عناصر الموضوع
بيت النبوة
أولًا: المعنى اللغوي:
بالنظر في مصطلح (بيت النبوة) نجد أنه مركبٌ إضافي يتكون من كلمة (بيت) وكلمة (النبوة) ولا بد من تعريف كل كلمة على حدة، ثم يعرف المركب كله بعد ذلك.
أما كلمة (بَيْت) فأصلها: مأوى الإنسان بالليل؛ لأنه يقال: بات: أقام بالليل، كما يقال: ظل بالنهار، ثم قد يقال للمسكن بيت من غير اعتبار الليل فيه، وجمعه أبيات وبيوت، لكن البيوت بالمسكن أخص، والأبيات بالشِعْر... وعبر عن مكان الشيء بأنه بيته، وصار أهل البيت متعارفًا في آل النبي صلى الله عليه وسلم1
وأما النبوة فمختلف فيها، هل هي من النبأ أو من النبوة؟ فإن كانت من النبأ فهي متروكة الهمزة، وإن كانت من النبوة فهي على أصلها، قال ابن السكيت: «النبي وهو من أنبأ عن الله عز و جل فترك همزه، وإن أخذته من النبوة وهو الارتفاع من الأرض، أي: شرف على سائر الناس، فأصله غير الهمز»2.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
عرفها ابن حزم بأنها «الوحي من الله تعالى بأن يعلم الموحى إليه بأمرٍ ما يعلمه لم يكن يعلمه قبل»3
أقول: وإذا كانوا عرفوا النبي بأنه «من اختصه الله سبحانه و تعالى بسماع وحي بحكم شرعي تكليفي سواء أمر بتبليغه أم لا»4 فإنه يمكن أن تعرف النبوة بأنها إيحاء الله تعالى إلى نبيٍ من الأنبياء بأي طريقٍ من طرق الوحي بحكم أو شرعٍ، أمر بتبليغه أو لم يؤمر.
بيت النبوة كمركب إضافي:
أما إذا أردنا تعريف مصطلح (بيت النبوة) باعتباره مركبًا إضافيًا، فيكون تعريفه باعتبار مفرداته؛ فهو المنزل الذي كان ينزل فيه الوحي على أي نبيٍ من الأنبياء.
وشاع إطلاقه على أسرة نبينا صلى الله عليه وسلم من شخصه وأقاربه.
بيت النبوة في الاستعمال القرآني
لم يرد مصطلح (بيت النبوة) في الاستعمال القرآني.
وقد عبَر عن القرآن عن معناه بألفاظ أخرى، وهي:
أهل البيت:
أهل البيت لغة:
«أهل الرجل: من يجمعه وإياهم نسب أو دين، أو ما يجري مجراهما من صناعة وبيت وبلد، وأهل الرجل في الأصل: من يجمعه وإياهم مسكن واحد، ثم تجوز به فقيل: أهل الرجل لمن يجمعه وإياهم نسب، وتعورف في أسرة النبي صلى الله عليه وسلم مطلقًا -إذا قيل: أهل البيت- لقوله عز و جل (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [الأحزاب:٣٣]. وعبر بأهل الرجل عن امرأته»5.
بل صرح بعضهم بأن أهل البيت «عبارة عن النساء، الواحد والجمع فيه سواء. ولكن الضمير الذي يرجع إليه يكون جمعًا ومذكرًا اجتنابًا عن التصريح، لأجل حرمة النساء»6.
أهل البيت اصطلاحًا:
«كل من يكون من ألزام النبي صلى الله عليه وسلم من الرجال والنساء والأزواج والإماء والأقارب، وكلما كان الإنسان منهم أقرب وبالنبي صلى الله عليه وسلم أخص وألزم كان بالإرادة أحق وأجدر»7.
الصلة بين بيت النبوة وأهل البيت:
لفظان مترادفان، فأهل البيت، هم بيت النبوة.
آل البيت:
آل البيت لغة:
الآل: «أهل الرجل وعياله أيضًا: أتباعه وأولياؤه،... وأصله أهلٌ، أبدلت الهاء همزةً، فصارت: أألٌ، توالت همزتان، فأبدلت الثانية ألفًا فصار: آل. وتصغيره: أويلٌ وأهيلٌ»8
«وقد ورد الآل في القرآن على ثلاثة أوجهٍ:
الأول: بمعنى القوم والتبع: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [القمر:٤١]
الثاني: بمعنى أهل البيت والحاضرين من أهل القوت والنفقة: (ﭿ ﮀ ﮁ) [القمر:٣٤]
الثالث: بمعنى القرابة والذرية الكلية: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [آل عمران:٣٣].
(ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [مريم:٦].
ويستعمل فيمن يختص بالإنسان (اختصاص ذاته) إما بقرابة قريبة، أو بموالاة.
آل البيت اصطلاحًا:
وآل النبي: أقاربه. وقيل: المختصون به من حيث العلم. وذلك أن أهل الدين ضربان: ضرب مختص بالعلم المتقن والعمل المحكم. فيقال لهم: آل النبي وأمته وضرب مختصون بالعمل على سبيل التقليد.
ويقال لهم: أمة محمد صلى الله عليه وسلم ولا يقال لهم: آل النبي. وكل آل النبي أمته، وليس كل أمته آله. وقيل لجعفر الصادق: الناس يقولون: المسلمون كلهم آل النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: صدقوا وكذبوا. فقيل: ما معناه؟ قال: (كذبوا في أن الأمة كافتهم آله، وصدقوا أنهم إذا قاموا بشرائط شريعته فهم آله»9 وآل البيت أصبح علمًا على آل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
الصلة بين بيت النبوة والآل البيت:
آل البيت أعم من بيت النبوة، فـ(آل البيت) يشمل زوجاته صلى الله عليه وسلم، وقرابته، سواء الذي كانوا في حياته، أو الذين جاؤوا بعد مماته.
بيت النبوة محط أنظار الأمة، وموطن قدوتها، لذلك حظي برعاية خاصة من المولى عز و جل، تتمثل هذه العناية في إرادة الله تعالى تطهيرهم، وفي مجموعة وصايا أمر الله بها أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
أولًا: إرادة الله تعالى تطهير بيت النبوة:
يقول تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [الأحزاب:٣٣].
هذا جزء آية، بدايتها (ﭶ ﭷ ﭸ) جاءت ضمن مجموعة وصايا وتوجيهات لنساء النبي صلى الله عليه وسلم فجاءت هذه في خاتمتها لتكون بمثابة التعليل لها، فكأنه قال: إنه أمركم بهذه الأوامر إرادة إذهاب الرجس عنكم، وإرادة تطهيركم. ولئلا يقارف أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم المآثم، ولتصونوا عنها بالتقوى10.
فيخبر المولى عز و جل بأسلوب الحصر أنه يريد إذهاب الرجس عن أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ويريد تطهيرهم، والقصر قصر قلب، والمعنى: «ما يريد الله لكن مما أمركن ونهاكن إلا عصمتكن من النقائص وتحليتكن بالكمالات ودوام ذلك، أي: لا يريد من ذلك مقتًا لكن ولا نكاية»11.
بعد جملة توجيهات لهذا البيت الطاهر، بيت النبي صلى الله عليه وسلم تأتي هذه الجملة (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) فالتكاليف فيها مشقة على النفس الإنسانية، فتأتي مثل هذه التعليلات لتخففها على النفس، فالإنسان إذا علم الحكمة من التكليف، والغاية السامية التي ترتب عليه خفت شدته عليه، ويسر أمره، «وفي التعبير إيحاءاتٌ كثيرةٌ، كلها رفاف، رفيق، حنون؛ فهو يسميهم (ﮍ ﮎ) بدون وصفٍ للبيت ولا إضافة. كأنما هذا البيت هو البيت الواحد في هذا العالم، المستحق لهذه الصفة. فإذا قيل: «البيت» فقد عرف وحدد ووصف... فالتعبير عن بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك تكريم وتشريف واختصاص عظيم.
وهو يقول: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ).. وفي العبارة تلطف ببيان علة التكليف وغايته. تلطفٌ يشي بأن الله سبحانه و تعالى يشعرهم بأنه بذاته العلية يتولى تطهيرهم وإذهاب الرجس عنهم. وهي رعاية علوية مباشرة بأهل هذا البيت»12.
وأهل البيت في هذه الآية يشمل أزواجه صلى الله عليه وسلم ومن ذكر في الحديث من ذريته وقرابته، فعن عائشة قالت: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم غداة وعليه مرط مرحل 13 من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ))14.
وعن عمر بن أبي سلمة ربيب النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) في بيت أم سلمة، فدعا فاطمة وحسنًا وحسينًا فجللهم بكساء15 وعليٌ خلف ظهره، فجللهم بكساء، ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا، قالت: أم سلمة وأنا معهم يا نبي الله؟ قال: أنت على مكانك، وأنت على خير)16.
قيل: «لم يدخلها لاستغنائها بظاهر الكتاب، فليطمئن قلبها»17.
وفي بعض الروايات تقول السيدة أم سلمة رضي الله عنها: (فأدخلت رأسي البيت، فقلت: وأنا معكم يا رسول الله، قال: إنك إلى خير، إنك إلى خير)18.
وقد اختلف العلماء في ذلك، فذهب بعضهم إلى أن الآية خاصة بأزواجه صلى الله عليه وسلم لأن الآية نزلت فيهن ابتداءً، وذهب آخرون إلى أنها خاصة بذريته صلى الله عليه وسلم للحديث المتقدم.
و«توسطت طائفةٌ بين الطائفتين فجعلت هذه الآية شاملةً للزوجات ولعليٍ وفاطمة والحسن والحسين؛ أما الزوجات فلكونهن المرادات في سياق هذه الآيات، ولكونهن الساكنات في بيوته النازلات في منازله، وأما دخول عليٍ وفاطمة والحسن والحسين فلكونهم قرابته وأهل بيته في النسب، ويؤيد ذلك ما ورد من الأحاديث المصرحة بدخولهم»19.
ودخول أزواجه فيهم أمر لم يخالف فيه إلا الرافضة، وهم مردود عليهم، «والتحقيق أنهن داخلات في الآية، وإن كانت الآية تتناول غيرهن من أهل البيت. أما الدليل على دخولهن في الآية، فهو أن سياق الآية صريحٌ في أنها نازلة فيهن، والتحقيق: أن صورة سبب النزول قطعية الدخول.
وأما الدليل على دخول غيرهن في الآية، فهو الأحاديث التي تنص على دخول علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنه. وبما ذكر من دلالة القرآن والسنة، تعلم أن الصواب شمول الآية الكريمة لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ولعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنه كلهم20.
وقد اختلف في المراد بالرجس هنا على أقوال كثيرة، فقيل: «الإثم، وقيل: الشرك، وقيل: الشيطان، وقيل: المعاصي، وقيل غير ذلك»21.
والمعاني كلها متقاربة، ولا يوجد تعارض بينها، ولعلها كلها مرادة.
فإذهاب الرجس إزالة الأقذار العالقة، والتطهير: صيانة عن الأقذار التي يمكن أن تلحق الإنسان، وفي الجمع بين إرادة إذهاب الرجس وإرادة التطهير «لطيفة، وهي أن الرجس قد يزول عينًا ولا يطهر المحل؟
فقوله تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ) أي: يزيل عنكم الذنوب، ويطهركم أي يلبسكم خلع الكرامة»22
ثانيًا: وصايا الله تعالى لنساء بيت النبوة:
وإذا كان للبيت النبوي الشريف خصوصياته وفضائله فإن عليه أيضًا تكاليف كثيرة، وقد ذكر في سورة الأحزاب مجموعة من التكاليف والوصايا التي أمر بها نساء هذا البيت الشريف.
ذكرت هذه التكاليف في قوله تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [الأحزاب:٣٢-٣٤].
وهذه التكاليف وإن كانت عامة في كافة النساء إلا أنها أكدت في حق نساء هذا البيت لمكان القدوة عندهن.
ولنتناول هذه التكاليف بشيء من الإيضاح الذي يجليها.
١. النهي عن إلانة القول، والأمر بالقول المعروف.
تبدأ الآية الكريمة بنداء أمهات المؤمنين بأفضل وصف لهن، وهو وصفهن بـ (ﭡ ﭢ) ثم تذكرهن بمكانتهن، وتخبرهن أن مكانتهن عالية جدًا، ومنزلتهن رفيعة وذلك في حال ما إذا التزمن التقوى، ثم ينهاهن (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) ويأمرهن (ﭲ ﭳ ﭴ) وفي تذكيرهن بهذه المكانة وأنهن لسن كبقية لنساء لتنبيههن إلى أنه ينبغي أن يبالغن في امتثال هذه التكاليف، فهو توجيه لهيئة الكلام بأن يكون في غير ميوعة ولينٍ، ولموضوع الكلام، فيما هو متعارف عليه بين الناس.
والمعنى «لا تلين القول، فيطمع الذي في قلبه فجور (ﭲ ﭳ ﭴ) صحيحًا لا يطمع فاجرًا»23.
وهذا تحذير من هيئة الكلام «فإن الناس متفاوتون في لينه، والنساء في كلامهن رقةٌ طبيعيةٌ وقد يكون لبعضهن من اللطافة ولين النفس ما إذا انضم إلى لينها الجبلي قربت هيئته لهيئة التدلل لقلة اعتياد مثله إلا في تلك الحالة. فإذا بدا ذلك على بعض النساء ظن بعض من يشافهها من الرجال أنها تحبب إليه، فربما اجترأت نفسه على الطمع في المغازلة فبدرت منه بادرة تكون منافية لحرمة المرأة»24.
وفي الإتيان بقوله (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) بعد فاء السببية لطيفة، وهي أنه سبحانه و تعالى ينفي التهمة عنهن، فنهيهن عن إلانة القول أمام الأجانب ليس اتهامًا لهن، وإنما حفاظًا عليهن من الفساق مرضى القلوب.
وبهذا يرد على أذناب الغرب الذين يعيشون بيننا، فهم يقولون: أنتم ضعاف القلوب، ولهذا تسترون نساءكم وتنهونهن عن مخاطبة الرجال، وأما نحن فلسنا بحاجة إلى مثل هذه الأمور لأنا أقوياء النفوس، لا يتطرق إلى أذهاننا ما يتطرق إلى أذهانكم من الفحشاء.
فنقول لهم: إننا لا نتهمكم، ولكن نحافظ على نسائكم، فلنفترض جدلًا أنا ضعاف النفوس سيئي القصد، ألا تخاف على زوجتك وابنتك منا-إن كنا بهذه الصفات-!
ثم إننا إذا نظرنا إلى مجتمعاتكم لا نرى فيه الطهر الذي تزعمون، والعفاف الذي تدعون، بل نرى فحشًا وخيانات، ونرى اغتصابًا واعتداءً على الأعراض، كم من حالات الخيانة حدثت عندكم من خلال غنج النساء ولينهن بالقول،! رأينا انطلاق سعار الشهوات، سعارٌ حيواني لا يخبو ولا ينطفأ، بل أدى بكم إلى عقد وأمراض نفسية، أدى بكم إلى الشذوذ بكافة أشكاله.
والمرض نوعان:
ومرض القلوب: مرض شبهة وشك، ومرض شهوة وغي.
وأما مرض الأبدان: فمثل قوله تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ)25 [النور:٦١].
والمراد هنا مرض الشهوة الذي يعتري القلوب.
«وعطف (ﭲ ﭳ ﭴ) على (ﭪ ﭫ ﭬ) بمنزلة الاحتراس، لئلا يحسبن أن الله كلفهن بخفض أصواتهن كحديث السرار»26.
يقول صاحب الظلال: «ومن هن اللواتي يحذرهن الله هذا التحذير؛ إنهن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين، اللواتي لا يطمع فيهن طامع، ولا يرف عليهن خاطر مريض، فيما يبدو للعقل أول مرة. وفي أي عهدٍ يكون هذا التحذير؟ في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الصفوة المختارة من البشرية في جميع الأعصار.. ولكن الله الذي خلق الرجال والنساء يعلم أن في صوت المرأة حين تخضع بالقول، وتترقق في اللفظ، ما يثير الطمع في قلوب، ويهيج الفتنة في قلوب. وأن القلوب المريضة التي تثار وتطمع موجودة في كل عهد، وفي كل بيئة، وتجاه كل امرأة، ولو كانت هي زوج النبي الكريم، وأم المؤمنين. وأنه لا طهارة من الدنس، ولا تخلص من الرجس، حتى تمتنع الأسباب المثيرة من الأساس. فكيف بهذا المجتمع الذي نعيش اليوم فيه»27 في عصر الفتن والشهوات يجب على المرأة أن تحتشم في زيها وصوتها وحركاتها وسكناتها حتى تبقى نبعًا للطهر والنقاء في مجتمع يغرق الكثير منه في الرذيلة.
٢. القرار في البيوت.
ثم يأتي هذا الأمر الإلهي لهن بالقرار في البيوت (ﭶ ﭷ ﭸ) وقد قرئت بفتح القاف وكسرها «فمن كسر جعله من الوقار. ومن فتح جعله من الاستقرار»28 .
فهو «من وقر يقر وقارًا في المكان: إذا ثبت فيه، وقيل: هو من قررت في المكان أقر، والأصل واقررن، حذفت الراء الأولى وألقيت حركتها على القاف فصار وقرن.
قال النحاس: يجوز أن يكون (ﭶ) من قررت به عينًا أقر، فيكون المعنى: واقررن به عينًا في بيوتكن»29.
قال ابن فارس: «الواو والقاف والراء: أصلٌ يدل على ثقل في الشيء. منه الوقر: الثقل في الأذن. يقال منه: وقرت أذنه توقر وقرًا. والوقر: الحمل. ويقال نخلةٌ موقرةٌ وموقرٌ، أي: ذات حملٍ كثير»30 .
وأيًا كان أصله فإن المقصود الأمر لهن بملازمة البيت إشارة إلى أن البيت هو المهمة الأولى للمرأة، وليس المراد نهيهن عن الخروج من البيوت على الإطلاق.
قيل: هو أمر وجوب لهن «خصصن به، وهو وجوب ملازمتهن بيوتهن توقيرًا لهن. وتقويةً في حرمتهن، فقرارهن في بيوتهن عبادة، وأن نزول الوحي فيها وتردد النبي صلى الله عليه وسلم في خلالها يكسبها حرمة... وهذا الحكم وجوب على أمهات المؤمنين وهو كمال لسائر النساء»31.
و«إضافة البيوت إليهن لأنهن ساكنات بها، أسكنهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكانت بيوت النبي صلى الله عليه وسلم يميز بعضها عن بعضٍ بالإضافة إلى ساكنة البيت، يقولون: حجرة عائشة، وبيت حفصة، فهذه الإضافة كالإضافة إلى ضمير المطلقات في قوله تعالى (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [الطلاق:١].
وذلك أن زوج الرجل هي ربة بيته، والعرب تدعو الزوجة البيت، ولا يقتضي ذلك أنها ملك لهن، لأن البيوت بناها الرسول صلى الله عليه وسلم تباعًا تبعًا لبناء المسجد، ولذلك لما توفيت أزواجه كلهن أدخلت ساحة بيوتهن إلى المسجد في التوسعة التي وسعها الخليفة الوليد بن عبد الملك في إمارة عمر بن عبد العزيز على المدينة، ولم يعط عوضًا لورثتهن»32.
أقول: كأني بالآية تشير إلى أمرين اثنين يجب أن تتحلى بهما المرأة المسلمة:
الأول: الوقار والاحترام، فلا تتميع ولا تتسكع كما تفعل المستهترة.
الثاني: أن المهمة الأساسية للمرأة المسلمة هي بيتها، فيلزمها الاعتناء به أولًا، وهي مهمة شاقة ليست بالهينة، فهو مصنع الرجال.
ولصاحب الظلال كلام رائع في هذا الأمر، أذكر بعضه -خشية الإطالة- يقول: «وليس معنى هذا الأمر ملازمة البيوت فلا يبرحنها إطلاقًا. إنما هي إيماءة لطيفة إلى أن يكون البيت هو الأصل في حياتهن، وهو المقر وما عداه استثناء طارئًا لا يثقلن فيه ولا يستقررن. إنما هي الحاجة تقضى، وبقدرها.
والبيت هو مثابة المرأة التي تجد فيها نفسها على حقيقتها كما أرادها الله تعالى غير مشوهة ولا منحرفة ولا ملوثة، ولا مكدودة في غير وظيفتها التي هيأها الله لها بالفطرة»33.
٣. النهي عن التبرج.
لما كان الغرض من أمرهن بملازمة البيوت هو الستر عليهن، وألا يفتح سبيلٌ للفساق للنيل منهن، وكان هناك حاجات تحملهن على الخروج نهاهن عن إظهار زينتهن فقال سبحانه و تعالى (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) أي: لا تظهرن زينتكن.
والتبرج أصله التباعد والظهور، فـ»البرج: تباعد ما بين الحاجبين، وكل ظاهر مرتفع فقد برج... والتبرج: إظهار المرأة زينتها ومحاسنها للرجال. وتبرجت المرأة: أظهرت وجهها. وإذا أبدت المرأة محاسن جيدها ووجهها قيل: تبرجت، وترى مع ذلك في عينيها حسن نظرٍ»34.
واختلف في صفة التبرج المذكور في الآية، فقيل: «التبختر، وقيل: كانت لهن مشية تكسرٍ وتغنجٍ، فنهاهن عن ذلك، وقيل: كانت المرأة تمشي بين يدي الرجل، فذلك هو التبرج، وقيل: هو أن تلقي الخمار على رأسها ولا تشده ليواري قلائدها وعنقها وقرطها، ويبدو ذلك كله منها، فذلك هو التبرج، وقيل: أن تبدي من محاسنها ما أوجب الله تعالى عليها ستره»35.
وأرى أنه لا يوجد تعارض بين هذه الأقوال، ولعلها كلها صور لما كان يحدث في الجاهلية من تبرجٍ.
و(ﭼ ﭽ) اختلفوا فيها؛ قيل: ما بين عيسى ومحمد عليهما السلام وقيل: هي زمن داود وسليمان عليهما السلام وكانت المرأة تلبس قميصًا من الدر غير مخيط الجانبين فيرى خلفها فيه. وقيل: الجاهلية التي هي الزمان الذي فيه ولد إبراهيم عليه السلام، وكانت المرأة من أهل ذلك الزمان تتخذ الدرع من اللؤلؤ فتلبسه ثم تمشي وسط الطريق ليس عليها شيء غيره، وتعرض نفسها على الرجال. وقيل: هي ما بين آدم ونوح ثمانمائة سنة، وكان نساؤهم أقبح ما يكون من النساء ورجالهم حسان. فكانت المرأة تريد الرجل على نفسها. وقيل: هي ما قبل الإسلام36 .
ورجحه ابن عطية، فقال: «والذي يظهر عندي أنه أشار للجاهلية التي لحقنها، فأمرن بالنقلة عن سيرتهن فيها، وهي ما كان قبل الشرع من سيرة الكفرة، لأنهم كانوا لا غيرة عندهم وكان أمر النساء دون حجاب، وجعلها أولى بالنسبة إلى ما كن عليه، وليس المعنى أن ثم جاهليةً أخرى»37.
«ووصفها بـ(ﭽ) وصف كاشف، لأنها أولى قبل الإسلام وجاء الإسلام بعدها، وليس ثمة جاهليتان. ومن المفسرين من جعلوه وصفًا مقيدًا، وجعلوا الجاهلية جاهلتين، فمنهم من قال: الأولى هي ما قبل الإسلام وستكون جاهلية أخرى بعد الإسلام، يعني حين ترتفع أحكام الإسلام -والعياذ بالله-»38 .
أقول: ما المانع من كونه وصفًا مقيدًا، فالجاهلية وصف لحالة معينة، وليست فترةً زمنيةً بعينها، وإن كان الميل إلى أن هذا الوصف متحقق في الفترة التي سبقت الإسلام مباشرة، وإذا نظرنا في أوصاف هذه الفترة التي استحقت أن توصف بالجاهلية لأجلها نجد أننا في عصرنا هذا نعيش جاهليةً لا تقل في عنفوانها وقوتها عن تلكم الفترة، بل قد تكون أشد منها.
ولن نطيل بالمقارنة بين الفترتين من جميع الجوانب، ولكن نقارن بينهما في الجانب الذي نتحدث فيه، وهو جانب التبرج، فإذا نظرنا إلى تلكم الحقبة من الزمان نجد أن التبرج الذي كانت تفعله المرأة أنها كانت تمشي ضاربة بصدرها مظهرة لنحرها حتى يراها الرجال، أو كانت تضرب الأرض برجلها حتى يسمع الرجال قرع خلخالها، وما جاء من تعرٍ زائدٍ عن ذلك فإنما هو تعرٍ مؤقت مرتبط بعبادة الحج، لغرض ديني عندها، فكانت تتعرى من ثيابها متفائلة بالتعري من ذنوبها، ومع ذلك كانت تأخذ خرقة تضعها على فرجها تستره بها.
أما عن ما أحدثه نساء زماننا من تبرجٍ وتعرٍ، فحدث ولا حرج، أظهرت جميع جسدها بلا استثناء، معلنة أن ذلك حرية، بل اعتبرت أن ممارسة الرزيلة حرية شخصية، وأن عفتها تخلفٌ ورجعية، في حين أن الجاهلية الأولى كانت تنظر إلى فعل الرزيلة على أنه يتنافى مع الحرية، يتجلى ذلك في عبارة هند زوج أبي سفيان رضي الله عنهما في قصة مبايعتها الشهيرة (أو تزني الحرة)39 فاعتبرت الزنا منافيًا للحرية.
ويؤيد ما ذكرته قول ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير الآية: (وهل كانت من أولى إلا ولها آخرة؟)40.
قال المهدوي: «وقوله: (ﭼ ﭽ) يدل على أن ثم جاهليةً أخرى في الإسلام»41.
فـ«الجاهلية ليست فترة معينة من الزمان. إنما هي حالة اجتماعية معينة، ذات تصورات معينة للحياة. ويمكن أن توجد هذه الحالة، وأن يوجد هذا التصور في أي زمان وفي أي مكان، فيكون دليلًا على الجاهلية حيث كان! وبهذا المقياس نجد أننا نعيش الآن في فترة جاهلية عمياء، غليظة الحس، حيوانية التصور، هابطة في درك البشرية إلى حضيض مهين»42.
٤. الأمر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة.
يأتي بعد هذا الأمر لهن بأداء أصول العبادات، إقامة الصلاة وأداء الزكاة،(ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) وذلك أنه سبحانه و تعالى لما قال لهن (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ...) قد يتطرق إلى أذهانهن أنهن مأمورات بالأشياء المذكورة فقط، ولسن مأمورات ببقية العبادات الأخرى، فأمرهن بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، ليدفع هذا الوهم.
ومن المعلوم أن الصلاة أصل العبادات البدنية، والزكاة أصل العبادات المالية.
والمراد بالصلاة والزكاة الواجبتان، وإقامة الصلاة: الإتيان بها كاملة الأركان والهيئات في أوقاتها التي حددها الشرع. وإيتاء الزكاة: دفع ما أوجبه الشرع الحنيف في الأموال على الوجه الذي بينته الشريعة الغراء.
و«أريد بهذه الأوامر الدوام عليها، لأنهن متلبسات بمضمونها من قبل، وليعلم الناس أن المقربين والصالحين لا ترتفع درجاتهم عند الله تعالى عن حق توجه التكليف عليهم. وفي هذا مقمعٌ لبعض المتصوفين الزاعمين أن الأولياء إذا بلغوا المراتب العليا من الولاية سقطت عنهم تكاليف الشريعة»43.
ونلحظ هنا أنه أتى بالأمر بالصلاة والزكاة بعد أوامر ونواهٍ تتعلق بالنواح السلوكية، وكأنه يعطي إشارة إلى أن العبادات في الإسلام ليست بمعزل عن سلوكيات الإنسان وحياته، فلا يأتي متنطع يزعم أنه يلزم فصل الدين عن الحياة، فالدين كلٌ لا يتجزأ، يشمل سلوكيات الإنسان، وجميع جوانب الحياة.
يقول صاحب الظلال: «وعبادة الله ليست بمعزل عن السلوك الاجتماعي أو الأخلاقي في الحياة؛ إنما هي الطريق للارتفاع إلى ذلك المستوى؛ والزاد الذي يقطع به السالك الطريق. فلا بد من صلة بالله يأتي منها المدد والزاد. ولا بد من صلة بالله تطهر القلب وتزكيه. ولا بد من صلة بالله يرتفع بها الفرد على عرف الناس وتقاليد المجتمع وضغط البيئة؛ ويشعر أنه أهدى وأعلى من الناس والمجتمع والبيئة. وأنه حري أن يقود الآخرين إلى النور الذي يراه؛ لا أن يقوده الآخرون إلى الظلمات وإلى الجاهلية التي تغرق فيها الحياة، كلما انحرفت عن طريق الله... ومن ثم كان الأمر بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وطاعة الله ورسوله، هو خاتمة التوجيهات الشعورية والأخلاقية والسلوكية لأهل البيت الكريم. لأنه لا يقوم شيء من تلك التوجيهات بغير العبادة والطاعة»44.
٥. الأمر بطاعة الله ورسوله.
وبعد أن أمرهن بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وكانت العبادات غير مقتصرة على هاتين الشعيرتين، بل هي أعم من ذلك، فهي امتثال جميع الأوامر، واجتناب جميع النواهي، جاء هذا الأمر العام بطاعة الله تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم (ﮃ ﮄ ﮅ) فهو عطف للعام على الخاص.
وقد «جاء الأمر عامًا بالطاعة لأن هاتين الطاعتين البدنية والمالية هما أصل سائر الطاعات، فمن اعتنى بهما حق العناية جرتاه إلى ما وراءهما، قال تعالى (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [العنكبوت:٤٥]»45.
٦. تعليم ما يتلى من القرآن والسنة.
وبعد أن أمرهن بما تقدم يأتي الأمر لهن بتذكر النعمة الكبرى والمنة العظمى، ألا وهي نزول الوحي في بيوتهن، فلذا يجب عليهن شكرها بالعمل بما جاء به من أحكام، وبالقيام بتبليغ الوحي للأمة كلها (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [الأحزاب:٣٤].
الفعل (ﮒ) «يجوز أن يكون من الذكر -بضم الذال- وهو التذكر، وهذه كلمة جامعة تشمل المعنى الصريح منه، وهو أن لا ينسين ما جاء في القرآن ولا يغفلن عن العمل به، ويشمل المعنى الكنائي، وهو أن يراد مراعاة العمل بما يتلى في بيوتهن مما ينزل فيها وما يقرأه النبي صلى الله عليه وسلم فيها، وما يبين فيها من الدين، ويشمل معنًى كنائيًا ثانيًا وهو تذكر تلك النعمة العظيمة أن كانت بيوتهن موقع تلاوة القرآن»46.
«ويجوز أن يكون من الذكر -بكسر الذال-، وهو إجراء الكلام على اللسان، أي: بلغنه للناس بأن يقرأن القرآن، ويبلغن أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته. وفيه كناية عن العمل به»47.
قلت: ولا مانع من إرادة المعنيين، فيكون من قبيل ما يسمى عند البلاغيين بأسلوب الاستخدام، وما يسمى عند الأصوليين استخدام المشترك في معنييه، ويكون هذا من الإعجاز القرآني، إذ يشمل اللفظ القليل المعاني الكثيرة.
وآيات الله لا خلاف في أن المراد بها القرآن الكريم. واختلف في المراد بالحكمة «قيل: هي السنة. وقيل: هي أحكام القرآن ومواعظه»48.
والمعنى عليه «من الكتاب الجامع بين كونه آيات الله البينة الدالة على صدق النبوة بنظمه المعجز وكونه حكمة منطوية على فنون العلوم والشرائع»49 .
والميل إلى أن المراد بها السنة، وذلك حتى يكون هناك مغايرةٌ بين المعطوف والمعطوف عليه. ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد تزوجهن بأمر الله تعالى ؛ لحاجة أرادها الله تعالى فقد يتصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم تصرفًا عند إحداهن لم يتصرفه عند غيرها، فتبلغه وتذكره، كزاوجه من أمنا ميمونة رضي الله عنها.
وجملة (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) «تعليل للأمر وتذييل للجمل السابقة، والتعليل صالح لمحامل الأمر كلها لأن اللطف يقتضي إسداء النفع بكيفية لا تشق على المسدى إليه.
وفيما وجه إلى نساء النبي صلى الله عليه وسلم من الأمر والنهي ما هو صلاح لهن وإجراء للخير بواسطتهن، وكذلك في تيسيره إياهن لمعاشرة الرسول صلى الله عليه وسلم وجعلهن أهل بيوته، وفي إعدادهن لسماع القرآن وفهمه، ومشاهدة الهدى النبوي، كل ذلك لطف لهن هو الباعث إلى ما وجهه إليهن من الخطاب ليتلقين الخبر ويبلغنه، ولأن الخبير، أي العليم إذا أراد أن يذهب عنهن الرجس ويطهرهن حصل مراده تامًا لا خلل ولا غفلة»50 .
٧. ارتداء الحجاب.
من الأشياء المهمة للمرأة المسلمة، بل وللمجتمع كله ستر العورات، لمنع إثارة الشهوات، لذلك حرص الإسلام الحنيف على ستر جسد المرأة، حفاظًا عليها، وحفظًا للمجتمع كله، لذا يأتي هذا التوجيه الإلهي للنبي صلى الله عليه وسلم أن يأمر أزواجه وبناته وجميع المؤمنات بستر العورة (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [الأحزاب:٥٩].
عن عائشة: (أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يخرجن بالليل إذا تبرزن إلى المناصع -وهو صعيد أفيح- فكان عمر يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: احجب نساءك، فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل، فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي عشاء، وكانت امرأة طويلة، فناداها عمر: ألا قد عرفناك يا سودة -حرصًا على أن ينزل الحجاب- فأنزل الله آية الحجاب)51.
ومن المعلوم أن ارتداء المرأة المسلمة للحجاب فريضة عليها، لا تقل في وجوبها عن الصلاة والصيام، وإن كان هناك خلاف بين العلماء في القدر الواجب ستره من بدنها، والخلاف مشهور في عورة المرأة، ولسنا بصدد الحديث عن الخلاف في المسألة، وإنما يعنينا القول بوجوب ستر العورة.
وفي هذه الآية الكريمة ينادي المولى عز و جل نبيه صلى الله عليه وسلم آمرًا إياه أن يأمر أزواجه وبناته ونساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن. والجلباب: كل ما يستر الكل، مثل الملحفة، والمعنى: قل للحرائر يرخين أرديتهن وملاحفهن، ليعلم أنهن حرائر فلا يؤذين. (ﮩ ﮪ) أي: أقرب وأجدر (ﮫ ﮬ) من الإماء (ﮭ ﮮ) وذلك أن النساء في أول الإسلام كن على زيهن في الجاهلية متبذلات، لا فصل بين الحرة والأمة. وكان الفتيان يتعرضون للإماء، إذا خرجن بالليل لقضاء حاجتهن، وكن يخرجن مختلطات مع الحرائر، فربما تعرضوا للحرة، يحسبونها أمة، فأمرن أن يخالفن بزيهن عن زي الإماء بلباس الجلابيب.
قال ابن عباس رضي الله عنه: «أمر الله تعالى نساء المؤمنين أن يغطين رؤوسهن ووجوههن بالجلابيب، ويبدين عينًا واحدةً»52.
«وابتدئ بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبناته لأنهن أكمل النساء»53.
وعندما نزلت الآية سارع النساء وقت نزولها إلى الامتثال، فعن أم سلمة قالت: «لما نزلت (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [الأحزاب:٥٩]. خرج نساء الأنصار كأن على رءوسهن الغربان من الأكسية»54.
وعن عائشة أنها قالت: «يرحم الله نساء المهاجرات الأول لما أنزل الله (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [النور:٣١]. شققن أكنف -قال ابن صالحٍ أكثف- مروطهن فاختمرن بها»55.
أولًا: النهي عن دخول بيوت النبي صلى الله عليه وسلم إلا بدعوة:
ذكر الله تعالى عدة أحكام لبيت النبوة، منها ما ذكره في قوله تعالى: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [الأحزاب:٥٣].
في الآيات السابقة بين تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم ما ينبغي له مراعاته من شأن أزواجه، فجاءت هذه الآية لتبين ما يجب على المؤمنين مراعاته أيضًا نحو أزواج النبي أمهاتهم56.
والآية تتضمن من الأدب ما يتعلق بالطعام وما يتعلق بالحجاب، فأما ما يتعلق بالطعام فيتفرع عنه أمران، الأدب قبل تناول الطعام، والأدب بعد تناوله، فأول هذه الآداب ما قبل الطعام، فنهوا عن دخول بيوته إلا بدعوة، فقوله: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) «حظر على المؤمنين أن يدخلوا منازل رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير إذن، كما كانوا قبل ذلك يصنعون في بيوتهم في الجاهلية وابتداء الإسلام، حتى غار الله لهذه الأمة، فأمرهم بذلك، وذلك من إكرامه تعالى هذه الأمة»57.
وذلك أن البيوت أماكن راحة لأصحابها وسكن لهم، فينبغي مراعاة أحوال أهلها، لذلك كان هذا التوجيه الإلهي.
والسب في ذلك ما روي عن أبي بن كعب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نهض إلى بيته بادروه فأخذوا المجالس فلا يعرف ذلك في وجه رسول الله ولا يبسط يده إلى الطعام استحياءً منهم، فعوتبوا في ذلك، فأنزل الله: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ)58 .
ومعنى (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) إلا أن تقدم لكم دعوةٌ إلى طعامٍ، وقد ضمن (ﮞ) معنى: تُدْعَوا، «للإشعار بأنه لا ينبغي أن يدخلوا على الطعام بغير دعوة وإن تحقق الإذن، كما يشعر به قوله (ﮢ ﮣ ﮤ)»59 . أي: غير منتظرين بلوغه وإنضاجه60، وكأنه نهىٌ عن دخول بيوت النبي إلا بشرطين: «الإذن بالدخول، وأن يكون الجلوس بمقدار الحاجة»61.
وفي هذه الآية «دليل على تحريم التطفيل، وهو الذي تسميه العرب الضيفن»62.
وهذه الآية قد يفهم منها عدم جواز دخول بيوته صلى الله عليه وسلم إلا بعد الدعوة إلى طعام، ولا يجوز الدخول لطلب علم ونحو ذلك، وهذا الفهم باطل، لأنه »قد دلت الأدلة على جواز دخول بيوته صلى الله عليه وسلم بإذنه لغير الطعام، وذلك معلوم لا شك فيه، فقد كان الصحابة وغيرهم يستأذنون عليه لغير الطعام فيأذن لهم، وذلك يوجب قصر هذه الآية على السبب الذي نزلت فيه، وهو القوم الذين كانوا يتحينون طعام النبي صلى الله عليه وسلم فيدخلون ويقعدون منتظرين لإدراكه وأمثالهم، فلا تدل على المنع من الدخول مع الإذن لغير ذلك، وإلا لما جاز لأحد أن يدخل بيوته بإذنه لغير الطعام، واللازم باطل فالملزوم مثله»63.
ثم إنه «لا يشترط في الإذن التصريح به بل إذا حصل العلم بالرضا جاز الدخول ولهذا قال (ﮜ ﮝ ﮞ) من غير بيان فاعلٍ، فالآذن إن كان الله أو النبي أو العقل المؤيد بالدليل جاز، والنقل دالٌ عليه حيث قال (ﮰ ﮱ) [النور:٦١].
فلو جاء الرجل وعلم أن لا مانع في البيت من تكشف أو بحضور غير محرم، أو علم خلو الدار من الأهل وهي محتاجة إلى إطفاء حريقٍ فيها أو غير ذلك جاز الدخول»64.
ثم أمرهم أن ينصرفوا بعد تناول الطعام، فقال سبحانه و تعالى (ﮩ ﮪ ﮫ) «أي: فاخرجوا، فدل على أن الدخول للأكل يمنع من المقام بعد الفراغ من الأكل»65 والسبب في الأمر بالانصراف بعد تناول الطعام ما رواه البخاري وغيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش دعا القوم فطعموا، ثم جلسوا يتحدثون، وإذا هو كأنه يتهيأ للقيام، فلم يقوموا، فلما رأى ذلك قام، فلما قام من قام، وقعد ثلاثة نفر، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليدخل، فإذا القوم جلوس، ثم إنهم قاموا، فانطلقت فجئت فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد انطلقوا، فجاء حتى دخل، فذهبت أدخل فألقى الحجاب بيني وبينه، فأنزل الله (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) الآية»66.
ثانيًا: النهي عن الانتظار للاستئناس والتسلية:
بعد أن بين سبحانه و تعالى أنه يجب عليهم الانصراف بعد تناول الطعام الذي دعوا إلى تناوله نهاهم عن الجلوس للسمر والتسلية، فقال (ﮬ ﮭ ﮮ) فلا «تطيلوا الجلوس ليستأنس بعضكم بحديث بعضٍ، وكانوا يجلسون بعد الطعام يتحدثون فنهوا عن ذلك»67 .
أقول: هذا المعنى يفهم من الأمر بالانتشار بعد تناول الطعام، ولكنه أعاده لكي لا يفهم أن الجلوس للسمر بعد تناول الطعام مباح، وأن الأمر بالانتشار مشروط بما إذا لم يكن هناك سمر.
ثم علل لكل ما تقدم بقوله (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) «لتضييق المنزل عليه وعلى أهله وإيجابه للاشتغال بما لا يعينه وصده عن الاشتغال بما يعنيه68 وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحتمل إطالتهم كرمًا منه، فيصبر على الأذى في ذلك، فعلم الله من يحضره الأدب، فصار أدبًا لهم ولمن بعدهم»69
أقول: جرى قوله تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) مجرى المثل، وذلك لأن فيه لطيفة ذكرها ابن عاشور، وهي « أن من واجبات دين الله على الأمة أن لا يستحيي أحدٌ من الحق الإسلامي في إقامته، وفي معرفته إذا حل به ما يقتضي معرفته، وفي إبلاغه وهو تعليمه، وفي الأخذ به، إلا فيما يرجع إلى الحقوق الخاصة التي يرغب أصحابها في إسقاطها أو التسامح فيها مما لا يغمص حقًا راجعًا إلى غيره، لأن الناس مأمورون بالتخلق بصفات الله تعالى اللائقة بأمثاهم بقدر الإمكان.
وهذا المعنى فهمته أم سليم وأقرها النبي صلى الله عليه وسلم على فهمها، فقد جاء في الحديث الصحيح: جاءت أم سليم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: (يا رسول الله؛ إن الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت)70.
فهي لم تستح في السؤال عن الحق المتعلق بها، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يستح في إخبارها بذلك. ولعلها لم تجد من يسأل لها أو لم تر لزامًا أن تستنيب عنها من يسأل لها عن حكم يخص ذاتها»71.
ويمكن القول مثل ذلك عن قول الله تعالى (ﮩ ﮪ ﮫ) أيضًا ذهبت مثلًا بين الناس، فإذا بقي بعض الناس في المجلس بعد الأكل قال أحدهم، فذكر الآية (ﮩ ﮪ ﮫ).
وهذه الآية وإن كانت تشتمل على أدب يتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم إلا أن فيها حفظًا للأدب وتعليمًا «أن الرجل إذا كان ضيفًا لا ينبغي أن يجعل نفسه ثقيلًا، ولكنه إذا أكل ينبغي أن يخرج»72.
«وما أحوج المسلمين اليوم إلى هذا الأدب الذي يجافيه الكثيرون، فإن المدعوين إلى الطعام يتخلفون بعده، بل إنهم ليتخلفون على المائدة، ويطول بهم الحديث؛ وأهل البيت الذين يحتفظون ببقية من أمر الإسلام بالاحتجاب متأذون محتبسون، والأضياف ماضون في حديثهم وفي سمرهم لا يشعرون! وفي الأدب الإسلامي غناءٌ وكفاءٌ لكل حالة، لو كنا نأخذ بهذا الأدب الإلهي القويم»73.
ثالثًا: مخاطبة نساء أهل البيت من وراء حجاب:
نص غير واحد من العلماء على أن من فضائل نبينا صلى الله عليه وسلم أنه لا يحل أن يسأل زوجاته صلى الله عليه وسلم إلا من وراء حجاب74.
ثم إن نساء النبي صلى الله عليه وسلم «أمهات المؤمنين في التحريم والحرمة فقط لا في المحرمية فليس لأحد أن يخلو بهن ولا ينظر إليهن بل قد أمرهن الله بالاحتجاب عمن حرم عليه نكاحهن من غير أقاربهن ومن بينهن وبينه رضاعٌ»75 .
بل إنهن خصصن بهذا الحكم الزائد عن بقية النساء، فلا يجوز مخاطبتهن ومشافهتهن إلا من وراء سترٍ، مع وجوب ارتدائهن للحجاب، هذا التوجيه الإلهي مذكور في قوله (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) أي: و»كما نهيتكم عن الدخول عليهن، كذلك لا تنظروا إليهن بالكلية، ولو كان لأحدكم حاجة يريد تناولها منهن فلا ينظر إليهن، ولا يسألهن حاجة إلا من وراء حجاب»76.
(ﯧ ﯨ ﯩ) أنتم أيها الرجال وقلوبهن أيتها الأمهات؛ أنقى من الخواطر التي تعرض للرجال في أمر النساء وللنساء في أمر الرجال77 .
«وهذا يدل على أنه لا ينبغي لأحدٍ أن يثق بنفسه في الخلوة مع من لا تحل له؛ فإن مجانبة ذلك أحسن لحاله، وأحصن لنفسه، وأتم لعصمته»78.
والآية «تقرر أن هذا الحجاب أطهر لقلوب الجميع: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) فلا يقل أحدٌ غير ما قال الله، لا يقل أحدٌ إن الاختلاط وإزالة الحجب، والترخص في الحديث واللقاء والجلوس والمشاركة بين الجنسين أطهر للقلوب، وأعف للضمائر، وأعون على تصريف الغريزة المكبوتة، وعلى إشعار الجنسين بالأدب وترقيق المشاعر والسلوك.. إلى آخر ما يقوله نفر من خلق الله الضعاف المهازيل الجهال المحجوبين. لا يقل أحدٌ شيئًا من هذا والله يقول: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ).
يقول هذا عن نساء النبي الطاهرات. أمهات المؤمنين. وعن رجال الصدر الأول من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن لا تتطاول إليهن وإليهم الأعناق! وحين يقول الله قولًا ويقول خلق من خلقه قولًا. فالقول لله سبحانه و تعالى وكل قولٍ آخر هراءٌ، لا يردده إلا من يجرؤ على القول بأن العبيد الفانين أعلم بالنفس البشرية من الخالق الباقي الذي خلق هؤلاء العبيد!
والواقع العملي الملموس يهتف بصدق الله، وكذب المدعين غير ما يقوله الله. والتجارب المعروضة اليوم في العالم مصدقة لما نقول. وهي في البلاد التي بلغ الاختلاط الحر فيها أقصاه أظهر في هذا وأقطع من كل دليل. وأمريكا أول هذه البلاد التي آتى الاختلاط فيها أبشع الثمار»79.
بينما فهم فريق آخر من العلماء أن المراد هو الحجاب الشرعي للمرأة المسلمة، وعليه يكون لفظ الآية خاصًا بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، إلا أن حكمها عام لجميع المسلمات، فإن تعليله تعالى لهذا الحكم الذي هو إيجاب الحجاب بكونه أطهر لقلوب الرجال والنساء من الريبة في قوله تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) قرينة واضحة على إرادة تعميم الحكم، إذ لم يقل أحد من جميع المسلمين إن غير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لا حاجة إلى أطهرية قلوبهن وقلوب الرجال من الريبة منهن.
وقد تقرر في الأصول: أن العلة قد تعمم معلولها، ففيها إذًا الدليل الواضح على أن وجوب الحجاب حكم عام في جميع النساء، وليس خاصًا بأزواجه صلى الله عليه وسلم وإن كان أصل اللفظ خاصًا بهن؛ لأن عموم علته دليل على عموم الحكم فيه 80. ويكون وجه الخطاب لهن لمكان القدوة بالنسبة لهن، فهن قدوة لبقية نساء الأمة.
رابعًا: النهي عن نكاح نساء رسول الله بعد وفاته:
النبي صلى الله عليه وسلم له مكانته الخاصة، فهو (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ) [الأحزاب:٦].
أمهاتهم في المكانة والمنزلة، والتوقير والاحترام، وحرمة الزواج بهن، وحرمة الزواج بهن مراعاةً لحرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه، فإن الرجل الغيور يأنف أن تتزوج امرأته برجل آخر، ولذلك لما نزلت آية القذف (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [النور:٤].
قال سعد بن عبادة -وهو سيد الأنصار-: أهكذا نزلت يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الأنصار ألا تسمعون إلى ما يقول سيدكم؟! قالوا: يا رسول الله؛ لا تلمه، فإنه رجل غيور، والله ما تزوج امرأة قط إلا بكرًا، وما طلق امرأة له قط فاجترأ رجلٌ منا على أن يتزوجها من شدة غيرته...»81 فمن غيرة سعد لم يجرؤ رجل على أن يتزوج بامرأة طلقها، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أشد غيرةً منه، كما قال في القصة ذاتها (أتعجبون من غيرة سعد؟! لأنا أغير منه، والله أغير مني)82.
فلكي يطمئن الله رسوله من هذه الجهة حرم على جميع الأمة الزواج بأمهات المؤمنين فقال تعالى (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [الأحزاب:٥٣].
وكأن هذا تقريرٌ لحكم أمومتهن للمؤمنين المتقدم ذكره في أول السورة، وبيانٌ لهذه الأمومة، فهو في أشياء خاصةٍ، في المكانة والاحترام وحرمة التزوج بهن، أما بالنسبة للخلوة بهن وحجابهن أمام الرجال فيعاملن كبقية النساء، بل أشد من بقية النساء-كما تقدم-.
وقد «شرعت الآية أن حكم أمومة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم للمؤمنين حكم دائم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده، ولذلك اقتصر هنا على التصريح بأنه حكم ثابت من بعد، لأن ثبوت ذلك في حياته قد علم من قوله (ﯞ ﯟ) [الأحزاب:٦]»83.
وقوله (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) «العظم هنا في الإثم والجريمة، وتقييد العظيم بكونه عند الله «للتهويل والتخويف، لأنه عظيم في الشناعة. وعلة كون تزوج أحد المسلمين إحدى نساء النبي صلى الله عليه وسلم إثمًا عظيمًا عند الله: أن الله جعل نساء النبي صلى الله عليه وسلم أمهات للمؤمنين، فاقتضى ذلك أن تزوج أحد المسلمين إحداهن له حكم تزوج المرء أمه، وذلك إثمٌ عظيمٌ»84.
وهنا مسألة ذكرها العلماء وأطالوا فيها الكلام، لا أرى في إطالة الكلام فيها كبير فائدةٍ، حيث إنهن كلهن قد توفين، وهي أنه هل يدخل في أزواجه اللاتي يحرمن على الأمة من طلقها النبي صلى الله عليه وسلم ؟
لذا فإني أكتفي بنقل كلام الإمام ابن كثير في المسألة، قال رحمه الله: «أجمع العلماء قاطبةً على أن من توفي عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أزواجه أنه يحرم على غيره تزويجها من بعده؛ لأنهن أزواجه في الدنيا والآخرة وأمهات المؤمنين. واختلفوا فيمن دخل بها ثم طلقها في حياته هل يحل لغيره أن يتزوجها؟ على قولين، مأخذهما: هل دخلت هذه في عموم قوله (ﯷ ﯸ) أم لا؟ فأما من تزوجها ثم طلقها قبل أن يدخل بها، فما نعلم في حلها لغيره -والحالة هذه -نزاعًا»85.
فأزواجه اللاتي مات عنهن وهن في عصمته يحرم على الأمة الزاج بواحدة منهن، بلا خلاف بين العلماء. ومن تزوجها وطلقها قبل أن يدخل بها فلا تحرم على غيره من الأمة بلا خلاف، وإنما الخلاف فيمن طلقها بعد أن دخل بها، والبحث في المسألة قليل الجدوى لأمرين:
الأول: ما تقدم من أنهن كلهن قد توفين.
والثاني: أنه لم يوجد واحدة من نسائه بهذه الصفة، فهي مسألة افتراضية.
قلت: ذكر بعض المفسرين هنا قصة كسببٍ لنزول هذه الآية، ولم أرها تروى من طريق صحيح، لذا أعرضت عن ذكرها، إذ لا حاجة بها، ولا يلزم أن تكون الآية نزلت على سبب، فإن كثيرًا من آي القرآن نزل ابتداءً بدون سبب.
خامسًا: مضاعفة الأجر أو العقوبة لآل البيت:
ولأهل البيت خصيصة أخرى، وهي مضاعفة العذاب لمن يفعل فاحشة، وبما أن الغنم بالغرم، فإنه في المقابل من يفعل حسنة يضاعف له ثوابها.
قال تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [الأحزاب:٣٠-٣١].
الضعف: «من الألفاظ المتضايفة التي يقتضى وجود أحدهما وجود الآخر، كالنصف والزوج، وهو تركب قدرين متساويين، ويختص بالعدد، فإذا قيل أضعفت الشيء وضعفته وضاعفته ضممت إليه مثله فصاعدًا»86.
والمراد بمضاعفة العذاب: «مثليه»87.
وقيل: «(ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ) أي: يجعل لها العذاب ثلاثة أعذبة، لأن ضعف الشيء مثله، وضعفي الشيء مثلا الشيء، ومجاز (ﯲ) أي: يجعل الشيء شيئين حتى يكون ثلاثة»88
والأول أظهر لمقابلته بإعطاء الأجر مرتين.
قال الزجاج عن هذا القول: «وليس هذا بشيء؛ لأن معنى (ﯲ) يجعل عذاب جرمها كعذاب جرمين. الدليل عليه قوله (ﭙ ﭚ ﭛ)، فلا يكون أن تعطى على الطاعة أجرين وعلى المعصية ثلاث أعذبة»89.
وجه تضعيف العذاب لهن على الفاحشة:
وفي قوله تعالى: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) «إيذان بأن كونهن نساءً للنبي صلى الله عليه وسلم ليس بمغنٍ عنهن شيئًا، وكيف يغني عنهن وهو سبب مضاعفة العذاب، فكان داعيًا إلى تشديد الأمر عليهن غير صارف عنه»94.
ثم وعد من تفعل طاعة لله تعالى بمضاعفة الثواب، فتؤتى مثلي ثواب غيرها، «وإنما ضوعف أجرهن لطلبهن رضا رسول الله، بحسن الخلق وطيب المعاشرة والقناعة والتوقر على عبادة الله»95 .
والقنوت: «لزوم الطاعة مع الخضوع»96.
والرزق الكريم، وهو «رزق الجنة قال تعالى (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [البقرة:٢٥]. ووصفه بالكريم لأنه أفضل جنسه»97 .
أو أنه منازلهن في الجنة «فإنهن في منازل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أعلى عليين، فوق منازل جميع الخلائق، في الوسيلة التي هي أقرب منازل الجنة إلى العرش»98.
البيت النبوي الشريف شأنه شأن أي بيت له واقعه المعاش، وما الواقع إلا أحداثٌ تصير قصصًا بعد ذلك، إلا أن كثيرًا من البيوت يطوي قصصها الأيام، وينساها الزمان، بيد أن بيت النبوة لا يمكن أن يحدث له ذلك، فهو محط أنظار المسلمين، وموضع اهتمامهم، لذلك فإنه عرف عنه كل صغيرة وكبيرة، وسجل التاريخ عنه كل شيء، كيف لا وهذا البيت قدوتهم الذي به يقتدون، ونورهم الذي به يهتدون؟! وقد ذكر القرآن الكريم بعض هذا القصص، ونذكر بعضًا منه في المطالب الآتية-إن شاء الله-.
أولًا: قصة الغيرة بين نساء بيت النبوة:
الغيرة المعتدلة خلق محمود، فقد روي (الغيرة من الإيمان)99 .
خلق محمود إذا دفعت صاحبها للذود عن الحرمات والابتعاد عن المحرمات، ولم تؤد إلى الشك في سلوك الآخرين، أو إلى فعل مذمومٍ، فإذا أدت إلى ذلك تكون خلقًا مشينًا، وسلوكًا بغيضًا، وغالبًا ما يحدث هذا النوع بين النساء، ولا سيما إن كن ضرائر، ونساء النبي صلى الله عليه وسلم باعتبار أنهن ضرائر كن-أحيانًا- يغلب عليهن الطبع النسوي، فيقعن في شيءٍ من هذا النوع، رغم مكانتهن، والتزامهن بالآداب الإسلامية الرفيعة.
ورغم أن الوحي كان ينزل في بيوتهن، وقد عاتبهن الله تعالى على شيءٍ فعلنه من هذا النوع، فقد صحبن النبي صلى الله عليه وسلم الكريم وعاونه على أداء رسالته وارتفعن إلى ما يتلى في بيوتهن من آيات الله والحكمة.
وقد آخذهن الله بأمرين معروفين في السيرة:
الأول: اتفاقهن على مطالبة النبي بالمزيد من النفقة، وضيقهن بالمعيشة الناشفة التي التزمها. وقد رضين جميعًا بالبقاء معه عندما أكد لهن أنه ما بدٌ من هذه الحياة لمن يريد الله ورسوله والدار الآخرة!
أما الأمر الثاني: فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان لطيف العشرة لين الجانب دمث الأخلاق، فأطمع ذلك بعض نسائه في الجراءة عليه. وكانت الغيرة هي السبب.
فزعمت إحداهن أنها شمت منه رائحةً غير طبيعية، فقال: شربت عسلًا عند زينب! فقالت: لعل نحله وقع على نباتٍ سيِء. فقال: (لا أعود إليه ولا تخبري أحدًا). ثم ظهر أن القصة مفتعلة، وأنها مؤامرة لتزهيده في فلانة! وغضب الرسول لما وقع، وهجر نساءه جميعًا حتى شاع أنه طلقهن! ونزلت سورة التحريم تطفئ هذه الفتنة وتؤدب من أحرج الرسول وأساء المسلك100 .
والقصة كما رواها أصحاب الصحاح عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش ويشرب عندها عسلًا، فتواصيت أنا وحفصة أن أيتنا دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فلتقل: إني أجد فيك ريح مغافير101 أكلت مغافير، فدخل على إحداهما فقالت له ذلك، فقال (بل شربت عسلًا عند زينب بنت جحش ولن أعود له) فنزلت (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) إلى (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [التحريم:١-٤].لعائشة وحفصة)102.
القصة أشارت إليها الآيات الأولى من سورة التحريم، فالسورة تبدأ بالإنكار على النبي صلى الله عليه وسلم لتحريمه شرب العسل على نفسه (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) «استفهام فيه إنكار، والإنكار من الله عز و جل نهيٌ، وتحريم الحلال مكروه، ولا يحرم الحلال إلا بتحريم الله عز و جل»103 .
وهذا التحريم من النبي صلى الله عليه وسلم «تحريم امتناع عن الانتفاع بها أو بالعسل لا تحريم اعتقاد بكونه حرامًا بعد ما أحله الله فالنبي صلى الله عليه وسلم امتنع عن الانتفاع بذلك مع اعتقاده أن ذلك حلال»104.
ثم يذكر سبحانه و تعالى أنه شرع لنا تحلة القسم، (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [التحريم:٢].
فمن حلف على يمين ورأى غيره خيرًا منها فليفعل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ، فعن عبد الرحمن بن سمرة، قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: (وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرًا منها فكفر عن يمينك وأت الذي هو خير) 105.
ثم يخبر سبحانه وتعالى ما تسارت به حفصة وعائشة (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) .
«وإنما نبأها النبي صلى الله عليه وسلم بأنه علم إفشاءها الحديث بأمر من الله ليبني عليه الموعظة والتأديب فإن الله ما أطلعه على إفشائها إلا لغرض جليل.
ولم يختلف أهل العلم في أن التي أسر إليها النبي صلى الله عليه وسلم الحديث هي حفصة ويأتي أن التي نبأتها حفصة هي عائشة»106.
ثم يرغبهما في التوبة ويرهبهما من الاستمرار على حالهما (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) من التعاون على النبي صلى الله عليه وسلم بالإيذاء: (ﮔ ﮕ ﮖ) عدلت ومالت عن الحق107.
قوله (ﮘ ﮙ ﮚ) تعاونا على إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) أي: وليه وناصره (ﮟ) وليه وناصره أيضًا (ﮠ ﮡ) المخلصون من المؤمنين الذين ليسوا بمنافقين (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) بعد نصر الله وجبريل وصالح المؤمنين أعوان للنبي صلى الله عليه وسلم ينصرونه108.
ثم خوف نساءه بقوله: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [التحريم:٥].
المعنى: واجب من الله إن طلقكن رسوله أن يبدله أزواجًا خيرًا منكن، والله تعالى كان عالمًا أنه لن يطلقهن، ولكن أخبر عن قدرته أنه إن طلقهن أبدل خيرًا منهن؛ تخويفًا لهن109.
وقد اختلف المفسرون هل المذكور في الآيات الخمس قصة واحدة، أم أنهما قصتان انتهت أولاهما مع الآية الثانية، وبقية الآيات تذكر قصة أخرى؟
فذهب بعضهم إلى الأول، وقالوا: إن الحديث الذي أسره النبي صلى الله عليه وسلم إلى حفصة تحريم ما حرمه على نفسه، فلما ذكرته لعائشة وأطلع الله نبيه على ذلك عرفها بعض ما ذكرت، وأعرض عن بعضه. بينما ذهب فريق آخر إلى الثاني، وقالوا إن الحديث الذي أسره النبي صلى الله عليه وسلم إلى حفصة تحريم مارية، وقال لها: اكتميه عن عائشة وكان يومها منه، وأسرك أن أبا بكر الخليفة من بعدي، وعمر الخليفة من بعده، فذكرتها لعائشة، فلما أطلع الله نبيه (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ) فكان الذي عرف ما ذكره من التحريم، وكان الذي أعرض عنه ما ذكره من الخلافة لئلا ينتشر110.
والظاهر أن الآيات كلها تتحدث عن قصة واحدة، وكأن قوله (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) بيان لبعض تفاصيل القصة التي حرم النبي صلى الله عليه وسلم بسببها بعض ما أحله الله له. لما في الصحيح عن عبيد الله بن عمير يقول سمعت عائشة: تزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش ويشرب عندها عسلًا، فتواصيت أنا وحفصة أن أيتنا دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فلتقل: إني أجد منك ريح مغافير، أكلت مغافير! فدخل على إحداهما، فقالت ذلك له، فقال: (لا بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش ولن أعود له) فنزلت (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) إلى قوله (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) لعائشة وحفصة (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) لقوله: (بل شربت عسلًا)111.
تنبيه: ما تقدم من أن الآيات نزلت بسبب القصة المذكورة هو أصح ما قيل فيها، وهناك أقوالٌ أخرى مبنية على روايات دون المذكورة في الصحة، منها، ما روي عن ابن عباس: في قوله عز و جل (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) قال: اطلعت حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم مع أم إبراهيم عليه السلام، فقال: لا تخبري عائشة وقال لها: إن أباك وأباها سيملكان، أو سيليان بعدي، فلا تخبري عائشة، فانطلقت حفصة فأخبرت عائشة فأظهره الله عليه، فعرف بعضه وأعرض عن بعضٍ، قال أعرض عن قوله إن أباك وأباها يكونان بعدي، كره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينشر ذلك في الناس فأعرض عنه)112 .
ولكن ما في الصحيح أصح.
ثانيًا: قصة الإفك:
الإفك: «الكذب»113 ولكنه ليس أي كذبٍ، بل هو «أسوأ الكذب وأقبحه»114 .
فيفرق بينه وبين الكذب: «أن الكذب اسم موضوع للخبر الذي لا مخبر له على ما هو به، والإفك هو الكذب الفاحش القبح، مثل الكذب على الله ورسوله أو على القرآن ومثل قذف المحصنة وغير ذلك مما يفحش قبحه»115.
وأصبح الإفك علمًا بالغلبة على اتهام أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها العفيفة البريئة ورميها بالزنا. وتعد حادثة الإفك من أشهر الأحداث التي مر بها البيت النبوي الشريف، وهي حادثة كان لها أكبر الأثر على هذا البيت، بل وعلى المجتمع المسلم كله، كادت تودي ببعض المسلمين الذين خاضوا فيها، والقصة كما ترويها السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرًا أقرع بين أزواجه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه، فأقرع بيننا في غزاة غزاها، فخرج سهمي، فخرجت معه بعد ما أنزل الحجاب، فأنا أحمل في هودجٍ وأنزل فيه، فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك وقفل ودنونا من المدينة آذن ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقدٌ لي من جزع أظفار قد انقطع، فرجعت فالتمست عقدي، فحبسني ابتغاؤه، فأقبل الذين يرحلون لي فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه -وكان النساء إذ ذاك خفافًا لم يثقلن ولم يغشهن اللحم، وإنما يأكلن العلقة من الطعام- فلم يستنكر القوم حين رفعوه ثقل الهودج فاحتملوه، وكنت جارية حديثة السن، فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش، فجئت منزلهم وليس فيه أحد فأممت منزلي الذي كنت به، فظننت أنهم سيفقدونني فيرجعون إلي، فبينا أنا جالسة غلبتني عيناي فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش، فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسانٍ نائم، فأتاني وكان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين أناخ راحلته، فوطئ يدها فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا معرسين في نحر الظهيرة، فهلك من هلك وكان الذي تولى الإفك عبد الله بن أبي ابن سلول، فقدمنا المدينة فاشتكيت بها شهرًا يفيضون من قول أصحاب الإفك، ويريبني في وجعي أني لا أرى من النبي صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أمرض، وإنما يدخل فيسلم ثم يقول: كيف تيكم؟ لا أشعر بشيء من ذلك حتى نقهت.
فخرجت أنا وأم مسطح قبل المناصع متبرزنا لا نخرج إلا ليلًا إلى ليلٍ، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبًا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في البرية أو في التنزه، فأقبلت أنا وأم مسطح بنت أبي رهم نمشي، فعثرت في مرطها: فقالت: تعس مسطح، فقلت لها: بئس ما قلت؛ أتسبين رجلًا شهد بدرًا! فقالت: يا هنتاه؛ ألم تسمعي ما قالوا؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك، فازددت مرضًا إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم فقال: كيف تيكم؟ فقلت: ائذن لي إلى أبوي، قالت: وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتيت أبوي فقلت لأمي: ما يتحدث به الناس؟ فقالت: يا بنية؛ هوني على نفسك الشأن، فوالله لقلما كانت امرأةٌ قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها. فقلت: سبحان الله، ولقد يتحدث الناس بهذا؟ قالت: فبت الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمعٌ ولا أكتحل بنومٍ، ثم أصبحت، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، فأما أسامة فأشار عليه بالذي يعلم في نفسه من الود لهم؛ فقال أسامة: أهلك يا رسول الله، ولا نعلم والله إلا خيرًا، وأما علي بن أبي طالب فقال: يا رسول الله؛ لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وسل الجارية تصدقك، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة؛ فقال: يا بريرة هل رأيت شيئًا يريبك؟ فقالت بريرة: لا والذي بعثك بالحق، إن رأيت منها أمرًا أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن العجين فتأتي الداجن فتأكله. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرًا، وقد ذكروا رجلًا ما علمت عليه إلا خيرًا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي) فقام سعد بن معاذ فقال: يا رسول الله أنا والله أعذرك منه، إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك. فقام سعد ابن عبادة وهو سيد الخزرج -وكان قبل ذلك رجلًا صالحًا ولكن احتملته الحمية- فقال: كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على ذلك. فقام أسيد بن الحضير؛ فقال: كذبت لعمر الله، والله لتقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين. فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، فنزل فخفضهم حتى سكتوا وسكت، وبكيت يومي لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، فأصبح عندي أبواي قد بكيت ليلتين ويومًا حتى أظن أن البكاء فالقٌ كبدي، قالت: فبينا هما جالسان عندي وأنا أبكي إذ استأذنت امرأة من الأنصار، فأذنت لها، فجلست تبكي معي، فبينا نحن كذلك إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس، ولم يجلس عندي من يوم قيل في ما قيل قبلها، وقد مكث شهرًا لا يوحى إليه في شأني شيء، قالت: فتشهد، ثم قال: (يا عائشة فإنه بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئةً فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بشيءٍ فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه).
فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة، وقلت لأبي: أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لأمي: أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، قالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: وأنا جارية حديثة السن، لا أقرأ كثيرًا من القرآن، فقلت: إني والله لقد علمت أنكم سمعتم ما يتحدث به الناس ووقر في أنفسكم وصدقتم به، ولئن قلت لكم إني بريئة -والله يعلم إني لبريئة- لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر -والله يعلم أني بريئة- لتصدقني، والله ما أجد لي ولكم مثلًا إلا أبا يوسف إذ قال (ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [يوسف:١٨].
ثم تحولت إلى فراشي وأنا أرجو أن يبرئني الله، ولكن والله ما ظننت أن ينزل في شأني وحيًا، ولأنا أحقر في نفسي من أن يتكلم بالقرآن في أمري، ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله، فو الله ما رام مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه الوحي، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في يومٍ شاتٍ، فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك فكان أول كلمة تكلم بها أن قال لي: (يا عائشة، احمدي الله فقد برأك الله) فقالت لي أمي: قومي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: لا والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله، فأنزل الله تعالى (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ) [النور:١١].
الآيات، فلما أنزل الله هذا في براءتي قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه -وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه-: والله لا أنفق على مسطح شيئًا أبدًا بعد ما قال لعائشة. فأنزل الله تعالى (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) إلى قوله (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [النور:٢٢].
فقال أبو بكر: بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح الذي كان يجري عليه. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل زينب بنت جحش عن أمري فقال: (يا زينب ما علمت ما رأيت؟) فقالت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري، والله ما علمت عليها إلا خيرًا. قالت: وهي التي كانت تساميني فعصمها الله بالورع)116
وقد ذكرت حادثة الإفك في القرآن الكريم، في حديث مستفاضٍ عنها وعن براءة السيدة عائشة رضي الله عنها وبراءة الصحابي الجليل صفوان بن المعطل رضي الله عنه، وعن الوعيد والتهديد لمن خاض في الأمر، وعن تحذير المؤمنين من الانجراف إلى مثل هذه الأمور، ثم إلى الحديث عن موقف الصديق رضي الله عنه حين حلف أن لا ينفق على مسطح، وحثه على الإنفاق عليه، ثم تعود الآيات لذكر الأدلة على براءة السيدة عائشة رضي الله عنها، ويمكن إيجاز الحديث القرآني في النقاط التالية:
ثالثًا: قصة التخيير بين متاع الدنيا والآخرة:
وهي من القصص ذات الأثر الكبير على البيت النبوي الشريف.
ذكرها الله تعالى في سورة الأحزاب في قوله: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [الأحزاب:٢٨-٢٩].
«لقد اختار النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه ولأهل بيته معيشة الكفاف، لا عجزًا عن حياة المتاع، فقد عاش حتى فتحت له الأرض، وكثرت غنائمها، وعم فيؤها، واغتنى من لم يكن له من قبل مال ولا زاد! ومع هذا فقد كان الشهر يمضي ولا توقد في بيوته نار. مع جوده بالصدقات والهبات والهدايا. ولكن ذلك كان اختيارًا للاستعلاء على متاع الحياة الدنيا ورغبة خالصة فيما عند الله. رغبة الذي يملك ولكنه يعف ويستعلي ويختار.. ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكلفًا من عقيدته ولا من شريعته أن يعيش مثل هذه المعيشة التي أخذ بها نفسه وأهل بيته، فلم تكن الطيبات محرمةً في عقيدته وشريعته؛ ولم يحرمها على نفسه حين كانت تقدم إليه عفوًا بلا تكلف، وتحصل بين يديه مصادفة واتفاقًا، لا جريًا وراءها ولا تشهيًا لها، ولا انغماسًا فيها ولا انشغالًا بها.. ولم يكلف أمته كذلك أن تعيش عيشته التي اختارها لنفسه، إلا أن يختارها من يريد، استعلاء على اللذائذ والمتاع؛ وانطلاقًا من ثقلتها إلى حيث الحرية التامة من رغبات النفس وميولها، ولكن نساء النبي صلى الله عليه وسلم كن نساءً من البشر، لهن مشاعر البشر. وعلى فضلهن وكرامتهن وقربهن من ينابيع النبوة الكريمة، فإن الرغبة الطبيعية في متاع الحياة ظلت حية في نفوسهن»135.
ولما فتحت البلدان، ووجدن سعة سبل سألنه في عرض الدنيا ومتاعها أشياء، وطلبن منه زيادة في النفقة، وآذينه بغيرة بعضهن بعضًا، فهجرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم وآلى -أي حلف- لا يقربهن شهرًا136 فعن جابر بن عبدالله قال: دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوجد الناس جلوسًا ببابه لم يؤذن لأحد منهم، قال: فأذن لأبي بكر، فدخل، ثم أقبل عمر فاستأذن فأذن له، فوجد النبي صلى الله عليه وسلم جالسًا حوله نساؤه واجمًا ساكتًا، قال: فقال: لأقولن شيئًا أضحك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال: هن حولي كما ترى يسألنني النفقة، فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها، فقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها، كلاهما يقول: تسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده، فقلن: والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا أبدًا ليس عنده، ثم اعتزلهن شهرًا أو تسعًا وعشرين، ثم نزلت عليه هذه الآية (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) حتى بلغ (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) قال: فبدأ بعائشة فقال: يا عائشة؛ إني أريد أن أعرض عليك أمرًا أحب أن لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك؛ قالت: وما هو يا رسول الله؟ فتلا عليها الآية، قالت: أفيك يا رسول الله أستشير أبوي؟ بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة، وأسألك أن لا تخبر امرأة من نساءك بالذي قلت. قال: لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها؛ إن الله لم يبعثني معنتًا ولا متعنتًا، ولكن بعثني معلمًا ميسرًا)137.
وعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخيير أزواجه بدأ بي، فقال: (إني ذاكرٌ لك أمرًا، فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك) قالت: وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه، قالت: ثم قال: إن الله جل ثناؤه قال: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) إلى (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) قالت: فقلت: ففي أي هذا أستأمر أبوي، فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة. قالت: ثم فعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت)138.
والأمر في قوله: (ﮭ) للوجوب ووجوب التخيير خاص به صلى الله عليه وسلم ، ولا يجب ذلك على غيره139 .
«وكان تحته يومئذٍ تسع نسوةٍ: عائشة، وحفصة، وأم سلمة، وأم حبيبة، وسودة، وزينب بنت جحشٍ، وميمونة بنت الحارث، وجويرية بنت الحارث، وصفية بنت حييٍ»140 .
ومعنى (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) «التوسعة في الدنيا وكثرة الأموال والحلل، (ﯖ) أقبلن بإرادتكن واختياركن. (ﯗ) أعطكن متعة الطلاق»141. «والتمتيع: أن يعطي الزوج امرأته حين يطلقها عطية جبرًا لخاطرها لما يعرض لها من الانكسار»142 (ﯘ) أطلقكن (ﯙ ﯚ) لا ضرر فيه»143.
ولما خيرهن صلى الله عليه وسلم «فآثرن الله ورسوله والدار الآخرة. وعشن مع النبي صلى الله عليه وسلم معينات على الحق، راغبات في الثواب. وبهذا التفاني في خدمة الرسالة، والإهمال لمطالب النفس، رفع الله درجاتهن، فلم يصبحن زوجات رجل يطلبن في ظله المتاع. بل صرن شريكات في حياة فاضلة غالية، واستحققن قول الله عز وجل: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ) [الأحزاب:٦]»144.
وهذا التخيير كان سنة تسع145، وبدأ بعائشة رضي الله عنها على غيرها من أزواجه صلى الله عليه وسلم لفضلها146.
وقد اختلف العلماء في كيفية تخيير النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه على قولين:
الأول: أنه خيرهن بإذن الله تعالى في البقاء على الزوجية أو الطلاق، فاخترن البقاء.
ومنهن من قال: إنما خيرهن بين الدنيا فيفارقهن، وبين الآخرة فيمسكهن، لتكون لهن المنزلة العليا كما كانت لزوجهن، ولم يخيرهن في الطلاق.
والقول الأول أصح147.
وفي هذا التخيير فوائد عديدة:
منها: الاعتناء برسوله، وغيرته عليه، أن يكون بحالة يشق عليه كثرة مطالب زوجاته الدنيوية. ومنها: سلامته صلى الله عليه وسلم بهذا التخيير من تبعة حقوق الزوجات، وأنه يبقى في حرية نفسه، إن شاء أعطى، وإن شاء منع.
ومنها: تنزيهه عما لو كان فيهن من تؤثر الدنيا على الله ورسوله والدار الآخرة، وعن مقارنتها.
ومنها: سلامة زوجاته رضي الله عنهن عن الإثم، والتعرض لسخط الله ورسوله، فحسم الله بهذا التخيير عنهن، التسخط على الرسول، الموجب لسخطه، المسخط لربه، الموجب لعقابه.
ومنها: إظهار رفعتهن، وعلو درجتهن، وبيان علو هممهن، أن كان الله ورسوله والدار الآخرة، مرادهن ومقصودهن، دون الدنيا وحطامها.
ومنها: استعدادهن بهذا الاختيار، للأمر الخيار للوصول إلى خيار درجات الجنة، وأن يكن زوجاته في الدنيا والآخرة.
ومنها: ظهور المناسبة بينه وبينهن، فإنه أكمل الخلق، وأراد الله أن تكون نساؤه كاملات مكملات، طيبات مطيبات.
ومنها: أن هذا التخيير داع، وموجب للقناعة، التي يطمئن لها القلب، وينشرح لها الصدر، ويزول عنهن جشع الحرص، وعدم الرضا الموجب لقلق القلب واضطرابه.
ومنها: أن يكون اختيارهن هذا سببًا لزيادة أجرهن ومضاعفته، وأن يكن بمرتبةٍ ليس فيها أحد من النساء148.
أهل البيت النبوي رضي الله عنه لهم على الأمة حقوق كثيرة، يجب أن تؤدى إليهم، هذه الحقوق منها ما هو عام يشتركون فيه مع بقية المؤمنين، وهي حقوق الأخوة الإيمانية، ومنها ما هو خاص لقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الحقوق الخاصة منها حقوق مادية ومنها حقوق معنوية، ونحاول أن نذكر بعض هذه الحقوق في النقاط الآتية:
أولًا: الحقوق المعنوية:
من أبرز حقوقهم المعنوية: المحبة.
يقول تعالى: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [الشورى:٢٣]
في هذه الآية يأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخبرهم أنه لم ولن يطلب أجرًا منهم على تبليغ رسالة ربه إليهم، ولكنه يطلب منهم المودة في القربى، وفي معنى ذلك أربعة أقوال:
الأول: إلا أن تودوني في قرابتي التي بيني وبينكم، فتكفوا عني أذاكم وتمنعوني من أذى الناس، كما تمنعون كل من بينكم وبينه مثل قرابتي منكم.
الثاني: لا تؤذوا قرابتي وعترتي واحفظوني فيهم.
الثالث: إلا أن تتوددوا إلى الله وتتقربوا إليه بالطاعة والعمل الصالح.
الرابع: إلا أن تتوددوا إلى قراباتكم وتصلوا أرحامكم149.
أقول: ذكر العلماء هذه الأقوال، وأخذ كل واحدٍ منهم يرجح قولًا ويضعف بقية الأقوال، ولا أرى مانعًا من إرادتها كلها، فكلها مطالب شرعية، والذي يعنينا هنا هو القول الثاني، فمودة آل البيت ومحبتهم محبة للنبي صلى الله عليه وسلم ؛ قال ابن كثير-بعد أن رجح القول الأول-: «ولا تنكر الوصاة بأهل البيت، والأمر بالإحسان إليهم، واحترامهم وإكرامهم، فإنهم من ذرية طاهرة، من أشرف بيت وجد على وجه الأرض، فخرًا وحسبًا ونسبًا، ولا سيما إذا كانوا متبعين للسنة النبوية الصحيحة الواضحة الجلية، كما كان عليه سلفهم، كالعباس وبنيه، وعلي وأهل بيته وذريته رضي الله عنه.
و قد ثبت في الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته بغدير خم: (إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي، وإنهما لم يفترقا حتى يردا علي الحوض)150.
وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: «ارقبوا محمدًا صلى الله عليه وسلم في أهل بيته»151 .
وفي الصحيح: أن الصديق قال لعلي رضي الله عنهما: «والله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي»152.
وعن زيد بن أرقم قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا فينا خطيبًا بماءٍ يدعى خمًا بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال: (أما بعد؛ ألا أيها الناس فإنما أنا بشرٌ يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تاركٌ فيكم ثقلين؛ أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور؛ فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به -فحث على كتاب الله ورغب فيه- ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، فقال له حصين: ومن أهل بيته؟ يا زيد؛ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده قال: وهم؟ قال: هم آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس، قال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم)153.
ومن حقوقهم أيضًا الدعاء لهم والثناء عليهم والصلاة عليهم، وما زال المسلمون يصلون عليهم مع الصلاة والسلام على المصطفى صلى الله عليه وسلم فقد أمر الله تعالى بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [الأحزاب:٥٦].
الصلاة: من الله الرحمة، ومن الملائكة الاستغفار، وقال ابن عباس رضي الله عنهما أراد أن الله يرحمه والملائكة يدعون له154.
وقد اتفق العلماء على وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم اختلفوا، فقيل: تجب في العمر مرة، وهو الأكثر، وقيل: تجب في التشهد الأخير، وهو مذهب الشافعي، وإحدى الروايتين عن أحمد، وقيل: تجب كلما ذكر، واختاره الطحاوي من الحنفية، والحليمي من الشافعية»155 «وقيل: تجب في كل مجلس مرة، وإن تكرر ذكره، والذي يقتضيه الاحتياط الصلاة عليه عند كل ذكر»156.
ولها صيغ كثيرة واردة في أحاديث صحيحة، منها: عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: قيل: يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف الصلاة؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد)157 .
فالآل مشمولون معه صلى الله عليه وسلم في الصلاة لا خلاف في ذلك، وإنما الخلاف في إفرادهم بالصلاة، فقد وقع النزاع فيما إذا أفرد غير الأنبياء بالصلاة عليهم، فقال قائلون: يجوز ذلك، وقال الجمهور من العلماء: لا يجوز إفراد غير الأنبياء بالصلاة، لأن هذا قد صار شعارًا للأنبياء إذا ذكروا، فلا يلحق بهم غيرهم، فلا يقال: قال: علي صلى الله عليه، وإن كان المعنى صحيحًا، كما لا يقال: قال محمد عز وجل، وإن كان عزيزًا جليلًا، لأن هذا من شعار ذكر الله عز و جل، وحملوا ما ورد في ذلك من الكتاب والسنة على الدعاء لهم158 .
قال ابن حجر: «ذلك كله وقع من النبي صلى الله عليه وسلم ولصاحب الحق أن يتفضل من حقه بما شاء وليس لغيره أن يتصرف إلا بإذنه ولم يثبت عنه إذن في ذلك»159.
ثانيًا: الحقوق المادية:
يقول تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [الأنفال:٤١].
ويقول: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [الحشر:٧].
«الغنيمة: هي المال المأخوذ من الكفار بإيجاف الخيل والركاب. و»الفيء»: ما أخذ منهم بغير ذلك، كالأموال التي يصالحون عليها، أو يتوفون عنها ولا وارث لهم، والجزية والخراج ونحو ذلك. هذا مذهب الإمام الشافعي في طائفة من علماء السلف والخلف. ومن العلماء من يطلق الفيء على ما تطلق عليه الغنيمة»160 .
«والغنيمة يأخذ الإمام الخمس منها، والباقي يقسم بين المجاهدين، والفيء يأخذه الإمام فيضعه في مصلحة المسلمين، وليس فيه الخمس»161.
وقد جعل الله تعالى نصيبًا من الغنائم ونصيبًا من الفيء لآل البيت رضي الله عنه وذلك نظير أنهم حرموا من الصدقات، فهم لا يجوز التصدق عليهم، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إن الصدقة لا تنبغى لآل محمدٍ، إنما هي أوساخ الناس)162.
فالغنيمة تقسم خمسة أخماس، يعطى أربعة أخماسها للمجاهدين، واختلف في كيفية تقسيم الخمس الباقي، «فقال مالك: الرأي للإمام، يلحقه ببيت الفيء، ويعطي من ذلك البيت لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رآه، كما يعطي منه اليتامى والمساكين، وغيرهم، وإنما ذكر من ذكر على جهة التنبيه عليهم، لأنهم من أهم ما يدفع إليهم. وقال الشافعي: يعطي للخمسة المعطوفة على الله، ولا يجعل لله سهمًا مختصًا، وإنما ذكر ابتداءً تعظيمًا، لأن الكل ملكه، وسهم الرسول يأخذه الإمام، يصرفه في المصالح، فيعطي للأربعة المعطوفة على الرسول، ويفضل أهل الحاجة. قال مالك: لا يجب التعميم، فله أن يعطي الأحوج، وإن حرم غيره. وقال أبو حنيفة: على ثلاثة أسهم، لليتامى والمساكين وابن السبيل، قال: وسقط الرسول وذوو القربى بوفاته صلى الله عليه وسلم . وقال أبو العالية: يقسم على ستةٍ، أخذًا بظاهر الآية، ويصرف سهم الله إلى الكعبة، وسهم الرسول في مصالح المسلمين، وسهم ذوي القربى لأهل البيت الذين لا تحل لهم الزكاة، ثم يعطى سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل»163.
وهذا الأخير هو القول الأوفق بظاهر الآية الكريمة.
ومذهب الشافعي رضي الله عنه أن الفيء يقسم خمسة أقسام، فقسم منها يقسم خمسة أقسام للرسول صلى الله عليه وسلم ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، وأربعة أقسام لرسول الله خاصة فيكون له من الفيء أربعة أخماس وخمس خمس، وهو أحد وعشرون سهمًا من خمسة وعشرين سهمًا، فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم انتقل السهم الذي كان له من الخمس إلى المصالح، وأما الأربعة الأخماس ففيها قولان: أحدهما: أنها انتقلت إلى الغزاة المرصدين للجهاد. والثاني: أن ترصد لمصالح المسلمين كخمس الخمس، وذلك بأن تصرف إلى الغزاة والقضاة وأهل العلم وبناء المساجد والقناطر والسقايات ونحو ذلك. قال أبو حنيفة: الفيء لا يخمس ويصرف جميعه مصرف الخمس164.
ولا يعنينا الدخول في تفصيل الخلاف بين الفقهاء في هذه المسألة، فهي مسألة متشعبة الفروع، تطلب من مظانها، وإنما يعنينا الاستدلال على أن لآل البيت نصيبًا من الغنيمة ونصيبًا من الفيء.
موضوعات ذات صلة: |
البيوت، محمد صلى الله عليه وسلم، النبوة |
1 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٧٥.
2 إصلاح المنطق ص ١٥٨.
3 المحلى، ١/٥٠.
4 تأويلات أهل السنة، الماتريدي١/١٦٢.
5 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٣٩.
6 مفردات القرآن، الفراهي، ص ٢٥٩.
7 نظم الدرر، البقاعي ٦/١٠٢، السراج المنير، الشربيني ٣/٣٠٦.
8 تاج العروس، الزبيدي ٢٨/٣٧.
9 بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٢/١٦٢.
10 انظر: الكشاف، الزمخشري٣/٥٤٦.
11 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور٢١/٢٤٦.
12 في ظلال القرآن، سيد قطب٥/٢٨٦٢.
13 المرط: كساء من صوفٍ أو غيره كانوا يأتزرون بها.
انظر: غريب الحديث، ابن الجوزي٢/٣٥٣.
المرحل: الذي قد نقش فيه تصاوير الرحال.
انظر: غريب الحديث، ابن الجوزي١/٣٨٧.
14 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب فضائل أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ٤/١٨٨٣، رقم ٢٤٢٤.
15 ألبسهم إياه.
انظر: غريب الحديث، الحربي ١/ ١١٧.
16 أخرجه الترمذي في سننه، كتاب التفسير، باب سورة الأحزاب، ٥/٣٥١ ، رقم ٣٢٠٥ .
وقال: هذا حديث غريب من حديث عطاء عن عمر بن أبي سلمة.
17 درج الدرر، الجرجاني ٣/١٤٠٨.
18 أخرجه أحمد، ٦/٢٩٢ ، رقم ٢٦٥٥١ .
19 انظر: تحفة الأحوذي، المباركفوري ٩/٤٩.
20 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٦/٢٣٧.
21 انظر: النكت والعيون، الماوردي٤/٤٠١.
22 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٥/١٨١.
23 معاني القرآن، الفراء ٢/٣٤٢.
24 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور٢١/٢٤٠.
25 انظر: الطب النبوي، ابن القيم ٢/٢.
26 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور٢١/٢٤١.
27 في ظلال القرآن، سيد قطب٥/٢٨٥٩.
28 الحجة في القراءات السبع، ابن خالويه ص ٢٩٠.
29 معاني القرآن، النحاس:٥/٣٤٦.
30 مقاييس اللغة ٦/١٣٢.
31 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور٢١/٢٤٢.
32 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور٢١/٢٤٣.
33 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٢٨٥٩.
34 التفسير البسيط، الواحدي ١٨/ ٢٣٦.
35 النكت والعيون، الماوردي٤/٤٠٠.
36 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي ٨/٣٥.
37 المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٣٨٥، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي١٤/١٨٠.
38 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور٢١/٢٤٥.
39 أخرجه أبو يعلى، ٨/١٩٤، رقم ٤٧٥٤.
40 أخرجه الطبري في تفسيره ٢٠/٢٦٢.
41 الهداية، مكي بن أبي طالب ٩/٥٨٣٢.
42 في ظلال القرآن، سيد قطب٥/٢٨٦١.
43 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور٢١/٢٤٥.
44 في ظلال القرآن، سيد قطب٥/٢٨٦١.
45 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور٢١/٢٤٥.
46 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور٢١/٢٤٩.
47 انظر: المصدر السابق.
48 لباب التأويل، الخازن٣/٤٢٥.
49 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٧/١٠٣.
50 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور٢١/٢٥٠.
51 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوضوء، باب خروج النساء للبراز، ١/٦٧ ، رقم ١٤٦.
والصعيد: وجه الأرض. أفيح: واسع.
52 انظر: البحر المديد، ابن عجيبة ٦/٥٣.
53 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور٢١/٣٢٨.
54 أخرجه أبو داود في سننه ،كتاب اللباس، باب في قوله تعالى: (يدنين عليهن من جلابيبهن)، ٤/١٠٥ ، رقم ٤١٠٣ .
55 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب اللباس، باب في قوله تعالى: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن)، ٤/١٠٥ رقم ٤١٠٣.
56 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٧/١١٢.
57 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٤٥٤.
58 أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٨/١٧٤. في إسناد ابن سعد الواقدي، وهو ضعيف. انظر: النكت على ابن الصلاح:٢/٦٦٦.
59 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٧/١١٢.
60 انظر: ياقوتة الصراط ص٤١١، تفسير غريب القرآن، ابن الملقن ص٢٦٢.
61 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٦٧٠.
62 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٤٥٤. والضيفن: الذي يحضر مع الضيف ليأكل ما يقرى الضيف. انظر: المخصص:٣/ ٤٦٩.
63 فتح البيان، القنوجي ١١/١٢٨.
64 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل الحنبلي١٥/٥٨٢.
65 النكت والعيون، الماوردي٤/٤١٨.
66 أخرجه البخاري، في صحيحه، واللفظ له، كتاب التفسير، باب تفسير سورة الأحزاب، ٤/١٧٩٩ ، رقم ٤٥١٣، ومسلم في صحيحه، كتاب النكاح، باب زواج زينب بنت جحشٍ ونزول الحجاب وإثبات وليمة العرس، ٢/١٠٤٦ ، رقم ١٤٢٨ .
67 لباب التأويل، الخازن ٣/٤٣٤.
68 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٤/٣٨٣، إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٧/١١٢.
69 معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٤/١٧٨.
70 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب الحياء في العلم، ١/٦٠ ، رقم ١٣٠ ، ومسلم في صحيحه، كتاب الحيض ، باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها، ١/٢٥١ ، رقم ٣١٣ .
71 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور٢١/٣١٣.
72 انظر: تفسير السمرقندي٣/٦٦.
73 في ظلال القرآن، سيد قطب٥/٢٨٧٨.
74 انظر: غاية السول في خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم، ابن الملقن ص ٦٣، سبل الهدى والرشاد، الصالحي ١٠/٤٤٨.
75 زاد المعاد، ابن القيم ٥/٤٩١.
76 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٤٥٥.
77 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٣٩٦، أيسر التفاسير، الجزائري ٤/٢٨٨.
78 أحكام القرآن، ابن العربي ٣/٦١٦.
79 في ظلال القرآن، سيد قطب٥/٢٨٧٨.
80 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٦/٢٤٢.
81 أخرجه أحمد في مسنده ، ١/٢٣٨ رقم ٢١٣١ قال الأرنؤوط: حسن.
82 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة باب من رأى مع امرأته رجلا فقتله، ٦/٢٥١١ ، رقم ٦٤٥٤ .
83 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور٢١/٣١٧.
84 انظر: المصدر السابق.
85 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٤٥٥.
86 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٢٩٩.
87 أنوار التنزيل، البيضاوي ٤/٣٧٢، إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٧/١٠١.
88 مجاز القرآن، أبو عبيدة ٢/١٣٧.
89 معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٤/١٧١، وانظر: التفسير البسيط، الواحدي ١٨/٢٢٩.
90 أحكام القرآن، ابن العربي ٣/٥٦٧.
91 التفسير البسيط، الواحدي ١٨/٢٣١.
92 البحر المديد، ابن عجيبة ٦/٣٥.
93 انظر: تفسير الشعراوي ١٩/١٢٠١١.
94 الكشاف، الزمخشري ٣/٥٤٤، السراج المنير، الشربيني ٣/٢٩٨، روح المعاني، الألوسي ٢١/١٨٤.
95 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ٧/٢٢١، وانظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٧/١٠٢.
96 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٤١٤.
97 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور٢١/٢٣٩.
98 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٤٠٨.
99 أخرجه البيهقي عن زيد بن أسلم، مرسلًا، في السنن الكبرى:١٠/٢٢٥ رقم ٢٠٨١٢، وفي شعب الإيمان:٧/٤١١ رقم ١٠٧٩٧ ووصله الشهاب في مسنده عن زيد ين أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري، مرفوعًا، انظر: مسند الشهاب:١/١٢٣ رقم ١٥٤ وهو ضعيف. انظر: لسان الميزان:٤/٧، السلسلة الضعيفة مختصرة ٤/٢٨٩.
100 انظر: نحو تفسير موضوعي، محمد الغزالي ١/٤٦٩.
101 شيءٌ شبيه بالصمغ ينضجه شجر العرفط، حلوٌ له ريحٌ منكرةٌ، واحدها مغفور.
انظر: غريب الحديث، ابن سلام ٢/٢٥٦، النهاية في غريب الأثر، ابن الأثير ٣/٧٠٣، غريب الحديث، ابن الجوزي ٢/١٥٩.
102 أخرجه البخاري في صحيحه، واللفظ له، كتاب الطلاق باب : يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك)، ٥/٢٠١٦ ، رقم ٤٩٦٦، ومسلم في صحيحه، كتاب الطلاق، باب وجوب الكفارة على من حرم امرأته ولم ينو الطلاق، ٢/١١٠٠ ن رقم ١٤٧٤ .
103 التفسير البسيط، الواحدي ٢٢/٨.
104 لباب التأويل، الخازن ٤/٣١٢.
105 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأيمان، ٦/٢٤٤٣ ، رقم ٦٢٤٨ ، ومسلم في صحيحه، كتاب الأيمان، باب ندب من حلف يمينًا فرأى غيرها خيرًا منها أن يأتي الذي هو خيرٌ ويكفر عن يمينه، ٣/١٢٦٨ ، رقم ١٦٥٢.
106 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٨/٣١٣.
107 انظر: التفسير البسيط، الواحدي ٢٢/١٦.
108 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٨/١٦٨، لباب التأويل، الخازن ٤/٣١٥.
109 انظر: التفسير البسيط، الواحدي ٢٢/٢٠.
110 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٦/٤٠.
111 أخرجه البخاري، في صحيحه، واللفظ له، كتاب الأيمان والنذور باب إذا حرم طعامًا، ٦/٢٤٦٢ ، رقم ٦٣١٣ ، ومسلم في صحيحه، كتاب الطلاق، باب وجوب الكفارة على من حرم امرأته ولم ينو الطلاق ٢/١١٠٠ ، رقم ١٤٧٤.
112 أخرجه الدارقطني في سننه كتاب الوصايا ٤/١٥٣ ، رقم ١٥ ، وبنحوه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٨/١٨٥، والطبراني في المعجم الكبير ١٢/١١٧ ، رقم ١٢٦٤٠ وفي إسناد الدارقطني الكلبي عن أبي صالح، قال ابن حجر: «الكلبي هو محمد بن السائب متروك الحديث بل كذاب. تلخيص الحبير:١/ ١٢٨. وفي إسناد ابن سعد الواقدي، وهو ضعيف. انظر: النكت على ابن الصلاح:٢/٦٦٦. وفي رواية الطبراني الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس، والضحاك لم يثبت له سماع من ابن عباس، بل قال العجلي: ليس بتابعي. تهذيب التهذيب:٤/ ٣٩٧.
113 انظر: العين، الفراهيدي ٥/٤١٦، لسان العرب، ابن منظور ١٠/٣٩٠، تاج العروس، الزبيدي ٢٧/٤٤.
114 التفسير البسيط، الواحدي ١٦/١٥١.
115 الفروق اللغوية، العسكري ص ٤٥٠.
116 أخرجه البخاري في صحيحه، واللفظ له، كتاب الشهادات، باب تعديل النساء بعضهن بعضًا:٢/٩٤٢ ، رقم ٢٥١٨، ومسلم في صحيحه، كتاب التوبة، باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف:٤/٢١٢٩ رقم ٢٧٧٠ .
117 التفسير البسيط، الواحدي ١٦/١٥٢.
118 البحر المديد، ابن عجيبة ٥/٥٦.
119 المصدر السابق.
120 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٢٥.
121 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٢٦.
122 درج الدرر، الجرجاني ٣/١٢٨٢.
123 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٢٦.
124 المصدر السابق ٦/٢٨.
125 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٥٦٣.
126 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٢٨.
127 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي١٢/٢٠٥.
128 زهرة التفاسير، أبو زهرة ١٠/٥١٦٤.
129 في ظلال القرآن، سيد قطب٤/٢٥٠٤.
130 في ظلال القرآن، سيد قطب٤/٢٥٠٤.
131 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٥/٤٨٦.
132 نظم الدرر، البقاعي ٥/٢٤٨.
133 انظر: التفسير البسيط، الواحدي ١٦/ ١٨٤.
134 البحر المديد، ابن عجيبة ٥/٦٣.
135 في ظلال القرآن، سيد قطب٥/٢٨٥٣.
136 انظر: التفسير البسيط، الواحدي ١٨/٢٢٥، معالم التنزيل، البغوي ٦/٣٤٥، لباب التأويل، الخازن ٣/٤٢٣، سبل الهدى والرشاد، الصالحي ٩/٦٢.
137 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الطلاق، باب بيان أن تخيير امرأته لا يكون طلاقا إلا بالنية، ٢/١١٠٤ ، رقم ١٤٧٨ .
138 أخرجه البخاري في صحيحه، واللفظ له، كتاب التفسير ، باب سورة الأحزاب، ٤/١٧٩٦ ، رقم ٤٥٠٨، ومسلم في صحيحه، كتاب الطلاق ، باب بيان أن تخيير امرأته لا يكون طلاقا إلا بالنية، ٢/١١٠٣ ، رقم ١٤٧٥.
139 انظر: الخصائص الكبرى، السيوطي ٢/٣٤٧، غاية السول في خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم، ابن الملقن ص ١٤، سبل الهدى والرشاد، الصالحي ١٠/٤٠٦.
140 معرفة الصحابة، أبو نعيم ٦/٣٢٤٤.
وانظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٣٨١، التفسير البسيط، الواحدي ١٨/٢٢٥.
141 البحر المديد، ابن عجيبة ٦/٣٣.
142 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور٢١/٢٣٤.
143 البحر المديد، ابن عجيبة ٦/٣٣.
144 فقه السيرة، الغزالي ص٣٤٧.
145 الإصابة، ابن حجر ٨/٢٠٩.
146 انظر: إرشاد الساري، القسطلاني ٧/٢٩٥.
147 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي١٤/١٧٠.
148 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٦٦٢.
149 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٧/٦٩.
150 أخرجه الحاكم في مستدركه، واللفظ له، كتاب معرفة الصحابة، رضي الله تعالى عنهم، باب من مناقب أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم:٣/١٦٠ رقم ٤٧١١ وقال: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي، وأخرجه أحمد:٣/١٧ رقم ١١١٤٧، قال شعيب الأرنؤوط: صحيح بشواهده.
151 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ٣/١٣٦١ ، رقم ٣٥٠٩.
152 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ٣/١٣٦٠ ، رقم ٣٥٠٨ .
وانظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٢٠١.
153 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ٤/١٨٧٣، رقم ٢٤٠٨.
154 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٧/١١٣.
155 لباب التأويل، الخازن٣/٤٣٥.
156 الكشاف، الزمخشري٣/٢٧٣.
157 أخرجه: البخاري في صحيحه، واللفظ له، كتاب التفسير، باب (إن الله وملائكته يصلون على النبي)، ٤/١٨٠٢ ، رقم ٤٥١٩، ومسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد، ١/٣٠٥ ، رقم ٤٠٥.
158 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٤٧٨.
159 فتح الباري، ابن حجر ٨/٥٣٤.
160 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٥٩.
161 تأويلات أهل السنة، الماتريدي ٥/٢٠٥.
162 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب ترك استعمال آل النبي على الصدقة، ٢/٧٥٦، رقم ١٠٧٢ .
163 البحر المديد، ابن عجيبة ٣/٣٠.
164 الشافي في شرح مسند الشافعي، ابن الأثير ٤/٢٦٤.
وانظر: أحكام القرآن، الشافعي ١/١٥٤، أحكام القرآن، الجصاص ٥/٣١٨.