عناصر الموضوع
البشرى
أولًا: المعنى اللغوي :
الباء والشين والراء أصل واحد: هو ظهور الشيء مع حسن وجمال، فالبشرة ظاهر جلد الإنسان، وسمي البشر بشرًا لظهورهم، والبشير الحسن الوجه، والبشارة الجمال، وأبشرت الرجل وبشرته وبشرته: أخبرته بسار بسط بشرة وجهه؛ وذلك أن النفس إذا سرت انتشر الدم فيها انتشار الماء في الشجر، واستبشر: إذا وجد ما يبشره من الفرح، ويقال للخبر السار: البشارة والبشرى، ويقال: أبشر، أي: وجد بشارة، وتباشير الوجه وبشره: ما يبدو من سروره، وتباشير الصبح: ما يبدو من أوائله، وتباشير النخيل: ما يبدو من رطبه، ويسمى ما يعطى المبشر: بشرى وبشارة، والمباشرة: الإفضاء بالبشرتين، وكني بها عن الجماع، والبشرى: ما يبشر به، وما يعطاه المٌبشر 1.
من خلال ما سبق تبين أن المعنى اللغوي للبشرى يدور حول الخبر السار والمفرح، والحسن والجمال الذي يظهر على الوجه.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
عرف الجرجاني البشارة بقوله: «كل خبر صدق تتغير به بشرة الوجه، ويستعمل في الخير والشر، وفي الخير أغلب»2.
وقال الراغب الأصفهاني البشرى: «إظهار غيب المسرة بالقول» 3.
وذكر ابن عاشور تعريف للبشرى بقوله: «خبر بحصول ما فيه نفع ومسرة للمخبر به»4.
وقال الفخر الرازي البشرى: «عبارة عن الخبر الدال على حصول الخير العظيم »5.
ويتضح مما سبق أن البشرى في الاصطلاح تعني نقل الأخبار السارة التي تحمل النفع والمسرة والاستبشار بحصول الخير لمن نقل إليه الخبر.
وبهذا تظهر العلاقة الواضحة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي للفظة البشرى
ووردت مادة (بشر) في القرآن الكريم (١٢٣) مرة، يخص موضوع البشرى منها (٨٤) مرة.
والصيغ التي وردت هي6:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
٩ |
(ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [الصافات:١١٢] |
الفعل المضارع |
١٦ |
(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ) [الشورى:٢٣] |
فعل الأمر |
٢١ |
(ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [الأحزاب:٤٧] |
المصدر |
١٨ |
(ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [البقرة:٩٧] |
اسم الفاعل |
١١ |
(ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [الفتح:٨] |
صيغة المبالغة |
٩ |
(ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [فاطر:٢٤] |
وجاءت البشرى في الاستعمال القرآني بالمعنى اللغوي وهو: الإخبار بخبر سارٍ يبسط بشرة الوجه7.
السرور:
السرور لغة:
يقال: سررت برؤية فلانٍ وسرني لقاؤه، وقد سررته أسره أي فرحته، السرور خلاف الحزن؛ تقول: سرني فلانٌ مسرةً، والسرور: ما ينكتم من الفرح 8.
السرور اصطلاحًا:
«حالة نفسانية تعرض عند حصول اعتقاد وعلم أو ظن لحصول شيء لذيذ»9.
الصلة بين البشرى والسرور:
إن الاستبشار هو السرور بالبشارة، والاستفعال للطلب، والمستبشر بمنزلة من طلب السرور في البشارة فوجد، وأصل البشرة من ذلك لظهور السرور في بشرة الوجه 10.
الضحك:
الضحك لغة:
يقال ضحك يضحك ضَحِكًا، ومن ذلك الضحك وهو دليل الانكشاف والبروز11.
الضحك اصطلاحًا:
«انبساط الوجه وتكشر الأسنان من سرور النفس» 12.
الصلة بين البشرى والضحك:
الضحك: انبساط الوجه ويكون بعد سماع الخبر السار كالبشرى مثلًا، فالضحك يكون بعد البشرى السارة.
الفرح:
الفرح لغة:
يقال فرح يفرح فرحًا، فهو فرحٌ على خلاف الحزن 13.
الفرح اصطلاحًا:
«انشراح الصدر بلذة عاجلة، وأكثر ما يكون ذلك في اللذات البدنية الدنيوية »14.
الصلة بين البشرى والفرح:
الفرح قد يكون بما ليس فيه نفع ولا لذة، والبشرى على الأكثر تستعمل في الخير، والخبر السار الذي يصاحبه النفع واللذة15.
الإنذار:
الإنذار لغة:
أصلها النون والذال والراء كلمةٌ تدل على تخويفٍ أو تخوفٍ، منه الإنذار: الإبلاغ ; ولا يكاد يكون إلا في التخويف 16.
الإنذار اصطلاحًا:
« الإعلام بما يحذر، ولا يكاد يكون إلا في تخويف يسع زمانه الاحتراز » 17.
الصلة بين البشرى والإنذار:
الإنذار: إخبارٌ وإعلام معه تخويف، عكسه التبشير: الذي هو إخبار فيه سرور ولذة ومنفعة 18.
اقتران البشارة بالنذارة في القرآن
قرن الله سبحانه وتعالى في القرآن بين البشارة والنذارة في آيات كثيرة، وقدم فيها البشارة على النذارة إلا في آيتين مكيتين، هما:
قوله تعالى: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [الأعراف: ١٨٨].
وقوله تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [هود: ٢].
من الآيات التي قدمت فيها البشارة على النذارة:
قوله تعالى: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [البقرة: ١١٩].
وقوله تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [سبأ: ٢٨].
وقوله تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [فاطر: ٢٤] وقوله تعالى: ( ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [الأحزاب: ٤٥].
وهنا تساؤل: لماذا قال: (ﭭ ﭮ) مع أنه نذير وبشير للمؤمنين والكافرين؟
والجواب فيه قولان:
أحدهما: أنه نذير وبشير للمؤمنين والكافرين إلا أنه ذكر إحدى الطائفتين وترك ذكر الثانية؛ لأن ذكر إحداهما يفيد ذكر الأخرى.
والثاني: أنه صلى الله عليه وسلم وإن كان نذيرًا وبشيرًا للكل إلا أن المنتفع بتلك النذارة والبشارة هم المؤمنون. فلهذا السبب خصهم الله بالذكر19.
وبدأ بالنذارة لأن السائلين عن الساعة كانوا كفارًا، إما مشركو قريش وإما اليهود، فكان الاهتمام بذكر الوصف من قوله: ( ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ) آكد وأولى بالتقديم20.
«والرسول صلى الله عليه وسلم نذير وبشير للناس أجمعين، ولكن الذين يؤمنون هم الذين ينتفعون بما معه من النذارة والبشارة، فهم الذين يفقهون حقيقة ما معه وهم الذين يدركون ما وراء هذا الذي جاء به، ثم هم بعد ذلك خلاصة البشرية كلها، كما أنهم هم الذين يخلص بهم الرسول من الناس أجمعين، إن الكلمة لا تعطي مدلولها الحقيقي إلا للقلب المفتوح لها، والعقل الذي يستشرفها ويتقبلها، وإن هذا القرآن لا يفتح كنوزه، ولا يكشف أسراره، ولا يعطي ثماره إلا لقوم يؤمنون»21.
تنوعت البشارات في القرآن على النحو الآتي:
أولًا: البشارات العامة:
بُشِّرَ المؤمنون ببشارات عامة، لم يذكر فيها المبشر به ليدل على العموم، وأن لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
فإن قلت: لم لم يذكر ما يبشرهم به؟
قال الشيخ رشيد رضا رحمه الله: «لم يذكر ما يبشرهم به لتعظيم شأنه، وشموله لخير الدنيا، وسعادة الآخرة» 22.
فإن قلت: لم لم يذكر مقدار البشرى وصفتها؟
قيل: لأن مقدارها وصفتها بحسب حال المؤمنين وإيمانهم، قوة وضعفًا، وعملًا بمقتضاه.
وهذه البشرى للمؤمنين تدل دلالة واضحة على محبة الله للمؤمنين، ومحبة ما يسرهم، واستحباب تنشيطهم وتشويقهم بما أعد الله لهم من الجزاء الدنيوي والأخروي.
وقد ذكرت صفات للمؤمنين المبشرين بالبشارات العامة في آيات منها:
١. المقيمون الصلاة.
قال تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ) [يونس: ٨٧].
أي: وبشر مقيمي الصلاة المطيعي الله بحفظ الله إياهم من فتنة فرعون وملئه الظالمين لهم وتنجيتهم من ظلمهم وبالنصر والتأييد، وإظهار دينهم.
٢. الممتثلون لأحكام الله عز وجل.
قال تعالى: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ) [البقرة: ٢٢٣].
فالآية تبشر المؤمنين الذين يتقون الله عز وجل في إتيان أزواجهم في موضع الحرث، بأن هذا العمل عبادة لله عز وجل؛ لأنهم يحققون حكمة الله من خلقه للزوجين، وذرء النسل وخلافة البشر في الأرض.
٣. المجاهدون في سبيل الله.
قال تعالى: ( ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ) [الصف: ١٣].
أي: وبشر يا محمد المؤمنين بنصر الله إياهم على عدوهم، وفتحٍ عاجلٍ لهم23.
٤. الموفون ببيعتهم مع الله.
وقال تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [التوبة: ١١١-١١٢].
هاتان الآيتان تبينان حال المؤمنين حق الإيمان، البالغين فيه ما هو غايةٌ له من الكمال، وهم:
(ﭑ) أي: الملازمون للتوبة في جميع الأوقات عن جميع السيئات.
(ﭒ) أي: المتصفون بالعبودية لله، والاستمرار على طاعته من أداء الواجبات والمستحبات في كل وقت، فبذلك يكون العبد من العابدين.
(ﭓ) لله في السراء والضراء، واليسر والعسر، المعترفون بما لله عليهم من النعم الظاهرة والباطنة، المثنون على الله بذكرها وبذكره في آناء الليل وآناء النهار.
(ﭔ) فسرت السياحة بالصيام، أو السياحة في طلب العلم، وفسرت بسياحة القلب في معرفة الله ومحبته، والإنابة إليه على الدوام، والصحيح أن المراد بالسياحة: السفر في القربات، كالحج، والعمرة، والجهاد، وطلب العلم، وصلة الأقارب، ونحو ذلك.
(ﭕ ﭖ) أي: المكثرون من الصلاة، المشتملة على الركوع والسجود.
(ﭗ ﭘ) ويدخل فيه جميع الواجبات والمستحبات.
(ﭙ ﭚ ﭛ) وهي جميع ما نهى الله ورسوله عنه.
(ﭜ ﭝ ﭞ) بتعلمهم حدود ما أنزل الله على رسوله، وما يدخل في الأوامر والنواهي والأحكام، وما لا يدخل، الملازمون لها فعلًا وتركًا24.
ثم أمر الله رسوله ببشارتهم، فقال: (ﭠ ﭡ): أي المتخلقين بها بكل ما يسرهم بعد تخصيصهم بدار السعادة، وفي الآيتين بالبشارة تارة من الخالق (ﯷ)، وتارة من أكمل الخلائق (ﭠ ﭡ) أعظم مزية للمؤمنين، وفي جعل الأولى من الله أعظم ترغيب في الجهاد، وأعلى حث على خوض غمرات الجلاد25.
قاعدتا الثواب في القرآن:
يقرن القرآن دائمًا بين الإيمان والعمل الصالح، كلما ذكر العمل والجزاء، فلا جزاء على إيمان عاطل خامد لا يعمل، ولا يثمر، ولا على عمل منقطع لا يقوم على الإيمان.
ثانيًا: البشارات الخاصة:
١. التبشير بالولد.
من أعظم ما يبشر به المؤمن في الدنيا الولد الصالح الحامل لنور الهداية:
قالت الملائكة لإبراهيم عليه السلام: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [الحجر: ٥٣].
وهو إسحاق عليه السلام ، تضمنت هذه البشارة بأنه ذكر لا أنثى، عليم، أي: كثير العلم، وفي الآية الأخرى: ( ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ) [الصافات ١١٢].
فقال لهم متعجبًا من هذه البشارة: (ﭤ) بالولد (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) وصار نوع إياس منه (ﭩ ﭪ) أي: على أي وجه تبشرون، وقد عدمت الأسباب؟
(ﭬ ﭭ ﭮ) الذي لا شك فيه؛ لأن الله على كل شيء قدير، وأنتم بالخصوص -يا أهل هذا البيت- رحمة الله وبركاته عليكم فلا يستغرب فضل الله وإحسانه إليكم26.
وقوله: (ﭩ ﭪ) قيل: إنه يستطيب تلك البشارة، فربما يعيد السؤال ليسمع تلك البشارة مرة أخرى، ومرتين وأكثر طلبًا للالتذاذ بسماع تلك البشارة، وطلبًا لزيادة الطمأنينة والوثوق، مثل قوله: (ﭠ ﭡ ﭢ) [البقرة: ٢٦٠].
وقيل أيضًا: استفهم أبأمر الله تبشرون أم من عند أنفسكم واجتهادكم؟ 27.
وقال أبو حيان رحمه الله « قولهم له: فلا تكن من القانطين نهي، والنهي عن الشيء لا يدل على تلبس المنهي عنه به ولا بمقارنته. وقوله: ومن يقنط رد عليهم، وأن المحاورة في البشارة لا تدل على القنوط، بل ذلك على سبيل الاستبعاد لما جرت به العادة، وفي ذلك إشارة إلى أن هبة الولد على الكبر من رحمة الله؛ إذ يشد عضد والده به ويؤازره حالة كونه لا يستقل ويرث منه علمه ودينه » 28.
قال تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ) [مريم: ٧-٩].
أي: بشره الله تعالى على يد الملائكة بـ«يحيى» وسماه الله له «يحيى» وكان اسمًا موافقًا لمسماه: يحيا حياة حسية، فتتم به المنة، ويحيا حياة معنوية، وهي حياة القلب والروح، بالوحي والعلم والدين ( ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) أي: لم يسم هذا الاسم قبله أحد، فحينئذ لما جاءته البشارة بهذا المولود الذي طلبه استغرب وتعجب، وقال: ( ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ) [مريم: ٨].
والحال أن المانع من وجود الولد، موجود بي وبزوجتي؟ وكأنه وقت دعائه، لم يستحضر هذا المانع لقوة الوارد في قلبه، وشدة الحرص العظيم على الولد، وفي هذه الحال، حين قبلت دعوته، تعجب من ذلك، فأجابه الله بقوله: ( ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ) [مريم: ٩].
أي: الأمر مستغرب في العادة، وفي سنة الله في الخليقة، ولكن قدرة الله تعالى صالحة لإيجاد الأشياء بدون أسبابها فذلك هين عليه، ليس بأصعب من إيجاده قبل ولم يكن شيئًا29.
وهنا تساؤل: لماذا تعجب زكريا عليه السلام من البشارة بالولد؟
هذا التعجب تعجب مكنى به عن الشكر، فهو اعتراف بأنها عطية عزيزة غير مألوفة؛ لأنه لا يجوز أن يسأل الله أن يهب له ولدًا، ثم يتعجب من استجابة الله له30.
قال تعالى: ( ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ) [آل عمران: ٤٥].
يخبر تعالى أن الملائكة بشرت مريم عليها السلام بأعظم بشارة، وهو كلمة الله عبده ورسوله عيسى ابن مريم، سمي كلمة الله؛ لأنه كان بالكلمة من الله؛ لأن حالته خارجة عن الأسباب، وجعله الله من آياته وعجائب مخلوقاته31.
٢. تبشير عيسى عليه السلام بمحمد صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: ( ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ) [الصف: ٦].
لقد بشر كل نبي قومه بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، والله أفرد عيسى بالذكر في هذا الموضع لأنه آخر نبي قبل نبينا صلى الله عليه وسلم ، فبين أن البشارة به عمت جميع الأنبياء واحدًا بعد واحد حتى انتهت إلى عيسى عليه السلام .
العلامات والدلائل التي بشرت برسالة الرسول صلى الله عليه وسلم:
لما أراد الله تعالى إعداد البشر لقبول رسالة الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم استودعهم أشراطه وعلاماته على لسان كل رسول أرسله إلى الناس.
قال تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ) [آل عمران: ٨١-٨٢].
أي: أأخذتم إصري من أممكم على الإيمان بالرسول الذي يجيء مصدقًا للرسل، وقوله: (ﯛ) أي: على أممكم.
وقال تعالى في خصوص ما لقنه إبراهيم عليه السلام: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [البقرة: ١٢٩].
وأوصى به عيسى عليه السلام في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [الصف: ٦].
وصية جامعة لما تقدمها من وصايا الأنبياء32.
بشر الله تعالى أولياءه ببشارات في الدنيا والآخرة نتناولها فيما يأتي:
أولًا: البشارة بالثواب:
١. البشارة بالثواب في الدنيا.
بشر أولياء الله في الدنيا ببشارات، كما قال تعالى: ( ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [يونس: ٦٢-٦٤].
من هذه البشارات: الرؤيا الصالحة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لم يبق من النبوة إلا المبشرات) قالوا: وما المبشرات؟ قال: (الرؤيا الصالحة)33.
وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم الستارة والناس صفوفٌ خلف أبى بكرٍ، فقال: (أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة، يراها المسلم، أو ترى له)34.
٢. البشارة بنصر من الله وفتح قريب.
قال تعالى: ( ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ) [الصف: ١٣].
أي: وبشر يا محمد المؤمنين بنصر الله إياهم على عدوهم، وفتحٍ عاجلٍ لهم35 تتسع به دائرة الإسلام، ويحصل به الرزق الواسع.
وهذه الآية من معجزات القرآن الراجعة إلى الإخبار بالغيب36.
ثانيًا: البشارة بالثواب في الآخرة:
١. البشارة بالأجر الكبير.
قال تعالى: ( ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ) [الإسراء: ٩].
عن ابن جريجٍ رحمه الله ( ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) قال: «الجنة، وكل شيءٍ في القرآن أجرٌ كبيرٌ، أجرٌ كريمٌ، ورزقٌ كريمٌ فهو الجنة»37.
٢. البشارة بالمغفرة والأجر الكريم.
قال تعالى: ( ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [يس: ١١].
أي: بشرهم بمغفرة الذنوب، ودخول الجنات.
٣. البشارة بالأجر الحسن.
قال تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [الكهف: ٢].
الأجر الحسن: هو الفوز برضا الله، ودخول الجنة، وفي وصفه بالحسن دلالة على أنه لا مكدر فيه، ولا منغص بوجه من الوجوه، إذ لو وجد فيه شيء من ذلك لم يكن حسنه تامًا، ومع ذلك فهذا الأجر الحسن لا يزول عنهم، ولا يزولون عنه، بل نعيمهم في كل وقت متزايد.
٤. البشارة بالفضل الكبير.
قال تعالى: ( ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [الأحزاب: ٤٥-٤٧].
الفضل: العطاء الذي يزيده المعطي زيادة على العطية؛ لأنه لا يكون فضلًا إلا إذا كان زائدًا على العطية، والمراد أن لهم ثواب أعمالهم الموعود بها وزيادة من عند ربهم38.
قال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) [يونس: ٢٦].
وذكر في هذه الآية الكريمة: المبشر، وهم المؤمنون، وذكر المبشر به، وهو الفضل الكبير، أي: العظيم الجليل، الذي لا يقادر قدره، من النصر في الدنيا، وهداية القلوب، وغفران الذنوب، وكشف الكروب، وكثرة الأرزاق الدارة، وحصول النعم السارة، والفوز برضا ربهم وثوابه، والنجاة من سخطه وعقابه.
وهذا مما ينشط العاملين أن يذكر لهم من ثواب الله على أعمالهم، ما به يستعينون على سلوك الصراط المستقيم، وهذا من جملة حكم الشرع39.
وفي أمره لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالتبشير تأنيس عظيم، ووعد كريم بالثواب الجزيل40.
٥. البشارة بقدم صدق عند الله.
قال تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [يونس: ٢].
أي: «لهم أعمالًا صالحةً عند الله يستوجبون بها منه الثواب»41.
وكلمة قدم صدق تعني أيضًا: « قدم ثابتة راسخة موقنة لا تتزعزع ولا تضطرب ولا تتزلزل ولا تتردد، في جو الإنذار وفي ظلال الخوف، وفي ساعات الحرج (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) في الحضرة التي تطمئن فيها النفوس المؤمنة، حينما تتزلزل القلوب والأقدام»42.
٦. البشارة بالجنة ونعيمها.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [البقرة: ٢].
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ) [الحديد: ١٢].
أي: بشرهم يا محمد أن لهم بساتين جامعة من الأشجار العجيبة، والثمار الأنيقة، والظل المديد، تجري من تحتها أنهار الماء، واللبن، والعسل، والخمر، يفجرونها كيف شاءوا، ويصرفونها أين أرادوا، وتشرب منها تلك الأشجار فتنبت أصناف الثمار المتشابهة في الحسن واللذة والفكاهة، ليس فيها ثمرة خاصة، وليس لهم وقت خال من اللذة، فهم دائمًا متلذذون بأكلها.
ثم لما ذكر مسكنهم، وأقواتهم من الطعام والشراب وفواكههم، ذكر أزواجهم، فوصفهن بأكمل وصف وأوجزه، وأوضحه فقال: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [البقرة: ٢٥].
فلم يقل «مطهرة من العيب الفلاني» ليشمل جميع أنواع التطهير فهن مطهرات الأخلاق، مطهرات الخلق، مطهرات اللسان، مطهرات الأبصار، فأخلاقهن أنهن عرب متحببات إلى أزواجهن بالخلق الحسن، وحسن التبعل، والأدب القولي والفعلي، ومطهر خلقهن من الحيض والنفاس والمني، والبول والغائط، والمخاط والبصاق، والرائحة الكريهة، ومطهرات الخلق أيضًا، بكمال الجمال، فليس فيهن عيب، ولا دمامة خلق، بل هن خيرات حسان، مطهرات اللسان والطرف، قاصرات طرفهن على أزواجهن، وقاصرات ألسنتهن عن كل كلام قبيح43.
وهذه الآية الكريمة من الآيات الجامعة في البشرى حيث ذكر فيها: المبشر والمبشر، والمبشر به، والسبب الموصل لهذه البشارة.
فالمبشر: هو الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومن قام مقامه من أمته.
والمبشر: هم المؤمنون العاملون الصالحات.
والمبشر به: هي الجنات الموصوفات بتلك الصفات.
والسبب الموصل لذلك: هو الإيمان والعمل الصالح، فلا سبيل إلى الوصول إلى هذه البشارة إلا بهما، وهذا أعظم بشارة حاصلة، على يد أفضل الخلق، بأفضل الأسباب.
ثانيًا: البشارة بالعقاب:
الغالب في استعمال البشارة أن تكون في الإخبار بما يسر، فهي إذًا مأخوذةٌ من انبساط بشرة الوجه، كما أن السرور مأخوذٌ من انبساط أساريره، وعلى هذا يقولون: إن استعمالها فيما يسوء يكون من باب التهكم، وقيل: إن البشارة تستعمل فيما يسر وفيما يسوء استعمالًا حقيقيًا؛ لأن أصلها الإخبار بما يظهر أثره في بشرة الوجه في الانبساط والتمدد، أو الانقباض والتغضن44.
١. البشارة بالعذاب الأليم.
تستعمل البشرى في الشر بقيد، كما قال تعالى: ( ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ) [النساء: ١٣٨].
والعذاب الأليم: هو الموجع، وذلك عذاب جهنم.
قال ابن عطية رحمه الله: «جاءت البشارة هنا مصرحًا بقيدها، فلذلك حسن استعمالها في المكروه، ومتى جاءت مطلقة فإنما عرفها في المحبوب» 45.
٢. رؤية المجرمين للملائكة لا تبشرهم بخير.
قال تعالى: ( ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ) [الفرقان: ٢٢].
أي: لا يرون الملائكة في يوم خير لهم، بل يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذٍ لهم؛ وذلك يصدق في ثلاث مواضع:
كما قال الله تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ \) [الأنفال: ٥٠].
وقال: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [الأنعام: ٩٣].
أي: بالضرب (ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [الأنعام: ٩٣].
كما روى أبو داود بسنده عن البراء بن عازبٍ قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجلٍ من الأنصار، فانتهينا إلى القبر، ولما يلحد، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله، كأنما على رءوسنا الطير، وفي يده عودٌ ينكت به في الأرض، فرفع رأسه، فقال: (استعيذوا بالله من عذاب القبر) مرتين أو ثلاثًا...، ثم قال: (وإن الكافر) فذكر موته قال: (وتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان: من ربك؟ فيقول: هاه هاه هاه لا أدري، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فينادي منادٍ من السماء: أن كذب فأفرشوه من النار، وألبسوه من النار، وافتحوا له بابًا إلى النار) قال: (فيأتيه من حرها وسمومها) قال: (ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه) زاد في حديث جريرٍ، قال: (ثم يقيض له أعمى أبكم معه مرزبةٌ من حديدٍ لو ضرب بها جبلٌ لصار ترابًا) قال: (فيضربه بها ضربةً يسمعها ما بين المشرق والمغرب إلا الثقلين فيصير ترابًا) قال: (ثم تعاد فيه الروح)47.
كما قال تعالى: ( ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [الزمر: ٧١].
أولًا: الله عز وجل:
بشر الله سبحانه وتعالى عباده ببشارات تنشرح بها الصدور، وتتلألأ بها الوجوه نورًا وبهجة وحسنًا من عظمة ما بشروا به من خير الدنيا والآخرة، من هؤلاء: الأنبياء والرسل، والمهاجرون المجاهدون في سبيله، والذين آمنوا وعملوا الصالحات، وترجع عظمة البشرى لعظمة المبشر بها، وعظمة ما قام به المبشرون.
١. تبشير الأنبياء والرسل بالأولاد الصالحين.
بشر الله الأنبياء والرسل بخير ما في الدنيا وهم الأولاد الصالحين الذين يحملون ميراث الآباء، وهو ميراث النبوة، وأعظم به ميراثًا، من هؤلاء:
كما قال تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ) [الصافات: ١٠١].
وصف الله إسماعيل عليه السلام بالحلم، وهو يتضمن الصبر، وحسن الخلق، وسعة الصدر والعفو عمن جنى.
وقال ابن عاشور رحمه الله: «الحليم: الموصوف بالحلم، وهو اسم يجمع أصالة الرأي، ومكارم الأخلاق، والرحمةبالمخلوق» 48.
كما قال تعالى: ( ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ) [مريم: ٧].
وسماه الله له «يحيى» وكان اسمًا موافقًا لمسماه: يحيا حياة حسية، فتتم به المنة، ويحيا حياة معنوية، وهي حياة القلب والروح، بالوحي والعلم والدين.
٢. تبشير الله سبحانه وتعالى المؤمنين المهاجرين المجاهدين في سبيله بالرحمة والرضوان.
بشر الله تعالى المؤمنين المهاجرين المجاهدين في سبيله بالرحمة الواسعة والرضوان الذي لا سخط بعده، ومصيرهم إلى جنات الخلد والنعيم الدائم.
قال تعالى: ( ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ) [التوبة: ٢٠-٢٢].
«قال ابن عباس رضي الله عنه: هي في المهاجرين خاصة، وأسند التبشير إلى قوله: «ربهم» لما في ذلك من الإحسان إليهم بأن مالك أمرهم والناظر في مصالحهم هو الذي يبشرهم؛ فذلك على تحقيق عبوديتهم لربهم؛ ولما كانت الأوصاف التي تحلوا بها وصاروا بها عبيده حقيقة هي ثلاثة: الإيمان، والهجرة، والجهاد بالمال والنفس، قوبلوا في التبشير بثلاثة: الرحمة، والرضوان، والجنات، فبدأ بالرحمة لأنها الوصف الأعم الناشئ عنها تيسير الإيمان لهم، وثنى بالرضوان؛ لأنه الغاية من إحسان الرب لعبده، وهو مقابل الجهاد؛ إذ هو بذل النفس والمال، وقدم على الجنات؛ لأن رضا الله عن العبد أفضل من إسكانهم الجنة»49.
وقد روى مسلم بسنده عن أبي سعيدٍ الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يقول لأهل الجنة يا أهل الجنة، فيقولون لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا رب، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من خلقك، فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك فيقولون: يا رب وأي شيء أفضل من ذلك، فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدًا)50.
وأتى ثالثًا بقوله: ( ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ) [التوبة: ٢].
أي: دائم لا ينقطع، وهذا مقابل لقوله: «وهاجروا» لأنهم تركوا أوطانهم التي نشأوا فيها، وكانوا فيها منعمين، فآثروا الهجرة على دار الكفر إلى مستقر الإيمان والرسالة، فقوبلوا على ذلك بالجنات ذوات النعيم الدائم، فجاء الترتيب في أوصافهم على حسب الواقع: الإيمان، ثم الهجرة، ثم الجهاد، وجاء الترتيب في المقابل على حسب الأعم، ثم الأشرف، ثم التكميل51.
«وإسناد التبشير إلى الرب بصيغة المضارع، المفيد للتجدد، مؤذن بتعاقب الخيرات عليهم، وتجدد إدخال السرور بذلك لهم؛ لأن تجدد التبشير يؤذن بأن المبشر به شيء لم يكن معلوما للمبشر»52.
٣. تبشير الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات بروضات الجنات.
أخبر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات بأن لهم النعيم والكرامة في الآخرة، وهو البشرى التي يبشر الله بها عباده.
كما قال تعالى: ( ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ) [الشورى: ٢٢-٢٣].
وهذه الآيات دالة على تعظيم حال الثواب من وجوه:
الأول: أن الله سبحانه رتب على الإيمان، وعمل الصالحات روضات الجنات، والسلطان الذي هو أعظم الموجودات وأكرمهم إذا رتب على أعمال شاقة جزاء دل ذلك على أن ذلك الجزاء قد بلغ إلى حيث لا يعلم كنهه إلا الله تعالى .
الثاني: أنه تعالى قال: (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ)، وقوله: ( ﯸ ﯹ ﯺ ) يدخل في باب غير المتناهي؛ لأنه لا درجة إلا والإنسان يريد ما هو أعلى منها.
الثالث: أنه تعالى قال: ( ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ) والذي يحكم بكبره من له الكبرياء والعظمة على الإطلاق كان في غاية الكبر.
الرابع: أنه تعالى أعاد البشارة على سبيل التعظيم، فقال: ( ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ) وذلك يدل أيضًا على غاية العظمة53. وجمع العباد المضاف إلى اسم الجلالة للتقريب، ورفع الشأن.
ثانيًا: الملائكة:
١. تبشير الملائكة مريم بعيسى عليهما السلام.
أخبر تعالى أن الملائكة بشرت مريم عليها السلام بأعظم بشارة، وهو كلمة الله عبده ورسوله عيسى ابن مريم، قال تعالى: ( ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ) [آل عمران: ٤٥].
٢. تبشير الملائكة إبراهيم عليه السلام وزوجه بإسحاق ويعقوب عليهما السلام.
أخبر تعالى أن الملائكة بشرت إبراهيم عليه السلام بإسحاق عليه السلام ، قال تعالى: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [الحجر: ٥٣].
والعليم: أي عليم بالشريعة بأن يكون نبيًا، كما قال في آية الصافات: ( ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ) [الصافات: ١١٢].
والملائكة بشرت زوج إبراهيم عليه السلام بإسحاق ويعقوب عليهما السلام، قال تعالى: ( ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ) [هود: ٧١].
فالمبشر إبراهيم وزوجه، لكن وقت البشارة قد يكون في وقت واحد، وقد يكون في وقتين متقاربين بشروه بانفراد، ثم جاءت امرأته فبشروها.
٣. تبشير المستقيمين على الصراط المستقيم بالجنة.
قال تعالى: ( ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ) [فصلت: ٣٠-٣٢].
يخبر تعالى عن أوليائه، وفي ضمن ذلك، تنشيطهم، والحث على الاقتداء بهم، فقال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) [فصلت: ٣٠].
أي: اعترفوا ونطقوا ورضوا بربوبية الله تعالى ، واستسلموا لأمره، ثم استقاموا على الصراط المستقيم، علمًا وعملًا، فلهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
( ﭘ ﭙ ﭚ) الكرام، أي: يتكرر نزولهم عليهم، مبشرين لهم عند الاحتضار ( ﭛ ﭜ ) على ما يستقبل من أمركم ( ﭝ ﭞ ) على ما مضى، فنفوا عنهم المكروه الماضي والمستقبل (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) فإنها قد وجبت لكم وثبتت، وكان وعد الله مفعولًا ويقولون لهم أيضًا، مثبتين لهم، ومبشرين ( ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ) يحثونهم في الدنيا على الخير، ويزينونه لهم، ويرهبونهم عن الشر، ويقبحونه في قلوبهم، ويدعون الله لهم، ويثبتونهم عند المصائب والمخاوف، وخصوصًا عند الموت وشدته، والقبر وظلمته، وفي القيامة وأهوالها، وعلى الصراط، وفي الجنة يهنئونهم بكرامة ربهم، ويدخلون عليهم من كل باب ( ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ) [الرعد: ٢٤].
ويقولون لهم أيضًا: (ﭭ ﭮ) أي: في الجنة (ﭯ ﭰ ﭱ) قد أعد وهيئ (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) أي: تطلبون من كل ما تتعلق به إرادتكم وتطلبونه من أنواع اللذات والمشتهيات، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) أي: هذا الثواب الجزيل، والنعيم المقيم، نزلٌ وضيافة ( ﭸ ﭹ) غفر لكم السيئات (ﭺ) حيث وفقكم لفعل الحسنات، ثم قبلها منكم، فبمغفرته أزال عنكم المحذور، وبرحمته أنالكم المطلوب54.
ثالثًا: الرسل:
أخبر الله سبحانه وتعالى أن من سنته في خلقه إرسال الرسل ببشارة أهل طاعته بالجنة والفوز العظيم يوم القيامة، وإنذار أهل معصيته بالنار والعقاب الأليم يوم القيامة، فتقوم عليهم الحجة، فيسعد أهل الجنة عن بينة، ويشقى أهل النار عن بينة.
كما قال تعالى: ( ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ) [الأنعام: ٤٨].
وذلك مستلزم لبيان المبشر والمبشر به، والأعمال التي إذا عملها العبد، حصلت له البشارة، وقد تكرر هذا المعنى في مواضع أخر من القرآن.
منها قوله تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ) [النساء: ١٦٥].
فإرسال الرسل لقطع عذر البشر إذا سئلوا عن جرائم أعمالهم، واستحقوا غضب الله وعقابه.
وهذه الحجة التي بعث الرسل لقطعها بينها بقوله: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [طه: ١٣٤].
وأشار لها في قوله: ( ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ) [القصص: ٤٧].
وإنها لتبعة عظيمة ألقيت على الرسل صلوات الله عليهم ومن بعدهم على المؤمنين برسالاتهم، تجاه البشرية كلها، وهي تبعة ثقيلة بمقدار ما هي عظيمة، إن مصائر البشرية كلها في الدنيا وفي الآخرة سواء، منوطة بالرسل وبأتباعهم من بعدهم، فعلى أساس تبليغهم هذا الأمر للبشر، تقوم سعادة هؤلاء البشر أو شقوتهم، ويترتب ثوابهم أو عقابهم، في الدنيا والآخرة.
فأما رسل الله صلوات الله عليهم فقد أدوا الأمانة، وبلغوا الرسالة، ومضوا إلى ربهم خالصين من هذا الالتزام الثقيل، وهم لم يبلغوها دعوة باللسان، ولكن بلغوها -مع هذا- قدوة ممثلة في العمل، وجهادًا مضنيًا بالليل والنهار لإزالة العقبات والعوائق، سواء كانت هذه العقبات والعوائق شبهات تحاك، وضلالات تزين، أو كانت قوى طاغية تصد الناس عن الدعوة وتفتنهم في الدين، كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، بما أنه المبلغ الأخير، وبما أن رسالته هي خاتمة الرسالات، فلم يكتف بإزالة العوائق باللسان، إنما أزالها كذلك بالسنان ( ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ) [البقرة: ١٩٣].
وبقي الواجب الثقيل على من بعده، على المؤمنين برسالته، فهناك أجيال وراء أجيال جاءت وتجيء بعده صلى الله عليه وسلم وتبليغ هذه الأجيال منوط بعده بأتباعه، ولا فكاك لهم من التبعة الثقيلة -تبعة إقامة حجة الله على الناس وتبعة استنقاذ الناس من عذاب الآخرة وشقوة الدنيا- إلا بالتبليغ والأداء على ذات المنهج الذي بلغ به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدى.
فالرسالة هي الرسالة والناس هم الناس، وهناك ضلالات وأهواء وشبهات وشهوات، وهناك قوى عاتية طاغية تقوم دون الناس ودون الدعوة وتفتنهم كذلك عن دينهم بالتضليل وبالقوة، الموقف هو الموقف والعقبات هي العقبات، والناس هم الناس، ولا بد من بلاغ، ولا بد من أداء، بلاغ بالبيان، وبلاغ بالعمل حتى يكون المبلغون ترجمة حية واقعة مما يبلغون، وبلاغ بإزالة العقبات التي تعترض طريق الدعوة، وتفتن الناس بالباطل وبالقوة، وإلا فلا بلاغ ولا أداء، إنه الأمر المفروض الذي لا حيلة في النكوص عن حمله، فمن ذا الذي يستهين بهذه التبعة؟ وهي تبعة تقصم الظهر، وترعد الفرائص، وتهز المفاصل؟! 55.
١. تبشير موسى عليه السلام قومه بالنصر على فرعون في الدنيا والثواب الجزيل في الآخرة.
قال تعالى: ( ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ) [يونس: ٨٧].
٢. تبشير الرسول صلى الله عليه وسلم أمته بما أمره به ربه عز وجل.
أمر الله عز وجل رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بتبشير أصناف من عباده بما يسرهم ويفرحهم في الدنيا والآخرة، وقد امتثل صلى الله عليه وسلم أمر ربه، ومن هذه الآيات:
قوله تعالى: ( ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ) [البقرة: ٢٥].
أي: وأخبر -أيها الرسول- أهل الإيمان والعمل الصالح خبرًا يملؤهم سرورًا، بأن لهم في الآخرة حدائق عجيبة، تجري الأنهار تحت قصورها العالية وأشجارها الظليلة، كلما رزقهم الله فيها نوعًا من الفاكهة اللذيذة، قالوا: قد رزقنا الله هذا النوع من قبل، فإذا ذاقوه وجدوه شيئًا جديدًا في طعمه ولذته، وإن تشابه مع سابقه في اللون والمنظر والاسم، ولهم في الجنات زوجات مطهرات من كل ألوان الدنس الحسي كالبول والحيض، والمعنوي كالكذب وسوء الخلق، وهم في الجنة ونعيمها دائمون، لا يموتون فيها ولا يخرجون منها.
ومنها قوله تعالى: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ) [البقرة: ١٥٥].
أي: وبشر -أيها النبي- الصابرين بما يفرحهم ويسرهم من حسن العاقبة في الدنيا والآخرة.
ومنها قوله تعالى: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ) [البقرة: ٢٢٣].
وبشر المؤمنين -أيها النبي- بما يفرحهم ويسرهم من حسن الجزاء في الآخرة.
ومنها قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ) [التوبة: ١١٢].
أي: وبشر -أيها النبي- هؤلاء المؤمنين المتصفين بهذه الصفات برضوان الله وجنته.
ومنها قوله تعالى: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [يونس: ٢].
أي: وبشر الذين آمنوا بالله ورسله أن لهم أجرًا حسنًا بما قدموا من صالح الأعمال.
ومنها قوله تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ) [الحـج: ٣٤].
أي: وبشر -أيها النبي- المتواضعين الخاضعين لربهم بخيري الدنيا والآخرة.
ومنها قوله تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ) [الحـج: ٣٧].
أي: وبشر -أيها النبي- المحسنين بعبادة الله وحده والمحسنين إلى خلقه بكل خير وفلاح.
ومنها قوله تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [الأحزاب: ٤٧].
أي: وبشر -أيها النبي- أهل الإيمان بأن لهم من الله ثوابًا عظيمًا، وهو روضات الجنات.
ومنها قوله تعالى: ( ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ) [الصف: ١٣].
أي: وبشر المؤمنين -أيها النبي- بالنصر والفتح في الدنيا، والجنة في الآخرة.
ومنها قوله تعالى: ( ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ) [يس: ١١].
أي: وبشر من آمن بالقرآن، واتبع ما فيه من أحكام الله، والخائف من الرحمن بمغفرة من الله لذنوبه، وثواب منه في الآخرة على أعماله الصالحة، وهو دخوله الجنة.
ومنها قوله تعالى: ( ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ) [الزمر: ١٧].
أي: والذين اجتنبوا طاعة الشيطان، وعبادة غير الله، وتابوا إلى الله بعبادته، وإخلاص الدين له، لهم البشرى في الحياة الدنيا بالثناء الحسن والتوفيق من الله، وفي الآخرة برضوان الله، والنعيم الدائم في الجنة.
ومن تتبع الآيات السابقة وجد اختلاف البشرى للمبشرين حسب حالتهم الإيمانية، فكلما زادت الحالة الإيمانية، ومقتضياتها زادت درجات البشرى.
٣. تبشير الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم المنافقين بالعذاب الأليم.
قال تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [النساء: ١٣٨].
أي: وبشر -أيها الرسول- المنافقين -وهم الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر- بأن لهم عذابًا موجعًا.
٤. تبشير الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الكافرين بالعذاب الأليم.
قال تعالى: ( ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ) [آل عمران: ٢١].
أي: إن الذين يجحدون بالدلائل الواضحة، وما جاء به المرسلون، ويقتلون أنبياء الله ظلمًا بغير حق، ويقتلون الذين يأمرون بالعدل، واتباع طريق الأنبياء، فبشرهم بعذاب موجع.
وقال تعالى: ( ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ) [التوبة: ٣٤].
أي: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، إن كثيرًا من علماء أهل الكتاب وعبادهم ليأخذون أموال الناس بغير حق كالرشوة وغيرها، ويمنعون الناس من الدخول في الإسلام، ويصدون عن سبيل الله، والذين يمسكون الأموال ولا يؤدون زكاتها، ولا يخرجون منها الحقوق الواجبة، فبشرهم بعذاب موجع.
وبالمقارنة بين آيات البشرى في حق المؤمنين وحق المنافقين والكافرين نجد كثرة عدد آيات البشرى في حق المؤمنين؛ لأنهم هم المنتفعون بها، وقلة عدد آيات تبشير المنافقين والكافرين، والتي هي على سبيل التهكم؛ تحقيقًا لسنته في خلقه (إن رحمتي سبقت غضبي)56.
وإبرازًا لصفة الرحمة في حق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وحق رسالته، كما قال: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [الأنبياء: ١٠٧].
رابعًا: القرآن:
قال تعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [النحل: ١٠٢].
المراد بالمسلمين الذين آمنوا، فكان مقتضى الظاهر أن يقال: وهدى وبشرى لهم، فعدل إلى الإظهار لزيادة مدحهم بوصف آخر شريف57.
وقال تعالى: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [النحل: ٨٩].
هذه الآية من الآيات الجامعة التي تبين فضل القرآن، فهذا الكتاب الذي نزل به جبريل «فيه الهداية التامة من أنواع الضلالات، والبشارة بالخير الدنيوي والأخروي، لمن آمن به»58.
وقوله تعالى: ( ﭵ ) فالمراد به أن القرآن مشتمل على أمرين:
أحدهما: بيان ما وقع التكليف به من أعمال القلوب وأعمال الجوارح، وهو من هذا الوجه هدى.
وثانيهما: بيان أن الآتي بتلك الأعمال كيف يكون ثوابه وهو من هذا الوجه بشرى؟ ولما كان الأول مقدمًا على الثاني في الوجود لا جرم قدم الله لفظ الهدى على لفظ البشرى.
فإن قيل: ولم خص كونه هدى وبشرى بالمؤمنين مع أنه كذلك بالنسبة إلى الكل؟
الجواب من وجهين:
الأول: أنه تعالى إنما خصهم بذلك لأنهم هم الذين اهتدوا بالكتاب، فهو كقوله تعالى: ( ﭚ ﭛ ) [البقرة: ٢].
والثاني: أنه لا يكون بشرى إلا للمؤمنين؛ وذلك لأن البشرى عبارة عن الخبر الدال على حصول الخير العظيم، وهذا لا يحصل إلا في حق المؤمنين، فلهذا خصهم الله به59.
وقيل: خص الهدى والبشرى بالمؤمنين لأن غير المؤمنين لا يكون لهم هدى به ولا بشرى، كما قال: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [فصلت: ٤٤].
ولأن المؤمنين هم المبشرون (ﮦ ﮧ) [الزمر: ١٧]60.
«فالقرآن هدى وبشرى للقلوب المؤمنة، التي تتفتح له وتستجيب، وهذه حقيقة ينبغي إبرازها، إن نصوص القرآن لتسكب في قلب المؤمن من الإيناس، وتفتح له من أبواب المعرفة، وتفيض فيه من الإيحاءات والمشاعر ما لا يكون بغير الإيمان، ومن ثم يجد فيه الهدى، كما يستروح فيه البشرى»61.
ومن بلاغة القرآن حديثه عن نفسه بأنه (بشرى) المصدر الذي ليس له زمان معين، والمعنى أن القرآن (بشرى) للمؤمنين به في كل زمان بما يناسب هذا الزمان، وبما يناسب حالة المؤمنين الإيمانية، أي (بشرى) القرآن للمؤمنين امتدت طولًا حتى شملت آفاق الزمان، وامتدت عرضًا حتى شملت آفاق الأمم، واختلفت درجات البشرى باختلاف درجات المؤمنين في الإيمان والعمل الصالح.
خامسًا: الرياح:
الرياح أثر من آثار قدرة الله، ورحمة من رحماته على عباده؛ وهي كالرسل؛ ولذلك كانت موصوفة بالخير، كما روى البخاري بسنده عن ابن عباسٍ - رضي الله عنهمـا- قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلةٍ من رمضان، فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة)62.
وقد ذكر سبحانه وتعالى نعمه على خلقه في إرساله الرياح مبشرات بين يدي رحمته، بمجيء الغيث عقيبها؛ الذي ينزله فيحيي به العباد والبلاد، وتجري الفلك في البحر، وتسير بالريح، ويبتغون من فضل الله في التجارات والمعايش، والسير من إقليم إلى إقليم، وقطر إلى قطر، كما قال تعالى: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الروم: ٤٦].
وبين تعالى أثرًا من آثار قدرته، ونفحة من نفحات رحمته، فقال تعالى: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [الأعراف: ٥٧].
أي: الرياح المبشرات بالغيث، التي تثيره بإذن الله من الأرض، فيستبشر الخلق برحمة الله، وترتاح لها قلوبهم قبل نزوله63.
وفي الآية: «تعريض ببشارة المؤمنين بإغداق الغيث عليهم، ونذارة المشركين بالقحط والجوع»64.
أولًا: الرسل:
بشر الله سبحانه وتعالى إبراهيم وزكريا عليهما السلام بالأولاد الصالحين، والذرية الطيبة التي ستكون منها مادة الهداية لأقوامهم، فبهم بعد توفيق الله يهتدي المهتدون، ولعظم هذه البشرى التي حدثت على غير العادة، أرسل الله بها ملائكته لتبشيرهما؛ لأنه سبحانه وتعالى مصدر البشرى، والملائكة والرسل سفراء لقومهم بها.
١. تبشير إبراهيم بإسحاق عليهما السلام مع كبر سنه وسن زوجه.
قال تعالى لإبراهيم على لسان الملائكة: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [الحجر: ٥٣].
وهو إسحاق عليه الصلاة والسلام، وتضمنت هذه البشارة بأنه عليم، أي: كثير العلم، وفي الآية الأخرى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [الصافات: ١١٢].
٢. تبشير الله سبحانه وتعالى إبراهيم عليه السلام بإسماعيل عليه السلام.
بشر الله سبحانه وتعالى إبراهيم عليه السلام بإسماعيل عليه السلام ، كما قال تعالى: ( ﯵ ﯶ ﯷ) [الصافات: ١٠١].
وصف الله إسماعيل عليه السلام بالحلم، والحليم: اسم يجمع أصالة الرأي ومكارم الأخلاق، والرحمة بالمخلوق65.
٣. تبشير زكريا بيحيى عليهما السلام مع كبر سنه وكون امرأته عاقرًا.
قال تعالى: ( ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ) [مريم: ٧-٩].
أي: بشره الله تعالى على يد الملائكة بـ«يحيى» وسماه الله له «يحيى» وكان اسمًا موافقًا لمسماه: يحيا حياة حسية، فتتم به المنة، ويحيا حياة معنوية، وهي حياة القلب والروح، بالوحي والعلم والدين.
ثانيًا: المؤمنون:
بشر الله سبحانه عباده المؤمنين ببشارات عظيمة ترجع لقيامهم بأعمال جليلة منهم المهاجرون المجاهدون في سبيله، وأمر ملائكته أن تبشر المؤمنين المستقيمين على طاعته والمنيبين إليه، وأمر رسوله بتبشير المؤمنين بما ينشطهم على العمل، وما يسرهم ويفرحهم، وجعل القرآن بشيرًا للمؤمنين بالنصر في الدنيا والكرامة في الآخرة، وجعل الرياح مبشرات بالبركات والنماء بعد القحط والجدب.
ثم اختلفت أنواع البشرى باختلاف العمل الصالح الذي قام به المبشرون.
تبشير الرسول صلى الله عليه وسلم أمته بما أمره به ربه عز وجل:
أمر الله عز وجل رسول الكريم صلى الله عليه وسلم بتبشير عباده بما يسرهم ويفرحهم في الدنيا والآخرة، وقد امتثل صلى الله عليه وسلم أمر ربه:
١. بشارة المؤمنين الذين جمعوا مع الإيمان العمل الصالح.
قال تعالى: ( ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ) [البقرة: ٢٥].
٢. بشارة المخبتين.
قال تعالى: ( ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ) [الحـج: ٣٤-٣٥].
بشر المخبتين بخير الدنيا والآخرة، والمخبت: الخاضع لربه، المستسلم لأمره، المتواضع لعباده، ثم ذكر صفات المخبتين فقال: ( ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ) أي: خوفًا وتعظيمًا، فتركوا لذلك المحرمات، لخوفهم ووجلهم من الله وحده (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) من البأساء والضراء، وأنواع الأذى، فلا يجري منهم التسخط لشيء من ذلك، بل صبروا ابتغاء وجه ربهم، محتسبين ثوابه، مرتقبين أجره (ﮟ ﮠ) أي: الذين جعلوها قائمة مستقيمة كاملة، بأن أدوا اللازم فيها والمستحب، وعبوديتها الظاهرة والباطنة (ﮡ ﮢ ﮣ) وهذا يشمل جميع النفقات الواجبة، كالزكاة، والكفارة، والنفقة على الزوجات والمماليك، والأقارب، والنفقات المستحبة، كالصدقات بجميع وجوهها، وأتي بـ(من) المفيدة للتبعيض ليعلم سهولة ما أمر الله به ورغب فيه، وأنه جزء يسير مما رزق الله، ليس للعبد في تحصيله قدرة، لولا تيسير الله له ورزقه إياه، فيا أيها المرزوق من فضل الله، أنفق مما رزقك الله، ينفق الله عليك، ويزدك من فضله66.
٣. بشارة المحسنين.
قال تعالى: ( ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ) [الحـج: ٣٧].
والمحسنون المبشرون هم من عبدوا الله، كأنهم يرونه، فإن لم يصلوا إلى هذه الدرجة عبدوه معتقدين وقت عبادتهم اطلاعه عليهم، ورؤيته إياهم، والمحسنين لعباد الله بجميع وجوه الإحسان من نفع مال، أو علم، أو جاه، أو نصح، أو أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، أو كلمة طيبة ونحو ذلك.
والبشارة المبشرون بها هي سعادة الدنيا والآخرة، وسيحسن الله إليهم، كما أحسنوا في عبادته ولعباده ( ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ) [الرحمن: ٦٠].
( ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ) [يونس: ٢٦]67.
٤. بشارة الخائفين من الله بالغيب.
قال تعالى: ( ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ) [يس: ١١].
أخبر الله في هذه الآية أن من اتصف بالقصد الحسن في طلب الحق، وخشية الله تعالى فهو أحق بالبشارة بمغفرة ذنوبه، والأجر الكريم وهو الجنة.
٥. بشارة المؤمنين بالله واليوم الآخر والمجاهدين.
أخبر الله سبحانه وتعالى المؤمنين المهاجرين والمجاهدين في سبيله بالبشرى منه بالرحمة الواسعة والرضوان الذي لا سخط بعده، ومصيرهم إلى جنات الخلد والنعيم الدائم.
قال تعالى: ( ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [التوبة: ١٩-٢٢].
٦. بشارة المستقيمين على طريق الله.
أخبر الله سبحانه وتعالى أن الذين استقاموا على شريعته، تتنزل عليهم الملائكة عند الموت قائلين لهم: لا تخافوا من الموت وما بعده، ولا تحزنوا على ما تخلفونه وراءكم من أمور الدنيا، وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون بها، كما قال تعالى: ( ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [فصلت: ٣٠-٣٢].
٧. بشارة المتقين:
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [يونس: ٦٢-٦٤].
أي: لهؤلاء الأولياء البشارة من الله في الحياة الدنيا بما يسرهم، وفي الآخرة بالجنة، لا يخلف الله وعده ولا يغيره؛ ذلك هو الفوز العظيم؛ لأنه اشتمل على النجاة من كل محذور، والظفر بكل مطلوب محبوب.
٨. بشارة الصابرين.
أخبر الله الصابرين بأن لهم ثناء ورحمة عظيمة منه سبحانه، وأنهم مهتدون إلى الرشاد.
قال تعالى: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [البقرة: ١٥٥-١٥٧].
ثالثًا: الكفار:
أمر الله رسوله بتبشير الذين كفروا بعذاب موجع في الدنيا بالقتل والأسر والجلاء، وفي الآخرة بالنار وبئس القرار، وذكر الأسباب الموجبة لهذا العذاب:
١. التولي والإعراض عن الحق البين الواضح.
قال تعالى: ( ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ) [التوبة: ٣].
وجعل الإنذار بشارة على سبيل الاستهزاء بهم68.
٢. شراء لهو الحديث ليضل عن سبيل الله.
قال تعالى: ( ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ) [لقمان: ٦].
و (ﭴ ﭵ): الأحاديث الملهية للقلوب، الصادة لها عن أجل مطلوب، فدخل في هذا كل كلام محرم، وكل لغو، وباطل، وهذيان من الأقوال المرغبة في الكفر والفسوق والعصيان، ومن أقوال الرادين على الحق، المجادلين بالباطل ليدحضوا به الحق، ومن غيبة ونميمة وكذب وشتم وسب، ومن غناء ومزامير شيطان، ومن الوسائل الملهية التي لا نفع فيها في دين ولا دنيا، وإضلاله في هذا الحديث صده عن الحديث النافع، والعمل النافع، والحق المبين، والصراط المستقيم، ولا يتم له هذا حتى يقدح في الهدى والحق، ويتخذ آيات الله هزوًا، ويسخر بها، وبمن جاء بها، فإذا جمع بين مدح الباطل والترغيب فيه، والقدح في الحق، والاستهزاء به وبأهله، أضل من لا علم عنده وخدعه بما يوحيه إليه، من القول الذي لا يميزه ذلك الضال، ولا يعرف حقيقته.
وهذا ما تمارسه الأقلام المأجورة في الصحف، ودعاة السوء في القنوات الفضائية الممولة من أعداء الله في الداخل والخارج، وأصحاب مواقع الانترنت الضالة المضلة.
٣. الاستكبار عن سماع آيات الله.
ومن أسباب البشارة بالسوء التي تؤثر في قلب الكافر بالحزن والغم وفي بدنه بالألم الموجع الاستكبار عن سماع آيات الله.
كما قال تعالى: ( ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ) [لقمان: ٧].
قيل: نزلت في أبي جهل، وقيل: في النضر بن الحارث، وما كان يشتري من أحاديث الأعاجم، ويشغل بها الناس عن استماع القرآن، والآية عامة فيمن كان مضارًا لدين الله69.
والبشارة في هذا الموضوع نوع من التهكم المهين يليق بالمتكبرين المستهزئين.
٤. الجحود بالدلائل الواضحة وما جاء به المرسلون، وقتل الأنبياء ظلمًا بغير حق، وقتل الذين يأمرون بالعدل واتباع طريق الأنبياء.
قال تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [آل عمران: ٢١].
فهؤلاء الذين أخبر الله عنهم في هذه الآية أشد الناس جرمًا، وأي: جرم أعظم من الكفر بآيات الله التي تدل دلالة قاطعة على الحق الذي من كفر بها فهو في غاية الكفر والعناد، ويقتلون أنبياء الله الذين حقهم أوجب الحقوق على العباد بعد حق الله، الذين أوجب الله طاعتهم والإيمان بهم، وتعزيرهم، وتوقيرهم، ونصرهم، وهؤلاء قابلوهم بضد ذلك، ويقتلون أيضًا الذين يأمرون الناس بالقسط الذي هو العدل، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي حقيقته إحسان إلى المأمور ونصح له، وهذه الحالة صفة اليهود ونحوهم، قبحهم الله ما أجرأهم على الله وعلى أنبيائه وعباده الصالحين70.
٥. أكل أموال الناس بالباطل وكنز الذهب والفضة وعدم إنفاقها في سبيل الله.
قال تعالى: ( ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ) [التوبة: ٣٤].
هذا تحذير من الله تعالى لعباده المؤمنين عن كثير من الأحبار والرهبان، أي: العلماء والعباد الذين يأكلون أموال الناس بالباطل، أي: بغير حق، ويصدون عن سبيل الله، فإنهم إذا كانت لهم رواتب من أموال الناس، أو بذل الناس لهم من أموالهم، فإنه لأجل علمهم وعبادتهم، ولأجل هداهم وهدايتهم، وهؤلاء يأخذونها ويصدون الناس عن سبيل الله، فيكون أخذهم لها على هذا الوجه سحتًا وظلمًا، فإن الناس ما بذلوا لهم من أموالهم إلا ليدلوهم إلى الطريق المستقيم، ومن أخذهم لأموال الناس بغير حق أن يعطوهم ليفتوهم أو يحكموا لهم بغير ما أنزل الله، فهؤلاء الأحبار والرهبان ليحذر منهم هاتان الحالتان: أخذهم لأموال الناس بغير حق، وصدهم الناس عن سبيل الله.
رابعًا: المنافقون:
أمر الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بتبشير المنافقين بأقبح بشارة وأسوئها، وهو العذاب الأليم، وذلك بسبب محبتهم الكفار وموالاتهم ونصرتهم، وتركهم موالاة المؤمنين، كما قال تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [النساء: ١٣٨].
والعذاب الأليم هو الموجع، وذلك عذاب جهنم.
والمنافقون هم الذين أظهروا الإسلام، وأبطنوا الكفر، فطبع على قلوبهم، ثم وصفهم في الآية التالية بقوله: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [النساء ١٣٩].
أي: الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، بمعنى أنهم معهم في الحقيقة، يوالونهم ويسرون إليهم بالمودة، ويقولون لهم إذا خلوا بهم: إنما نحن معكم، إنما نحن مستهزئون، أي: بالمؤمنين في إظهارنا لهم الموافقة، قال الله تعالى منكرًا عليهم فيما سلكوه من موالاة الكافرين: (ﯞ ﯟ ﯠ ) [النساء: ١٣٩].
وهذا هو الواقع من أحوال المنافقين ساء ظنهم بالله وضعف يقينهم بنصر الله لعباده المؤمنين، ولحظوا بعض الأسباب التي عند الكافرين، وقصر نظرهم عما وراء ذلك، فاتخذوا الكافرين أولياء يتعززون بهم ويستنصرون، والحال أن العزة لله جميعًا، فإن نواصي العباد بيده، ومشيئته نافذة فيهم، وقد تكفل بنصر دينه وعباده المؤمنين، ولو تخلل ذلك بعض الامتحان لعباده المؤمنين، وإدالة العدو عليهم إدالة غير مستمرة، فإن العاقبة والاستقرار للمؤمنين، وفي هذه الآية الترهيب العظيم من موالاة الكافرين؛ وترك موالاة المؤمنين، وأن ذلك من صفات المنافقين، وأن الإيمان يقتضي محبة المؤمنين وموالاتهم، وبغض الكافرين وعداوتهم71.
وهكذا تكشف لنا هذه الآية: «عن طبيعة المنافقين، وصفتهم الأولى، وهي ولاية الكافرين دون المؤمنين، كما تكشف عن سوء تصورهم لحقيقة القوى وعن تجرد الكافرين من العزة والقوة التي يطلبها عندهم أولئك المنافقون، وتقرر أن العزة لله وحده فهي تطلب عنده وإلا فلا عزة ولا قوة عند الآخرين! ألا إنه لسند واحد للنفس البشرية تجد عنده العزة، فإن ارتكنت إليه استعلت على من دونه، وألا إنها لعبودية واحدة ترفع النفس البشرية وتحررها، العبودية لله، فإن لا تطمئن إليها النفس استعبدت لقيم شتى وأشخاص شتى واعتبارات شتى، ومخاوف شتى، ولم يعصمها شيء من العبودية لكل أحد ولكل شيء ولكل اعتبار، وإنه إما عبودية لله كلها استعلاء وعزة وانطلاق، وإما عبودية لعباد الله كلها استخذاء وذلة وأغلال، ولمن شاء أن يختار، وما يستعز المؤمن بغير الله وهو مؤمن، وما يطلب العزة والنصرة والقوة عند أعداء الله وهو يؤمن بالله، وإن الحمية لتكبت في أول الأمر عمدًا، ثم تهمد، ثم تخمد، ثم تموت! » 72.
أولًا: الاستبشار بالخير:
١. استبشار الشهداء بإخوانهم الذين لم يلحقوا بهم.
من فضائل الشهداء وكرامتهم عند الله تسليتهم الأحياء عن قتلاهم وتعزيتهم، وتنشيطهم للقتال في سبيل الله والتعرض للشهادة.
قال تعالى: ( ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ) [آل عمران: ١٦٩-١٧٤].
والمعنى: ويفرحون بمن لم يلحق بهم من إخوانهم الذين فارقوهم وهم أحياءٌ في الدنيا على مناهجهم، من جهاد أعداء الله مع رسوله، لعلمهم بأنهم إن استشهدوا فلحقوا بهم، صاروا من كرامة الله إلى مثل الذي صاروا هم إليه، فهم لذلك مستبشرون بهم، فرحون أنهم إذا صاروا كذلك، ( ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ) أي: لا خوفٌ عليهم لأنهم قد آمنوا عقاب الله، وأيقنوا برضاه عنهم، فقد أمنوا الخوف الذي كانوا يخافونه من ذلك في الدنيا، ولا هم يحزنون على ما خلفوا وراءهم من أسباب الدنيا، ونكد عيشها، للراحة التي صاروا إليها والدعة والزلفة73.
والنعيم الذي قرت به عيونهم، وفرحت به نفوسهم، وذلك لحسنه وكثرته، وعظمته، وكمال اللذة في الوصول إليه، وعدم المنغص، فجمع الله لهم بين نعيم البدن بالرزق، ونعيم القلب والروح بالفرح بما آتاهم من فضله: فتم لهم النعيم والسرور، وجعلوا يبشر بعضهم بعضًا، بوصول إخوانهم الذين لم يلحقوا بهم، وأنهم سينالون ما نالوا، ويهنئ بعضهم بعضًا، بأعظم مهنأ به، وهو: نعمة ربهم وفضله وإحسانه74.
٢. استبشار المؤمنين بفهم آيات القرآن والعمل بها.
قال تعالى: ( ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ) [التوبة: ١٢٤].
أي: يبشر بعضهم بعضًا بما من الله عليهم من آياته، والتوفيق لفهمها والعمل بها، وهذا دال على انشراح صدورهم لآيات الله، وطمأنينة قلوبهم، وسرعة انقيادهم لما تحثهم عليه.
٣. الاستبشار بنزول المطر بعد القحط.
قال تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [الروم: ٤٨].
أي: عند نزول المطر نقطًا صغيرة يبشر الناس بعضهم بعضًا بنزوله؛ وذلك لشدة حاجتهم وضرورتهم إليه، كما قال: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [الروم: ٤٩].
أي: آيسين قانطين لتأخر وقت مجيئه،، فلما نزل في تلك الحال صار له موقع عظيم عندهم، وفرح واستبشار، ولما نزل في هذه الحال على الأرض اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج كريم.
قال تعالى: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [الأعراف: ٥٧].
٤. استبشار الموفين للبيعة مع الله بالفوز العظيم والنعيم المقيم.
أمر الله عباده المؤمنين الموفين للبيعة معه بإظهار السرور والفرح الذي يظهر أثره على بشرة الوجه، ويبشروا بعضهم البعض بما بايعوا الله عليه، وبما وعدهم به من الجنة والرضوان.
فقال تعالى: ( ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ) [التوبة: ١١١].
والفوز العظيم: هو الذي لا فوز أكبر منه ولا أجل؛ لأنه يتضمن السعادة الأبدية، والنعيم المقيم، والرضا من الله الذي هو أكبر من نعيم الجنات، وإذا أردت أن تعرف مقدار الصفقة فانظر إلى المشتري من هو؟ وهو الله -جل جلاله-، وإلى العوض وهو أكبر الأعواض وأجلها، جنات النعيم، وإلى الثمن المبذول فيها وهو النفس والمال، الذي هو أحب الأشياء للإنسان، وإلى من جرى على يديه عقد هذا التبايع وهو أشرف الرسل، وبأي كتاب كُتِب، وهي كتب الله الكبار المنزلة على أفضل الخلق.
٥. الاستبشار بالجنة.
أخبر الله أن الملائكة تقول للمؤمنين والمؤمنات يوم القيامة: لكم البشارة بجنات تجري من تحتها الأنهار، ماكثين فيها أبدًا، كما قال تعالى: ( ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ) [الحديد: ١٢].
فلله ما أحلى هذه البشارة بقلوبهم، وألذها لنفوسهم، حيث حصل لهم كل محبوب، ونجوا من كل شر ومرهوب، ولذلك أخبر الله عن أثر هذه البشارة على وجوههم، فقال تعالى: ( ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ) [عبس: ٣٨-٣٩].
أي: مسرورة فرحة من سرور قلوبهم، قد ظهر البشر على وجوههم.
ومن حسن البيان قوله تعالى: ( ﭚ ﭛ ) [الحديد: ١٢].
فهو ليس إخبارًا عن أمر مستقبل، بل هو أمر كائن يوم القيامة، وأضاف البشرى إلى ضمير المخاطبين لتنال البشرى كل واحد.
ثانيًا: الاستبشار بالسوء:
١. استبشار المشركين بذكر معبوداتهم.
أخبر الله عن حال المشركين بأنهم: إذا ذكر الله وحده نفرت قلوبهم، وإذا ذكر الذين من دونه من الأصنام والأوثان والأولياء إذا هم يفرحون ويسرون؛ لكون الشرك موافقًًا لأهوائهم.
قال تعالى: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [الزمر: ٤٥].
وهذه الحال أشر الحالات وأشنعها؛ لأنها «تصف حالة نفسية تتكرر في شتى البيئات والأزمان، فمن الناس من تشمئز قلوبهم وتنقبض نفوسهم كلما دعوا إلى الله وحده إلهًا، وإلى شريعة الله وحدها قانونًا، وإلى منهج الله وحده نظامًا، حتى إذا ذكرت المناهج الأرضية والنظم الأرضية والشرائع الأرضية هشوا وبشوا ورحبوا بالحديث، وفتحوا صدورهم للأخذ والرد، هؤلاء هم بعينهم الذين يصور الله نموذجًا منهم في هذه الآية، وهم بذاتهم في كل زمان ومكان، هم الممسوخو الفطرة، المنحرفو الطبيعة، الضالون المضلون، مهما تنوعت البيئات والأزمنة، ومهما تنوعت الأجناس والأقوام»75.
٢. استبشار قوم لوط بضيوفه.
أخبر الله سبحانه وتعالى عن قوم لوط أنهم حين علموا بمن عنده من الضيوف، فرحوا واستبشروا بضيوفه؛ ليأخذوهم ويفعلوا بهم الفاحشة، كما قال تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [الحجر: ٦٧].
«والتعبير على هذا النحو يكشف عن مدى الشناعة والبشاعة التي وصل إليها القوم في الدنس والفجور في الفاحشة الشاذة المريضة. يكشف عن هذا المدى في مشهد أهل المدينة يجيئون جماعة، يستبشرون بالعثور على شبان يعتدون عليهم جهرة وعلانية، هذه العلانية الفاضحة في طلب هذا المنكر -فوق المنكر ذاته- شيء بشع لا يكاد الخيال يتصور وقوعه، لولا أنه وقع. فقد يشذ فرد مريض فيتوارى بشذوذه، ويتخفى بمرضه، ويحاول الحصول على لذته المستقذرة في الخفاء، وهو يخجل أن يطلع عليه الناس، وإن الفطرة السليمة لتتخفى بهذه اللذة حين تكون طبيعية، بل حين تكون شرعية، وبعض أنواع الحيوان يتخفى بها كذلك، بينما أولئك القوم المنحوسون يجاهرون بها، ويتجمهرون لتحصيلها، ويستبشرون جماعات، وهم يتلمظون عليها! إنها حالة من الارتكاس معدومة النظير»76.
وفي العصر الحاضر وفي الدول الأوروبية أخذ الشذوذ الجنسي ومخالفة الفطرة في الزواج، طريقه عبر التشريعات والقوانين، ذكرت جريدة الرياض السعودية أنه: «بعد أربع محاولات فاشلة في الثمانية أعوام الماضية، وافقت الهيئة التشريعية بولاية كاليفورنيا على مشروع قانون حقوق الشاذين جنسيًا في كاليفورنيا التي يوجد فيها أكبر جماعات الشاذين، وأكثرها نفوذًا سياسيًا، وكانت نتيجة التصويت على مشروع القانون هي (٢٢) صوتًا موافقًا، واعتراض (١٦) رغم الانتقاضات المريرة من قبل المعارضين»77.
ولقد علا شأن الشذاذ حتى أصبحت لهم محطات إذاعية، ذكرت مجلة المجتمع الكويتية أن: «السلطات الفرنسية منحت الترخيص الرسمي لإذاعات يهودية، وحتى جماعات الشذوذ الجنسي منحوا ترخيصًا بإذاعة خاصة بهم، كما أصبحت لهم أصوات في الانتخابات تؤثر على نجاح الناخبين أو إسقاطهم؛ لذا نجد بعض الرؤساء يلتمسون ودهم، ويسمعون إلى مطالبهم، فقد ذكرت مجلة المجتمع أنه: في الولايات المتحدة تعتبر مدينة سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا عاصمة الشاذين وأصوات هؤلاء الشاذين تمثل ربع ناخبي المدينة تقريبًا، وتقدر نسبة اللوطيين والسحاقيات بواحد من كل عشرة أمريكيين في الولايات المتحدة، مما يجعل عدد الشاذين بين الأمريكيين حوالي ١٧ مليون رجلًا وامرأة من كافة الأصول العرقية والمهنية والغريب في الأمر أن هؤلاء الشاذين لهم مؤسسات تجارية وسياسية مختلفة، وعلى سبيل المثال لا الحصر: تبلغ أرصدة اتحاد أطلس للادخار والقروض للشاذين حوالي ٤٢ مليون دولار»78.
«وتقول الإحصائيات الحديثة أن عدد الشاذين جنسيًا في الولايات المتحدة الأمريكية يبلغون ١٧ مليون، ويقدرهم بعض الباحثين بعشرين مليونًا، وهناك معابد وكنائس خاصة في الولايات المتحدة تقوم بتزويج الرجال بالرجال، والنساء بالنساء في حفلات خاصة.
وفى مدينة لوس أنجلوس فقط يتجمع ثلاثمائة ألف شاذ جنسيًا، وهذا يؤكد ما تقوله دائرة المعارف البريطانية (طبعة ٨٢) من أن أكبر تجمعات الشاذين جنسيًا هي في المدن الكبيرة مثل نيويورك ولوس أنجلوس وشيكاغو ولندن وباريس وأمستردام.
وأبيح الشذوذ الجنسي في بريطانيا، وصدر قانون بذلك وافق عليه مجلس العموم البريطاني بأغلبية (١٦٤) صوتًا ضد (١٠٧) كما وافق عليه مجلس اللوردات بأغلبية (٩٤) صوتًا ضد (٤٩)»79.
إن الحضارة التي تشيع فيها الفاحشة حضارة ميتة، منتهية حتمًا إلى الدمار والهلاك، ومقدمات الدمار والانهيار في الحضارة الغربية تنبئ بالمصير المرتقب لأمم ينخر فيها كل هذا الفساد.
أولًا: آثار البشرى في الدنيا:
للبشرى آثار عظيمة في نفوس المبشرين منها:
ثانيًا: آثار البشرى في الآخرة:
للبشرى آثار في الآخرة تظهر على وجوه المبشرين منها:
قال تعالى: ( ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [آل عمران: ١٠٦]. أي: تبيض وجوه أهل السعادة الذين آمنوا بالله ورسوله، وامتثلوا أمره، وتسود وجوه أهل الشقاوة ممن كذبوا رسوله، وعصوا أمره.
قال تعالى: ( ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ) [يونس: ٢٦]. أي: للمؤمنين الذين أحسنوا عبادة الله فأطاعوه فيما أمر ونهى، الجنة، وزيادة عليها، وهي النظر إلى وجه الله تعالى في الجنة، والمغفرة والرضوان، ولا يغشى وجوههم غبار ولا ذلة، كما يلحق أهل النار.
قال تعالى: ( ﭙ ﭚ ﭛ ) [القيامة: ٢٢]. أي: وجوه أهل السعادة يوم القيامة مشرقة حسنة ناعمة ( ﭡ ﭢ ﭣ ) [القيامة: ٢٤].
ووجوه الأشقياء يوم القيامة عابسة كالحة.
قال تعالى: ( ﰍ ﰎ ﰏ ) [عبس: ٣٨]. أي: وجوه أهل النعيم في ذلك اليوم مستنيرة.
وقال تعالى: (ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ) [عبس:٤٠]. أي: ووجوه أهل الجحيم مظلمة مسودة.
قال تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [الغاشية:٨]. وظهور الذلة على وجوه أهل الشقاوة، قال تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ) [الغاشية: ٢].
موضوعات ذات صلة: |
الإنذار، الترغيب، الترهيب، الدعوة |
1 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني، ص١٢٥، مقاييس اللغة، ابن فارس ١/ ٢٥١، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية،١/٥٨.
2 التعريفات، ص ٤٥.
3 المفردات، ص ٧٨.
4 التحرير والتنوير، ٤/٧٨.
5 مفاتيح الغيب،٣/٦١٣.
6 انظر: المعجم المفهرس، محمد فؤاد عبد الباقي ص ١١٩-١٢١.
7 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص ١٢٥-١٢٧، مقاييس اللغة، ابن فارس ١/٢٥١، بصائر ذوي التمييز، الفيروز آبادي ٢/ ٢٠٠ .
8 انظر: لسان العرب، ابن منظور، ٤/٣٦١.
9 التوقيف، المناوي، ص ١٩٣.
10 الفروق اللغوية، العسكري، ص ٢٦٥.
11 لسان العرب، ابن منظور،١٠/ ٤٥٩، مقاييس اللغة، ابن فارس، ٣/ ٣٩٣.
12 المفردات، الراغب الأصفهاني، ص ٥٠١.
13 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس، ٤/ ٤٩٩.
14 المفردات، الراغب الأصفهاني، ص ٦٢٨.
15 الفروق اللغوية، العسكري، ١/٢٦٥.
16 مقاييس اللغة، ابن فارس، ٥/ ٤١٤.
17 التوقيف، المناوي، ص ٦٤.
18 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني، ص ٧٩٧، الفروق اللغوية، العسكري، ص٧٨.
19 مفاتيح الغيب، الرازي ١٥/٤٢٦.
20 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ٥/٢٤٢.
21 في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/١٤١٠.
22 المنار ١١/٤٤.
23 جامع البيان، الطبري ٢٢/٦١٩.
24 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٣٥٣.
25 نظم الدرر، البقاعي ٣/٣٩٢.
26 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤٣٢.
27 مفاتيح الغيب، الرازي ١٩/١٥١.
28 البحر المحيط ٦/٤٨٦.
29 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤٩٠.
30 انظر: التحرير والتنوير ١٦/١٤.
31 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص١٣٠.
32 انظر: التحرير والتنوير ٢٨/١٦٠.
33 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التعبير، باب المبشرات ٩/٣١، رقم ٦٩٩٠.
34 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود ١/ ٣٤٨، رقم ٤٧٩.
35 جامع البيان، الطبري ٢٢/٦١٩.
36 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٨/١٧٥.
37 جامع البيان، الطبري ١٤/٥١١.
38 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢١/٢٨٤.
39 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٦٧.
40 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ٢/٤٣٢.
41 جامع البيان، الطبري ١٢/١١١.
42 في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/١٧٦٠.
43 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤٦ بتصرف يسير.
44 المنار، محمد رشيد رضا ٥/٣٧٦.
45 المحرر الوجيز ٢/٢١١.
46 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/١٠١.
47 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب السنة، باب في المسألة في القبر وعذاب القبر، رقم ٤٧٥٥.
وصححه الألباني في المشكاة ١/٤٧.
48 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٣/ ١٤٩.
49 البحر المحيط، أبو حيان ٥/٣٨٩.
50 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار ٨/١١٤، رقم ٦٥٤٩، ومسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب إحلال الرضوان على أهل الجنة فلا يسخط عليهم أبدا ٤/ ٢١٧٦، رقم ٢٨٢٩.
51 البحر المحيط، أبو حيان ٥/٣٩٠.
52 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٠/٥٣.
53 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٧/٥٩٣.
54 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٧٤٨.
55 في ظلال القرآن، سيد قطب ٢/٨١١.
56 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب (وكان عرشه على الماء)، ٩/١٢٥، رقم ٧٤٢٢.
57 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٣/٢٣٠.
58 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٠.
59 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٣/٦١٣.
60 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ١/٥١٥.
61 في ظلال القرآن، سيد قطب ١/٩٣.
62 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب صفة النبي، صلى الله عليه وسلم، ٤/ ١٨٨، رقم ٣٥٥٤، ومسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب كان النبي، صلى الله عليه وسلم، أجود الناس بالخير من الريح المرسلة ٤/ ١٨٠٣، ٢٣٠٨.
63 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٢٩٢.
64 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٨/١٣٧.
65 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٣/٦٢.
66 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥٣٨.
67 المصدر السابق.
68 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ٥/٣٧٠.
69 المصدر السابق ٢٥/٣٥٢.
70 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص١٢٦.
71 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٢٠٩.
72 في ظلال القرآن، سيد قطب ٢/٧٨١.
73 جامع البيان، الطبري ٦/٢٣٦.
74 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص١٥٦.
75 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/ ٣٠٥٥.
76 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢١٤٩.
77 انظر: جريدة الرياض ٥٧١٨/٢٨ في ١٧ جمادى الأول ١٤٠٤هـ، ١٨ فبراير ١٩٨٤م.
78 أفول شمس الحضارة الغربية من نافذة الشذوذ الجنسي: مصطفى فوزي غزال، ص٥، ١٩.
79 انظر: ضريبة الخروج على الفطرة: محمد السقا عيد، موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ص٤٢.