عناصر الموضوع
البركة
أولًا: المعنى اللغوي:
أصل البرك صدر البعير وإن استعمل في غيره، ويقال له: بركة، وبرك البعير: يبرك بروكًا ألقى بركه، واعتبر منه معنى اللزوم، فقيل: ابتركوا في الحرب، أي: ثبتوا ولازموا موضع الحرب، وبراكاء الحرب وبروكاؤها للمكان الذي يلزمه الأبطال، وابتركت الدابة: وقفت وقوفًا كالبروك، وسمي محبس الماء بركة1، والباء والراء والكاف أصلٌ واحدٌ من برك، ويعني: ثبات الشيء، والبركة تعني الزيادة والنماء، والتبريك: أن تدعو بالبركة، والتبرك: طلب البركة من الزيادة في الخير والأجر، والبركة: السعادة2.
ومن خلال ما سبق تبين أن البركة يتمركز معناها اللغوي حول الثبات، والزيادة والنماء، والسعادة.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
قال الراغب: «البركة: ثبوت الخير الإلهي في الشيء»3.
وعرف الكفوي البركة بقوله: «النماء والزيادة، حسية كانت أو معنوية، وثبوت الخير الإلهي في الشيء وداومه»4.
والمتدبر في المعنيين يجد اتصالًا بينهما؛ حيث إن المعنى الاصطلاحي يعني: ثبوت الخير الإلهي في الشيء، وهذا مرتبط بمعنى البركة في اللغة التي هي الثبوت والرسوخ والسعادة من جهة، والنماء والزيادة المرتبطة بقاعدة الاستقامة في الدين من جهة أخرى، والتي يترتب عليها سعادة في الدنيا، ووفرة ثواب في الآخرة.
وردت مادة (بر ك) في القرآن الكريم ( ٣٢) مرة 5.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
١٧ |
(ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [فصلت:١٠] |
المصدر |
٣ |
(ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [الأعراف:٩٦] |
اسم المفعول |
١٢ |
(ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [الأنعام:٩٢] |
وجاءت البركة في القرآن بمعناها في اللغة وهو: ثبوت الخير الإلهي في الشيء 6.
الثبات:
الثبات لغة:
ثبت الشيء يثبت ثباتًا وثبوتًا فهو ثابتٌ، والثبات ضد الزوال7.
الثبات اصطلاحًا:
التمكن في الموضع الذي شأنه الاستنزال8.
الصلة بين البركة والثبات:
الثبات من الألفاظ المقاربة لمعاني البركة، ولكن البركة أعم وأشمل من الثبات، ويستعمل الثبات في الأجسام والأعراض9.
الزيادة:
الزيادة لغة:
الزاء والياء والدال أصلٌ يدل على الفضل، يقولون: زاد الشيء يزيد، فهو زائدٌ10.
الزيادة اصطلاحًا:
أن ينضم إلى ما عليه الشيء في نفسه شيء آخر، يقال: زدته فازداد11.
الصلة بين البركة والزيادة:
البركة: هي الزيادة والنماء، ويوصف بها كل شيء لزمه وثبت فيه خير إلهي، والزيادة من معاني البركة، فإذن كل بركة زيادة، وليس كل زيادة بركة12.
النماء:
النماء لغة:
النون والميم والحرف المعتل أصلٌ واحدٌ، يدل على ارتفاعٍ وزيادةٍ13.
النماء اصطلاحًا:
لا يخرج عن المعنى اللغوي، فهو الزيادة سواء أكانت حقيقية أم تقديرية.
وقيل: «ازدياد حجم الجسم، بما ينضم إليه ويداخله في جميع الأقطار، بنسبة طبيعية»14.
الصلة بين البركة والنماء:
نماء الشيء يفيد زيادة من نفسه، وقولك: زاد، لا يفيد ذلك، ألا ترى أنه يقال: زاد مال فلان بما ورثه عن والده، ولا يقال: نما ماله بما ورثه، والبركة تكون من الله وليس من غيره، فالبركة أعم وأشمل من النماء15.
القحط:
القحط لغة:
(قحط) القاف والحاء والطاء أصلٌ صحيحٌ يدل على احتباس الخير، و(أقحط) القوم أصابهم القحط، و(القحط) الجدب16.
القحط اصطلاحًا:
«انقطاع المطر»17.
الصلة بين البركة والقحط:
البركة تعني ثبوت الخير الإلهي في الشيء18، أما القحط فهو من الألفاظ المقابلة الذي يعني قلة الخير والجدب، وقلة الأمطار والريع في الزراعات، والربح في التجارات، ووقوع الموت في الناس والدواب، وكثرة الحرق، والغرق، ومحق البركات من كل شيء19.
الأساليب القرآنية في استخدام البركة
تنوعت الأساليب القرآنية في الحديث عن البركة، وسوف نتناولها بالبيان فيما يأتي:
أولًا: إسناد البركة إلى ذات الله تعالى وأسمائه:
من تأمل أساليب القرآن الكريم في تناول البركة لفظًا، وجد أنه سبحانه ذكرها مجموعة لا مفردة، وأنها جاءت مسندة إلى الله تعالى ، أو إلى اسمه سبحانه مع شفع ذلك الوصف بأمور منها:
قال عز من قائل: ( ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ)[الأعراف:٥٤].
قال تعالى: ( ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ) [الفرقان:١].
قال تعالى: ( ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ )[الفرقان:٦١].
وقال تعالى أيضًا: ( ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ)[الملك:١].
وقال أيضًا: ( ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ)[الزخرف:٨٥].
قال تعالى: ( ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ)[المؤمنون: ١٤].
وقال أيضًا: ( ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ)[غافر: ٦٤].
قال تعالى: ( ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ )[الفرقان:١٠].
هذا وقد أسندت البركة لاسمه تعالى فقال سبحانه: ( ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ)[الرحمن: ٧٨].
والآيات السابقة أتت بصيغة تفاعل من البركة التي يقول عنها علامة الزيتونة ابن عاشور -عليه سحائب الرضوان-: «وفعل تبارك في صورة اشتقاقه يؤذن بإظهار الوصف على صاحبه المتصف به مثل: تثاقل: أظهر الثقل في العمل، وتعالل، أي: أظهر العلة، وتعاظم: أظهر العظمة، وقد يستعمل بمعنى ظهور الفعل على المتصف به ظهورًا بينًا حتى كأن صاحبه يظهره.
ومنه: ( ﯽ ﯾ )[النمل: ٦٣].أي: ظهر علوه، أي: شرفه على الموجودات كلها.
ومنه ( ﯢ) أي: ظهرت بركته، والبركة: شدة الخير.
فبركة الله الموصوف بها هي مجده ونزاهته وقدسه، وذلك جامعٌ صفات الكمال، ومن ذلك أن له الخلق والأمر، واتباع اسم الجلالة بالوصف -كرب العالمين ونحوه- في معنى البيان لاستحقاقه البركة والمجد؛ لأنه مفيض خيرات الإيجاد والإمداد، ومدبر أحوال الموجودات، بوصف كونه رب أنواع المخلوقات»20.
ثانيًا: وصف المقدسات بالبركة:
وصف القرآن الكريم عددًا من المقدسات بالبركة، ومن ذلك:
قال تعالى: ( ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ)[الأنعام: ٩٢].
وقوله تعالى أيضًا: ( ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ)[الأنعام: ١٥٥].
وقوله تعالى أيضًا: ( ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [ص: ٢٩].
وقوله تعالى أيضًا: ( ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ)[الأنبياء: ٥٠].
قال الله تعالى: ( ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ )[آل عمران: ٩٦].
قال تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ)[الأعراف: ١٣٧].
وقال تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ)[الأنبياء: ٧١].
أي: «ونجينا إبراهيم ولوطًا الذي آمن به من العراق، وأخرجناهما إلى أرض الشام التي باركنا فيها بكثرة الخيرات، وفيها أكثر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام»21.
وقال تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ)[سبأ: ١٨].
قال تعالى: ( ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ)[الأنبياء: ٨١].
قال تعالى: ( ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ)[الإسراء: ١].
قال تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [القصص: ٣٠].
وصيغة ( ﮝ) التي وردت في الآيات المذكورة: اسم مفعولٍ من بارك الشيء إذا جعل له بركةً، وهي زيادةٌ في الخير22.
وسيتم الحديث عن هذه الآيات بما يتناسب مع ورودها في مواضعها اللاحقة من هذا البحث المبارك -إن شاء الله تعالى-.
ثالثًا: الدعاء للصالحين بالبركة عليهم وعلى ذرياتهم:
من المناسبات التي تحدث القرآن الكريم فيها عن البركة: الدعاء للصالحين بالبركة عليهم، وعلى ذرياتهم.
هذا ما جاء على لسان الخليل عليه السلام في قوله تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ)[الصافات: ١٠٠-١١٣].
فقوله تعالى: ( ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [الصافات: ١١٣].
معناه: أفضنا عليهما بركات الدين والدنيا، وبأن أخرجنا أنبياء بني إسرائيل من صلبه23 .
والآيات تثبت مطلب الخليل عليه السلام وأنه طلب أن يهبه الله من الصالحين، فكان أن أعطاه الله الذرية الصالحة، ومن عين الصلاح: البركة في الذرية، وفي حديث أبي سعيدٍ الخدري، قال: قلنا: يا رسول الله هذا السلام عليك فكيف نصلي؟ قال: (قولوا: اللهم صل على محمدٍ عبدك ورسولك، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمدٍ، وعلى آل محمدٍ، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم)24.
ويدخل في هذا المقام دعاء الصالحين لأنفسهم:
كدعاء نبي الله نوح عليه السلام ؛ وذلك بتوجيه من الله تعالى: ( ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ )[المؤمنون: ٢٩].
أي: «أنزلني إنزالًا فيه خير ونماء وبركة، بأن يثبت الله تعالى قلوب الذين آمنوا على الحق، وقد رأوا بأعينهم عاقبة الذين ظلموا أنفسهم بالكفر ومعاندة الحق، وقد بارك سبحانه من معه، فجعل منهم ذرية الخليقة، فكان بحق الأب الثاني للإنسانية، وقد أثنى على ربه بما هو حقه ( ﭦ ﭧ ﭨ ) أي: أنت الذي تنزل منازل أعلى ما يكون الإنزال المبارك...، ثم عقب ذلك بقوله سبحانه: ( ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ) [المؤمنون: ٣٠].
وكانت الآية الأخيرة: أن الله تعالى أغرقهم، وقطع دابر الذين ظلموا، وفيه آية سامية في علوها وهي أن الزلفى عند الله بالحق والإيمان به، لا بالقرابة»25.
ومما حمل على الدعاء مباركة موسى عليه السلام في قوله تعالى: ( ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ )[النمل: ٧-٨].
فقد حمل أبو السعود قوله تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) على الدعاء، ونصه: «(ﮙ ﮚ) معناه أي: بورك على (ﮙ ) مفسرة لما في النداء من معنى القول أو بـ (ﮙ ﮚ) على أنها مصدرية حذف عنها الجار جريًا على القاعدة المستمرة -نزع الخافض- وقيل: مخففةٌ من الثقيلة، ولا ضير في فقدان التعويض بـ(لا أوقد) أو السين أو سوف لما أن الدعاء يخالف غيره في كثير من الأحكام» 26.
وحمل هذه الآية على الدعاء أيضًا الطاهر ابن عاشور ونصه: «وقيل: إن قوله: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ) إنشاء تحيةٍ من الله تعالى إلى موسى عليه السلام كما كانت تحية الملائكة لإبراهيم: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ )[هود: ٧٣].
أي: أهل هذا البيت الذي نحن فيه»27.
والمراد بالبركة في الآية الكريمة: النماء والزيادة والخير لكليم الله تعالى موسى عليه السلام لذاته؛ ولملابسة المكان بالملائكة الأطهار، ولطهر البقعة المقدسة التي كانت مكان تكليم موسى عليه السلام ، كما صرح سبحانه بذلك في قوله تعالى: ( ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ )[القصص: ٣٠].
ومما يدخل في الدعاء بالبركة قوله تعالى: ( ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ) [هود: ٧٢ـ ٧٣].
والمراد بالرحمة والبركة هنا: الرحمة التي وسعت كل شيء، واستتبعت كل خير، والبركة: الخيرات النامية المتكاثرة في كل بابٍ التي من جملتها هبة الأولاد، وقيل: الرحمة: النبوة، والبركات: الأسباط من بني إسرائيل؛ لأن الأنبياء منهم وكلهم من ولد إبراهيم عليه الصلاة والسلام وأهل البيت هنا هم أهل بيت خليل الرحمن -عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام-28 .
وما سبق من الآيات يبرهن على أن الدعاء والتضرع إلى الله، واستحضار خفض الجناح لله عز وجل من أبرز أسباب استحضار البركة، والدعاء هو العبادة ومخها وخالصها، والمسلم إذا سأل فإنه يسأل الله، فهو وحده الذي عنده خيري الدنيا والآخرة، وهو سبحانه وحده من يمد بهما من يشاء (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ) [الإسراء: ٢٠].
رابعًا: وصف النعم وأسباب السعادة بالبركة:
مما لا يرتاب فيه عاقل أن الله تعالى بارك نعمه كلها على اعتبار صدورها منه سبحانه ، وهو عز وجل واهب البركة ومصدرها في السماوات والأرض، لكن هذه البركة بدت لمن أخذ بأسبابها، وعزت على من تنكب طريق الوهاب سبحانه ، كما أن الله تعالى أفرد بعض النعم بصريح البركة ليوقظ إحساس العبد تجاه ما لم يشعر به تبلدًا منه أو تلهيًا عنه سبحانه ، وهذه النعم التي لفت أنظارنا إليها لنتفكرها، ونتدبر حكمتها منها ما هو حسي، ومنها ما هو معنوي.
فمن النعم الحسية التي وصفها الله تعالى بالبركة:
قال تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [ق: ٩].
وقد حفل القرآن الكريم بذكر بركات الماء المتمثلة في:
قال تعالى: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [البقرة:١٦٤].
قال تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [البقرة: ٢٢].
قال تعالى: ( ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ)[الأنعام: ٩٩].
قال تعالى: ( ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [إبراهيم:٣٢].
قال تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ) [الأنبياء:٣٠].
وقال أيضًا: ( ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [النور:٤٥].
قال عز من قائل: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [المائدة٦:].
وكما حدث يوم بدر: ( ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ) [الأنفال:١١].
قال تعالى: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [الحجر:٢٢].
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ) [المؤمنون:١٨].
كما حدث مع قوم نوح وموسى عليهما السلام من إغراق.
قال تعالى: ( ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ )[الفرقان: ٣٧].
وفي قوم موسى عليه السلام قال تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ) [البقرة:٥٠].
وقد حدث ذلك أيضًا مع أهل سبأ، فقال تعالى: ( ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [سبأ:١٦].
يقول الفخر فيما يخص بركة المطر: «وصف الله تعالى المطر بالبركة...، لما فيه من المنافع»29 ولنا أن نذهب النفس كل مذهب في منافع المطر التي تمت معرفتها، وما سيكتشفه العلم منها إلى قيام الساعة، وأنه بركة من بركات السماء على أهل الأرض يجب على المسلمين اكتنازها وادخارها لوقت الحاجة إليها.
قال تعالى: ( ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ) [النور:٣٥].
وهي الشجرة التي تخرج من طور سيناء، قال تعالى: ( ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [المؤمنون:٢٠].
وهي التي أقسم الله بها في سورة التين، فقال تعالى: ( ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ) [التين:١-٤].
يقول الفخر: «وصف الله تعالى شجرة الزيتون بالبركة لكثرة منافعها»30.
فهي شجرة تشرب الماء وتخرج الزيت، جعل الله عز وجل في هذه الشجرة أدمًا ودهنًا، وهي صبغٍ للآكلين.
قال تعالى: ( ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) [القدر:١].
وهي الليلة المباركة التي أخبر الله عنها في قوله تعالى: ( ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ) [الدخان:١-٣].
«ووصفها بالبركة لما أن نزول القرآن مستتبعٌ للمنافع الدينية والدنيوية بأجمعها، أو لما فيها من تنزل الملائكة والرحمة وإجابة الدعوة، وقسم النعمة، وفصل الأقضية، وفضيلة العبادة، وإعطاء تمام الشفاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم»31.
والمقصود من تشريف الليلة التي كان ابتداء إنزال القرآن فيها تشريفٌ آخر للقرآن بتشريف زمان ظهوره، تنبيهًا على أنه تعالى اختار لابتداء إنزاله وقتًا شريفًا مباركًا؛ لأن عظم قدر الفعل يقتضي أن يختار لإيقاعه أفضل الأوقات والأمكنة، فاختيار أفضل الأوقات لابتداء إنزاله ينبئ عن علو قدره عند الله تعالى كقوله: ( ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [الواقعة (٧٩)]32.
وسمى ليلة القدر مباركةً إذ القرآن ذكرٌ مباركٌ، أنزله ملكٌ مباركٌ، في ليلةٍ مباركةٍ، على نبي مبارك، لأمة مباركة33.
قال تعالى: ( ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ) [الأنعام:٩٢].
وبركة هذه النعمة لا يستطيع أحد مهما أوتي من علم أن يحدها بحد، أو يحصرها بحصر، بل يعجز الإنسان عن بيان نعمة القرآن على الكون وما حواه من منافع دنيوية أو أخروية، وصدق الله العظيم: ( ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [الإسراء:٩].
يقول الشيخ الشنقيطي: «وهذه الآية الكريمة أجمل الله جل وعلا فيها جميع ما في القرآن من الهدى إلى خير الطرق وأعدلها وأصوبها، فلو تتبعنا تفصيلها على وجه الكمال لأتينا على جميع القرآن العظيم لشمولها لجميع ما فيه من الهدى إلى خيري الدنيا والآخرة»34.
من النعم المعنوية الموصوفة في القرآن الكريم بالبركة تحية الإسلام السلام عليكم؛ لقوله سبحانه: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [النور:٦١].
سمى الله تعالى السلام تحية من عنده سبحانه ، وهذه التحية من جوامع الكلم؛ لأن المقصود من التحية تأنيس الداخل بتأمينه إن كان لا يعرفه وباللطف له إن كان معروفًا...، والمباركة أي: المجعولة فيها البركة، والبركة: وفرة الخير، وإنما كانت هذه التحية مباركةً لما فيها من نية المسالمة، وحسن اللقاء والمخالطة؛ وذلك يوفر خير الأخوة الإسلامية، والطيبة: ذات الطيب، وهو بمعنى النزاهة والقبول في نفوس الناس، ووجه طيب التحية أنها دعاءٌ بالسلامة، وإيذانٌ بالمسالمة والمصافاة35.
وتحية الإسلام حيا الله تعالى بها جميع المرسلين بقوله تعالى: ( ﰁ ﰂ ﰃ) [الصافات:١٨١].
وهي تحية أهل الجنة بعضهم بعضًا: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [يونس:٩-١٠].
وهي تحية الملائكة المطهرين للصالحين أهل الجنة: ( ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ )[الرعد:٢٣-٢٤].
والسلام تحية المؤمنين من الله في الجنة يوم يلقونه سبحانه: ( ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ )[الأحزاب:٤٤].
والسلام تحية خزنة الجنة من الملائكة لأهل الجنة: ( ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ)[الزمر:٧٣].
وتحية الإسلام فيها من شمول المعنى لكل سلامة من كل آفة، وأمن من كل مخالفة، وصدق في الدعاء، ما لا نظير له في جميع تحايا الأمم من العرب وغيرهم، فتحية الإسلام كمال لا خداج فيها، وصدق لا كذب فيها36.
تعددت مجالات البركة في القرآن الكريم، وسوف نتناولها بالبيان فيما يأتي:
أولًا: أسماء الله وصفاته:
من مجالات البركة أسماء الله تعالى وصفاته، حيث وصف سبحانه وتعالى نفسه في غير ما آية من القرآن الكريم مرة بـالبركة وصفًا لذاته سبحانه ( ﮣ ﮤ)، ومرة أخرى وصفًا لاسمه سبحانه (ﮆ ﮇ ﮈ)، ومرة ثالثة أدخل سبحانه وصف البركة على ما يشير إليه قوله عز وجل: (ﯢ ﯣ).
وهذا يدل على استحقاق ذاته سبحانه للبركة، واستحقاق اسمه الشريف ( ﮤ) لذلك أيضًا ، واستحقاق ما يشير إليه سبحانه بذلك، وكل ما يتصل به جل وعلا.
والملاحظ في وصفه سبحانه لذاته بالبركة أو وصف اسمه جل وعلا بذلك أو وصف ما يشير إليه تعالى أنه ليس وصفًا خاليًا من التعليل أو الحكمة، بل لدينا في كل آية تخص «الذات الشريفة أو الاسم الشريف أو الإشارة إليه عز وجل» من ثوابت قدرته ومقام عظمته سبحانه ما يستحق الوصف بذلك، ومع الآيات وهداياتها، وأسرارها نمضي لإقامة الحجة وبيان البرهان الساطع على ما نقول.
ففي قوله تعالى: ( ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ)[الأعراف:٥٤].
بيان للربوبية، والألوهية التي من آثارها خلق السماوات والأرض في مقدار ستة أيام، ثم الاستواء على العرش استواء يليق بذاته سبحانه وتعالى، ثم ستر الليل النهار فيصير الجو مظلمًا بعد ما كان مضيئًا، يطلبه حثيثًا، أي: سريعًا طبق الحكمة والكمال، كما احتوت الآية الكريمة من عجائب القدرة تذليله سبحانه وتعالى للشمس وللقمر وللنجوم السيارة؛ إذ الكل مأمور بأمره يسخرهن سبحانه كما يشاء، وهن من آيات الله العظيمة، ألا له سبحانه وتعالى الخلق كله وله الأمر كله، تعالى الله وتعاظم وتنزه عن كل نقص، رب الخلق أجمعين.
وختم الآية الكريمة بـــ ( ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) الذي هو وصف خاص به سبحانه «لم يجئ منه مضارع ولا أمر ولا اسم فاعل» 37 مشعرٌ بما احتوته من دلائل القدرة، وفيوضات الربوبية، يقول الفخر الرازي: «إذا دققت النظر علمت أن عالم الخلق في تسخير الله، وعالم الأمر في تدبير الله، واستيلاء الروحانيات على الجسمانيات بتقدير الله، فلهذا المعنى قال: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) ثم قال بعده: ( ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) والبركة لها تفسيران:
أحدهما: البقاء والثبات.
والثاني: كثرة الآثار الفاضلة، والنتائج الشريفة.
وكلا التفسيرين لا يليق إلا بالحق سبحانه ، فإن حملته على الثبات والدوام، فالثابت والدائم هو الله تعالى ؛ لأنه الموجود الواجب لذاته، العالم لذاته القائم بذاته الغني في ذاته وصفاته وأفعاله وأحكامه عن كل ما سواه، فهو سبحانه مقطع الحاجات ومنهى الافتقارات وهو غنيٌ عن كل ما سواه في جميع الأمور.
وأيضًا إن فسرنا البركة بكثرة الآثار الفاضلة فالكل بهذا التفسير من الله تعالى ؛ لأن الموجود إما واجبٌ لذاته، وإما ممكنٌ لذاته، والواجب لذاته ليس إلا هو، وكل ما سواه ممكنٌ، وكل ممكنٍ فلا يوجد إلا بإيجاد الواجب لذاته، وكل الخيرات منه، وكل الكمالات فائضةٌ من وجوده وإحسانه، فلا خير إلا منه، ولا إحسان إلا من فيضه، ولا رحمة إلا وهي حاصلةٌ منه، فلما كان الخلق والأمر ليس إلا منه، لا جرم كان الثناء المذكور بقوله: ( ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [غافر:٦٤]. لا يليق إلا بكبريائه، وكمال فضله، ونهاية جوده ورحمته»38.
ومن الآيات التي وصفت ذات الله بالبركة:
قوله تعالى: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [المؤمنون:١٢-١٤].
والملاحظ أن هذه الآية الكريمة قدمت للوصف بالبركة بمقدمات كلها معجز، ومختص بذات الله وحكمه وقدرته سبحانه حيث خلق آدم من طين، وخلق بنيه من نطفة، ثم خلق النطفة علقة أي: دمًا أحمر، فخلق العلقة -بعد أربعين يومًا- مضغة، أي: قطعة لحم قدر ما يمضغ، فخلق المضغة اللينة عظامًا، فكسا العظام لحمًا، ثم أنشأه خلقًا آخر بنفخ الروح فيه، ثم يأتي الختام بــ(ﮣ ﮤ ) الذي أحسن كل شيء خلقه.
وقوله تعالى: ( ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [غافر:٦٤].
وصف فيه الحق سبحانه ذاته بالبركة، وقدم بصور تمثل قدرته سبحانه وإرادته من جعله الأرض مستقرًا لنا، ميسرة لإقامتنا عليها، وجعله السماء سقفًا للأرض، وبثه سبحانه فيها من العلامات الهادية، ومن خلقه إيانا على أكمل هيئة وأحسن تقويم، ومن إنعامه علينا بحلال الرزق، ولذيذ المطاعم والمشارب، ذلكم المنعم المتفضل هو ربنا وخالقنا، فتكاثر خيره وفضله وبركته، وتنزه عما لا يليق به، وهو رب الخلائق أجمعين.
وكما ورد الوصف بالبركة لذات الله تعالى ، فإنه قد ورد كذلك مقترنًا باسم الله تعالى في قوله تعالى: ( ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [الرحمن:٧٨].
فقوله تعالى: ( ﮆ ﮇ ﮈ ) تنزيهٌ وتقديسٌ له تعالى فيه تقريرٌ لما ذكر في سورة الرحمن من آلائه الفائضة على الأنام، أي: تعالى اسمه الجليل الذي من جملته ما صدرت به السورة من اسم الرحمن المنبئ عن إفاضته الآلاء المفصلة، وارتفع عما لا يليق بشأنه من الأمور التي من جملتها جحود نعمائه وتكذيبها، وإذا كان حال اسمه بملامسة دلالته عليه فما ظنك بذاته الأقدس الأعلى، وقيل: الاسم بمعنى الصفة ( ﮉ ﮊ ﮋ) وصف به الرب تكميلًا لما ذكر من التنزيه والتقرير39.
«والبركة واجبة لاسم الله عز وجل الذي هو كلمة مؤلفة من حروف الهجاء، ونحن نتبرك بالذكر له وبتعظيمه ونجله ونكرمه، فله التبارك، وله الإجلال منا ومن الله تعالى ، وله الإكرام من الله تعالى ومنا، حيثما كان من قرطاس، أو في شيء منقوش فيه، أو مذكور بالألسنة، ومن لم يجل اسم الله عز وجل كذلك ولا أكرمه، فهو كافر بلا شك. انتهى كلامه رحمه الله »40.
واقتران البركة باسم الله يعني: الدوام والثبوت لاسمه الشريف، أو دوام الخير عنده سبحانه ، وعلو شأنه عز وجل، أي: تبارك ذكر ربك يا محمد، ذي العظمة، ومن له الإكرام من جميع خلقه، أو أن البركة تكتب وتنال وتكسب بذكر اسمه.
قال ابن كثير: «الاسم معظمٌ لتعظيم الذات المقدسة، و( ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) أي: هو أهلٌ أن يجل فلا يعصى، وأن يكرم فيعبد، ويشكر فلا يكفر، وأن يذكر فلا ينسى» 41.
ويقول الشهاب: «كما يجب تعظيم ذاته تعالى يجب تعظيم أسمائه وتنزيهها عما لا يليق بها42 فاسمه -جل شأنه- ما يمكننا أن نعلم منه ما نعلم من صفاته، وما يشرق في أنفسنا من بهائه وجلاله»43.
وفي بيان مناسبة بركات الله علينا من خلال سورة الرحمن، وفي بيان وجوه معاني ( ﮆ ﮇ ﮈ):
يقول الفخر: «أنه تعالى لما ختم نعم الدنيا بقوله تعالى: ( ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ)[الرحمن:٢٧].
ختم نعم الآخرة بقوله: ( ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [الرحمن:٧٨].
إشارةً إلى أن الباقي والدائم لذاته هو الله تعالى لا غير والدنيا فانية، والآخرة وإن كانت باقيةً لكن بقاؤها بإبقاء الله تعالى ، ثانيها: هو أنه تعالى في أواخر هذه السور كلها ذكر اسم الله فقال في السورة التي قبل هذه: (ﭳ ﭴ ﭵ ) [القمر:٥٥].
وكون العبد عند الله من أتم النعم كذلك هاهنا بعد ذكر الجنات وما فيها من النعم، قال: ( ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [الرحمن:٧٨].
إشارةً إلى أن أتم النعم عند الله تعالى ، وأكمل اللذات ذكر الله تعالى ، وأصل التبارك من البركة، وهي الدوام والثبات، ومنها بروك البعير وبركة الماء، فإن الماء يكون فيها دائمًا، وفيه وجوهٌ:
أحدها: دام اسمه وثبت.
وثانيها: دام الخير عنده؛ لأن البركة وإن كانت من الثبات لكنها تستعمل في الخير.
وثالثها: تبارك بمعنى علا وارتفع.
وقال بعد ذكر نعم الدنيا: ( ﮄ ﮅ ﮆ) [الرحمن٢٧].
وقال بعد ذكر نعم الآخرة: ( ﮆ ﮇ ﮈ) لأن الإشارة بعد عد نعم الدنيا وقعت إلى عدم كل شيءٍ من الممكنات وفنائها في ذواتها، واسم الله تعالى ينفع الذاكرين ولا ذاكر هناك يوحد الله غاية التوحيد، فقال: (ﮄ ﮅ ﮆ) والإشارة هنا وقعت إلى أن بقاء أهل الجنة بإبقاء الله ذاكرين اسم الله متلذذين به، فقال: ( ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) أي: في ذلك اليوم لا يبقى اسم أحدٍ إلا اسم الله تعالى به تدور الألسن، ولا يكون لأحدٍ عند أحدٍ حاجةٌ بذكره، ولا من أحدٍ خوفٌ، فإن تذاكروا تذاكروا باسم الله»44.
وكما دخلت البركة على العلم على الذات العلية، وعلى الاسم الشريف، دخلت على ما يشير إليه عز وجل، ومن ذلك قوله تعالى: ( ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ) [الفرفان:١].
حيث افتتحت السورة بما يدل على منتهى كمال الله تعالى افتتاحًا يؤذن بأن ما حوته يحوم حول تنزيه الله تعالى عن النقص الذي افتراه المشركون لما نسبوا إليه شركاء في الربوبية والتصرف معه والتعطيل لبعض مراده، ففي هذا الافتتاح براعة الاستهلال، و(ﯔ) المستعمل منه الماضي وحده، وزنه تفاعل، وهو مطاوع بارك من البركة، وبارك فاعل من واحد، معناه زاد.
و(ﯔ) فعل مختص بالله تعالى لم يستعمل في غيره؛ ولذلك لم يصرف منه مستقبل ولا اسم فاعل، وهو صفة فعل أي: كثرت بركاته، ومن جملتها إنزال كتابه الذي هو الفرقان بين الحق والباطل، وجميع البركات منه سبحانه وحده، وهو يدل على التعظيم والمبالغة في وفرة الخير، وهو في مقام الثناء يقتضي العموم بالقرينة، أي: يفيد أن كل وفرةٍ من الكمال ثابتةٌ لله تعالى ، بحيث لا يتخلف نوعٌ منها عن أن يكون صفةً له تعالى .
وصيغة تفاعل إذا أسندت إلى واحدٍ تدل على تكلف فعل ما اشتقت منه، نحو: تطاول وتغابن، وترد كنايةً عن قوة الفعل وشدته مثل: تواصل الحبل، وهو مشتقٌ من البركة، وهي زيادة الخير ووفرته، وهذا الكلام يجوز أن يكون مرادًا به مجرد الإخبار عن عظمة الله تعالى وكماله، ويجوز أن يكون مع ذلك إنشاء ثناءٍ على الله أثناه على نفسه، وتعليمًا للناس كيف يثنون على الله ويحمدونه، كما في ( ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [الفاتحة:٢].
إما على وجه الكناية بالجملة عن إنشاء الثناء، وإما باستعمال الصيغة المشتركة بين الإخبار والإنشاء في معنييها، ولو صيغ بغير هذا الأسلوب لما احتمل هاذين المعنيين.
وجعل المسند إليه (الذي) اسم موصول للإيذان بأن معنى الصلة مما اشتهر به، كما هو غالب أحوال الموصول، فصارت الصلة مغنيةً عن الاسم العلم لاستوائهما في الاختصاص به؛ إذ يعلم كل أحدٍ أن الاختصاص بالملك الكامل المطلق ليس إلا لله45.
قال أهل اللغة: كلمة (الذي) موضوعةٌ للإشارة إلى الشيء عند محاولة تعريفه بقضيةٍ معلومةٍ، وعند هذا يتوجه الإشكال، وهو أن القوم ما كانوا عالمين بأنه سبحانه هو الذي نزل الفرقان، فكيف حسن هاهنا لفظ (الذي)؟ وجوابه: أنه لما قامت الدلالة على كون القرآن معجزًا ظهر بحسب الدليل كونه من عند الله، فلقوة الدليل، وظهوره أجراه سبحانه وتعالى مجرى المعلوم46.
ومن أمثلة دخول البركة على ما يشير إليه سبحانه في قوله تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ) [الفرقان:١٠].
وقوله تعالى: ( ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [الفرقان:٦١].
وقوله تعالى أيضًا في سورة الزخرف: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [الزخرف:٨٥].
وقوله تعالى: ( ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ) [الملك:١].
وما أسلفناه عن صيغة تبارك ودخولها على الموصول ينطبق على كل نظير مع مراعاة السياق.
ومن مجالات البركة -فوق ما تقدم- مما يتصل بالله تعالى: وصف القرآن بالبركة.
قال تعالى: ( ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [الأنعام:٩٢].
يقول الشيخ الشنقيطي في أضواء البيان عند تفسيره قوله تعالى: «( ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [الأنبياء:٥٠].
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن هذا القرآن العظيم ذكرٌ مباركٌ، أي: كثير البركات والخيرات؛ لأن فيه خيري الدنيا والآخرة...، وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من أن هذا القرآن مباركٌ بينه في مواضع متعددةٍ من كتابه، كقوله تعالى في الأنعام: ( ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [الأنعام:١٥٥].
وقوله فيها أيضًا: ( ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [الأنعام:٩٢].
وقوله تعالى في ص: ( ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [ص:٢٩].
فنرجو الله تعالى القريب المجيب أن تغمرنا بركات هذا الكتاب العظيم المبارك بتوفيق الله تعالى لنا لتدبر آياته، والعمل بما فيها من الحلال والحرام، والأوامر والنواهي، والمكارم والآداب، امتثالًا واجتنابًا، إنه قريبٌ مجيبٌ»47.
ومما لا ريب فيه أن النظرة الموضوعية للآية لا تستغني بحال عن النظرة التحليلية؛ إذ التحليل يزيد من عبق موضوعية الآية، ويكشف عن مستور كنوز القرآن، واستكناه درره الخبيئة، وهذا ما يفعل الإفادة من التفسير الموضوعي للقرآن.
يقول العلامة الرازي مظهرًا مجمل البركة القرآنية: «( ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [الأنعام:١٥٥].
أي: كثير المنافع والفوائد؛ لاشتماله على منافع الدارين، وعلوم الأولين والآخرين، وما لا يتناهى من الفوائد، قال أهل المعاني: كتابٌ مباركٌ أي: كثيرٌ خيره، دائمٌة بركته ومنفعته، يبشر بالثواب والمغفرة، ويزجر عن القبيح والمعصية، وأقول: العلوم إما نظريةٌ، وإما عمليةٌ، أما العلوم النظرية فأشرفها وأكملها معرفة ذات الله وصفاته وأفعاله وأحكامه وأسمائه، ولا ترى هذه العلوم أكمل ولا أشرف مما تجده في هذا الكتاب، وأما العلوم العملية فالمطلوب إما أعمال الجوارح، وإما أعمال القلوب، وهو المسمى بطهارة الأخلاق، وتزكية النفس، ولا تجد هذين العلمين مثل ما تجده في هذا الكتاب، ثم قد جرت سنة الله تعالى بأن الباحث عنه، والمتمسك به يحصل له عز الدنيا، وسعادة الآخرة».
ثم عقب ذلك بقوله متحدثًا بنعمة الله عليه: «يقول مصنف هذا الكتاب محمد بن عمر الرازي: وأنا قد نقلت أنواعًا من العلوم النقلية والعقلية، فلم يحصل لي بسبب شيءٍ من العلوم من أنواع السعادات في الدين والدنيا مثل ما حصل بسبب خدمة هذا العلم»48.
يقول محمد رشيد رضا بعد أن نقل نص الرازي: «هذا العلم أي: علم القرآن بتفسيره»، ثم يعقب بقول: «فليعتبر بهذا من يضعون جل أوقاتهم في طلب العلم الديني بعلوم الكلام وغيرها، مما يعدون الرازي الإمام المطلق فيها؛ لعلهم يرجعون إلى كتاب الله تعالى ، ويهتدون به، ويطلبون السعادة من فيضه دون غيره، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا لإتمام تفسيره، وأن يجعله حجةً لنا لا علينا بكمال التخلق به»49.
وبتدبر الآيات التي تحدثت عن القرآن وإنزاله موصوفًا بالبركة فإننا نلحظ أن الإنزال فيها سبق البركة مرة، والبركة فيها سبقت الإنزال مرة أخرى، ولا شك أن لذلك حكمته اللطيفة، ونكتته البديعة.
يقول أبو حيان: «( ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [الأنعام:٩٢].أي: وهذا القرآن لما ذكر وقرر أن إنكار من أنكر أن يكون الله أنزل على بشرٍ شيئًا وحاجهم بما لا يقدرون على إنكاره أخبر أن هذا الكتاب الذي أنزل على الرسول مباركٌ كثير النفع والفائدة؛ ولما كان الإنكار إنما وقع على الإنزال فقالوا: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ) [الأنعام:٩١].
وقيل: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) كان تقديم وصفه بــ(الإنزال) أكد من وصفه بكونه (مباركًا) ولأن ما أنزل الله تعالى فهو مباركٌ قطعًا فصارت الصفة بكونه مباركًا، كأنها صفةٌ مؤكدةٌ؛ إذ تضمنها ما قبلها ( ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [الأنبياء:٥٠].
فلم يرد في معرض إنكارٍ أن ينزل الله شيئًا، بل جاء عقب قوله تعالى: ( ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [الأنبياء:٤٨].
ذكر أن الذي آتاه الرسول هو ذكرٌ مباركٌ؛ ولما كان الإنزال يتجدد عبر بالوصف الذي هو فعلٌ، ولما كان وصفه بالبركة وصفًا لا يفارق عبر بالاسم الدال على الثبوت»50 اللهم كما باركت للمتقدمين من أهل القرآن وخدامه بارك لنا في أنفسنا، وفي أولادنا وفي مجتمعاتنا، وارزقنا العمل به.
ثانيًا: الأنبياء وأممهم:
من مجالات البركة في القرآن الكريم ما تناوله القرآن في حديثه عن الأنبياء وأممهم، ومما لا شك فيه أن الله بارك الصالحين بصفة عامة، ولولا بركة الله وفضله عليهم ما كانوا صالحين، ورسل الله من المصطفين الأخيار؛ لقوله تعالى: ( ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ) [الحج:٧٥].
فهم ذروة الصلاح، ومجمع بركة الله، هذه عقيدتنا، لكن القرآن الكريم في استعمالاته ذكر جمعًا من الأنبياء وصفهم بالبركة صراحة، وهذا لا يعني أن غير المذكور من الأنبياء ليس مباركًا؛ إذ البركة كما تكون باللفظ الصريح تكون بغيره من المفردات، أما الأمم فمن باركه الله فهو المبارك فحسب.
ومن الأنبياء الذين وردت البركة وصفًا لهم في استعمال القرآن صراحة نبي الله نوح وإبراهيم وإسحاق وعيسى عليهم السلام ، وتفصيل ذلك فيما يلي:
١. نبي الله نوح عليه السلام.
جاءت آيات تتحدث عن البركة في معية نبي الله نوح عليه السلام ، من ذلك قوله تعالى: ( ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [المؤمنون:٢٩].
والآية الكريمة تحمل توجيها لنبي الله نوح عليه السلام أن يدعو ربه أن ييسر له النزول المبارك الآمن؛ إذ الله بيده مقاليد كل شيء، ومن ذلك اختيار الخير لنزول نبيه من الفلك، فهو -جل شأنه- خير من أنزل عباده المنازل، ويتسلسل بنا قرآنيًا الشيخ الشنقيطي رحمه الله في رحلة نوح عليه السلام.
فيقول معلقًا على قوله تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [المؤمنون:٢٩].
«ذكر الله تعالى في هذه الآية الكريمة: أن نبيه نوحًا -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- أمر أصحابه الذين قيل له احملهم فيها أن يركبوا فيها قائلًا: ( ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [هود:٤١].
أي: بسم الله يكون جريها على وجه الماء، وبسم الله يكون منتهى سيرها، وهو رسوها، وبين في (سورة الفلاح): أنه أمره إذا استوى على السفينة هو ومن معه أن يحمدوا الله الذي نجاهم من الكفرة الظالمين، ويسألوه أن ينزلهم منزلًا مباركًا؛ وذلك في قوله: ( ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ) [المؤمنون:٢٩، ٢٨].
وبين في سورة الزخرف ما ينبغي أن يقال عند ركوب السفن وغيرها بقوله: ( ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ) [الزخرف:١٢-١٤]»51.
والدعاء في الآية الكريمة ( ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [المؤمنون:٢٩].
يتضمن سؤال سلامةٍ من غرق السفينة، وهذا كالمحامد التي يعلمها الله محمدًا صلى الله عليه وسلم يوم الشفاعة، فيكون في ذلك التعليم إشارةٌ إلى أنه سيتقبل ذلك منه، وجملة: (ﭦ ﭧ ﭨ) في موضع الحال، وفيها معنى تعليل سؤاله ذلك52.
قال القرطبي: «وبالجملة فالآية تعليمٌ من الله عز وجل لعباده إذا ركبوا، وإذا نزلوا أن يقولوا هذا، بل وإذا دخلوا بيوتهم وسلموا قالوها»53.
وثمرة الدعاء السالف تظهر في قوله تعالى مستجيبًا: ( ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [هود:٤٨].
ثم إنه تعالى لما وعده بالسلام أردفه بأن وعده بالبركات التي هي عبارةٌ عن الدوام والبقاء، والثبات، ونيل الأمل، ومنه بروك الإبل، ومنه البركة لثبوت الماء فيها، ومنه تبارك وتعالى، أي: ثبت تعظيمه، ثم اختلف المفسرون في تفسير هذا الثبات والبقاء.
فالقول الأول: أنه تعالى صير نوحًا أبا البشر؛ لأن جميع من بقي كانوا من نسله، وعند هذا قال هذا القائل: إنه لما خرج نوحٌ من السفينة مات كل من كان معه ممن لم يكن من ذريته، ولم يحصل النسل إلا من ذريته، فالخلق كلهم من نسله وذريته، وقال آخرون: لم يكن في سفينة نوحٍ عليه السلام إلا من كان من نسله وذريته، وعلى التقديرين فالخلق كلهم إنما تولدوا منه ومن أولاده، والدليل عليه قوله تعالى: ( ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ) [الصافات:٧٧].
فثبت أن نوحًا عليه السلام كان آدم الأصغر، فهذا هو المراد من البركات التي وعده الله بها.
والقول الثاني: أنه تعالى لما وعده بالسلامة من الآفات، وعده بأن موجبات السلامة يكون في التزايد والثبات والاستقرار، ثم إنه تعالى لما شرفه بالسلامة والبركة شرح بعده حال أولئك الذين كانوا معه، فقال: ( ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [هود:٤٨].
والأمم المبارك عليهم المتشعبة منهم نكرةٌ يدل على أن بعض من يتشعب منهم ليسوا على صفتهم، يعني ليس جميع من تشعب منهم مسلمًا ومباركًا عليه، بل منهم أممٌ ممتعون في الدينا معذبون في الآخرة، وعلى هذا لا يكون كل من كان مع نوح عليه السلام مسلمًا ومباركًا عليه صريحًا، وإنما يفهم ذلك من كونهم مع نوح عليه الصلاة والسلام ومن كون ذرياتهم كذلك بدلالة النص، ويجوز أن تكون (من) بيانيةً أي: وعلى أمم هم الذين معك54 عن الحسن: أنه كان إذا قرأ سورة هود، فأتى على يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك، حتى ختم الآية، قال الحسن: فأنجى الله نوحًا والذين آمنوا، وهلك المتمتعون! حتى ذكر الأنبياء كل ذلك يقول: أنجاه الله وهلك المتمتعون55 .
قال محمد بن كعبٍ: ( ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ)[هود:٤٨].
قال: فما بقي مؤمنٌ ولا مؤمنةٌ إلا دخل في ذلك السلام، وفي تلك البركات إلى يوم القيامة56.
وبشر نوح بالسلامة إيذانًا له بمغفرة ربه له ورحمته إياه، وبإقامته في الأرض آمنًا من الآفات الدنيوية؛ إذ كانت الأرض قد خلت مما ينتفع به من النبات والحيوان، فكان ذلك تبشيرًا له بعود الأرض إلى أحسن حالها؛ ولذلك قال: ( ﮆ ﮇ) أي دائمةٍ باقيةٍ عليك.
والمعنى: أن السلام منا والبركات دائمة باقية عليك وعلى أمم مؤمنين ينشئون ممن معك، وأممٌ ممتعون بالدنيا منقلبون إلى النار57.
وقد بين الله تعالى أن البركة كما أصابت نوحًا عليه السلام فقد أصابت واستعلت أممًا كانت مع نبي الله نوح عليه السلام ، و(على) للاستعلاء المجازي، أي: تمكن البركة من الإحاطة بهما58.
وكما أصابت البركة نوحًا عليه السلام أصابت أيضًا إبراهيم وذريته من الأنبياء عليهم السلام .
٢. نبي الله إبراهيم وذريته من الأنبياء عليهم السلام.
من مجالات البركة في القرآن الكريم، وضمن حديث القرآن عن الأنبياء يأتي خليل الرحمن إبراهيم وذريته من الأنبياء عليهم السلام.
يقول الله تعالى: ( ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [الصافات:١٠٩-١١٣].
فقوله تعالى في هذه الآية: (ﮅ ﮆ) كقوله تعالى: ( ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ)[هود:٤٨]59.
والمعنى: «ثنينا عليهما النعمة، وقيل: كثرنا ولدهما، أي: باركنا على إبراهيم وعلى أولاده، وعلى إسحاق حين أخرج أنبياء بني إسرائيل من صلبه، وقد قيل: إن الكناية في (عليه) تعود على إسماعيل وأنه هو الذبيح.
قال المفضل: الصحيح الذي يدل عليه القرآن أنه إسماعيل؛ وذلك أنه قص قصة الذبيح، فلما قال في آخر القصة: ( ﭩ ﭪ ﭫ ) [الصافات:١٠٧].
ثم قال: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ) ثم قال: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) أي: على إسماعيل، وعلى إسحاق كنى عنه؛ لأنه قد تقدم ذكره»60.
وحمل أبو حيان الآية على الوعد والوعيد، حيث قال: «(ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) أفضنا عليهما بركات الدين والدنيا...، (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [الصافات:١١٣].
فيه وعيدٌ لليهود، ومن كان من ذريتهما لم يؤمن بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم ، وفيه دليلٌ على أن البر قد يلد الفاجر، ولا يلحقه من ذلك عيبٌ ولا منقصةٌ»61.
وقد جمع القاسمي البركة في (ﮅ ﮆ) في تكثير الذرية، وتسلسل النبوة فيهم، وجعلهم ملوكًا، وإيتائهم ما لم يؤت أحد» 62.
٣. نبي الله عيسى عليه السلام.
وكما ذكر الله تعالى أنبياءه نوح وإبراهيم وذريته من الأنبياء عليهم السلام متصفين بالبركة ذكر نبيه عيسى عليه السلام فقال سبحانه: ( ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [مريم:٣١].
فسر العلماء البركة الموصوف بها نبي الله عيسى عليه السلام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو النفع حيث ما توجه، وقال مجاهدٌ: معلمًا للخير.
وقال عطاءٌ: أدعو إلى الله وإلى توحيده وعبادته.
وعن الضحاك: قضاءً للحوائج.
وقيل: مباركًا على من تبعني63 .
وفسر القرطبي البركة بقوله: «وأرشد الضال، وأنصر المظلوم، وأغيث الملهوف»64.
وفسرها القاسمي بقوله: «أبلغ وحي ربي لتقويم النفوس، وكبح الشهوات، والأخذ بما هو مناط السعادات، والتعبير بلفظ الماضي ( ﮒ ﮓ) باعتبار ما سبق في القضاء المحتوم»65.
وفسرها ابن عاشور بعد بيان صيغة (ﮓ) قائلًا: «والمبارك: الذي تقارن البركة أحواله في أعماله ومحاورته ونحو ذلك؛ لأن المبارك اسم مفعولٍ من باركه، إذا جعله ذا بركةٍ، أو من بارك فيه، إذا جعل البركة معه.
والبركة: الخير واليمن؛ ذلك أن الله أرسله برحمةٍ لبني إسرائيل ليحل لهم بعض الذي حرم عليهم، وليدعوهم إلى مكارم الأخلاق بعد أن قست قلوبهم، وغيروا من دينهم، فهذه أعظم بركةٍ تقارنه، ومن بركته أن جعل الله حلوله في المكان سببًا لخير أهل تلك البقعة من خصبها واهتداء أهلها، وتوفيقهم إلى الخير؛ ولذلك كان إذا لقيه الجهلة والقساة والمفسدون انقلبوا صالحين، وانفتحت قلوبهم للإيمان والحكمة.
ولذلك ترى أكثر الحواريين كانوا من عامة الأميين من صيادين وعشارين فصاروا دعاة هدًى، وفاضت ألسنتهم بالحكمة، وبهذا يظهر أن كونه مباركًا أعم من كونه نبيًا عمومًا وجهيًا، فلم يكن في قوله وجعلني نبيًا غنيةٌ عن قوله: ( ﮒ ﮓ) والتعميم الذي في قوله: ( ﮔ ﮕ ﮖ) تعميمٌ للأمكنة، أي: لا تقتصر بركته على كونه في الهيكل بالمقدس، أو في مجمع أهل بلده، بل هو حيثما حل تحل معه البركة»66.
وفسرها الإمام محمد أبو زهرة بقوله: «المبارك: النافع الهادي المرشد الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، والداعي إلى الحق والتنزيه، وقد كان عيسى عليه السلام واضح البركات، كان يخبرهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم، وكان يبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله، ويحيي الموتى، وينادي الموتى فيخرجون من قبورهم، وأنزل الله تعالى على يديه المائدة من السماء، على أن تكون عيدًا لأولهم وآخرهم، فأي بركةٍ أعظم مما أعطيه هذا النبي الكريم؟!»67.
وكما أن الأنبياء يمثلون مجالًا من مجالات البركة في القرآن، فإن أهل بيت النبوة يمثلون ذلك أيضًا في استعمال القرآن.
٤. أهل بيت نبي الله إبراهيم عليه السلام.
قال تعالى: ( ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ) [هود:٦٩-٧٣].
الآيات الكريمات تتحدث عن مجيء الملائكة إبراهيم عليه السلام لتبشيره هو وزوجته بالذرية، وإخبارهما بالرحمة والبركة الكائنة في بيت النبوة، يقول ابن كثير مبينًا هدايات هذه الآيات: «يذكر تعالى أنه وهب لإبراهيم إسحاق بعد أن طعن في السن، وأيس هو وامرأته سارة من الولد، فجاءته الملائكة وهم ذاهبون إلى قوم لوطٍ، فبشروهما بإسحاق، فتعجبت المرأة من ذلك، وقالت: ( ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ)[هود:٧٢- ٧٣].
فبشروهما مع وجوده بنبوته، وبأن له نسلًا وعقبًا، كما قال تعالى: ( ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ)[الصافات:١١٢].
وهذا أكمل في البشارة، وأعظم في النعمة، وقال: ( ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [هود:٧١].
أي: ويولد لهذا المولود ولدٌ في حياتكما، فتقر أعينكما به، كما قرت بوالده، فإن الفرح بولد الولد شديدٌ لبقاء النسل والعقب، ولما كان ولد الشيخ والشيخة قد يتوهم أنه لا يعقب لضعفه، وقعت البشارة به وبولده باسم يعقوب الذي فيه اشتقاق العقب والذرية، وكان هذا مجازاةً لإبراهيم عليه السلام حين اعتزل قومه وتركهم ونزح عنهم، وهاجر من بلادهم ذاهبًا إلى عبادة الله في الأرض، فعوضه الله عز وجل عن قومه وعشيرته بأولادٍ صالحين من صلبه على دينه؛ لتقر بهم عينه، كما قال تعالى: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [مريم:٤٩].
وقال: ( ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ) [الأنعام:٨٤].
وقوله: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [الأنعام:٨٤].
أي: من قبله هديناه كما هديناه، ووهبنا له ذريةً صالحةً، وكلٌ منهما له خصوصيةٌ عظيمةٌ، أما نوحٌ عليه السلام ، فإن الله تعالى لما أغرق أهل الأرض إلا من آمن به، وهم الذين صحبوه في السفينة، جعل الله ذريته هم الباقين، فالناس كلهم من ذريته، وأما الخليل إبراهيم عليه السلام ، فلم يبعث الله عز وجل بعده نبيًا إلا من ذريته.
كما قال تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ) [العنكبوت:٢٧].الآية.
وقال تعالى: ( ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [الحديد:٢٦].
وقال تعالى: ( ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ)[هود:٧٣].
أي: هو الحميد في جميع أفعاله وأقواله، محمودٌ ممجدٌ في صفاته وذاته؛ ولهذا ثبت في الصحيحين أنهم قالوا: قد علمنا السلام عليك فكيف الصلاة عليك يا رسول الله؟ (قال: قولوا: اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميدٌ مجيدٌ)68.
و ( ﭭ ) وصف لذات الله بمعنى أنه المحمود الذي يدوم حمده وإنعامه، ويحمد لهذا الإنعام، و ( ﭮ ) على وزن فعيل من ماجد؛ لأنه العالي في ذاته وصفاته ومجده سبحانه وتعالى »69.
وفي تفصيل معنى العجب ومدى حمل الرحمة والبركة في الآية الكريمة على الخبر أو الدعاء.
يقول العلماء: وقوله سبحانه: ( ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) كلام مستأنف علل به إنكار التعجب، كأنه قيل: إياك والتعجب، فإن خوارق العادات باعتبار أهل بيت النبوة مهبط المعجزات، وتخصيصهم بمزيد النعم والكرامات ليس ببدع ولا حقيق بأن يستغربه عاقل فضلًا عمن نشأت وشابت في ملاحظة الآيات، قيل: الرحمة النبوة، والبركات أن جميع الأنبياء والمرسلين كانوا في ولد إبراهيم70.
وعبارة (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) حملها بعض العلماء على الدعاء، وبعضهم على الخبر، أما أهل البيت المعنيين بالبركة يتضمنون الزوجة، قال ابن عطية: «يحتمل اللفظ أن يكون دعاء، وأن يكون إخبارًا، وكونه إخبارًا أشرف؛ لأن ذلك يقتضي حصول الرحمة والبركة لهم، وكونه دعاء إنما يقتضي أنه أمر يترجى ولم يتحصل بعد، وهذه الآية تعطي أن زوجة الرجل من أهل بيته؛ لأنها خوطبت بهذا، فيقوى القول في زوجات النبي عليه السلام بأنهن من أهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس، بخلاف ما تذهب إليه الشيعة، وقد قاله أيضًا بعض أهل العلم، قالوا: أهل بيته الذين حرموا الصدقة، والأول أقوى، وهو ظاهر جلي من سورة الأحزاب؛ لأنه ناداهن بقوله: (ﭡ ﭢ )[الأحزاب:٣٢]. ثم بقوله: (ﮍ ﮎ) [الأحزاب:٣٣]»71.
ثالثًا: الأزمنة المباركة:
وكما طوفنا بالبركة من خلال مجال المصطفين الأخيار وآلهم، فإننا نستطيع بيان أن من مجالات البركة الأزمنة ومن ذلك:
الليلة المباركة:
حوى القرآن الكريم من خلال استعمالاته أزمنة وصفها بالبركة، من ذلك ما يتعلق بليلة نزول القرآن، حيث قال الله تعالى: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [الدخان: ٣-٦].
هذه الليلة هي ليلة القدر من شهر رمضان؛ لقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) [القدر:١].
ولمطابقة قوله: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [الدخان:٤].
لقوله: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ )[القدر: ٤].
وقوله تعالى: ( ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ)[البقرة:١٨٥].
وليلة القدر في أصح الأقاويل في شهر رمضان، والمباركة: الكثيرة الخير لما يتيح الله فيها من الأمور التي يتعلق بها منافع العباد في دينهم ودنياهم، ولولم يوجد فيها إلا إنزال القرآن وحده لكفى به بركة72.
وقد أفاض العلامة الفخر في بيان نظم هذه الآيات فقال: «اعلم أن المقصود منها تعظيم القرآن من ثلاثة أوجهٍ، أحدها: بيان تعظيم القرآن بحسب ذاته، الثاني: بيان تعظيمه بسبب شرف الوقت الذي نزل فيه، الثالث: بيان تعظيمه بحسب شرف منزلته.
أما بيان تعظيمه بحسب ذاته فمن ثلاثة أوجهٍ، أحدها: أنه تعالى أقسم به وذلك يدل على شرفه، وثانيها: أنه تعالى أقسم به على كونه نازلًا في ليلةٍ مباركةٍ، وقد ذكرنا أن القسم بالشيء على حالةٍ من أحوال نفسه يدل على كونه في غاية الشرف، وثالثها: أنه تعالى وصفه بكونه مبينًا وذلك يدل أيضًا على شرفه في ذاته، وأما النوع الثاني: وهو بيان شرفه لأجل شرف الوقت الذي أنزل فيه فهو قوله: ( ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) وهذا تنبيهٌ على أن نزوله في ليلةٍ مباركةٍ يقتضي شرفه وجلالته، ثم نقول: إن قوله: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) يقتضي أمرين:
أحدها: أنه تعالى أنزله.
والثاني: كون تلك الليلة (مباركةً).
فذكر تعالى عقيب هذه الكلمة ما يجري مجرى البيان لكل واحدٍ منهما.
أما بيان أنه تعالى لم أنزله، فهو قوله: (ﭜ ﭝ ﭞ) يعني الحكمة في إنزال هذه السورة أن إنذار الخلق لا يتم إلا به.
وأما بيان أن هذه الليلة ليلةٌ مباركةٌ فهو أمران:
أحدهما: أنه تعالى يفرق فيها كل أمرٍ حكيمٍ.
والثاني: أن ذلك الأمر الحكيم مخصوصًا بشرف أنه إنما يظهر من عنده، وإليه الإشارة بقوله: ( ﭦ ﭧ ﭨ)» 73.
وقد أخرج الطبري رواية ابن عباس رضي الله عنهما التي من خلالها جمع بركة نزول القرآن في أوقات تفيض بركة: «عن ابن عباس قال له رجل: إنه قد وقع في قلبي الشك من قوله: ( ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) ، وقوله: ( ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ )، وقوله: ( ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ) وقد أنزل الله في شوال وذي القعدة وغيره! قال: إنما أنزل في رمضان في ليلة القدر وليلة مباركة جملة واحدةً، ثم أنزل على مواقع النجوم رسلًا في الشهور والأيام»74.
وقد عدد أبو السعود أنواعًا من بركات ليلة نزول القرآن، فقال: «لما أن نزول القرآن مستتبعٌ للمنافع الدينية والدنيوية بأجمعها، أو لما فيها من تنزل الملائكة، والرحمة، وإجابة الدعوة، وقسم النعمة، وفصل الأقضية، وفضيلة العبادة، وإعطاء تمام الشفاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم»75.
كما أن المقصود من تشريف الليلة التي كان ابتداء إنزال القرآن فيها تشريفٌ آخر للقرآن بتشريف زمان ظهوره، تنبيهًا على أنه تعالى اختار لابتداء إنزاله وقتًا شريفًا مباركًا؛ لأن عظم قدر الفعل يقتضي أن يختار لإيقاعه فضل الأوقات والأمكنة، فاختيار فضل الأوقات لابتداء إنزاله ينبئ عن علو قدره عند الله تعالى ، كقوله: ( ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [الواقعة:٧٩]76.
وهكذا تجلى ربنا على أمة الإسلام ببركة الكتاب العزيز الذي من تمسك به نال بركتي الدنيا والآخرة، ومن التمسك به تكريمه بالعمل به، والاحتكام إليه لأنه كلام الله، الذي شرفه سبحانه ذاتًا ومكانًا وزمانًا.
رابعًا: الأمكنة المباركة:
١. بركة مجمل الأرض.
وصف القرآن الكريم بعض الأماكن بالبركة؛ حتى يلفت أنظارنا إليها؛ كي نعتني بها، ونقبل عليها، ونتأدب فيها، ونخصها بما يجب أن تخص به، وقد بين لنا ربنا سبحانه أنه بارك في مجمل الأرض من خلال قوله تعالى: ( ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [فصلت:٩-١٠].
وقد فسر العلماء البركة في مجمل الأرض بتفسيرات كثيرة، منها:
شق البحار والأنهار، وإنبات الشجر، والثمار، وإكثار الخير وإنماؤه، وخلق أصناف الحيوانات، وجعل الأرض طهورًا، وخلق الجبال، وكل ما يحتاج إليه من الخيرات والأرزاق77 .
يقول الرازي: «ولوجوهٍ منها: أنه تعالى وصف بقاعًا من الأرض بالبركة بقوله: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [آل عمران:٩٦].
ومنها: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ)[القصص:٣٠].
ومنها: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [الإسراء:١].
ومنها: وصف أرض الشام بالبركة، فقال: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [الأعراف:١٣٧].
وخامسها: وصف جملة الأرض بالبركة، فقال: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [فصلت:٩-١٠].
فإن قيل: وأي بركةٍ في الفلوات الخالية والمفاوز المهلكة؟ قلنا: إنها مساكن للوحوش ومرعاها، ثم إنها مساكن للناس إذا احتاجوا إليها، فلهذه البركات قال تعالى: ( ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ)[الذاريات:٢٠].
وهذه الآيات وإن كانت حاصلةً لغير الموقنين لكن لما لم ينتفع بها إلا الموقنون جعلها آياتٍ للموقنين تشريفًا لهم، كما قال: ( ﭚ ﭛ ) [البقرة:٢].
ومن ذلك: أنه سبحانه وتعالى خلق الأنبياء المكرمين من الأرض على ما قال: ( ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ)[طه:٥٥].
ولم يخلق من السموات شيئًا؛ لأنه قال: ( ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ)[الأنبياء:٣٢].
ومن ذلك: أن الله تعالى أكرم نبيه بها فجعل الأرض كلها مساجد له، وجعل ترابها طهورًا، ثم قال: والبركة كثرة الخير والخيرات الحاصلة من الأرض أكثر مما يحيط به الشرح والبيان» 78.
وقد أرجع الشيخ الشعراوي الضمير في الآية الكريمة: ( ﯖ ﯗ ) إلى الجبال خصوصًا معللًا ذلك بكون الضمير جاء بعد ذكر الجبال (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ).
وهو رأي له وجاهته من ناحية، ومن ناحية أخرى لم يخرج في وصف البركة عن نطاق الأرض؛ إذ أنه سبحانه يضع نفعه فيما يشاء من مخلوقاته.
يقول رحمه الله تعالى: «( ﯖ ﯗ ) جاءت بعد ذكر الجبال الرواسي، ثم قال: (ﯘ ﯙ ﯚ) [فصلت:١٠].
كأن الجبال هي مخازن القوت، وخزائن رحمة الله لأهل الأرض، والقوت: وهو الذي يتم به استبقاء الحياة، وهذا ناشئ من مزروعات الأرض، وهذه من تصديقات القرآن لطموحات العلم وأسبقية إخباره بما سيحدث، فها هو القرآن يخبر بما اهتدى إليه العلم الحديث من أن العناصر التي تكون الإنسان هي نفس عناصر التربة الزراعية التي نأكل منها.
لكن كيف تكون الجبال مخازن القوت الذي جعله الله في الأرض قبل أن يخلق الإنسان؟
نقول: إن الجبال هي أساس التربة التي نزرعها، فالجبل هذه الكتلة الصخرية التي تراها أمامك جامدة هي في الحقيقة ليست كذلك؛ لأن عوامل التعرية وتقلبات الجو من شمس وحرارة وبرودة، كل هذه عوامل تفتت الصخر، وتحدث به شروخًا وتشققات، ثم يأتي المطر فيحمل هذا الفتات إلى الوادي، ولو تأملت شكل الجبل وشكل الوادي لوجدتهما عبارة عن مثلثين كل منهما عكس الآخر، فالجبل مثلث رأسه إلى أعلى، وقاعدته إلى أسفل، والوادي مثلث رأسه إلى أسفل وقاعدته إلى أعلى.
وهكذا فكل ما ينقص من الجبل يزيد في الوادي، ويكون التربة الصالحة للزراعة، وهو ما يسمى بالغرين أو الطمي؛ لذلك حدثونا أن مدينة دمياط -بمصر- قديمًا كانت على شاطئ البحر الأبيض، ولكن بمرور الزمن تكونت مساحات واسعة من هذا الغرين أو الطمي الذي حمله النيل من إفريقية ففصل دمياط عن البحر، والآن وبعد بناء السد وعدم تكون الطمي بدأت المياه تنحت في الشاطئ، وتنقص فيه من جديد، إذن: فقوله تعالى عن بداية خلق الأرض: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [فصلت:١٠].
كأنه يعطينا تسلسلًا لخلق القوت في الأرض، وأن خزائن الله لا حدود لها ولا نفاد لخيراتها، فالضمير في (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [فصلت:١٠].
إنما على الجبال؛ لأن الجبال في الحقيقة هي مخازن القوت، ومصدر الخصب للأرض التي هي مصدر القوت، فالإنسان مخلوق من الأرض، واستبقاء حياته من الأرض، فالنبات قوت للإنسان وللحيوان، والنبات والحيوان قوت للإنسان.
إذن: لابد للأرض من خصوبة تساعدها وتمدها بعناصر الغذاء، ولو أن الخالق عز وجل جعل الأرض هكذا طبقةً واحدة بها المخصبات لانتهت هذه الطبقة بعد عدة سنوات، ولأجدبت الأرض بعد ذلك79.
هكذا بين العلماء طرفًا مما هداهم الله إليه من بركات مجمل الأرض، كما ذكر القرآن الكريم، وما على المسلم إلا أن يغتنم هذه البركة بالطاعة، وترك المعصية أو الإفساد في الأرض؛ ليستزيد من بركات الله في أرضه سبحانه .
٢. المسجد الحرام.
من الأمكنة التي باركها الله في القرآن الكريم المسجد الحرام بمكة المكرمة.
قال تعالى: ( ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ) [آل عمران:٩٦- ٩٧].
في هاتين الآيتين الكريمتين خص الله تعالى المسجد الحرام بسبع خصالٍ ليست لغيره من المساجد، هي أنه: أول بيتٍ وضع للناس، ومباركٌ، وهدًى للعالمين، وفيه آيات بيناتٌ، ومقام إبراهيم، ومن دخله كان آمنًا، والحج والعمرة إليه، وآياتٌ أخر80.
وهدفنا الأصيل هو التوجه نحو صفة البركة في الآية الكريمة، وبركة هذا البيت من وجوهٍ:
أحدها: أن الطاعات إذا أتي بها في هذا البيت ازداد ثوابها؛ بدليل حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاةٌ في مسجدي هذا خيرٌ من ألف صلاةٍ فيما سواه، إلا المسجد الحرام)81 فهذا في الصلاة، وأما الحج فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه: (الحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة)82.
ومعلومٌ أنه لا أكثر بركةً مما يجلب المغفرة والرحمة.
وثانيها: قال القفال رحمه الله تعالى: ويجوز أن يكون بركته ما ذكر في قوله تعالى: ( ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [القصص:٥٧].
فيكون كقوله: ( ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ)[الإسراء:١].
وثالثها: أن العاقل يجب أن يستحضر في ذهنه أن الكعبة كالنقطة؛ وليتصور أن صفوف المتوجهين إليها في الصلوات كالدوائر المحيطة بالمركز، وليتأمل كم عدد الصفوف المحيطة بهذه الدائرة حال اشتغالهم بالصلاة.
وأما إن فسرنا البركة بالدوام فهو أيضًا كذلك؛ لأنه لا تنفك الكعبة من الطائفين والعاكفين والركع السجود، وأيضًا الأرض كرةٌ، وإذا كان كذلك فكل وقتٍ يمكن أن يفرض فهو صبحٌ لقومٍ، وظهرٌ لثانٍ، وعصرٌ لثالثٍ، ومغربٌ لرابعٍ، وعشاءٌ لخامسٍ، ومتى كان الأمر كذلك لم تكن الكعبة منفكةً قط عن توجه قومٍ إليها من طرفٍ من أطراف العالم لأداء فرض الصلاة، فكان الدوام حاصلًا من هذه الجهة، وأيضًا بقاء الكعبة على هذه الحالة ألوفًا من السنين دوامٌ أيضًا، فثبت كونه مباركًا من الوجهين83.
يقول الشيخ أبو زهرة متحدثًا عن بركة البيت العتيق: «ووصفه سبحانه وتعالى بأنه مبارك؛ أي: فائض الخيرات كثير الثمرات المادية والمعنوية؛ فمن بركاته المادية أنه يفد إليه الحجيج من كل فج عميق؛ ويعتمرون فيه في كل أيام أشهر السنة، حتى أنه لا يمر عليه يوم من غير وفود تجيء إليه، ومع هذه الوفود خيرات الأرض.
وكان ذلك إجابة لدعاء إبراهيم في قوله تعالى: ( ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [إبراهيم:٣٧].
وقد كان في البيت تلك البركة المادية بتلك الوفود؛ وبالثمرات التي كانت في باطن الأرض حوله أو على مقربة منه فقد كشفت على مقربة منه فلزات الأرض وسيول الغاز، مما كان خيرًا وبركة على سدنته، ومن يعيشون حوله، وبذلك أجاب الله تعالى دعاء إبراهيم عليه السلام ، وبقي على الذين يتنعمون بهذه الثمرات أن يشكروا الله عز وجل.
هذه هي البركة المادية، أما البركة المعنوية فهي أنه موضع لأكبر عبادة جامعة وهي الحج، وهو مبعث محمد صلى الله عليه وسلم وفيه منازل وحيه، وإليه يتجه الناس في كل بقاع الأرض، وتلتقي عنده قلوب الأجناس والألوان المختلفة في عباداتهم؛ ولذا وصفه سبحانه بقوله: (ﮞ ﮟ) [آل عمران:٩٦].
هذا عطف على قوله سبحانه: (ﮝ) أي: أن الله سبحانه وتعالى جمع لهذا البيت الكريم حالتين خاصتين به لم تجتمعا في بيت غيره، فهو قد اشتمل على البركة المادية والمعنوية، وحماه الله تعالى من اعتداء المعتدين؛ ولهذا قال: (ﮞ ﮟ) أي: هو بذاته مصدر هداية للعالمين، أي: للناس أجمعين؛ ففي وسط الشرك كانوا يلتحمون ويتقاتلون حوله، فإذا جاءوا إليه كان الرجل يلقى قاتل أخيه أو أبيه فلا يمسه بسوء لعظم حرمة البيت في قلبه، وإن مس الشرك نفسه» 84.
وقال الفراء: «إنما قيل: (مباركًا) لأنه مغفرةٌ للذنوب» 85.
وقيل: بركته أن من دخله أمن حتى الوحش، فيجتمع فيه المتضادات دون أن يغير أحدها على الآخر86.
ومن بركته -فوق ما تقدم-: «أن قدر الله أن يكون داخله مثابًا ومحصلًا على خيرٍ يبلغه على مبلغ نيته، وقدر لمجاوريه وسكان بلده أن يكونوا ببركة زيادة الثواب ورفاهية الحال، ومن بركة ذاته أن حجارته وضعتها عند بنائه يد إبراهيم ويد إسماعيل، ثم يد محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، ولا سيما الحجر الأسود»87 .
ومن بركته أنه فاق بيوت العالم بركة: «ليس في بيوت العالم أبرك منه ولا أكثر خيرًا ولا أدوم ولا أنفع للخلائق»88.
ولكي نعرف الفرق بينه وبين المسجد الأقصى فإنه عندما تحدث الله عن المسجد الأقصى جعل البركة حوله؛ لقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ) [الإسراء:١].
وعندما تحدث عن البيت الحرام قال: (ﮝ ﮞ ﮟ) [آل عمران:٩٦].
هو في ذاته مبارك، وهو في ذاته هدى للعالمين؛ لأنه لا يذهب إليه إنسان إلا وتحيطه بركة الحنان المنان عز وجل، فلو ذهب إليه تائب يتوب الله عليه، ولو أتاه سائل يجيب الله له كل المسائل، ولو ذهب إليه راجٍ يحقق الله له كل رجائه، ولو ذهب إليه عابد يرجع بعبادة لا عد لها ولا حصر لها -كل ذلك بتوفيق الله- يكفي أن الركعة فيه بمائة ألف ركعة فيما سواه، والصلاة فيه بمائة ألف صلاة، وأي بركة أعظم من هذا، فعن جابرٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صلاةٌ في مسجدي أفضل من ألف صلاةٍ فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاةٌ في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاةٍ فيما سواه)89 .
ويذكر من فضائل هذا البيت أن من دخله كان آمنًا، فهو مثابة الأمن لكل خائف، وليس هذا لمكان آخر في الأرض، وقد بقي هكذا منذ بناه إبراهيم وإسماعيل، وحتى في جاهلية العرب، وفي الفترة التي انحرفوا فيها عن دين إبراهيم، وعن التوحيد الخالص الذي يمثله هذا الدين، حتى في هذه الفترة بقيت حرمة هذا البيت سارية، حتى كان الرجل يقتل ويدخل الحرم، فيلقاه ابن المقتول فلا يهيجه حتى يخرج، وكان هذا من تكريم الله سبحانه لبيته هذا، حتى والناس من حوله في جاهلية!
وقال سبحانه يمتن على العرب به: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ)[العنكبوت:٦٧].
وحتى أنه من جملة تحريم الكعبة حرمة اصطياد صيدها، وتنفيره عن أوكاره، وحرمة قطع شجرها.
وفي الصحيحين -واللفظ لمسلم- عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح: (إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، فهو حرامٌ بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحدٍ قبلي، ولم يحل لي إلا ساعةً من نهارٍ، فهو حرامٌ بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط إلا من عرفها، ولا يختلى خلاها)90.
فهذا هو البيت الذي اختاره الله للمسلمين قبلة هو بيت الله الذي جعل له هذه الكرامة91.
وبما أن للبيت هذه الكرامة وذلك التكريم وتلك البركة فإنه من الواجب على المسلمين تعظيمه وتكريمه ومتابعة زيارته لينالوا بركته من خلال الصلاة فيه كذا الطواف والسعي.
٣. المسجد الأقصى.
من مجالات البركة المتصلة بالأماكن في القرآن الكريم المسجد الأقصى، قال -تعال: ( ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ)[الإسراء:١].
خص المسجد الأقصى بكون مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، وبالبركة حوله، وفيما يخص البركة التي حوله، يقول الشنقيطي: «أظهر التفسيرات فيه أن معنى ( ﭝ ﭞ ): أكثرنا حوله الخير والبركة بالأشجار والثمار والأنهار، وقد وردت آياتٌ تدل على هذا، كقوله تعالى: ( ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الأنبياء:٧١].
وقوله تعالى: ( ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [الأنبياء:٨١].
فإن المراد بتلك الأرض الشام، والمراد بأنه بارك فيها أنه أكثر فيها البركة والخير بالخصب والأشجار والثمار والمياه، كما عليه جمهور العلماء.
وقال بعض العلماء: المراد بأنه بارك فيها أنه بعث الأنبياء منها، وقيل غير ذلك، والعلم عند الله تعالى »92.
وقال مجاهدٌ: سماه مباركًا لأنه مقر الأنبياء، ومهبط الملائكة والوحي، ومنه يحشر الناس يوم القيامة93.
ومن أسباب بركة المسجد الأقصى أيضًا ما لحقه من البركة بمن صلى به من الأنبياء من داود وسليمان ومن بعدهما من أنبياء بني إسرائيل، ثم بحلول الرسول عيسى عليه السلام وإعلانه الدعوة إلى الله فيه وفيما حوله، ومنها بركة من دفن حوله من الأنبياء.
فقد ثبت أن قبري داود وسليمان حول المسجد الأقصى، وأعظم تلك البركات حلول النبي صلى الله عليه وسلم فيه ذلك الحلول الخارق للعادة، وصلاته فيه بالأنبياء كلهم94.
كما أنه معدن الفواكه والأرزاق والبركات، وبارك تعالى حوله لأجله فما ظنك به نفسه فهو أبلغ من باركنا فيه95.
وخلاصة القول في ذلك أن البركة حوله حازت بركتي الدين والدنيا96.
وقوله: (ﭜ ﭝ ﭞ) صفةٌ للمسجد الأقصى، وجيء في الصفة بالموصولية لقصد تشهير الموصوف بمضمون الصلة حتى كأن الموصوف مشتهرٌ بالصلة عند السامعين...
وصيغة المفاعلة هنا للمبالغة في تكثير الفعل، مثل عافاك الله، والبركة: نماء الخير والفضل في الدنيا والآخرة بوفرة الثواب للمصلين فيه وبإجابة دعاء الداعين فيه...
ووجه الاقتصار على وصف المسجد الأقصى في هذه الآية بذكر هذا التبريك هو تناسى الناس هذا المسجد المبارك، فالعرب لا علم لهم به، والنصارى عفوا أثره من كراهيتهم لليهود، واليهود قد ابتعدوا عنه، وأيسوا من عوده إليهم، فاحتيج إلى الإعلام ببركته.
و(حول) يدل على مكانٍ قريبٍ من مكان اسم ما أضيف (حول) إليه، وكون البركة حوله كنايةٌ عن حصول البركة فيه بالأولى؛ لأنها إذا حصلت حوله فقد تجاوزت ما فيه، ففيه لطيفة التلازم، ولطيفة فحوى الخطاب، ولطيفة المبالغة بالتكثير97.
هذا وقد ثبت في السنة أن الصلاة في المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة فيما سواه، وهذا وغيره مما ذكر يجدد نظرنا إليه، ويحفزنا نحو تحريره، فاللهم حرره من أيدي اليهود، وبارك في أعمارنا حتى نصلي فيه.
٤. بلاد الشام.
من مجالات البركة المتصلة بالأماكن في القرآن الكريم بلاد الشام98.
قال تعالى: ( ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ)[الأعراف:١٣٧].
هذه الآية الكريمة تتحدث عن توريث الله بني إسرائيل مشارق الأرض ومغاربها، وهم الذين كانوا يستذلون للخدمة، ويستضعفون بقتل أبنائهم، واستحياء نسائهم، وإسامتهم سوء العذاب، وتمت كلمة ربك -أيها النبي- الحسنى على بني إسرائيل بتمكينهم من أرض الشام؛ بصبرهم على أذى فرعون وقومه، ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه من المباني والقصور والعمارات والدور، وما كانوا يقيمون من العرائش والسقف في الجنات والبساتين.
ومحور حديثنا في الآية الكريمة هو البركة في الأرض المذكورة في الآية الكريمة:
فمن قائل: الأرض المذكورة في الآية أرض مصر والشام، وقيل: أراد بها الشام وحده، وقيل: أراد به الأردن وفلسطين، لكن جل العلماء على أن الأرض المباركة في القرآن هي أرض الشام.
قوله: ( ﯟ ﯠ) أي: بالنعم بكثرة مياهها، كما بارك الله فيها بوجود الأشجار والثمار والخصب والسعة؛ حتى يعيش فيها الفقير والغني بعيش طيب، وأن أكثر الأنبياء بعثوا فيها فانتشرت في العالمين شرائعهم التي هي مبادي الكمالات والخيرات الدينية والدنيوية، وقيل: الشام كنز الله في أرضه، وبها كنزه من عباده99.
وقوله تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الأنبياء:٧١].
راجح رأي العلماء أن الأرض المباركة هنا وفي كل نظير من القرآن هي أرض الشام، والآية تتحدث عن هجرة الخليل ولوط عليهما السلام من العراق إلى الشام فرارًا بالدين.
عن قتادة رضي الله عنه (ﯥ ﯦ) قال: «كانا بأرض العراق، فأنجيا إلى أرض الشام، وكان يقال: الشام عماد دار الهجرة، وما نقص من الأرض زيدٍ في الشام، وما نقص من الشام زيدٍ في فلسطين، وكان يقال: هي أرض المحشر والمنشر، وفيها ينزل عيسى بن مريم عليه السلام ، وبها يهلك الله شيخ الضلالة الدجال»100.
قال السمعاني: «وفي الآية قول آخر هو أن المراد من الأرض التي بارك فيها هي مكة، وقيل: مصر، والأصح هو الأول؛ لأنه مشهور أنه خرج وامرأته -يعني إبراهيم- إلى حران، ثم من حران إلى الشام، وأما لوط فإنه ابن أخي إبراهيم، وكان خرج معه» 101.
ويدخل قوله تعالى: ( ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ)[الأنبياء:٨١].في عين حديثنا عن بركة بلاد الشام.
فمما ميز الله به نبيه سليمان عليه السلام الريح القوية الشديدة ( ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ)[الأنبياء:٨١].
وكأنها مواصلات داخلية في مملكته من العراق إلى فلسطين.
وفي موضع آخر قال: ( ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ )[ص:٣٥- ٣٦].
ومعنى: ( ﯭ ﯮ) [الأنبياء:٨١].أي: في أرض الشام.
وفي شأن نعمة من نعم الله على المسافرين من مأرب إلى الشام يقول الله تعالى: ( ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [سبأ:١٨].
هذه الآية وما بعدها وصف حال أهل سبأ قبل مجيء السيل؛ وذلك أن الله تعالى مع ما كان منحهم من الجنتين والنعمة الخاصة بهم، كان قد أصلح لهم البلاد المتصلة بهم وعمرها وجعلهم أربابها، وقدر فيها السير بأن قرب القرى بعضها من بعض حتى كان المسافر من مأرب إلى الشام يبيت في قرية، ويقيل في قرية أخرى، فلا يحتاج إلى حمل زاد، والقرى: المدن، ويقال: للمجتمع الصغير قرية أيضًا ، وكلها من قريت أي: جمعت، والقرى التي بورك فيها هي بلاد الشام بإجماع من المفسرين102.
و(القرى الظاهرة) هي التي بين الشام ومأرب وهي الصغار التي هي البوادي103.
عن الحسن: «كان الرجل يغدو فيقبل في القرية، ثم يروح فيبيت في القرية الأخرى، وكانت المرأة تخرج وزنبيلها على رأسها، فما تبلغ حتى يمتلئ من كل الثمار»104.
ويمكننا أن نلمس من حديث القرآن عن الأرض المباركة التي هي الشام أننا يجب علينا أن ننظر إليها نظرة خاصة لننعم كمسلمين ببركاتها من ناحية، ونحافظ على محتوياتها، بل ونقف موقف المسئول مما يحدث فيها لا أن نقف، كما نحن الآن، موقف المشاهد الذي يرى التقتيل والدمار، وينتظر من غيره من الأمم أن تلعب دور الطرف الثالث للإصلاح بين الراعي الفاسد الدموي من الرعية المسالمة التي تباد ليلًا ونهارًا.
وكما ذكر القرآن الأرض المقدسة واصفًا إياها بالبركة وصف بذلك أيضًا طور سيناء.
٥. جبل الطور في سيناء.
من مجالات البركة في القرآن مما يخص الأمكنة «جبل الطور في سيناء».
قال تعالى: ( ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ)[القصص:٢٩-٣٠].
الآيتان تتحدثان عن نبي الله موسى عليه السلام ، وما رآه أثناء سيره بأهله إلى مصر، حيث أبصر نارًا، توسم فيها نبأ ينفعهم في سيرهم، أو قبسة للاستدفاء، فلما أتاها ناداه الله من جانب الوادي الأيمن لموسى في البقعة المباركة من جانب الشجرة: أن يا موسى إني أنا الله رب العالين، قال صاحب البحر في تفسيره للآية الأولى من سورة الطور: «وإنما أقسم بهذا الجبل في قوله تعالى: ( ﮞ ) [الطور:١].
لأنه مجاور للشام والأرض المقدسة، وقد بارك الله فيهما، كما قال: ( ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [الاسراء:١]105.
وقد وصف الله تعالى البقعة بالمباركة؛ لأن الله كلم موسى عليه السلام هناك وبعثه نبيًا، ولكونها مبعث الأنبياء وكفاتهم أحياء وأمواتًا وخصوصًا تلك البقعة التي كلم الله فيها موسى، ولما خصت به من آيات الله وأنواره، ولما حوت من الأرزاق والثمار الطيبة 106.
فإن قيل: فلم لم يسم الشجرة مباركة وقد قال: ( ﭸ ﭹ)؟
قلنا: لأنه إذا ذكرت البركة في البقعة فقد ذكرت في الشجرة، فذكر البقعة؛ لأنها أعم، قال الزجاج والنحاس وغيرهما: كلم الله موسى من الشجرة بلا كيف، وعن الضحاك: من نحو الشجرة107.
خامسًا: الأقوال المباركة:
من مجالات البركة في القرآن الكريم: الأقوال:
ومن الأقوال تحية الإسلام.
يقول الله تعالى: ( ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [النور:٦١].
يرسي هذا المقطع من الآية الكريمة أدب السلام في حال دخول المسلم بيتًا مسكونًا أو غير مسكون، ببيانه أنه على المسلم أن يسلم على أخيه المسلم بتحية الإسلام، وهي: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أو السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، إذا لم يوجد أحد، وهذه التحية شرعها الله، وهي تحية مباركة تنمي المودة والرحمة والإخاء؛ لأنها محبوبة للسامع، متمناة منه، وبمثل هذا البيان يبين الله للناس الآيات لعلهم يعقلونها فيعملون بمقتضاها.
يقول السمعاني: «ويقال معنى الآية: إذا دخل بيته يسلم على أهله، وهي سنة قد هجرت؛ إذ الأهل أحق بالسلام عليهم، وكان الأوزاعي إذا دخل بيته، ونسي السلام خرج ثم رجع وسلم، وأما إذا دخل بيتًا خاليًا، فيقول: السلام علينا من ربنا، وإذا دخل مسجدًا ليس فيه أحد يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وقد بينت السنة استحباب إفشاء السلام على من تعرف ومن لا تعرف، وقوله: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) أي: حسنة جميلة، ويقال: ذكر البركة والطيب ها هنا لما فيه من الثواب، ومن أهدى سلاما ًإلى إنسان فهي هدية خفيفة المحمل، طيبة الريح، مباركة العاقبة» 108.
ومحور الحديث يدور حول البركة التي اتصفت بها التحية.
فعن سعيد بن جبيرٍ في قول الله: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) قال: من سلم على أخيه فهي تحيةٌ مباركةٌ طيبةٌ يعنى حسنةً109.
قال القرطبي: «وقد اختلف المتأولون في أي البيوت أراد في الآية الكريمة، فقال إبراهيم النخعي والحسن: أراد المساجد، والمعنى: سلموا على من فيها من ضيفكم، فإن لم يكن في المساجد أحدٌ، فالسلام أن يقول المرء: السلام على رسول الله، وقيل: يقول: السلام عليكم، يريد الملائكة، ثم يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وقيل: المراد بالبيوت البيوت المسكونة، أي: فسلموا على أنفسكم...، وقالوا: يدخل في ذلك البيوت غير المسكونة، ويسلم المرء فيها على نفسه بأن يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
قال ابن العربي: القول بالعموم في البيوت هو الصحيح، ولا دليل على التخصيص، وأطلق القول ليدخل تحت هذا العموم كل بيتٍ كان للغير أو لنفسه، فإذا دخل بيتًا لغيره استأذن، فإذا دخل بيتًا لنفسه سلم لحديث أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا بني إذا دخلت على أهلك فسلم يكون بركةً عليك وعلى أهل بيتك)110.
قال ابن العربي: والذي أختاره إذا كان البيت فارغًا ألا يلزم السلام، فإنه إن كان المقصود الملائكة فالملائكة لا تفارق العبد بحالٍ، أما إنه إذا دخلت بيتك يستحب لك ذكر الله بأن تقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله.
وقال القشيري في قوله: ( ﯝ ﯞ ﯟ ) [النور:٦١]: «والأوجه أن يقال: إن هذا عامٌ في دخول كل بيتٍ، فإن كان فيه ساكنٌ مسلمٌ يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وإن لم يكن فيه ساكنٌ يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وإن كان في البيت من ليس بمسلمٍ قال: السلام على من اتبع الهدى، أو السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وذكر ابن خويز مندادٍ قال: كتب إلي أبو العباس الأصم قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: حدثنا ابن وهبٍ قال: حدثنا جعفر بن ميسرة عن زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخلتم بيوتًا فسلموا على أهلها، واذكروا اسم الله، فإن أحدكم إذا سلم حين يدخل بيته وذكر اسم الله تعالى على طعامه، يقول الشيطان لأصحابه: لا مبيت لكم ها هنا ولا عشاء، وإذا لم يسلم أحدكم إذا دخل، ولم يذكر اسم الله على طعامه، قال الشيطان لأصحابه: أدركتم المبيت والعشاء)».
قلت: هذا الحديث ثبت معناه مرفوعًا من حديث جابرٍ، أخرجه مسلمٌ111.
وفي كتاب أبي داود، عن أبي مالكٍ الأشجعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا ولج الرجل بيته فليقل: اللهم إني أسألك خير الولوج، وخير الخروج، باسم الله ولجنا، وباسم الله خرجنا، وعلى الله ربنا توكلنا، وليسلم على أهله) 112.
وصفها بالبركة لأن فيها الدعاء واستجلاب مودة المسلم عليه، ووصفها أيضًا بالطيب لأن سامعها يستطيبها»113.
وللبيضاوي تعليله المفيد للتحية المباركة الطيبة فيقول: «مباركةً لأنها يرجى بها زيادة الخير والثواب، طيبةً تطيب بها نفس المستمع» 114.
والسلام على النفس حمله الرازي على محمل لطيف، فقال: قوله تعالى: ( ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ )[النور:٦١].
فالمعنى: أنه تعالى جعل أنفس المسلمين كالنفس الواحدة، على مثال قوله تعالى: (ﭹ ﭺ ﭻ)[النساء:٢٩]. وحدثنا أن الملائكة ترد عليه...
وقوله: (ﯣ) نصب على المصدر، كأنه قال: فحيوا تحيةً من عند الله، أي: مما أمركم الله به.
وقوله: (ﯧ ﯨ) قال الضحاك: معنى البركة فيه تضعيف الثواب، وقال الزجاج: أعلم الله سبحانه أن السلام مباركٌ ثابتٌ لما فيه من الأجر والثواب، وأنه إذا أطاع الله فيه أكثر خيره، وأجزل أجره115.
فالتحية مصدر فعلٍ مشتقٍ من الجملة المشتملة على فعل (حيا) مثل قولهم: جزاه، إذا قال له: جزاك الله خيرًا، وكان هذا اللفظ تحية العرب قبل الإسلام تحية عامة...
وكانت تحية الملوك (عم صباحًا) فجعل الإسلام التحية كلمة (السلام عليكم) وهي جائية من الحنيفية (ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ) [هود:٦٩].
وسماها تحية الإسلام، وهي من جوامع الكلم؛ لأن المقصود من التحية تأنيس الداخل بتأمينه إن كان لا يعرفه، وباللطف له إن كان معروفًا، ولفظ (السلام) يجمع المعنيين؛ لأنه مشتقٌ من السلامة، فهو دعاءٌ بالسلامة، وتأمينٌ بالسلام؛ لأنه إذا دعا له بالسلامة فهو مسالم له، فكان الخبر كنايةً عن التأمين، وإذا تحقق الأمران حصل خيرٌ كثيرٌ؛ لأن السلامة لا تجامع شيئًا من الشر في ذات المسالم، والأمان لا يجامع شيئًا من الشر يأتي من قبل المعتدي، فكانت دعاءً ترجى إجابته، وعهدًا بالأمن يجب الوفاء به، وفي كلمة عليكم معنى التمكن، أي: السلامة مستقرةٌ عليكم.
ولكون كلمة (السلام) جامعةً لهذا المعنى امتن الله على المسلمين بها بأن جعلها (ﯤ ﯥ ﯦ) إذ هو الذي علمها رسوله بالوحي، وانتصب تحيةً على الحال من التسليم الذي يتضمنه (ﯠ) نظير عود الضمير على المصدر في قوله: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [المائدة:٨].
والمباركة: المجعولة فيها البركة، والبركة: وفرة الخير، وإنما كانت هذه التحية مباركةً -فوق ما تقدم- لما فيها من نية المسالمة، وحسن اللقاء والمخالطة؛ وذلك يوفر خير الأخوة الإسلامية.
والطيبة: ذات الطيب، وهو طيبٌ مجازيٌ بمعنى النزاهة والقبول في نفوس الناس، ووجه طيب التحية أنها دعاءٌ بالسلامة، وإيذانٌ بالمسالمة والمصافاة، ووزن طيبةً فيعلةٌ مبالغةً في الوصف116.
وقد ذكر القرآن السلام من عند الله تعالى على معنى كونه معاملةً منه سبحانه بكرامة الثناء، وحسن الذكر للذين رضي الله عنهم من عباده في الدنيا، كقوله حكايةً عن عيسى إذ أنطقه بقوله: ( ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ )[مريم:٣٣].
وكذلك في الآخرة وما في معناها من أحوال الأرواح بعد الموت كقوله عن عيسى: (ﮫ ﮬ ﮭ)[مريم:٣٣].
وقوله عن أهل الجنة: ( ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ )[يس:٥٧-٥٨].
وجاء في القرآن السلام على خمسةٍ من الأنبياء في سورة الصافات117. وأيضًا أمر الله الأمة بالسلام على رسولها فقال: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [الأحزاب:٥٦].
أي: قولوا: السلام عليك أيها النبيء118.
من خلال ما سبق نجزم بأن البركة على الأمة بأسرها تكمن في نشر هذه التحية الطيبة المباركة فيما بينها، لمن عرفنا ومن لم نعرف؛ إذ هي الأمن والأمان والمثوبة والترابط الإيماني والاجتماعي بين أبناء الإسلام.
سادسًا: وصف الماء والنبات بالبركة:
من مجالات البركة في القرآن الكريم الماء والنبات، وقد تناولنا ذلك سابقًا ضمن حديثي عن الأساليب القرآنية في استخدام البركة، وقلنا بأن الماء النازل من السماء بنص قوله تعالى: ( ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [ق:٩].
له بركات كثيرة على الكون كله في إحياء موات الأرض، حيث قال تعالى: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ)[البقرة:١٦٤].
وفي إخراج الثمرات، حيث قال تعالى: ( ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [البقرة:٢٢].
ومن هذا الرزق المبارك إنبات النبات على اختلاف أنواعه وأشكاله (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ)[الأنعام:٩٩].
ومن بركات الماء فوق ما تقدم أنه يحمل الفلك لتجري في البحر بأمر الله، قال تعالى: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [إبراهيم:٣٢].
ومن بركات الماء أن جعله الله تعالى أصلًا لخلق كل شيء حي، قال تعالى: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [النور:٤٥].
كما أن الله تعالى جعل بركة الماء حاصلة في كون الماء شرطًا لعبادة الله، فلا صلاة لمن يستطيع الماء إلا به، ولا طواف ولا رفع للجنابة إلا به، ولا يصلح الدخول في الإسلام للكافر إلا بالاغتسال.
قال تعالى: ( ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ) [المائدة:٦].
وقال عز من قائل: ( ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ) [النساء:٤٣].
كما كان الماء المبارك النازل من السماء مطهرًا لجيش الإسلام، ومثبتًا لأقدامهم على أرض تعوق برملها المسير.
قال تعالى: ( ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ) [الأنفال:١١].
قال الطبري: «اغتسلوا من الجنابة فجعل الله ذلك الماء طهورًا، وثبت به الأقدام؛ إذ لبد الله به الأرض، وربط به على قلوبهم، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما إن المشركين من قريشٍ لما خرجوا لينصروا العير، وليقاتلوا عنها نزلوا على الماء يوم بدرٍ، فغلبوا المؤمنين عليه، فأصاب المؤمنين الظمأ، فجعلوا يصلون مجنبين محدثين حتى تعاظموا ذلك في صدورهم، فأنزل الله من السماء ماء، حتى سال الوادي، فشرب المؤمنون، وملؤوا الأسقية، وسقوا الركاب، واغتسلوا من الجنابة، فجعل الله في ذلك طهورًا، وثبت به الأقدام، وذلك أنه كانت بينهم وبين القوم رملةٌ، فبعث الله المطر عليها، فضربها حتى اشتدت، وثبتت عليها الأقدام»119 .
كما أن من بركاته سبحانه التي استودعها الماء إكسابه خاصية الإرواء والسقي.
قال تعالى: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [الحجر:٢٢].
ومن البركة أن الله استودع الماء الأرض بقدرته، فهو الذي يقول للشيء كن فيكون.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [المؤمنون:١٨].
أي: بمقدار مصلح للأرض على أن يكون غيثًا لا عتيًا، فالمطر الزائد كالسيل الجارف لا يكون غيثًا، بل يكون عتيًا، ويهدد الله به الظالمين من الناس، كالسيل الذي أغرق قوم نوح، فقوله تعالى: (ﭕ) أي: على القدر الذي تعنيه الحاجات، ويكون إصلاحًا، ولا يكون فيه فساد للزرع والضرع، ويقول سبحانه: (ﭖ ﭗ ﭘ) أي: جعلنا في الأرض مستقرًا له، كأنما يسكنها، كما يأوي الآوي إلى مسكنه.
وذلك أن ما تنزله السماء قسمان: قسم عارض ممطر يغيث في وقت الجدب، ولا ينزل بانتظام كالمطر الذي ينزل بالاستسقاء، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي، ومن بعده أهل الصلاح والتقوى، وقسم يجري في أنهار ويسلك ينابيع الأرض في عيون، وهذا يسكنه الأرض، كنهر النيل، فإنه ينزل على الجبال، وفي البحيرات التي تمده، وهذا يبدو كأنه الساكن في الأرض، وإن كان في سير دائم من منبعه إلى مصبه، وهذا وأشباهه يوجد الخصب والنماء بإذن الله تعالى ، ومن الناس من اعتقد أنه دائم لا يغيض؛ ولذا قال تعالى: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ) أي: إنا على إذهابه لقادرون، والباء للتعدية، ولقوة الإذهاب، كقوله تعالى: ( ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [البقرة:٢٠].
وإن مثل الأنهار العيون، فهي ينابيع في الأرض قد اختزنتها الأرض في جوفها وهي لله ( ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ) [الملك:٣٠]120.
وإن من سنن الله في الكون أن جعل الماء سلاحًا ذا حدين، فكما ينفع الله به عباده، فإنه قد يضر به من شاء من عباده، كما حدث مع قوم نوح وموسى عليهما السلام من إغراق.
قال تعالى: ( ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ) [الفرقان:٣٧].
وفي قوم موسى عليه السلام قال تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ )[البقرة:٥٠].
وبناء على ما تقدم ذكره مما يخص البركة في الماء نقول: إن الماء نعمة عظمى من نعم الله على خلقه، يجب أن ندرك منافعه، ونحفظ فوائده، ونعلم أنه لولا أن من الله علينا به لهلكنا جميعًا؛ لذا يجب أن نحافظ عليه وأن نضعه في مكانه اللائق به من ثروات الكون، وبركات السماء المودعة في الأرض...
وبالرغم من لفت أنظارنا إلى بركات المياه غير المتناهية إلا أننا في ثبات عميق مما يحاك حولنا، ومن كون الحروب القادمة حروب مياه، وقد بدأت بالفعل، كما أننا في حاجة إلى ترشيد المياه وعدم الإسراف فيه هكذا علمتنا سنة المصطفي صلى الله عليه وسلم قولًا وعملًا.
ومن مجالات البركة في النبات.
قال تعالى: ( ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [النور:٣٥].
وبيان الآية «الله نور السموات والأرض يدبر الأمر فيهما ويهدي أهلهما، فهو سبحانه نور، وحجابه نور، به استنارت السموات والأرض وما فيهما، وكتاب الله وهدايته نور منه سبحانه ، فلولا نوره تعالى لتراكمت الظلمات بعضها فوق بعض، مثل نوره الذي يهدي إليه، وهو الإيمان والقرآن في قلب المؤمن كمشكاة، وهي الكوة في الحائط غير النافذة، فيها مصباح، حيث تجمع الكوة نور المصباح فلا يتفرق، وذلك المصباح في زجاجة، كأنها -لصفائها- كوكب مضيء كالدر، يوقد المصباح من زيت شجرة مباركة، وهي شجرة الزيتون، لا شرقية فقط، فلا تصيبها الشمس آخر النهار، ولا غربية فقط فلا تصيبها الشمس أول النهار، بل هي متوسطة في مكان من الأرض لا إلى الشرق ولا إلى الغرب، يكاد زيتها -لصفائه- يضيء من نفسه قبل أن تمسه النار، فإذا مسته النار أضاء إضاءة بليغة، نور على نور، فهو نور من إشراق الزيت على نور من إشعال النار، فذلك مثل الهدى يضيء في قلب المؤمن، والله يهدي ويوفق لاتباع القرآن من يشاء، ويضرب الأمثال للناس؛ ليعقلوا عنه أمثاله وحكمه، والله بكل شيء عليم، لا يخفى عليه شيء»121.
وشجرة الزيتون المباركة أبرك الأشجار، وأكثرها منافع للناس، تنبت بكثرة في الأرض التي بارك الله تعالى فيها للعالمين122.
وهي من نعم الله تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ)[المؤمنون:٢٠].
وحسبها وصف القرآن إذ وصفها القرآن بأنها مباركة هنا وفي سورة المؤمنون.
وإذا كانت سورة المؤمنون مكية، وسورة النور مدنية، فقد اتفق القرآن المكي والمدني على أنها مباركة، وبركتها في أنها ذات منافع كثيرة، يكون منها الوقود المضيء، وهو دهن يكون طعامًا طيبًا، وهو يدخل في بعض الأدوية، وترابه إذا حرق يكون كحلًا للعيون ولا يضرها، وهو إدام، والزيتون نفسه للطعام والتفكه، وبفضله يغسل به الثياب، وهي شجرة تورق من رأسها إلى أسفلها، والزيتون أكثر أدم أهل الشام والمغرب، يصطبغون به، ويستعملونه في طبيخهم، ويستصبحون به، ويداوى به أدواء الجوف والقروح والجراحات، وفيه منافع كثيرةٌ.
وقال عليه الصلاة والسلام: (كلوا الزيت وادهنوا به، فإنه من شجرةٍ مباركةٍ)123.
أوضح القرآن الكريم وسائل تحصيل البركة وآثارها؛ حثًا للعباد على الأخذ بها، وسوف نتناولها بالبيان فيما يأتي:
أولًا: وسائل تحصيل البركة:
١. العقيدة السليمة.
من وسائل تحصيل البركة: العقيدة السليمة؛ ذلك أن المسلم الحق يعتقد أن الله تعالى هو صاحب البركة، وهو عز وجل الذي يهبها من يشاء من عباده، وبناء على ذلك فإن من أهم وسائل تحصيل البركة على الإطلاق: اعتقاد المسلم أنه لا إله إلا الله، وذلك ما نستشعره من آيات القرآن التي نطقت بذلك.
كقوله تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ)[الأعراف:٥٤].
وقوله تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [الفرفان:١].
وقوله تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ)[الفرقان:١٠].
وقوله تعالى: ( ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ)[الفرقان:٦١].
وقوله تعالى: ( ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [الرحمن:٧٨].
وقوله تعالى: ( ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ )[الملك:١].
وقوله تعالى: ( ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ)[المؤمنون:١٤].
وقوله تعالى: ( ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ)[غافر:٦٤].
وقوله تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ)[الزخرف:٨٥].
وقد أسلفنا في أول هذا البحث أن (ﭑ) فعل ماض، أي: تقدس وتنزه، وهو فعل جامد لا يتصرف، أي: لا يأتي منه مضارع ولا أمر ولا اسم فاعل، وبينا ما قاله الراغب من أن البركة من الله، وحقيقتها: «كثرة الخير ودوامه» ولا أحد أحق بذلك وصفًا وفعلًا منه تبارك وتعالى...، وتكون هذه البركة قد ثبتت لذلك السبب ثبوتًا شرعيًا، وثبتت الكيفية التي تنال بها البركة عن المعصوم صلى الله عليه وسلم 124.
وبما أن البركة من الله فإنها لا تنال نوالًا حقيقيًا مرضيًا عنه، وليس استدراجًا، إلا بتسلح المؤمن بسلاح العقيدة الصافية من شوائب الشرك.
٢. تدبر القرآن وتطبيقه.
من وسائل تحصيل البركة الإيمان بالقرآن وتدبره واتباعه وتطبيقه في حياتنا، والرغبة فيما رغبنا فيه، والرهبة مما رهبنا منه، ذلك ما نفهمه ويفهمه كل مسلم من قوله تعالى: ( ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [الأنعام:٩٢].
وقوله تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ)[الأنعام:١٥٥].
وقوله تعالى: ( ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ)[الأنبياء:٥٠].
وقوله تعالى: ( ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ)[ص:٢٩].
٣. الاقتداء بالمباركين.
من وسائل تحصيل البركة الاقتداء بالمباركين الذين غنموا عناية الله لهم باصطفائهم وبصلاحهم وطاعتهم للحق سبحانه واهب البركة، وأئمة التقى ومعدن الصلاح، هم أنبياء الله ورسله، ومن سار على نهجهم واهتدى بهديهم، وقد قص علينا القرآن الكريم -تعيينًا- بعضًا منهم، وصفوا بالبركة لفظًا، كنبي الله نوح عليه السلام ، حيث دعا ربه بالبركة.
فقال تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [المؤمنون:٢٩].
وقال الله تعالى مباركًا إياه ومن اتبعه: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ)[هود:٤٨].
والخليل إبراهيم، وأهل بيته وولده إسحاق عليهم السلام ، حيث قال الله تعالى: ( ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [الصافات:١١٣].
وفي أهل بيته الكريم يقول الله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [هود:٧٢-٧٣].
وممن ذكرهم القرآن من الأنبياء عيسى ابن مريم عليه السلام ، قال تعالى: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ)[مريم:٣١].
هذا ولا يفوتنا أن نبينا صلى الله عليه وسلم لم يوصف بلفظ البركة في القرآن؛ لأن البركة فيه صلى الله عليه وسلم بدهية لا تحتاج إلى ذكر ولا إلى تذكير، فهو نبي أعطاه الله القرآن بركة وحي السماء، وأصل الفيوضات، وبارك أمته بليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وبفرائض الدين وسننه، وبارك عمره فانتشر الدين على يديه وتم، ومن بركاته الحسية الكثير والكثير حيث: نبع الماء من بين أصابعه، وحفول شارف الشاة باللبن، وكثرة الطعام يوم الخندق عند جابر بن عبد الله رضي الله عنه...، وهلم جرا، ومن أجل هذا وغيره كان صلى الله عليه وسلم جديرًا بالبركة، وإن لم تذكر في وصفه صراحة.
ونخلص إلى أنه من وسائل تحصيل البركة الاقتداء بالأنبياء والصالحين، قال تعالى آمرًا حبيبه صلى الله عليه وسلم: (ﯱ ﯲ)[الأنعام:٩٠].
ونحن أمرنا أن نقتدي به صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ) [الأحزاب:٢١].
فكرم الله لعباده منوط بالاقتداء بنبيه صلى الله عليه وسلم ، والاقتداء به هو اقتداء بكل الأنبياء عليهم السلام .
٤. الحرص على التعرض للبركة.
من وسائل جلب البركة الحرص على التعرض لها من خلال ولوج الأماكن المباركة، كبيت الله الحرام، حيث قال تعالى: ( ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ)[آل عمران:٩٦].
والمسجد الأقصى، حيث قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ)[الإسراء:١].
وبلاد الشام ( ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ)[الأعراف:١٣٧].
وقوله تعالى: ( ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ)[الأنبياء:٧١].
وقوله تعالى: ( ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ)[الأنبياء:٨١].
وطور سيناء حيث قال تعالى: ( ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ )[النمل:٧-٨].
وقوله تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ)[القصص:٣٠].
ومما لا شك فيه أن الله تعالى ذكر هذه البقاع موصوفة بالبركة؛ كي يلفت الأنظار إليها ليلجوها وينتفعوا بما استودعها الله من خيرات حسية كانت أو معنوية.
وكما يكون تحصيل البركة بملابسة المكان، فإن تحصيلها يكون بطعمة النبات الموصوف بالبركة كثمرة الشجرة المباركة في قوله تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [النور:٣٥].
وكما أن البركة يكون تحصيلها بملابسة المكان، والطعمة من النبات، يكون أيضًا بالانتفاع بالزمان المبارك كليلة القدر تلك الليلة المباركة التي قال الله تعالى فيها: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ)[القدر:١-٥].
وقال سبحانه منوهًا بليلة القدر، وأنها هي ليلة مباركة: ( ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ) [الدخان:٣-٥].
والأوقات المباركة التي يجب اغتنامها كثيرة: كشهر رمضان، وأوقات الصلاة، والسجود من الصلاة، والثلث الأخير من الليل، وأثناء الحج والعمرة، وأوقات الطاعات بصفة عامة كتلاوة القرآن وختمه، ووقت وقوف الإمام على المنبر، وساعة الإجابة من يوم الجمعة، وهلم جرا.
ومن وسائل تحصيل البركة: التعرض لماء السماء المبارك: لوصفه بالبركة.
قال تعالى: ( ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [ق:٩].
كما أن من أسباب تحصيل البركة إفشاء السلام، ونشر الأمن والأمان في ربوع بلاد المسلمين، حيث وصف تحية الإسلام بالبركة.
قال تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [النور:٦١].
ولعل جماع وسائل الوصول إلى بركة الله تعالى كلها يكمن في الإيمان والتقوى، وهذا ما أشارت إليه الآية الكريمة في قوله تعالى: ( ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ) [الأعراف:٩٦-٩٧].
هذه الآية الكريمة تشابه قوله تعالى في حق اليهود والنصارى: ( ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ)[المائدة:٦٦].
وقوله تعالى: ( ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ)[النحل:٩٧].
وقوله: ( ﭰ ﭱ ﭲ)[إبراهيم:٧].
وقوله تعالى على لسان نبيه نوح عليه السلام: ( ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ )[نوح:١٠- ١٢].
وقوله تعالى: ( ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ) [الطلاق:١١].
وقوله تعالى: ( ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [الجن:١٦].
كل هذه الآيات تدور حول الإيمان والتقوى، ونتيجة ذلك عند الله.
«وأصل البركة: المواظبة على الشيء، أي: تابعنا عليهم المطر والنبات، ورفعنا عنهم القحط والجدب...»125.
وبركات السماء والأرض متعددة، إن كان العلماء وغيرهم عرفوا منها نوعًا فقد غابت عنهم أنواع: فمن قائل بركات السماء: بالمطر، وبركات الأرض بالنبات، وقيل: بركات السماء: إجابة الدعوات، وبركات الأرض: تسهيل الحاجات126.
يقول الفخر: «اعلم أنه تعالى لما بين في الآية الأولى أن الذين عصوا وتمردوا أخذهم الله بغتةً، بين في هذه الآية أنهم لو أطاعوا لفتح الله عليهم أبواب الخيرات، فقال: ( ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ)[الأعراف: ٩٦].
أي: آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر (ﭖ) ما نهى الله عنه وحرمه (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) بركات السماء: بالمطر، وبركات الأرض: بالنبات والثمار، وكثرة المواشي والأنعام، وحصول الأمن والسلامة؛ وذلك لأن السماء تجري مجرى الأب، والأرض تجري مجرى الأم، ومنهما يحصل جميع المنافع والخيرات بخلق الله تعالى وتدبيره»127.
والظاهر أن قوله: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ) لا يراد بها معينٌ؛ ولذلك جاءت نكرةً، وقيل: البركات النمو والزيادات فمن السماء بجهة المطر والريح والشمس، ومن الأرض بجهة النبات والحفظ لما نبت هذا الذي تدركه فطر البشر، ولله خدامٌ غير ذلك لا يحصى عددهم، وما علم الله أكثر128.
والمقصود من الجمع في (بركات) تعددها، باعتبار تعدد أصناف الأشياء المباركة، وجماع معناها، هو الخير الصالح الذي لا تبعة عليه في الآخرة، فهو أحسن أحوال النعمة...، وما يناله الناس من الخيرات الدنيوية لا يعدو أن يكون ناشئًا من الأرض؛ وذلك معظم المنافع، أو من السماء مثل ماء المطر وشعاع الشمس وضوء القمر والنجوم والهواء والرياح الصالحة129.
ويرجع الشيخ الشعراوي سبب ندرة البركة لأفعال البشر المتعلقة بالإيمان والتقوى، حيث يقول رحمه الله: «فالبشر إذا تركوا رب الإنسان يضع منهج صيانة الإنسان لعاش هذا الإنسان في كل خير، -وسبحانه وتعالى- أوضح أنهم إن اتقوا تأت لهم بركات من السماء والأرض، فإن أردتها بركات مادية تجدها في المطر الذي ينزل من أعلى، وبركات من الأرض مثل النبات، وكذلك كنوزها التي تستنبط منها الكماليات المرادة في الحياة، وما معنى البركة؟ البركة هي أن يعطي الموجود فوق ما يتطلبه حجمه؛ كواحد مرتبه قليل جدًا، ونجده يعيش هو وأولاده في رضا وسعادة، ودون ضيق، فنتساءل: كيف يعيش؟ ويجيبك: إنها البركة، وللبركة تفسير كوني؛ لأن الناس دائمًا -كما قلنا سابقًا- ينظرون في وارداتهم إلى رزق الإيجاب، ويغفلون رزق السلب، رزق الإيجاب أن يجعل سبحانه دخلك آلافًا كثيرة، لكنك قد تحتاج إلى أضعاف ما تأخذ، ورزق السلب يجعل دخلك القليل مع سلبه -سبحانه- عنك مصارف كثيرة، كأن يمنحك العافية، فلا تحتاج إلى أجر طبيب أو نفقة علاج، إذن فقوله: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) أي: أن يعطي الحق سبحانه وتعالى القليل الكثير في الرزق الحلال، ويمحق الكثير الذي جاء من الحرام كالربا؛ ولذلك سمى المال الذي نخرجه عن المال الزائد عن الحاجة زكاة مع أن الزكاة في ظاهرها نقص»130.
ثانيًا: آثار البركة:
تنوعت آثار البركة حسب استعمال القرآن كالآتي:
١. الهداية إلى أقوم السبل، ومن ثم دخول الجنة.
ذلك أن القرآن الكريم الذي وصف الله تعالى ليلة نزوله بالبركة، ووصفه هو بالكتاب المبارك تظهر بركته جلية من خلال أنه يهدي للتي هي أقوم.
قال تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [الإسراء:٩].
وقال تعالى: (ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ) [البقرة:٢].
٢. عموم خيرات الله لسكان الأرض.
لولا بركة الله لمجمل الأرض ما انتفعنا بخيراتها التي لا تحصى ولا تعد: ( ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ )[فصلت:١٠].
ولولا بركة التقوى ما تفضل الله علينا ببركات الأمطار، وإجابة الدعاء في السماء إلى بركات الأنهار والبحار والزروع والثمار ( ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ)[الأعراف:٩٦].
٣. كثرة الزروع والثمار والأنهار في بعض البقاع.
يظهر ذلك في أرض الشام التي باركها الله، وبارك أهلها في أكثر من آية تم ذكرها في هذا البحث، وفي طور سيناء.
٤. بركة الزروع والثمار.
وذلك كما بينا في الزيتون ومنافعه في هذا البحث.
٥. تسخير الموجودات للبشر.
من آثار البركة تسخير الله للموجودات خدمة للبشر (السماء، الأرض، تعاقب الليل والنهار، الشمس، القمر، النجوم)؛ بدليل قوله تعالى: ( ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [الأعراف:٥٤].
فلولا بركة الله ما تنعمنا بما حوته هذه الآية من نعم.
٦. منع الإيذاء عمن اتقى ربه.
كما حدث مع نبي الله نوح عليه السلام عندما نزل من السفينة بسلام وأمن لم يمسسه سوء.
٧. البشرى بالذرية.
من آثار البركة في القرآن: تبشير الصالحين بالذرية، كما حدث مع الخليل إبراهيم عليه السلام ؛ حيث رزقه الله الذرية الصالحة، وقد بلغه الكبر وكانت امرأته عاقرًا لا تلد.
٨. زيادة الثواب بالمكانية وبالزمانية.
من آثار البركة في القرآن زيادة الثواب بالمكانية، كزيادة ثواب الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة عما سواه، وفي المسجد النبوي بألف صلاة، والمسجد الأقصى بخمسمائة، وأما الزيادة في الثواب المتعلقة بالزمان فذلك مثل ليلة القدر، والعشر الأول من ذي الحجة، وما شابه ذلك، وهذا يمثل بركة في العمر؛ إذ العمر القصير في الطاعة ينال الثواب الجزيل رغم قصره.
٩. نشر السلام بين الناس.
من آثار البركة نشر السلام بين الإنسان ونفسه، وبينه وبين غيره من المسلمين؛ لقوله تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [النور (٦١)] .
موضوعات ذات صلة: |
الأرض، الإسراف، الإنفاق، البخس، الرزق، الطعام، الماء، المال |
1 انظر: لطائف الإشارات، القشيري ٢/٨٢.
2 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني، ص ١١٩.
3 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس،١/٢٣١.
4 المفردات، ص١١٩.
5 الكليات، ص ٢٤٨.
6 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني، ص ٨٣.
7 انظر: لسان العرب، ابن منظور، ٢/ ١٩، المفردات، الراغب، ص ١٧١.
8 التوقيف، المناوي، ص ٩١.
9 انظر: الفروق اللغوية، العسكري، ص ١١٨.
10 مقاييس اللغة، ابن فارس، ٢/ ٢٣٢.
11 المفردات، الراغب الأصفهاني، ص ٣٨٥.
12 انظر: معجم الفروق اللغوية، العسكري، ص ٩٧.
13 مقاييس اللغة، ابن فارس، ٥/ ٤٧٩.
14 التعريفات، الجرجاني،ص ٢٤٦.
15 الفروق اللغوية، العسكري، ص ١٨٠.
16 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس، ٥/٦٠، مختار الصحاح، الرازي، ص ٢٤٧.
17 التوقيف، المناوي، ص ٢٦٨.
18 بصائر ذوي التمييز، الفيروز أبادي، ٢/ ٢٠٩.
19 انظر: مدارك التنزيل، النسفي، ٢/ ٧٠٣.
20 التحرير والتنوير ٨/١٧٠ بتصرف يسير.
21 التفسير الميسر، مجموعة من العلماء ٣٢٧.
22 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٤/١٦.
23 البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي ٩/١٢٠.
24 أخرجه البخاري في كتاب الدعوات، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ٨/٧٧، ٣٦٥٨.
25 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٩/٢٢٧.
26 إرشاد العقل السليم ٦/٢٧٣، وأشار الآلوسي إلى هذا المعنى في روح المعاني ١٠/١٥٦.
27 التحرير والتنوير ١٩/٢٢٧.
28 زهرة التفاسير، أبو زهرة ١٠/٥٠٦٧.
29 مفاتيح الغيب ٢/٢٦٥ بتصرف يسير.
30 مفاتيح الغيب ٢/٢٦٥ بتصرف يسير.
يقول الطبيب أحمد حطيبه في درس صوتي له مفرغ على المكتبة الشاملة تحت عنوان: فوائد الزيتون: الزيتونة شجرة مباركة كما سماها الله،سبحانه وتعالى، والعلماء بحثوا في هذا الزيتون والفوائد الكثيرة الموجودة فيه، فمن ضمن ما ذكروا في الأبحاث الحديثة: أنهم رصدوا ظاهرة صحية لسكان بعض جزر البحر المتوسط، فوجدوا بعض السكان كسكان جزيرة كريت وغيرها أنهم يعيشون حياة طيبة، وأن صحتهم عالية، ودرجة الحيوية عندهم عالية، وأنهم يتمتعون بصحة ونشاط، وحاولوا أن يبحثوا عن سر صحة أهل هذه الجزر،كريت وما حولها، فوجدوا أن الغذاء عندهم يعتمد أساسًا على زيت الزيتون، فهم أقل الناس تعرضًا للإصابة بارتفاع ضغط الدم، وبأمراض القلب، وأمراض تصلب الشرايين؛ لأنهم يتمتعون بمستوى معتدل صحي بنسبة الكولسترول الموجودة في دم الإنسان، والسبب في هذا كله اعتمادهم على زيت الزيتون، وعلى الزيتون في طعامهم، والعصرة الأولى من زيت الزيتون فيها الفوائد كلها، وزيت الزيتون غني جدًا بالدهون، وفيه نوعان من أنواع الدهون: دهون مشبعة، ودهون غير مشبعة: فالدهون المشبعة فيه نسبة قليلة منها، ومفيدة للإنسان، والدهون غير المشبعة فيه نسبة كبيرة منها، وهي مفيدة جدًا جدًا، ولا توجد إلا في الزيوت النباتية فقط، مثل زيت الزيتون، وزيت السمسم، وزيت الذرة، وفيها الزيوت غير المشبعة، وهي مفيدة للإنسان، والزيوت غير المشبعة الموجودة في زيت الزيتون هي دهون ومع ذلك يقولون: إنها تساعد على تخفيف الدهون الموجودة في الجسم، فالإنسان السمين إذا شرب من زيت الزيتون فإنه يساعده على تخفيف أو إزالة الدهون الموجودة في الجسم، ومن العجب أن تأخذ دهنًا لتزيل به دهنًا آخر! فدهن زيت الزيتون هذا غير مشبع، ويمنع الأكسدة التي تؤدي لخمول ذهن الإنسان، وعدم التفكير، وغير ذلك من الأمراض.
ومن الأبحاث التي أجريت على زيت الزيتون: أن ملعقة من زيت الزيتون يوميًا تقلل من سرطان الثدي عند النساء أربعين في المائة، وكذلك تناول زيت الزيتون لمريض قرحة المعدة تساعده على قتل نوع من أنواع الجرثومات تسمى: الهلوبكتر، وهي نوع من أنواع الجرثومات الحلزونية الموجودة في المعدة، وتعمل على قرحتها، فشراب زيت الزيتون يقضي على هذه الجرثومة، ويمنع من سرطان المعدة، ومن سرطان القولون كذلك، ومن تصلب الشرايين، وزيت الزيتون ملطف وملين ومدر للصفراء، ومفتت للحصى، ويحتوي على مضادات للأكسدة في جسم الإنسان، وكذلك يحتوي على فيتامينات: فيتامين أ و ب و هـ و ج ولو دهن الإنسان شعر رأسه فإنه يمنع من سقوط شعر الرأس، ودهانه لجلد الإنسان مع شربه يمنع التشققات وغيرها من الأمراض الجلدية التي تكون عند الإنسان.
هذه جملة من الفوائد التي جمعها الله، سبحانه وتعالى، لنا، وقال في زيت الزيتون أو في الزيتون نفسه: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [المؤمنون:٢٠].
31 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٨/٥٨.
32 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣٠/٤٥٧.
33 مفاتيح الغيب، الرازي ٢/٢٦٥ بتصرف يسير.
34 أضواء البيان ٣/١٧-٥٥.
35 التحرير والتنوير، عاشور ١٨/٣٠٤ بتصرف.
36 معجم المناهي اللفظية، بكر أبو زيد ص ٥٥٨.
37 روح المعاني، الألوسي ٤/٣٧٨.
قال ابن القيم: «وأما صفته تبارك فمختصة به،تعالى، كما أطلقها على نفسه، وقال: فتباركه،سبحانه، صفة ذات له وصفة فعل»، بدائع الفوائد ٢/١٨٥.
وقال السلمان: «والنوع الثاني بركة: هي صفته تضاف إليه إضافة الرحمة والعزة، والفعل منها تبارك؛ ولهذا لا يقال لغيره كذلك، ولا يصلح إلا له،عز وجل،؛ فهو،سبحانه، المبارك، وعبده ورسوله المبارك؛ كما قال المسيح: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [مريم:٣١]، فمن بارك الله فيه؛ فهو المبارك، وأما صفته؛ فمختصة به؛ كما أطلق على نفسه بقوله تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [الأعراف:٥٤]» .
وانظر: صفات الله عز وجل، الواردة في الكتاب والسنة، علوي السقاف ص٧٠.
38 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٤/٢٧٤ ، روح المعاني، الألوسي ٤/٣٧٨.
39 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٨/١٨٧.
40 محاسن التأويل، القاسمي ٩/١١٥.
41 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/١٢٢، ٧/٤٧٠.
42 حاشية الشهاب ١/١٤٥.
43 تفسير المنار، محمد رشيد رضا ١/٢١٩.
44 مفاتيح الغيب، ٢٩/٣٨٢.
وانظر: جامع البيان، الطبري ٢٣/٨٦، زاد المسير، ابن الجوزي ٤/٢١٧، اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل الحنبلي ١٨/٣٦٦، وتفسير القرآن، العز بن عبد السلام ٣/٢٧١.
وقد حمل الخطيب الاسم في الآية: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [الرحمن:٧٨] على اسم الرحمن فقال: «أي: هذا لاسم الذي افتتح به سورة الرحمن كأنه يعلمهم أن هذا كله خرج لكم من رحمتي، فمن رحمتي خلقتكم، وخلقت لكم السماء والأرض والخليقة والجنة والنار، فهذا كله لكم من اسم الرحمن، فمدح اسمه، فقال تعالى:(ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [الرحمن:٧٨] ».
السراج المنير ٤/١٧٨.
45 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٩/٩، ١٨/٣١٦
46 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٤/٤٢٨، المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/١٩٩، مدارك التنزيل، النسفي ٢/٥٢٤.
47 أضواء البيان ٤/١٦٢.
48 مفاتيح الغيب ١٣/٦٤.
وانظر: حاشية الشهاب ٤/٩٥، ومحاسن التأويل، القاسمي ٤/٤٢٩، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٧/٣٧٠، تفسير المنار، محمد رشيد رضا ٧/٥١٦.
49 تفسير المنار ٧/٥١٦.
50 البحر المحيط ٤/٦٥٧.
51 أضواء البيان،٢/١٨٤.
52 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٨/٤٧.
53 الجامع لأحكام القرآن ١٢/١١٩.
54 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٤/٢١٤.
55 أخرجه الطبري في تفسيره ١٥/٣٥٥، وابن أبي حاتم في تفسيره ٦/٢٠٤١.
56 أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٦/٢٠٤١.
57 انظر: البحر المحيط ٦/١٦٣، مختصر في شواذ القرآن، ابن خالويه ص ٦٥.
58 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٣/١٦٢.
59 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٣٦.
60 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٥/١١٢.
61 البحر المحيط ٩/١٢٠.
62 محاسن التأويل ٨/٢١٩.
63 أخرج هذه الآثار الطبري في تفسيره ١٨/١٩٠، وابن أبي حاتم في تفسيره ٧/٢٤٠٨.
وانظر: معالم التنزيل، البغوي ٥/٢٣٠، الكشاف، الزمخشري ٣/١٥، البحر المحيط، أبو حيان ٧/٢٥٨.
64 الجامع لأحكام القرآن ١١/١٠٣.
65 محاسن التأويل ٧/٩٣.
66 التحرير والتنوير ١٦/٩٩.
67 زهرة التفاسير ٩٤٦٣٤.
68 تفسير القرآن العظيم ٢/٢٦٦.
والحديث أخرجه البخاري في الدعوات، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، رقم ٣٦٥٨، ٨/٧٧.
69 زهرة التفاسير ٧/٣٧٣٢.
70 انظر: الكشاف، الزمخشري ٢/٤١٢، البحر المحيط، أبو حيان ٦/١٨٤، أنوار التنزيل، البيضاوي ٣/١٤٢.
71 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/١٩٠، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/٢٧٠، فتح القدير، الشوكاني ٢/٥٨٠.
72 الكشاف، الزمخشري ٤/٢٦٩.
73 مفاتيح الغيب ٢٧/٦٥٤.
74 جامع البيان ٣/٤٤٨.
75 إرشاد العقل السليم ٨/٥٨.
76 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣٠/ ٤٥٧.
77 انظر: جامع البيان، الطبري ١/٤٣٥، تفسير القرآن العظيم، ابن أبي حاتم ١/٧٤، الكشاف، الزمخشري ٤/١٨٨، أنوار التنزيل، البيضاوي ٥/٦٧، البحر المحيط، أبو حيان ٩/٢٨٧.
78 مفاتيح الغيب ٢/٣٣٩ وإن كان في نهاية الدرس قال: «ولا شك أن إكثار ذكر الله تعالى من ذكر السماوات والأرض يدل على عظم شأنهما، وعلى أن له سبحانه وتعالى، فيهما أسرارًا عظيمةً، وحكمًا بالغةً، لا يصل إليها أفهام الخلق ولا عقولهم». وهذا يقيننًا.
وانظر: اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل الحنبلي ١/٤١٨، غرائب القرآن، النيسابوري ١/١٨٦.
79 انظر: تفسير الشعراوي ٦/٣٦٣٦.
80 أضواء البيان، الشنقيطي ٨/٣٢١.
81 أخرجه البخاري في كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة ٢/٦٠، رقم١١٩٠، ومسلم في كتاب الحج، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة رقم: ٥٠٥.
82 أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب فضل الحج والعمرة ٣/٩٨٣، رقم ٤٣٧.
83 مفاتيح الغيب، الرازي ٨/٣٠١.
84 زهرة التفاسير ٣/١٣٢١.
85 معاني القرآن ١/٢٢٧.
86 انظر: البحر المحيط، أبو حيان٣/٢٦٢.
87 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٤/١١.
88 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١٣٨.
89 أخرجه ابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة، والسنة فيها، باب فضل ما جاء في الصلاة في المسجد الحرام ١/٤٥١، رقم ١٤٠٦.
وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه ٣/٤٠٦، وفي صحيح الجامع ٢/٤١٧.
90 أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب فضل الحرم ٢/١٤٧، رقم١٥٨٧، ومسلم في كتاب الحج، باب تحريم مكة وصيدها وخلاها، ٢/٩٨٦، رقم ٤٤٥.
91 ما تقدم من وقائع تاريخية ذكره موقع الشيخ فوزي أبو زيد: www. fawzyabuzeid. com.
92 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٣/١٠.
93 معالم التنزيل، البغوي ٥/٥٨.
94 انظر: التحرير والتنوير ١٥/١٩.
95 انظر: السراج المنير، الشربيني ٢/٢٧٤.
96 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٥/١٥٥.
97 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٥/١٩.
98 الشام: منطقة ممتدة على الساحل الشرقي للبحر المتوسط، وتمتد شرقًا إلى نهر الفرات، وتمتد شمالًا من بلاد الروم تركيا حاليًا إلى حدود مصر وجزيرة العرب جنوبًا، وتشتمل في الوقت الحاضر على سورية ولبنان وفلسطين والأردن وجزءًا من العراق، وفي معجم البلدان لياقوت الحموي: حدها فمن الفرات إلى العريش المتاخم للديار المصرية، وأما عرضها فمن جبلي طيء من نحو القبلة إلى بحر الروم وما بشأمة ذلك من البلاد، وبها من أمهات المدن منبج وحلب وحماة وحمص ودمشق والبيت المقدس والمعرة، وفي الساحل أنطاكية وطرابلس وعكا وصور وعسقلان وغير ذلك ٣/٣١٢. ويقال للشأم: عماد دار الهجرة، وما نقص من الأرض زيد في الشام، وما نقص من الشام زيد في فلسطين، وكان يقال: هي أرض المحشر والمنشر، وبها مجمع الناس، وبها ينزل عيسى ابن مريم، وبها يهلك الله شيخ الضلالة الكذاب الدجال. انظر: الطبري ١٨/٤٦٩، وتفسير القرآن العظيم ٥/٣٥٣.
99 تفسير القرآن، السمعاني ٢/٢٠٩.
100 أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٥/١٥٥١.
وانظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١١/٣٠٥، إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٦/٧٧.
101 تفسير القرآن، السمعاني ٣/٣٩٢.
102 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن أبي حاتم ١٠/٣١٦٧.
103 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ٨/٥٣٧ .
قيل: كانت قراهم أربعة آلاف وسبعمائة قرية متصلة من سبأ إلى الشام، فلا يحملون شيئًا مما جرت به عوائد السفار، فكان سيرهم في الغدو والرواح على قدر نصف يوم، فإذا ساروا نصف يوم وصلوا إلى قرية ذات مياه وأشجار، وقال قتادة: كانت المرأة تخرج ومعها مغزلها وعلى رأسها مكتلها فتمتهن بغزلها فلا تأتي بيتها حتى يمتلئ مكتلها من الثمار، فكان ما بين اليمن والشام كذلك.
انظر: السراج المنير، الشربيني ٣/٢٩٣.
104 أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ١٠/٣١٦٧.
105 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ٧/١٠.
106 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ٨/٣٠١، إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٦/٢٧٤، السراج المنير، الشربيني ٣/٦٧.
107 انظر: تفسير القرآن، السمعاني ٤/١٣٧، معالم التنزيل، البغوي ٦/٢٠٦.
108 تفسير القرآن، السمعاني ٢/٥٥٣.
109 تفسير القرآن العظيم ابن أبي حاتم ٨/٢٦٥٢.
110 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الاستئذان، باب ما جاء في التسليم إذا دخل بيته ٥/٥٩،٢٦٩٨ وقال: حسن غريب.
111 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الأشربة، باب آداب الطعام والشراب ٣/١٥٩٨،١٠٣ ونص رواية مسلم: عن جابر بن عبد الله أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإذا لم يذكر الله عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء.
112 أخرجه أبو داود في سننه، في أبواب النوم، باب ما يقول الرجل إذا دخل بيته، ٤/٣٢٥، رقم ٥٠٩٦.
وضعفه الألباني في الضعيفة ١٢/٧٣٠.
113 الجامع لأحكام القرآن ١٢/٣١٨-٣١٩.
114 أنوار التنزيل ٤/١١٤.
115 مفاتيح الغيب ٢٤/٤٢٠.
116 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٨/٣٠٤.
117 في قوله تعالى: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [الصافات:٧٩]،و(ﭲﭳﭴﭵ) [الصافات: ١٠٩]،(ﮯﮰﮱﯓﯔ) [الصافات: ١٢٠]، و(ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [الصافات:١٣٠].
118 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٠/٧.
119 جامع البيان ٦/١٩٤.
120 انظر: زهرة التفاسير، أبو زهرة ١٠/٥٠٥٨.
121 التفسير الميسر، مجموعة من العلماء ٣٥٤.
122 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٦/١٧٦.
123 انظر: زهرة التفاسير، أبو زهرة ١٠/٥١٩٤.
والحديث أخرجه أحمد في مسنده ٢٥/٤٥١، رقم ١٦٠٥٥، والترمذي في سننه، أبواب الأطعمة، باب ما جاء في أكل الزيت ٣/٣٤٩، رقم١٨٥١، والحاكم في المستدرك ٢/٤٣٢.
قال الحاكم: «هذا حديثٌ صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وله شاهدٌ آخر بإسنادٍ صحيحٍ» وصححه الألباني في الصحيحة ٣٧٩.
124 إعراب القرآن وبيانه، محيي الدين درويش ٣/٣٦٧.
وانظر: المفردات، الراغب ص ١١٩، بدائع الفوائد ابن القيم ٢/١٨٥-١٨٧.
125 معالم التنزيل، البغوي ٢/٢١٧.
126 انظر: تفسير القرآن، السمعاني ٢/٢٠٠.
127 مفاتيح الغيب ١٤/٣٢١.
128 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ٥/١١٩.
129 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٩/٢٠.
130 تفسير الشعراوي ٦/٣٢٨٢.