عناصر الموضوع
التدبّر
أولًا: المعنى اللغوي:
أصل مادة (دب ر) تدل على آخر الشّيء وخلفه، فمعظم الباب أنّ الدّبر خلاف القبل، ودابرت فلانًا: عاديته، وذلك أن يترك كلّ واحدٍ منهما الإقبال على صاحبه بوجهه، ورجلٌ أدابرٌ: يقطع رحمه؛ وذلك أنّه يدبر عنها ولا يقبل عليها1.
والتدبير: أن يعتق الرجل عبده عن دبر، وهو أن يعتق بعد موته، والتّدبير أيضًا: أن يدبّر الإنسان أمره، وذلك أنّه ينظر إلى ما تصير عاقبته، ودُبُره يعني: آخره2.
وتدبّر الكلام: النظر في أوله وآخره، ثم إعادة النظر مرة بعد مرة؛ ولهذا جاء على وزن التفعّل كالتجرّع والتفهّم والتبيّن3، ودبّر الأمر أي: فعله بعناية وعن فكر ورويّة، أو نظر فيه وصرّفه على ما يريد4.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
قال الجرجاني: «التدبر: عبارة عن النظر في عواقب الأمور»5.
أما ابن القيم فعرّفه: «تحديق ناظر القلب إلى معانيه، وجمع الفكر على تدبّره وتعقّله»6 .
وقيل في معناه: هو التفكر الشامل الموصل إلى أواخر دلالات الكلم ومراميه البعيدة7.
وقيل: هو تفهّم معاني ألفاظ القرآن والتفكر فيما تدل عليه آياته، وما دخل في ضمنها وما لا تتم إلا به، مما لم يعرّج اللفظ على ذكره من الإشارات والتنبيهات وانتفاع القلب بذلك بخشوعه عند مواعظه وخضوعه لأوامره، وأخذ العبرة منه8.
فبهذا تتضح العلاقة بين المعنيين اللغوي والاصطلاحي، إذا خص التدبر في المعنى الاصطلاحي بالتفكر والتأمل في كلام الله تعالى.
وردت مادة (دبر) في القرآن الكريم (٤٤) مرة، ويخص مادة التدبر منها (٤) مرات9.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل المضارع |
٤ |
(ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [ص:٢٩] |
وجاء التدبر في الاستعمال القرآني بمعناه اللغوي، وهو: التفكر والنظر في أدبار الأمور10.
التفسير:
التفسير لغةً:
هو بيان الشيء وإيضاحه. من ذلك الفسر، يقال: فسرت الشيء وفسّرته11.
التفسير اصطلاحًا:
«علم يبحث فيه عن القرآن الكريم من حيث دلالته على مراد الله تعالى بقدر الطاقة البشرية»12.
الصلة بين التدبّر والتفسير:
إن التدبر لا يكون إلا بعد معرفة التفسير الصحيح للآية، وأن المقصود الأصلي للتفسير هو: بيان معاني كلام الله تعالى، ومقصود التدبر هو: الاتعاظ والاعتبار.
التأويل:
التأويل لغةً:
التأويل من (الأول)، أي: الرجوع إلى الأصل، ومنه: (الموئل) للموضع الذي يرجع إليه، وذلك هو ردّ الشيء إلى الغاية المرادة منه، علمًا كان أو فعلًا13، وقيل: من (الإيالة)، وهي السياسة، كأن المؤول للكلام يسوسه ويضع المعنى في موضعه14.
التأويل اصطلاحًا:
عند السلف المتقدمين: كانوا يطلقون مصطلح التأويل على التفسير، وعند المتأخرين: (التأويل): هو صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى يحتمله، بما لا يخالف نصًّا من كتاب الله سبحانه و تعالى ولا سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم 15.
الصلة بين التدبّر والتأويل:
على اعتبار أن التأويل بمعنى التفسير، فيكون الفرق بين التدبر والتأويل نفس الكلام المذكور سابقًا، أما على المعنى الثاني، فيلتقي التأويل مع التدبر في الغايات والمقاصد، لكن التدبر لعامة المؤمنين، والتأويل لأهل العلم والنظر.
الاستنباط:
الاستنباط لغةً:
كلمة تدل على استخراج شيء. واستنبطت الماء: استخرجته، والماء نفسه إذا استخرج نبط. ويقال: إنّ النّبط سموا به لاستنباطهم المياه16.
الاستنباط اصطلاحًا:
هو استخراج ما خفي من النص بطريق صحيح17.
الصلة بين التدبّر و الاستنباط:
إن التدبر أصل الاستنباط، فلا يمكن الاستنباط من النص قبل تدبّره، وأن التدبّر يعم العلماء وغيرهم؛ لأنه متوجه للمقاصد الأصلية للقرآن، والاستنباط خاصٌّ بأولي العلم فقط؛ لأنه يكون لدقائق الأمور.
التفكّر:
التفكّر لغةً:
تردد القلب في الشيء. يقال: تفكر إذا ردّد قلبه معتبرًا. ورجل فكّير: كثير الفكر18.
التفكّر اصطلاحًا:
تصرّف القلب في معاني الأشياء؛ لدرك المطلوب، وقيل: هو إحضار ما في القلب من معرفة الأشياء19.
الصلة بين التدبّر والتفكّر:
إن التدبر: تصرّف القلب بالنظر في العواقب. والتفكر: تصرّف القلب بالنظر في الدلائل. وأن التفكر أظهر في النظر في الآيات الكونية الواقعة والمشاهدة، أما التدبر فهو أظهر في النظر في الآيات القرآنية20.
إنّ التدبّر في القرآن هو الغاية الأسمى من نزوله، حيث قال سبحانه وتعالى: ﮋﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﮊ [ص: ٢٩].
وهذا ما دعا العلماء إلى البحث في موضوع التدبر، ومعرفة مقاصد وأهداف التدبر، ولمعرفة مقاصد وأهداف التدبّر نعرضها فيما يلي:
أولًا: زيادة الإيمان:
إنّ أهم مقصد من مقاصد التدبر في القرآن الكريم، هو أنه عندما يتلى القرآن الكريم بتدبّر، يشعر القارئ بزيادة الإيمان في قلبه، بل إن مقياس التدبر يعرف بزيادة الإيمان، فإذا كان المسلم يشعر بزيادة في إيمانه فإنه يتدبّر القرآن، حيث يقول ربنا سبحانه وتعالى: ﮋﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﮊ [الأنفال: ٢].
ويقول الإمام السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية: «ووجه ذلك أنهم يلقون له السمع ويحضرون قلوبهم لتدبره، فعند ذلك يزيد إيمانهم؛ لأن التدبر من أعمال القلوب؛ ولأنه لابد أن يبيّن لهم معنًى كانوا يجهلونه، أو يتذكرون ما كانوا نسوه، أو يحدث في قلوبهم رغبة في الخير، واشتياقًا إلى كرامة ربهم، أو وجلًا من العقوبات، وازدجارًا عن المعاصي، وكل هذا مما يزداد به الإيمان»21.
والمراد بـ (زيادة الإيمان): هي زيادة انشراح الصدر، وطمأنينة القلب، وانثلاج الخاطر عند تلاوة الآيات22، وقوة اليقين في نفس الموقن، فتلك القوة هي المعبّر عنها بالزيادة، وتفاوتها تدرج في الزيادة، ويجوز أن تسمى: قلة التدرج في الأدلة نقصًا، لكنه نقص عن الزيادة، وذلك مع مراعاة وجود أصل حقيقة الإيمان؛ لأنها لو نقصت عن اليقين لبطلت ماهية الإيمان، وقد أشار البخاري رحمه الله إلى هذا بقوله: (باب زيادة الإيمان ونقصانه)23، فإذا ترك شيئًا من الكمال فهو ناقص، وهذا هو المراد من وصف الإيمان بالزيادة24.
وجاء التعبير بصيغة الفعل المبنى للمفعول في قوله: ﮋﭫ ﭬ ﮊ، ﮋﭰ ﭱ ﭲ ﮊ؛ للإيذان بأن هؤلاء المؤمنين الصادقين إذا كانوا يخافون، ويزداد إيمانهم عندما يسمعون من غيرهم آيات الله، فإنهم يكونون أشد خوفًا، وأكثر زيادةً للإيمان عند ذكرهم لله، وعند تلاوتهم لآياته بألسنتهم وقلوبهم. فالمقصود من هذه الصيغة: مدحهم، والثناء عليهم، وبيان الأثر الطيب الذي يترتب على ذكر الله، وعلى تدبر آياته25.
والقلب المؤمن يجد في آيات القرآن ما يزيده إيمانًا، وما ينتهي به إلى الاطمئنان، فالقرآن يتعامل مع القلب البشري بلا وساطة، ولا يحول بينهما شيء إلا الكفر الذي يحجبه عن القلب، ويحجب القلب عنه، فإذا رفع هذا الحجاب بالإيمان وجد القلب حلاوة هذا القرآن، ووجد في آياته المتكررة زيادة في الإيمان تبلغ إلى الاطمئنان26.
وكان المؤمنون إذا أنزلت سورة من القرآن ازدادوا إيمانًا وتصديقًا وإقرارًا؛ حيث يقول ربنا سبحانه وتعالى: ﮋﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﮊ [التوبة: ١٢٤].
وذلك لا يكون إلا بعد التدبر في هذه السورة، ولعل المسلمين كانوا إذا سمعوا القرآن قالوا: قد ازددنا إيمانًا، كقول معاذ بن جبل للأسود بن هلال رضي الله عنهما: (اجلس بنا نؤمن ساعة)27، يعني: بمذاكرة القرآن والتدبر في آياته28، والتعبير في الآية بقوله: ﮋﭲﮊ يدل على أن أعظم آثار القرآن هو الإيمان، وذلك لا يكون إلا بالتدبر، فالإيمان إذًا مقصد من مقاصد المتدبر للقرآن، فعندما تفهم ما تقرأ وتستشعر عظمة الخطاب الموجّه إليك، فإن ذلك يزيد من إيمانك بربك، ويجعلك مستبشرًا بعظيم فضله ومنته، بعكس المنافق المعرض صاحب القلب المريض؛ إذ لا تزيده السورة إلا شكًّا وإعراضًا.
ومن علامات زيادة الإيمان الناتجة عن تدبر القرآن: البكاء من خشية الله، ومن ذلك قوله تعالى: ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﮊ [المائدة: ٨٣].
والقشعريرة خوفًا من الله تعالى، ثم غلبة الرجاء والسكينة، ومن ذلك قوله تعالى: ﮋﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼﮊ [الزمر: ٢٣].
ومن العلامات أيضًا: السجود تعظيمًا لله عز وجل وزيادة الخشوع، ومن ذلك قول الله عز وجل: ﮋﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮊ [الإسراء: ١٠٧ -١٠٩].
ثانيًا: العمل الصالح:
إنّ المقصد الثاني من مقاصد تدبر القرآن، هو العمل الصالح، والامتثال لأمر الله ونهيه، وهو ثمرة الإيمان وعاقبة التدبر؛ لذلك حتى يتحقق التدبر في القرآن، يجب أن يكون بنية العمل والامتثال بما فيه، ولو أننا تلونا القرآن، ولم نعمل بما فيه لا يمكن أن نكون قد تدبرناه. ولو تدبرناه لكان القرآن واقعًا عمليًّا في حياتنا وسلوكنا. وهذا ما أكّدته عائشة رضي الله عنها عندما سئلت عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: (فإنّ خلق نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن)29، ويقول ابن مسعود رضي الله عنه: «إذا سمعت الله يقول: ﮋﯓ ﯔ ﯕﮊ فأرعها سمعك، فإنّه خيرٌ يؤمر به، أو شرٌّ ينهى عنه»30، وذلك استعدادًا لتنفيذ الأوامر.
إن التدبر في القرآن هو الطريق للعمل بما جاء فيه؛ وذلك لأن العمل بالقرآن يتوقف على فهمه، وفهم القرآن لا يمكن إلا بالتدبر في آياته. ولقد حثّنا القرآن على العمل والامتثال لما جاء فيه، فقال سبحانه وتعالى: ﮋﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮊ [البقرة: ١٢١].
الغالبية العظمى من المفسرين على أن المقصود من قوله: ﮋﭷ ﭸ ﭹﮊ، أي: يتبعونه حق اتباعه، فيكون: يتلونه من تلاه، يتلوه: إذا اتّبعه، ومنه قوله تعالى: ﮋﭔ ﭕ ﭖﮊ [الشمس: ٢].
أي: اتبعها، فهم يعملون بما فيه، فيحلّون حلاله، ويحرّمون حرامه، ويعملون بمحكمه، ويؤمنون بمتشابهه31، ويقول أبو السعود: ﮋﭷ ﭸ ﭹﮊ، «بمراعاة لفظه عن التحريف وبالتدبّر في معانيه والعمل بما فيه»32؛ لأنهم إن تدبروه تدبرًا صادقًا، علموا أنه حق، وأن اتباعه واجب، وتصديق من جاء به لازم33. بل إن الفائدة المنشودة من تلاوة القرآن بتدبر هي العمل به، فهو كما ثبت في الحديث الصحيح من حديث أبي مالكٍ الأشعريّ: (والقرآن حجّةٌ لك، أو عليك)34، وهذا الذي كان عليه السلف الصالح -رضي الله عنهم وأرضاهم-، كما قال الحسن البصري -رحمه الله تعالى-: «إن من قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم، فكانوا يتدبّرونها بالليل وينفّذونها بالنهار»35. ومن يتلو القرآن، وهو معرض عن آياته والعمل به، يكون كالمستهزئ بربه، أما الأميّ فعليه سؤال العلماء؛ لشرح معنى القرآن، وإفهامه مراده: ﮋﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﮊ [النحل: ٤٣]36.
ومن هنا فإن الذين لا يتدبّرون القرآن، سوف يفوتهم تطبيق الكثير من مبادئ الدين في حياتهم العملية، وهم لا يشعرون.
ولقد اقترنت دعوة القرآن الكريم للعمل الصالح بالدعوة للإيمان بالله، فلقد كرر القرآن الكريم ﮋﭒ ﭓ ﭔ ﭕﮊ خمسين مرة، في اثنتين وثلاثين سورة.
ويجعل القرآن العمل الصالح جزءًا من صفات المؤمن وشرطًا لدخول الجنة، قال تعالى: ﮋﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨﮊ [الكهف: ١٠٧].
وهناك ارتباط وثيق في عقيدة أهل السنة والجماعة بين الإيمان والعمل الصالح؛ فالإيمان شرطه العمل الصالح، وإلا كان قولًا لا دليل عليه، والعمل الصالح شرطه الإيمان؛ لكي يكون مقبولًا عند الله، قال تعالى: ﮋﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮊ [النساء: ١٢٤].
وقال في شأن الذين يقدّمون أعمالًا خيّرة، ولكنهم كفار: ﮋﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﮊ[الفرقان: ٢٣].
إنّ الاستخلاف في الأرض لا يكون إلا بالعمل الصالح بعد الإيمان، قال تعالى: ﮋﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮊ [النور: ٥٥]37.
والتدبر في القرآن الكريم يجعل الفرد المؤمن الصالح إيجابيًّا ونافعًا، ويعيش حياة آمنة مطمئنة، وصفها القرآن بالحياة الطيبة، وجعلها لمن عمل صالحًا، قال تعالى: ﮋﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮊ [النحل: ٩٧].
وبهذا الترابط الوثيق بين الإيمان والعمل الصالح يقدّم الإسلام نموذجًا رائعًا وفريدًا بالتطابق بين النظرية والتطبيق، فليس الإيمان مجرد شعارات وأقوال، بل هو تصديق قلبي ينعكس على عمل المؤمن، وعلاقته بمن حوله، فالإيمان الصحيح يزداد، ويقوى، وينمي، ويترتب عليه آثاره من الأعمال الصالحة، وترك المعاصي والفساد بقدر تدبر القرآن، وينقص ويضعف على هذه النسبة من ترك تدبره.
وليس العمل لمجرد النفع الدنيوي البعيد عن الأخلاق، بل هو مرتبط بحياة أخرويّة، هي بالتأكيد الأفضل والأعلى ﮋﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮊ [الضحى: ٤].
ولقد حفّزنا القرآن الكريم بأساليب مختلفة على العمل والامتثال، منها: أسلوب الأمر والنهي، وأسلوب الجزاء والعقاب، وأسلوب الوعد والوعيد، وأسلوب الترغيب والترهيب، وهذه الأساليب وغيرها دالة على أن القرآن أنزل للعمل والامتثال.
ومنهج النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح، وغاية مرادهم من القرآن، العمل الصالح، ويشهد له: ما أخرجه الإمام مسلم عن سعد بن هشام بن عامر قال: (سألت عائشة رضي الله عنها فقلت: يا أمّ المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت: ألست تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قالت: فإنّ خلق نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن، قال: فهممت أن أقوم ولا أسأل أحدًا عن شيءٍ حتّى أموت، ثمّ بدا لي، فقلت: أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت: ألست تقرأ يا أيّها المزّمّل؟ قلت: بلى، قالت: فإنّ اللّه عز وجل افترض قيام اللّيل في أوّل هذه السّورة، فقام نبيّ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولًا، وأمسك اللّه خاتمتها اثني عشر شهرًا في السّماء، حتّى أنزل اللّه في آخر هذه السّورة التّخفيف، فصار قيام اللّيل تطوّعًا بعد فريضةٍ)38.
ففي هذا الحديث دلالة على منهج النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع القرآن، وهو التخلّق بأخلاقه، والعمل بأوامره.
وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال له عيينة بن حصن: «هي يا ابن الخطّاب، فواللّه ما تعطينا الجزل ولا تحكم بيننا بالعدل»، فغضب عمر حتّى همّ أن يوقع به، فقال له الحرّ بن قيس: «يا أمير المؤمنين، إنّ اللّه تعالى قال لنبيّه صلى الله عليه وسلم: ﮋﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﮊ [الأعراف: ١٩٩]. وإنّ هذا من الجاهلين»، واللّه ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقّافًا عند كتاب اللّه39.
وقال الحسن البصري رحمه الله: «وما يتدبّر آياته إلّا اتّباعه بعلمه، واللّه يعلمه، أما واللّه ما هو بحفظ حروفه، وإضاعة حدوده، حتّى أنّ أحدهم ليقول: قد قرأت القرآن كلّه فما أسقط منه حرفًا، وقد أسقطه واللّه كلّه ما بدا له القرآن في خلقٍ ولا عملٍ»40.
ثالثًا: الهداية إلى الحق والصواب:
قد علم أن المقصد الأول من مقاصد التدبر هو: زيادة الإيمان، وأن المقصد الثاني هو: العمل الصالح، وهو ثمرة ونتيجة الإيمان، وأنهما متلازمان، فلا إيمان بلا عمل، ولا عمل بلا إيمان. فالأول مبتور لم يبلغ تمامه، والثاني مقطوع لا ركيزة له، وبهما معا يتحقق المقصد الثالث من مقاصد التدبر وهو: الهداية إلى الحق والصواب.
يقول ربنا سبحانه وتعالى: ﮋﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﮊ [الإسراء: ٩- ١٠].
فالإيمان والعمل هما القاعدتان الأصيلتان التي تبنى عليهما الهداية.
فأما الذي لا يهتدي بهدي القرآن، فهو لا يتدبّره، بل هو متروك لهواه، والإنسان العجول الجاهل بما ينفعه وما يضره، المندفع الذي لا يضبط انفعالاته، ولو كان من ورائها الشر له، ذلك أنه لا يعرف مصائر الأمور وعواقبها، ولقد يفعل الفعل وهو شر، ويعجل به على نفسه، وهو لا يدري، أو يدري ولكنه لا يقدر على كبح جماحه، وضبط زمامه، فأين هذا من هداية القرآن له إلى الخير والصواب؟ يقول الله سبحانه وتعالى في حقه: ﮋﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮊ[الإسراء: ١١].
وإنّه مما يؤكّد على أنّ الهداية مترتبة على العمل والاتّباع: قوله تعالى: ﮋﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮊ [المائدة: ١٦].
فمن الذي يهتدي بالقرآن؟ إنّه الذي يتّبع ما يرضي الله.
وهذه الهداية حسب الآية لها ثلاث فوائد:
ويقول الله تعالى في آية أخرى: ﮋﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﮊ [طه: ١٢٣].
أي: أن الإنسان إذا اتبع الهدى الوارد من الله سبحانه وتعالى على لسان رسله سلم من أن يعتريه شيء من ضلال في الدنيا، بخلاف من اتبع ما فيه هدى وارد من غير الله، فإنه وإن استفاد منه في بعض الأحوال لا يسلم من الوقوع في الضلال في أحوال أخرى، وهو أيضًا لا يشقى في الآخرة؛ لأنه إذا سلم من الضلال في الدنيا سلم من الشقاء في الآخرة42.
إنّ هنالك خيارات صعبة وعديدة تطرح أمام الفرد، وأمام الأمة كل يوم، ولاختيار الطريق السليم بين هذه الخيارات، ونهتدي إلى الصواب لابد من الرجوع إلى القرآن، والتدبر في آياته. ومن هنا يقول الله سبحانه: ﮋﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﮊ [الإسراء: ٩].
فيشمل الهدى أقوامًا وأجيالًا بلا حدود من زمان أو مكان، ويشمل ما يهديهم إليه كلّ منهج وكلّ طريق، وكل خير يهتدي إليه البشر في كل زمان ومكان.
إن التدبر في القرآن الكريم للحظات قليلة فقط، كان منعطفًا تغييريًّا كبيرًا، في حياة الكثير من العصاة. فهذا الفضيل بن عياض كان في بداية حياته مجرمًا خطيرًا، وكان ذكر اسمه كافيًا لإثارة الرعب في القلوب، لقد كان يقطع الطريق على القوافل، ويسلب المسافرين كل ما يملكون، وذات يوم وقعت نظراته على فتاة جميلة، وفي تلك الليلة، كان يتسلق جدار ذلك البيت الذي تسكن فيه الفتاة، وفي هذه الأثناء، تناهى إلى مسامعه صوت يتلو هذه الآية الكريمة: ﮋﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﮊ [الحديد: ١٦].
فأخذ يفكّر في الآية بضع ثوان، وأخذ يردد مع نفسه: «يا رب قد آن »، ثم هبط من الجدار، وتولى بوجهه شطر المسجد، وجاور الحرم حتّى مات43.
انظر ماذا فعل التدبر في آية واحدة، حوّل رجلًا من مجرم متمرس بالجريمة، إلى معتكف في محراب العبادة، فكيف إذا تدبر الإنسان في كل القرآن؟ ألا يتحوّل إلى رجل كامل!.
رابعًا: تحصيل العلم النافع:
إنّ المقصد الرابع من مقاصد تدبر القرآن الكريم هو: تحصيل العلم النافع، وهو أمر مهم لتحقيق المقاصد الثلاثة السابقة؛ ليكون الإيمان والعمل والهداية عن علم واتباع لما جاء به الشرع.
ولقد حثّ القرآن الكريم على طلب العلم وتحصيله في أكثر من موضع، فقال سبحانه وتعالى: ﮋﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﮊ [التوبة: ١٢٢].
قال العلماء: في هذه الآية مشروعية الخروج لطلب العلم، والتفقّه في الدين، جعله الله سبحانه متصلًا بما دل على إيجاب الخروج إلى الجهاد، فيكون السفر نوعين، الأول: سفر الجهاد، والثاني: السفر لطلب العلم. ولا شك أن وجوب الخروج لطلب العلم إنما يكون إذا لم يجد الطالب من يتعلم منه في الحضر من غير سفر44. وفي السياق ذاته، قال سبحانه أيضًا: ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﮊ [النحل: ٤٣].
فسؤال أهل الذكر والعلم، هو شكل من أشكال طلب العلم.
وطلب العلم فضيلة عظيمة، ومرتبة شريفة لا يوازيها عمل؛ لما رواه الترمذي: عن ابن عبّاسٍ، أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: (من يرد اللّه به خيرًا يفقّهه في الدّين)45.
وروى مسلم عن أبي هريرة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهّل اللّه له به طريقًا إلى الجنّة، وما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلاّ نزلت عليهم السّكينة، وغشيتهم الرّحمة وحفّتهم الملائكة، وذكرهم اللّه فيمن عنده)46.
كما مدح الله العلماء في مواضع كثيرة في كتابه العزيز، حيث قال سبحانه وتعالى: ﮋﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﮊ [فاطر: ٢٨].
وقال أيضًا: ﮋﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕﮊ [المجادلة: ١١].
وذمّ سبحانه الجهل والجاهلين فقال: ﮋﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﮊ [الأعراف: ١٩٩]47.
وبعد معرفة أهمية طلب العلم، فيجب معرفة أن المنبع الأصيل والمصدر العظيم لطالب العلم هو القرآن الكريم، فهو زاخر بالعلوم النافعة للإنسان في حياته الدنيا وآخرته، ولا يستطيع المسلم أن يحصل عليها إلا من خلال الغوص في هذا البحر المتدفق، والتدبر في آياته؛ لاستخراج الدرر المكنونة فيه؛ حيث يقول الله سبحانه وتعالى: ﮋﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﮊ [النحل: ٨٩].
أي: في أصول الدين وفروعه، وفي أحكام الدارين، وكل ما يحتاج إليه العباد، فهو مبيّن فيه أتم تبيين بألفاظ واضحة ومعان جلية، حتى إنه تعالى يثنّي فيه الأمور الكبار التي يحتاج القلب لمرورها عليه كل وقت، وإعادتها في كل ساعة، ويعيدها ويبديها بألفاظ مختلفة وأدلة متنوعة؛ لتستقر في القلوب فتثمر من الخير والبر بحسب ثبوتها في القلب، وحتى إنه تعالى يجمع في اللفظ القليل الواضح معاني كثيرة يكون اللفظ لها كالقاعدة والأساس، فلما كان هذا القرآن تبيانًا لكل شيء صار حجة الله على العباد، وانتفع به المسلمون فصار هدى لهم يهتدون به إلى أمر دينهم ودنياهم، ورحمة ينالون به كل خير في الدنيا والآخرة. فالهدى ما نالوه به من علم نافع وعمل صالح48.
ومن جملة ما أجمله في الكتاب العزيز قوله: ﮋﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨﮊ [الحشر: ٧].
فأمر في هذه الآية باتباع ما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكل حكم سنه الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته قد ذكره الله سبحانه في كتابه العزيز، بهذه الآية، وبنحو قوله تعالى: ﮋﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﮊ [آل عمران: ٣١].
وبقوله: ﮋﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﮊ [الأحزاب: ٢١].
وقال تعالى: ﮋﭷ ﭸ ﭹ ﭺﮊ [النساء: ١١٥].
فكانت السنة والإجماع والقياس مستندة إلى تبيان الكتاب، فمن ثمّ كان تبيانًا لكل شيء49. وفي نفس المعنى قال سبحانه أيضًا: ﮋﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮊ [الأنعام: ٣٨].
أي: ما تركنا في القرآن من شيء من أمر الدين؛ إما تفصيلًا أو إجمالًا50.
ومن جهة أخرى، فيخشى أن تكون حال من يقرأ ويحفظ دون تدبر كحال من سبقنا من الأمم التي عاب الله عليها مثل ذلك، كما في قوله تعالى: ﮋﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﮊ [البقرة: ٧٨].
قال ابن عاشور رحمه الله: «الأماني القراءة؛ أي: لا يعلمون الكتاب إلا كلمات يحفظونها ويدرسونها لا يفقهون منها معنًى، كما هو عادة الأمم الضالة؛ إذ تقتصر من الكتب على السرد دون فهم»51.
قال ابن تيمية: «والإنسان يقرأ السورة مرات حتى سورة الفاتحة، ويظهر له في أثناء الحال من معانيها ما لم يكن خطر له قبل ذلك حتى كأنها تلك الساعة نزلت، فيؤمن بتلك المعاني، ويزداد علمه وعمله، وهذا موجود في كل من قرأ القرآن بتدبر، بخلاف من قرأه مع الغفلة عنه»52.
خامسًا: الجهاد بالقرآن:
مقاصد التدبّر السابقة نفعها ذاتي يعود على المسلم وحده فقط؛ لذلك كان لابد من تسخير هذه المقاصد لأمر يتعدّى فيه النفع إلى الآخرين، وهذا هو المقصد الخامس من مقاصد التدبر؛ وهو: الجهاد بالقرآن، فلا يمكن تحقيق هذا المقصد من دون تحقيق المقاصد السابقة فهي مترتبة بعضها على بعض.
وقد دعانا القرآن لهذا النوع من الجهاد، فقال سبحانه وتعالى: ﮋﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﮊ [الفرقان: ٥٢].
وجاء هذا الأمر بعد أن حذّر الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم من الوهن في الدعوة، أمره بالحرص عليها والمبالغة فيها، وعبّر عن ذلك بالجهاد، وهو الاسم الجامع لمنتهى الطاقة، وصيغة المفاعلة فيه ليفيد مقابلة مجهودهم بمجهوده فلا يهن ولا يضعف؛ ولذلك وصف بالجهاد الكبير؛ أي: الجامع لكل مجاهدة.
وضمير (به) عائد إلى القرآن؛ أي: جادلهم بالحجج القرآنية والبراهين الربانية أعظم الجهاد وأكبره ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖﮊ [الأنفال: ٤٢].
وليس ذلك من العدوان، وإنما هو من الدعوة إلى الله لصالح المخالف؛ ليرجع إلى الحق53.
وفي قوله: ﮋﯓ ﯔ ﯕﮊ لفتة عظيمة أن الكافرين والمنافقين لا يتركون لك القرآن، بل يثيرون على آياته الشبهات، فأنت مطالب أن تتحرك في أكثر من محور، تذود عن القرآن شبه الكافرين والمنافقين.
فهذا الدين قام على الدعوة والجهاد، كما قال تعالى: ﮋﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮊ [آل عمران: ١٠٤].
فلا يجوز للمسلمين ترك البشرية تعيش في ضلالها، وعند المسلمين الهدى والنور، قال تعالى: ﮋﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪﮊ [آل عمران: ١١٠].
فهذه الأمة مكلّفة بدعوة غيرها من الأمم؛ لإخراجها من الظلمات إلى النور، قال تعالى: ﮋﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﮊ [إبراهيم: ١].
وجعل التواصي بالحق والصبر من صفات الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فقال سبحانه: ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﮊ [العصر: ١-٣].
والجهاد بالقرآن والحجة والبرهان أفضل أنواع الجهاد؛ لأنه جهاد خواص الأمة، وأتباع الرسل، وورثة الأنبياء، وهو أصعبها؛ لأنه جهاد للمنافقين والمرجفين والذين في قلوبهم مرض من أبناء جلدتنا، وللمستشرقين والمغرضين من الكفار54.
فالدعوة والأمر والنهي والتواصي نوع من الجهاد؛ ولذلك ساغ لنا أن نتعرّف على كثير من جوانب وصفات الدعوة والداعية قياسًا على أحكام جهاد القتال، بل لذلك أيضًا وجب على الداعية -إن حجب عن خوض القتال لأسباب مختلفة- أن يفهم آيات الجهاد وأحاديثها على أنها خطاب له هو أيضًا ، وهو في أمره ونهيه، ولذلك أيضًا يحق للمجاهد بالقرآن أن يمنّي نفسه بثواب المقاتلين -إن شاء الله-. وهذا ما قرّره الإمام ابن تيمية في تفسير قوله تعالى: ﮋﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﮊ [الأنفال: ٧٥].
فقال: «قالت طائفة من السلف: هذا يدخل فيه من آمن وهاجر وجاهد إلى يوم القيامة، وهكذا قوله تعالى: ﮋﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﮊ [النحل: ١١٠].
يدخل في معناها كل من فتنه الشيطان عن دينه أو أوقعه في معصية، ثم هجر السيئات وجاهد نفسه وغيرها من العدو، وجاهد المنافقين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغير ذلك، وصبر على ما أصابه من قول أو فعل»55.
إن ميادين المقارعة بالحجة في كثير من الأوقات أشد على النفس من ميادين المقارعة بالقوة، وتطويع العقول أصعب بكثير من تطويع الأبدان.
وإنّ حياة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم كلها كانت جهادًا بالقرآن، وموحيات الآيات، وما في طياتها من صور الألم والمعاناة التي لحقت بنفس النبي صلى الله عليه وسلم خلال جهاده بالقرآن يعجز القلم عن بيانها، ويصوّر لنا القرآن ذلك، فيقول سبحانه وتعالى: ﮋﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﮊ [الأنعام: ٣٥].
ومن أمثلة الجهاد بالقرآن عند النبي صلى الله عليه وسلم: صعوده صلى الله عليه وسلم جبل الصفا، ومناداته بطون قريش بطنًا بطنًا، ويروي البخاري رحمه الله طرفًا من هذه القصة، فعن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما قال: (لمّا نزلت: ﮋﭿ ﮀ ﮁﮊ [الشعراء: ٢١٤].
صعد النّبيّ صلى الله عليه وسلم على الصّفا، فجعل ينادي: (يا بني فهرٍ، يا بني عديٍّ) -لبطون قريشٍ- حتّى اجتمعوا فجعل الرّجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولًا؛ لينظر ما هو، فجاء أبو لهبٍ وقريشٌ، فقال: (أرأيتكم لو أخبرتكم أنّ خيلًا بالوادي تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدّقيّ؟) قالوا: نعم، ما جرّبنا عليك إلّا صدقًا، قال: (فإنّي نذيرٌ لكم بين يدي عذابٍ شديدٍ) فقال أبو لهبٍ: تبًّا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فنزلت: ﮋﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮊ [المسد١-٢].
ومن أمثلة الجهاد بالقرآن عند الصحابة: قصة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه مع النجاشي ملك الحبشة، عندما قرأ عليه صدر سورة مريم، ثمّ قال النّجاشيّ: «إنّ هذا والّذي جاء به موسى ليخرج من مشكاةٍ واحدةٍ»56.
ومن ميادين الجهاد بالقرآن مناصحة ولاة الأمر بالتي هي أحسن، ولا يخاف في ذلك لومة لائم، فعن أبي سعيدٍ الخدريّ، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:(أفضل الجهاد كلمة عدلٍ عند سلطانٍ جائرٍ، أو أميرٍ جائرٍ)57.
ومن أشكال الجهاد بالقرآن الكريم:
وتبيين أن القرآن هو المرجع الأوّل للتوحيد والعقيدة والمنهج والتشريع، وأن ما خالف القرآن من عقائد ومناهج وقوانين جاهلية هي باطلة مردودة. قال تعالى: ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﮊ [النساء: ٦٠].
تركّز هذه النقاط على العوامل التي تعين وتساعد العبد على التدبر، وأيّة عبادة من العبادات لاشك أن لها عوامل مساعدة على أدائها، وهذه الأسباب والعوامل تجعل عبادة التدبر في القرآن أيسر وأسهل على المسلم، بل إن الأسباب المعينة تجعل أداء عبادة التدبر تكون على أكمل وجه، وأحسن حال، وهذه الأسباب هي كالآتي:
١. الاستعاذة.
إن أوّل سبب من الأسباب التي تعين على التدبر والتخشّع بالقرآن، هو بدء القراءة بالاستعاذة بالله من الشّيطان الرجيم، فإنّها مطردة ومبعدة له، وما أكثر ما يزعج الشيطان إلا قراءة القرآن بتدبر، فوجب العمل على إبعاده، ولا يكون ذلك إلا بطلب الالتجاء والاحتماء بالله؛ كي لا يكون عدو الإنسان اللدود حائلًا بين المسلم وبين تدبره.
وقد أمر الله سبحانه وتعالى المسلمين بالاستعاذة من الشيطان في أي وقت يشعر المسلم بمحاولة إفساد الشيطان عليه، أي: أمر من أمور الخير، فقال تعالى: ﮋﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮊ [الأعراف: ٢٠٠- ٢٠١].
أي: إما يصيبنك ويعرض لك وسوسة من الشيطان، فاطلب النجاة من الله58؛ لأنّ الله الذي تستعيذ به من نزغ الشيطان سميع لاستعاذتك به من نزغه، ولغير ذلك من كلام خلقه، لا يخفى عليه منه شيء، عليم بما يذهب عنك نزغ الشيطان، وغير ذلك من أمور خلقه59، إن الذين اتقوا الله فخافوا عقابه إذا أصابهم عارض من وسوسة الشيطان تذكّروا ما أوجب الله عليهم من طاعته، والتوبة إليه، فإذا هم منتهون عن معصية الله على بصيرة60.
وإن أكثر ما يعمل الشيطان على إفساده، هو التدبر في قراءة القرآن؛ لذلك أمرنا الله سبحانه وتعالى بالاستعاذة عند قراءة القرآن، فقال سبحانه: ﮋﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﮊ [النحل: ٩٨ - ١٠٠].
حيث أمر الله عباده على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أنهم إذا أرادوا قراءة القرآن أن يلجأوا إلى الله من وساوس الشيطان المرجوم الملعون المطرود من رحمة الله؛ حتى لا تلتبس عليهم القراءة، ولتتدبر معاني القرآن61، وأنّ وسوسة الشيطان لا أثر لها على المؤمنين الصادقين، فالشيطان مهما تمرد وعتا، فإنه ليس له تسلط واستيلاء واستحواذ بالقهر والغلبة على نفوس الذين آمنوا بالله حق الإيمان، والذين هم على الله وحده يتوكلون. وإنما تسلّط الشيطان وتأثيره على الضالين الفاسقين الذين يتولونه ويطيعونه ويتبعون خطواته62.
وحكم الاستعاذة: هي مندوبة عند كلّ تلاوة داخل الصّلاة وخارجها؛ للأمر بها في كتاب الله تعالى، والذي صرف الأمر من الوجوب إلى الندب، أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن في الأحوال المختلفة، فلم يرد عنه التزام الاستعاذة، كلّما قرأ القرآن قليلًا منه أو كثيرًا، فدلّ ذلك على استحبابها63.
وأما صيغتها: الّذي عليه اختيار جميع القرّاء من حيث الرّواية، وعليه عامّة الفقهاء، الصيغة المذكورة في الآية السابقة، وهي: (أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم)، وأمّا الزّيادة على ذلك فقد وردت في خمس صيغ، وهي:
٢. الدعاء.
إنّ أيّة عبادة من العبادات لابد أن نستعين بالله عز وجل على أدائها بحيث تكون على أكمل وجه، حيث يقول الله سبحانه وتعالى على لسان المؤمنين: ﮋﭢ ﭣ ﭤ ﭥﮊ [الفاتحة: ٥].
والدعاء والتضرع إلى الله أفضل شيء نستعين بهما على أداء العبادة، وقد حثّنا الله سبحانه على دعائه، والتضرع له، فقال سبحانه وتعالى: ﮋﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﮊ [غافر: ٦٠].
وأعلم الله سبحانه عباده الذين يدعونه أنه قريب منهم، فقال سبحانه: ﮋﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﮊ [البقرة: ١٨٦].
وإن من أجلّ العبادات التي يجب أن نلجأ إلى الله ليوفقنا لها، هي التدبر في كتابه، ولقد حثّنا الرسول صلى الله عليه وسلم على طلب العون من الله سبحانه لأداء عبادة الذكر وتلاوة القرآن.
فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: أخذ بيدي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فقال: (إنّي لأحبّك يا معاذ)، فقلت: وأنا أحبّك يا رسول اللّه، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: (فلا تدع أن تقول في كلّ صلاةٍ: ربّ أعنّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)65، ومعلوم أن تلاوة القرآن من أفضل الذكر.
وإن العامل الرئيس لتدبر القرآن، وتذوقه، واستخراج كنوزه، هو استشعار الحاجة إليه والرغبة فيه، وهذا الشعور لابد أن يترجم في هيئة دعاء وتضرع إلى الله، بأن ييسّر لنا فهم كتابه، وحسن تدبره، والعمل بما فيه، وندعوه سبحانه وتعالى بأن يمنع عنا كل ما يثبّط عزائمنا، ويبعدنا عن التدبر، ونلحّ عليه بأن يحبّب إلى قلوبنا تدبر القرآن، وأن ينوّر قلوبنا بنوره66.
ولا ينبغي أن يدفعنا تأخر الإجابة إلى اليأس، وترك الدعاء، وحسبنا في ذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه: أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي)67.
وبحسب الاستعداد من العبد، يكون الإمداد من الله، كما قال تعالى: ﮋﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﮊ [الأنفال: ٧٠].
فالبداية تكون من العبد: ﮋﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮊ [النساء: ٣٥].
فلنر الله من أنفسنا خيرًا، ولنكثر من الاستغفار والتوبة، ولنداوم قرع الباب، وإن رددنا.
٣. القراءة في الصلاة مع حضور القلب.
إن من الأسباب المهمة التي تعين العبد على تدبر القرآن الكريم: حضور القلب في أثناء قراءته، وخاصة في الصلاة، ويجب على العبد إذا أراد الانتفاع بالقرآن أن يجمع قلبه عند تلاوته وسماعه، وأن يحضر حضور من يخاطب به، فإنه خطاب من الله للعبد على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ﮋﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﮊ [ق: ٣٧].
وذلك أن تمام التّأثير يجب أن يكون موقوفًا على مؤثر، ومحل قابل للتأثر، وشرط لحصول الأثر وانتفاء المانع الّذي يمنع منه، وقد تضمّنت الآية بيان ذلك كلّه بأوجز لفظ، وأبينه، وأدلّه على المراد68.
وإلقاء السمع: مستعار لشدة الإصغاء للقرآن، ولمواعظ الرسول صلى الله عليه وسلم، كأن أسماعهم طرحت في ذلك، فلا يشغلها شيء آخر تسمعه. والشهيد: صيغة مبالغة للدلالة على قوة المشاهدة، أي: تحديق العين إليه؛ للحرص على فهم مراده، فإن النظر يعين على الفهم69.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال لي النّبيّ صلى الله عليه وسلم: (اقرأ عليّ). قلت: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: (فإنّي أحبّ أن أسمعه من غيري). فقرأت عليه سورة النّساء، حتّى بلغت: ﮋﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮊ [النساء: ٤١].
قال: (أمسك)، فإذا عيناه تذرفان70.
ومما يعين على تدبر القرآن: القيام به في الليل، وهو من أهم مفاتح تدبر القرآن، وأعظمها شأنًا، وقد ورد عدد من النصوص تؤكد أهميته، من ذلك قول الله تعالى: ﮋﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮊ[الإسراء: ٧٩].
وعن ابن عمر رضي الله عنه، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (وإذا قام صاحب القرآن فقرأه باللّيل والنّهار، ذكره، وإذا لم يقم به نسيه)71.
وأهم شيء في تدبر القرآن، هو تذكّر آيات القرآن الكريم، وكونها حاضرة في القلب في كل آن، وخاصة في المواقف الصعبة في الحياة، مواقف الشدة والذهول، المواقف التي يفتتن فيها المرء ويمتحن ويختبر، فمن كان يقوم به آناء النهار فتجد إجابته حاضرة وسريعة وقوية، تجده وقّافًا عند كتاب الله تعالى، تجده آمنًا مطمئنًّا في جميع المواقف، تجده قويًّا متماسكًا حتى في أصعب الظروف.
٤. التفكر في معاني الآيات والتفاعل معها.
وإن مما يعين على تدبر القرآن: التفكر في معاني الآيات والتفاعل معها، والقرآن يحثنا علي التأمل والتفكر، وإعمال العقل، والنظر في هدايات الآيات؛ لننتفع بها في الدنيا والآخرة، حيث يقول الله عز وجل: ﮋﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﮊ [النحل: ٤٤].
وفي عطف لعلهم يتفكرون حكمة أخرى من حكم إنزال القرآن، وهي تهيئة تفكّر الناس في معانيه وفهم فوائده، وتأملهم فيما يقرّبهم إلى رضا الله تعالى 72.
وأن يستحضر أنّه مخاطب بما يقرأ، فيتأمّل ذكر التّوحيد والإيمان، والأمر والنّهي، والوعد والوعيد، والقصص والأمثال، ويلاحظ ما يلزمه من ذلك من التّصديق والامتثال والاعتبار، ويراعي الجواب في موضع السّؤال، ولا يفوّت ما تقتضيه الآية من تسبيح أو تحميد أو تكبير أو استغفار أو دعاء، ويغتنم ذكر الجنّة بالرّغبة إلى ربّه وسؤاله الفوز بدخولها، وذكر النّار بالرّهبة وسؤاله ربّه النّجاة منها.
وفي السنة المطهرة ما يدلنا علي هذا الأمر كذلك، فعن حذيفة رضي الله عنه قال: (صلّيت مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم ذات ليلةٍ، فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، ثمّ مضى، فقلت: يصلّي بها في ركعةٍ، فمضى، فقلت: يركع بها، ثمّ افتتح النّساء، فقرأها، ثمّ افتتح آل عمران، فقرأها، يقرأ مترسّلًا، إذا مرّ بآيةٍ فيها تسبيحٌ سبّح، وإذا مرّ بسؤالٍ سأل، وإذا مرّ بتعوّذٍ تعوّذ)73.
وعن ابن عبّاسٍ رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم: كان إذا قرأ: ﮋﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮊ [الأعلى: ١] قال: (سبحان ربّي الأعلى)74.
وقد أثنى الله ورسوله على من يقرأ القرآن، ويفقه معانيه، ويعمل بما جاء فيه، قال الله تعالى: ﮋﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﮊ [الزمر: ١٧-١٨].
وفي قول الله تعالى: ﮋﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰﮊ [البقرة: ٢٦٩].
قال الإمام الطبري: «يعني: الفهم في القرآن»75.
إن الترتيل والتدبر مع قلة القراءة أفضل من السرعة مع كثرتها؛ لأن المقصود من القرآن فهمه والتفقّه فيه والعمل به، وتلاوته وحفظه وسيلة إلى التدبر فيه. وقال بعض العلماء: «إن ثواب قراءة الترتيل والتدبر أجلّ وأرفع قدرًا، وإن ثواب كثرة القراءة أكثر عددًا»76.
ولا يجب أن تكون صيغة الجواب توقيفيّة، بل لك أن تجتهد فيه؛ فإنّ عموم الهدي النّبويّ في ذلك يجعل للمتدبّر السّعة في أن يستعمل من الصّيغ ما بدا له ممّا يتحقّق به المقصود، كذلك فهمه السّلف، وذلك في الصلاة وفي غيرها77.
وأخيرًا يجب علينا المداومة على استخدام هذه الوسيلة، والتي سنجد لها أثرًا عظيمًا بمشيئة الله في دوام يقظة العقل، وسرعة تجاوب القلب.
٥. اختيار الوقت المناسب.
إنّ من العوامل المساعدة على التدبر في القرآن أيضًا: قراءته وسماعه في موضع سكون، وتجتنب القراءة في مواضع اللّغط وارتفاع الأصوات؛ لما يقع بها من التّشويش عليه، فلا يتحقّق له المقصود من التّلاوة على وجهه78.
إن أفضل القراءة ما كان في الصلاة، أما القراءة في غير الصلاة، فأفضلها قراءة الليل، والنصف الأخير من الليل أفضل من النصف الأول، والقراءة بين المغرب والعشاء محبوبة، وأما القراءة في النهار فأفضلها بعد صلاة الصبح، ولا كراهية في القراءة في أي وقت من الأوقات79.
ويحثنا الله عز وجل على إطالة القراءة في الصلاة، وخاصة صلاة الفجر فقال سبحانه: ﮋﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﮊ [الإسراء: ٧٨].
وﮋﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹﮊ حثًّا على تطويل القراءة في صلاة الفجر؛ لأن هذا الوقت يكون مشهودًا تشهده ملائكة الليل، وملائكة النهار80.
ولهذين الوقتين خاصّيتهما، وهما إدبار النهار وإقبال الليل، وإدبار الليل وإقبال النهار. ولهما وقعهما العميق في النفس، فإن قدوم الليل وزحف الظلام، كمطلع النور وانكشاف الظلمة، وكلاهما يخشع فيه القلب، وكلاهما مجال للتأمل والتفكر في نواميس الكون التي لا تفتر لحظة، ولا تختل مرة. وللقرآن -كما للصلاة- إيقاعه في الحس في مطلع الفجر ونداوته، ونسماته الرخية، وهدوئه السارب، وتفتّحه بالنور، ونبضه بالحركة، وتنفّسه بالحياة81.
٦. الإنصات عند سماع القراءة.
وقد أمر الله تعالى من حضر التّلاوة بالإنصات؛ لئلّا يشغل عن القرآن بغيره وهو يسمعه، ولئلّا يرد عليه من التّشويش ما يفوّت عليه التّدبّر، كما قال تعالى: ﮋﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﮊ [الأعراف: ٢٠٤].
وإن الناس يخسرون خسارة كبيرة عندما ينصرفون عن القرآن، وإن الآية الواحدة لتصنع أحيانًا في النفس -حين تستمع لها وتنصت- أعاجيب من الانفعال والتأثر والاستجابة والإدراك، والطمأنينة والراحة، وإنّ العكوف على هذا القرآن في وعي وتدبر لا مجرد التلاوة والترنم لينشيء في القلب والعقل من الرؤية الواضحة البعيدة المدى، ومن المعرفة المطمئنة المستيقنة، ومن الحرارة والحيوية والانطلاق، ومن الإيجابية والعزم والتصميم ما لا تدانيه رياضة أخرى أو معرفة أو تجريب، وإن رؤية حقائق الوجود، ورؤية الحياة البشرية وطبيعتها وحاجاتها من خلال التصوير القرآني، لهي رؤية واضحة عميقة. وهذا كله أرجى إلى الرحمة، ويكون ذلك في الصلاة وفي غيرها. وليس هناك ما يخصص هذا التوجيه القرآني العام بالصلاة فقط82.
وقال الإمام السعدي: «والفرق بين الاستماع والإنصات: أن الإنصات في الظاهر بترك التحدث أو الاشتغال بما يشغل عن استماعه. وأما الاستماع له: فهو أن يلقي سمعه، ويحضر قلبه ويتدبّر ما يستمع، فإن من لازم على هذين الأمرين حين يتلى كتاب الله، فإنه ينال خيرًا كثيرًا وعلمًا غزيرًا، وإيمانًا مستمرًّا متجددًا، وهدى متزايدًا، وبصيرة في دينه؛ ولهذا رتّب الله حصول الرحمة عليهما، فدل ذلك على أن من تلي عليه الكتاب، فلم يستمع له وينصت، أنه محروم الحظ من الرحمة، قد فاته خير كثير»83.
وقال العلامة ابن قيم الجوزية في معنى السماع في قوله تعالى: ﮋﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﮊ [الأعراف: ٢٠٤]: «والمقصود: أن سماع خاصة الخاصة المقرّبين هو سماع القرآن بالاعتبارات الثلاثة: إدراكًا وفهمًا، وتدبرًا، وإجابة، وكل سماع في القرآن مدح الله أصحابه وأثنى عليهم، وأمر به أولياءه، فهو هذا السماع»84.
ولتحقيق هذا المعنى منع المصلّي من رفع صوته بالقراءة إذا كان مع غيره، كما في حديث عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما: أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم خرج على النّاس وهم يصلّون. وقد علت أصواتهم بالقراءة، فقال صلى الله عليه وسلم: (إنّ المصلّي يناجي ربّه، فلينظر بما يناجيه به، ولا يجهر بعضكم على بعضٍ بالقرآن)85.
٧. الخشوع عند سماع القرآن.
ومن الأسباب المعينة على التدبر أيضًا الاجتهاد في الخشوع عند سماع القرآن، ولا بأس بالبكاء، بل هو حسن لمن قدر عليه من غير تكلّف، وأنه تقشعرّ، وتضطرب جلود الذين يخافون ربهم من سماعه؛ تأثرًا بما فيه من ترهيب ووعيد، ثم تلين جلودهم وقلوبهم؛ استبشارًا بما فيه من وعد وترغيب، وذلك كله من تأثير الخشوع، قال تعالى: ﮋﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼﮊ [الزّمر: ٢٣].
وقال عز وجل: ﮋﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﮊ [الحديد: ١٦].
وقال تعالى: ﮋﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮊ [الإسراء: ١٠٧- ١٠٩].
وكما قال عز وجل في وصف الذين أنعم عليهم: ﮋﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮊ [مريم: ٥٨].
فهذه الآيات البيّنات واضحة الدّلالة على الأمر بالخشوع، وبيان ما يكون من حال الصّفوة من عباد الله من النّبيّين، وأولي العلم عند سماع الآيات تتلى عليهم من الخضوع والبكاء من خشية الله. وفي حديث ابن مسعود، رضي الله عنه، عندما قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم من سورة النساء، قال: (فإذا عيناه تذرفان)86.
وهذا معنى يشترك فيه التّالي والمستمع. وعلى هذه الصّفة كان أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (إنّ أبا بكر رجل رقيق، إذا قرأ غلبه البكاء)87. وذلك واقع في صلاة وفي غيرها، وهو أمر يجلبه الخشوع للقرآن، ولا يملك الخاشعون ردّه، وهم يتلون آيات الله، أو تتلى عليهم؛ ولذا سيق ذلك عنهم مساق المدح.
وكذلك حكت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما من حال الصّحابة: فعن عبد اللّه بن عروة بن الزّبير، عن جدّته أسماء بنت أبي بكرٍ رضي الله عنها قال: قلت لها: كيف كان أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يفعلون إذا قرئ عليهم القرآن؟ قالت: «كانوا كما نعتهم اللّه، تدمع أعينهم، وتقشعرّ جلودهم»، قال: فإنّ ناسًا إذا قرئ عليهم القرآن خرّ أحدهم مغشيًّا عليه، قالت: «أعوذ باللّه من الشّيطان»88.
وفي هذا إنكار من أسماء رضي الله عنها أن يبلغ الخشوع بصاحبه إلى الغشيان، وإنّما ذلك بالقشعريرة ودمع العين، كذلك كان حال النّبيّ صلى الله عليه وسلم وحال أصحابه، ولا يعرف ذلك الغشيان فيهم، ولا يثبت عن أحد منهم، أنّه كان يصعق عند القرآن، إنّما ذكر ذلك عمّن بعدهم، وهدي النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه أحسن الهدي وأكمله89.
٨. ترديد الآيات وتكرارها.
إنّ ترديد الآية وتكرارها وإعادتها مع التأمل وزيادة التفهم لها، من الأسباب المعينة على التدبر، وقد استعمل القرآن هذا الأسلوب، فمثلًا في سورة الرحمن كرّر الله سبحانه وتعالى آية ﮋﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮊ [الرحمن: ١٣].
إحدى وثلاثين مرة؛ لتذكير الجن والإنس بهذه النعم؛ كي يشكروا الله تعالى عليها شكرًا جزيلًا90. وفي سورة الشعراء كرّر الله سبحانه وتعالى ﮋﰂ ﰃ ﰄﮊ [الشعراء: ١٠٨].
ثماني مرات، مما يجعلنا نتدبرها ونتفكر بها مرة بعد مرة؛ حتى نصل إلى أفضل النتائج من التدبر، والقرآن العظيم متشابهٌ في حسنه وإحكامه وعدم اختلافه، تكرّر فيه القصص والأحكام، والحجج والبينات، وتعاد تلاوته فلا يملّ على كثرة الترداد ﮋﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﮊ [الزمر: ٢٣]91.
وقد ثبت من حديث أبي ذرّ رضي الله عنه قال: (قام النّبيّ صلى الله عليه وسلم حتّى إذا أصبح بآيةٍ)، والآية: ﮋﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﮊ [المائدة: ١١٨]92.
وإن النبي صلى الله عليه وسلم قام بهذه الآية طول الليل، وهذا الترديد من أجل أن يعلّم النبي صلى الله عليه وسلم أمته تأمل وتفهم خطورة هذه الآية، وتظل هذه الأمة تسأل، وتتوقف عند دلالاتٍ كثيرةٍ في الآية.
يقول ابن القيم: «ولو علم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبر لاشتغلوا بها عن كل ما سواها، فإذا قرأه بتفكر حتى مر بآية هو محتاج إليها في شفاء قلبه كرّرها ولو مائة مرة، فقراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمة بغير تدبر ولا تفهم، وأنفع للقلب وأدعى إلى حصول الإيمان وذوق حلاوة القرآن، وهذه كانت عادة السلف، يردد أحدهم الآية إلى الصباح»93.
والهدف من التكرار، هو التوقف لاستحضار المعاني، وكلما كثر التكرار زادت المعاني التي تفهم من النص، والتكرار أيضًا قد يحصل لا إراديًّا تعظيمًا أو إعجابًا بما قرأ94. ولنعمل على دخول أكبر قدر من النور إلى قلوبنا بترديد تلك الآية مرات ومرات، وعلينا ألا نمل من ذلك طالما وجد التجاوب، وشيئًا فشيئًا ستتبدد الظلمات من القلب ويطرد الهوى، ويصبح النور هو الغالب فيه، فيسهل عليه التأثر بالآيات ويزداد لينه وخشوعه بها95.
٩. الترسّل والتمهّل عند القراءة.
ومن الأسباب المعينة على التدبر أيضًا الترسل والتمهل أثناء القراءة، قال الله تعالى: ﮋﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﮊ [المزمل: ٤].
والترتيل يعني: الترسل والتمهل، ومن ذلك مراعاة المقاطع والمبادئ وتمام المعنى، بحيث يكون القارئ متفكرًا فيما يقرأ، فمن أسرع القراءة، فقد اقتصر على مقصد واحد من مقاصد قراءة القرآن، وهو: ثواب القراءة، ومن رتّل وتأمل، فقد حقّق المقاصد كلها وكمل انتفاعه بالقرآن، واتبع هدي النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضوان الله عليهم 96.
قال ابن كثير في تفسيره للآية: «أي: اقرأه على تمهّل؛ فإنه يكون عونًا على فهم القرآن وتدبره»97، وعندما سئل أنسٌ كيف كانت قراءة النّبيّ صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: (كانت مدًّا، ثمّ قرأ: ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔﮊ [الفاتحة: ١]. يمدّ ببسم اللّه، ويمدّ بالرّحمن، ويمدّ بالرّحيم)98.
وقد أمر الله تعالى بالترتيل وأكّده بقوله: ﮋﭤ ﮊ، وهو مفعول مطلق مؤكّد، وهذا ما يجعله للوجوب، لكن جمهور العلماء على أن الأمر للندب، ويقرأ القرآن على منازله: فإن كان يقرأ تهديدًا كان أداؤه كالمتهدّد، وإن كان يقرأ لفظ تعظيم كان أداؤه على التعظيم، وإن كان تساؤلًا كان أداؤه كالمتسائل، وهكذا99.
وقال الإمام النووي: «واتفقوا على كراهة الإفراط في الإسراع ويسمى: الهذّ، قالوا: وقراءة جزء بترتيل أفضل من قراءة جزأين في قدر ذلك الزمن بلا ترتيل، قال العلماء: والترتيل مستحب للتدبر، ولأنه أقرب إلى الإجلال والتوقير، وأشد تأثيرًا في القلب؛ ولهذا يستحب الترتيل للأعجمي الذي لا يفهم معناه»100.
١٠. المدارسة الجماعية.
ومن المعينات على التدبر كذلك: حلقات المدارسة الجماعية، حيث قال تعالى: ﮋﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﮊ [فاطر: ٢٩].
ومعنى هذه الآية: «أنّ الذين يستغرق جميع أوقاتهم قيامهم بذكر الله وبحقّه، وإتيانهم بأنواع العبادات وصنوف القرب فلهم القدر الأجلّ من التقريب، والنصيب الأوفر من الترحيب»101، ولا شكّ أن من تمام التلاوة والذكر المدارسة الجماعية لهذا القرآن الكريم بتدبر الآيات، والعيش معها، فعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلاّ نزلت عليهم السّكينة، وغشيتهم الرّحمة وحفّتهم الملائكة، وذكرهم اللّه فيمن عنده، ومن بطّأ به عمله، لم يسرع به نسبه)102.
إن وجود حلقات المدارسة القرآنية من الأهمية بمكان لتعليم الناس، كيف يدخلون إلى عالم القرآن فيهتدون بهداه، ويستشفون بشفائه. قال الإمام النووي: «اعلم أن قراءة الجماعة مستحبة بالدلائل الظاهرة، وأفعال السلف والخلف المتظاهرة»103.
وهذه الحلقات، وإن كانت منتشرة في المساجد هنا وهناك إلا أن مفهومها قد اختزل على تعلم أحكام التجويد، وتصحيح النطق فقط، وهذا الأمر مهم وضروري، ولكنه لا يكفي لتعلم القرآن كما يريد الله عز وجل، بل هو بداية لابد أن يتبعها تعلّم المعاني وجوانب الهدى والإيمان فيما يتلى من آيات، فيسهل على من يواظب عليها، التعامل مع القرآن بمفرده.
وأما القراءة بالدور: وعبّروا عنها بقولهم (الإدارة بالقرآن)، وهو أن يجتمع جماعة يقرأ بعضهم عشرًا، أو أكثر أو أقل، ثم يسكت ويقرأ الآخر من حيث انتهى الذي قبله، فهذا جائز حسن أيضًا، ولا إشكال فيه، وثوابه عظيم -إن شاء الله-104.
تركّز هذه النقاط على الأمور التي تكون مانعًا لتدبّر الإنسان في خلق الله تعالى، أو في القرآن الكريم، ومن ثمّ يصل ذلك الإنسان إلى مراحل متقدمة من الجحود والإنكار لكافة جوانب الدين؛ لأنه لا يمارس هذه العبادة، التي هي من أعظم معينات الطاعة، وصوارف التدبر كثيرة، منها:
أولًا: الطبع والختم على القلوب:
وقد ورد ذلك واضحًا في قوله تعالى: ﮋﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮊ [محمد: ٢٤].
فقد بيّنت الآية السابقة أن الله تعالى طرد المنافقين أشدّ الطرد لما ذكر من إفسادهم وتقطيعهم الرحم، ثم بيّن سبب لعنهم، وهو أنهم صمّوا عن الانتفاع بما يسمعون، وعميت أبصارهم عن الارتفاق بما يبصرون، وتأتي هذه الآية الكريمة لتبين السبب الموجب للعن المسبب للصمم والعمى، وذلك من خلال قول الله تعالى المنكر الموبّخ المظهر105، «لتاء التفعّل إشارة إلى أن المأمور به صرف جميع الهمة إلى التأمل: ﮋﮑ ﮒﮊ، أي: كل من له أهلية التدبر بقلوب منفتحة منشرحة؛ ليهتدوا إلى كل خير ﮋﮓ ﮊ، بأن يجهدوا أنفسهم في أن يتفكروا في الكتاب الجامع لكل خير الفارق بين كل ملبس تفكر من ينظر في أدبار الأمور، وماذا يلزم من عواقبها؛ ليعلموا أنه لا عون على الإصلاح في الأرض، وصلة الأرحام، والإخلاص لله في لزوم كل طاعة والبراءة من كل معصية، مثل الأمر بالمعروف من الجهاد بالسيف وما دونه، وربما دل إظهار التاء على أن ذلك من أظهر ما في القرآن من المعاني، فلا يحتاج في العثور عليه إلى كبير تدبر»106، ثم تأتي الفاصلة القرآنية لهذه الآية الكريمة فتبدأ بحرف الإضراب ﮋﮔﮊ الذي هو بمعنى: بل؛ للانتقال من توبيخ إلى توبيخ، فيكون المعنى: بل إن أولئك المنافقين بلغوا من هول حالهم وفظاعة شأنهم أنّ قلوبهم مطبوعٌ عليها؛ فهم لا يعقلون ولا يسمعون107.
ثانيًا: اتباع الهوى:
قد ورد ذلك واضحًا في قوله تعالى: ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﮊ [الجاثية: ٢٣].
وقد بيّنت الآيات السابقة أن المؤمن لا يساويه الكافر في درجات السعادة، واستدلّ على صحة هذا القول بأنه خلق السماوات والأرض بالحق، ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون، ويقرر الله تعالى في هذه الآية الكريمة أسباب ضلال المضلّين بقوله: أنظرت يا محمد صلى الله عليه وسلم فرأيت من ترك متابعة الهدى والمداومة عليها، إلى مطاوعة الهوى والعبودية لها من دون الله تعالى، وأضله الله تعالى؛ حيث إن الكافر عالم بأنه ضالٌّ، وأنه يبدّل فطرة الله تعالى التي فطر الناس عليها؛ حتى أصبح مختومًا على سمعه وقلبه؛ فلا يتأثر بالمواعظ، ولا يتفكّر في الآيات والنذر، ولم يكتف بذلك؛ بل جعل على بصره غشاوةً مانعةً من الاستبصار والاعتبار.
وإن الاستفهام استفهام تعجبي، فالله عز وجل في الآية يعجّب محمدًا صلى الله عليه وسلم وكل مخاطب، ولا يقتصر على تعجبه هو عز وجل، وتأتي الفاصلة القرآنية في سؤالٍ يفيد القدرة الإلهية، وأن الله تعالى وحده المتفرد بالهداية التوفيقية، وذلك بقوله: فمن يهدي ذلك الكافر المتبع للهوى من بعد إضلاله تعالى إياه بموجب تعاميه عن ذلك الهدى، وتماديه في الغيّ، وسؤالٌ آخر غرضه الحث والحضّ للكافرين على الانصراف عمّا هم عليه، بقوله: أفلا تلاحظون فتتذكرون واجباتكم والتزاماتكم؟108.
ثالثًا: الكبر:
قد ورد ذلك واضحًا في قوله تعالى: ﮋﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ*ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮊ [القصص: ٣٨-٣٩].
فقد بيّنت الآيات السابقة تكذيب فرعون وقومه لنبي الله موسى صلى الله عليه وسلم؛ فرغم مجيء المعجزات البيان على يد ذلك النبي المؤيّد من الله تعالى، إلا أنهم ردّوا على نبيهم صلى الله عليه وسلم بقولهم: «ما هذا الذي جئتنا به إلا سحرٌ افتريته من قبلك وتخرّصته كذبًا وباطلًا ﮋﭜ ﭝ ﭞﮊ الذي تدعونا إليه من عبادة من تدعونا إلى عبادته في أسلافنا وآبائنا الأولين الذين مضوا قبلنا»109.
وعندها قال موسى صلى الله عليه وسلم مجيبًا فرعون: ربي أعلم بمن هو على حقٍّ منا يا فرعون من المبطل، ومن الذي جاء بالرشاد إلى طريق الصواب والبيان، من خلال واضح الحجة من عنده، وربي أعلم من الذي له العقبى المحمودة في الدار الآخرة منّا110، وتأتي هذه الآيات الكريمات لتستأنف الحوار بين موسى صلى الله عليه وسلم وفرعون، فقد بيّنت هذه الآيات مدى فظاعة العلو والاستكبار عند فرعون وقومه، حيث تعمّد الكذب؛ إذ إنه يعلم أن موسى صلى الله عليه وسلم رسول الله، ولكنه بيّن بلسانه أنه ما علم لقومه من إله غيره، فأمر هامان أن يطبخ له آجرّا، وأن يبني له قصرًا، ففعل ذلك، وبنى له صرحًا عاليًا111.
ولم يكتف فرعون بذلك، بل استكبر استكبارًا عظيمًا هو وجنوده في شتى بقاع الأرض التي يحكمونها عن ظلمٍ كبيرٍ منهم، وإن هذا الكبر صرفهم عن التدبّر في عبادة الله تعالى؛ إذ إنهم ظنّوا أنهم لن يرجعوا إلى الله تعالى، فلم يتدبّروا هذه اللحظات التي سيورد إليها الكل ملكًا كان أو جنديًّا.
وقد وردت آيةٌ أخرى تبيّن صرف الله تعالى المتكبرين عن التدبر في آيات الله تعالى، حيث قال جل جلاله: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [الأعراف: ١٤٦].
أي: سأصرفهم أن يتفكّروا في آياتي، وسأمنع قلوبهم من التفكير في أمري؛ إذ إنهم إن يروا الآيات الدالة على صدق النبوة لا يؤمنوا بها، وإن يروا الحق لا يتبعوه، وكذلك إن يروا الباطل يتبعوه، ذلك بأنهم كذبوا بآيات الله تعالى، وغفلوا عن هذه الآيات112.
رابعًا: ارتكاب المعاصي:
قد ورد ذلك واضحًا في قوله تعالى: ﮋﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﮊ [الأعراف: ١٣٠-١٣٦].
هذه الآيات وما قبلها تبيّن مدى غرق فرعون وقومه بالمعاصي الكفرية، من جميع جوانبها، فقد بيّنت الآيات السابقة قصة موسى صلى الله عليه وسلم مع قومه من بني إسرائيل، حيث إنه بعد إيمان السحرة الذين شاهدوا المعجزات برب العالمين، فأيقنوا بنبوته صلى الله عليه وسلم؛ إذ بالنبي موسى عليه السلام يجتهد في إحالة هؤلاء المؤمنين من بني إسرائيل على الله تعالى حاثًّا إياهم على رجوعهم إليه، وتوكلهم عليه، وتعرّضهم لنفحات يسره، فإنه تعالى حكم لأهل الصبر بجميل العقبى، فكان رد هؤلاء المؤمنين من بني إسرائيل، بأنهم توالت عليهم البلايا، ففي حالك يا موسى صلى الله عليه وسلم بلاء، وقبلك شقاء، فما الفضل؟ فأجابهم موسى عليه السلام بما علّق رجاءهم بكشف البلاء، فقال: عسى ربكم أن يهلك عدوّكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون113.
وتبيّن هذه الآيات أن الله تعالى أراد أن يأخذ آل فرعون المكذّبين ببعض العذابات الدنيا، منها الجدوب لأهل البوادي، والنقص من الثمرات لأهل القرى، وصرّف الله تعالى الآيات وبيّنها لهم من كل نوعٍ؛ لعلهم يتعظون ويتدبّرون بعقولهم وقلوبهم؛ كي يرجعوا إلى ربهم، لكنهم ردّوا على هذا البلاء بأنهم إذا جاءتهم سعة الرزق والخصب قالوا: إن هذا هو استحقاقنا على العادة التي جرت لنا من النعمة، فينسون بذلك أنه من الله تعالى، ومن ثمّ لا يشكرونه على نعمه، وإن يصبهم قحط وجدب يتشاءموا بنبيهم موسى صلى الله عليه وسلم وقومه، ويقولون: إنما أصابنا هذا الشر بشؤمهم، فيرد الله تعالى عليهم بقوله: ألا إنما شؤمهم جاء بكفرهم بالله تعالى، ولكنهم أكثرهم لا يعلمون أن الذي أصابهم من الله تعالى، ولم يكتف هؤلاء القوم الكافرون بذلك؛ بل قالوا: مهما تأتنا به يا موسى عليه السلام من آية معجزة لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين، فأرسل الله تعالى في سبعة أيام الطوفان والجراد والقمّل والضفادع فاستكبروا وكانوا قومًا مجرمين، ولكنهم لما وقع عليهم ذلك العذاب، إذ بهم يدعون موسى عليه السلام لأن يدعو الله تعالى بما أوصاه به، وهم يظنون أنهم يمنّون على نبيهم موسى عليه السلام، بأنهم إن كشف الله تعالى عنهم هذا العذاب يؤمنوا لموسى صلى الله عليه وسلم، وسيرسلون بني إسرائيل من المؤمنين الضعاف إلى موسى صلى الله عليه وسلم، فلمّا كشف عنهم العذاب إلى الأجل الذي غرّقهم فيه، إذا هم ينقضون العهد، ولا يوفون، فكان لابدّ من الانتقام باستئصال شأفتهم، فسلب الله تعالى نعمتهم بالعذاب، وأغرقهم في البحر، جزاء تكذيبهم وعدم اعتبارهم بآيات الله تعالى، وتفكّرهم بقلوبهم وعقولهم؛ حيث إنهم لم يتوجّهوا إلى الله تعالى بالصدق، ولم يتذكّروا الله تعالى 114.
خامسًا: زيغ القلوب:
وقد ورد ذلك واضحًا في قوله تعالى: ﮋﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﮊ [آل عمران: ٧].
حيث بيّنت هذه الآية ذينكما النوعين اللذين يختصان بالقرآن الكريم، ومعلومٌ أن القرآن الكريم كله محكمٌ إحكامًا عامًّا؛ لقوله تعالى: ﮋﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮊ [هود: ١].
كما أن القرآن الكريم كله متشابهٌ؛ إذ إنه يشبه بعضه بعضًا في الإحكام والإتقان، قال تعالى: ﮋﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﮊ [الزّمر: ٢٣].
إلا أن هذه الآية التي هي شاهد هذا العنوان تبيّن أن الإحكام المقصود هنا والتشابه، هو ذانكما الإحكام والتشابه الخاصان115.
فأما المحكم الخاص هنا فهو بمعنى: الإحكام والإتقان والمنع عمّا لا ينبغي؛ بمعنى: أنه ما لا يحتمل التأويل ولا التخصيص ولا النسخ ولا التدرج، ويكون معناه واضحًا وضوحًا قويًّا، وأما المتشابه فقد اختلف العلماء فيه، وليس هذا العنوان هو مقام عرض الخلاف، ولكن يكفي القول بأن المتشابه هو ما استأثر الله تعالى بعلمه، وعلى هذا فإن معنى الآية، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، أي: «طلبًا منهم لفتنة الناس في دينهم، والتلبيس عليهم، وإفساد ذات بينهم، وابتغاء تأويله، أي: طلبًا لتأويله على الوجه الذي يريدونه ويوافق مذاهبهم الفاسد»116، ومعنى: ﮋﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙﮊ، أي: وما يعلم المراد منه إلا الله تعالى، ثم يستأنف الربّ تعالى مقررًا لحقيقةٍ ألا وهي أن الراسخين في العلم يقولون: آمنا به كلٌّ من عند ربنا، وتأتي الفاصلة القرآنية؛ لتبين أنه لا يتدبّر ولا يتذكر آيات الله تعالى ولا محكمه أو متشابهه إلا أصحاب العقول، وعلى هذا فإن الآية تبيّن أن من كان يتصف بالعقل، وأنه صاحب لبٍّ ينبغي أن يسلّم بالمتشابه، ولا يقحم عقله بفهم مراده، فهذا هو التدبّر الذي يكون في غير محله، بل يصرف الإنسان عن التدبر الحق.
سادسًا: التعصب والتقليد:
وقد ورد ذلك واضحًا في آياتٍ، منها:
قوله تعالى: ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﮊ [البقرة: ١٧٠].
حيث إن هذه الآية تأتي في سياق الحديث عن كفار قريش، فتبيّن أن الله تعالى ذمّهم بأنهم أبطلوا ما خص الله تعالى به الإنسان من الفكر والرويّة، وركزه فيه من المعارف، وذلك أن الله تعالى ميّز الإنسان بالفكر؛ ليعرف به الخير من الشر في الاعتقاد، والصدق من الكذب في المقال، والجميل من القبيح في الفعال117، فحال الكافرين إذا قيل لهم -من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام-: اتّبعوا ما أنزل الله تعالى من القرآن، وما شرعت به السنة النبوية، يقولون: بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا؛ فهم كانوا أفضل وأعلم منا، ثم تأتي الفاصلة القرآنية في هذه الآية لتبيّن في تساؤلٍ غرضه التوبيخ، كيف يتبعون آباءهم، وآباؤهم لا يعقلون شيئًا، فهم كانوا جهّالًا لا يعرفون شيئًا من أمور الدين، ولا يهتدون لاتباع محمد صلى الله عليه وسلم؛ لعدم تعقّلهم118.
وقال تعالى: ﮋﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮊ [المؤمنون: ٦٨].
فقد بيّنت الآيات السابقة حال الكافرين من الاستكبار والعلو والبعد عن الطاعة، والإدبار عن التفكّر في آيات الله تعالى، وتأتي هذه الآية الكريمة لتبيّن في تساؤلٍ غرضه التوبيخ، وذلك بما جاء في قول الله تعالى: أفلم يتدبّروا هذا القرآن الذي خوطبوا به، بل جاءهم ما لا عهد لآبائهم به، ولذلك أنكروه وتركوا التدبر به119.
سابعًا: تعطيل أدوات التدبر:
ويشهد لذلك قوله تعالى: ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﮊ [الأعراف: ١٧٩].
حيث إن الكفار بعدما وصلوا من ضلال وإضلال؛ إذ بأدوات التدبر عندهم من قلب وعين وأذن تتعطل عن الاستجابة إلى الهدى؛ حتى وصموا بالأنعام، بل هم أضل، وأنهم هم الغافلون120.
أساليب القرآن في الحث على تدبرّه
تنوعت أساليب القرآن الكريم في الحث على تدبّره؛ فمنها ما جاء بأسلوب الحض على التدبر في آياته وأحكامه، ومنها ما كان بجعل التدبّر حكمةً لإنزاله، وهذا بيان لهذه الأساليب، من خلال ما يأتي:
أولًا: الحض على التدبر:
وقد ورد ذلك واضحًا في قوله تعالى: ﮋﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ *ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮊ [النساء: ٨١-٨٢].
حيث إن الآية الأولى بيّنت أن المنافقين يقولون باللسان: مرنا؛ فإن أمرك طاعة، فإذا خرجوا من عند النبي محمد صلى الله عليه وسلم بدّل طائفة منهم غير الذي تقول، فيخاطب الله تعالى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم، بقوله: إن الله تعالى يحصي ويحفظ ما يبدّلون؛ ليجازي كلٌّ بما قدّم، فعليك ألّا تخبر بأسمائهم -وكان عليه الصلاة والسلام يعرف المنافقين-، وعليك أيضًا أن تتوكل على الله فهو حسيبك وكافيك، وتأتي الآية الكريمة الثانية لتبيّن في تساؤلٍ غرضه الحث على انصراف المنافقين عمّا هم عليه، والإقبال إلى ما عند الله تعالى، كما وضّح في كتابه الكريم، فيقول تعالى: أفلا يتدبّرون بنظرهم في الأمر إلى آخره، وبالتفكير في هذا القرآن الذي ليس فيه تناقض ولا تفاوت؛ إذ لو كان من عند غير الله تعالى مهما عظمت فصاحته- لما استطاع هذا المفتري على القرآن أن يخبر عن الغيب أو غيره مما هو في القرآن؛ بل لوجد الناس بعضه صدقًا، ومعظمه كذبًا121.
ولا شكّ أن هذه الآية الكريمة كافية للمؤمن المخاطب بها بطريقة غير مباشرة؛ كي تكون زادًا له في الحث على تدبّر القرآن الكريم آيةً آيةً، بل كلمةً كلمةً، كيف لا؟! وهو القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيلٌ من حكيمٍ حميد.
ثانيًا: جعل التدبّر حكمة إنزال القرآن:
ورد ذلك واضحًا في قوله تعالى: ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﮊ [ص: ٢٧-٢٩].
فقد بيّنت الآيات السابقة أن الله تعالى لم يخلق السماء والأرض وما بينهما هزلًا ولعبًا، وأن ذلك حسبان الذين كفروا؛ فهم الذين أعدّ الله تعالى لهم ويلًا ونارًا، وتساءلت الآية السابقة سؤالًا غرضه التقرير للمؤمنين، والتوبيخ للكافرين، وذلك بقوله: أنجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض، أم نجعل أصحاب محمد عليه السلام المتقين كالكفار، وتأتي هذه الآية الكريمة بأسلوب استئنافيٍّ؛ لتقرير حقيقةٍ، ألا وهي: أنّ هذا الكتاب الكريم الذي هو القرآن إنما هو منزّلٌ من الله تعالى إلى قلب النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهو مباركٌ؛ ليتدبّر الناس هذا القرآن، بل يتوجّب عليهم معرفة معانيه، والترتيل لآياته؛ إذ لا يصح التدبر إلا إذا قرئت أحكام التلاوة، وتأتي الفاصلة القرآنية لتبيّن سببًا آخر لإنزال هذا القرآن المبارك، وهو أن يتعظ ويعتبر أصحاب العقول بما فيه من أحكام وهدايات122.
موضوعات ذات صلة: |
الآيات الكونية، التفكر، العقل، الغفلة، الفقه، القرآن |
1 انظر: العين، الفراهيدي، ٨/ ٣١، تهذيب اللغة، الأزهري، ١٤/٧٨، الصحاح، الجوهري، ٢/٦٥٣، مقاييس اللغة، ابن فارس، ٢/ ٣٢٤.
2 انظر: لسان العرب ، ابن منظور، ٤/٢٧٣.
3 انظر: دستور العلماء، القاضي نكري، ٢/٢٦٩.
4 انظر: تاج العروس ، الزبيدي، ١١/٢٦٥.
5 التعريفات، ص٥٤.
6 مدارج السالكين، ١/ ٤٤٩.
7 انظر: قواعد التدبر الأمثل ، الميداني، ص ١٠.
8 انظر: تدبر القرآن ، سليمان السنيدي، ص ٦٤.
9 انظر: المعجم المفهرس، محمد فؤاد عبد الباقي، ص٢٥٢، المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، باب الدال ص ٤٩٦.
10 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص٢١١، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي، ٢/٥٨٨، تاج العروس، الزبيدي، ١١/٢٦٥.
11 انظر: العين، الخليل بن أحمد، ٧/٢٤٨.
12 مناهل العرفان، الزّرقاني، ٢/٣.
13 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني، ص٩٩، لسان العرب، ابن منظور، ١١/ ٣٢.
14 انظر: الإتقان، السيوطي، ٤/١٩٢.
15 انظر: معجم علوم القرآن، إبراهيم الجرمي، ص ٧٨.
16 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس، ٥/٣٨١.
17 انظر: مفهوم التفسير، مساعد الطيار، ص١٦٠.
18 انظر: مجمل اللغة، ابن فارس، ١/٧٠٤.
19 انظر: التعريفات، الجرجاني، ص٦٣.
20 انظر: الفروق اللغوية، العسكري، ص٧٥.
21 تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص ٣١٥.
22 انظر: فتح القدير، الشوكاني، ٢/ ٣٢٦.
23 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب زيادة الإيمان ونقصانه، ١/١٧.
24 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٩/٢٥٧.
25 انظر: الوسيط، طنطاوي، ٦/ ٣٠.
26 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب، ٣/١٤٧٥.
27 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بني الإسلام على خمس، ١/١٠.
28 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور، ١١/٦٥.
29 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب جامع صلاة الليل، رقم ١٦٦٨، ٢/١٦٩.
30 أخرجه ابن المبارك في الزهد والرقائق، ١/ ١٣.
31 انظر: فتح القدير، الشوكاني، ١/ ١٥٨، تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص ٦٥.
32 إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ١/ ١٥٣.
33 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي، ٥/ ٣٣٩.
34 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الطهارة، باب الطهور شطر الإيمان، ١/١٣٩، رقم ٤٠٤.
35 انظر: التبيان في آداب حملة القرآن، النووي، ص ٥٤.
36 انظر: التفسير المنير، الزحيلي، ١/ ٢٩٧.
37 انظر: فقه النصر والتمكين، علي الصلابي، ص١٨٦.
38 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب جامع صلاة الليل، ٢/١٦٩، رقم ١٦٦٨.
39 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: ﮋﭵ ﭶ ﭷ ﭸﮊ، ٦/ ٦٠، رقم ٤٦٤٢.
40 فضائل القرآن، الفريابي، ص ٢٤٧، فهم القرآن ومعانيه، المحاسبي، ص٢٧٦.
41 انظر: التفسير المنير، الزحيلي، ٦/ ١٣٤.
42 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور، ١٦/٣٣٠.
43 انظر: الرسالة القشيرية، القشيري، ١/ ٤٠.
44 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٢/ ٤٧٤.
45 أخرجه الترمذي في سننه، كتاب العلم، باب إذا أراد اللّه بعبدٍ خيرًا فقّهه في الدّين، ٥/ ٢٨، رقم ٢٦٤٥.
قال الترمذي: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
46 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الدعوات، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن الذّكر، ٨/٧١، رقم ١٦٦٨.
47 انظر: التفسير المنير، الزحيلي، ١١/ ٧٩.
48 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص ٤٤٧.
49 انظر: الكشاف، الزمخشري، ٢/ ٦٢٨.
50 انظر: فتح القدير، الشوكاني، ٣/ ٢٢٤.
51 التحرير والتنوير، ١/٥٧٥.
52 مجموع فتاوى ابن تيمية، ٧/ ٢٣٦.
53 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور، ١٩/٥٣.
54 انظر: موسوعة فقه القلوب، محمد التويجري، ٣/ ٢٥٠٧.
55 مجموع الفتاوى، ١٨/ ٢٨٤.
56 أخرجه أحمد في مسنده، مسند أهل البيت، حديث جعفر بن أبي طالب، ٣/ ٢٦٧.
57 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي، ٤/ ١٢٤، رقم ٤٣٤٤.
وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، ١/ ٨٨٦.
58 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٧/ ٣٤٨.
59 انظر: جامع البيان، الطبري، ١٣/ ٣٣٣.
60 انظر: التفسير الميسر، نخبة من أساتذة التفسير، ١/ ١٧٦.
61 انظر: التفسير المنير، الزحيلي، ١٤/ ٢٣٢.
62 انظر: الوسيط، طنطاوي ٨/ ٢٣٤
63 انظر: المقدمات الأساسية، عبد الله الجديع، ص٤٩٨.
64 انظر: النشر في القراءات العشر، ابن الجزري ١/ ٢٤٩
65 أخرجه النسائي في سننه، كتاب السهو، باب الداء بعد الذكر، ٣/ ٥٣، رقم ١٣٠٣.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١٣٢٠، رقم ٧٩٦٩.
66 انظر: العودة إلى القرآن، مجدي الهلالي، ص٩٥.
67 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الدعوات، باب يستجاب للعبد ما لم يعجل، ٨/ ٧٤، رقم ٣٦٤٠.
68 انظر: الفوائد، ابن القيم ص ٣
69 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٢٦/٣٢٤.
70 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد)، ٦/ ٤٥، رقم ٤٥٨٣.
71 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب مثل صاحب القرآن كمثل الإبل، ٢/١٩١، رقم ١٧٩٠.
72 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور، ١٤/١٦٤.
73 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب تطويل القراءة في صلاة اللّيل، ١/٥٣٦، رقم ٧٧٢.
74 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الصّلاة، باب الدّعاء في الصّلاة، ١/ ٢٣٣، رقم ٨٨٣.
وصححه الألباني في صحيح أبي داود، الأم، ٤/ ٣٨.
75 جامع البيان، ٥/٥٧٦.
76 انظر: النشر في القراءات العشر، ابن الجزري، ١/ ٢٠٨.
77 العودة إلى القرآن، مجدي الهلالي، ص ٩٩.
78 انظر: المقدمات الأساسية، عبد الله الجديع، ص ٤٩٥.
79 انظر: التبيان في آداب حملة القرآن، النووي، ص ١٥٦.
80 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٥/ ١٨٩.
81 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب، ٤/ ٢٢٤٦.
82 انظر: المصدر السابق، ٣/ ١٤٢٥.
83 تيسير الكريم الرحمن، ص ٣١٤.
84 مدارج السالكين، ١/ ٤٨١.
85 أخرجه مالك في الموطأ، كتاب الصلاة، باب العمل في القراءة، ١/٨٠، رقم ٢٩.
وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، ٤/١٢٨.
86 سبق تخريجه.
87 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، بابٌ: أهل العلم والفضل أحقّ بالإمامة، ١/١٣٦، رقم ٦٧٨.
88 أخرجه ابن المبارك في الزهد والرقائق، ١/٣٥٩.
89 انظر: المقدمات الأساسية، عبد الله الجديع، ص ٥٠٦.
90 انظر: الوسيط، طنطاوي، ١٤/ ١٢٧.
91 انظر: التفسير الميسر، نخبة من أساتذة التفسير، ١/ ٤٦١.
92 أخرجه النسائي في سننه، كتاب السهو، باب الداء بعد الذكر، ٢/ ١٧٧، رقم ١٠١٠.
وحسنه الألباني في أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ، ٢/٥٣٤.
93 مفتاح دار السعادة، ابن القيم، ١/ ١٨٧
94 انظر: علوم القرآن الكريم، نور الدين عتر، ص ٢٧٨.
95 انظر: العودة إلى القرآن، مجدي الهلالي، ص ٩٩.
96 انظر: مفاتح تدبر القرآن، خالد اللاحم، ص٤٨.
97 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٨/ ٢٥٠.
98 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل القرآن، باب مدّ القراءة، ٦/ ١٩٥، رقم ٥٠٤٦.
99 انظر: علوم القرآن الكريم، نور الدين عتر، ص ٢٧٩.
100 المجموع شرح المهذب، النووي، ٢/ ١٦٥.
101 لطائف الإشارات، القشيري، ٣/٢٠٣.
102 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الدعوات، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن الذّكر، ٨/٧١، رقم ١٦٦٨.
103 التبيان في آداب حملة القرآن، النووي، ص ١٠١.
104 انظر: علوم القرآن الكريم، نور الدين عتر، ص ٢٨٤.
105 انظر: نظم الدرر، البقاعي، ١٨/٢٤٣.
106 المصدر السابق.
107 انظر: فتح البيان، القنوجي، ١٣/٧١.
108 انظر: غرائب القرآن، النيسابوري، ٦/١١٣، إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٨/٧٣.
109 جامع البيان، الطبري، ١٩/٥٧٩.
110 انظر: المصدر السابق، ١٩/٥٨٠.
111 انظر: تفسير القرآن العزيز، ابن أبي زمنين، ٣/٣٢٦.
112 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن أبي حاتم، ٥/١٥٦٧.
113 انظر: لطائف الإشارات، القشيري، ١/٥٥٩.
114 انظر: الوجيز، الواحدي، ص٤٠٩، ٤١٠.
115 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ٧/١٣٧، ١٣٨، الإتقان في علوم القرآن، السيوطي، ٣/٣.
116 فتح القدير، الشوكاني، ١/٣٦١.
117 انظر: تفسير الراغب الأصفهاني، ١/٣٦٧.
118 انظر: معالم التنزيل، البغوي، ١/١٩٨- ١٩٩.
119 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٢/١٣٩.
120 انظر: تفسير القرآن العزيز، ابن أبي زمنين، ٢/١٥٤.
121 انظر: تفسير القرآن، السمعاني، ١/٤٥٣.
122 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٥/١٩٢.