عناصر الموضوع
بنو إسرائيل
أولًا: التسمية:
يطلق المؤرخون أسماء العبرانيين واليهود وبني إسرائيل، ويريدون بها طائفة واحدة معينة من الناس وهم: أبناء يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام.
١. العِبْرِيُون.
اختلفت الآراء في سب تسميتهم بهذا الاسم، فقيل: إنهم سموا بالعبريين نسبة إلى إبراهيم عليه السلام، فقد ذكر في سفر التكوين باسم (إبراهيم العبراني)؛ لأنه عبر نهر الفرات وأنهار أخرى، ورجحه أكثر العلماء، وقيل: إنهم سموا بالعبريين نسبة إلى (عبر) وهو الجد الخامس لإبراهيم عليه السلام، وقيل: إن كلمة (عبري) ترجع إلى الموطن الأصلي لبني إسرائيل، وذلك أنهم كانوا في الأصل من الأمم البدوية الصحراوية التي لا تستقر في مكان، وتتنقل من مكان إلى آخر بماشيتها بحثا عن الماء والمرعى، وكلمة عبري أصلها من العبور والتنقل، وكانوا يسمون بذلك تميزًا لهم عن أهل العمران، ثم لما عرفوا المدنية نفروا من هذه التسمية، وآثروا أن يعرفوا ببني إسرائيل1.
٢. بنو إسرائيل.
سموا بذلك نسبة إلى أبيهم إسرائيل، وهو إسحاق بن يعقوب بن إبراهيم عليهم السلام، وإسرائيل كلمة عبرانية مركبة من (إسرا) بمعنى عبد أو صفوة، ومن (إيل) وهو الله، فيكون معنى الكلمة عبد الله أو صفوة الله2.
٣. اليهود.
قيل إنهم سموا بذلك حين تابوا عن عبادة العجل، وقالوا: (ﭚ ﭛ ﭜ) [الأعراف:١٥٦].
أي: تبنا ورجعنا، وقيل: إنهم سموا بذلك لأنهم يتهودون، أي: يتحركون عند قراءة التوراة، وقيل: سُمُّوا بذلك نسبة إلى يهوذا بن يعقوب عليه السلام3.
ثانيًا: المكان:
يذكر المؤرخون أن العبريين: وهم من نسل إسحاق ويعقوب عليهما السلام كانوا يسكنون في بلاد كنعان، وكانوا يسكنون في جنوبي بلاد الشام، فلسطين وشرق الأردن، وكانوا عبارة عن بدو رحل يهتمون بتربية المواشي4.
ولما اشتد القحط في هذه البلاد هاجر يعقوب عليه السلام إلى أرض مصر، وقد ذكر القرآن الكريم هذه القصة وبين ما حدث بين يوسف عليه السلام وإخوته.
قال تعالى: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [يوسف:٨٨].
وقال سبحانه: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [يوسف:٩٩-١٠٠].
عاش بنوا إسرائيل في مصر حياة كريمة آمنه في ظل يوسف عليه السلام، ويقال أن حكام مصر خلال هذه الفترة هم الهكسوس، وكان حكمهم في القرن السادس عشر ق.م.
ثم لما قامت الأسرة التاسعة عشرة والتي من ملوكها (رمسيس الثاني) جاهر المصريون بعداوتهم لبني إسرائيل وساموهم سوء العذاب، وقد ذكر القرآن الكريم هذا العذاب الذي حل على بني إسرائيل.
قال سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [إبراهيم:٦].
ثم من الله تعالى على بني إسرائيل فأرسل إليهم نبي الله موسى عليه السلام لإنقاذهم وهدايتهم، ثم استمر الأذى والهوان في عصر موسى عليه السلام حتى خرجوا من مصر بقيادة موسى عليه السلام إلى بلاد الشام، فتوجه بهم إلى مدينة أريحا، وأمرهم بدخولها.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [المائدة:٢٤].
فلما أحجموا عن دخول الأرض المقدسة حل بهم عذاب الله فتاهوا في الصحراء أربعين سنة، وبعد ذلك بأعوام قلائل توفي هارون عليه السلام، ثم توفي بعده موسى عليه السلام5.
وبعد وفاة موسى عليه السلام شعر بنو إسرائيل بسوء أعمالهم وقبح تصرفاتهم مع نبيهم، فنصبوا عليهم يوشع بن نون عليه السلام، وهو الذي عبر بهم نهر الأردن إلى أريحا، ثم انتصروا على الملوك العموريين ثم سيطروا بعد ذلك على كامل الأرض المقدسة (فلسطين)6.
بعد موت يوشع تقسم الأسباط أرض الشام، فسلط الله سبحانه وتعالى بعضهم على بعض، فانقسموا إلى مملكتين، مملكة (يهوذا) في الجنوب بقيادة داود عليه السلام، وتضم بيت المقدس، ومملكة (إسرائيل) في الشمال بقيادة إيشبعل وتضم سامريا، وبعد ذلك قتل إيشبعل، فبايع أهل الشمال داود عليه السلام وتوحدت دولة إسرائيل، وأصبحت أورشليم عاصمة دينية وسياسية لها، وبعد وفات داود عليه السلام خلفه في الملك سليمان عليه السلام، وكانت هذه المرحلة هي العصر الذهبي لدولة بني إسرائيل7.
وبعد موت سليمان عليه السلام انقسمت مملكة إسرائيل إلى مملكتين، مملكة (يهوذا) في الجنوب، وعاصمتها أورشليم، بقيادة (رحبعام)، وعمرت (٤٠٠ عام)، وكانت نهايتها على يد البابليين، ومملكة (إسرائيل) في الشمال وعاصمتها شكيم، بقيادة (يربعام)، وعمرت (٢٥٠) سنة، وكانت نهايتها على يد الأشوريين8.
قال عبد الكريم الخطيب: «ثم إذا أعدنا النظر إلى بني إسرائيل بعد الأسر البابلي، لم نجد لهم دولة ظاهرة ولا ملكا قائما، وإنما هم دويلات ممزقة، متقاتلة فيما بينها، تخرج من حكم البابليين لتقع تحت حكم الفرس في سنة (٥١٨ ق. م)، ثم تحت حكم الرومان، إلى أن جاء الفتح الإسلامي، الذي أدخل بيت المقدس في دولته، فأصبح المسجد الأقصى من مساجد الإسلام، ليس لبنو إسرائيل شأن به منذ ذلك الوقت إلى يوم الناس هذا»9.
ثالثًا: الزمان:
يمكن تلخيص الفترة الزمنية التي عاشها بنو إسرائيل كما يأتي:
أولًا: يذكر المؤرخون أن الفترة الزمنية التي عاشها بني إسرائيل في أرض كنعان كانت الفترة التي عاشها يعقوب عليه السلام، (١٨٣٧ - ١٦٩٠ ق. م).
ثانيًا: يرى كثير من المؤرخين أن استيطان بني إسرائيل في مصر كان خلال حكم الهكسوس لمصر (خلال السنوات ١٧٢٠ - ١٥٧٠ ق.م)10، وقيل: إن بني إسرائيل نزلوا إلى مصر (سنة: ١٦٧٨ ق.م)11.
ثالثًا: يرى بعض المؤرخين أن بني إسرائيل خرجوا من مصر بقيادة موسى عليه السلام في عهد (منفتاح بن رمسيس الثاني) حوالي (١٢١٣ ق.م)12.
رابعًا: دخل بنو إسرائيل فلسطين بقيادة يوشع بن نون لما خرجوا من التيه في صحراء سيناء بعد أربعين سنة، في القرن الثالث عشر قبل الميلاد13.
خامسًا: تأسست المملكة اليهودية حوالي (١٠٩٥ ق٠م)، وأبرز ملوكها الأول طالوت وداود وسليمان عليهم السلام، واستمرت هذه المملكة حتى تم القضاء عليها وزوالها على يد بختنصر (سنة ٥٨٦ ق٠م) 14.
سادسًا: انقسمت مملكة بني إسرائيل بعد وفاة سليمان عليه السلام (سنة ٩٧٥ ق. م) إلى مملكتين:
ورد ذكر (بني إسرائيل) في القرآن الكريم (٤١) مرة، في (١٦) سورة.
وأما قصة (بنو إسرائيل) فذكرت في السور الآتية:
السورة | الآيات |
البقرة | ٤٠-٤٧-٤٣-٨٣-٦١-٨٦-٢٤٦-٢٤٨- |
الأعراف | ١٣٨-١٤١ |
الإسراء | ٤-٨-١٠١-١٠٣ |
طه | ٨٠-٨٢-٨٦-٩٧ |
الصف | ٦-١٤ |
أنعم الله تعالى على بني إسرائيل بنعم عظيمة، حيث فضلهم على العالمين، وأنزل عليهم التوراة لهدايتهم، ومكن لهم في الأرض، وبيان ذلك في النقاط الآتية:
أولًا: التفضيل على عالمي زمانهم:
ذكر القرآن الكريم أن الله تعالى فضل بني إسرائيل على العالمين، قال تعالى: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [البقرة:٤٧].
والتفضيل إنما أتاهم لتمسكهم بالفضائل وتركهم للرذائل، إذ من يرى نفسه مفضلا شريفا يترفع عن الدنايا، وذكرهم بهذا الفضل لينبههم إلى أن الذي فضلهم على غيرهم له أن يفضل غيرهم كمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته، وإلى أنهم أجدر من جميع الشعوب بالتأمل فيما أوتيه النبي صلى الله عليه وسلم من الآيات، فإن المفضل أولى بالسبق إلى الفضائل ممن فضل عليه، وهذا الفضل إن كان بكثرة الأنبياء فلا مزاحم لهم فيه، ولا تقتضي هذه الفضيلة أن يكون كل فرد منهم أفضل من كل فرد من غيرهم، ولا تمنع أن يفضلهم أخس الشعوب إذا انحرفوا عن جادة الحق وتركوا سنة أنبيائهم واهتدى بهديها غيرهم، وإن كان بالقرب من الله باتباع شرائعه، فذلك إنما يتحقق في أولئك الأنبياء والمهتدين من أهل زمانهم، ومن تبعهم بإحسان ما داموا على الاستقامة وسلكوا الطريق الذي استحقوا به التفضيل17.
وقوله تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ)، وتفضيل بني إسرائيل على العالمين موقوت بزمان استخلافهم واختيارهم، فأما بعد ما عتوا عن أمر ربهم، وعصوا أنبياءهم، وجحدوا نعمة الله عليهم، وتخلوا عن التزاماتهم وعهدهم، فقد أعلن الله حكمه عليهم باللعنة والغضب والذلة والمسكنة، وقضى عليهم بالتشريد وحق عليهم الوعيد، وتذكيرهم بتفضيلهم على العالمين، هو تذكير لهم بما كان لهم من فضل الله وعهده وإطماع لهم لينتهزوا الفرصة المتاحة على يدي الدعوة الإسلامية، فيعودوا إلى موكب الإيمان، وإلى عهد الله شكرًا على تفضيله لآبائهم، ورغبة في العودة إلى مقام التكريم الذي يناله المؤمنون18.
قال سيد قطب: «ومعنى هذا التفضيل أن الله قد جمع لهم من المحامد التي تتصف بها القبائل والأمم ما لم يجمعه لغيرهم، وهي شرف النسب، وكمال الخلق، وسلامة العقيدة، وسعة الشريعة، والحرية والشجاعة، وعناية الله تعالى بهم في سائر أحوالهم، وقد أشارت إلى هذا آية: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [المائدة:٢٠].
وهذه الأوصاف ثبتت لأسلافهم في وقت اجتماعها، وقد شاع أن الفضائل تعود على الخلف بحسن السمعة وإن كان المخاطبون يومئذ لم يكونوا بحال التفضيل على العالمين، ولكنهم ذكروا بما كانوا عليه فإن فضائل الأمم لا يلاحظ فيها الأفراد ولا العصور»19.
وقال محمد رشيد: «ثم طلب منهم أن يذكروا نعمته، وتفضيله إياهم على الناس، إحياء لشعور الكرامة في نفوسهم، ووصله بالأمر باتقاء يوم الدين والجزاء، وهذا أسلوب حكيم في الوعظ، فينبغي لكل واعظ أن يبدأ وعظه بإحياء إحساس الشرف وشعور الكرامة في نفوس الموعوظين لتستعد بذلك لقبول الموعظة، وتجد من ذلك الإحساس معونة من العزيمة الصادقة التي هي من خصائص النفوس الكريمة على عوامل الهوى والشهوة، فإن النفس إذا استشعرت كرامتها وعلوها إلى ما في الرذائل من الخسة أبى لها ذلك الشعور - شعور العلو والرفعة - أن تنحط إلى تعاطي تلك الخسائس، وكان ذلك من أقوى الوسائل لمساعدة الواعظ على بلوغ قصده من نفس من يوجه إليه وعظه، ثم إن في الوعظ ما يؤلم نفس الموعوظ، وحرجا يكاد يحملها على النفرة من تلقينه، والاستنكاف من سماعه، فذكر الواعظ لما يشعر بكرامة المخاطب ورفعة شأنه، وإباء ما ينمي إليه من الشرف أن يدوم على مثل ما يقترف يقبل بالنفس على القبول، كما يقبل الجريح على من يضمد جراحه ويسكن آلامه»20.
ثانيًا: إيتاء موسى التوراة لهداية بني إسرائيل:
ذكر القرآن الكريم أن من نعم الله تعالى على بني إسرائيل إعطاء موسى عليه السلام التوراة، قال تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [البقرة:٥٣].
هذا تذكير بنعمة نزول الشريعة التي بها صلاح أمورهم وانتظام حياتهم وتأليف جماعتهم، مع الإشارة إلى تمام النعمة، وهم يعدونها شعار مجدهم وشرفهم لسعة الشريعة المنزلة لهم حتى كانت كتابا فكانوا به أهل كتاب أي أهل علم تشريع، والكتاب والفرقان: اسمان لشيء واحدٍ لكن يقالان باعتبارين مختلفين، أما الكتاب، فلجمع الأحكام المتفرقة فيه، وأما الفرقان: فلكونه مفرقًا بين الحق والشبهة وبين الأحكام المختلفة، وأتى باللفظين تنبيهًا على تضمين التوراة للمعنيين 21.
وقوله تعالى: (ﮋ ﮌ)، أي: ليعدكم بهذا العفو للاستمرار على الشكر ويعدكم بهذه الأحكام والشرائع للاهتداء ويهيئكم للاسترشاد، فلا تقعوا في وثنية أخرى، وإن من كمال الاستعداد للهداية بفهم الكتاب أن يعرفوا أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو هدى ونور يرجعهم إلى الأصل الذي تفرقوا عنه واختلفوا فيه، وكذلك اهتدى به منهم المستبصرون، وجاحده الرؤساء المستكبرون، والمقلدون الذين لا يعقلون، وهذا هو محل المنة؛ لأن إتيان الشريعة لو لم يكن لاهتدائهم وكان قاصرا على عمل موسى به لم يكن فيه نعمة عليهم22.
ثالثًا: التمكين في الأرض:
ذكر القرآن الكريم أن من نعم الله تعالى على بني إسرائيل التمكين في الأرض، قال تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [الأعراف:١٣٧].
بينت الآية نعمة الله العظيمة على بني إسرائيل، ولطفه بهم حيث رفعوا من حضيض المذلة إلى أوج العزة والكرامة، فتأسست لهم دولة عظيمة في بلاد الشام، وصاروا يتصرفون في أرض مصر كما شاءوا، (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ)، أي: وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون في مصر بالاستعباد وقتل الأبناء واستحياء النساء وأخذ الجزية واستعمالهم في الأعمال الشاقة، والجمع بين صيغتي الماضي والمستقبل للدلالة على استمرار الاستضعاف وتجدده، وذكروا بهذا العنوان إظهارا لكمال اللطف بهم وعظم الإحسان إليهم حيث رفعوا من حضيض المذلة إلى أوج العزة، ولعل فيه إشارة إلى أن الله سبحانه عند القلوب المنكسرة23.
وقوله تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ)، قيل: أرض مصر، وقيل: أرض الشام، ومشارقها من حدود الشام، ومغاربها من حدود مصر، وقيل: جهاتها بما فيها بيت المقدس ومصر والشام، وهذا أولى من الاقتصار على أرض مصر التي كانوا فيها عبيدا هم ونساؤهم، وهذه الأرض هي: (ﯞ ﯟ ﯠ)، بكثرة الثمار والزروع والأشجار والخصب وسعة الرزق وكونها مساكن الأنبياء والصالحين ومرقدهم، (ﯩ ﯪ)، بسبب صبرهم، وحسبك به حاثًا على الصبر 24.
وقوله تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ)، أي: ونفذت كلمة الله ومضت على بني إسرائيل تامة كاملة، بسبب صبرهم على الشدائد التي كابدوها من فرعون وقومه، وقد كان وعد الله تعالى إياهم مقرونا بأمرهم بالصبر والاستقامة، كما أمرهم نبيهم عليه السلام مبلغا عن ربه، (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [الأعراف:١٢٨].
ومن قابل البلاء بالجزع وكله الله إليه، ومن قابله بالصبر ضمن الله له الفرج، وقد تم وعد الله تعالى لهم بذلك، ثم سلبهم تلك الأرض بظلمهم لأنفسهم وللناس ولم يكن من مقتضى الوعد أن يعودوا إليها مرة أخرى25.
وقوله تعالى: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ)، أي: وخربنا ما كان يصنع فرعون وقومه من المباني والقصور التي كانوا يبنونها للمصريين، والمكايد السحرية والصناعية التي كان يصنعها السحرة لإبطال آياته والتشكيك فيها، وما كانوا يعرشون من الجنات والبساتين26.
وقد جاء في آية أخرى: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [القصص:٥].
أي: ونريد أن نتفضل بإحساننا على من استضعفهم فرعون وأذلهم، وننجيهم من بأسه، ونريهم في أنفسهم وفي أعدائهم فوق ما يحبون، وأكثر مما يؤملون، (ﯬ ﯭ)، مقتدى بهم في الدين والدنيا، (ﯮ ﯯ)، لملك الشام لا ينازعهم فيه منازع27.
تظهر صفات بني إسرائيل من خلال النقاط الآتية:
أولًا: التبديل والتحريف:
ذكر القرآن الكريم أن من صفات بني إسرائيل الاستهزاء ومخالفة الأوامر وتبديلها.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [البقرة:٥٨-٥٩].
بينت الآية أن من صفات بني إسرائيل القبيحة تبديل آيات الله وتحريفها وفق رغباتهم وأهواءهم، فخاطب الله تعالى بهذه الآيات يهود بني إسرائيل الذين كانوا في المدينة بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم لن يعدوا أن يكونوا في تكذيبهم محمدا صلى الله عليه وسلم وجحودهم نبوته كآبائهم وأسلافهم، الذين كذبوا الرسل السابقين وتمردوا عليهم واستهزؤا بهم، واستعمال ضمير المخاطب في توجيه الكلام حتى ليكاد يكون للسامعين، مع أنه في صدد اليهود القدماء، وذلك لبيان وتوكيد شدة اللحمة في الأخلاق والجبلة والمواقف بين القديمين والحاضرين، وهو بصدد التنديد بأفعال الأبناء المكروهة إذا كانت على وتيرة أفعال الآباء، وفي ذلك توكيد بأن اليهود السامعين هم أنسال بني إسرائيل القدماء كما هو المتبادر، وتحذيرهم أن يفعلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كما فعل أباءهم مع أنبيائهم28.
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ)، أي: وإذ أمرنا بني إسرائيل على لسان موسى عليه السلام فبلغه للقوم، والقرية: البلدة المشتملة على المساكن المبنية من حجارة وهي مشتقة من القري، وهو الجمع، يقال: قرى الشيء يقريه إذا جمعه، وهي تطلق على البلدة الصغيرة وعلى المدينة الكبيرة ذات الأسوار والأبواب، وهذه القرية: هي الأرض المقدسة، قال تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [المائدة:٢١].
وهو أصح الأقوال، وقيل: هي حبرون، وقيل: هي أريحا، لتكون مركزًا أولًا لهم، والأمر بالدخول أمر بما يتوقف الدخول عليه وهو القتال كما دل عليه قوله: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ)، فإن الارتداد على الأدبار من الألفاظ المتعارفة في الحروب.
قال سبحانه: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الأنفال:١٥]29.
وقوله تعالى: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) أي: فكلوا من هذه القرية حيث شئتم عيشا هنيا واسعا بغير حساب، وفيه دلالة على أن المأمور به الدخول على وجه الاقامة والسكنى، ( ﭛ ﭜ ﭝ)، أي: باب القرية، وقيل: هو باب الحطة من بيت المقدس.
وقوله: ( ﭞ ﭟ)، والمراد بالحطة: الدعاء بأن تحط عنهم خطايا التقصير وكفر30.
وقوله تعالى: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ)، أي: فلما دخلوا الباب خالفوا أمر الله، وقالوا بخلاف ما قيل لهم، وتبديل القول تبديل جميع ما قاله الله لهم، وفائدة إظهار لفظ القول دون أن يقال فبدلوه، لدفع توهم أنهم بدلوا لفظ حطة خاصة وامتثلوا ما عدا ذلك لأنه لو كان كذلك لكان الأمر هينا، وقيل: قالوا: مكان حطة حنطة، وقيل قالوا: بالنبطية حطا سمقاثا، أي: حنطة حمراء، استهزاء وتبديلًا منهم بما قيل لهم، وعدولًا عن طلب ما عند الله إلى طلب ما يشتهون من أعراض الدنيا، وكان هذا رغبة في المخالفة وإصرارًا على العناد، ما يكشف عما في طبيعة القوم من عناد، وإنه عناد الأطفال، يأبون إلا ركوب رءوسهم، والاتجاه إلى غير ما يوجهون إليه، ولو كان في ذلك تلفهم وهلاكهم، وقد بينت السنة هذا التبديل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قيل لبني إسرائيل: ( ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ)، فدخلوا يزحفون على أستاهم فبدلوا وقالوا: حطة حبة في شعرة)31 32.
وقوله تعالى: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ)، أي: عذابًا، وفي تكرير الذين ظلموا زيادة في تقبيح أمرهم وإيذان بإنزال الرجز عليهم لظلمهم، وإنما جاء بالظاهر في موضع المضمر، فقال: (ﭰ ﭱ ﭲ)، ولم يقل: عليهم؛ لئلا يتوهم أن الرجز عم جميع بني إسرائيل، (ﭴ ﭵ)، وإنما جعل من السماء لأنه لم يكن له سبب أرضي من عدوى أو نحوها، فعلم أنه رمتهم به الملائكة من السماء بأن ألقيت عناصره وجراثيمه عليهم فأصيبوا به دون غيرهم، ولأجل هذا خص التبديل بفريق معروف عندهم، فعبر عنه بطريق الموصولية لعلم المخاطبين به وبتلك الصلة، فدل على أن التبديل ليس من فعل جميع القوم أو معظمهم؛ لأن الآية تذكير لليهود بما هو معلوم لهم من حوادثهم، (ﭶ ﭷ ﭸ)، بسبب فسقهم 33.
[انظر: اليهود: تحريفات اليهود]
ثانيًا: التعنت:
من صفات بني إسرائيل الذميمة التي ذكرها القرآن الكريم التعنت.
قال تعالى:(ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [البقرة:٦٧-٧٣].
بينت هذه الآيات قصة بني إسرائيل في تلقيهم لأوامر الله تعالى، وعدم التوقير لأنبيائهم، والتعنت في الأسئلة، وسوء الفهم في مقاصد الشريعة، وذلك أنه وجد قتيل فيهم، وكانوا يطالبون بدمه، فأمرهم الله تعالى بذبح بقرة، وأن يضربوه ببعضها ليحيى ويخبر بقاتله، فأخبرهم موسى عليه السلام بذلك.
وإنما أمر -والله أعلم- بذبح البقرة دون غيرها؛ لأنها من جنس ما عبدوه من العجل، ليهون عندهم ما كانوا يرونه من تعظيمه، وليعلم بإجابتهم زوال ما كان في نفوسهم من عبادته، (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ).
وقدم هنا قول موسى عليه السلام؛ لأن خطاب موسى عليه السلام لهم قد نشأ عنه ضرب من مذامهم في تلقي التشريع، وهو الاستخفاف بالأمر حين ظنوه هزؤا، والإعنات في المسألة، فأريد من تقديم جزء القصة تعدد تقريعهم، (ﮫ ﮬ ﮭ)، أي: سخرية يهزأ بنا، وهذا القول من سفههم وخفة أحلامهم وجهلهم بعظمة الله تعالى وما يجب أن يقابل به أمره من الاحترام والامتثال، وإن لم تظهر حكمته34.
وقوله تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ)، لأن الهزو في أثناء تبليغ أمر الله سبحانه جهل وسفه نفى عنه عليه السلام ما توهموه من قبله على أبلغ وجه وآكده، بإخراجه مخرج ما لا مكروه وراءه بالاستعاذة منه، استفظاعا له، واستعظاما لما أقدموا عليه من العظيمة التي شافهوه بها، والعوذ: اللجوء من متخوف لكاف يكفيه، والجهل: التقدم في الأمور بغير علم، وكان في هذا التوجيه كفاية ليثوبوا إلى أنفسهم، ويرجعوا إلى ربهم، وينفذوا أمر نبيهم35.
ولما علم القوم أن ذبح البقرة عزم من الله عز وجل سألوه الوصف، ولو أنهم عمدوا إلى أدنى بقرة فذبحوها لأجزأت عنهم، ولكنهم شددوا على أنفسهم، فشدد الله عليهم، وقالوا لموسى تماديًا في تعنتهم: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ)، أي: ما حالها وصفتها، وكان حقهم أن يقولوا: أي بقرة هي؟ أو كيف هي؟ لأن ما يسأل به عن الجنس غالبًا.
لكنهم لما رأوا ما أمروا به على حال لم يوجد بها شيء من جنسه، أجروه مجرى ما لم يعرفوا حقيقته ولم يروا مثله.
(ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ)، أي: لا كبيرة ولا صغيرة، والفارض: المسنة التي لا تلد، يقال: منه فرضت تفرض فروضا، والبكر: الفتية الصغيرة التي لم تلد قط، وحذفت الهاء منهما للاختصاص بالإناث كالحائض.
(ﯪ)، وسط نصف بين ذلك، أي: بين السنين، يقال: عونت المرأة تعوينا إذا زادت على الثلاثين، وقيل: العوان التي لم تلد قط، وقيل: العوان التي نتجت مرارًا.
وجاء في جوابهم بهذا الإطناب دون أن يقول من أول الجواب إنها عوان تعريضا بغباوتهم واحتياجهم إلى تكثير التوصيف حتى لا يترك لهم مجالًا لإعادة السؤال، وزجرهم عن التعنت والتمادي والمراجعة، بقوله: (ﯮ ﯯ ﯰ)، أي: كفاكم مجادلة ونفذوا أمر الله واذبحوا البقرة، ولكنهم لم يسكنوا أنهم يريدون أن يحاوروا، ولذلك غيروا صيغة السؤال36.
ومما يبين تعنت بني إسرائيل وسوء أدبهم مع نبيهم موسى عليه السلام، وهم يسألون: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ)، وإضافة الرب إلى موسى عليه السلام، ولم يقولوا أدع لنا ربنا، فكأنه رب موسى عليه السلام، والسؤال بهذه الصيغة يشي بأنهم ما يزالون في شكهم أن يكون موسى هازئًا فيما أنهى إليهم! فهم أولًا: يقولون: (ﭒ ﭓ ﭔ)، فكأنما هو ربه وحده لا ربهم كذلك! وكأن المسألة لا تعنيهم هم إنما تعني موسى وربه!37.
ثم تمادوا في تعنتهم وتماديهم بما يوحي أنه صفة من صفاتهم القبيحة وخلق من أخلاقهم المتجذرة في نفوسهم، (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ)، أي: صاف لونها، (ﰃ ﰄ)، أي: تعجب الناظرين، وكان يجب أن يكتفوا بهذه المميزات ولكنهم زادوا تنطعا إذ قالوا: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) أي: لم يذللها العمل، (ﭪ ﭫ)، أي: وليست بذلول تثير الأرض، (ﭬ ﭭ ﭮ)، يقول: ولا تعمل في الحرث، (ﭯ)، أي: مسلمة من العيوب، (ﭰ ﭱ ﭲ)، لا بياض فيها38.
وقوله تعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ)، اعتذار عن إعادة السؤال، وإنما لم يعتذروا في المرتين الأوليين واعتذروا الآن؛ لأن للثالثة في التكرير وقعا في النفس في التأكيد والسآمة وغير ذلك، وقولهم: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ)، تنشيط لموسى عليه السلام، ووعد له بالامتثال لينشط إلى دعاء ربه بالبيان، ولتندفع عنه سآمة مراجعتهم التي ظهرت بوارقها في قوله: (ﯮ ﯯ ﯰ)، ولإظهار حسن المقصد من كثرة السؤال وأن ليس قصدهم الإعنات، تفاديا من غضب موسى عليهم، والتعليق بـ (ﭞ ﭟ ﭠ)، للتأدب مع الله في رد الأمر إليه في طلب حصول الخير39.
ولما استوفى جميع المميزات والمشخصات ولم يروا سبيلا إلى سؤال آخر، (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ)، أي: وما قاربوا أن يذبحوها إلا بعد أن انتهت أسئلتهم، وانقطع ما كان من تنطعهم وتعنتهم40.
قال أبو زهرة: «إن الله تعالى يختبرهم في إيمانهم بأن يذبحوا بقرة، ولكنهم تأثرًا بالمصريين وما كانوا عليه من عبادة العجل، يترددون في ذبح البقرة، فيجادلون في ذبحها متجاهلين أمرها، ولو أتوا إلى أي بقرة فذبحوها لكان في ذلك الاستجابة الكاملة، ولكنهم يثيرون الريب حول الطلب، سألوا عن حقيقتها، وعن كونها صغيرة أو كبيرة، فأجيبوا، ثم سألوا عن لونها فأجيبوا، ثم سألوا عن كونها متخذة معلوفة للنماء والتوالد، أم هي ذلول عاملة، فذبحوها وما كادوا يفعلون تقليدًا للمصريين وتأثرًا فأفكارهم، وأوهامهم في دينهم»41.
ثالثًا: التحايل على الأحكام:
ذكر القرآن الكريم تحايل بني إسرائيل على الأحكام.
قال تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [الأعراف:١٦٣-١٦٥].
يقول الله تعالى لنبيه صلوات الله وسلامه عليه: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ).
والسؤال فيه للتقرير المتضمن للتقريع، والإدلال بعلم ماضيهم، والمعنى: واسأل بني إسرائيل عن أهل القرية التي كانت حاضرة البحر، أي قريبة منه، راكبة لشاطئه.
(ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ)، أي: اسأل عن حالهم في الوقت الذي كانوا يعتدون في السبت، ويتجاوزون حكم الله بالصيد المحرم عليهم فيه42.
وقوله تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ)، أضيفت الحيتان إليهم لما كان من ابتلائهم بها، واحتيالهم على صيدها، وكانت تأتيهم يوم سبتهم، أي: تعظيمهم للسبت، فهو مصدر سبتت اليهود تسبت إذا عظمت السبت بترك العمل فيه وتخصيصه للعبادة.
(ﯜ)، أي: ظاهرة من كل مكان، وهي جمع شارع، من شرع عليه إذا دنا وأشرف، وكانت الحيتان تأتي ظاهرة، فكانوا يحتالون بحبسها في يوم السبت، ثم يأخذونها في يوم الأحد، ويقال: إنهم جاهروا بأخذها في يوم السبت.
(ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ)، أي: ولا تأتيهم يوم لا يعظمون السبت فعلا وتركا، قيل: إنها اعتادت ألا يتعرض أحد لصيدها يوم السبت، فأمنت وصارت تظهر فيه، وتختفي في الأيام التي لا يسبتون فيها لما اعتادت من اصطيادها فيها، فلما رأوا ظهورها وكثرتها في يوم السبت أغراهم ذلك بالاحتيال على صيدها ففعلوا43.
وقوله تعالى: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ)، أي: نختبرهم بإظهار السمك لهم على ظهر الماء في اليوم المحرم عليهم صيده، وإخفائه عنهم في اليوم المحلل لهم صيده.
(ﯦ ﯧ ﯨ)، أي: مثل هذا البلاء بظهور السمك لهم نبلوهم، أي نختبرهم أو نعاملهم معاملة المختبر لحال من يريد إظهار كنه حاله ليترتب الجزاء على عمله بسبب فسقهم المستمر عن أمر ربهم، واعتدائهم حدود شرعه، وهؤلاء قوم احتالوا على انتهاك محارم الله، بما تعاطوا من الأسباب الظاهرة التي معناها في الباطن تعاطي الحرام44.
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ).
يخبر تعالى عن أهل هذه القرية أنهم صاروا إلى ثلاث فرق: فرقة ارتكبت المحذور، واحتالوا على اصطياد السمك يوم السبت، وفرقة نهت عن ذلك وأنكرت واعتزلتهم، وفرقة سكتت فلم تفعل ولم تنه.
ولكنها قالت للمنكرة: (ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ)؟
أي: لم تنهون هؤلاء، وقد علمتم أنهم هلكوا واستحقوا العقوبة من الله؟ فلا فائدة في نهيكم إياهم.
قالت لهم المنكرة: (ﭡ ﭢ ﭣ)، قرأ بعضهم بالرفع، كأنه على تقديره: هذا معذرة وقرأ آخرون بالنصب، أي: نفعل ذلك (ﭡ ﭢ ﭣ).
أي: نعظهم وعظ عذر نعتذر به إلى ربكم عن السكوت على المنكر، وقد أمرنا بالتناهي عنه، ورجاء في انتفاعهم بالموعظة، وحملها على اتقاء الاعتداء الذي اقترفوه.
أي: فنحن لم نيأس من رجوعهم إلى الحق يأسكم، فإذا تابوا تاب الله عليهم ورحمهم45.
قال ابن عاشور: «إن صلحاء القوم كانوا فريقين، فريق منهم أيس من نجاح الموعظة وتحقق حلول الوعيد بالقوم، لتوغلهم في المعاصي، وفريق لم ينقطع رجاؤهم من حصول أثر الموعظة بزيادة التكرار.
فأنكر الفريق الأول على الفريق الثاني استمرارهم على كلفة الموعظة، واعتذر الفريق الثاني بقولهم: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ).
فالفريق الأول: أخذوا بالطرف الراجح الموجب للظن.
والفريق الثاني: أخذوا بالطرف المرجوح جمعًا بينه وبين الراجح لقصد الاحتياط، ليكون لهم عُذرًا عند الله إن سألهم: لماذا أقلعتم عن الموعظة؟ ولما عسى أن يحصل من تقوى الموعوظين بزيادة الموعظة، فاستعمال حرف الرجاء في موقعه؛ لأن الرجاء يقال على جنسه بالتشكيك، فمنه قويٌ، ومنه ضعيف»46.
قال تعالى: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ)، أي: فلما نسي العادون المذنبون، ما ذكرهم ووعظهم به إخوانهم المتقون، بأن تركوه وأعرضوا عنه حتى صار كالمنسي في كونه لا تأثير له.
(ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ)، أي: عن العمل الذي تسوء عاقبته أي: أنجيناهم من العقاب الذي استحقه فاعلو السوء بظلمهم، (ﭱ ﭲ ﭳ)، وحدهم، (ﭴ ﭵ)، أي: شديد، من البأس وهو الشدة، أو البؤس، وهو المكروه أو الفقر، (ﭶ ﭷ ﭸ)، أي: بسبب فسقهم المستمر لا بظلمهم في الاعتداء في السبت فقط47.
رابعًا: الحرص على الحياة:
ذكر القرآن الكريم أن بني إسرائيل أحرص الناس على حياة.
قال تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [البقرة:٩٦].
بينت الآية أن بني إسرائيل أحرص الخلق على حياة وأشدهم كراهة للموت، لما يعلمون من مآلهم السيء وعاقبتهم عند الله الخاسرة؛ لأن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر48، فهم يودون لو تأخروا عن مقام الآخرة بكل ما أمكنهم، وما يحذرون واقع بهم لا محالة، (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ)، أي: أنك تجدهم في حال دعائهم إلى تمني الموت أحرص الناس على حياة، وعطف هذه الآية على قوله تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [البقرة:٩٥].
للإشارة إلى أن عدم تمنيهم الموت ليس على الوجه المعتاد عند البشر من كراهة الموت ما دام المرء بعافية، بل هم تجاوزوا ذلك إلى كونهم أحرص من سائر البشر على الحياة، (ﭳ ﭴ ﭵ) أي: حتى إنهم أحرص من جميع الناس حتى من الذين أشركوا، الذين لا يرجون بعثا ولا نشورا ولا نعيما فنعيمهم عندهم هو نعيم الدنيا، وفي هذا توبيخ وإيلام عظيم لهم، إذ أن المشركين لا يؤمنون ببعث ولا يعرفون إلا هذه الحياة، فحرصهم عليها ليس بالغريب، أما من يؤمن بكتاب ويقر بالجزاء فالأولى ألا يكون شديد الحرص عليها 49.
وقوله تعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) أي: يتمنى كل منهم أن يبقى على قيد الحياة ألف سنة أو أكثر، مع ما يعتري صاحب هذا العمر من سوء الحالة ورذالة العيش، لأنه يتوقع سخط الله وعقابه، فيرى أن الدنيا على ما فيها من الآلام والأكدار خير له مما يستيقن وقوعه في الآخرة، والعرب تضرب الألف مثلا للمبالغة في الكثرة، (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ)، أي: وما بقاؤه فيها بمنجيه ولا بمبعده من العذاب المعد له، فإن العمر مهما طال فهو منته لا محالة، (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) أي: والله عليم بخفيات أعمالهم، وبجميع ما يصدر منهم وهو مجازيهم به، فطول العمر لا يخرجهم من قبضته، ولا ينجيهم من عقابه، فالمرجع إليه، والأمر كله بيديه50.
قال الشنقيطي: «فاعلم أن الله قد أوضح هذا المعنى مبينا أن الإنسان لو متع ما متع من السنين، ثم انقضى ذلك المتاع وجاءه العذاب أن ذلك المتاع الفائت لا ينفعه، ولا يغني عنه شيئا بعد انقضائه وحلول العذاب محله، وذلك في قوله: (ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) [الشعراء:٢٠٥-٢٠٧].
وهذه هي أعظم آية في إزالة الداء العضال الذي هو طول الأمل، كفانا الله والمؤمنين شره»51.
وقال سيد قطب عند تفسير قوله تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [البقرة:٩٦]: «أية حياة، لا يهم أن تكون حياة كريمة ولا حياة مميزة على الإطلاق! حياة فقط! حياة بهذا التنكير والتحقير! حياة ديدان أو حشرات! حياة والسلام! إنها يهود، في ماضيها وحاضرها ومستقبلها سواء، وما ترفع رأسها إلا حين تغيب المطرقة، فإذا وجدت المطرقة نكست الرؤوس، وعنت الجباه جبنًا وحرصًا على الحياة.. أي حياة! (ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [البقرة:٩٦].
يود أحدهم لو يعمر ألف سنة، ذلك أنهم لا يرجون لقاء الله، ولا يحسون أن لهم حياة غير هذه الحياة، وما أقصر الحياة الدنيا وما أضيقها حين تحس النفس الإنسانية أنها لا تتصل بحياة سواها، ولا تطمع في غير أنفاس وساعات على الأرض معدودة، إن الإيمان بالحياة الآخرة نعمة، نعمة يفيضها الإيمان على القلب، نعمة يهبها الله للفرد الفاني العاني، المحدود الأجل الواسع الأمل وما يغلق أحد على نفسه هذا المنفذ إلى الخلود، إلا وحقيقة الحياة في روحه ناقصة أو مطموسة، فالإيمان بالآخرة- فوق أنه إيمان بعدل الله المطلق، وجزائه الأوفى- هو ذاته دلالة على فيض النفس بالحيوية، وعلى امتلاء بالحياة لا يقف عند حدود الأرض إنما يتجاوزها إلى البقاء الطليق، الذي لا يعلم إلا الله مداه، وإلى المرتقى السامي الذي يتجه صعدًا إلى جوار الله»52.
خامسًا: الإفساد في الأرض:
ذكر القرآن الكريم فساد بني إسرائيل في الأرض.
قال تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [الإسراء:٤-٧].
يخبر تعالى في هذه الآية الكريمة أنه قضى إلى بني إسرائيل، أي: تقدم إليهم وأخبرهم في الكتاب الذي أنزله عليهم أنهم سيفسدون في الأرض مرتين ويعلون علوًا كبيرًا، أي: يتجبرون ويطغون ويفجرون على الناس، ويعصون الله تعالى ويخالفون أوامره، وأنهم سيعلون في الأرض المقدسة ويسيطرون عليها، وكلما ارتفعوا زادوا في الإفساد في الأرض.
وقوله: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ)، أي: أولى الإفسادتين، (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ)، أي: سلطنا عليكم جندا من خلقنا أولي بأس شديد، أي: قوة وعدة وسلطة شديدة، (ﮙ ﮚ ﮛ)، أي: تملكوا بلادكم وسلكوا خلال بيوتكم، أي: بينها ووسطها، وانصرفوا ذاهبين وجائين لا يخافون أحدا، (ﮝ ﮞ ﮟ)، أي: مقضيا لا صارف له53.
وقوله: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ)، أي: الدولة والغلبة بعد هذه العقوبة الشديدة، (ﮥ)، على الذين بعثوا عليكم حين تبتم ورجعتم عن الفساد والعلو، قيل: هي قتل بختنصر واستنقاذ بني إسرائيل أسراهم وأموالهم ورجوع الملك إليهم، وقيل: أعدنا لكم الدولة بملك طالوت وقتل داود جالوت.
(ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ)، مما كنتم وهو تمييز جمع نفر وهو من ينفر مع الرجل من قومه54.
ثم قال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ)، أي: فعليها.
وقوله: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ)، أي: المرة الآخرة، أي: إذا أفسدتم المرة الثانية وجاء أعداؤكم، (ﯛ ﯜ)، أي: يهينوكم ويقهروكم، (ﯝ ﯞ) أي بيت المقدس، (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) أي: في التي جاسوا فيها خلال الديار، (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ)، أي: يدمروا ويخربوا ما ظهروا عليه.
(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ) [الإسراء:٨]، أي: فيصرفهم عنكم.
(ﭖ ﭗ ﭘ)، أي: متى عدتم إلى الإفساد الذي تقدم منكم، عدنا للعقوبة فعاقبناكم في الدنيا بمثل ما عاقبناكم به في المرتين الأوليين، مع ما ندخره لكم في الآخرة من العذاب والنكال.
ولهذا قال تعالى: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [الإسراء:٨]، أي: مستقرا وسجنا لا محيد لهم عنه55.
قال ابن كثير: «وقد اختلف المفسرون من السلف والخلف في هؤلاء المسلطين عليهم: من هم؟
فعن ابن عباس وقتادة: أنه جالوت الجزري وجنوده، سلط عليهم أولًا ثم أديلوا عليه بعد ذلك، وقتل داود جالوت؛ ولهذا قال: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [الإسراء:٦].
وعن سعيد بن جبير: أنه ملك الموصل سنجاريب وجنوده، وعنه أيضا، وعن غيره: أنه بختنصر ملك بابل، ثم قال: وقد وردت في هذا آثار كثيرة إسرائيلية لم أر تطويل الكتاب بذكرها؛ لأن منها ما هو موضوع، من وضع بعض زنادقتهم، ومنها ما قد يحتمل أن يكون صحيحا، ونحن في غنية عنها، ولله الحمد، وفيما قص الله تعالى علينا في كتابه غنية عما سواه من بقية الكتب قبله، ولم يحوجنا الله ولا رسوله إليهم، وقد أخبر الله تعالى أنهم لما بغوا وطغوا سلط الله عليهم عدوهم، فاستباح بيضتهم، وسلك خلال بيوتهم وأذلهم وقهرهم، جزاء وفاقا، وما ربك بظلام للعبيد؛ فإنهم كانوا قد تمردوا وقتلوا خلقا من الأنبياء والعلماء»56.
والذي عليه أكثر المفسرين أن هاتين المرتين قد وقعتا بالفعل، وأن إحداهما كانت عند الأسر البابلي، على يد بختنصر، الذي استولى على دولة بني إسرائيل ودمرها تدميرا، وهدم بيت المقدس، وساق القوم أسرى إلى بابل، وأما المرة الثانية، فكانت بعد أن قتلوا النبي أرميا، وقيل بعد أن قتلوا النبي يحيا57.
ويرى بعض المفسرين المعاصرين أن المرة الأولى وقعت عند دخول المسلمين المسجد الأقصى في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد ظل في أيديهم إلى أن دخله بنو إسرائيل في هذه الأيام، من عام ألف وثلاثمائة وسبعة وثمانين للهجرة، واليوم المسجد الأقصى في يد بني إسرائيل ويعيثون فيه أنواع البغي والعدوان، والإفساد في الأرض، بنسف الدور، وبقتل الأطفال والنساء، بلا وازع من حياء أو ضمير، وبلا خوف من قوة رادعة في الأرض، أو في السماء! المرة الثانية إذن هي ما فيه إسرائيل الآن، من فساد في الأرض، وعلو واستكبار، فساد إلى أبعد مداه، وعلو واستكبار إلى غاية حدودهما58.
تظهر قصة بني إسرائيل مع موسى عليه السلام وفرعون من خلال النقاط الآتية:
أولًا: قصتهم مع فرعون:
١. عذاب فرعون لهم.
ذكر القرآن الكريم تعذيب فرعون لبني إسرائيل، قال تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [الأعراف:١٤١].
وقال سبحانه: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [القصص:٤].
بينت هاتان الآيتان الصورة القبيحة لفرعون، وهي أنه تجبر وطغى وجاوز الحد في الظلم، واستكبر وافتخر بنفسه ونسي العبودية، وقوله: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ)، معنى العلو هنا الكبر، وهو المذموم من العلو المعنوي، ومعناه: أن يستشعر نفسه عاليا على موضع غيره ليس يساويه أحد، فالعلو مستعار لمعنى التفوق على غيره، غير محقوق لحق من دين أو شريعة أو رعي حقوق المخلوقات معه، فإذا استشعر ذلك لم يعبأ في تصرفاته برعي صلاح وتجنب فساد وضر، وإنما يتبع ما تحدوه إليه شهوته وإرضاء هواه، وحسبك أن فرعون كان يجعل نفسه إلها وأنه ابن الشمس، (ﮱ ﯓ)، في أرض مصر، وعلا أهلها وقهرهم، حتى أقروا له بالعبودية، وفي التعبير بالأرض تبكيت عليه، أي: علا في محل التذلل والانخفاض، وصورت عظمة فرعون في الدنيا، بقوله: (ﮰ ﮱ ﯓ)، لتكون العبرة بهلاكه بعد ذلك العلو أكبر العبر 59.
وقوله تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ)، والشيع: جمع شيعة، والشيعة: الجماعة التي تشايع غيرها على ما يريد، أي تتابعه وتطيعه وتنصره على ما يريد، ولا يملك أحد منهم أن يلوي عنقه، أي: فرقًا مختلفة يكرم طائفة ويهين أخرى فأكرم القبطي وأهان الإسرائيلي وجعل كل طائفة تمتهن من هي تحتها، (ﯗ ﯘ ﯙ)، من أهل مصر هم بنو إسرائيل، وقد بالغ فرعون في استضعاف بني إسرائيل، فجعل بعضهم ينقل الحجارة من الجبل، وبعضهم يعملون له عمل النجارة، وبعضهم أعمال الطين، ومن كان لا يصلح لشيء من أعماله يأخذ منه كل يوم ضريبة درهما، فإذا غربت الشمس، ولم يأت بالضريبة غلت عليه يده اليمنى إلى عنقه، ويأمره بأن يعمل بشماله هكذا شهرًا، وأشار بقوله: (ﯘ)، إلى أنه استضعف بني إسرائيل كاملًا، فأفاد ذلك أن الاستضعاف ليس جاريا على أشخاص معينين لأسباب تقتضي استضعافهم ككونهم ساعين بالفساد، أو ليسوا أهلا للاعتداد بهم لانحطاط في أخلاقهم وأعمالهم، بل جرى استضعافه على اعتبار العنصرية والقبلية.
(ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ)، أي: يأمر بذبح الذكور، ويترك البنات أحياء للخدمة، وإسناد الذبح إليه مجاز عقلي، وقصده من ذلك أن لا تكون لبني إسرائيل قوة من رجال قبيلتهم، حتى يكون النفوذ في الأرض لقومه خاصة، وسبب ذبح الأبناء: أن كاهنا قال له: يولد مولود في بني إسرائيل يذهب ملكك على يده.
وفيه دليلٌ بَيِنٌ على ثخانة حُمق فرعون، فإنه إن صدق الكاهن لم يدفع القتل الكائن، وإن كذب فما وجه القتل؟ ويستحيي النساء، أي يستبقي حياة الإناث من الأطفال، فأطلق، عليهم اسم النساء باعتبار المآل إيماء إلى أنه يستحييهن ليصرن نساء فتصلحن لما تصلح له النساء، وهو أن يصرن بغايا إذ ليس لهن أزواج، وإذ كان احتقارهن بصد قومه عن التزوج بهن فلم يبق لهن حظ من رجال القوم إلا قضاء الشهوة، وباعتبار هذا المقصد انقلب الاستحياء مفسدة بمنزلة تذبيح الأبناء إذ كل ذلك اعتداء على الحق60.
وقوله: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ)، أي: إن الفساد مستحكم متغلغل في أطواء نفسه، وقد بعثه على جعل الأمة متفرقة، وتحكيم طائفة من طائفة، فأغرى بينهم العداوة والبغضاء، يحس كل فريق منهم بأنه مظلوم، وظالمه هو الفريق الآخر، يتظالمون فيما بينهم ويتعادون؛ ليتمكن الظالم من ظلمهم والتحكم في رقابهم، وأن يقول لهم: أنا ربكم الأعلى، ولا ينكر أحد، ولو في قلبه؛ لأن كل فريق يتهم الآخر بأنه عين عليه، ويريد النكاية به، وقد أكد سبحانه وصف الإفساد فيهم بأن وبكان الدالة على أن الفساد كان في الماضي، ومستمر في الحاضر، ودال على شدة تمكن الإفساد من خلقه ولفعل الكون إفادة تمكن خبر الفعل من اسمه 61.
٢. نجاتهم منه.
ذكر القرآن الكريم نجاة بني إسرائيل من فرعون.
قال تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [الدخان:٣٠-٣٣].
وقال سبحانه: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [طه:٨٠-٨٢].
ذكر جل وعلا في هذه الآيات الكريمة امتنانه على بني إسرائيل في نجاتهم وهلاك عدوهم، فبعد تصوير الله تعالى طغيان فرعون، وأنه إذا وصل الطغيان إلى أقصى حده كانت النهاية؛ وإرادة الله سبحانه فوق كل إرادة، ولو كانت طغيان فرعون، ولا شك أن إزالة المضرة يجب أن تكون متقدمة على إيصال المنفعة، ولا شك أن إيصال المنفعة الدينية أعظم في كونه نعمة من إيصال المنفعة الدنيوية.
فلهذا بدأ الله تعالى بقوله: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ)، وهو إشارة إلى إزالة الضرر، فإن فرعون كان ينزل بهم من أنواع الظلم كثيرًا من القتل والإذلال والإخراج والإتعاب في الأعمال، ثم ثنى بذكر المنفعة الدينية وهي قوله: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ).
ووجه المنفعة فيه أنه أنزل في ذلك الوقت عليهم كتابا فيه بيان دينهم وشرح شريعتهم، وتعدية واعدناكم إلى ضمير جماعة بني إسرائيل، وإن كانت مواعدة لموسى ومن معه الذين اختارهم من قومه، باعتبار أن المقصد من المواعدة وحي أصول الشريعة التي تصير صلاحا للأمة، فكانت المواعدة مع أولئك كالمواعدة مع جميع الأمة، ثم ثلث بذكر المنفعة الدنيوية، وهي قوله: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ).
ثم زجرهم عن العصيان، بقوله: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ)، ثم بين أن من عصى ثم تاب كان مقبولا عند الله، بقوله: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ)، وهذا بيان المقصود من الآية 62.
وقوله تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ)، والمن: هو مادة حلوة تتجمع على أوراق الشجر، وقيل: هو الترنجين، وقيل: المن ما يمن الله به من غير تعب ولا نصب، والسلوى: طائر كالسماني، وذكر إنه كان يأتيهم من هذين ما فيه كفايتهم، والسلوى وهو طائر السماني يساق إليهم في الصحراء، قريب المتناول سهل التناول، كان نعمة من الله ومظهرا لعنايته بهم في الصحراء الجرداء، وهو يتولاهم حتى في طعامهم اليومي فييسره لهم من أقرب الموارد63.
قال الشنقيطي: «والأظهر عندي في المن: أنه اسم جامع لما يمن الله به على عبده من غير كد ولا تعب، فيدخل فيه الترنجبين الذي من الله به على بني إسرائيل في التيه، ويشمل غير ذلك مما يماثله، ويدل على هذا قوله: صلى الله عليه وسلم الثابت في الصحيحين: (الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين)64 والأظهر عندي في السلوى: أنه طائر، سواء قلنا إنه السمانى، أو طائر يشبهه، لإطباق جمهور العلماء من السلف، والخلف على ذلك. مع أن السلوى، يطلق لغة على العسل، كما بينا»65.
وقوله تعالى: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ)، أي: كلوا من هذا الرزق الذي رزقتكم، ولا تطغوا في رزقي، فتأخذوه من غير حاجة، وتخالفوا ما آمركم به، (ﮊ ﮋ ﮌ)، يعني يجب عليكم غضبي، (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ)، يعني هلك وسقط في النار، (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ)، قال ابن عباس: تاب عن الشرك، (ﮙ)، يعني وحد الله وصدق رسوله، (ﮚ ﮛ)، يعني أدى الفرائض، (ﮜ ﮝ)، قال ابن عباس: علم أن ذلك توفيق من الله تعالى، وقيل: لزم الإسلام حتى مات عليه، وقيل: علم أن لذلك ثوابا، وقيل: أقام على السنة66.
ثانيًا: مواقف من قصتهم مع موسى عليه السلام:
من مواقف بني إسرائيل مع موسى عليه السلام ما يأتي:
١. طلبهم اتخاذ الآلهة.
ذكر القرآن الكريم أن بني إسرائيل طلبوا من موسى اتخاذ آلهة.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [الأعراف:١٣٨-١٤٠].
بَيَنَتْ الآيات جهل بني إسرائيل وسفاهة عقولهم وأنهم قوم لا تؤثر فيهم الآيات والمواعظ والعبر، فيخبر تعالى عما قاله جهلة بني إسرائيل لموسى عليه السلام، حين جاوزوا البحر، وقد رأوا من آيات الله وعظيم سلطانه ما رأوا.
(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ)، أي: إنهم تجاوزوه بعناية الله وتأييده، فكأنه معهم بذاته فجاوزه مصاحبا لهم.
(ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ)، فأتوا عقب تجاوزهم إياه ودخولهم في بلاد العرب من البحر الأسيوي، على قوم يعبدون أصناما لهم، والقوم هم الكنعانيون ويقال لهم عند العرب العمالقة.
والعكوف: الملازمة بنية العبادة.
واختير طريق التنكير في أصنام ووصفه بأنها لهم، - أي: القوم - دون طريق الإضافة ليتوسل بالتنكير إلى إرادة تحقير الأصنام وأنها مجهولة، لأن التنكير يستلزم خفاء المعرفة، وإنما وصفت الأصنام بأنها لهم ولم يقتصر على قوله: (ﭚ)، زيادة تشنيع بهم وتنبيه على جهلهم وغوايتهم في أنهم يعبدون ما هو ملك لهم فيجعلون مملوكهم إلاههم 67.
وقوله تعالى: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ)، حنينا منهم إلى ما ألفوا في مصر من عبادة المصريين وتماثيلها وأنصابها وقبورها، ونداؤهم موسى وهو معهم مستعمل في طلب الإصغاء لما يقولونه، إظهارا لرغبتهم فيما سيطلبون، وسموا الصنم إلاها لجهلهم، فهم يحسبون أن اتخاذ الصنم يجدي صاحبه، كما لو كان إلاهه معه.
وهذا يدل على أن بني إسرائيل قد انخلعوا في مدة إقامتهم بمصر عن عقيدة التوحيد وحنيفية إبراهيم ويعقوب التي وصى بها في قوله تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [البقرة:١٣٢]؛ لأنهم لما كانوا في حال ذل واستعباد ذهب علمهم وتاريخ مجدهم واندمجوا في ديانة الغالبين لهم، فلم تبق لهم ميزة تميزهم إلا أنهم خدم وعبيد.
والتشبيه في قوله: (ﭢ ﭣ ﭤ)، أرادوا به حض موسى على إجابة سؤالهم، وابتهاجا بما رأوا من حال القوم الذين حلوا بين ظهرانيهم، وكفى بالأمة خسة عقول أن تعد القبيح حسنا، وأن تتخذ المظاهر المزينة قدوة لها، وأن تنخلع عن كمالها في اتباع نقائص غيرها68.
وقوله تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ)، أي: تجهلون عظمة الله وقوة سلطانه ولا تقدرون نعمه، أتريدون أن تشركوا بالله وتكفروا نعمه بعد أن نجاكم.
وكان جواب موسى لهم بعنف وغلظة، لأن ذلك هو المناسب لحالهم، والجهل: انتفاء العلم، أو تصور الشيء على خلاف حقيقته، والمراد جهلهم بمفاسد عبادة الأصنام، وكان وصف موسى إياهم بالجهالة مؤكدا لما دلت عليه الجملة الاسمية من كون الجهالة صفة ثابتة فيهم وراسخة من نفوسهم، ولولا ذلك لكان لهم في بادئ النظر زاجر عن مثل هذا السؤال، فالخبر مستعمل في معنييه: الصريح والكناية، مكنى به عن التعجب من فداحة جهلهم.
وفي الإتيان بلفظ (ﭨ)، وجعل ما هو مقصود بالإخبار وصفا لقوم، تنبيه على أن وصفهم بالجهالة كالمتحقق المعلوم الداخل في تقويم قوميتهم، وفي الحكم بالجهالة على القوم كلهم تأكيد للتعجب من حال جهالتهم وعمومها فيهم بحيث لا يوجد فيهم من يشذ عن هذا الوصف مع كثرتهم، ولأجل هذه الغرابة أكد الحكم (بإن)؛ لأن شأنه أن يتردد في ثبوته السامع69.
وبعد أن بين لهم جهلهم وسفههم، بين لهم فساد ما طلبوه عسى أن تستعد عقولهم لفهمه واستبانة قبحه، فقال: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ)، أي: إن هؤلاء القوم الذين يعكفون على هذه الأصنام مقضى على ما هم فيه بالتبار بما سيظهر من التوحيد الحق في هذه الديار، وزائل ما كانوا يعملون من عبادة غير الله ذي الجلال، فإنما بقاء الباطل في ترك الحق له وبعده عنه.
وفي هذا بشارة منه عليه السلام بزوال الوثنية من تلك الأرض.
ثم انتقل إلى بيان أن العبادة لغير الله لا تصح، (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ)، أي: قال لهم موسى: أأطلب لكم معبودا غير الله رب العالمين وخالق السموات والأرض، وقد فضلكم على العالمين بما جدد فيكم من التوحيد وهداية الدين، فماذا تبغون من عبادة غيره معه أو من دونه؟
والاستفهام بقوله: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ)، للإنكار والتعجب من طلبهم أن يجعل لهم إلاها غير الله، وقد أولي المستفهم عنه الهمزة للدلالة على أن محل الإنكار هو اتخاذ غير الله إلاها، فتقديم المفعول الثاني للاختصاص، للمبالغة في الإنكار، أي: اختصاص الإنكار ببغي غير الله إلاها70.
ثم بَيَنَ لهم إنكاره طلب آلهة غير الله بما يعرفون من فضل الله عليهم، بتفضيلهم على أهل زمانهم ممن كانوا أرقى منهم مدنية وحضارة وسعة ملك وسيادة على بعض الشعوب، وهم فرعون وقومه، بقوله: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ)، جملة في موضع الحال، وحين كان عاملها محل إنكار باعتبار معموله، كانت الحال أيضا داخلة في حيز الإنكار، ومقررة لجهته.
وظاهر صوغ الكلام على هذا الأسلوب أن تفضيلهم على العالمين كان معلوما عندهم لأن ذلك هو المناسب للإنكار، ويحتمل أنه أراد إعلامهم بذلك وأنه أمر محقق، ومجيء المسند فعليا: ليفيد تقديم المسند إليه عليه تخصيصه بذلك الخبر الفعلي، أي: وهو فضلكم، لم تفضلكم الأصنام، فكان الإنكار عليهم تحميقا لهم في أنهم مغمورون في نعمة الله ويطلبون عبادة ما لا ينعم.
والمراد بالعالمين: أمم عصرهم، وتفضيلهم عليهم بأنهم ذرية رسول وأنبياء، وبأن منهم رسلا وأنبياء، وبأن الله هداهم إلى التوحيد والخلاص من دين فرعون بعد أن تخبطوا فيه، وبأنه جعلهم أحرارًا بعد أن كانوا عبيدًا، وساقهم إلى امتلاك أرض مباركة وأيدهم بنصره وآياته، وبعث فيهم رسولا ليقيم لهم الشريعة، وهذه الفضائل لم تجتمع لأمة غيرهم يومئذ، ومن جملة العالمين هؤلاء القوم الذين أتوا عليهم، وذلك كناية عن إنكار طلبهم اتخاذ أصنام مثلهم، لأن شأن الفاضل أن لا يقلد المفضول، لأن اقتباس أحوال الغير يتضمن اعترافا بأنه أرجح رأيا وأحسن حالا، في تلك الناحية71.
قال سيد قطب: عند تفسير قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [الأعراف:١٣٨].
«إنها العدوى تصيب الأرواح كما تصيب الأجسام! ولكنها لا تصيبها حتى يكون لديها الاستعداد والتهيؤ والقابلية، وطبيعة بني إسرائيل- كما عرضها القرآن الكريم عرضًا صادقًا دقيقًا أمينًا في شتى المناسبات- طبيعة مخلخلة العزيمة، ضعيفة الروح، ما تكاد تهتدي حتى تضل، وما تكاد ترتفع حتى تنحط، وما تكاد تمضي في الطريق المستقيم حتى ترتكس وتنتكس.. ذلك إلى غلظ في الكبد، وتصلب عن الحق، وقساوة في الحس والشعور! وهاهم أولاء على طبيعتهم تلك، هاهم أولاء ما يكادون يمرون بقوم يعكفون على أصنام لهم حتى ينسوا تعليم أكثر من عشرين عامًا منذ أن جاءهم موسى- عليه السلام- بالتوحيد- فقد ذكرت بعض الروايات أنه أمضى في مصر ثلاثة وعشرين عامًا منذ أن واجه فرعون وملأه برسالته إلى يوم الخروج من مصر مجتازًا ببني إسرائيل البحر- بل حتى ينسوا معجزة اللحظة التي أنقذتهم من فرعون وملئه وأهلكت هؤلاء أجمعين!»72.
٢. عبادتهم للعجل.
ذكر القرآن الكريم عبادة بني إسرائيل العجل.
قال تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [البقرة:٥١-٥٢].
وقال سبحانه: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [البقرة:٩٢-٩٣].
وقال جل وعلا: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [الأعراف:١٤٨-١٥٣].
يخبر تعالى عن ضلال من ضل من بني إسرائيل في عبادتهم العجل الذي اتخذه لهم السامري، ونسب الاتخاذ إلى قوم موسى كلهم على طريقة المجاز العقلي، لأنهم الآمرون باتخاذه والحريصون عليه، وقد أضافهم الله إلى موسى هكذا: (ﮬ ﮭ)، تذكيرًا لهم بتلك الآيات التي أجراها الله على يديه، تلك الآيات التي لم يكن لهم منها عبرة أو عظة.
وفي هذا توبيخ لهم، واسترذال لعقولهم، وأنه ما كان لقوم ينتسبون إلى موسى الذي جاءهم بهذا الخير الكثير، وبتلك الآيات المشرقة، أن يفعلوا هذا الفعل المنكر الذي فعلوه.
(ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ)، من حلي القبط الذي كانوا استعاروه منهم فشكل لهم منه عجلًا جسدًا لا روح فيه، وقد احتال بإدخال الريح فيه، حتى صار يسمع له خوار، أي صوت كصوت البقر، وإنما أضاف الصوت إليه، لأنه كان محله عند دخول الريح جوفه، وكان هذا منهم بعد ذهاب موسى لميقات ربه تعالى، وأعلمه الله تعالى بذلك وهو على الطور.
قال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [طه:٨٥]73.
وقوله تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ)، جملة استفهامية للتقرير وللتعجيب من حالهم، وقد سفه رأي الذين اتخذوا العجل إلاهًا، بأنهم يشاهدون أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا، ووجه الاستدلال بذلك على سفه رأيهم هو أنهم لا شبهة لهم في اتخاذه إلاهًا بأن خصائصه خصائص العجماوات، فجسمه جسم عجل، وهو من نوع ليس أرقى أنواع الموجودات المعروفة، وصوته صوت البقر، وهو صوت عمى الجهل والضلال.
وقوله: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ)، أي: ندموا على ما فعلوا، (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ)، ولما اشتد ندمهم وازدادت حسرتهم على ما فرط منهم في جنب الله وعلموا أنهم قد ضلوا ضلالا بعيدا بعبادة العجل، (ﯴ ﯵ ﯶ)، أي: من الهالكين وهذا اعتراف منهم بذنبهم والتجاء إلى الله عز وجل74.
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ)، أي: حزينا على ما صنع قومه من بعده، (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ)، أي: بئس خلافة خلفتمونيها حيث عبدتم العجل مكان عبادة الله، أو حيث لم تكفوا من عبد غير الله، وقد كنت لقنتكم التوحيد، وكففتكم عن الشرك وبينت لكم فساده وسوء مغبته وحذرتكم صنيع القوم الذين كانوا يعكفون على أصنام لهم من تماثيل البقر، وقد كان من الحق عليكم أن تقتفوا أثرى، وتتبعوا سيرتى بيد أنكم سلكتم ضد ذلك، فصنعتم صنما كأحد أصنامهم فعبده بعضكم ولم يردعكم عن ذلك باقيكم، (ﭞ ﭟ ﭠ)، أي: استعجلتم ميعاد ربكم، ويقال: أعصيتم أمر ربكم، ويقال: معناه أعجلتم بالفعل الذي استوجبتم به عقوبة ربكم، (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ)، أي: وطرح الألواح من يديه وأخذ برأس أخيه يجره إليه بذؤابته ظنا منه أنه قد قصر في ردعهم وتأنيبهم وكفهم عن عبادة العجل كما فعل هو بتحريقه وإلقائه في اليم إن قدر، أو أن يتبعه إلى جبل الطور إن لم يستطع، كما حكى الله تعالى عنه: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [طه:٩٢-٩٣].
أي: ما منعك أن تتبعني في الغضب لله وشدة الزجر عن الكفر والمعاصي؟ وهلا قاتلت من كفر بمن آمن؟ ومالك لم تباشر الأمر كما كنت أباشره أنا لو كنت شاهدًا؟75.
ثم ذكر سبحانه جواب هارون لموسى فقال: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ)، أي: يا ابن أمي لا تعجل بلومي وتعنيفي وتظنن تقصيري في جنب الله فإني لم آل جهدا في الإنكار على القوم والنصح لهم، لكنهم قد استضعفوني ولم يرعووا لنصحى ولم يمتثلوا لأمرى بل أوشكوا أن يقتلوني.
(ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ)، أي: فلا تفعل بي من اللوم والتقريع ما يجعل الأعداء يشمتون بي، ولا تجعلني في زمرة القوم الظالمين لأنفسهم، وهم الذين عبدوا العجل فتغضب منى كما غضبت منهم وتؤاخذني كما اخذتهم، فإني لست منهم في شيء، وفى هذا دليل على أن هرون كان دون موسى في شدة العزيمة وقوة الإرادة وأخذ الأمور بالحزم، وهذا ما أطبق عليه المسلمون وأهل الكتاب.
ثم أبان سبحانه أثر هذا الاستعطاف في قلب موسى عليه السلام، فقال: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ)، أي: قال رب اغفر لي ما فرط منى من قول وفعل فيهما غلظة وجفاء، واغفر له ما عساه يكون قد قصر فيه من مؤاخذة القوم على ما اجترموه من الآثام خوفا مما توقعه من الإيذاء الذي قد يصل إلى القتل.
(ﮁ ﮂ ﮃ)، التي وسعت كل شيء واغمرنا بجودك وفضلك فأنت أرحم بعبادك من كل رحم، والآية صريحة في براءة هرون من جريمة اتخاذ العجل وفى إنكاره على متخذيه76.
وقوله تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ)، أي: إن الذين بقوا على اتخاذ العجل واستمروا عليه كالسامري وأشياعه- سيصيبهم غضب من ربهم بألا يقبل توبتهم إلا إذا قتلوا أنفسهم، وذلة عظيمة في الحياة الدنيا بالخروج من الديار والغربة عن الوطن.
(ﮖ ﮗ ﮘ)، أي: ومثل هذا الجزاء في الدنيا نجزى المفترين على الله في كل زمان إذا فضحوا بظهور افترائهم كما فضح هؤلاء، قال الحسن البصري: إن ذل البدعة على أكتافهم وإن هملجت بهم البغال وطقطقت بهم البراذين77.
٣. طلبهم رؤية الله.
ذكر القرآن الكريم أن بني إسرائيل طلبوا من موسى عليه السلام أن يروا الله جهرة، وأن يشاهدوه بعيونهم.
قال تعالى: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [البقرة:٥٥-٥٦].
بينت الآيتان عنجهية وعجرفة بني إسرائيل وتجرؤهم على الله تعالى، وأن النعم والآيات لم تزدهم إلا كبرًا وبطرًا، حيث طلبوا من موسى عليه السلام أن يروا الله تعالى جهرةً، وإنما قالوا: جهرة، توكيدًا للرؤية لئلا يتوهم متوهم أن المراد بالرؤية العلم، ووجه الخطاب ليهود المدينة وهم لم يفعلوا ذلك وإنما فعله أسلافهم، وذلك لمتابعتهم لهم على تصويبهم في تلك الأفعال.
وقولهم: (ﮭ ﮮ ﮯ)، يحتمل أنهم توقعوا الكفر إن لم يروا الله تعالى، أي أنهم يرتدون في المستقبل عن إيمانهم الذي اتصفوا به من قبل، ويحتمل أنهم أرادوا الإيمان الكامل الذي دليله المشاهدة، أي: أن أحد هذين الإيمانين ينتفي إن لم يروا الله جهرة، وليس في الآية ما يدل على أنهم كفروا حين قولهم هذا، ولكنها دالة على عجرفتهم وقلة اكتراثهم بما أوتوا من النعم وما شاهدوا من المعجزات حتى راموا أن يروا الله جهرة، وإن لم يروه دخلهم الشك في صدق موسى وهذا كقول القائل إن كان كذا فأنا كافر، وليس في القرآن ولا في غيره ما يدل على أنهم قالوا ذلك عن كفر، وإنما عدى نؤمن باللام لتضمينه معنى الإقرار بالله ولن نقر لك بالصدق والذي دل على هذا الفعل المحذوف هو اللام وهي طريقة التضمين78.
وقوله تعالى: (ﯕ ﯖ)، أي: تموتون، والصاعقة: نار كهربائية من السحاب تحرق من أصابته، وقد لا تظهر النار ولكن يصل هواؤها إلى الأحياء فيختنقون بسبب ما يخالط الهواء الذي يتنفسون فيه من الحوامض الناشئة عن شدة الكهربائية، وقد قيل: إن الذي أصابهم نار، وقيل: سمعوا صعقة فماتوا.
(ﯗ ﯘ)، أي: وأنتم ينظر بعضكم إلى بعض، وقيل: تحدقون الأنظار عند رؤية السحاب على جبل الطور طمعا أن يظهر لهم الله من خلاله؛ لأنهم اعتادوا أن الله يكلم موسى كلاما يسمعه من خلال السحاب كما تقوله التوراة في مواضع، ففائدة الحال إظهار أن العقوبة أصابتهم في حين الإساءة والعجرفة إذ طمعوا فيما لم يكن لينال لهم79.
وقوله تعالى: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ)، يرى بعض المفسرين أن الله أحياهم بعد أن وقع فيهم الموت بالصاعقة وغيرها ليستوفوا بقية آجالهم وأرزاقهم، وكانت تلك الموتة لهم كالسكتة القلبية لغيرهم، ويرى آخرون أن المراد بالبعث كثرة النسل، أي: إنه بعد أن وقع فيهم الموت بشتى الأسباب وظن أنهم سينقرضون، بارك الله في نسلهم ليعد الشعب بالبلاء السابق للقيام بحق الشكر على النعم التي تمتع بها الآباء الذين حل بهم العذاب بكفرهم لها.
(ﯟ ﯠ)، نعمة البعث بعد الموت، أو نعمة الله بعد ما كفرتموها إذا رأيتم بأس الله في رميكم بالصاعقة وإذاقتكم الموت 80.
قال سيد قطب عند تفسير قوله تعالى: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [البقرة:٥٥-٥٦]: «إن الحس المادي الغليظ هو وحده طريقهم إلى المعرفة، أم لعله التعنت والمعاجزة، والآيات الكثيرة، والنعم الإلهية، والعفو والمغفرة، كلها لا تغير من تلك الطبيعة الجاسية، التي لا تؤمن إلا بالمحسوس، والتي تظل مع ذلك تجادل وتماحل ولا تستجيب إلا تحت وقع العذاب والتنكيل، مما يوحي بأن فترة الإذلال التي قضوها تحت حكم فرعون الطاغية قد أفسدت فطرتهم إفسادًا عميقًا، وليس أشد إفسادًا للفطرة من الذل الذي ينشئه الطغيان الطويل، والذي يحطم فضائل النفس البشرية، ويحلل مقوماتها، ويغرس فيها المعروف من طباع العبيد: استخذاء تحت سوط الجلاد، وتمردًا حين يرفع عنها السوط، وتبطرًا حين يتاح لها شيء من النعمة والقوة، وهكذا كانت إسرائيل، وهكذا هي في كل حين»81.
ثالثًا: قصتهم مع التيه:
١. امتناعهم عن دخول الأرض المقدسة.
ذكر القرآن الكريم امتناع بني إسرائيل من دخول الأرض المقدسة.
قال تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [المائدة:٢٠-٢٦].
إن هذه الآيات تصور اللحظات الأخيرة التي عاشها موسى عليه السلام مع بني إسرائيل، فها هو ذا يدعوهم إلى خير ساقه الله إليهم، ويوجههم إلى دار أمن وقرار وعدهم الله بها، وقدم موسى عليه السلام أمره لبني إسرائيل بدخول الأرض المقدسة بتذكيرهم بنعمة الله عليهم ليهيء نفوسهم إلى قبول هذا الأمر العظيم عليهم وليوثقهم بالنصر إن قاتلوا أعداءهم، فذكر نعمة الله عليهم، (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ).
فقد جعل الله فيهم أنبياء وملوكا، وملوكا أنبياء، يجمعون بين سلطان الدنيا والدين، كما كان ذلك لداود وسليمان عليهما السلام، الأمر الذي لم يكن لأنبياء من قبل، ولا لملوك في الأرض، وموقع النعمة في إقامة الأنبياء بينهم أن في ذلك ضمان الهدى لهم والجري على مراد الله تعالى منهم، وفيه أيضا حسن ذكر لهم بين الأمم وفي تاريخ الأجيال82.
وقوله تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ)، أي: أنه آتاهم ما لم يؤت أحدا من العالمين، أي عالمي زمانهم وشعوبه التي كانت مستعبدة للطغاة من الملوك فقد خصهم بأنواع عظيمة من الإكرام، فقد فلق البحر لهم وأهلك عدوهم، وأورثهم أموالهم، وأنزل عليهم المن والسلوى، وأظل فوقهم الغمام، وهذا من شأنه يقوى صلتهم بالله، ويوثق إيمانهم به، ولكن كانت هذه النعم أسلحة يحاربون بها الله، ومعاول يهدمون بها معالم الحق، ومنارات الهدى83.
وبعد أن ذكرهم موسى بهذه النعم وشرحها لهم أمرهم بمجاهدة العدو، وأبان لهم أن الله ناصرهم ما نصروه، فقال: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ)، وكرر اللفظ الذي ابتدأ به مقالته وهو النداء بـ (ﮫ)؛ لزيادة استحضار أذهانهم، والأمر بالدخول أمر بالسعي في أسبابه، أي تهيأوا للدخول، والأرض المقدسة المباركة المطهرة من الوثنية، لما بعث الله فيها من الأنبياء الدعاة إلى التوحيد، أو لأنها قدست بدفن إبراهيم الخليل عليه السلام، وهذه الأرض هي أرض فلسطين، وفي وصفها بـ (ﮯ ﮰ ﮱ)، أي: كتب الله في اللوح المحفوظ إنها لكم مساكن، وقيل: فرض الله عليكم دخولها وأمركم بسكناها، يريد به ما وعد الله به إبراهيم من حق السكنى في تلك البلاد المقدسة، لا أن المراد أنها تكون كلها ملكا لهم لا يزاحمهم فيها أحد، لأن هذا مخالف للواقع، ولن يخلف الله وعده، فاستنباط اليهود من ذلك الوعد أنه لا بد أن يعود لهم ذلك الملك ليس بصحيح وذلك أن الله وعد إبراهيم أن يورثها ذريته، ووعد الله لا يخلف.
(ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ)، تحذير مما يوجب الانهزام، لأن ارتداد الجيش على الأعقاب من أكبر أسباب الانخذال، والارتداد افتعال من الرد، يقال: رده، فارتد، والرد: إرجاع السائر عن الإمضاء في سيره وإعادته إلى المكان الذي سار منه 84.
وقوله تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ)، وأرادوا بالقوم الجبارين في الأرض سكانها الكنعانيين، والعمالقة، والحثيين، واليبوسيين، والأموريين، والجبار لغة: الطويل القوى المستكبر العاتي المتمرد الذي يجبر غيره على ما يريد، فامتنعوا من اقتحام القرية خوفا من أهلها، وأكدوا الامتناع من دخول أرض العدو توكيدا قويا بمدلول (إن) و (لن) في إنا لن ندخلها تحقيقا لخوفهم، وفى إجابتهم هذه دليل على منتهى الضعف وحور العزيمة، وعلى أنهم لا يريدون أن يأخذوا شيئا باستعمال قواهم البدنية ولا العقلية، ولا أن يدفعوا الشر عن أنفسهم ولا أن يجلبوا لها الخير، بل يريدون أن يعيشوا بالخوارق والآيات ما داموا في هذه الحياة ولا شك أن أمة كهذه لا تستحق أن تتمتع بنعيم الاستقلال، وتحيا حياة العز والكرامة، وتكون ذات تصرف مطلق في شئونها، ومن ثم لم تقم لها دولة بعد85.
وقوله تعالى: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ)، قوله: (ﯱ) أي: يخافون الله تعالى، وقيل: يخافون الخوف من العدو فيكون المراد باسم الموصول بني إسرائيل، جعل تعريفهم بالموصولية للتعريض بهم بمذمة الخوف وعدم الشجاعة.
وقوله: (ﯲ ﯳ ﯴ)، أي: بالطاعة والتوفيق لما يرضيه، وبسلب الخوف من نفوسهم وبمعرفة الحقيقة، والرجلين هما: يوشع بن نون وكالب بن يفنة، وأنهما كانا يحثان القوم على الطاعة ودخول أرض الجبارين، ثقة بوعد الله بالنصر وتأييده إياهم، وهذا يقتضي أن الشجاعة في نصر الدين نعمة من الله على صاحبها 86.
وقوله تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ)، أي: ادخلوا عليهم باب المدينة فإذا فعلتم ذلك نصركم الله وأيدكم بروح من عنده، بعد أن تعملوا ما في طاقتكم من طاعة ربكم وتثقوا به فيما لا يصل إليه كسبكم، وبعد أن أمرا القوم باتخاذ الأسباب والوسائل أمراهم بالتوكل على الله والاعتماد على وعده ونصره وخبر رسوله.
(ﰀ ﰁ ﰂ)، بأن وعد الله حق، وأنه قادر على الوفاء به، وإنما جزم هذان الرجلان بأنهم سيغلبون إذا دخلوا، ثقة بنبوة موسى، وهو قد أخبرهم بأن الله أمرهم بدخول الأرض المقدسة التي كتبها لهم، لا جرم قطعا بالنصر والغلبة على العدو87.
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ)، أي: إنهم أصروا على العناد والتمرد، وأكدوا الامتناع من الدخول بعد المحاورة أشد توكيد دل على شدته في العربية بثلاث مؤكدات: (إن)، و (لن)، وكلمة (أبدا).
(ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ)، تركوا آداب الخطاب فصرحوا ببيان الجحد ولم يحتشموا من مجاهرة الرد، قيل: إنهم طلبوا منه معجزة كما تعودوا من النصر فطلبوا أن يهلك الله الجبارين بدعوة موسى، وقيل: أرادوا بهذا الكلام الاستخفاف بموسى، وهذا بعيد، لأنهم ما كانوا يشكون في رسالته، ولو أرادوا الاستخفاف لكفروا، وليس في كلام موسى الواقع جوابا عن مقالتهم هذه إلا وصفهم بالفاسقين، والفسق يطلق على المعصية الكبيرة، فإن عصيان أمر الله في الجهاد كبيرة، ولذلك قال تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) 88.
وقوله تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ)، أي: قال موسى باثا شكواه إلى ربه، معتذرا من فسق قومه عن أمره الذي يبلغه عنه، إني لا أملك أمر أحد أحمله على طاعتك إلا أمر نفسى وأمر أخي، ولا أثق بغيرنا أن يطيعك في اليسر والعسر والمنشط والمكره المحبوب والمكروه.
(ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ)، أي: لا تؤاخذنا بجرمهم، لأنه خشي أن يصيبهم عذاب في الدنيا فيهلك الجميع فطلب النجاة، ولا يصح أن يريد الفرق بينهم في الآخرة لأنه معلوم أن الله لا يؤاخذ البريء بذنب المجرم، ولأن براءة موسى وأخيه من الرضا بما فعله قومهم أمر يعلمه الله، ويجوز أن يراد بالفرق بينهم الحكم بينهم وإيقاف الضالين على غلطهم89.
وقوله تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ)، التيه: الحيرة، يقال تاه يتيه: إذا تحير ومفازة تيهاء إذا تحير فيها سالكها لعدم الأعلام التي يهتدى بها، والتحريم: المنع، أي: قال الله لموسى عليه السلام مجيبا دعوته: إن الأرض المقدسة محرمة على بني إسرائيل تحريما فعليا لا تكليفا شرعيا، مدة أربعين سنة.
(ﭺ ﭻ ﭼ)، أي: يسيرون فيها في برية تائهين متحيرين لا يدرون أين مصيرهم.
(ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ)، الأسى: الحزن، يقال أسيت عليه أسى وأسيت له أي فلا تحزن عليهم، لأنهم فاسقون متمردون مستحقون لهذا التأديب الإلهي90.
٢. إنزال المن والسلوى.
ذكر القرآن الكريم أن الله تعالى أنزل على بني إسرائيل المن والسلوى.
قال تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [البقرة:٥٧].
بَيَنَت الآية نعم الله تعالى على بني إسرائيل ورعايته لهم في الصحراء، حيث يسر لهم السحاب يظللهم من هجير الصحراء وحر الشمس المحرق بتدبيره، حين خرجوا إلى الأرض المقدسة، ويسر لهم طعامًا شهيًا لا يجهدون فيه ولا يكدون.
(ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ)، والمن: هو مادة حلوة تتجمع على أوراق الشجر، وقيل: هو الترنجين، وقيل: المن ما يمن الله به من غير تعب ولا نصب، والسلوى طائر كالسماني، وذكر إنه كان يأتيهم من هذين ما فيه كفايتهم، والسلوى وهو طائر السماني يساق إليهم في الصحراء، قريب المتناول سهل التناول، كان نعمة من الله ومظهرا لعنايته بهم في الصحراء الجرداء، وهو يتولاهم حتى في طعامهم اليومي فييسره لهم من أقرب الموارد91.
وقوله تعالى: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ)، أي: وقلنا لهم كلوا من ذلك الرزق الطيب الحلال، (ﯰ ﯱ)، يعني بتلك الأفعال المخالفة لأوامرنا لأن الله لا تضره معصية العاصين، كما لا تنفعه طاعات الطائعين.
(ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ)، أي: فكفروا تلك النعم الجزيلة، وما عاد ضرر ذلك إلا عليهم باستيجابهم عذابي وانقطاع ذلك الرزق الذي كان ينزل عليهم بلا مئونة ولا مشقة، وفي هذا إيماء إلى أن كل ما يطلبه الله من عباده فإنما نفعه لهم، وما ينهاهم عنه فإنما ذلك لدفع ضر يقع عليه، والتعبير عن ظلمهم لأنفسهم بكلمة كانوا والفعل المضارع يظلمون يدل على أن ظلمهم لأنفسهم كان يتكرر منهم، لأنك لا تقول في ذم إنسان كان يسيء إلى الناس إلا إذا كانت الإساءة تصدر منه المرة تلو الأخرى 92.
٣. سقيا الماء.
ذكر القرآن الكريم أن موسى عليه السلام استسقى الماء لبني إسرائيل.
قال تعال: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [البقرة:٦٠].
بَيَنَتْ هذه الآية نعمة أخرى من نعم الله تعالى التي آتاها بني إسرائيل فكفروا بها، وذلك أنهم حين خرجوا من مصر إلى التيه أصابهم ظمأ من لفح الشمس، فاستغاثوا بموسى، فدعا ربه أن يسقيهم فأجاب دعوته.
وقوله تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ)، يفيد أن الذي سأل ربه السقيا هو موسى عليه السلام وحده، لتظهر كرامته عند ربه لدى قومه، وليشاهدوا بأعينهم إكرام الله تعالى له، حيث أجاب سؤاله، وفجر الماء لهم ببركة دعائه.
(ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ)، أي: فأجبناه إلى ما طلب، وأوحينا إليه أن اضرب الحجر بعصاك، وقد أمره أن يضرب بعصاه التي ضرب بها البحر حجرا من أحجار الصحراء، قال الحسن: لم يكن حجرا معينا، بل أي حجر ضربه انفجر منه الماء، وهذا أظهر في حجة موسى عليه السلام، وأدل على قدرة الله تعالى 93.
وقوله تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ)، أي: فضرب فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا بقدر عدد الأسباط، فاختص كل منهم بعين حتى لا تقع بينهم الشحناء.
وفيه إشارة إلى تدفق الماء بقوة وغزارة أكثر مما في قوله تعالى: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [الأعراف:١٦٠].
فالانبجاس دون الانفجار، قوة وأثرًا، وهذا الاختلاف في التعبير إنما هو لاختلاف الحال، فحين ضرب موسى الحجر كان الانبجاس أولا، ثم تلاه الانفجار، فكل من الانبجاس والانفجار وصف لحال من أحوال ضربة العصا، وأثر من آثارها، وذلك وجه مشرق من وجوه الإعجاز، في التكرار الوارد على الأحداث، في القصص القرآني.
(ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ)، أي: قد صار لكل سبط منهم مشرب يعرفه، لا يتعداه إلى مشرب غيره 94.
وقوله تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ)، وبدأ بالأكل لأن قوام الجسد به، والاحتياج إلى الشرب حاصل عنه، ومن لابتداء الغاية، ويحتمل أن تكون للتبعيض، وفي ذكر الرزق مضافا تعظيم للمنة، وإشارة إلى حصول ذلك لهم من غير تعب ولا تكلف.
(ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ)، تحذير لهم من البطر والغرور واستعمال النعمة في غير ما وضعت له، بعد أن أذن لهم في التمتع بالطيبات، لأن النعمة عند ما تكثر قد تنسي العبد حقوق خالقه فيهجر الشريعة، ويعيث في الأرض فسادا95.
تظهر المواثيق التي أخذها الله تعالى على بني إسرائيل من خلال النقاط الآتية:
أولًا: أخذ الميثاق على بني إسرائيل أن يأخذوا الكتاب بقوة:
ذكر القرآن الكريم أخذ الميثاق على بني إسرائيل لكي يأخذوا الكتاب بقوة.
قال تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [البقرة:٦٣-٦٤].
يقول تعالى مذكرًا بني إسرائيل ما أخذ عليهم من العهود والمواثيق بالإيمان به وحده لا شريك له واتباع رسله: (ﭪ ﭫ ﭬ)، أي: واذكروا يا بني إسرائيل وقت أخذنا العهد على أسلافكم بالعمل بما في التوراة وقبولهم ذلك، والميثاق في هذه الآية مراد به الشريعة ووعدهم بالعمل بها وقد سمته كتبهم عهدا، وهو إلى الآن كذلك في كتبهم، وهذه معجزة علمية لرسولنا صلى الله عليه وسلم.
(ﭭ ﭮ ﭯ )، والطور: علم على جبل ببرية سينا، وكانت هذه الآية بعد أخذ الميثاق لكى يأخذوا ما أوتوه من الكتاب بقوة واجتهاد، لأن رؤية ذلك مما يقوى الإيمان ويحرك الشعور والوجدان96.
وقوله تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ)، أي: وقلنا لهم خذوا الكتاب وهو التوراة بجد وعزيمة، ومواظبة على العمل بما فيه، والأخذ مجاز عن التلقي والتفهم، والقوة مجاز في الإيعاء وإتقان التلقي والعزيمة على العمل به، ويجوز أن يكون الذكر مجازا عن الامتثال، أي: اذكروه عند عزمكم على الأعمال حتى تكون أعمالكم جارية على وفق ما فيه، أو المراد بالذكر التفهم بدليل حرف (في) المؤذن بالظرفية المجازية أي استنباط الفروع من الأصول.
(ﭴ ﭵ ﭶ)، أي: وادارسوه ولا تنسوا تدبر معانيه واعملوا بما فيه من الأحكام، فإن العمل هو الذي يجعل العلم راسخا في النفس مستقرا عندها97.
ثم ذكر لهم فائدة ذكره فقال: (ﭷ ﭸ)، أي: ليعد نفوسكم لتقوى الله عز وجل: ذلك أن المواظبة على العمل تطبع في النفس سجية المراقبة لله، وبها تصير تقية نقية من أدران الرذائل راضية مرضية عند ربها98.
وقوله تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ)، أي: ثم أعرضتم وانصرفتم عن العمل بالميثاق الذي أخذه عليكم، (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ)، أي: فلولا لطف الله بكم وإمهاله إياكم إذ لم يعاملكم بما تستحقون، لكنتم من الهالكين بالانهماك في المعاصي99.
يقول سيد قطب: «وتفصيل هذا الميثاق وارد في سور أخرى، وبعضه ورد في هذه السورة فيما بعد، والمهم هنا هو استحضار المشهد، والتناسق النفسي والتعبيري بين قوة رفع الصخرة فوق رؤوسهم وقوة أخذ العهد، وأمرهم أن يأخذوا ما فيه بقوة، وأن يعزموا فيه عزيمة، فأمر العقيدة لا رخاوة فيه ولا تميع، ولا يقبل أنصاف الحلول ولا الهزل ولا الرخاوة، إنه عهد الله مع المؤمنين، وهو جد وحق، فلا سبيل فيه لغير الجد والحق، وله تكاليف شاقة، نعم! ولكن هذه هي طبيعته، إنه أمر عظيم، أعظم من كل ما في هذا الوجود، فلا بد أن تقبل عليه النفس إقبال الجاد القاصد العارف بتكاليفه، المتجمع الهم والعزيمة المصمم على هذه التكاليف، ولا بد أن يدرك صاحب هذا الأمر أنه إنما يودع حياة الدعة والرخاء والرخاوة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد نودي للتكليف: (مضى عهد النوم يا خديجة)، وكما قال له ربه: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [المزمل:٥].
وكما قال لبني إسرائيل: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ)، ولا بد مع أخذ العهد بقوة وجد واستجماع نفس وتصميم، لا بد مع هذا من تذكر ما فيه، واستشعار حقيقته، والتكيف بهذه الحقيقة، كي لا يكون الأمر كله مجرد حماسة وحمية وقوة، فعهد الله منهج حياة، منهج يستقر في القلب تصورًا وشعورًا، ويستقر في الحياة وضعًا ونظامًا، ويستقر في السلوك أدبًا وخلقًا، وينتهي إلى التقوى والحساسية برقابة الله وخشية المصير»100.
ثانيًا: أخذ الميثاق على بني إسرائيل في العبادات والمعاملات:
ذكر القرآن الكريم أخذ المواثيق على بني إسرائيل في العبادات والمعاملات.
قال تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [البقرة:٨٣].
يخبر تعالى أنه أخذ الميثاق على بني إسرائيل، وهذا الميثاق الذي أخذه عليهم في أصول الدين والمعاملات والأخلاق التي تنفعهم في الدنيا والآخرة، وقوله: (ﯙ ﯚ ﯛ)، أظهر هنا لفظ بني إسرائيل لأن ما سيذكر هنا لما كان من الأحوال التي اتصف بها السلف والخلف وكان المقصود الأول منه إثبات سوء صنيع الموجودين في زمن القرآن، تعين أن يعبر عن سلفهم باللفظ الصريح ليتأتى توجيه الخطاب من بعد ذلك إلى المخاطبين حتى لا يظن أنه من الخطاب الذي أريد به أسلافهم، ثم بين هذا الميثاق فقال: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ)، هذا هو أعلى الحقوق وأعظمها، وهو حق الله تعالى، أن يعبد وحده لا شريك له، وهذا أصل الدين، فلا تقبل الأعمال كلها إن لم يكن هذا أساسها، فهذا حق الله تعالى على عباده، وقد نهوا عن عبادتهم غير الله مع أنهم كانوا يعبدون الله خوفا من أن يشركوا به سواه من ملك أو بشر أو صنم بدعاء أو غيره من أنواع العبادات، ودين الله على ألسنة الرسل جميعا فيه الحث على عبادة الله وعدم الشرك بعبادة أحد سواه، (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ)[النساء:٣٦].
فالتوحيد عماده الأمران معًا101.
وقوله تعالى: (ﯠ ﯡ)، أي: أحسنوا إليهما، بأن تعطفوا عليهما وترعوهما حق الرعاية، وتنزلوا عند أمرهما فيما لا يخالف أوامر الله، وقد جاء في التوراة أن من يسب والديه يقتل، والحكمة في البر بهما أنهما قد بذلا للولد وهو صغير كل عناية وعطف بتربيته والقيام بشئونه، حين كان عاجزا ضعيفا لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا، مع الشفقة التي لا مزيد عليها، أفلا يجب عليه بعدئذ مكافأتهما جزاء وفاقا لما صنعا؟ قال تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الرحمن:٦٠]102.
وقوله تعالى: (ﯢ ﯣ)، قدم ذا القربى لأنهم أقدم والشفقة عليهم أعظم أجرا منها على غيرهم لأن الإحسان إليهم مما يقوى الروابط بينهم، فما الأمة إلا مجموعة الأسر والبيوت، فصلاحها بصلاحها وفسادها بفسادها، ومن لا بيت له لا أمة له، ومن قطع لحمة النسب فكيف يصل ما دونها، وكيف يكون جزاء من الأمة، يسره ما يسرها ويؤلمه ما يؤلمها، ويرى في منفعتها منفعته، وفي مضرتها مضرته، ونظام الفطرة قاض بأن صلة القرابة أمتن الصلات، وجاء الدين حاثا عليها مؤكدا لأواصرها، مقويا لأركانها، مقدما لحقوقها على سائر الحقوق بحسب درجات القرابة103.
وقوله تعالى: (ﯤ ﯥ) أي: أحسنوا إليهم لخلوهم عمن يقوم بمعاشهم ومصالحهم، وأخر المساكين لأنهم دون اليتامى القاصرين عن درجة البلوغ؛ لأنهم يقدرون على أن ينتفعوا بأنفسهم في الجملة، ويقدرون على نفع غيرهم بالخدمة، والإحسان إلى اليتيم بحسن تربيته، وحفظ حقوقه من الضياع، والكتاب والسنة مليئان بالوصية به، وحسبك من ذلك حديث سهل بن سعد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا)، وقال بإصبعيه السبابة والوسطى 104.
والسر في هذا أن اليتيم لا يجد في الغالب من تبعثه العاطفة على تربيته والقيام بشئونه وحفظ أمواله، والأم وإن وجدت تكون في الغالب عاجزة عن تنشئته وتربيته التربية المثلى، إلى أن الأيتام أعضاء في جسم الأمة، فإذا فسددت أخلاقهم وساءت أحوالهم، تسرب الفساد إلى الأمة جمعاء، إذ يصبحون قدوة سيئة بين نشئها، فيدب فيها الفساد ويتطرق إليها الانحلال، وتأخذ في الفناء، والإحسان إلى المساكين يكون بالصدقة عليهم ومواساتهم حين البأساء والضراء.
وقدم اليتيم على المسكين، لأن هذا يمكنه أن يسعي بنفسه للحصول على قوته، بخلاف الأول فإن الصغر مانع له من ذلك105.
وقوله تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ)، أمر الله أولًا بالإحسان بالمال لأقوام مخصوصين، وهم الوالدان والأقربون واليتامى والمساكين، إذ لا يمكن الشخص أن يحسن به إلى الناس جميعا، لأنه لا يسع كل الأمة، ومن ثم اكتفى في حقوق سائر أفرادها بحسن العشرة والقول الجميل، والأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر ونحو ذلك مما هو نافع لهم في الدين والدنيا، وفي القيام بهذه الفرائض إصلاح لحال المجتمع وسعى في رقيه وتقدمه حتى يبلغ ذروة المجد والشرف106.
وبعد أن أمرهم سبحانه بعبادته وحده على سبيل الإجمال، فصل بعضا من ذلك مما لا يهتدى إليه إلا بهدى إلهى ووحي سماوي، فقال تعالى: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ)، لأن الصلاة هي التي تصلح النفوس وتنقيها من أدران الرذائل، وتحليها بأنواع الفضائل، وروحها هو الإخلاص لله والخشوع لعظمته وسلطانه، فإن فقدته كانت صورا ورسوما لا تغنى فتيلا، وهم ما تولوا ولا أعرضوا عن تلك الصور والرسوم إلى عصر التنزيل، بل إلى يومنا هذا، ثم الزكاة لما فيها من إصلاح شئون المجتمع، وقد كان لهم ضروب من الزكاة منها مال خاص يؤدى لآل هارون، وهو إلى الآن في اللاويين (سبط من أسباطهم)، ومنها مال للمساكين، ومنها ما يؤخذ من ثمرات الأرض، ومنها سبت الأرض وهو تركها في كل سبع سنين مرة بلا حرث ولا زرع، وكل ما يخرج منها في تلك السنة فهو صدقة107.
وقوله تعالى: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ)، أي: توليتم عن جميع ما أخذ عليكم الميثاق به، فأشركتم بالله وعبدتم الأصنام وعققتم الوالدين وأسأتم لذوي القربى واليتامى والمساكين وقلتم للناس أفحش القول وتركتم الصلاة ومنعتم الزكاة، وقوله: (ﯯ ﯰ ﯱ)، إنصاف لهم في توبيخهم ومذمتهم وإعلان بفضل من حافظ على العهد، وقوله: (ﯲ ﯳ)، أي: وأنتم قوم عادتكم الإعراض والتولي عن المواثيق، وفي الجملة مبالغة في الترك المستفاد من التولي، لأن الإنسان قد يتولى عن شيء وهو عازم على أن يعود إليه ويؤدى ما يجب له، فليس كل من تولى عن شيء يكون معرضا عنه، والتعبير بالجملة الإسمية تفيد أن الإعراض وصف ثابت لهم وعادة معروفة منهم108.
ثالثًا: أخذ الميثاق على بني إسرائيل ألا يقتل بعضهم بعضا، ولا يخرج بعضهم بعضا من ديارهم:
ذكر القرآن الكريم أخذ الميثاق على بني إسرائيل ألا يقتل بعضهم بعضًا، ولا يخرج بعضهم بعضا من ديارهم.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [البقرة:٨٤-٨٦].
بَيَنَت الآيات أن الله تعالى أخذ على بني إسرائيل العهد بالتضامن، فلا يقتل بعضهم بعضا ولا يظاهر أحد منهم غريبا على أحد منهم.
(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) أي: وإذ أخذنا عليكم العهد: لا يريق بعضكم دم بعض، ولا يخرج بعضكم بعضا من ديارهم وأوطانهم، وقد جعل غير الرجل كأنه نفسه، ودمه كأنه دمه إذا اتصل به دينا أو نسبا، إشارة إلى وحدة الأمة وتضامنها، وأن ما يصيب واحدا منها فكأنما يصيب الأمة جمعاء، فيجب أن يشعر كل فرد منها بأن نفسه نفس الآخرين ودمه دمهم، فالروح الذي يحيا به والدم الذي ينبض في عرقه هو كدم الآخرين وأرواحهم، لا فرق بينهم في الشريعة التي وحدت بينهما في المصالح العامة.
ويجوز أن يكون المعنى: لا ترتكبوا من الجرائم ما تجازون عليه بالقتل قصاصًا، أو بالإخراج من الديار، فتكونون كأنكم قد قتلتم أنفسكم؛ لأنكم فعلتم ما تستحقون به القتل، كما يقول الرجل لآخر قد فعل ما يستحق به العقوبة: أنت الذي جنى على نفسه109.
وقوله تعالى: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ)، أي: ثم أقررتم بهذا الميثاق أيها الحاضرون المخاطبون واعترفتم به سلفًا بعد خلف، ولم تنكروه بألسنتكم، بل شهدتم به وأعلنتموه، فالحجة عليكم قائمة، وقيل: وأنتم أيها الحاضرون تشهدون على إقرار أسلافكم بهذا الميثاق وقبوله، وشهودهم الوحى الذي نزل به على موسى عليه السلام.
(ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ)، أي: ثم أنتم بعد ذلك التوكيد في الميثاق تنقضون العهد فتقتلون أنفسكم: أي يقتل بعضكم بعضا كما كان يفعل من قبلكم، مع أنكم معترفون بأن الميثاق أخذ عليكم كما أخذ عليهم، ومن حديث ذلك أن بنى قينقاع من اليهود كانوا حلفاء الأوس وأعداء لإخوانهم في الدين بنى قريظة، كما كان بنو النضير حلفاء الخزرج، وكان الأوس والخزرج قبل الإسلام أعداء يقتتلون، ومع كل حلفاؤه.
(ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ)، كان كل من اليهود يظاهر حلفاءه من العرب ويعاونهم على إخوانه من اليهود بالإثم كالقتل والسلب.
من مواقف بني إسرائيل التي ذكرها القرآن الكريم مع أنبيائهم ما يأتي:
أولًا: القتل:
ذكر القرآن الكريم أن من مواقف بني إسرائيل مع أنبيائهم القتل.
قال تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [آل عمران:٢١-٢٢].
كشفت هذه الآية عن الجرائم العظيمة التي أرتكبها بنو إسرائيل في حق الأنبياء، حيث أقدموا على قتل الأنبياء والرسل، وذلك يدل على غاية قساوة قلوبهم ونهاية بعدهم عن طاعة الله تعالى.
(ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ)، وهى الكفر بآيات الله التي حملها إليهم رسل الله، وهى آيات لا يكذب بها إلا كل معتد أثيم، كفلق البحر بالعصا، وتفجير الماء من الصخر بها، على يد موسى عليه السلام، فكفروا بتلك الآيات وعبدوا العجل من دون الله، وكذلك فعلوا مع الآيات التي أجراها الله سبحانه على يد عيسى عليه السلام من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، فكفروا بتلك الآيات، ورموا عيسى بالبهت والشعوذة، حتى دفعهم ذلك إلى السعي في قتله، وتقديمه للمحاكمة والصلب، ولكن الله أبطل كيدهم، وأفسد تدبيرهم، وهم يحسبون أنهم صلبوه: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [النساء:١٥٧]110.
وقوله تعالى: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ)، ويقتلون أنبياء الله الذين حقهم أوجب الحقوق على العباد بعد حق الله، الذين أوجب الله طاعتهم والإيمان بهم، وتعزيرهم، وتوقيرهم، ونصرهم وهؤلاء قابلوهم بضد ذلك، وقد قتل اليهود من الأنبياء أشعياء بن أموص قتله الملك منسي ملك اليهود (سنة ٧٠٠ ق. م)، نشر نشرًا على جذع شجرة، وأرمياء النبي، وذلك لأنه أكثر التوبيخات والنصائح لليهود فرجموه بالحجارة حتى قتلوه، وزكرياء، قتله هيرودس العبراني ملك اليهود من قبل الرومان؛ لأن زكرياء حاول تخليص ابنه يحيى من القتل وذلك في مدة نبوءة عيسى، ويحيى بن زكرياء قتله هيرودس لغضب ابنة أخت هيرودس على يحيى 111.
وقوله: (ﯜ ﯝ)، أي: بدون وجه معتبر في شريعتهم، فإن فيها: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [المائدة:٣٢].
فهذا القيد من الاحتجاج على اليهود بأصول دينهم لتخليد مذمتهم، وإلا فإن قتل الأنبياء لا يكون بحق في حال من الأحوال، وأضاف القتل للنبيين، ولم تضاف إلى الرسل؛ لأن الرسل لا تسلط عليهم أعداؤهم لأنه مناف لحكمة الرسالة التي هي التبليغ.
قال تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [غافر:٥١].
ومن ثم كان ادعاء النصارى أن عيسى قتله اليهود ادعاء منافيا لحكمة الإرسال ولكن الله أنهى مدة رسالته بحصول المقصد مما أرسل إليه112.
وقوله تعالى: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ)، إنهم لم يكتفوا بقتل النبيين، بل يقتلون أيضا كل من يأمر بالعدل، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وهم مؤمنو بني إسرائيل يأمرونهم بالمعروف، فكانوا يقتلونهم، فعيرهم الله بذلك، وأوعدهم النار.
(ﯤ ﯥ ﯦ)، أي: وجيع، ويقال: أليم: يعني مؤلم، (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ)، أي: بطل ثواب حسناتهم، فلا ثواب لهم، (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ)، أي: مانعين يمنعونهم من النار 113.
ثانيًا: التكذيب:
ذكره القرآن الكريم أن من مواقف بني إسرائيل مع أنبيائهم التكذيب.
قال تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [البقرة:٨٧].
ذم الله تعالى بني إسرائيل فيما ارتكبوه من المآثم والمحارم في تكذيبهم بآيات الله قديما وحديثا، التي بلغتهم إياها الرسل، استكبارا عليهم وعنادا لهم، وتعاظما على الحق واستنكافا عن اتباعه، (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ)، أي: أعطينا موسى التوراة جملة واحدة ويقال: الألواح، (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ)، أي: أتبعنا وأردفنا، معناه: أرسلنا رسولًا على أثر رسول، يقال: قفوت الرجل إذا ذهبت في أثره، (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ)، أي: الآيات والعلامات مثل: إحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص، (ﯕ ﯖ ﯗ)، أي: إغاثة بجبريل حين أرادوا قتله فرفعه إلى السماء، وقال بعضهم: أيدناه أي قويناه وأعناه باسم الله الأعظم الذي كان يحيي به الموتى114.
وقوله تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ)، يقول: بما لا يوافق هواكم، (ﯠ)، تعظمتم عن الإيمان، وأنفتم أن تكونوا له أتباعًا؛ لأنهم كانت لهم رئاسة وكانوا متبوعين، فلم يؤمنوا مخافة أن تذهب عنهم الرياسة، (ﯡ ﯢ)، فنشأ عن الاستكبار مبادرة فريق من الرسل بالتكذيب فقط، حيث لا يقدرون على قتله، وفريق بالقتل إذا قدروا على قتله، وتهيأ لهم ذلك، ويضمن أن من قتلوه فقد كذبوه، واستغنى عن التصريح بتكذيبه للعلم بذلك، فذكر أقبح أفعالهم معه، وهو قتله، وبدأ بالتكذيب لأنه أول ما يفعلونه من الشر، ولأنه المشترك بين الفريقين: المكذب والمقتول، (ﯣ ﯤ)، ونسب القتل إليهم مع أن القاتل آباؤهم لرضاهم به ولحوق مذمته بهم، وعبر بالمضارع حكاية للحال الماضية واستحضارا لصورتها لفظاعتها واستعظامها، أو مشاكلة للأفعال المضارعة الواقعة في الفواصل فيما قبل، أو للدلالة على أنكم الآن فيه فإنكم حول قتل محمد صلى الله عليه وسلم ولولا أني أعصمه لقتلتموه ولذلك سحرتموه وسممتم له الشاة، فالمضارع للحال ولا ينافيه قتل البعض115.
وتقديم المفعول في قوله: (ﯡ ﯢ)، لما فيه من الدلالة على التفصيل، والتفصيل راجع إلى ما في قوله: رسول من الإجمال لأن (ﯙ ﯚ ﯛ)، أفاد عموم الرسول وشمل هذا موسى عليه السلام، فإنهم وإن لم يكذبوه بصريح اللفظ لكنهم عاملوه معاملة المكذبين به، إذ شكوا غير مرة فيما يخبرهم عن الله تعالى، وأساءوا الظن به مرارا في أوامره الاجتهادية، وحملوه على قصد التغرير بهم والسعي لإهلاكهم كما قالوا حين بلغوا البحر الأحمر وحين أمرهم بالحضور لسماع كلام الله تعالى، وحين أمرهم بدخول أريحا، وغير ذلك، وأما بقية الرسل فكذبوهم بصريح القول، مثل عيسى، وقتلوا بعض الرسل مثل أشعياء وزكرياء ويحيى ابنه وأرمياء116.
لقد عاقب الله تعالى بني إسرائيل على سوء أعمالهم القبيحة بصنوف العقوبات ومنها ما يأتي:
أولًا: تسليط العذاب عليهم:
ذكر القرآن الكريم أن الله تعالى سلط على بني إسرائيل من يسومهم سوء العاب.
قال تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الأعراف:١٦٧].
بينت هذه الآية خاتمة بني إسرائيل وإيلاء الله تعالى على نفسه بأن يبعث عليهم من يسومهم سوء العذاب إلى يوم القيامة بسبب ما ارتكبوه من انحرافات دينية وأخلاقية واجتماعية، واقترفوه من آثام ونقضوه من مبادئ ووصايا، واستغرقوا فيه من أعراض الحياة الدنيا وبيعهم دينهم وكتابهم بالدنيا.
وقوله: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ)، أي: واذكر أيها الرسول إذ أعلم ربك هؤلاء القوم مرة إثر أخرى أنه قضى عليهم في علمه وفقا لما قامت عليه نظم الاجتماع، ليبعثن ويسلطن عليهم إلى يوم القيامة، (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ)، أي يريده ويوقعه بهم، عقابا على ظلمهم وفسقهم وفسادهم، وهو مجاز من سوم الشيء، كما يقال سامه خسفا، وسوء العذاب ما يسوء صاحبه ويذله، وهو هنا سلب الملك، وإخضاع القهر، وفي قوة الكلام ما يفيد معنى القسم من هذه اللفظة، ولهذا تلقيت باللام في قوله: (ﮉ ﮊ)، أي: على اليهود، فسلط الله عليهم الملوك البابليين واليونانيين والكشدانيين والكلدانيين، فقهروهم وأذلوهم وشردوهم وأذاقوهم الويلات.
ثم سلط الله عليهم النصارى فسلبوا ملكهم الذي أقاموه بعد نجاتهم من السبي البابلي، وقهروهم واستذلوهم، ثم جاء الإسلام فعاداه منهم الذين كانوا هربوا من الذل والنكال، ولجئوا إلى بلاد العرب فعاشوا فيها أعزاء آمنين، ولم يفوا للنبي صلى الله عليه وسلم بما عاهدهم عليه إذ أمنهم على أنفسهم وحرية دينهم، بل غدروا به وكادوا له، ونصروا المشركين عليه، فسلطه الله عليهم فقاتلهم فنصره عليهم، فأجلى بعضهم، وقتل بعضا، وأجلى عمر من بقي منهم، ثم فتح عمر سورية، بعضها بالصلح كبيت المقدس، وبعضها عنوة، فصار اليهود من سيادة الروم الجائرة القاهرة فيها إلى سلطة الإسلام العادلة، ولكنهم ظلوا أذلة بفقد الملك والاستقلال117.
وقوله تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ)، أي: لمن عصاه وخالف أمره وشرعه، (ﮘ ﮙ ﮚ)، أي: لمن تاب إليه وأناب، وهذا من باب قرن الرحمة مع العقوبة، لئلا يحصل اليأس، فيقرن الله تعالى بين الترغيب والترهيب كثيرا؛ لتبقى النفوس بين الرجاء والخوف118.
ثانيًا: تحريم بعض الطيبات:
ذكر القرآن الكريم تحريم الطيبات على بني إسرائيل، قال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [النساء:١٦٠].
يخبر الله تعالى في هذه الآية أنه بسبب ظلم بني إسرائيل وكفرهم بآيات الله حرم عليهم طيبات كانت حلالًا لهم، وقوله تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ)، يعني بشركهم حرمنا عليهم أشياء كانت حلالًا لهم، وهو كل ذي ظفر وشحوم البقر والغنم أحلت لهم، وقد أبهمها الله هنا، لأن الغرض من السياق العبرة بكونها عقوبة، لا بيانها في نفسها، كما أبهم الظلم الذي كان سببا في العقوبة، ليعلم أن أي نوع منه يكون سببا للعقاب في الدنيا قبل الآخرة، (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ)، أي: صدوا الناس وصدوا أنفسهم عن اتباع الحق، وهذه سجية لهم متصفون بها من قديم الدهر وحديثه؛ ولهذا كانوا أعداء الرسل، وقتلوا خلقا من الأنبياء، وكذبوا عيسى ومحمدا، صلوات الله وسلامه عليهما119.
والآية اقتضت: أن تحريم ما حرم عليهم إنما كان عقابا لهم، وأن تلك المحرمات ليس فيها من المفاسد ما يتقضي تحريم تناولها، وإلا لحرمت عليهم من أول مجيء الشريعة120.
ثالثًا: المسخ:
ذكر القرآن الكريم أن الله تعالى مسخ العصاة من بني إسرائيل قردة، قال تعالى:(ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [البقرة:٦٥].
يخبر تعالى في هذه الآية ما حل من البأس بأهل القرية التي عصت أمر الله وخالفوا عهده وميثاقه فيما أخذه عليهم من تعظيم السبت والقيام بأمره.
وقوله تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ)، أي: قد عرفتم الذين جاوزوا ما حدلهم في السبت من التجرد للعبادة فيه وتعظيمه واشتغلوا بالصيد، وذلك أن الله تعالى نهاهم أن يصيدوا في السبت، ثم ابتلاهم فما كان يبقى حوت في البحر إلا أخرج خرطومه يوم السبت فإذا مضى تفرقت، فحفروا حياضًا عند البحر، وشرعوا إليها الجداول فكانت الحيتان تدخلها يوم السبت لأمنها من الصيد، فكانوا يسدون مشارعها من البحر فيصطادونها يوم الأحد، فذلك الحبس في الحياض هو اعتداؤهم، وهذه القصة غير مسطورة في الأسفار القديمة وكانت معروفة لعلمائهم وأحبارهم فأطلع الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عليها وتلك معجزة غيبية وأوحى إليه في لفظها ما يؤذن بأن العلم بها أخفى من العلم بالقصص الأخرى فأسند الأمر فيها لعلمهم إذ قال: ولقد علمتم121.
وقوله تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ)، أي: مبعدين من رحمة الله صاغرين ذليلين، وأصله في اللغة من البعد، يقال: خسأ الكلب إذا بعد، فجازاهم الله بأشد أنواع الجزاء، فخرج بهم من محيط النوع الإنساني وأنزلهم أسفل الدركات، فجعلهم يرتعون في مراتع البهائم، وليتهم كانوا في خيارها، بل جعلهم في أخس أنواعها، فهم كالقردة في نزواتها، والخنازير في شهواتها، مبعدين من الفضائل الإنسانية، يأتون المنكرات جهارا عيانا بلا خجل ولا حياء، حتى احتقرهم كرام الناس، ولم يروهم أهلا لمعاشرة ولا معاملة122.
قال ابن عاشور: «وفي ذلك دليل على أن الله تعالى لا يرضى بالحيل على تجاوز أوامره ونواهيه، فإن شرائع الله تعالى مشروعة لمصالح وحكم، فالتحيل على خرق تلك الحكم بإجراء الأفعال على صور مشروعة مع تحقق تعطيل الحكمة منها جراءة على الله تعالى، ولا حجة لمن ينتحل جواز الحيل، بقوله تعالى في قصة أيوب: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [ص:٤٤].
لأن تلك فتوى من الله تعالى لنبي لتجنب الحنث الذي قد يتفادى عنه بالكفارة، ولكن الله لم يرض أصل الحنث لنبيه؛ لأنه خلاف الأولى فأفتاه بما قاله، وذلك مما يعين على حكمة اجتناب الحنث؛ لأن فيه محافظة على تعظيم اسم الله تعالى، فلا فوات للحكمة في ذلك»123.
رابعًا: سخط الله عليهم ولعنهم:
ذكر القرآن الكريم أن الله تعالى لعن بني إسرائيل وغضب عليهم.
قال تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [المائدة:٦٠].
يخبر تعالى في هذه الآية عن غضبه على بني إسرائيل وأن جزاءهم على أعمالهم القبيحة هو اللعن والغضب، والمسخ.
وقوله: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ)، أي: قل يا محمد لهؤلاء اليهود الذين عابوا على المؤمنين إيمانهم بالله وبما أنزله من كتب سماوية، والذين قالوا لكم: ما نعلم أهل دين أقل حظا في الدنيا والآخرة منكم، ولا دينا شرا من دينكم، قل لهم على سبيل التبكيت والتنبيه على ضلالهم: هل أخبركم بشر من أهل ذلك الدين عقوبة عند الله يوم القيامة؟ هو: (ﭾ ﭿ ﮀ)، أي: أبعده من رحمته، (ﮁ ﮂ)، أي: غضبا لا يرضى بعده أبدا، (وجعل منهم القردة والخنازير)، فالقردة: أصحاب السبت، والخنازير: كفار مائدة عيسى عليه السلام، (ﮇ ﮈ)، أي: جعل منهم عبد الطاغوت، أي: أطاع الشيطان فيما سول له، (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ)، أي: أولئك المتصفون بما ذكر من الفسوق واللعن والطرد من رحمة الله أولئك المتصفون بذلك شرٌ مكانًا من غيرهم وأكثر ضلالا عن طريق الحق المستقيم من سواهم، فهم في الدنيا يشركون بالله،
وينتهكون محارمه وفي الآخرة مأواهم النار وبئس القرار 124.
خامسًا: ضرب الذلة والمسكنة عليهم:
ذكر القرآن الكريم أن الله تعالى ضرب الذلة والمسكنة على بني إسرائيل.
قال تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [البقرة:٦١].
بينت الآية قبائح اليهود ودناءة نفوسهم، وأن الله تعالى ضرب عليهم الذلة والمسكنة وهي محيطة بهم كما تظلل الخيمة من فيها، وكانوا نتانى أهل كراث وأبصال وأعداس فنزعوا إلى عكرهم عكر السوء واشتاقت طباعهم إلى ما جرت عليه عادتهم فقالوا: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ)، وذلك أنهم سئموا من المن والسلوى وملوه، فاشتهوا عليه غيره لأن المواظبة على الطعام الواحد تكون سببا لنقصان الشهوة، وإنما قالوا على طعام واحد وهما طعامان؛ لأنهم أرادوا بالواحد ما لا يتبدل ولو كان على مائدة الرجل ألوان عدة يداوم عليها كل يوم لا يبدلها، يقال لا يأكل فلان إلا طعامًا واحدًا ويراد بالوحدة نفي التبدل والاختلاف أو أرادوا أنهما ضرب واحد لأنهما معا من طعام أهل التلذد والتترف وكانوا من أهل الزراعات فأرادوا ما ألفوا من البقول والحبوب وغير ذلك.
(ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ)، الفوم: الخبز، وقيل: هو الحنطة، وقيل: هو الثوم، (ﮯ ﮰ)، إنما طلبوا هذه الأنواع لأنها تعين على تقوية الشهوة أو لأنهم ملوا من البقاء في التيه، فسألوا هذه الأطعمة التي لا توجد إلا في البلاد وكان غرضهم الوصول إلى البلاد لا تلك الأطعمة125.
وقوله تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ)، أي: الذي هو أخس وأردأ وهو الذي طلبوه، (ﯘ ﯙ ﯚ)، يعني بالذي هو أشرف وأفضل وهو ما هم فيه، (ﯜ ﯝ)، يعني إن أبيتم إلا ذلك، فأتوا مصرا من الأمصار، وقيل: بل هو مصر البلد الذي كانوا فيه، (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ)، يعني من نبات الأرض126.
وقوله تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ)، أي: جعلت الذلة محيطة بهم مشتملة عليهم وألزموا الذل والهوان، (ﯦ)، أي: الفقر والفاقة، وسمي الفقير مسكينًا؛ لأن الفقر أسكنه وأقعده عن الحركة، فترى اليهود وإن كانوا أغنياء مياسير كأنهم فقراء، فلا ترى أحدا من أهل الملل أذل ولا أحرص على المال من اليهود.
(ﯧ)، أي: رجعوا ولا يقال باء إلا بشر، (ﯨ ﯩ ﯪ)، وغضب الله إرادة الانتقام ممن عصاه (ﯬ)، أي: الغضب، (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ)، أي بصفة محمد صلى الله عليه وسلم وآية الرجم التي في التوراة ويكفرون بالإنجيل والقرآن.
(ﯲ ﯳ)، النبي: معناه المخبر من أنبأ ينبئ، وقيل: هو بمعنى الرفيع مأخوذ من النبوة، وهو المكان المرتفع، (ﯴ ﯵ)، أي، بغير جرم127.
سادسًا: تفريقهم في الأرض:
ذكر القرآن الكريم أن الله تعالى فرق بني إسرائيل في الأرض، قال تعالى:(ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [الأعراف:١٦٨].
بينت الآية أن الله تعالى فرق بني إسرائيل في الأرض جماعات متفرقة، فقل أرض لا يكون منهم فيها شرذمة وهذا حالهم في كل مكان تحت الصغار والذلة، سواء كان أهل تلك الأرض مسلمين أم كفارا، وقوله: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ)، وفرقناهم فيها، (ﮡ ﮢ)، أي: من هؤلاء الذين وصفهم الله من بني إسرائيل صالحون، وهم من آمن بالله ورسوله وثبت منهم على دينه، (ﮣ ﮤ ﮥ)، ومنهم ناس دون ذلك الوصف منحطون عنه، وهم الكفرة والفسقة، (ﮧ ﮨ ﮩ)، بالنعم والنقم، (ﮪ ﮫ)، لكي يرجعوا إلى طاعة ربهم ويتوبوا إليه 128.
الدروس المستفادة من قصة بني إسرائيل
إن قصة بني إسرائيل في القرآن الكريم فيها الدروس والعظات والعبر الكثير ومنها:
أولًا: إن قصة بني إسرائيل في القرآن الكريم تدور في جملتها حول قضية العقيدة وغرسها في نفوس بني إسرائيل، وإعدادهم للنهوض في حملها وقيادة البشرية، وفي ذلك إشارة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ودعوة لهم لحمل العقيدة بقوة ولا يكونوا كبني إسرائيل.
ثانيًا: إن قصة بني إسرائيل في القرآن الكريم تدور حول محور الأخلاق، فبينت أخلاق بني إسرائيل القبيحة والمهينة، أخلاقهم مع الله جل جلاله، وأخلاقهم مع أنبيائهم، أخلاقهم مع العلماء والدعاة، وفي هذا إشارة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم أن يتجنبوا هذه الأخلاق القبيحة ويحذروا منها.
ثالثًا: إن قصة بني إسرائيل في القرآن الكريم ناقشت البعد الاجتماعي الطائفي الذي يدمر المجتمعات الإنسانية ويستعبدها.
قال تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [القصص:٤-٥].
وفي هذا تحذير للمؤمنين من أسباب الفرقة، ومحاربة الطائفية والحزبية التي تدمر المجتمعات.
رابعًا: إن الفساد والظلم والطغيان والتكبر ونسيان النعم من أسباب الزوال، ولقد ذكر القرآن الكريم نهاية بني إسرائيل، وأن سبب ذلك هو الفساد والعلو والتكبر والظلم والطغيان.
قال تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [الإسراء:٤-٨].
وهذا يكشف عن العلاقة المباشرة بين مصارع الأمم وفشو الفساد فيها، وفاقا لسنة الله في هلاك الأمم، وذلك أنه إذا قدر الله الهلاك لقرية جعل إفساد المترفين فيها سببا لهلاكها وتدميرها، وفيه تحذير وعبرة لهذه الأمة129.
خامسًا: إن قصة بني إسرائيل في القرآن الكريم تدور حول بعث موسى عليه السلام إلى فرعون وملأه، وكيف نصره الله على عدوه، ونصر قومه بني إسرائيل، وأهلك عدوهم كشأن سنة الله في نصر الحق على الباطل، وفي ذلك طمأنينة نفوس المؤمنين الصالحين والمستضعفين أن الله تعالى سوف ينصرهم، وتحذيرهم مما يرمي بهم إلى غضب الله فيما يحقرون من المخالفات، لما في ذلك كله من التشابه في تدبير الله تعالى أمور عبيده، وسنته في تأييد رسله وأتباعهم، وإيقاظ نفوس الأمة إلى مراقبة خواطرهم ومحاسبة نفوسهم في شكر النعمة ودحض الكفران130.
سادسًا: والعبرة الاجتماعية في قصة بني إسرائيل أن الخطاب في كثير من الآيات كان موجها إلى الذين كانوا في عصر التنزيل، وأن الكلام عن الأبناء والآباء واحد لم تختلف فيه الضمائر حتى كأن الذين قتلوا أنفسهم بالتوبة والذين صعقوا بعد ذلك هم المطالبون بالاعتبار وبالشكر، وما جاء الخطاب بهذا الأسلوب إلا لبيان معنى وحدة الأمة، واعتبار أن كل ما يبلوها الله به من الحسنات والسيئات، وما يجازيها به من النعم والنقم، إنما يكون لمعنى موجود فيها يصح أن يخاطب اللاحق منها بما كان للسابق، كأنه وقع به؛ ليعلم الناس أن سنة الله تعالى في الاجتماع الإنساني أن تكون الأمم متكافلة، يعتبر كل فرد منها سعادته بسعادة سائر الأفراد وشقاءه بشقائهم، ويتوقع نزول العقوبة إذا فشت الذنوب في الأمة وإن لم يواقعها هو، (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الأنفال:٢٥].
وهذا التكافل في الأمم هو المعراج الأعظم لرقيها؛ لأنه يحمل الأمة التي تعرفه على التعاون على الخير والمقاومة للشر فتكون من المفلحين131.
سابعًا: إن قصة بني إسرائيل في القرآن الكريم بينت عقاب الله تعالى لهم بسبب ما ارتكبوه من انحرافات دينية وأخلاقية واجتماعية، واقترفوه من آثام ونقضوه من مبادئ ووصايا، واستغرقوا فيه من أعراض الحياة الدنيا وبيعهم دينهم وكتابهم بالدنيا، وإن في هذا العقاب الإلهي لعبرة لأولي الألباب، ففي ذلك عظة وذكرى وإنذار للمسلمين ودعوة للاعتبار والازدجار.
كما يستفاد منها أن الشعوب التي تنشأ في مهد الاستعباد تذهب أخلاقها، ويذهب بأسها، وتضرب عليها الذلة والمسكنة وتأنس بالمهانة، وإذا طال عليها الأمد أصبحت تلك الصفات غرائز وطباعا خلقية لها، فإذا خرجوا من بيئتهم ورفع عنهم نير الظلم والاستعباد حنوا إلى ما كانوا فيه، وتاقت نفوسهم إلى الرجوع إليه، وهذا شأن البشر في جميع ما يألفون، ويجرون عليه من خير وشر132.
ثامنًا: إن قصة بني إسرائيل في القرآن الكريم بينت حال بني إسرائيل في مواجهة الرسل وكشفت مكرهم وكيدهم في إثارة النعرات، وعرت وسائلهم القبيحة وأظهرت نفاقهم والشكوك والتحريفات حول العقيدة، وفي ذلك كله كشف للمجتمع المسلم ليعرف من هم أعداءه، وما طبيعتهم؟ وما تاريخهم؟ وما وسائلهم؟ وما حقيقة المعركة التي تخوضها معهم؟
ولقد علم الله أنهم هم سيكونون أعداء هذه الأمة في تاريخها كله كما كانوا أعداء هدى الله في ماضيهم كله، فعرض لهذه الأمة أمرهم كله مكشوفًا ووسائلهم كلها مكشوفة. فاقتضى هذا أن تلم الأمة المسلمة- وهي وارثة الرسالات كلها وحاضنة العقيدة الربانية بجملتها -بتاريخ القوم، وتقلبات هذا التاريخ وتعرف مزالق الطريق، وعواقبها ممثلة في حياة بني إسرائيل وأخلاقهم، لتضم هذه التجربة في حقل العقيدة والحياة - إلى حصيلة تجاربها وتنتفع بهذا الرصيد وتنفع على مدار القرون. ولتتقي -بصفة خاصة- مزالق الطريق، ومداخل الشيطان، وبوادر الانحراف، على هدى التجارب الأولى133.
تاسعًا: ومن الدروس المستفادة في، قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [البقرة:٨٤].
أي: وإذ أخذنا عليكم العهد: لا يريق بعضكم دم بعض، ولا يخرج بعضكم بعضا من ديارهم وأوطانهم، وقد جعل غير الرجل كأنه نفسه، ودمه كأنه دمه إذا اتصل به دينا أو نسبا، إشارة إلى وحدة الأمة وتضامنها، وأن ما يصيب واحدا منها فكأنما يصيب الأمة جمعاء، فيجب أن يشعر كل فرد منها بأن نفسه نفس الآخرين ودمه دمهم، فالروح الذي يحيا به والدم الذي ينبض في عرقه هو كدم الآخرين وأرواحهم، لا فرق بينهم في الشريعة التي وحدت بينهما في المصالح العامة.
وهذا ما يومئ إليه الحديث: (إنما المؤمنون في تراحمهم وتعاطفهم بمنزلة الجسد الواحد إذا اشتكى بعضه تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر)134 135.
موضوعات ذات صلة: |
الإسراف، الاقتصاد، الزكاة، المال، المن |
1 انظر: معجم الحضارات السامية، عبودي هنري ص: ٥٨٢، بنو اسرائيل في الكتاب والسنة، محمد سيد طنطاوي ص: ٩، بنو اسرائيل، مهران محمد بيومي ١ / ٢٩.
2 انظر: معجم الحضارات السامية، عبودي هنري ص: ٥٨٢، بنو اسرائيل في الكتاب والسنة، محمد سيد طنطاوي ص: ١١، بنو اسرائيل، مهران محمد بيومي ١ / ٣٥.
3 انظر: معجم الحضارات السامية، عبودي هنري ص: ٥٨٢، بنو اسرائيل في الكتاب والسنة، محمد سيد طنطاوي ص: ١٢، بنو اسرائيل، مهران محمد بيومي ١ / ٣٥.
4 انظر: أطلس الأنبياء والرسل لسامي بن عبد الله المغلوث ص: ١٢١.
5 انظر: أطلس تأريخ الأنبياء والرسل، سامي بن عبد الله المغلوث ص: ١٤٧، معجم الحضارات السامية، عبودي هنري ص: ٥٨٢.
6 انظر: معجم الحضارات السامية ، عبودي هنري ص: ٥٨٦.
7 انظر: معجم الحضارات السامية ، عبودي هنري ص: ٥٨٦.
8 انظر: بنو اسرائيل في الكتاب والسنة، محمد سيد طنطاوي ص: ٤٨.
9 انظر: التفسير القرآني للقرآن ٨ / ٤٤٨.
10 انظر: العبرانيون وبني إسرائيل في العصور القديمة، إبراهام مالمات ص: ١٢١.
11 انظر: رحلة بني إسرائيل إلى مصر، غطاس بن عبد الملك ص: ١٥٢.
12 انظر: بنو اسرائيل في الكتاب والسنة، محمد سيد طنطاوي ص: ٢٣.
13 انظر: المصدر السابق.
14 انظر: المصدر السابق ص: ٢٦، أرض الميعاد، حسين فوزي النجار ص: ٤٤.
15 انظر: بنو اسرائيل في الكتاب والسنة، محمد سيد طنطاوي ص: ٤٨.
16 انظر: بنو اسرائيل في الكتاب والسنة، محمد سيد طنطاوي ص: ٤٩.
17 انظر: تفسير المنار، محمد رشيد رضا ١/٢٥٢، تفسير المراغي ١ / ١٠٨، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١ / ٤٨٢.
18 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١ / ٤٨٤.
19 في ظلال القرآن ١ / ٦٩.
20 تفسير المنار ١ / ٢٥١.
21 انظر: تفسير الراغب الأصفهاني ١ / ١٩١، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١ / ٥٠١.
22 انظر: تفسير المنار، محمد رشيد ١ / ٢٦٤، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١ / ٥٠٢.
23 انظر: جامع البيان، الطبري ١٣ / ٧٦، مفاتيح الغيب، الرازي ١٤ / ٣٤٨، تفسير المراغي ٩ / ٤٨، روح المعاني، الألوسي ٥ / ٣٦.
24 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٢ / ٢٥٤، الكشاف، الزمخشري ٢ / ١٤٩، بيان المعاني، عبد القادر ملا ١ / ٤١٠.
25 انظر: مدارك التنزيل، النسفي ١ / ٥٩٩، تفسير المنار، محمد رشيد ٩ / ٨٨، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٩ / ٧٦.
26 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ٥ / ١٥٦، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٩ / ٧٦.
27 انظر: تفسير المراغي ٢٠ / ٣٤.
28 انظر: التفسير الوسيط، محمد طنطاوي ١ / ١٣٥، التفسير الحديث، دروزة محمد عزت ٦ / ١٧٠.
29 انظر: التفسير الوسيط، الواحدي ١ / ١٤٣، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١ / ٢٧٣، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١ / ٥١٤.
30 انظر: جامع البيان، الطبري ٢ / ١٠٣، روح البيان، إسماعيل حقي ١ / ١٤٣، تفسير المنار، محمد رشيد رضا ١ / ٢٦٩، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١ / ٥١٥.
31 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب حديث الخضر مع موسى عليهما السلام، رقم ٣٤٠٣ ، ٤/١٥٦، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، رقم ٣٠١٥ ، ٤/٢٣١٢.
32 انظر: تفسير السمرقندي ١ / ٥٦، مدارك التنزيل، النسفي ١ / ٩٢، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١ / ٥١٦، التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ١ / ٨٨.
33 انظر: تفسير السمرقندي ١ / ٥٦، مدارك التنزيل، النسفي ١ / ٩٢، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١ / ٥١٦.
34 انظر: النكت والعيون، الماوردي ١ / ١٣٧، محاسن التأويل، القاسمي ١ / ٣٢٥، تفسير المنار، محمد رشيد ١ / ٢٨٨، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١ / ٥٤٦.
35 انظر: النكت والعيون، الماوردي ١ / ١٣٧، محاسن التأويل، القاسمي ١ / ٣٢٥، في ظلال القرآن، سيد قطب ١ / ٧٨.
36 انظر: التفسير الوسيط، الواحدي ١ / ١٥٤، الكشاف، الزمخشري ١ / ١٤٨، أنوار التنزيل، البيضاوي ١ / ٨٦، معالم التنزيل، البغوي ١ / ١٢٩، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١ / ٥٥١، تفسير الشعراوي ١ / ٣٩٣.
37 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ١ / ٧٨.
38 انظر: معالم التنزيل، البغوي ١ / ١٢٩، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١ / ٢٩٥، تفسير المنار، محمد رشيد ١ / ٢٨٩.
39 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١ / ٥٥٤.
40 انظر: تفسير المنار، محمد رشيد ١ / ٢٨٩.
41 المعجزة الكبرى القرآن ص: ١٣٧.
42 انظر: جامع البيان، الطبري ١٣ / ١٨٢، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣ / ٤٩٣، تفسير المنار، محمد رشيد ٩/٣١٧.
43 انظر: تفسير المنار، محمد رشيد ٩ / ٣١٧.
44 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣ / ٤٩٣.
45 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣ / ٤٩٤، المحرر الوجيز، ابن عطية ٢ / ٤٦٨، أنوار التنزيل، البيضاوي ٣ / ٣٩، تفسير المنار، محمد رشيد ٩ / ٣١٧.
46 التحرير والتنوير ٩ / ١٥٢
47 انظر: تفسير المنار، محمد رشيد ٩ / ٣١٨.
48 أخرجه مسلم في صحيحه، كتبا الزهد والرقائق، رقم ٢٩٥٦ ٤ / ٢٢٧٢.
49 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٣ / ٦٠٩، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١ / ٣٣٤، تفسير المراغي ١ / ١٧٣، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١ / ٦١٧.
50 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ١/١٧٧، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٣٣٤، تفسير المراغي ١ / ١٧٣، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١ / ٦١٧.
51 أضواء البيان ١ / ٤١.
52 في ظلال القرآن ١/٩٢.
53 انظر: جامع البيان، الطبري ١٧ / ٣٥٦، مدارك التنزيل، النسفي ٢ / ٢٤٦، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥ / ٤٧.
54 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٣ / ٢٢٨، الكشف والبيان، الثعلبي ٦ / ٨٣، مدارك التنزيل، النسفي ٢ / ٢٤٦.
55 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥ / ٤٨، روح المعاني، الألوسي ٨ / ٢١.
56 تفسير القرآن العظيم ٥ / ٤٧.
57 انظر: تفسير السمرقندي ٢ / ٣٠١، التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ٨ / ٤٤٥.
58 انظر: المصدر السابق ٨ / ٤٥١.
59 انظر: جامع البيان، الطبري ١٩ / ٥١٦، تفسير السمرقندي ٢ / ٥٩٧، الكشاف، الزمخشري ٣ / ٣٩١، مدارك التنزيل، النسفي ٢ / ٦٢٧، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٠ / ٦٦.
60 انظر: جامع البيان، الطبري ١٩ / ٥١٦، تفسير السمرقندي ٢ / ٥٩٧، الكشاف، الزمخشري ٣ / ٣٩١، مدارك التنزيل، النسفي ٢ / ٦٢٧، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٠ / ٦٦.
61 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٠ / ٦٨، المعجزة الكبرى القرآن، أبو زهرة ص ١٠٩.
62 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٢ / ٨٢، البحر المحيط، أبو حيان ٧ / ٣٦٣، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٦ / ٢٧٤.
63 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ١ / ١٣٨، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥ / ٣٠٨، في ظلال القرآن، سيد قطب ٤ / ٢٣٤٥، أضواء البيان، الشنقيطي ٤ / ٧٤.
64 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، بابٌ: وقوله تعالى: (وظللنا عليكم الغمام)، رقم ٤٤٧٨ ، ٦ / ١٨، ومسلم في صحيحه، كتاب الأشربة، باب فضل الكمأة، ومداواة العين بها، رقم ٢٠٩٤ ، ٣ / ١٦١٩.
65 أضواء البيان ٤ / ٧٥
66 انظر: لباب التأويل، الخازن ٣ / ٢٠٩، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥ / ٣٠٨، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٦ / ٢٧٤.
67 انظر: تفسير المنار، محمد رشيد ٩ / ٩٣، تفسير المراغي ٩ / ٥١، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٩ / ٨٠.
68 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٩ / ٨١.
69 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٩ / ٨١، بيان المعاني، عبد القادر ملا ١ / ٤١٣.
70 انظر: تفسير المراغي ٩ / ٥٣، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٩ / ٨٣.
71 انظر: تفسير المراغي ٩ / ٥٣، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٩ / ٨٤.
72 في ظلال القرآن ٣ / ١٣٦٦.
73 انظر: تفسير لقرآن العظيم، ابن كثير ٣ / ٤٢٧، محاسن التأويل، القاسمي ٥ / ١٨٤، التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ٥ / ٤٨٢، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٩ / ١٠٩.
74 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٤٢٧، تفسير المراغي ٩ / ٦٩، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٩ / ١١٠.
75 انظر: جامع البيان، الطبري ١٨ / ٣٥٠، تفسير السمرقندي ١ / ٥٥٢، الكشاف، الزمخشري ٢/١٦٠، تفسير المراغي ٩/٧١.
76 انظر: تفسير المراغي ٩ / ٧٢.
77 انظر: المصدر السابق ٩ / ٧٤.
78 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٩ / ٤٣٣، لباب التأويل، الخازن ١ / ٤٧، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١ / ٥٠٦.
79 انظر: التفسير الوسيط، الواحدي ١ / ١٤٠، معالم التنزيل، البغوي ١ / ١١٩، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١ / ٥٠٧.
80 انظر: الكشاف، الزمخشري ١ / ١١٩، تفسير المراغي ١ / ١٢٠.
81 في ظلال القرآن ١ / ٧٢.
82 انظر: تفسير المراغي ٦ / ٨٩، التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ٣/١٠٦٧، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٦/١٦١.
83 انظر: تفسير المراغي ٦ / ٨٩، التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ٣/١٠٦٧.
84 انظر: لباب التأويل، الخازن ٢ / ٢٧، تفسير المراغي ٦ / ٩٠، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٦/١٦٢.
85 انظر: تفسير المراغي ٦ / ٩١، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٦ / ١٦٣.
86 انظر: المصادر السابقة.
87 انظر: المصادر السابقة.
88 انظر: لطائف الإشارات، القشيري ١ / ٤١٧، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٦ / ١٦٦.
89 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٢ / ١٢٢، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٦ / ١٦٧.
90 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٦ / ١٦٧.
91 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ١/١٣٨، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٣٠٨، في ظلال القرآن، سيد قطب ٤ / ٢٣٤٥، أضواء البيان الشنقيطي ٤ / ٧٤.
92 انظر: تفسير المراغي ١ / ١٢٢، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص: ٥٣، التفسير الوسيط، محمد طنطاوي ١ / ١٣٩.
93 انظر: تفسير المراغي ١ / ١٢٦، روح المعاني، الألوسي ١ / ٢٧١.
94 انظر: تفسير المراغي ١ / ١٢٦، التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ١ / ٩٠.
95 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١ / ٥١٩، التفسير الوسيط، محمد طنطاوي ١ / ١٤٥، روح المعاني، الألوسي ١ / ٢٧٢.
96 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٢٨٧، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١/٥٤٢.
97 انظر: تفسير المراغي ١ / ١٣٦، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١ / ٥٤٢.
98 انظر: تفسير المراغي ١ / ١٣٧.
99 انظر: تفسير المراغي ١ / ١٣٧، التفسير الوسيط، محمد طنطاوي ١ / ١٦٠.
100 في ظلال القرآن ١ / ٧٦.
101 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٣١٦، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٥٧، تفسير المراغي ١ / ١٥٦، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١ / ٥٨٢.
102 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٣١٦، تفسير المراغي ١ / ١٥٦.
103 انظر: تفسير المراغي ١ / ١٥٧، بيان المعاني، عبد القادر ملا ٥ / ٥٦.
104 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب فضل من يعول يتيما، رقم ٦٠٠٥ ، ٨/٩.
105 انظر: تفسير المراغي ١ / ١٥٧، بيان المعاني، عبد القادر ملا ٥ / ٥٦.
106 انظر: تفسير المراغي ١ / ١٥٨.
107 انظر: المصدر السابق.
108 انظر: تفسير المراغي ١ / ١٥٩، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١ / ٥٨٤، روح المعاني، الألوسي ١ / ٣١٠.
109 انظر: تفسير المراغي ١ / ١٦٠، روح المعاني، الألوسي ١ / ٣١٠.
110 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص: ١٢٦، التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ٢ / ٤٢٢، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١ / ٥٣٠.
111 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص: ١٢٦، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١ / ٥٣٠.
112 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١ / ٥٣٠.
113 انظر: تفسير السمرقندي ١ / ٢٠٢، تفسير الشعراوي ٣ / ١٣٧٥.
114 انظر: تفسير السمرقندي ١ / ٧١، الكشف والبيان، الثعلبي ١ / ٢٣٢، التفسير الوسيط، الواحدي ١ / ١٧١.
115 انظر: تفسير السمرقندي ١ / ٧١، البحر المحيط، أبو حيان ١ / ٤٨٣، روح المعاني، الألوسي ١ / ٣١٨.
116 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١ / ٥٩٨.
117 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣ / ٤٩٧، تفسير المنار، محمد رشيد ٩ / ٣٢١، تفسير المراغي ٩ / ٩٧.
118 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣ / ٤٩٧.
119 انظر: تفسير السمرقندي ١ / ٣٥٦، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢ / ٤٦٧، تفسير المراغي ٦ / ١٧.
120 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٦ / ٢٦.
121 انظر: مدارك التنزيل، النسفي ١ / ٩٦، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١ / ٥٤٣.
122 انظر: تفسير السمرقندي ١ / ٦١، تفسير المنار، محمد رشيد ١ / ٢٨٤، تفسير المراغي ١ / ١٣٨.
123 التحرير والتنوير ١ / ٥٤٥.
124 انظر: التفسير الوسيط، الواحدي ٢ / ٢٠٤، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣ / ١٤٢، التفسير الوسيط، محمد طنطاوي ٤ / ٢٠٨.
125 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١ / ٤٢٢، مدارك التنزيل، النسفي ١ / ٩٣، لباب التأويل، الخازن ١ / ٤٩.
126 انظر: لباب التأويل، الخازن ١ / ٤٩.
127 انظر: المصدر السابق.
128 انظر: الكشاف، الزمخشري ٢/١٧٣، مدارك التنزيل، النسفي ١ / ٦١٥.
129 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٢١٢.
130 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٩/٧٩.
131 انظر: تفسير المنار، محمد رشيد ١ / ٢٦٧.
132 انظر: تفسير المراغي ٦ / ٩٤، التفسير الحديث، دروزة محمد عزت ٢ / ٥٢٣.
133 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٢ / ٨٦٨.
134 أخرجه البخاري في صحيحه ، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم، رقم ٦٠١١، ٨/١٠.
135 في ظلال القرآن، سيد قطب ٢/٨٦٨.