بهذه الصفات هم الذين يقتصر عليهم عمارة المساجد الحسية بالبناء والتشييد والترميم، والمعنوية بالعبادة والأذكار وحضور دروس العلم، فلا يعمر بيوت الله غيرهم، وهؤلاء هم الذين يرجى بحق أن يكونوا من المهتدين إلى الخير دائمًا، وإلى ما يحب الله ويرضيه، المستحقون الثواب على أعمالهم، لا أولئك المشركون الضالون الذين يجمعون بين الأضداد، فيشركون بالله ويكفرون بما جاء به رسوله، ويسجدون للطواغيت (الأصنام) ثم يقدمون بعض الخدمات للمسجد الحرام99.
كما أن الله تعالى ذم من يسعى في خراب المساجد، قال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [البقرة:١١٤].
قال الرازي في تفسيرها قوله تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) «فإن ظاهرها يقتضي أن يكون الساعي في تخريب المساجد أسوأ حالًا من المشرك؛ لأن قوله: (ﭳ ﭴ) يتناول المشرك؛ لأنه تعالى قال: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [لقمان:١٣].
فإذا كان الساعي في تخريبه في أعظم درجات الفسق وجب أن يكون الساعي في عمارته في أعظم درجات الإيمان»100.
وقد ورد ذكر بيوت الله التي هي المساجد في السنة النبوية، وذلك فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تطهر في بيته، ثم مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله، كانت خطوتاه إحداهما تحط خطيئة، والأخرى ترفع درجة)101.
وفيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أيضًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده)102.
ثانيًا: بيوت الأنبياء:
ذكرت بيوت الأنبياء في سياقات متعددة، وسيتم الحديث أولًا عن بيوت النبي محمد صلى الله عليه وسلم ثم بيوت غيره من الأنبياء فيما
يأتي:
١. بيوت النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
ذكر القرآن بيوت النبي محمد صلى الله عليه وسلم في سياقات مختلفة كما يأتي:
قال تعالى: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [الأنفال:٥].
والإخراج من البيت: هو الإخراج المعين الذي خرج به النبي صلى الله عليه وسلم غازيًا إلى بدر.
والمعنى: أن الله أمره بالخروج إلى المشركين ببدر أمرًا موافقًا للمصلحة في حال كراهة فريق من المؤمنين ذلك الخروج103.
قال تعالى: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [الأحزاب:٥٣].
وقد تضمنت الآية- فيما يتعلق بالبيوت- حكمين:
الحكم الأول: النهي عن دخول بيوت النبي صلى الله عليه وسلم في كل الأحوال إلا بالإذن لتناول طعام، غير منتظرين وقت نضجه، والمعنى: فيا أيها الذين آمنوا أو صدقوا بالله ورسوله لا تدخلوا بيتًا من بيوت النبي صلى الله عليه وسلم في كل الأحوال إلا بالإذن لتناول طعام، غير منتظرين وقت نضجه، فإذا نضج فادخلوا، إذا دعيتم، فإذا تناولتم الطعام فانتشروا في الأرض غير مستأنسين أو مشتغلين بلهو الحديث، إن دخولكم بيت النبي واشتغالكم بالحديث قبل نضج الطعام كان يؤذي النبي، وإيذاؤه حرام، وكان النبي يتضايق من ذلك، ويكره أن ينهاكم عن ذلك من شدة حيائه صلى الله عليه وسلم، والله لا يستحيي من بيان الحق، وهو الأمر بالخروج من البيت، ومنع البقاء فيه، وهذا أدب عام يشمل النبي صلى الله عليه وسلم وسائر المؤمنين104.
الحكم الثاني: النهي عن النظر إلى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، والمعنى: فكما نهيتكم عن الدخول إلى بيوت النبي صلى الله عليه وسلم من غير إذن، ودون انتظار نضج الطعام، كذلك نهيتكم عن النظر إلى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم فإذا طلبتم منهن شيئًا من الأمتعة، كالمواعين وسائر مرافق الدين والدنيا، فاطلبوه من وراء حجاب ساتر، وذلك الحجاب أطهر وأطيب للنفس، وأبعد عن الريبة، لقلوبكم وقلوبهن، من الهواجس ووساوس الشيطان.
وذلك لأنه لم يصح لكم أن تؤذوا رسول الله وتضايقوه، كالبقاء في منزله، والاشتغال بالحديث، وانتظار نضج الطعام، ويحرم عليكم أبدًا التزوج بنسائه بعد الفراق بموت أو طلاق، تعظيمًا له، إن إيذاء صلى الله عليه وسلم وزواج نسائه من بعده ذنب عظيم وإثم كبير، والبعد عن الإيذاء سرًّا وعلنًا مطلوب، فإنكم إن تظهروا شيئًا من الأذى أو تكتموه، فإن الله تام العلم به، يعلم السرائر والخفايا، والظواهر والأحوال كلها.
ثم استثنى الله من حكم حجاب أزواج النبي: المحارم، فلا إثم ولا حرج على زوجات النبي صلى الله عليه وسلم في ترك الحجاب أمام الآباء والأبناء، بسبب النسب أو الرضاع، والإخوة وأبناء الإخوة والأخوات، وأمام النساء المؤمنات، والأرقاء من الذكور والإناث، بعدًا عن الحرج والمشقة في ذلك بسبب الخدمة، ودخل الأعمام في الآباء105.
قال تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [الأحزاب:٣٢-٣٤].
هذه آداب أمر الله تعالى بها نساء النبي صلى الله عليه وسلم، ونساء الأمة تبع لهن في ذلك، فقال تعالى مخاطبًا لنساء النبي صلى الله عليه وسلم بأنهن إذا اتقين الله عز وجل كما أمرهن، فإنه لا يشبههن أحد من النساء ولا يلحقهن في الفضيلة والمنزلة.
ثم قال تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ) قال السدي وغيره: يعني بذلك ترقيق الكلام إذا خاطبن الرجال، ولهذا قال تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) أي: دغل (ﭲ ﭳ ﭴ) قال ابن زيد: قولًا حسنًا جميلًا معروفًا في الخير، ومعنى هذا: أنها تخاطب الأجانب بكلام ليس فيه ترخيم، أي: لا تخاطب المرأة الأجانب كما تخاطب زوجها106.
وفي قوله تعالى: (ﮍ ﮎ) ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه عنى عليًّا وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم ، قاله أبو سعيد الخدري وأنس بن مالك وعائشة وأم سلمة رضي الله عنهم.
الثاني: أنه عنى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة ، قاله ابن عباس وعكرمة.
الثالث: أنها في الأهل والأزواج ، قاله الضحاك107.
وقد اختلف الفقهاء والمفسرون في أهل البيت المذكورين في الآية على أقوال، والراجح والصحيح منها: أنهم الذين حرمت عليهم الصدقة، وهم: بنو هاشم، وبنو عبد المطلب، أو بنو هاشم خاصة، أو بنو هاشم ومن فوقهم إلى غالب؛ وهذا القول هو اختيار الجمهور والأكثرين من العلماء، ولا شك أن بعضهم أخص بكونه من آل البيت من بعض، فعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين: أخص من غيرهم108،109، وكذلك زوجاته صلى الله عليه وسلم يدخلن دخولًا أوليًّا، قال ابن عطية: «والذي يظهر إلي أن زوجاته لا يخرجن عن ذلك البتة، فأهل البيت زوجاته وبنته وبنوها وزوجها، وهذه الآية تقضي أن الزوجات من أهل البيت؛ لأن الآية فيهن والمخاطبة لهن»110.
وقال الشوكاني- بعد أن ذكر تلك الأقوال-: «أما الزوجات فلكونهن المرادات في سياق هذه الآيات، ولكونهن الساكنات في بيوته صلى الله عليه وسلم النازلات في منازله، ويعضد ذلك ما تقدم عن ابن عباس وغيره، وأما دخول علي وفاطمة والحسن والحسين فلكونهم قرابته وأهل بيته في النسب، ويؤيد ذلك ما ذكرناه من الأحاديث المصرحة بأنهم سبب النزول، فمن جعل الآية خاصة بأحد الفريقين فقد أعمل بعض ما يجب إعماله، وأهمل ما لا يجوز إهماله، وقد رجح هذا القول جماعة من المحققين منهم القرطبي، وابن كثير، وغيرهما»111.
٢. بيوت غيره صلى الله عليه وسلم من الأنبياء.
قال تعالى: (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ) [نوح:٢٨].
فقد ذكر المفسرون في معنى بيتي المذكور في الآية: بيتي منزلي، وقيل: مسجدي، فيما قال ابن عباس وجمهور المفسرين، وقيل: سفينتي112. وقال ابن عباس أيضا: بيته: شريعته ودينه استعار لها بيتًا، كما يقال: قبة الإسلام، وفسطاط الدين113.
قال سبحانه: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [هود:٧٣] يعني قالت الملائكة لسارة (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) معناه: لا تعجبي من ذلك، فإن الله سبحانه وتعالى قادر على كل شيء، فإذا أراد شيئًا كان سريعًا (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) يعني: بيت إبراهيم عليه السلام، وهذا على معنى الدعاء من الملائكة لهم بالخير والبركة، وفيه دليل على أن أزواج الرجل من أهل بيته (ﭬ ﭭ) يعني: هو المحمود الذي يحمد على أفعاله كلها، وهو المستحق لأن يحمد في السراء والضراء والشدة والرخاء، فهو محمود على كل حال (ﭮ) ومعناه: المنيع الذي لا يرام، وقال الخطابي: المجيد الواسع الكرم114.
قال تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [الذاريات:٣٦].
أي: لوطًا عليه السلام وابنتيه115، وصفهم الله تعالى بالإيمان والإسلام جميعًا؛ لأنه ما من مؤمن إلا وهو مسلم116.
قال تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [يونس:٨٧].
وذلك حين منعهم فرعون الصلاة، فأمروا أن يجعلوا مساجدهم في بيوتهم، وأن يوجهوها نحو القبلة117.
وقال الزجاج: صلوا في بيوتكم لتأمنوا من الخوف118، وقال عكرمة، عن ابن عباس: واجعلوا بيوتكم مساجد119.
ثالثًا: بيوت المؤمنين:
ذكرت بيوت المؤمنين في سياقات متعددة يمكن بيانها فيما يأتي:
قال تعالى: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [النساء:١٠٠].
قال تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [النور:٦١].
قال تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [النور:٢٧].
رابعًا: بيوت الظالمين:
ذكر الله تعالى بيوت الظالمين في مقام التذكير بنعم الله تعالى.
قال سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [الأعراف:٧٤].
فقد ذكّّر نبي الله صالح عليه السلام قومه بالنعم التي أنعم الله بها عليهم، والمعنى: أي وتذكروا نعم الله عليكم وإحسانه إليكم، إذ جعلكم خلفاء لعاد فى الحضارة والعمران والقوة والبأس، وأنزلكم منازلهم تتخذون من سهولها قصورًا زاهية، ودورًا عالية، بما ألهمكم من حذق في الصناعة، فجعلكم تضربون اللّبن وتحرقونه آجرًا (الطوب المحرق) وتستعملون الجص، وتجيدون هندسة البناء ودقة النجارة، وتنحتون من الجبال بيوتًا، إذ علمكم صناعة النحت، وآتاكم القوة والجلد.
فقد كانوا يسكنون الجبال في الشتاء لما في البيوت المنحوتة من القوة، فلا تؤثر فيها الأمطار والعواصف، ويسكنون السهول في باقي الفصول للزراعة والعمل.
قال تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [الأعراف:٧٤].
أي: وتذكروا هذه النعم العظام، واشكروها له بتوحيده وإفراده بالعبادة، ولا تتصرفوا فيها تصرف كفران وجحود بفعل ما لا يرضي الله الذي خلقها لكم، فما بالكم بالكفر والعثي في الأرض بالفساد120.
كما ذكر الله تعالى بيوت الظالمين في مقام العذاب الذي استحقته.
قال تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [النمل:٥٢].
قال الطبري: «يعني تعالى ذكره بقوله: (ﮩ ﮪ ﮫ) فتلك مساكنهم خاوية خالية منهم، ليس فيها منهم أحد، قد أهلكهم الله فأبادهم (ﮬ ﮭ) يقول تعالى ذكره: بظلمهم أنفسهم بشركهم بالله، وتكذيبهم رسولهم (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) يقول تعالى ذكره: إن في فعلنا بثمود ما قصصنا عليك يا محمد من القصة، لعظة لمن يعلم فعلنا بهم ما فعلنا، من قومك الذين يكذبونك فيما جئتهم به من عند ربك وعبرة»121.
كما ذكر الله تعالى بيوت الظالمين في مقام تذكير المكذبين برسلهم وكيف كانت سنة الله تعالى فيمن كان قبلهم وسلك مسلكهم، قال تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [طه:١٢٨].
قال ابن جرير الطبري: «يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: أفلم يهد لقومك المشركين بالله، ومعنى يهد: يبين، يقول: أفلم يبين لهم كثرة ما أهلكنا قبلهم من الأمم التي سلكت قبلها التي يمشون في مساكنهم ودورهم، ويرون آثار عقوباتنا التي أحللناها بهم سوء مغبة ما هم عليه مقيمون من الكفر بآياتنا، ويتعظوا بهم، ويعتبروا، وينيبوا إلى الإذعان، ويؤمنوا بالله ورسوله، خوفًا أن يصيبهم بكفرهم بالله مثل ما أصابهم»122.
ومثل هذه الآية قوله تعالى: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [السجدة:٢٦].
وقوله تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [العنكبوت:٣٨].
وقوله تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [الحج:٤٥- ٤٦].
أي: إن في ذهاب أولئك القوم ودمارهم وما حل بهم بسبب تكذيبهم الرسل، ونجاة من آمن بهم، لآيات وعبرًا ومواعظ ودلائل متناظرة تبين أخبار من تقدم كيف كان أمرهم123.
كما ذكر الله تعالى بيوت الظالمين في مقام النفاق وأنها سبب للفرار من الجهاد قال تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [الأحزاب:١٣].
وكذلك ذكر سبحانه بيوت الظالمين بأنها بيوت شهوات وانحلال وخيانة، كما ذكر ذلك في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [يوسف:٢٣].
وتشير الآية إلى أن اتباع الشهوات وارتكاب الخيانات في البيوت من الظلم، ولهذا قال سبحانه: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) أي: إنه تعالى لا يفلح الظالمين لأنفسهم والظالمين للناس بخيانة وتعد على الأعراض، لا في الدنيا ببلوغ الإمامة والرياسة، ولا فى الآخرة بالوصول إلى رضوان الله تعالى ودخول جنات النعيم124.
خامسًا: بيوت المخلوقات:
إن بيوت المخلوقات من غير بني آدم المذكورة في القرآن هي:
١. بيوت العنكبوت.
قال تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [العنكبوت:٤١].
يقول تعالى ذكره: مثل الذين اتخذوا الآلهة والأوثان من دون الله أولياء يرجون نصرها ونفعها عند حاجتهم إليها في ضعف احتيالهم، وقبح رواياتهم، وسوء اختيارهم لأنفسهم، (ﮆ ﮇ) في ضعفها، وقلة احتيالها لنفسها،(ﮆ ﮇ) لنفسها، كيما يكنها، فلم يغن عنها شيئًا عند حاجتها إليه، فكذلك هؤلاء المشركون لم يغن عنهم حين نزل بهم أمر الله، وحل بهم سخطه أولياؤهم الذين اتخذوهم من دون الله شيئًا، ولم يدفعوا عنهم ما أحل الله بهم من سخطه بعبادتهم إياهم125.
قال ابن كثير: «هذا مثل ضربه الله تعالى للمشركين في اتخاذهم آلهة من دون الله يرجون نصرهم ورزقهم، ويتمسكون بهم في الشدائد، فهم في ذلك كبيت العنكبوت في ضعفه ووهنه، فليس في أيدي هؤلاء من آلهتهم، إلا كمن يتمسك ببيت العنكبوت، فإنه لا يجدي عنه شيئًا، فلو علموا هذا الحال لما اتخذوا من دون الله أولياء، وهذا بخلاف المسلم المؤمن قلبه لله وهو مع ذلك يحسن العمل في اتباع الشرع، فإنه متمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها لقوتها وثباتها»126.
٢. بيوت النحل.
قال تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [النحل:٦٨].
وقوله: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [النحل:٦٨].
أي: خلايا، وهي الأمكنة التي يضع النحل فيها العسل، ويقال: إنما يضع العسل في أجواف الأشجار، وقد يضع على أغصان الأشجار، وقوله: (ﮒ ﮓ) يعني: يبنون، وقد جرت عادة أهلها أنهم يبنون لها الأماكن فهي تأوي إليها بتسخير الله إياها لذلك127.
قال الرازي: في تفسير قوله: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [النحل:٦٨].
يقال: وحى وأوحى، وهو الإلهام، والمراد من الإلهام: أنه تعالى قرر في أنفسها هذه الأعمال العجيبة التي تعجز عنها العقلاء من البشر، وبيانه من وجوه: الأول: أنها تبني البيوت المسدسة من أضلاع متساوية، لا يزيد بعضها على بعض بمجرد طباعها، والعقلاء من البشر لا يمكنهم بناء مثل تلك البيوت إلا بآلات وأدوات مثل المسطر والفرجار، والثاني: أنه ثبت في الهندسة أن تلك البيوت لو كانت مشكلة بأشكال سوى المسدسات فإنه يبقى بالضرورة فيما بين تلك البيوت فرج خالية ضائعة، أما إذا كانت تلك البيوت مسدسة فإنه لا يبقى فيما بينها فرج ضائعة، فإهداء ذلك الحيوان الضعيف إلى هذه الحكمة الخفية والدقيقة اللطيفة من الأعاجيب، والثالث: أن النحل يحصل فيما بينها واحد يكون كالرئيس للبقية، وذلك الواحد يكون أعظم جثة من الباقي، ويكون نافذ الحكم على تلك البقية، وهم يخدمونه ويحملونه عند الطيران، وذلك أيضًا من الأعاجيب، والرابع: أنها إذا نفرت من وكرها ذهبت إلى موضع آخر، فإذا أرادوا عودها إلى وكرها ضربوا الطنبور والملاهي وآلات الموسيقى، وبواسطة تلك الألحان يقدرون على ردها إلى وكرها، وهذا أيضًا حالة عجيبة، فلما امتاز هذا الحيوان بهذه الخواص العجيبة الدالة على مزيد الذكاء والكياسة، وكان حصول هذه الأنواع من الكياسة ليس إلا على سبيل الإلهام، وهي حالة شبيهة بالوحي، لا جرم، قال تعالى في حقها: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [النحل:٦٨]128.
النظرة العلمية: إن بعض العلماء الذين كرسوا جهودهم لدراسة حياة الحشرات وقفوا على حقائق عجيبة وألفوا مئات الكتب التى أثبتت صحة ما جاء في القرآن من أن هناك فصائل برية من النحل تسكن الجبال وتتخذ من مغاراتها مأوى لها، وأن منه سلالات تتخذ من الأشجار سكنًا بأن تلجأ إلى الثقوب الموجودة في جذوع الأشجار وتتخذ منها بيوتًا تأوي إليها، ولما أراد الإنسان أن ينتفع بعسل النحل استأنسها وصنع لها خلايا من الطين أو الخشب يعيش فيها، وهكذا تبين الآية الكريمة كيف كانت هذه الحشرات بإلهام من الله تأوى إلى مساكنها المختلفة منذ القدم إلى يومنا هذا129.
٣. بيوت النمل.
قال تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [النمل:١٧- ١٩].
وقد ذكر الله تعالى بيوت النمل في سياق الملك العظيم الذي وهبه لنبيه سليمان عليه السلام، والمعنى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ) يعني: في بيوتكم، (ﮚ ﮛ ) أي: لا يهلكنكم، ويقال: لا يكسرنكم سليمان وجنوده بأن يظلموكم، وإنما خاطبهم بقوله (ﮘ ) بخطاب العقلاء؛ لأنه حكى عنهم ما يحكى عن العقلاء، ثم قال: (ﮞ ﮟ ﮠ ) يعني: قوم سليمان لا يشعرون بكم، ولو كانوا يشعرون بكم، لا يحطمونكم؛ لأنهم علموا أن سليمان ملك عادل لا بغي فيه ولا جور فيه، ولئن علم بها لم توطأ، ويقال: وهم لا يشعرون يعني: جنوده خاصة؛ لأنه علم أن سليمان يعلم بمكانه ويتعاهده (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) كما يكون ضحك الأنبياء عليهم السلام، وإنما ضحك من ثنائها على سليمان بعدله في ملكه، يعني: أنه لو شعر بكم لم يحطمنكم. ويقال: فتبسم ضاحكًا أي: متعجبًا ويقال: فرحًا بما أنعم الله تعالى عليه130.
الخروج من البيت ابتغاء مرضاة الله
إن الهجرة والخروج من البيوت ابتغاء لمرضات الله تعالى يكون في أمور، منها: الهجرة، والجهاد في سبيل الله تعالى، والسفر المباح، وبيان ذلك في النقاط الآتية:
أولًا: الهجرة:
الهجرة هي: الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام، وكانت فرضًا في أيام النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الهجرة باقية مفروضة إلى يوم القيامة، والتي انقطعت بالفتح: هي القصد إلى النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان، فإن بقي في دار الحرب، ولم يهاجر عصى131.
وفي الهجرة ترك البيوت ابتغاء مرضاة الله تعالى.
قال سبحانه: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [النساء:١٠٠].
أي: إن من يهاجر فى سبيل الله، أي: لقصد رضاه وإقامة دينه كما يجب وكما يحب الله تعالى، يجد فى الأرض سبيلًا يرغم به أنوف من كانوا مستضعفين له، ومأوى يصيب فيه الخير والسعة فوق النجاة من الاضطهاد والذل، وفي هذا وعد للمهاجرين فى سبيله بتسهيل سبل العيش لهم وإرغامهم أعداءهم والظفر بهم132.
كما وعد من يموت فى الطريق قبل وصوله دار الهجرة بالأجر العظيم الذي ضمنه له عز وجل إذا كان يقصد بهجرته رضا الله ونصرة رسوله فى حياته، وإقامة سننه بعد وفاته، وكان مستحقًّا لهذا الأجر ولو مات بعد أن تجاوز عتبة الباب ولو لم يصب تعبًا ولا مشقة، فإن نية الهجرة مع الإخلاص كافية لاستحقاقه له، كما في حديث عمر رضي الله عنه (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)133.
وفى إبهام هذا الأجر وجعله حقًّا واجبًا عليه تعالى إيذان بعظم قدره وتأكيد ثبوته ووجوبه، ولله تعالى أن يوجب على نفسه ما يشاء، وليس لغيره أن يوجب عليه شيئًا، إذ لا سلطان فوق سلطانه.
(ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [النساء:١٠٠] أي: وكان شأن الله الغفران أزلًا وأبدًا لأمثال هؤلاء المهاجرين الذين دعاهم إيمانهم لترك أوطانهم لإقامة دينه واتباع سبيله، والرحمة الشاملة لهم بعطفه وإحسانه134.
واختلف المفسرون في معنى المراغم المذكورة في الآية: فقال بعضهم: هو التحول من أرض إلى أرض، وقال آخرون: مبتغى معيشة، وقال آخرون: المراغم، المهاجر135، وقال مجاهد: المرغم: المتزحزح، وقال الكسائي: المراغم: المذهب.
قال أبو جعفر النحاس: «وهذه الأقوال متفقة المعاني فالمراغم هو المذهب والمتحول في حال هجرة، وهو اسم للموضع الذي يراغم فيه، وهو مشتق من الرغام، ورغم أنف فلان، أي: لصق بالتراب، وراغمت فلانًا هجرته وعاديته»136.
أما السعة فقال أبو جعفر بعد أن ذكر أقوال المفسرين في معنى السعة: «وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله أخبر أن من هاجر في سبيله يجد في الأرض مضطربًا ومتسعًا، وقد يدخل في«السعة»، السعة في الرزق، والغنى من الفقر، ويدخل فيه السعة من ضيق الهم والكرب الذي كان فيه أهل الإيمان بالله من المشركين بمكة، وغير ذلك من معاني(السعة)، التي هي بمعنى الروح والفرج من مكروه ما كره الله للمؤمنين بمقامهم بين ظهري المشركين وفي سلطانهم. ولم يضع الله دلالة على أنه عنى بقوله:(وسعة)، بعض معاني(السعة) التي وصفنا، فكل معاني(السعة) التي هي بمعنى الروح والفرج مما كانوا فيه من ضيق العيش، وغم جوار أهل الشرك، وضيق الصدر بتعذر إظهار الإيمان بالله وإخلاص توحيده وفراق الأنداد والآلهة، داخل في ذلك»137.
والهجرة ابتغاء مرضات الله تعالى هي سنة النبيين عليهم، فقد هاجر نبي الله إبراهيم ولوط عليهما السلام.
قال تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [العنكبوت:٢٦].
فقد خرج إبراهيم عليه السلام من أرض العراق مهاجرًا إلى ربه، وخرج معه لوط عليه السلام وسارة، فخرج يلتمس الفرار بدينه والأمان على عبادة الله حتى نزل حران من دمشق، فمكث بها ما شاء الله أن يمكث، ثم خرج منها مهاجرًا حتى قدم مصر، ثم خرج من مصر إلى الشام ونزل بلاد السبع من أرض فلسطين، ونزل لوط عليه السلام بالمؤتفكة، وهي من السبع على مسيرة يوم وليلة وأقرب من ذلك، فبعثه الله سبحانه نبيًّا138.
يقول تعالى مخبرًا عن إبراهيم أنه آمن له لوط عليه السلام، يقال: إنه ابن أخي إبراهيم عليه السلام، ولم يؤمن به، من قومه سواه وسارة امرأة إبراهيم الخليل، ثم أخبر عنه عليه السلام بأنه اختار المهاجرة من بين أظهرهم ابتغاء إظهار الدين والتمكن من ذلك، ولهذا قال: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) أي: له العزة ولرسوله وللمؤمنين به، الحكيم في أقواله وأفعاله وأحكامه القدرية والشرعية139.
وكذلك فعل نبي الله موسى عليه السلام فقد خرج من مصر، خائفًا يترقب، أي: ينتظر الطلب، قال: رب نجني من القوم الظالمين الكافرين، قال تعالى: (ﰈ ﰉ ﰊ ﰋﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [القصص:٢١-٢٢].
أي: سلك الطريق التي يلقى مدين140 فيها، وكانت مدين على مسيرة ثمانية أيام من مصر (ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [القصص:٢٢].
أي: قصد الطريق إلى مدين141.
والهجرة بترك البيوت هي كذلك سنة سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [التوبة:٤٠].
وفي الآية إخبار بهجرة رسول إلى المدينة وتركه مكة وبيته فيها ابتغاء مرضات الله تعالى.
والمعنى: إلا تنصروه أي: تنصروا رسوله فإن الله ناصره ومؤيده وكافيه وحافظه، كما تولى نصره إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين في عام الهجرة لما همّ المشركون بقتله أو حبسه أو نفيه، فخرج منهم هاربًا بصحبة صديقه وصاحبه أبي بكر بن أبي قحافة رضي الله عنه، فلجأ إلى غار ثور ثلاثة أيام ليرجع الطلب الذين خرجوا في آثارهم، ثم يسيروا نحو المدينة، فجعل أبو بكر رضي الله عنه يجزع أن يطلع عليهم أحد فيخلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أذى، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يسكنه ويثبته ويقول: (يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما)142143.
ثانيًا: الجهاد:
إن في الجهاد تركًا للبيوت ابتغاء مرضات الله تعالى، كما قال تعالى عن رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [الأنفال:٥].
وفي قوله عز وجل: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) قولان:
أحدهما: كما أخرجك ربك من مكة إلى المدينة بالحق مع كراهة فريق من المؤمنين، كذلك ينجز وعدك في نصرك على أعدائك بالحق.
والثاني: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) من المدينة إلى بدر بالحق، كذلك جعل لك غنيمة بدر بالحق.
وفي قوله: (ﮒ) وجهان:
أحدهما: أنك خرجت ومعك الحق.
الثاني: أنه أخرجك بالحق الذي وجب عليك.
(ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) فيه وجهان:
أحدهما: كارهون خروجك.
الثاني: كارهون صرف الغنيمة عنهم؛ لأنهم لم يعلموا أن الله تعالى قد جعلها لرسوله صلى الله عليه وسلم 144.
وقد أمر الله تعالى بالخروج من البيوت والمنازل للجهاد الواجب وتوعد من لم يخرج بالعذاب الأليم والاستبدال بقوم يخرجون للجهاد.
قال تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [التوبة:٣٨- ٣٩].
وهذه الآية حث من الله جل ثناؤه المؤمنين به من أصحاب رسوله صلى الله عليه وسلم على الجهاد وغزو الروم، وذلك غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك، والمعنى: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله (ﭷ ﭸ)، أي: شيء أمركم(ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ )، أي: إذا قال لكم رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم (ﭼ)، أي: اخرجوا من منازلكم إلى مغزاكم، وأصل النفر، مفارقة مكان إلى مكان لأمر هاجه على ذلك145.
وقد أمر الله تعالى بالخروج من البيوت للجهاد في كل الأحوال والظروف.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [التوبة:٤١].
قوله: (ﭑ ﭒ ﭓ) أي: شيبًا وشبانًا146، وموسرين ومعسرين، خفت عليكم الحركة أو ثقلت، ركبانًا ومشاة147.
قال الإمام البغوي: «قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ)، قال الحسن والضحاك ومجاهد وقتادة وعكرمة: شبانًا وشيوخًا، وعن ابن عباس: نشاطًا وغير نشاط، وقال عطية العوفي: ركبانًا ومشاة، وقال أبو صالح: خفافًا من المال، أي: فقراء، وثقالًا أي: أغنياء، وقال ابن زيد: الثقيل الذي له الضيعة، فهو ثقيل يكره أن يضيع ضيعته، والخفيف الذي لا ضيعة له، ويروى عن ابن عباس قال: خفافًا أهل الميسرة من المال وثقالًا أهل العسرة، وقيل: خفافًا من السلاح، أي: مقلين منه، وثقالًا أي: مستكثرين منه، وقال الحكم بن عتيبة: مشاغيل وغير مشاغيل، وقال مرة الهمداني: أصحاء ومرضى، وقال يمان ابن رباب عزابًا ومتأهلين، وقيل: خفافًا من حاشيتكم وأتباعكم، وثقالًا مستكثرين بهم، وقيل: خفافًا مسرعين خارجين ساعة سماع النفير، وثقالًا بعد التروي فيه والاستعداد له»148.
ثم بين سبحانه شرط الخروج من البيوت للجهاد الذي يقصد به ابتغاء مرضات الله بأن لا يتخذ الخارجون أعداء الله تعالى أولياء.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [الممتحنة:١].
وجواب الشرط في قوله تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) محذوف لدلالة ما قبله عليه أى: إن كنتم -أيها المؤمنون- قد خرجتم من مكة من أجل الجهاد في سبيلي، ومن أجل طلب مرضاتي، فاتركوا اتخاذ عدوي وعدوكم أولياء، واتركوا مودتهم ومصافاتهم.
فالمقصود من الجملة الكريمة: زيادة التهييج للمؤمنين، حتى لا يبقى في قلوبهم أي شيء من المودة نحو الكافرين149.
ثم بين سبحانه موقف المنافقين من الخروج للجهاد بقوله تعالى: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [التوبة:٤٢-٤٣].
والعرض كل ما عرض لك من منافع الدنيا، فالمعنى: لو كانت غنيمة قريبة، أي: لو كان ما دعوا إليه غنمًا، (ﭦ ﭧ) أي: سهلًا قريبًا لاتبعوك (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ)، أي: بعدت عليهم الغاية التي تقصدها، وكان هذا حين دعوا إلى غزوة تبوك، فثقل عليهم الخروج إلى نواحي الشام150.
والمعنى: لو كان ما دعوا إليه عرضًا قريبًا غنيمة قريبة، وسفرًا قاصدًا قريبًا هينًا، لاتبعوك طمعًا في المال (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [التوبة:٤٢].
المسافة، وقال الكلبي: يعني: السفر إلى الشام، والشقة السفر البعيد؛ لأنه يشق على الإنسان، (ﭮ ﭯ) يعني المنافقين إذا رجعتم إليهم: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [التوبة:٤٢] أي: لو قدرنا وكان لنا سعة في المال، يهلكون أنفسهم بالكذب والنفاق، (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [التوبة:٤٢]؛ لأنهم كانوا يستطيعون الخروج وكانوا مياسير، ذوي زاد وسلاح وعدة، قوله تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [التوبة:٤٣]151.
ثم قال سبحانه: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [التوبة:٤٦-٤٧].
أي: إن المنافقين لو أرادوا الجهاد لتأهبوا أهبة السفر، فتركهم الاستعداد دليل على إرادتهم التخلف(ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) أي: خروجهم معك (ﯔ) أي: حبسهم عنك وخذلهم، لأنهم قالوا: إن لم يؤذن لنا في الجلوس أفسدنا وحرضنا على المؤمنين، ويدل على هذا أن بعده:(ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) قيل: هو من قول بعضهم لبعض، وقيل: هو من قول النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون هذا هو الإذن الذي تقدم ذكره، قيل: قاله النبي صلى الله عليه وسلم غضبًا فأخذوا بظاهر لفظه وقالوا: قد أذن لنا، وقيل: هو عبارة عن الخذلان، أي: أوقع الله في قلوبهم القعود، ومعنى: (ﯗ ﯘ) أي: مع أولي الضرر والعميان والزمنى والنسوان والصبيان152.
ثم ذكر الحكمة في ذلك، فقال:(ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) أي: نقصًا، (ﯡ ﯢ) أي: ولسعوا في الفتنة والشر بينكم، وفرقوا جماعتكم المجتمعين: (ﯣ ﯤ) أي: هم حريصون على فتنتكم وإلقاء العداوة بينكم.
(ﯥ) أناس ضعفاء العقول (ﯦ ﯧ) أي: مستجيبون لدعوتهم يغترون بهم، فإذا كانوا هم حريصين على خذلانكم، وإلقاء الشر بينكم، وتثبيطكم عن أعدائكم، وفيكم من يقبل منهم ويستنصحهم. فما ظنك بالشر الحاصل من خروجهم مع المؤمنين، والنقص الكثير منهم، فلله أتم الحكمة حيث ثبطهم ومنعهم من الخروج مع عباده المؤمنين رحمة بهم، ولطفًا من أن يداخلهم ما لا ينفعهم، بل يضرهم (ﯩ ﯪ ﯫ) فيعلم عباده كيف يحذرونهم، ويبين لهم من المفاسد الناشئة من مخالطتهم153.
وهؤلاء قال تعالى عنهم: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [التوبة:٨٣].
يقول تعالى آمرًا لرسوله صلى الله عليه وسلم، (ﮔ ﮕ ﮖ) أي: ردك الله من غزوتك هذه (إلى طائفة منهم) قال قتادة: ذكر لنا أنهم كانوا اثني عشر رجلًا (ﮚ ﮛ) أي: معك إلى غزوة أخرى (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) أي: تعزيرًا لهم وعقوبة، ثم علل ذلك بقوله: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) وهذا كقوله تعالى: (ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) [الأنعام:١١٠]154.
وقوله تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ) يعني: مع المتخلفين من النساء والصبيان، وقيل: مع المرضى والزمنى، وقال ابن عباس رضي الله عنه: مع الذين تخلفوا بغير عذر، وقيل: مع المخالفين يقال: صاحب خالف إذا كان مخالفًا كثير الخلاف.
وفي الآية دليل على أن الرجل إذا ظهر منه مكروه وخداع وبدعة يجب الانقطاع عنه وترك مصاحبته؛ لأن الله سبحانه وتعالى منع المنافقين من الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجهاد، وهو مشعر بإظهار نفاقهم وذمهم وطردهم وإبعادهم؛ لما علم من مكرهم وخداعهم إذا خرجوا إلى الغزوات155.
ثالثًا: السفر:
في السفر ترك للبيوت، قال تعالى: (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ) [النساء:١٠١].
والضرب في الأرض هو السفر، قال الله تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [المزمل:٢٠]156.
قوله تعالى: (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) أي: تخففوا فيها إما من كميتها بأن تجعل الرباعية ثنائية، كما فهمه الجمهور من هذه الآية، واستدلوا بها على قصر الصلاة في السفر على اختلافهم في ذلك، فمن قائل: لا بد أن يكون سفر طاعة من جهاد، أو حج، أو عمرة، أو طلب علم، أو زيارة، وغير ذلك، كما هو مروي عن ابن عمر وعطاء ويحيى عن مالك في رواية عنه نحوه، لظاهر قوله: (ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ) .
ومن قائل: لا يشترط سفر القربة، بل لا بد أن يكون مباحًا، لقوله: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [المائدة:٣].
كما أباح له تناول الميتة مع الاضطرار بشرط أن لا يكون عاصيًا بسفره، وهذا قول الشافعي وأحمد وغيرهما من الأئمة157.
وهناك أسفار فيها ترك البيوت ابتغاء مرضات الله تعالى يمكن ذكرها بإيجاز فيما يأتي:
أولًا: سفر العلم، وهو مشهور لدى العلماء؛ لأن طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة158.
ثانيًا: سفر الحج والعمرة، وسفر الحج واجب على المستطيع، وهو من فروض العين159، وسفر العمرة مندوب160.
ثالثًا: سفر الكسب والمعاش: فقد يتعذر على الرجل معاشه مع الإقامة، فيخرج في طلبه لا يزيد عليه، ولا ينقص من صيد أو احتطاب أو احتشاش أو استئجار، وهو فرض عليه161، وهو جائز إذا أراد التوسع بأكثر مما هو فيه، وواجب إذا كان محتاجًا له لنفسه أو لمن يعوله162.
رابعًا: سفر التجارة والكسب الزائد على القوت، وذلك جائز بفضل الله سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [البقرة:١٩٨]. أي: التجارة في البيع والشراء163، يعني التجارة، وهي نعمة من الله بها في سفر الحج، فكيف إذا انفردت164.
خامسًا: سفر الزيارة: وسفر الزيارة إما يكون للإخوان في الله165.
ومن الترغيب فيه روى أبو هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن رجلًا زار أخا له في قرية أخرى، فأرصد الله له، على مدرجته، ملكًا فلما أتى عليه، قال: أين تريد؟ قال: أريد أخًا لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه من نعمة تربّها؟ قال: لا، غير أني أحببته في الله عز وجل، قال: فإني رسول الله إليك، بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه)166167.
ومنه قصد البقاع الكريمة، وهو مطلوب لثلاث أمكان، لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسجد الأقصى)168169.
هناك آداب لدخول البيوت سواء أكانت بيوت الله تعالى، أو بيوت النبي صلى الله عليه وسلم أو بيوت سائر المخلوقات من الإنس والجن، كما سيأتي توضيح ذلك في المطالب الآتية:
أولًا: آداب بيوت الله تعالى:
١. يستحب لدخول بيوت الله تعالى الطهارة، وأخذ الزينة عند كل مسجد.
قال تعالى: ( ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [الأعراف:٣١]170.
قال الزمخشري: «(ﭔ ﭕ) أي: ريشكم ولباس زينتكم عند كل مسجد، كلما صليتم أو طفتم، وكانوا يطوفون عراة، وعن طاوس: لم يأمرهم بالحرير والديباج، وإنما كان أحدكم يطوف عريانًا ويدع ثيابه وراء المسجد، وإن طاف وهي عليه، ضرب وانتزعت عنه؛ لأنهم قالوا: لا نعبد الله في ثياب أذنبنا فيها»171.
وقال أبو حيان: «والذي يظهر أن الزينة هو ما يتجمل به ويتزين عند الصلاة، ولا يدخل فيه ما يستر العورة؛ لأن ذلك مأمور به مطلقًا»172.
أما الطهارة: فإنها من آداب دخول بيوت الله تعالى، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من تطهر في بيته، ثم مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فيه فريضة من فرائض الله كانت خطواته إحداها تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة)173، ما لم يكن الدخول للصلاة أو الطواف بالبيت الحرام، فإنها تكون واجبة.
٢. التيمن في دخول المسجد.
من آداب دخول بيوت الله تعالى أن يدخل على السنة الواردة في دخولها، فقد أخرج البخاري في ذلك قوله: «وكان ابن عمر رضي الله عنه - عند دخول المسجد - يبدأ برجله اليمنى، فإذا خرج بدأ برجله اليسرى، فيه: عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي يحب التيمن ما استطاع في شأنه كله في طهوره، وترجله، وتنعله)»174.
٣. الدعاء عند الدخول في المسجد والخروج منه.
عن أبي حميد، أو عن أبي أسيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أحدكم المسجد، فليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج، فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك)175.
٤. تحية المسجد.
يستحب لداخل بيوت الله تعالى أن يركع ركعتين تحية المسجد قبل أن يجلس، وذلك لما رواه أبو قتادة السلمي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس)176.
والقول بذلك هو مذهب الشافعي وأحمد والجمهور، وذهب قوم مالك والثوري وأصحاب الرأي إلى أنه يجلس ولا يصلي177، والراجح هو مذهب الجمهور لحديث أبي قتادة السابق فهو نص في المسألة.
أما تحية المسجد الحرام فقد ذكر ابن القيم أن تحية المسجد الحرام الطواف؛ لأنه صلى الله عليه وسلم بدأ فيه بالطواف178، وتعقب بأنه صلى الله عليه وسلم لم يجلس، إذ التحية إنما تشرع لمن جلس، والداخل إلى المسجد الحرام يبدأ بالطواف، ثم يصلي صلاة المقام، فلا يجلس إلا وقد صلى، فأما لو دخل المسجد الحرام، وأراد القعود قبل الطواف، فإنه يشرع له أن يصلي التحية179.
والطواف بالبيت ورد في قوله تعالى: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [الحج:٢٩].
ومما يؤيد ما ذهب إليه ابن القيم من أن الطواف هو تحية المسجد الحرام ما رواه ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الطواف بالبيت صلاة، إلا أن الله عز وجل قد أحل فيه المنطق، فمن نطق فلا ينطق إلا بخير)180.
٥. عدم رفع الصوت في المسجد.
من آداب دخول بيوت الله تعالى: عدم رفع الصوت في المسجد بغير الذكر، فقد ورد ما يدل على كراهة ذلك فيما رواه السائب بن يزيد رضي الله عنه، قال: كنت قائمًا في المسجد فحصبني رجل، فنظرت فإذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: اذهب فأتني بهذين، فجئته بهما، قال: من أنتما- أو من أين أنتما؟ - قالا: من أهل الطائف، قال: (لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم )181.
وفيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(من سمع رجلًا ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا أداها الله إليك، فإن المساجد لم تبن لهذا)182.
٦. المحافظة على نظافة المسجد.
إن المحافظة على نظافة بيوت الله تعالى من البصاق والروائح الكريهة وغيرها من آداب الداخل إليها؛ لما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:(البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها)183.
وكذلك ما رواه ابن عمر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في غزوة خيبر: (من أكل من هذه الشجرة -يعني: الثوم- فلا يقربن مسجدنا)184.
ثانيًا: آداب دخول بيت النبوة:
ذكر الله تعالى آداب دخول بيت النبوة في قوله تعالى: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [الأحزاب:٥٣].
وهذه الآداب يمكن إجمالها فيما يأتي:
١. النهي عن دخول بيوت النبي صلى الله عليه وسلم إلا إذا كانت الدعوة لطعام غير منتظرين إدراكه ونضجه.
والمعنى: أيها الذين آمنوا بالله ورسوله لا تدخلوا بيوت نبيه صلى الله عليه وسلم إلا أن تدعوا إلى طعام تطعمونه فلا تدخلوا البيت إلا إذا علمتم أن الطعام قد تم نضجه، وانتهى إعداده، إذ قبل ذلك يكون أهل البيت فى شغل عنكم، وقد يلبسن ثياب البذلة والعمل فلا يحسن أن ترونهن وهن على هذه الحال، إلى أنه ربما بدا من إحداهن ما لا يحل النظر إليه185.
٢. الانتشار بعد الطعام.
والمعنى: ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا (ﮬ ﮭ ﮮ) أي: ولكن إذا دعاكم الرسول صلى الله عليه وسلم فادخلوا البيت الذي أذن لكم بدخوله، فإذا أكلتم الطعام الذي دعيتم إلى أكله فتفرقوا واخرجوا ولا تمكثوا فيه لتتبادلوا ألوان الحديث وفنونه المختلفة.
وعلة ذلك (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) أي: إن ذلك اللبث والاستئناس والدخول على هذا الوجه كان يؤذى النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه كان يمنعه من قضاء بعض حاجاته، إلى ما فيه من تضييق المنزل على أهله، لكنه كان يستحيي من إخراجكم ومنعكم مما يؤذيه، والله لم يترك الحق وأمركم بالخروج.
وفي هذا إيماء إلى أن اللبث يحرم على المدعو إلى طعام بعد أن يطعم إذا كان فى ذلك أذى لرب البيت، ولو كان البيت غير بيت النبي صلى الله عليه وسلم، فالتثقيل مذموم في كل مكان، محتقر لدى كل إنسان186.
٣. سؤال نساء النبي متاعًا من وراء حجاب.
فإذا سألتم أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونساء المؤمنين اللواتي لسن لكم بأزواج، شيئًا تتمتعون به من ماعون وغيره فاطلبوا منهن ذلك من وراء ستر بينكم وبينهن.
(ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) أي: ذلك الدخول بالإذن وعدم الاستئناس للأحاديث أطهر لقلوبكم وقلوبهن من وساوس الشيطان والريب؛ لأن العين رسول القلب، فإذا لم تر العين لم يشته القلب، فالقلب عند عدم الرؤية أطهر، وعدم الفتنة187.
ثالثًا: آداب بيوت سائر المخلوقات:
هناك آداب في دخول بيوت المخلوقين من الإنس والجن:
١. أن يكون الدخول على سنة الإسلام، وهو الإتيان من أبواب البيوت لا من ظهورها.
قال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [البقرة:١٨٩].
فقد كان قوم من قريش وجماعة معهم من العرب إذا خرج الرجل منهم في حاجة فلم يقضها ولم تتيسر له رجع، فلم يدخل من باب بيته سنة، يفعل ذلك تطيرًا، فأعلمهم الله عز وجل أن ذلك غير بر، أي: الإقامة على الوفاء بهذه السنة ليس ببر، وقال الأكثر من أهل التفسير: إنهم الحمس، وهم قوم من قريش، وبنو عامر بن صعصعة وثقيف وخزاعة، كانوا إذا أحرموا لا يأقطون الأقط، ولا ينفون الوبر ولا يسلون السمن، وإذا خرج أحدهم من الإحرام لم يدخل من باب بيته، وإنما سموا الحمس لأنهم تحمسوا في دينهم، أي: تشددوا.
وأعلمهم أن البر التقي، فقال: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) والمعنى: ولكن البر بر من اتقى مخالفة أمر الله عز وجل، فقال:(ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) فأمرهم الله بترك سنة الجاهلية في هذه الحماسة188، ومن ثم أصبح إتيان البيوت من أبوابها هو السنة والأدب الذي ينبغي في إتيانها.
٢. الاستئذان.
قال تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [النور:٢٧].
ففي الآية هذه آداب شرعية، أدب الله بها عباده المؤمنين، وذلك في الاستئذان فقد أمرهم أن لا يدخلوا بيوتًا غير بيوتهم حتى يستأنسوا، أي: يستأذنوا قبل الدخول، ويسلموا بعده، وينبغي أن يستأذن ثلاث مرات، فإن أذن له وإلا انصرف189.
(ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [النور:٢٧].
يقول: استئناسكم وتسليمكم على أهل البيت الذي تريدون دخوله، خير لكم؛ لأنكم لا تدرون أنكم إذا دخلتموه بغير إذن، على ماذا تهجمون؟ على ما يسوؤكم أو يسركم؟ وأنتم إذا دخلتم بإذن، لم تدخلوا على ما تكرهون، وأديتم بذلك أيضًا حق الله عليكم في الاستئذان والسلام، وقوله: (ﰀ ﰁ) يقول: لتتذكروا بفعلكم ذلك أوامر الله عليكم، واللازم لكم من طاعته، فتطيعوه190.
٣. السلام.
فمن دخل دارًا وجب عليه أن يسلم على الحاضرين، قال تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [النور:٦١].
ويدل على وجوب السلام ما يأتي:
الأول: قوله تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [النور:٢٧].
ولما رواه أبو هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفشوا السلام بينكم) والأمر للوجوب191.
الثاني: أن من دخل على إنسان كان كالطالب له، ثم المدخول عليه لا يعلم أنه يطلبه لخير أو لشر، فإذا قال: السلام عليك، فقد بشره بالسلامة وآمنه من الخوف، وإزالة الضرر عن المسلم واجبة، قال صلى الله عليه وسلم: (المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه)192 فوجب أن يكون السلام واجبًا، الثالث: أن السلام من شعائر أهل الإسلام، وإظهار شعائر الإسلام واجب، وأما المشهور فهو أن السلام سنة، وهو قول ابن عباس والنخعي193.
والسلام واجب في دخول عموم البيوت قال تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [النور:٦١].
فيجب السلام عند الدخول على الأهل والأقارب في البيوت المسكونة، وكذا غير المسكونة، فيسلم المرء فيها على نفسه بأن يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وكذا المساجد، فيسلم على من كان فيها، فإن لم يكن في المساجد أحد، فالسلام أن يقول المرء: السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله إبراهيم النخعي والحسن البصري عن آية: (ﯝ ﯞ ﯟ) أراد: المساجد194.
قال ابن العربي: «القول بالعموم في البيوت هو الصحيح، ولا دليل على التخصيص»195، «وبيانه أن الله سبحانه قال في الآية الأولى: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [النور:٢٧].
فنص على بيوت الغير، ثم قال في هذه الآية الثانية: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [النور:٦١].
أي: ليسلم بعضكم على بعض، وأطلق القول؛ لأنه قد بين الحكم في بيوت الغير، ليدخل تحت هذا العموم كل بيت، كان للغير أو لنفسه، وقال: (ﯡ ﯢ) [النور:٦١].
ليتناول اللفظ سلام المرء على عينه، وليأخذ المعنى سلام الناس بعضهم على بعض، فإذا دخل بيتًا لغيره استأذن، وإن دخل بيتًا لنفسه سلم، كما ورد في الحديث يقول: (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)؛ قاله ابن عمر، وهذا إذا كان فارغًا.
فأما إذا كان فيه أهله وعياله وخدمه فليقل: السلام عليكم، فإنهم أهل للتحية منه، وإن كان مسجدًا فليقل كما جاء في الحديث: (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)196، وعليه حمل ابن عمر البيت الفارغ.
والذي اختاره إذا كان البيت فارغًا أنه لا يلزم السلام، فإنه إذا كان المقصود الملك فالملائكة لا تفارق العبد بحال، أما إنه إذا دخلت بيتك يستحب لك ذكر الله»197.
وقال الطبري: «أولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال معناه: فإذا دخلتم بيوتًا من بيوت المسلمين، فليسلم بعضكم على بعض، وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب لأن الله جل ثناؤه قال: (ﯝ ﯞ ﯟ) ولم يخصص من ذلك بيتًا دون بيت، وقال: (ﯠ ﯡ ﯢ)يعني: بعضكم على بعض، فكان معلومًا إذ لم يخصص ذلك على بعض البيوت دون بعض، أنه معني به جميعها، مساجدها وغير مساجدها، وقوله: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ)، بمعنى: تحيون أنفسكم تحية من عند الله السلام تحية فكأنه قال: فليحي بعضكم بعضًا تحية من عند الله، ووصف جل ثناؤه هذه التحية المباركة الطيبة لما فيها من الأجر الجزيل والثواب العظيم»198.
٤. دعاء دخول البيت.
ومن آداب دخول البيت: أن يقول الداخل الدعاء الوراد في حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا ولج الرجل بيته فليقل: اللهم إني أسألك خير المولج، وخير المخرج، بسم الله ولجنا، وبسم الله خرجنا وعلى الله ربنا توكلنا، ثم ليسلم على أهله)199.
٥. السواك.
فعن المقدام بن شريح، عن أبيه، قال: سألت عائشة، قلت: بأي شيء كان يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته؟ قالت: (بالسواك)200.
أما آداب دخول مساكن الجن مبسوطة في السنة فليرجع إليها.
[انظر: الاستئذان: الاستئذان لدخول بيوت الآخرين]
إن البيوت والفتنة في القرآن الكريم تتمثل في: الاغترار بالبيوت، وأنها سبب للفرار من الجهاد، والبيت قد يكون مكانًا للخلوة بالنساء، وما يظن المنافقون من أن البيوت تمنع الموت، وبيان ذلك في النقاط الآتية:
أولًا: الاغترار بالبيوت:
من الفتنة بالبيوت الاغترار بها، وهي من صفات الكافرين.
قال تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [الشعراء:١٤٩].
أي: وتتخذون تلك البيوت المنحوتة فى الجبال أشرًا وبطرًا من غير حاجة إلى سكناها مع الجد والاهتمام فى بنائها201.
ومعنى قوله تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [الشعراء:١٤٩].
قال ابن عباس وغير واحد: يعني: حاذقين، وفي رواية عنه: شرهين أشرين، وهو اختيار مجاهد وجماعة، ولا منافاة بينهما، فإنهم كانوا يتخذون تلك البيوت المنحوتة في الجبال أشرًا وبطرًا وعبثًا من غير حاجة إلى سكناها، وكانوا حاذقين متقنين لنحتها ونقشها، كما هو المشاهد من حالهم لمن رأى منازلهم202.
والاغترار بالبيوت يؤدي إلى الأمن المذموم في قوله تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [الحجر:٨٢].
فقد كان أصحاب الحجر، وهم ثمود قوم صالح، ينحتون من الجبال بيوتًا آمنين من عذاب الله، وقيل: آمنين من الخراب أن تخرب بيوتهم التي نحتوها من الجبال، وقيل: آمنين من الموت203.
قال ابن عطية: «وقوله (ﮘ): قيل: معناه: من انهدامها، وقيل: من حوادث الدنيا، وقيل: من الموت لاغترارهم بطول الأعمال، قال القاضي أبو محمد ابن عطية: وهذا كله ضعيف، وأصح ما يظهر في ذلك أنهم كانوا يأمنون عواقب الآخرة. فكانوا لا يعملون بحسبها، بل كانوا يعملون بحسب الأمن منها»204.
كما أن الاغترار بالبيوت يؤدي أيضًا إلى كفران النعم والفساد في الأرض، كما قال تعالى عن قوم صالح عليه السلام: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [الأعراف:٧٤].
وذلك؛ لأن بناء البيوت وتشييد القصور ونحت الجبال بيوتًا من النعم التي تستوجب الشكر، فقد ذكر صالح عليه السلام قومه بما أنعم الله به عليهم، وهي جعلهم خلفاء بعد الأمة التي سبقتهم، وما اختصوا به من اتخاذ القصور من السهول ونحت الجبال بيوتًا، ثم طلب منهم شكر هذه النعم بقوله: (ﭣ ﭤ ﭥ)205، أي: نعمه عليكم لتصرفوها إلى ما خلقها لأجله ولا تعثوا في الأرض مفسدين بالمعاصي وعبادة غيره تعالى206.
ثانيًا: سبب للفرار من الجهاد:
بين الله سبحانه وتعالى أن البيوت فتنة للمنافقين وسبب للفرار من الجهاد، قال تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [الأحزاب:١٣].
فقد ذكر الله تعالى أن المنافقين يحرضون بعض المجاهدين على ترك الجهاد والرجوع إلى بيوتهم، بل إن بعضهم جعل البيوت سببًا للفرار من الجهاد، والمعنى: لا مقام لكم أي: هاهنا يعنون عند النبي صلى الله عليه وسلم في مقام المرابطة، فارجعوا أي: إلى بيوتكم ومنازلكم207.
ويستأذن بعضهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإذن بالانصراف عنه إلى منزله، ولكنه يريد الفرار والهرب من عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكذبهم الله تعالى وأعلم أن قصدهم الهرب والفرار، لضعف إيمانهم، وجبن نفوسهم208.
ثالثًا: البيت قد يكون مكانًا للخلوة:
من فتنة البيوت ما يقع فيها من خلوة محضورة بالنساء وقد صور الله تعالى فتنة البيوت هذه بقوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [يوسف:٢٣].
يخبر تعالى عن امرأة العزيز التي كان يوسف في بيتها بمصر، وقد أوصاها زوجها به وبإكرامه، فراودته عن نفسه، أي: حاولته على نفسه ودعته إليها، وذلك أنها أحبته حبًّا شديدًا لجماله وحسنه وبهائه، فحملها ذلك على أن تجملت له وغلقت عليه الأبواب ودعته إلى نفسها، وقالت: هيت لك، فامتنع من ذلك أشد الامتناع، و(ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) وكانوا يطلقون الرب على السيد الكبير، أي: إن بعلك ربي أحسن مثواي أي: منزلي، وأحسن إلي فلا أقابله بالفاحشة في أهله (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ)209.
والتعبير عن امرأة العزيز بطريق الموصولية في قوله: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) لقصد ما تؤذن به الصلة من تقرير عصمة يوسف صلى الله عليه وسلم لأن كونه في بيتها من شأنه أن يطوعه لمرادها، وبيتها بيت سكناها الذي تبيت فيه، فمعنى هو في بيتها أنه كان حينئذ في البيت الذي هي به، ويجوز أن يكون المراد بالبيت: المنزل كله، وهو قصر العزيز، ومنه قولهم: ربة البيت، أي: زوجة صاحب الدار، ويكون معنى هو في بيتها أنه من جملة أتباع ذلك المنزل210.
ولمنع هذه الفتنة فقد حرم النبي صلى الله عليه وسلم الدخول على النساء، وذلك فيما رواه عقبة بن عامر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والدخول على النساء) فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال: (الحمو الموت)211.
والحمو أخو الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج ابن العم ونحوه، اتفق أهل اللغة على أن الاحماء أقارب زوج المرأة كأبيه وعمه وأخيه وابن أخيه وابن عمه ونحوهم، والأختان أقارب زوجة الرجل والأصهار يقع على النوعين، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: الحمو الموت، فمعناه: أن الخوف منه أكثر من غيره، والشر يتوقع منه، والفتنة أكثر لتمكنه من الوصول إلى المرأة والخلوة من غير أن ينكر عليه بخلاف الأجنبي، والمراد بالحمو هنا: أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه فأما الآباء والأبناء فمحارم لزوجته تجوز لهم الخلوة بها ولا يوصفون بالموت وإنما المراد: الأخ وابن الأخ والعم وابنه ونحوهم ممن ليس بمحرم وعادة الناس
المساهلة فيه ويخلو بامرأة أخيه، فهذا هو الموت وهو أولى بالمنع من الأجنبي212.
وكذلك ما رواه جابر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا لا يبيتن رجل عند امرأة ثيب، إلا أن يكون ناكحًا أو ذا محرم)213.
قال الإمام النووي: «ومعناه: لايبيتن رجل عند امرأة إلا زوجها أو محرم لها، قال العلماء: إنما خص الثيب لكونها التي يدخل إليها غالبًا، وأما البكر فمصونة متصونة في العادة مجانبة للرجال أشد مجانبة، فلم يحتج إلى ذكرها؛ ولأنه من باب التنبيه؛ لأنه إذا نهي عن الثيب التي يتساهل الناس في الدخول عليها في العادة، فالبكر أولى، وفي هذا الحديث تحريم الخلوة بالأجنبية وإباحة الخلوة بمحارمها، وهذان الأمران مجمع عليهما»214.
رابعًا: البيوت لا تمنع الموت:
إن البيوت لا تمنع الموت.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [آل عمران:١٥٤].
قال أبو جعفر الطبري: «يعني بذلك جل ثناؤه: قل، يا محمد، للذين وصفت لك صفتهم من المنافقين: لو كنتم في بيوتكم لم تشهدوا مع المؤمنين مشهدهم، ولم تحضروا معهم حرب أعدائهم من المشركين، فيظهر للمؤمنين ما كنتم تخفونه من نفاقكم، وتكتمونه من شككم في دينكم (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ)، أي: لظهر للموضع الذي كتب عليه مصرعه فيه، من قد كتب عليه القتل منهم، ولخرج من بيته إليه حتى يصرع في الموضع الذي كتب عليه أن يصرع فيه»215.
(ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) أي: لخرج الذين قدر الله عليهم القتل وكتبه في اللوح المحفوظ إلى مصارعهم ولم تنفعهم الإقامة بالمدينة ولم ينج منهم أحد، فإنه قدر الأمور ودبرها في سابق قضائه لا معقب لحكمه. (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [آل عمران:١٥٤].
أي: وليمتحن ما في صدوركم ويظهر سرائرها من الإخلاص والنفاق، (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ)، أي: وليكشفه ويميزه أو يخلصه من الوساوس.
(ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) بخفياتها قبل إظهارها، وفيه وعد ووعيد وتنبيه على أنه غني عن الابتلاء، وإنما فعل ذلك لتمرين المؤمنين وإظهار حال المنافقين216.
والخلاصة: إن الحذر لا يدفع القدر، والتدبير لا يقاوم التقدير فالذين قدر عليهم القتل لا بد أن يقتلوا على كل حال، وإلا انقلب علم الله جهلًا، فقتل من قتل إنما جاء لانتهاء آجالهم كما قدر ذلك فى اللوح المحفوظ، وكتب مع ذلك أنهم هم الغالبون، وأن العاقبة لهم، وأن دين الإسلام سيظهر على الدين كله.
وفى هذا ترغيب وترهيب، وتنبيه إلى أن الله غني عن الابتلاء والامتحان، وإنما يظهر ذلك على هذه الصورة لحكم يعلمها كمران المؤمنين على الصبر وتحمل المشاق وإظهار حال المنافقين؛ لأن الحقائق قد تخفى على أربابها، فينخدعون للشعور العارض بدون تمحيص ولا ابتلاء، كما انخدع الذين تمنوا الموت من قبل أن يلقوه217.
ذكر القرآن الكريم البيوت والعذاب على صور مثل: خراب البيوت وخوائها، وترك بعضها آية وعبرة، وبيان ذلك في النقاط الآتية:
أولًا: خراب البيوت:
ذكر الله تعالى خراب البيوت في قوله تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الحشر:٢].
والمعنى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) أي: في أول حشرهم من جزيرة العرب إذ لم يصبهم هذا الذل قبل ذلك، أو في أول حشرهم للقتال أو الجلاء إلى الشام، وآخر حشرهم إجلاء عمر رضي الله عنه تعالى عنه إياهم من خيبر إليه، أو في أول حشر الناس إلى الشام وآخر حشرهم أنهم يحشرون إليه عند قيام الساعة فيدركهم هناك، أو أن نارًا تخرج من المشرق فتحشرهم إلى المغرب، والحشر إخراج جمع من مكان إلى آخر، (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) لشدة بأسهم ومنعتهم، (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) أي: أن حصونهم تمنعهم من بأس الله، وتغيير النظم وتقديم الخبر وإسناد الجملة إلى ضميرهم للدلالة على فرط وثوقهم بحصانتها واعتقادهم في أنفسهم أنهم في عزة ومنعة بسببها، ويجوز أن تكون حصونهم فاعلًا لـ (ﮫ)، (ﮯ ﮰ) أي: عذابه، وهو الرعب والاضطرار إلى الجلاء، (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) لقوة وثوقهم، (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) وأثبت فيها الخوف الذي يرعبها أي: يملؤها، (ﯜ ﯝ ﯞ) ضنًّا بها على المسلمين وإخراجًا لما استحسنوا من آلاتها، (ﯟ ﯠ) فإنهم أيضًا كانوا يخربون ظواهرها نكاية وتوسيعًا لمجال القتال، وعطفها على «أيديهم» من حيث إن تخريب المؤمنين مسبب عن نقضهم، فكأنهم استعملوهم فيه218.
وقوله تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) يعني: يهود بني النضير، قاله ابن عباس ومجاهد والزهري وغير واحد: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة هادنهم وأعطاهم عهدًا وذمة على أن لا يقاتلهم ولا يقاتلوه، فنقضوا العهد الذي كان بينهم وبينه، فأحل الله بهم بأسه الذي لا مرد له، وأنزل عليهم قضاءه الذي لا يصد، فأجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم وأخرجهم من حصونهم الحصينة التي ما طمع فيها المسلمون وظنوا هم أنها مانعتهم من بأس الله، فما أغنى عنهم من الله شيئًا وجاءهم من الله ما لم يكن ببالهم، ولهذا قال تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) أي: تفكروا في عاقبة من خالف أمر الله وخالف رسوله، وكذب كتابه كيف يحل به من بأسه المخزي له في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة من العذاب الأليم219.
ثانيًا: خواء البيوت:
إن خواء البيوت من العذاب الواقع عليها قال تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [النمل:٥٢].
أي: فتلك مساكنهم خاوية خالية منهم، ليس فيها منهم أحد، قد أهلكهم الله فأبادهم بسبب ظلمهم أنفسهم بشركهم بالله وتكذيبهم رسولهم220.
(ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) أي: أن في فعلنا بثمود ما قصصناه عليك لعظة لمن كان من أولي المعرفة والعلم، فيعلم ارتباط الأسباب بمسبباتها، والنتائج بمقدماتها بحسب السنن التي وضعت فى الكون221.
«خاوية» أي: ساقطة متهدمة، لا أثر لحياة فيها.. والإشارة هنا، لفت للأنظار إلى هذه الديار الخاوية، حيث ينظر المشركون إلى حيث متجه الإشارة، فلا يرون إلا أطلالًا، يرى فيها أولو العلم وأهل النظر، آية من آيات الله، فيما يحل بالظالمين من بأسه، وما يرميهم به من عذابه222.
وقد اشتملت هذه الآيات الكريمة، ثلاثة أمور:
الأول: أنه دمر جميع قوم صالح، (ﮩ ﮪ ﮫ)، أي: خالية من السكان لهلاك جميع أهلها، (ﮬ ﮭ)، أي: بسبب ظلمهم الذي هو كفرهم وتمردهم وقتلهم ناقة الله التي جعلها آية لهم، وقال بعضهم: خاوية، أي: ساقطًا أعلاها على أسفلها.
الثاني: أنه جل وعلا جعل إهلاكه قوم صالح آية، أي: عبرة يتعظ بها من بعدهم، فيحذر من الكفر، وتكذيب الرسل، لئلا ينزل به ما نزل بهم من التدمير، وذلك في قوله: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ).
الثالث: أنه تعالى أنجى الذين آمنوا وكانوا يتقون من الهلاك والعذاب، وهو نبي الله صالح عليه السلام ومن آمن به من قومه، وذلك في قوله تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [النمل:٥٣]223.
ثالثًا: ترك بعضها آية وعبرة:
ترك الله تعالى بعض البيوت التي وقع عليها العذاب آية وعبرة: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [القصص:٥٨].
فتلك دور القوم الذين أهلكناهم بكفرهم بربهم، ومنازلهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا يقول: خربت من بعدهم، فلم يعمر منها إلا أقلها، وأكثرها خراب. ولفظ الكلام وإن كان خارجًا على أن مساكنهم قد سكنت قليلًا فإن معناه: فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا منها، كما يقال: قضيت حقك إلا قليلًا منه224.
والمعنى: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) يعني: فلم يعمر منها إلا أقلها، وأكثرها خراب، قال ابن عباس رضي الله عنه: لم يسكنها إلا المسافر ومار الطريق يومًا أو ساعة (ﯪ ﯫ ﯬ) نظيره قوله سبحانه: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [مريم:٤٠].
وقوله: (ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ) [آل عمران:١٨٠]225.
قال ابن عباس رضي الله عنه: في قوله: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [القصص:٥٨].
لم يسكنها إلا المسافرون، وماروا الطرق يومًا أو ساعة.والمعنى: لم تسكن من بعدهم إلا سكونًا قليلًا، (ﯪ ﯫ ﯬ) [القصص:٥٨].
يعني: لم يخلفهم أحد بعد هلاكهم في منازلهم، فبقيت خرابًا غير مسكونة، كقوله: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [مريم:٤٠]226.
فقوله تعالى: (ﯪ ﯫ ﯬ) أي: رجعت خرابًا ليس فيها أحد227.
ونحو الآية قوله تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [الذاريات:٣٦-٣٧].
والمعنى: وتركنا في القرية المذكورة، وهي سدوم أثرًا من العذاب باقيًا مؤرخًا لا يفنى ذكره فهو: آية أي: علامة على قدرة الله وانتقامه من الكفرة، ويحتمل أن يكون، المعنى: وتركنا في أمرها، كما قال: (ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [يوسف:٧]228.
وقوله تعالى: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [الذاريات:٣٧].
أي: جعلناها عبرة لما أنزلنا بهم من العذاب والنكال وحجارة السجيل، وجعلنا محلتهم بحيرة منتنة خبيثة، ففي ذلك عبرة للمؤمنين الذين يخافون العذاب الأليم229.
وقد عقب الله تعالى على الآيات الواردة في عذاب البيوت بأن جعلها عبرة وعظة للمعتبرين، ففي قوله تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الحشر:٢].
أي: تفكروا في عاقبة من خالف أمر الله وخالف رسوله وكذب كتابه كيف يحل به من بأسه المخزي له في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة من العذاب الأليم.
(ﯡ ﯢ ﯣ) أي: تفكروا في عاقبة من خالف أمر الله وخالف رسوله وكذب كتابه كيف يحل به من بأسه المخزي له في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة من العذاب الأليم230.
ذكر القرآن الكريم النساء والبيوت في موضوعات تتعلق بهن مثل: القرار في البيوت، والتعلم والتعليم فيها، وفي لزوم البيوت في قضاء العدة، والحبس في البيوت عند ارتكاب الفاحشة، وبيان ذلك فيما يأتي:
أولًا: القرار في البيوت:
قال تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الأحزاب:٣٣].
هذه آداب أمر الله تعالى بها نساء النبي صلى الله عليه وسلم ونساء الأمة تبع لهن في ذلك، وذلك فيما يأتي:
١. القرار في البيوت.
قال تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ) أي: الزمن فلا تخرجن لغير حاجة، ومن الحوائج الشرعية الصلاة في المسجد بشرطه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وليخرجن وهن تفلات)231.
وفي رواية (وبيوتهن خير لهن)232233.
ولهذا كانت الدعوة إليهن بالقرار في البيوت مقترنة بالدعوة بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة وإطاعة الله ورسوله، فهذا هو دأبهن في الحياة.. الاتجاه إلى الله، والعمل لما يرضي الله، ورسول الله صلى الله عليه وسلم234.
وخص تعالى الصلاة والزكاة، لأهميتهما وخطورتهما وآثارهما الكبرى، فالأولى طهارة النفس وعماد الدين، والثانية طهارة المال وطريق مقاومة الفقر، فهما عمودا الطاعة البدنية والمالية235.
(ﭶ ﭷ ﭸ) قرئت على وجهين: فقرأ المدنيان، وعاصم بفتح القاف، وقرأ الباقون بكسرها236.
فأما القراءة الأولى فتحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون من الوقار، تقول: وقر يقر وقارًا أي: سكن، وتأويلها كن أهل وقار وسكينة.
والوجه الثاني: أن يكون من القرار، تقول: قررت بالمكان (بفتح الراء) وأما قراءة أهل المدينة وعاصم، فعلى لغة العرب: قررت في المكان إذا أقمت فيه237.
ومعنى هذه الآية: الأمر بلزوم البيت، وإن كان الخطاب لنساء النبي صلى الله عليه وسلم فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى، هذا لو لم يرد دليل يخص جميع النساء، كيف والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن، والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة، فأمر الله تعالى نساء النبي صلى الله عليه وسلم بملازمة بيوتهن، وخاطبهن بذلك تشريفًا لهن238.
وبهذا تكون الآية قد طلبت من النساء القرار في البيوت والإقامة فيها مع لزوم السكينة والوقار في أقوالهن وأفعالهن عملًا بالقراءتين.
٢. النهي عن التبرج.
وهو: إظهار الزينة، وإبراز المرأة محاسنها للرجال239.
قال الشوكاني: التبرج: «أن تبدي المرأة من زينتها ومحاسنها ما يجب عليها ستره، مما تستدعي به شهوة الرجل»240.
والمقصود من الآية: مخالفة من قبلهن من المشية على تغنيج وتكسير وإظهار المحاسن للرجال، إلى غير ذلك مما لا يجوز شرعًا، وذلك يشمل الأقوال كلها ويعمها فيلزمن البيوت، فإن مست الحاجة إلى الخروج فليكن على تبذل وتستر تام241.
والجاهلية الأولى هي: القديمة التي يقال لها: الجاهلية الجهلاء، وهي الزمن الذي ولد فيه إبراهيم عليه السلام: كانت المرأة تلبس الدرع من اللؤلؤ فتمشى وسط الطريق تعرض نفسها على الرجال، وقيل: ما بين آدم ونوح عليهما الصلاة والسلام، وقيل: بين إدريس ونوح عليهما الصلاة والسلام، وقيل: زمن داود وسليمان عليهما الصلاة والسلام والجاهلية الأخرى: ما بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، ويجوز أن تكون الجاهلية الأولى: جاهلية الكفر قبل الإسلام، والجاهلية الأخرى جاهلية الفسوق والفجور في الإسلام، فكأن المعنى: ولا تحدثن بالتبرج جاهلية في الإسلام تتشبهن بها بأهل جاهلية الكفر242.
قال ابن عاشور: «والجاهلية: المدة التي كانت عليها العرب قبل الإسلام والجاهلية نسبة إلى الجاهل؛ لأن الناس الذين عاشوا فيها كانوا جاهلين بالله وبالشرائع، ووصفها بـ(الأولى) وصف كاشف؛ لأنها أولى قبل الإسلام، وجاء الإسلام بعدها ومن المفسرين من جعلوه وصفًا مقيدًا، وجعلوا الجاهلية جاهليتين، فمنهم من قال: الأولى هي: ما قبل الإسلام، وستكون الجاهلية أخرى بعد الإسلام يعني: حين ترتفع أحكام الإسلام والعياذ بالله، ومنهم من قال: الجاهلية الأولى هي القديمة من عهد ما قبل إبراهيم عليه السلام ولم يكن للنساء وازع ولا للرجال، ووضعوا حكايات في ذلك مختلفة أو مبالغًا فيها أو في عمومها، وكل ذلك تكلف دعاهم إليه حمل الوصف على قصد التقييد»243.
ثانيًا: التعلم والتعليم:
دل قوله تعالى: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [الأحزاب:٣٤].
على التعلم والتعليم للنساء أنه يكون في البيوت.
يقول تعالى ذكره لأزواج نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: واذكرن نعمة الله عليكن؛ بأن جعلكن في بيوت تتلى فيها آيات الله والحكمة، فاشكرن الله على ذلك، واحمدنه عليه، وعني بقوله (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ): واذكرن ما يقرأ في بيوتكن من آيات كتاب الله والحكمة، ويعني بالحكمة: ما أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحكام دين الله، ولم ينزل به قرآن، وذلك السنة244.
ولفظ (الذكر) هنا يحتمل مقصدين كلاهما موعظة وتعديد نعمة: أحدهما: أن يريد (ﮒ)، أي: تذكرنه واقدرنه قدره وفكرن في أن من هذه حاله ينبغي أن تحسن أفعاله، والآخر: أن يريد (ﮒ) بمعنى: احفظن واقرأن والزمنه الألسنة، فكأنه يقول: واحفظوا أوامر الله ونواهيه، وذلك هو الذي يتلى في بيوتكن من آيات الله، وذلك مؤد بكن إلى الاستقامة245.
وهذا حث لهن على حفظ القرآن والأخبار، ومذاكرتهن بهما للإحاطة بحدود الشريعة، والخطاب وإن اختص بهن فغيرهن داخل منه؛ لأن مبنى الشريعة على هذين القرآن والسنة، وبهما يؤقت على حدود الله ومفترضاته (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) بأوليائه، (ﮠ) بجميع خلقه246.
ثالثًا: العدة:
نهى الله تعالى الرجال عن إخراج المطلقات من البيوت، كما نهى المطلقات عن الخروج باختيارهن.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [الطلاق:١].
والمعنى: لا تخرجوهن من بيوتهن، (ﭣ ﭤ) أي: لا تخرجوا المطلقات من بيوتهن في مدة العدة، فلكل امرأة معتدة حق السكنى على الزوج، ما دامت معتدة منه، فليس للرجل أن يخرجها، ولا يجوز لها أيضًا الخروج، فليس للمعتدات الزوجات الخروج من تلك البيوت ما دمن في العدة إلا لأمر ضروري، رعاية لحق الزوج، فإذا خرجت المعتدة لغير ضرورة ليلًا أو نهارًا، كان الخروج حرامًا.
وفيه دليل على وجوب السكنى للزوجات المطلقات أو المعتدات ما دمن في العدة، وأضاف البيوت إليهن، وهي لأزواجهن لتأكيد النهي عن الإخراج والخروج، ببيان كمال استحقاقهن للسكنى، كأنها ملك لهن247.
وقد جعل الله لهن هذا الحق ما لم يأتين بفاحشة، والمعنى: أي لا يخرجن من بيوتهن إلا أن ترتكب المرأة فاحشة مبينة فتخرج من المنزل، والفاحشة المبينة تشمل الزنا، كما قاله ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن المسيب والشعبي، والحسن وابن سيرين ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وأبو قلابة، وأبو صالح والضحاك وزيد بن أسلم وعطاء الخراساني والسدي وسعيد بن أبي هلال وغيرهم، وتشمل ما إذا نشزت المرأة أو بذت على أهل الرجل وآذتهم في الكلام والفعال، كما قاله أبي بن كعب وابن عباس وعكرمة وغيرهم.
وقوله تعالى: (ﭫ ﭬ ﭭ) أي: شرائعه ومحارمه، (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) أي: يخرج عنها ويتجاوزها إلى غيرها ولا يأتمر بها، فقد ظلم نفسه أي بفعل ذلك248.
رابعًا: الإمساك في البيوت:
كان من حكم النساء اللاتي يأتين بالفاحشة ما ورد في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [النساء:١٥].
قال ابن كثير: «كان الحكم في ابتداء الإسلام أن المرأة إذا ثبت زناها بالبينة العادلة، حبست في بيت فلا تمكن من الخروج منه إلى أن تموت، ولهذا قال (ﭑ ﭒ ﭓ) يعني: الزنا من نسائكم (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [النساء:١٥].
فالسبيل الذي جعله الله هو الناسخ لذلك، قال ابن عباس رضي الله عنه: كان الحكم كذلك حتى أنزل الله سورة النور فنسخها بالجلد أو الرجم، وكذا روي عن عكرمة، وسعيد بن جبير والحسن وعطاء الخراساني وأبي صالح وقتادة وزيد بن أسلم والضحاك: أنها منسوخة، وهو أمر متفق عليه»249.
قال الرازي: «واعلم أنه كان في أول الإسلام عقوبة الزاني الحبس إلى الممات في حق الثيب، والأذى بالكلام في حق البكر، ثم نسخ ذلك فجعل حد الزنا على الثيب الرجم وحد البكر الجلد والتغريب»250، والحجة عليه: حديث عبادة ابن الصامت رضي الله عنه:(خذوا عني خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلًا: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة )251252.
موضوعات ذات صلة: |
الاستئذان، بيت النبوة، العذاب، الفتنة |
1 مقاييس اللغة١/٣٢٤.
2 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ١٤/٢٣٨.
3 المفردات ص١٥١.
4 أحكام القرآن ٣/١٤٨.
5 الجامع لأحكام القرآن ٦/٣٢٥.
6 روح البيان ٤/٤٨٣.
7 التحرير والتنوير ١/٧٠٨.
8 انظر: المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، ص٣٤٧-٣٤٨.
9 انظر: بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي، ٢/١٩٦-١٩٧، نزهة الأعين النواظر، ابن الجوزي، ص٢٠٧.
10 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١١/٦٥٦، المصباح المنير، الفيومي١/٢٠٦، تاج العروس، الزبيدي٣٠/٤٧٨.
11 انظر: أنيس الفقهاء، القونوي ص٧٨.
12 انظر: المغرب في ترتيب المعرب، الخورازمي ص٤٦١.
13 انظر: المحكم، ابن سيده ٩/٤١٨، لسان العرب، ابن منظور ٤/ ٢٩٨.
14 انظر: الكليات، الكفوي ص٢٣٩.
15 انظر: دستور العلماء، القاضي نكري٢/٦٩.
16 انظر: جمهرة اللغة، ابن دريد٢/٨٥٦.
17 انظر: لسان العرب، ابن منظور١٣/٢١٢، المصباح المنير، الفيومي ١/٦٧.
18 انظر: القاموس الفقهي، سعدي أبو جيب ص٤٣.
19 انظر: معجم لغة الفقهاء، محمد قلعجي وحامد قنيبي ص٤٢٩.
20 انظر: لسان العرب، ابن منظور١٤/٥٢، تاج العروس، الزبيدي ٣٧/١١٥.
21 انظر: الصحاح ٦/٢٢٧٤.
22 انظر: الكليات، الكفوي ص٨٠٣، روح المعاني، الألوسي ١١/١٣١.
23 انظر: المفردات، الراغب ص٥٨٦.
24 انظر: المصباح المنير، الفيومي ٢/٤٢٩.
25 انظر: معجم لغة الفقهاء، محمد قلعجي وحامد قنيبي ص٣٢١.
26 انظر: المفردات، الراغب ص٢٧٧.
27 مقاييس اللغة٢/١٧٤.
28 انظر: التوقيف، المناوي ص١٥٤.
29 مقاييس اللغة٢/٢٢٥.
30 انظر: لسان العرب، ابن منظور١٤/٢٤٥.
31 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٣/٢٩٠، فتح القدير، الشوكاني١/٣٢٠.
32 جامع البيان ٦/٢٢.
33 أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٣/٧٠٧.
34 انظر: جامع البيان، الطبري ٣/١٩٩.
35 تفسير المراغي ٤/٩.
وانظر: جامع البيان، الطبري٦/٣٧، معالم التنزيل، البغوي ١/٤٧٣.
36 انظر: جامع البيان، الطبري ٦/٣٧، الوسيط، الواحدي ١/٤٦٧.
37 انظر: تفسير القرآن، السمعاني ٣/٥٣٤.
38 انظر: جامع البيان، الطبري ١٩/١٩٢، الوسيط، الواحدي ٣/٣٢١.
39 انظر: جامع البيان، الطبري ١٥/١٧١.
40 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٣/٣٠.
41 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ٦/٥٦.
42 انظر: تفسير المراغي ١٩/٣٧.
43 أخرجه البخاري في صحيحه ، كتاب الصلاة، باب كراهية الصلاة في المقابر، رقم٤٣٢، ١/٩٤، ومسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة النافلة في بيته، رقم٧٧٧، ١/٥٣٨.
44 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب صلاة الليل، رقم٧٣١، ١/١٤٧، ومسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة النافلة في بيته، رقم ٧٨١، ١/٥٣٩.
45 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٨/١٩٦.
46 انظر: الوسيط، الزحيلي ٢/١٧٤٤.
47 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الديات، باب من اطلع في بيت قوم ففقئوا عينه، رقم ٦٩٠٢، ٩/١١.
48 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الآداب، باب تحريم النظر في بيت غيره، رقم ٢١٥٨، ٣/١٦٩٩.
49 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الزهد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في الزهادة في الدنيا، رقم ٢٣٤٦، ٤/٥٧٤، وابن ماجه في سننه، كتاب الزهد، باب القناعة، رقم ٤١٤١، ٢/١٣٨٧.
والحديث حسنه الترمذي، والألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته رقم٦٠٤٢، ٢/١٠٤٤.
50 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٤/٤٩.
51 انظر: تفسير المراغي ٤/٨.
52 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٢/٦٨.
53 انظر: الهداية، مكي بن أبي طالب ٦/٤٠٥٨.
54 انظر: الوسيط، الواحدي ٣/٧٦.
55 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٥٠٧.
56 في ظلال القرآن ٤/٢١٨٦.
57 انظر: التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ٧/٣٣٦.
58 انظر: الأشباه والنظائر، ابن نجيم ص٧٢.
59 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ٢٠٦٩٥، ٣٤/٢٩٩، والبيهقي في السنن الكبرى، رقم ١٦٧٥٦، ٨/٣١٦.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٧٦٦٢، ٢/١٢٦٨.
60 انظر: الوسيط، طنطاوي ١٠/١٥٦.
61 الوسيط، الواحدي ٣/٣٢٩.
62 انظر: الوسيط، طنطاوي١٠/١٥٦.
63 انظر: المصدر السابق.
64 انظر: الوسيط، الواحدي ٣/٣٢٩.
65 انظر: الوسيط، طنطاوي١٠/١٥٦.
66 انظر: الوسيط، الواحدي٣/٣٢٩.
67 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٧٩.
68 المصدر السابق.
وانظر: الوسيط، الواحدي٣/٣٢٩.
69 انظر: نظم الدرر، البقاعي ٤/٤٠٦.
70 انظر: الوسيط، طنطاوي ٢/١١٥.
71 انظر: تفسير الشعراوي ١٨/١١٢٥١.
72 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٢/٤٥٥، الوسيط، الواحدي٤/١٨٤، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٧/٣٩٨.
73 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات، وفرض الصلوات، رقم ١٦٢، ١/١٤٥.
74 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، رقم ٣٢٠٧، ٤/١١١، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات، وفرض الصلوات، رقم ١٦٢، ١/١٤٥.
75 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٢/٤٥٥، الوسيط، الواحدي٤/١٨٤، تفسير القرآن، السمعاني٥/٢٦٧، زاد المسير، ابن الجوزي٤/١٧٥.
76 انظر: تفسير القرآن، السمعاني ٥/٢٦٧، زاد المسير، ابن الجوزي ٤/١٧٥، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٧/٦٠.
77 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٥/٣٧٨، تفسير القرآن، السمعاني ٥/٢٦٧، زاد المسير، ابن الجوزي ٤/١٧٥.
78 جامع البيان، الطبري ٢٢/٤٥٤.
79 النكت والعيون ٥/٣٧٨.
80 سبق تخريجه قريبًا.
81 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ٤/١٧٦، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٣٩٨.
82 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٣٩٨.
83 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي ٣/١١٥، معالم التنزيل، البغوي ١/٤٧٢، الكشاف، الزمخشري٣/١٥١.
84 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي ٣/١١٥، معالم التنزيل، البغوي ١/٤٧٢، الكشاف، الزمخشري ٣/١٥١.
85 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٣/٢٢٦، الوسيط، الواحدي ٣/٩٤.
86 انظر: جامع البيان، الطبري ١٧/٣٣٣.
87 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي ٦/٥٥.
88 تفسير القرآن العظيم ٥/٤٥.
وانظر: جامع البيان، الطبري ١٧/٣٨٨، النكت والعيون الماوردي ٣/٢٣١.
89 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: (واتخذ الله إبراهيم خليلا)، رقم٣٣٦٦، ٤/١٤٥، ومسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، رقم٥٢٠، ١/٣٧٠.
90 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية١/٤٧٤، البحر المحيط، أبو حيان٣/٢٦٨، التحرير والتنوير، ابن عاشور١٥/١٦.
91 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٤/١٣٧، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٥/١٦.
92 أخرجه النسائي في سننه، كتاب المساجد، فضل المسجد الأقصى والصلاة فيه، رقم٦٩٣، ٢/٣٤.
والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته، رقم٢٠٩٠، ١/٤٢٠.
93 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ١/٤٧٤ البحر المحيط، أبو حيان ٣/٢٦٨ التحرير والتنوير، ابن عاشور١٥/١٦.
94 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجمعة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، رقم١١٨٩، ٢/٦٠، ومسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، رقم١٣٩٧، ٢/١٠١٤.
95 النكت والعيون ٤/١٠٦.
وانظر: الوسيط، الواحدي٣/٣٢١.
96 الوسيط، الواحدي٤/٣٦٧.
وانظر: النكت والعيون، الماوردي٦/١١٩.
97 النكت والعيون، الماوردي٢/٣٤٧.
98 التفسير المنير، الزحيلي١٠/١٣٥.
99 انظر: التفسير المنير، الزحيلي١٠/١٣٨.
100 مفاتيح الغيب ٤/١٣.
101 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا، وترفع به الدرجات، رقم٦٦٦، ١/٤٦٢.
102 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الذكر والدعاء، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر، رقم٢٦٩٩، ٤/٢٠٧٤.
103 التحرير والتنوير، ابن عاشور٩/٢٦٣، وانظر: النكت والعيون، الماوردي٢/٢٩٥.
104 الوسيط، الزحيلي٣/٢٠٨٢، وانظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٦/٣٩٩، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٧٠.
105 الوسيط، الزحيلي٣/٢٠٨٣.
106 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٦/٣٦٣.
107 النكت والعيون، الماوردي٤/٤٠١.
108 انظر: الوسيط، الواحدي ٢/٤٦٠، لباب التأويل، الخازن٤/٩٨، بيان المعاني، العاني٤/٣٧.
109 انظر في بقية الأقوال وأدلتها: المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٣٨٤، فتح القدير، الشوكاني٤/٣٢٣.
110 المحرر الوجيز٤/٣٨٤.
111 فتح القدير٤/٣٢٣.
112 انظر: الكشاف، الزمخشري٤/٦٢١.
113 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية٥/٣٧٧.
114 انظر: معالم التنزيل، البغوي٢/٤٥٧، لباب التأويل، الخازن٢/ ٤٩٤.
115 انظر: جامع البيان، الطبري١٥/٤٠٥.
116 انظر: الوسيط، الواحدي٤/١٧٨.
117 انظر: جامع البيان، الطبري١٥/١٧٥.
118 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج٣/٣٠.
119 الوسيط، الواحدي٢/٥٥٦.
120 انظر: تفسير المراغي٨/١٩٩.
121 جامع البيان ١٩/٤٨٠.
122 جامع البيان ١٨/٣٩٧.
123 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٦/٣٣٢.
124 انظر: تفسير المراغي١٢/١٣٠.
125 جامع البيان، الطبري٢٠/ ٣٨.
126 تفسير القرآن العظيم٦/٢٥٢.
127 تفسير القرآن، السمعاني٣/١٨٥.
128 مفاتيح الغيب ٢٠/٢٣٦.
129 القرآن وإعجازه العلمي، محمد إسماعيل إبراهيم ص١٥١.
130 تفسير السمرقندي٢/٥٧٦.
وانظر: الهداية، مكي بن أبي طالب ٨/٥٣٨٦.
131 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ٦/٦٠٠.
132 تفسير المراغي٥/١٣٤.
133 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقم١، ١/٦، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنية»، رقم١٩٠٧، ٣/١٥١٥.
134 تفسير المراغي٥/١٣٥.
135 جامع البيان، الطبري٩/١١٩.
136 إعراب القرآن، النحاس١/٢٣٥.
137 جامع البيان٩/١٢٢.
138 الكشف والبيان، الثعلبي٦/٢٨٣.
139 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٦/٢٤٦.
140 مدين: اسم بلاد ذكر في القرآن، وكانت تمثل إقليمًا كبيرًا وواسعًا، وكانت تقع في شمال غرب الجزيرة العربية بين تبوك والبحر الأحمر، وتعرف اليوم باسم: البدع، وهي بلدة بين تبوك وساحل البحر الأحمر على بعد١٣٢كيلًا غرب تبوك، وشرق رأس الشيخ حميد، على البحر، بمسافة٧٠كيلًا، وهي تابعة لمنطقة تبوك التي تقع شمال غرب المملكة العربية السعودية.
انظر: معجم المعالم الجغرافية، عاتق البلادي ص٢٨٤، أطلس تاريخ الأنبياء والرسل، سامي الملغوث ص ١٣٩.
141 معالم التنزيل، البغوي٣/ ٥٢٨.
142 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه، رقم٢٣٨١، ٤/١٨٥٤، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
143 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/١٣٦.
144 النكت والعيون، الماوردي٢/٢٩٥.
145 جامع البيان، الطبري١٤/٢٥١.
146 المصدر السابق ١٤/٢٦٢.
147 معاني القرآن وإعرابه، الزجاج٢/٤٤٩.
148 معالم التزيل، البغوي٢/٣٥٣.
149 الوسيط، طنطاوي١٤/٣٢٣.
150 معاني القرآن وإعرابه، الزجاج٢/٤٤٩.
151 الوسيط، الواحدي٢/٥٠٠.
152 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي٨/١٥٦.
153 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٣٣٩.
154 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٤/١٦٩.
155 لباب التأويل، الخازن٢/٣٩١.
156 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير١/٥٤٢.
157 المصدر السابق٢/٣٤٨.
158 أحكام القرآن، ابن العربي١/٦١٣، بيان المعاني، عبد القادر العاني٤/٥٠٠.
159 بيان المعاني، عبد القادر العاني٤/٥٠٠.
160 أحكام القرآن، ابن العربي١/٦١٣.
161 المصدر السابق١/٦١٣.
162 بيان المعاني، عبد القادر العاني٤/ ٥٠٠.
163 جامع البيان، الطبري٤/١٦٥.
164 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي٥/٣٥١.
وانظر: الجواهر الحسان، الثعالبي١/٣٧٤.
165 أحكام القرآن، ابن العربي١/٦١٣.
166 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب في فضل الحب في الله، رقم٢٥٦٧، ٤/١٩٨٨.
167 بيان المعاني، عبد القادر العاني٤/٥٠٠.
168 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجمعة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، رقم١١٨٩، ٢/٦٠، ومسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، رقم١٣٩٧، ٢/١٠١٤.
169 بيان المعاني، عبد القادر العاني ٤/٥٠٠.
وانظر: أحكام القرآن، ابن العربي١/٦١٢.
170 مفاتيح الغيب، الرازي ١٤/٢٢٩.
171 الكشاف ٢/١٠٠.
172 البحر المحيط ٥/٤١.
173 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد، باب المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا، وترفع به الدرجات، رقم٦٦٦، ١/٤٦٢.
174 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب التيمن في دخول المسجد وغيره، رقم٤٢٦، ١/٩٣.
175 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يقول إذا دخل المسجد، رقم٧١٣ ، ١/٤٩٤.
176 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس، رقم٤٤٤، ١/٩٦.
177 مفاتيح الغيب، الرازي٤/١٥.
178 زاد المعاد ٢/٢٠٨.
179 نيل الأوطار، الشوكاني ٣/٨٥.
180 أخرجه أحمد في مسنده ، رقم١٥٤٢٣، ٢٤/١٤٩، والنسائي في سننه، كتاب مناسك الحج، باب إباحة الكلام في الطواف، رقم٢٩٢٢، ٥/٢٢٢.
والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته رقم٣٩٥٤ ، ٢/٧٣٣.
181 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب رفع الصوت في المساجد، رقم٤٧٠، ١/١٠١.
182 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن نشد الضالة في المسجد وما يقوله من سمع الناشد، رقم ٥٦٨، ١/٣٩٧.
183 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب كفارة البزاق في المسجد، رقم٤١٥، ١/٩١.
184 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب ما جاء في الثوم الني والبصل والكراث، رقم ٨٥٣، ١/١٧٠.
185 تفسير المراغي٢٢/٢٨.
186 المصدر السابق٢٢/ ٢٩.
187 المصدر السابق٢٢/٣٠.
188 معاني القرآن وإعرابه، الزجاج١/٢٦٢.
وانظر: البحر المحيط، أبو حيان٢/٢٣٧.
189 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٦/٣٣.
190 جامع البيان، الطبري ١٩/١٤٩.
191 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون، رقم ٥٤، ١/٧٤.
192 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، رقم١٠، ١/١١، من حديث عبدالله ابن عمرو رضي الله عنه، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان تفاضل الإسلام، وأي أموره أفضل، رقم٤١، ١/٦٥، من حديث جابر رضي الله عنه.
193 مفاتيح الغيب، الرازي١٠/١٦٣.
194 التفسير المنير، الزحيلي١٨/٣٠٩.
195 أحكام القرآن٣/٤٢٧.
196 أخرجه الحاكم في المستدرك ، رقم٣٥١٤، ٢/٤٣٤.
قال الحاكم: «صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه» ولم يتعقبه الذهبي.
197 أحكام القرآن ٣/٤٢٦.
198 جامع البيان ١٩/٢٢٧.
199 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب ما يقول الرجل إذا دخل بيته، رقم٥٠٩٦، ٤/٣٢٥.
والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته، رقم ٨٣٩، ١/٢٠٦.
200 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الطهارة، باب السواك، رقم٢٥٣، ١/٢٢٠.
201 تفسير المراغي١٩/٩١.
202 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٦/١٤٠.
وانظر: الوسيط، الواحدي٣/٣٦٠، لباب التأويل، الخازن ٣/٣٣٠، مدارك التنزيل، النسفي٢/٥٧٦.
203 جامع البيان، الطبري١٧/١٢٧.
204 المحرر الوجيز٣/٣٧٢.
205 البحر المحيط، أبو حيان٥/٩٣.
206 محاسن التأويل، القاسمي٥/١٢٧.
وانظر: جامع البيان، الطبري١٢/٥٠٦، مفاتيح الغيب، الرازي١٤/٣٠٦.
207 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٦/٣٤٨.
208 انظر: جامع البيان، الطبري٢٠/٢٢٦، معاني القرآن وإعرابه، الزجاج٤/٢١٩، الوسيط، طنطاوي ١١/١٨٤.
209 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٤/٣٢٥.
210 التحرير والتنوير، ابن عاشور١٢/٢٥٠.
211 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم، والدخول على المغيبة، رقم٥٢٣٢، ٧/٣٧، ومسلم في صحيحه، كتاب الآداب، باب تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها، رقم٢١٧٢، ٤/١٧١١.
212 شرح صحيح مسلم ١٤/١٥٤.
213 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الآداب، باب تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها، رقم٤/١٧١٠، ٢١٧١.
214 شرح صحيح مسلم١٤/١٥٣.
215 جامع البيان، الطبري٧/٣٢٤.
216 أنوار التنزيل، البيضاوي٢/٤٤.
217 تفسير المراغي٤/١٠٥.
218 أنوار التنزيل، البيضاوي٥/١٩٨.
219 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٨/٨٦.
220 انظر: جامع البيان، الطبري١٩/٤٨٠.
221 انظر: تفسير المراغي١٩/١٤٩.
222 انظر: التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب١٠/٢٥٦.
223 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي٦/١٢٠.
224 انظر: جامع البيان، الطبري١٩/٦٠٣.
225 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي٧/٢٥٦.
226 انظر: الوسيط، الواحدي٣/٤٠٤.
227 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٦/٢٢٣.
228 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية٥/١٧٩.
229 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٧/٣٩٤.
230 انظر: المصدر السابق ٨/٨٦.
231 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجمعة، باب هل على من لم يشهد الجمعة غسل من النساء والصبيان وغيرهم؟، رقم٩٠٠، ٢/٦، ومسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة، وأنها لا تخرج مطيبة، رقم٤٤٢، ١/٣٢٧.
232 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ٥٤٦٨، ٩/٣٣٧، وأبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد، رقم٥٦٧١/١٥٥، والحاكم في مستدركه ، رقم٧٥٥، ١/٣٢٧.
والحديث صححه الحاكم، والألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته رقم٧٤٥٨، ٢/١٢٤٢.
233 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٦/٣٦٣.
234 التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب١١/٧٠٦.
235 التفسير المنير، الزحيلي٢٢/١٠.
236 انظر: النشر في القراءات العشر، ابن الجزري ٢/٣٤٨.
237 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٤/١٧٨.
238 انظر: المصدر السابق ١٤/١٧٩.
239 انظر: جامع البيان، الطبري٢٠/٢٦٠.
240 فتح القدير٤/٣٢٠.
241 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٤/١٨٠.
242 انظر: الكشاف، الزمخشري٣/٥٣٧.
243 التحرير والتنوير٢٢/١٣.
244 انظر: جامع البيان، الطبري٢٠/٢٦٧.
245 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية٤/٣٨٤.
246 انظر: الوسيط، الواحدي٣/٤٧٠.
247 انظر: التفسير المنير، الزحيلي٢٨/٢٦٨.
248 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٨/١٦٦.
249 تفسير القرآن العظيم٢/٢٠٤، وانظر: نواسخ القرآن لابن الجوزي٢/٣٥٥.
250 مفاتيح الغيب ٢٣/٣٠٥.
251 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحدود، باب حد الزنى، رقم١٦٩٠، ٣/١٣١٦.
252 انظر: تفسير القرآن، السمعاني١/٤٠٦.