عناصر الموضوع
البصر
أولًا:المعنى اللغوي:
البصر من الجذر(ب ص ر) ويعني العين، أو حاسة الرؤية، والجمع أبصار.
يقال: أبصرت الشيء رأيته، والبصير خلف الضرير، والبصر العلم، وبصرت بالشيء: علمته وهو نفاذ في القلب.
ويقال: بَصُرَ بَصَرًا وبَصَارَةً، واستبصر في أمره ودينه إذا كان ذا بصيرةٍ.
والبصيرة اسمٌ لما اعتقد في القلب من الدين، وحقيق الأمر، وهي العلم والخبرة، أو هي البرهان.
والتبصر: التأمل والتعرف، والتبصير: التعريف والإيضاح، والبصير هو العالم1،.
صوأصل كل المعاني وضوح الشيء2.
ومما سبق يتضح أن البصر ورد بمعنى العين وحاسة الرؤية، والعلم، والنور، ويشترك في كل المعاني الوضوح والإدراك.
ثانيًا: البصر اصطلاحًا:
عرفه بعض العلماء «أنها القوة المودعة في العصبتين المجوفتين اللتين تتلاقيان ثم تفترقان، فيتأديان إلى العين تدرك بها الأضواء والألوان والأشكال»3، والبصيرة هي قوة في القلب تدرك بها المعقولات، بمثابة البصر للنفس يرى به صور الأشياء وظواهرها، وهي التي يسميها الحكماء العاقلة النظرية، والقوة القدسية4.
وقد نخلص إلى أن البصر هو تلك القوة الربانية التي أوجدها الله في عيني الإنسان ليدرك بها ما حوله، وأودعها في قلبه وعقله ليميز بين الخبيث والطيب، ويختار لنفسه الطريق الصحيح.
ووردت مادة (بصر) في القرآن الكريم (١٤٨) مرة 5.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
٤ |
(ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [الأنعام:١٠٤] |
الفعل المضارع |
٢٥ |
(ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [هود:٢٠] |
فعل الأمر |
٤ |
(ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [الصافات:١٧٥] |
المصدر |
١ |
(ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [ق:٨] |
اسم الفاعل |
٨ |
(ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) [النمل:١٣] |
الصفة المشبهة |
٥١ |
(ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [فصلت:٤٠] |
اسم |
٥٥ |
(ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [الإسراء:٣٦] |
وجاء البصر في القرآن على ثلاثة وجوه6:
الأول: بصر العين: ومنه قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [يوسف:٩٦].
الثاني: بصر القلب: ومنه قوله تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [الأعراف:١٩٨]. يعني: بقلوبهم.
الثالث: بصر الحجة والبرهان: ومنه قوله: (ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) [طه:١٢٥]. يعني: بصيرًا بالحجة.
النظر:
النظر لغة:
تقليب البصر والبصيرة لإدراك الشيء ورؤيته7، قال ابن فارس: «(نظر) النون والظاء والراء أصل صحيح يرجع فروعه إلى معنى واحد، وهو تأمل الشيء ومعاينته»8.
والنظر يقع على الأجسام والمعاني، فما كان بالأبصار فهو للأجسام، وما كان بالبصائر كان للمعاني9.
النظر اصطلاحًا:
«تقليب البصر والبصيرة لإدراك الشيء ورؤيته، وقد يراد به التأمل والفحص، وقد يراد به المعرفة الحاصلة بعد الفحص، وهو الروية»10.
الصلة بين النظر والبصر:
يوجد تقارب كبير في المفردتين، فهما يشتركان في معنى الرؤية العينية، والعلم، وكذلك يشتركان في مفهوم الانتظار.
الرؤية:
الرؤية لغة:
وتعني إدراك المرئي والإقبال بالبصر نحوه، قد يدرك وقد لا يدرك؛ ولذلك قد ينظر الشخص ولا يرى المرئي، وعليه فيجوز أن يقال لله تعالى: إنه راءٍ، ويقال: إنه ناظر.
الرؤية اصطلاحًا:
هو «المشاهدة بالبصر حيث كان في الدنيا والآخرة»11.
الصلة بين الرؤية والبصر:
المفردتان متقاربتان؛ لأنهما تشتركان في معنيي العلم والمشاهدة بجارحة النظر.
العمى:
العمى لغة:
«هو ذهاب البصر»12.
العمى اصطلاحًا:
هو «ضد البصر والبصيرة»13.
الصلة بين العمى والبصر:
المفردتان متضادتان، فالبصر هو الرؤية والعلم والنور، أما العمى فهو عكسه.
أولًا: تقديم السمع على البصر في مواضع:
تقدم السمع على البصر في العديد من المواضع القرآنية، كقوله عز وجل: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ)[البقرة: ٧].
وقوله تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [البقرة: ٢٠].
قال ابن عجيبة: «قدم في جميع القرآن نعمة السمع على البصر لأنه أنفع للقلب من البصر، وأشد تأثيرًا فيه، وأعم نفعًا منه في الدين، إذ لو كانت الناس كلهم صمًا، ثم بعثت الرسل، فمن أين يدخل عليهم الإيمان والعلم؟ وكيف يدركون آداب العبودية وأحكام الشرائع؟ إذ الإشارة تتعذر في كثير من الأحكام »14.
وقد ذكر الشعراوي ما رآها أسبابًا لتقديم السمع على البصر في القرآن الكريم، وهي:
وقد نبه بعض المتكلمين في فضل السمع على البصر على أن البصر يعتمد على الضوء، ولا رؤية في الظلام، بينما السمع يعمل دون الحاجة إلى شيء، ثم بينوا أن من العلماء من فضل البصر على السمع، وقد استندوا إلى أن أفضل النعيم النظر إلى الرب تعالى وهو يكون بالبصر، والذي يراه البصر لا يقبل الغلط، بخلاف ما يسمع، فإنه يقع فيه الغلط والكذب والوهم، فمدرك البصر أتم وأكمل، وقالوا: إن محله أحسن وأكمل وأعظم عجائب من محل السمع، وبهذا يظهر شرف البصر وفضله16.
قال ابن تيمية: «والتحقيق: أن السمع أوسع والبصر أخص وأرفع، وإن كان إدراك السمع أكثر، فإدراك البصر أكمل»17.
ثانيًا: إفراد السمع، وجمع البصر:
أما إفراد السمع وجمع البصر في كثير من الآيات فله حكمة بينها بعض العلماء، قال ابن عجيبه: «وإنما أفرده (يعني السمع)، وجمع الأبصار والأفئدة لأن متعلق السمع جنس واحد، وهي الأصوات، بخلاف متعلق البصر، فإنه يتعلق بالأجرام والألوان، والأنوار والظلمات، وسائر المحسوسات، وكذلك متعلق القلوب معاني ومحسوسات، فكانت دائرة متعلقهما أوسع مع متعلق السمع»18.
وقد بين الشعراوي أن السبب في إفراد السمع وجمع البصر كون الأذن ليس لها غطاء يحجب عنها الأصوات، كما أن للعين غطاءً يسدل عليها ويمنع عنها المرئيات، فالسمع واحد لي ولك وللجميع، الكل يسمع صوتًا واحدًا، أما المرئيات فمتعددة، فما تراه أنت قد لا أراه أنا، وقد وردت بعض الاستثناءات في ذلك، فقد جاء البصر مفردًا في قوله تعالى: ( ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ )[الإسراء: ٣٦].
لأن الآية تتكلم عن المسئولية، والمسئولية واحدة ذاتية لا تتعدى، فلابد أن يكون واحدًا19.
أثبت الله تعالى لنفسه البصر، وأوجب علينا الإيمان ببصره وبجميع صفاته عز وجل كالسمع والخبرة وغير ذلك، كما غلب في القرآن اقتران اسم الله البصير بالسميع والخبير خاصةً، وسيأتي بيان ذلك فيما يلي:
أولًا: صفة البصر في حق الله تعالى:
تقررت صفة البصر لله تعالى فيما يقارب المائة آية، حيث ختمت كثير من الآيات بفاصلة: ( ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ )[البقرة: ١١٠].
وفاصلة: ( ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ )[آل عمران: ١٥٦].
وفاصلة: ( ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [الأحزاب: ٩].
وقد أكد المولى عز وجل تفرده بالصفات العلا، قال تعالى: ( ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ) [الشورى: ١١].
قال الإمام أبو حنيفة: «لا يشبه شيئًا من خلقه، ولا يشبهه شيء من خلقه»20 .
ثم قال بعد ذلك: «وصفاته كلها خلاف صفات المخلوقين، يعلم لا كعلمنا، ويقدر لا كقدرتنا، ويرى لا كرؤيتنا»21.
والذي يتوجب علينا نحن المسلمين هو الإقرار بما ورد، والإيمان بما صح من غير تشبيه ولا تمثيل، ولا إلحاد ولا تعطيل، بل نذعن ونسلم بذلك، مع إيمان ويقين، ونثبته إثبات وجود بلا تكييف ولا تمثيل، ومن ذلك صفة العين لله تعالى ، فقد أثبتها في قوله عز وجل: ( ﭬ ﭭ ﭮ ) [طه: ٣٩].
وقوله: ( ﰂ ﰃ ) [الطور: ٤٨].
وغيرها من المواضع22.
وفي الآيات الكريمة يثبت الله سبحانه لنفسه عينًا يرى بها جميع خلقه مهما بعدوا أو لطفوا، فلا تؤثر على رؤيته الحواجز والأستار، قال تعالى: ( ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ) [العلق: ١٤].
والرؤية بالعين صفة حقيقية لله عز وجل على ما يليق به، فلا يقتضي إثباتها كونها جارحة مركبة من شحم وعصب وغيرهما، فهي غير جسم ولا جوهر ولا عرض، فلا يعرف لها ماهية ولا كيفية، وقد فسر المعطلة تلك العين بأنها كناية عن الحفظ والرعاية الربانية، وهذا نفي صريح وتعطيل لصفة من صفات كمال الله عز وجل التي لا ينبغي في حقها إلا التصديق والتسليم23.
وقد عاب الله تعالى على المشركين عبادتهم لما لا يسمع ولا يبصر، فقد قال عز وجل على لسان نبيه إبراهيم: ( ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ) [مريم: ٤٢].
أقول: إن لم يكن في إثبات صفة السمع والبصر لله عز وجل غير ما قاله نبي الله إبراهيم في هذه الآية لكفتنا.
قال السعدى: «(البصير) الذي يبصر كل شيء، وإن رق وصغر، فيبصر دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء ويبصر ما تحت الأرضين وما فوق السماوات السبع، وأيضًا بصير بمن يستحق الجزاء بحسب حكمته»24.
وقال ابن القيم: «البصير الذي لكمال بصره يرى تفاصيل خلق الذرة الصغيرة، وأعضائها، ولحمها، ودمها، ومخها، وعروقها، ويرى دبيبها على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء»25.
ثانيًا: حكمة اقتران اسم الله البصير بالسميع والخبير في القرآن:
ذكر ابن القيم: «أن لاقتران صفات الله في الآيات قدرًا زائدًا على مفرديهما، فله بذلك جميع أقسام الكمال: كمال من هذا الاسم بمفرده، وكمال من الآخر بمفرده، وكمال من اقتران أحدهما بالآخر»26.
ولعل في ذكر السميع والبصير في كثير من الفواصل القرآنية دلالة تأكيدية على علم الله الذي يشمل كل شيء، المسموعات والمرئيات ودواخل النفوس.
تأمل قول الله تعالى: ( ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ )[النساء: ١٣٤].
ففي الآية تشجيع على العمل لاستحقاق ثواب الدنيا والآخرة، ولو أفرد الله تعالى السمع مثلًا لدخل في النفس أن الأعمال التي تجعله أهلًا للثواب هي المسموعة فقط، كالذكر والدعاء.. الخ، أما مع اقتران البصر مع السمع تأكد لنا أن الله تعالى يحكم بناءً على كل أعمالنا، ما يسمع منها وما يبصر، فلا يخفى عليه مثقال ذرة، وهو العليم بكل أفعالنا، وفي اقترانهما تكامل يقرر الإحاطة الشاملة والقدرة المطلقة له عز وجل على مراقبة أعمال العباد.
وقد اقترن ذكر البصر مع اسم الله الخبير في بعض الآيات، كقوله تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ )[الأنعام: ١٠٣].
ولا يخفى تجانس إدراك الأبصار، واطلاعه عليها، وعلى ما تطلع عليه مع الخبرة التي تفيد بإحاطته علمًا بكل معلوم27.
والخبير كما وضح ابن القيم: «هو الذي انتهى علمه إلى الإحاطة ببواطن الأشياء وخفاياها كما أحاط بظواهرها، ولعل من الإبداع اقتران الأبصار التي تدرك الظواهر باسم الله الخبير الذي يدرك البواطن»28.
نعم الله تعالى عظيمة، من أهمها نعمة البصر، ومن كمال الشكر الاعتناء بهذه الحاسة، واستعمالها فيما يرضي خالقها، وسنتحدث عن هذه الأمور في السطور الآتية:
أولًا: نعمة الإيجاد:
أوجد الله تعالى لنا نعمة من أجل وأعظم النعم، قال تعالى: ( ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ )[الإنسان: ٢].
وقد ذكر الله عباده بهذه النعمة العظيمة في عدة مواضع، منها قوله عز وجل: (ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ )[الملك: ٢٣].
وقوله تبارك وتعالى: ( ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ )[النحل: ٧٨].
وقوله تعالى: ( ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ )[السجدة: ٩].
فقد خلق الله تعالى أداة الإبصار في دقة متناهية، وجعلها مكونة من طبقات ثلاث، الأولى للحماية الخارجية، والثانية هي المشيمية التي تغذي شبكية العين وتمدها بالأوكسجين، والثالثة هي الشبكية، وهي الطبقة التي تحتوي على الـمستقبلات الضوئية والمسئولة عن البصر، حيث إنها تستقبل الضوء الواقع عليها وتحوله لإشارات كهربائية تنتقل عن طريق الألياف العصبية البصرية، كما تحتوي العين على جسم هلامي كروي شفاف يحافظ على رطوبتها، وكذلك على القرنية والقزحية التي تعطي العين لونها الجميل ويتوسطها البؤبؤ، وفيها نظام دمعي يضمن سلامة العين، وفيها مجموعة من العضلات التي تتحكم بحركة العين للأعلى والأسفل، واليمين والشمال، وتتبادل أدوارها ببالغ الدقة والروعة والتكامل ودون أدنى جهد من البشر، كيف لا تكون كذلك وهي هبة الخالق القادر العظيم تبارك وتعالى وتنزه عن كل نقص29.
قال عز وجل: ( ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ )[الأنعام: ٤٦].
ثانيًا: شكر نعمة البصر:
يعتبر شكر النعم سجيةً من سجايا المحمودين؛ ذلك لأن الكثير من الناس يرفلون بآلاء الله التي لا تعد ولا تحصى، إلا أنهم كثيرو الغفلة عنها، ولا يستشعرونها إلا إذا افتقدوها، وهنا يتضح البون ويظهر فضل الشاكرين على الجاحدين، وقد أمر الله عز وجل عباده أن يتأدبوا بأدب الشكر، يقول تبارك وتعالى مخاطبًا رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم ومن بعده أمته: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ)[الزمر: ٦٦].
وقد حبب الله تعالى إلى عباده أدب الشكر، بأن جعله سببًا لزيادة النعم.
قال تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [إبراهيم: ٧].
يقول السعدي في تفسيره: ( ﭰ ﭱ) «أي على ما أنعمت عليكم بهذه النعم، ودفعت عنكم صنوف النقم، والشكر يكون بالقلب إقرارًا بالنعم واعترافًا، وباللسان ذكرًا وثناءً، وبالجوارح طاعةً لله وانقيادًا لأمره واجتنابًا لنهيه، فالشكر فيه بقاء النعمة الموجودة، وزيادة في النعم المفقودة»30.
وقد امتن المولى عز وجل علينا بنعمة البصر التي لا تقدر بثمن، ولا تقاس بمقياس، فمن خلالها ينتقل المجهول إلى حيز المعلوم، وبها يدرك الإنسان ما حوله، فيميز الجميل من القبيح ويتتبع سلوك البشر، فيعي ببصره الفرق بين الحق والباطل، ولعل من أهم طرق شكر هذه النعمة العظيمة هو استخدامها فيما يرضي الله عز وجل، ومن هذا:
وقد وصف الله المكذبين بأنهم قليلو الشكر، قال تعالى: ( ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ) [السجدة: ٩].
فمن وفقه الله وسدده كان شاكرًا لأنعم الله عليه، عاملًا بهذا الشكر، ومن حرمه الله ذلك فقد خذل وخسر خسرانًا مبينًا31.
يقول القشيري: «وشكرهم عليها استعمالها في طاعته، فشكر السمع ألا تسمع إلا بالله ولله، وشكر البصر ألا تنظر إلا بالله ولله»32.
المعنى أن يكون السمع والبصر بحق الله، ومراعاة حرماته، وهدفه إرضاء الله ونيل مجازاته.
بعد جمع آيات البصر بجميع مشتقاتها، وجد أن البصر ورد في القرآن الكريم بمعنيين هما:
أولًا: بصر حقيقي:
ورد البصر في القرآن الكريم بالمعنى الحقيقي، أي بمعنى النظر بالعين في آيات كثيرة، منها قوله عز وجل: ( ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ )[القصص: ١٢].
وتأتي الآية في سياق قصة سيدنا موسى عليه السلام حينما ألقته أمه في اليم؛ طاعة لله تعالى ، فتلقاه فرعون ورباه في كنفه، فتصف الآية شعور الأم الرءوم التي من رحمتها بابنها طلبت من ابنتها أن تتبع أثر موسى عليه السلام ، فكانت الأخت تتبع أخاها بالنظرات المتوارية كي لا يحسوا بها أو يعلموا أنها أخته، فتتحسس أخباره وتنقلها لأمها حتى تحقق وعد الله للأم، بأن رفض موسى عليه السلام كل المراضع، حتى جاءته أمه فأقبل عليها وعاد إلى أحضانها33.
وقد ذكر الواحدي: «أن أخت موسى أبصرت أخاها بصرًا حقيقيًا لا واهمًا، وقد تابعته تراقبه بعينيها فعرفت إلى من ذهب وماذا حل به»34.
ولا يخفى أن (ﯗ ﯘ) التي ختمت بها الآية مؤكدة أن البصر المقصود في الآية هو الحاسة البشرية التي محلها العين، فهي التي تدرك بالشعور الإنساني.
وقد ذكر البصر بمعناه الحقيقي في قوله تعالى: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ)[الرعد: ١٦].
فقد ضرب المولى عز وجل مثلًا حتى يوضح الفرق بين المؤمن والكافر، فجاء الاستفهام الإنكاري: هل يتساوى الأعمى الذي لا يرى والبصير الذي يرى بعينه كل شيء؟ وهل الظلمة الحالكة كالضياء الذي يمكن الإنسان من رؤية الأشياء؟
ونعلم أن المثل القرآني يقوم بتشبيه الخفي بالجلي المعلوم لدى البشر حتى يرغب أو يرهب، والجلي لدينا هو الحاسة الناظرة، فقد شبه الكافر الذي ارتكب الكفر بالأعمى الذي فقد بصره فتاه واحتار، وشبه المؤمن الذي تلبس بالإيمان بالبصير الذي يميز الأشياء وخصائصها، ويتلذذ بنعم الله حوله35.
وكذلك ورد المعنى الحقيقي للبصر في قوله عز وجل: ( ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ )[الإسراء: ٣٠].
فالبصير في الآية هي صفة من صفات الله عز وجل التي أثبتها لنفسه، فنؤمن بها دون تحريف أو تكييف أو تمثيل، ونقر أن لله تعالى بصرًا لا كبصرنا، وسمعًا لا كسمعنا، تعالى وتنزه عن كل نقص36، فهو الذي يرى عباده ويطلع على أحوالهم، وما يحتاجون فيمدهم بالرزق والعون37.
ثانيًا: بصر معنوي:
جاء البصر ومشتقاته بمفهوم آخر غير الحاسة المتعلقة بالعين الباصرة، فقد وردت البصيرة في قوله تعالى: ( ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ )[يوسف: ١٠٨].
وكان المقصود بالبصيرة الحجة الواضحة، التي يستدل على قدرة الله وإرادته وعلمه وحكمته ووحدانيته من خلالها، والتي تعتمد على الآيات الكونية الكثيرة، وعلى الأدلة النظرية والعقلية38.
وقد ذكر أن معنى ( ﮇ ﮈ ) هنا أي على «علم ويقين، من غير شك، ولا امتراء، ولا مرية»39.
وكذلك أتى البصر المعنوي في قوله جل وعلا: ( ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ )[الجاثية: ٢٣].
حيث ضل من جعل مع الله إلهًا من الهوى، فأطاعه حتى ختم على حواسه فهو لا يتعظ، وقد جعل على بصره الإدراكي غشاوة مانعةً عن الاستبصار والاعتبار، وعن فهم الآيات وسماع الحق40.
وقد ورد البصر المعنوي في قوله تعالى: ( ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ )[آل عمران: ١٣].
والآية تصف ما حصل يوم بدر، فقد رأى الكفار - على كثرتهم- المسلمين القليلين ضعفيهم، أو على المعنى الثاني وهو أن المسلمين رأوا الكفار مثليهم، وهم في الحقيقة كانوا ثلاثة أمثالهم، والعبرة في أيٍ من المعنيين هي نزول تأييد الله ونصره لعباده المؤمنين المتقين، ولا يدرك هذه العبرة إلا أولي ( ﮞ ) أي العقول المدركة التي تتدبر سنن الله في خلقه41.
وجاءت البصائر بمعنى البرهان أو القرآن، كما في قوله تعالى: ( ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ )[الأعراف: ٢٠٣].
قال ابن أبي زمنين عن البصائر: هي «القرآن»42، أي أن معنى الآية: قل لهم يا محمد على سبيل التبكيت ردًا على تهكمهم بك: إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي فأنا متبع لا مبتدع، فأنا أبلغكم الوحي دون تغيير أو تبديل43.
وفي الاستخدام المعنوي تشبيه بليغ، فقد شبه الدلالات على صدق النبوة وبرهان القرآن الكريم المعجز بالبصائر، حيث حذفت أداة التشبيه ووجه الشبه.
والمعنى: هذا القرآن بمنزلة بصائر القلوب التي تجعلها تدرك وتقر44ز
والبصائر التي أمدنا بها كتاب الله تعالى بها يبصر الإنسان الحق، ويدرك الصواب، وهي الحجج البينة، والبراهين النيرة على وحدانية الخالق، وعلى كماله وجلاله -عز وعلا-45.
كما تكرم الله تعالى علينا بالبصر، أوجب علينا صيانته وحفظه، والتقصير في ذلك نكران للنعمة، لذا نحن مسئولون عنه ملزمون بتهذيبه ومنعه من الوقوع فيما حرم الله، فهو شاهد علينا يوم القيامة، ولبيان ذلك نفصل الحديث كما يلي:
أولًا: مسئولية البصر:
البصر نعمة وأمانة، وفي التقصير بهذه النعمة العظيمة جحود ونكران، ولعلنا مسئولون عن توجيه البصر بنوعيه للخير، فعلينا أن نقوي بصيرتنا ونغذيها بالعلم والإيمان، كما علينا الاهتمام ببصرنا من خلال حفظ العين من الإصابة بمكروه، فلا يعرضها الإنسان إلى الأخطار ولا يهملها إذا ما تعرضت للأسقام، بل يعتني بها كل العناية، وعليه حفظها من النظر إلى ما حرم الله تعالى ، فلا يتلفها بالتلصص على الآخرين، أو باستراق النظر إلى النساء الأجنبيات، فهذا باب الزنا ومدخله الأساس؛ فلا يتصور أن يتجرأ الإنسان على انتهاك الحرمات والسقوط في الرذائل وهو غاضٌ لبصره، إذ لابد للشيطان من مدخل يدمر به الأخلاق ويزين من خلاله الفاحشة، وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء)46.
قال ابن عاشور: «ولم يذكر الرجال لأن ميل النساء إلى الرجال أضعف في الطبع، وإنما تحصل المحبة منهن للرجال بالإلف والإحسان»47.
لكنهن مأمورات أيضًا بغض البصر عمن لا يحل لهن: قال تعالى: ( ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [النور: ٣١].
فالأمر بالغض عام للجنسين؛ لأن السماح للعين برؤية الحرام يجعلها تعتاد وتدمن على ذلك، وهذا الأمر يورث خللًا في السلوك وضعفًا في الإيمان، وقد يسبب لصاحبه مشاكل اجتماعية ونفسية جمة، فالحرام يجر حرامًا، والنظر الحرام لا يأتي بخير.
ثانيًا: صيانة البصر:
على المسلم صيانة بصره وتربيته على عدم النظر إلى الحرام، ومن الأمور التي تساعد على ذلك:
والرسالة الموجهة إلى الآباء والأمهات هي أن يتقوا الله في أبنائهم، فقد جعلوا أمانة عندهم، فليراقبوهم جيدًا، وليحرصوا أن يوجهوهم إلى ما فيه النفع للأمة، فالنفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية، والشاب يملك القوة والوقت اللذين يمكنانه من الإبداع والابتكار إن لم تترك طاقاته فريسة للشهوات والنزوات.
وعلى رجال الإعلام تقوى الله فيما يبثون من أفكار، فعقول الشباب أمانة، وعليهم استغلالها وتوجيهها إلى ما فيه خير الأمة.
أما ولاة الأمر فعليهم أكبر المسئوليات؛ لأنهم يملكون الميزانيات التي يمكن أن تنفق في إصلاح الإعلام ورقابته، وزيادة وعي الناس بالتثقيف ونشر الدعاة، بدلًا من إتلافها فيما لا تستفيد منه الأمة لا من قريب ولا من بعيد.
ثالثًا: شهادة البصر:
قرر القرآن الكريم أن أعضاء الجسم تشهد يوم القيامة على صاحبها، فتنطق بما فعلت في الدنيا، قال تعالى: ( ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [القيامة: ١٤].
وقد ذكر الطبري في تفسيره للآية: «أن جوارح الإنسان كلها من سمع وبصر وأيدي وأرجل، وكل الأركان تشهد بما فعل من خير وشر»49، ولا حاجة لله تعالى بهذه الشهادة لأنه عز وجل: ( ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [غافر: ١٩].
لكنه عز وجل يجعل من شهادة الجوارح أمام صاحبها حجة له أو عليه، وفي الحديث الشريف عن أنس بن مالك، قال: (كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك، فقال: هل تدرون مم أضحك؟ قال قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: من مخاطبة العبد ربه، يقول: يا رب ألم تجرني من الظلم؟ قال: يقول: بلى، قال: فيقول: فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدًا مني، قال: فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيدًا، وبالكرام الكاتبين شهودًا، قال: فيختم على فيه، فيقال لأركانه: انطقي، قال: فتنطق بأعماله، قال: ثم يخلى بينه وبين الكلام، قال فيقول: بعدًا لكن وسحقًا، فعنكن كنت أناضل)50.
وقال تعالى: ( ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ )[الإسراء: ٣٦].
والمعنى: أن حواس الإنسان تسأل، يسأل السمع على حدة عما سمع، ويسأل البصر على حدة عما بصر، ويسأل القلب عما عزم51.
فالمسئولية ثابتة في حق جميع الأركان، وفي حق البصر والبصيرة على حد سواء.
من كمال حكمة الله تعالى أن جعل العين البشرية تدرك بعض الأمور؛ لغاية الاهتداء والعبادة، وتعجز عن إدراك أمور أخرى استأثر الله تعالى بها في علم الغيب عنده، نبين المـدركات وغير المـدركات كما يلي:
أولًا: ما يدركه البصر:
١. الآيات في الآفاق.
من حكمة الله جل وعلا أن تدرك العين البشرية جزءًا من قدرات الله المطلقة في آيات الكون؛ حتى تذعن وتستسلم للخالق العظيم الذي ليس له ندٌ، فهي تبصر خلق السماء بلا عمد، قال تعالى: ( ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ)[الرعد: ٢].
فالسماء أعجوبة بتوازنها ومكوناتها، وقد ذكر بعض المفسرين: «أنها مرفوعة بأعمدة ربانية لا يراها الإنسان، لكن العين وإن لم تدرك العمد فإنها تدرك الأعظم، وهي السماء المحكمة البديعة التي تحمل الخير والغيث، وتتألق فيها النجوم والكواكب»52.
وحفظ السماء هو بحد ذاته آية من الآيات العظيمة، قال تعالى: ( ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ )[الأنبياء: ٣٢].
فلم يكن فيها -على كبر مساحتها- صدوع أو فتوق53، وفي الآية: ( ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ )[الحج: ٦٥].
قال ابن كثير: «فالله هو الذي يمسكها بقدرته وفضله، وكونها كذلك هو الأكمل في القدرة»54.
ومما تدركه العين أيضًا نزول الغيث من السماء الذي تتجلى فيه قدرة الله تعالى العظيمة، حيث يمر الماء بمراحل التبخر من المسطحات المائية بفعل الحرارة، ثم التكثف بفعل البرودة والنزول على هيئة ماء صافٍ عذب يشربه الناس ويسقي الزرع؛ فيخرج الثمر بإذنه تعالى: ( ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [البقرة: ٢٢].
ومن آياته التي تتجلى في السماء تسخير الشمس والقمر، يقول عز وجل: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [إبراهيم: ٣٣].
أي: خلقهما دائرين لإدارة الزمان وتجديد الأيام، وعدد الشهور والأعوام، وتنظيم الهواء على الوجه الملائم لمصالح البشر ومعايشهم، كل هذا بنظام بالغ الدقة والحكمة55.
قال تعالى: ( ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ )[الحجر: ١٦].
وقد فسرت البروج في الآية بالنجوم، تشبيهًا لها بحصون الأرض وقصورها؛ لأن النجوم هياكل فخمة عظيمة، وقد زينت السماء بتلك النجوم المختلفة الأشكال والأضواء المرئية للناظرين إلى حركاتها وأضوائها، أو للمتفكرين المعتبرين المستدلين بها على قدرة موجدها ووحدانيته56.
وفي الآية الكريمة: ( ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [البقرة: ١٦٤].
يقول سيد قطب: «وهذه الطريقة في تنبيه الحواس والمشاعر جديرة بأن تفتح العين والقلب على عجائب هذا الكون، العجائب التي تفقدنا الألفة جدتها وغرابتها وإيحاءاتها للقلب والحس، وهي دعوة للإنسان أن يرتاد هذا الكون كالذي يراه أول مرة مفتوح العين، متوفز الحس، حي القلب، وكم في هذه المشاهد المكررة من عجيب وكم فيها من غريب، وكم اختلجت العيون والقلوب وهي تطلع عليها أول مرة، ثم ألفتها ففقدت هزة المفاجأة، ودهشة المباغتة، وروعة النظرة الأولى إلى هذا المهرجان العجيب»57.
ومن فضل الله علينا أنه يذكرنا دومًا بضرورة التأمل في آياته الكثيرة، قال تعالى: ( ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) [النحل: ٧٩].
فمن يقدر على تسخير هذا الطير الذي نراه في الجو؟ إنه الخالق العظيم! ثم قال تبارك وتعالى: ( ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [الحج: ٦٥].
فقد أنعم علينا بالأرض وما فيها وعليها، وبالفلك التي تسير في البحر لتنقلنا من مكان إلى آخر، وقد أنعم علينا كذلك بمطعومات البحر وحليته، وكانت هذه النعم المسخرة للإنسان عبرة لمن له عين تبصر وقلب يدرك.
قال عز وجل: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [النحل: ١٣].
وقال أيضًا: ( ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [النحل: ١٤].
وقد نبه الله تعالى على نعمه الوفيرة، مثل تثبيت الأرض، ووجود الأنهار والبحار، والدواب التي نتخذ منها طعامنا ووسيلة نقلنا وملبسنا، والبيوت التي تقي الإنسان البرد والحر، وكل ما خلق.
يقول رب العزة: ( ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [النحل: ١٥-١٨].
ويقول أيضًا: ( ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [النحل: ٨٠-٨١].
٢. الآيات في الأنفس.
أجل النعم التي أنعمها الله تعالى علينا هي خلقنا، فقد أبدع تعالى في تكوين الإنسان، ابتداءً بإخراجنا من ذلك الماء المهين.
قال تعالى: ( ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [يونس: ٣١].
والمعنى إخراج الناس الأحياء من النطف، والنطف من الأحياء، وكذلك الأنعام والنبات الذي يخرج من البذور اليابسة58.
ثم تطور مراحل الخلق مرورًا بمرحلة النطفة والعلقة والمضغة ثم خلق العظم واللحم واكتمال جميع الحواس.
يقول المولى عز وجل: ( ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [المؤمنون: ١٢-١٤].
وكذلك تفضل الله تعالى علينا بإبداع الخلق في أجسامنا، والمطلع بقليل من التفكر في خلق الإنسان يدرك أن هذا التكامل بين أجهزة جسم الإنسان، وتوافق عملها بهذه الآلية لابد وأنه من صنع خبير قدير، وليتأمل جهازه البصري.
قال تعالى: ( ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ )[الإنسان: ٢].
ذلك الجهاز فائق الدقة الذي ينقل له كل ما يدور حوله بكل التفاصيل الشكلية واللونية، ثم لينظر إلى طريقة عمل جهازه السمعي، وكيف تنتقل الذبذبات الصوتية في أجزاء الأذن بكل سلاسة، وليتخيل كيف يمكن أن يكون حاله لو خلق بلا سمع، ولو تأمل قليلًا في جهازه الهضمي وكيف يعمل في هدوء ونظام لينتج للجسم ما يحتاجه من عناصر، ويخلصه مما يضره من سموم، وكيف له أن يعيش إن ثقبت معدته أو أزيلت أمعاؤه؟ وكيف سنشعر بالأشياء من حولنا إن فقدنا الشعور بالإحساس في جلدنا؟
إنه التفكر، ما يلزمنا للارتقاء بعقولنا وزيادة إيماننا بالله عز وجل، فقد وجهنا ربنا إلى ذلك في قوله: ( ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ )[الطارق: ٥-٧].
وقوله: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ)[الحج: ٥].
٣. آثار إهلاك الأمم السابقة.
من الأمور التي ندركها بأبصارنا أيضًا آثار إهلاك الأمم الماضية، فالكثير منها باقٍ إلى يومنا هذا، ولا يأخذ العبرة منها إلا من يعتبر، قال تعالى: ( ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ) [الأنعام: ١١].
أي سافروا في الأرض فانظروا وتأملوا ماذا حل بالمكذبين الكفرة من هلاك وعذاب، وكيف أصبحوا عبرة للمعتبرين59.
وقد أتى الأمر للكفار بالتفكر أثناء سيرهم، فقد كانت قوافل القرشيين إلى الشام واليمن يجعلها قادرة على أن ترى آثار المكذبين، سواء من أهل ثمود أو قوم عاد أو غيرهم، وكان عليهم أن يأخذوا العبرة من ذلك ويؤمنوا، والآية عامة لكل من له عين تبصر وعقل يدرك60.
وقد أثبت الله تعالى وجود آثار إهلاك الأمم البائدة في أكثر من موضع، وأكد وجود آثار المساكن التي عاشوا فيها.
قال تعالى: ( ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ )[العنكبوت: ٣٨].
فقد كان أهل مكة يمرون على أماكن سكنى الأمم السابقة في الحجاز واليمن، وبالرغم من ذلك استسلموا للشيطان الذي زين لهم كفرهم وعنادهم، وكفروا مع إبصارهم للحق وتمييزهم61.
والتبيان المذكور في الآية مدرك بالبصر، ويستحيل أن يحثنا الله تعالى على التفكر في آثار إهلاك الكافرين دون تمكن حواسنا من إدراك هذه الآثار!.
وتثبت الدراسات التاريخية التي تكتشف يوما بعد يوم هذه الآثار، فمنذ أعوام اكتشفت آثار يعتقد أنها لمدينتي سدوم وعمورة اللتين وجدتا في قاع البحر الميت في المياه الأردنية، والتي يعتقد الباحثون أنها أنقاض قوم لوط الذين أهلكهم الله سبحانه وتعالى بعد ارتكابهم الفاحشة وعصيانهم لأمر ربهم الذي أتاهم عبر نبيهم لوط عليه السلام62.
وجسد فرعون شاهد على عقاب الله للكافرين، يراه الناس إلى يومنا هذا فيتعظ من يتعظ ويغفل من يغفل.
يقول عز وجل: ( ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ )[يونس: ٩٢].
فقد شكك بنو إسرائيل أول الأمر في غرق فرعون وقالوا عله تأخر في البحر لعلة، فأمر الله تعالى البحر أن يلفظه، فألقاه على نجوة مرتفعة ليكون عبرة للمعتبرين من قومه وممن تبعهم إلى يومنا، وما التمثال الموجود في مصر لرمسيس الثاني إلا جثته الباقية، والله أعلم.
٤. النعيم والعذاب يوم القيامة.
من كمال عدالة الله عز وجل أن يرى المؤمن ببصره الثاقب يومئذ النعيم الذي أعده الله له، كما يرى الكافر عذابه بذات الحاسة.
قال تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ)[ق: ٢٢].
وقال: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [البقرة: ١٦٥-١٦٦].
وقد ذكر الطبري في تفسيره «أن الذين ظلموا سيعاينون عذاب الله بأمهات أعينهم، وسيتبرأ القدوات في المنكرات من المقتدين بهم»63.
يقول طنطاوي: «وعبر بالماضي في قوله: (ﮓ ﮔ ﮕ) لتحقق الوقوع، وكل ما كان كذلك فإنه يجرى مجرى ما وقع وحصل»64.
ويؤكد رؤية العذاب يوم القيامة قوله عز وجل: ( ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ )[يونس: ٩٧].
وقوله جل وعلا: ( ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ )[القصص: ٦٤].
أما أصحاب الجنة فيتلذذون بفضل الله ونعمه عيانًا، يقول الله تبارك وتعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ)[الأعراف: ٤٥].
أي: سيجد أصحاب الجنة ما وعدوا به من نعيم، وسينادي أصحاب الجنة أصحاب النار قائلين: هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا؟ تهكمًا بهم وتقريعًا لهم65، بعد أن حمدوا الله تعالى على ما أعطاهم.
قال تعالى: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ)[يونس: ٩-١٠].
وقد أكد الله عز وجل مشاهدة النعيم بالعين، وقمة النعيم هو رؤية وجه الله عز وجل في الجنة، قال تعالى: ( ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ )[يونس: ٢٦].
وقد فسرت الزيادة برؤية وجه الله الكريم في الجنة66.
وفي موضع آخر يقول المولى عز وجل: ( ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ )[القيامة: ٢٢-٢٣].
وقد ذكر مجاهد أن الله تعالى نضر وجوه أهل الجنة بالنظر إلى وجهه الكريم67.
وفي الحديث: (إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال: يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة، وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل)68.
ثانيًا: ما لا يدركه البصر:
أراد الله تعالى بحكمته البالغة أن يغيب عن حواسنا أو علمنا بعض الأمور، فتكون في علمه عز وجل وحده، ومن تلك الأمور:
١. إدراك المولى عز وجل في الدنيا.
يقول الحق عز وجل: ( ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ )[الأنعام: ١٠٣].
أي «لا يراه شيء، وهو يرى الخلائق»69، أو لا تحيط به الأبصار وهو يحيط بالأبصار، أو أن الأبصار لا تدركه؛ لأنها تدرك كل ذات لون، ولما امتنع أن يكون ذا لون امتنع أن يكون مرئيًا، وهناك من قال: إن أبصار المؤمنين لا تراه في الدنيا، بينما تراه في الآخرة، وأن أبصار المشركين لا تراه دنيا وأخرى70.
٢. مفاتح الغيب.
يقول المولى عز وجل: ( ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ )[الأنعام: ٥٩].
ومفاتح الغيب هي خزائن ما غاب عن ابن آدم من الرزق، والمطر، ونزول العذاب، والثواب والعقاب71.
وقد ذكر الطبري في تفسير مفاتح الغيب التي استأثر الله بعلمها، فلم يطلع عليها ملكًا مقربًا ولا نبيًا مرسلًا أنها مثل: ( ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ) فلا يدري أحد من الناس متى تقوم الساعة، في أي سنة، أو في أي شهر، أو ليل، أو نهار ( ﯰ ﯱ ) فلا يعلم أحد متى ينزل الغيث، ليلًا أو نهارًا ينزل؟ ( ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ) فلا يعلم أحد ما في الأرحام، أذكر أو أنثى، أحمر أو أسود، أو ما هو؟ ( ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ) خير أم شر، ولا تدري يا ابن آدم متى تموت؟ لعلك الميت غدًا، لعلك المصاب غدًا؟ (ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) ليس أحد من الناس يدري أين مضجعه من الأرض في بحر أو بر، أو سهل أو جبل 72.
ولعل مفاتح الغيب من القضايا الغيبية المحضة التي يستحيل تحصيل العلم بها، لكن الله عز وجل ربطها بما ألفته النفس واستحضرته، فقد ذكر بعد الإشارة إلى مفاتح الغيب التي لا يعلمها إلا هو، أنه يعلم أيضًا ما في البر والبحر وسقوط الأوراق؛ حتى يقرب الصورة إلى أذهاننا، والله أعلى وأعلم بماهية تلك المفاتح73.
٣. المخلوقات غير المبصرة.
أقسم الله جل وعلا بنفسه المقدسة الموصوفة بصفاته، أو بآياته المستلزمة لذاته وصفاته، وإقسامه ببعض مخلوقاته دليل على أنها من عظيم آياته74.
وقد بين الله عز وجل أنه قد أقسم بأمور نبصرها وأمور لم نبصرها، فقال: ( ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ)[الحاقة: ٣٨-٤٠].
فالله جل وعلا أقسم على كل خلقه الذين نراهم والذين لا نراهم على صحة القرآن الكريم75.
وذكر في التفسير المنسوب لابن عباس رضي الله عنه قوله: «يقال: بما تبصرون، يعني السماء والأرض، وما لا تبصرون يعني الجنة والنار. ويقال: بما تبصرون يعني الشمس والقمر، وما لا تبصرون العرش والكرسي. ويقال: بما تبصرون يعني محمدا صلى الله عليه وسلم ، وما لا تبصرون يعني جبريل أقسم الله بهؤلاء الأشياء»76.
وقد يكون المقصود أن الله تعالى قد أقسم بما نبصر وهي المخلوقات كالشمس والليل والفجر والنهار، وما لا نبصر وهي ذات المولى عز وجل، التي أقسم بها في قوله تعالى: ( ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ)[المعارج: ٤٠].
وقوله: ( ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [النساء: ٦٥].
ويتبين أن الله عز وجل قد ذكر في كتابه الكريم الأمور المدركة ببصر الإنسان كثيرًا بينما لم يشر إلى الأمور غير المدركة بالبصر بكثرة، ولا يخفى ما في هذا من رحمة، فالمقصد الأساس من القرآن هو هداية البشر إلى توحيد الله، وإفراده عز وجل بالعبادة دون سواه، ولا تتم هذه الهداية بحق إلا بالبراهين التي تدركها حواس البشر، وتصل بهم إلى اليقين بأن الله تعالى هو المبدع لهذا الكون المتوازن، وهو وحده الذي يستحق العبادة دون شريك.
تصاب عين الإنسان بآفات مختلفة، منها ما هو متعلق بابتلاء دنيوي كالأمراض الجسدية المختلفة، ومنها ما هو متعلق بعقاب إلهي، أو أمر أخروي، ومن هذه الآفات ما يلي:
١. الغشاوة.
يقول المولى عز وجل في حق الكافرين: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [يس: ٩].
وقال أيضًا: ( ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [البقرة: ٧].
وقد عرفت الغشاوة لغة أنها «ما غشي القلب من الطبع، والغشاء: الغطاء»77.
وعرفت اصطلاحًا أنها «ما يتركب على وجه مرآة القلب من الصدأ، ويكل عين البصيرة، ويعلو وجه مرآتها»78.
وقد ذكر الطبري «أن الله يصيب الكافرين بغشاوة فهم لا يبصرون هدى ولا ينتفعون به»79.
وذكر الشوكاني في معنى الغشاوة «أنهم عموا عن البعث، وعموا عن قبول الشرائع في الدنيا، وقرأ الجمهور بالغين المعجمة: أي غطينا أبصارهم، فهو على حذف مضاف. وقرأ ابن عباس، وعمر بن عبد العزيز وغيرهم بالعين المهملة من «العشا»، وهو ضعف البصر»80.
٢. الطمس.
ذكر الطمس في القرآن الكريم في حق آل لوط الذين راودوه عن ضيفه من الملائكة وأرادوهم بسوء، قال تعالى: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ)[القمر: ٣٧].
وقد ذكر أن «المطموس هو الذي لا يتبين له حرف جفن عينيه، ولا يرى شفر عينيه»81.
وقد نقل المناوي أن «الطمس هو محو الأثر، فهو تغير إلى الدثور والدروس»82.
وعن السدي قال: «لما قال لوط: ( ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ )، بسط حينئذ جبريل عليه السلام جناحيه، ففقأ أعينهم، وخرجوا يدوس بعضهم في أدبار بعض عميانًا يقولون: النجاء النجاء! فإن في بيت لوط أسحر قوم في الأرض»! 83.
وذكر سيد قطب «أنهم لم يعودوا يرون شيئًا، والإشارة إلى طمس أعينهم لا ترد إلا في هذا الموضع بهذا الوضوح، لأنه في موضع آخر قال الله تعالى على لسان الملائكة الذين حلوا ضيوفًا على لوط عليه السلام: ( ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ )[هود: ٨١].
وفي الطمس بيان للطريقة التي قدرها الله لمنع وصول الكفار إلى لوط وضيفه قبل إهلاكهم في اليوم التالي»84.
٣. البرق.
ذكر برق البصر في سياق ذكر أهوال يوم القيامة في قوله عز وجل: ( ﮬ ﮭ ﮮ )[القيامة: ٧].
فالكافر يسأل أيان يوم القيامة؟ استخفافًا واستهزاءً، فجاء الرد من الله تعالى بذكر بعضٍ من أهوال ذلك اليوم العظيم، فبدأ الأهوال بذكر برق البصر، وبرق البصر هو لمعانه من شدة شخوصه فهو فزعٌ مبهوت85.
وقد ذكر المناوي أن معنى «برقت العين اضطربت وجالت من خوف»86، وقد قرئت «برق» بفتح الراء، قيل: برق يبرق بالفتح: أي شق عينيه وفتحهما، وبالكسر «برق» بمعنى تحير فلم يطرف87.
وقد نقل ابن كثير: أن معنى «برق» أي: حار، وشبه ذلك بقوله تعالى: (ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ)[إبراهيم: ٤٣].
بل ينظرون من الفزع هكذا وهكذا، لا يستقر بصرهم على شيء من شدة ما أصابهم من الرعب88.
٤. الصرف.
ورد الصرف في قصة أهل الأعراف في قوله عز وجل: ( ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ )[الأعراف: ٤٧].
والمعنى اللغوي للصرف عند ابن فارس: هو «أنه شيء صرف إلى شيء، كأن الدينار صرف إلى الدراهم، أي رجع إليها، إذا أخذت بدله»89.
وذكر ابن سيده: «أن الصرف هو رد الشيء عن وجهه، وصرف الله قلوبهم أي أضلهم الله مجازاة على فعلهم»90.
والأعراف هو سور بين الجنة والنار، وأهل الأعراف هم قوم تساوت حسناتهم مع سيئاتهم كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: فوقفوا بين الناحيتين، ينادون أهل الجنة، وقد عرفوا في وجوههم علامات أهل الجنة أن سلامٌ عليكم، وهم يتوقون لدخولها، ثم يصرفون أنظارهم إلى أهل النار، وقد عرفوا في وجوههم علامات أهل النار، من شدة التفاتهم كأنهم يصرفون، ثم يلجأون إلى ربهم ألا يجعلهم مع الظالمين من أهل النار91، ومعنى الصرف تبدل اتجاه أبصار أصحاب الأعراف بعد النظر إلى أهل الجنة إلى النظر ناحية أهل النار، وتكرار التضرع إلى الله تعالى في أن لا يجعلهم من زمرتهم92.
٥. الطبع.
الطبع في اللغة: «هو الختم، وهو التأثير في الطين ونحوه»93 .
قال عز وجل: ( ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ )[النحل: ١٠٨].
وقد نقل المناوي: أن الطبع هو «تصور الشيء بصورة ما، كطبع السكة الدرهم، وهو أعم من الختم وأخص من النقش»94، والطِبَاع «هي الأخلاق التي لا تزايلنا»95.
والطبع هو أحد الموانع المانعة من الإيمان، ووصول الخير إلى القلوب كالغشاوة والختم التي جعلها الله عليهم بسبب مسارعتهم لتكذيب الرسل، والتمادي على الكفر، فعاقبهم الله على ذلك96، وقد بين طنطاوي: «أن الطبع هو الوسم الذي لا يخرج من الشيء ما هو بداخله، ولا يسمح لما بخارجه من الدخول إليه، أي أن أولئك الذين شرحوا صدورهم بالكفر، وطابوا به نفسًا، قد طبع الله تعالى على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم، فصارت ممنوعة من وصول الحق إليها، وعاجزة عن الانتفاع به، وأولئك هم الكاملون في الغفلة والبلاهة؛ إذ لا غفلة أشد من غفلة المعرض عن عاقبة أمره، ولا بلاهة أفدح من بلاهة من آثر الفانية على الباقية»97.
٦. الذهاب.
ذكر ذهاب الأبصار في قوله عز وجل: ( ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ )[النور: ٤٣].
والذهاب بالشيء وإذهابه تعني إزالته98، ومعنى الآية أن الله تعالى يسوق السحاب بقدرته ويجمع قطع السحاب المتفرقة بعضها فوق بعض، ثم يخرج المطر من خلاله، وينزل من السماء حبات البرد، فيصيب بهذا البرد من يشاء فيهلكه وأمواله، ويبعده عن من يشاء فلا يضره، (ﰖ ﰗ ﰘ) أي: ضوء برق السحاب (ﰙ ﰚ) فيمحوها من شدة إنارته وبريقه99، وقيل: يخطف الأبصار الناظرة لهذا الضوء الحاد100.
٧. العمى.
أعمى الله سبحانه وتعالى أبصار أصحاب القلوب المريضة الذين ذكرهم في قوله جل وعلا: ( ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ)[محمد: ٢٠-٢٣].
والعمى لغةً: «هو ذهاب البصر»101، واصطلاحًا هو «ضد البصر والبصيرة»102.
وقد أعماهم الله أي أذهب بصرهم، ومعنى الآية أن الذين في قلوبهم مرض وهم المنافقون إذا نزلت سورة محكمة، وذكر فيها القتال نظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر المغشي عليه، لا يريدون نصرة رسول الله ولا القتال معه، وحذرهم إن تقاعسوا عن القتال وفارقوا أحكام القرآن الكريم، وتركوا النبي صلى الله عليه وسلم، أن يعصوا الله في الأرض، فيكفروا به، ويسفكوا فيها الدماء، ويعودوا لما كانوا عليه في جاهليتهم من التشتت والتفرق بعد ما قد جمعهم الله بالإسلام، وألف به بين قلوبهم!
ثم يلعنهم الله ويذهب بسمعهم ويعمي أبصارهم، وهم لم يفقدوا السمع، ولم يفقدوا البصر، ولكنهم عطلوا السمع وعطلوا البصر، أو عطلوا قوة الإدراك وراء السمع والبصر فلم يعد لهذه الحواس وظيفة لأنها لم تعد تؤدي هذه الوظيفة.
ثم يتساءل مستنكرًا في الآية التي تليها: ( ﮑ ﮒ ﮓ)؟!
فتدبره هو الذي يزيل هذه الغشاوة، وهو الذي يفتح القلوب لسماع الحق وإدراكه103.
فهم لا يسمعون الحق، ولا يهتدون لرشد، وقلوبهم غير منجذبة لأفعال الخير والصلاح معميًة عنها ولا تراها، فلا يتدبرون القرآن بالرغم من فهمه، أو لا يفهمونه عند تلقيه، وكلا الأمرين عجيب!104.
دلالة البصر على الحالة النفسية
جاءت الحالات المختلفة للبصر في القرآن الكريم للدلالة على بعض الحالات النفسية التي تصيب صاحبها، ومن تلك الحالات ما يلي:
١. الزيغ.
ذكر زيغ البصر في قصة غزوة الخندق في قول المولى عز وجل: ( ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ)[الأحزاب: ٩-١١].
وهذه الآيات تتحدث عن الصعوبات الجمة التي واجهها المسلمون بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد تكالب عليهم مشركو العرب من كل النواحي واليهود الذين أرادوا أن يمحى الإسلام عن الوجود، فكانت لحظات عصيبة جدا على المسلمين، وقد زاد من قسوتها نقض العهد الذي بين الرسول صلى الله عليه وسلم ويهود بني قريظة الذين سمحوا للأحزاب بالدخول إلى المدينة من جهتهم، وكون عددهم أكثر من ثلاثة أضعاف المسلمين، فما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين معه إلا التوكل على الله وحفر الخندق حتى يحموا المدينة من هذا الهجوم الصعب.
وقد تبين حينها المؤمن الحق من المنافق الذي اتخذ حماية أهله حجة كي يترك أرض المعركة ويعود فارًا خائفًا، وواصل المسلمون الرباط على الخندق متحملين الجو البارد والظرف النفسي الصعب، والهجوم عليهم من كل اتجاه، فزاغت أبصارهم ومالت عن سننها فلم تلتفت إلى العدو لكثرته.
بل انحرفت عنهم من شدة عددهم، وبلغت القلوب الحناجر كناية عن شدة الخوف والفزع، وظنوا مختلف الظنون، فمنهم مؤمن ثابت الإيمان لا يتزحزح عن موقفه ومنهم من تراجع، فكان ذلك الموقف من أعظم الابتلاءات التي صدمت أبصارهم وزلزلت قلوبهم من الفزع حتى أتاهم نصر الله، فساندهم بالملائكة الكرام وأرسل الريح لتقلب خيام المشركين وتكفأ قدورهم ففروا هاربين105.
وقد عرف الزيغ الوارد في الآية أنه «الميل عن الاستقامة، والانحراف عن جهة الصواب»106.
فالعين في الوضع الطبيعي تنظر باتجاه الهدف، لكن هول الموقف وشدته جعلتها تنحرف عن مواجهة المشهد ذعرًا وفزعًا، والكلمة القرآنية «زاغت» تبين قسوة ما تعرض له أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من محنة، وما كان لله عليهم من فضل بعد أن نجاهم منها وأخرجهم مؤزرين منتصرين.
٢. الخشوع.
ورد خشوع البصر في قول الله عز وجل: ( ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [القمر: ٤-٨].
وقد صورت الآيات الكريمة خروج الكفار الذين لم يؤمنوا بالحق، وأنكروا ما كان لنبي الله صلى الله عليه وسلم من معجزات تدلل على صدقه، وهؤلاء المكذبون قد آتاهم الله من البراهين ما فيه الكفاية والحجة، لكنهم لم يذعنوا، فسيكون خروجهم من القبور عند البعث خروجًا ذليلًا، خشعًا أبصارهم، وخشوع البصر «رميك ببصرك إلى الأرض.. وأخشعت أي طأطأت الرأس كالمتواضع، والخشوع المعنى من الخضوع إلا أن الخضوع في البدن وهو الإقرار بالاستخدام، والخشوع في البدن والصوت والبصر»107.
يكونون كالجراد في انتشاره واضطرابه، ومفهوم الخشوع اصطلاحًا هو «الانقياد للحق»108.
فينتشرون لموقف العرض يوم يدع الداع، ذليلة أبصارهم خاضعة، مستسلمة لله تعالى ، لا تملك دفع العقاب عن نفسها، ولا إنكار ما كان منها، فهي منكسرة خاضعة لا تتجرأ على رفع بصرها109.
٣. الشخص.
جاء وصف البصر بالشخوص في قول المولى عز وجل: ( ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ )[إبراهيم: ٤٢].
والمعنى أن الله تعالى لا يغفل عن عمل الظالمين، ولو اعتقد الإنسان ذلك كان مخطئًا، فهو العادل جل وعلا، يمهلهم متمتعين بالحظوظ الدنيوية ولا يعجل عقوبتهم؛ للتغليظ عليهم في العقاب، ولعل إيقاع التأخير عليهم مع أن المؤخر إنما هو عذابهم لتهويل الخطب وتفظيع الحال، ببيان أنهم متوجهون إلى العذاب مرصدون لأمر ما، لا أنهم باقون باختيارهم، وترتفع أبصار أهل الموقف فتبقى مفتوحةً لا تتحرك أجفانهم من هول ما يرونه، ولا تقر في مكانها، واعتبار عدم قرارها فهي إما مرتفعة في جرم العين، وإما بمعنى الارتفاع بالنظرات من مكان إلى مكان110.
و ( ﰁ ) تعني «لا تقر في أماكنها من هول ما ترى»111، وقيل: «يقال: شخص بصره، فهو شاخصٌ، إذا فتح عينيه وجعل لا يطرف»112، و«شخص ببصره إلى السماء: ارتفع»113.
وقد يجمع بين المعاني أن شخص العين هو أن تفتح دون طرف، وهي مرتفعة للأعلى، تحملق من ناحية لأخرى، مفجوعة بالحدث.
٤. التقليب.
أشار القرآن الكريم إلى تقليب الأبصار في قوله عز وجل: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ)[الأنعام: ١٠٩-١١٠].
ومعنى الآية أن الكفار يقسمون للنبي عليه السلام أنه إذا جاءهم بآية تدلل على صدقه فسيؤمنون، ولكنهم كاذبون؛ فقد أتاهم بالقرآن والكثير من الدلالات لكنهم أصروا على إنكار الحق، وقد ذكرت الآيات أن الله تعالى يقلب قلوب هؤلاء المكذبين وأبصارهم، والتقليب هو تغيير الشيء من حال إلى حال، وتحويل الشيء عن وجهته114.
وفي معنى الكلام أربعة أقوال:
أحدها: لو أتاهم الله بآية كما سألوا، لقلب أفئدتهم وأبصارهم عن الإيمان بها، فظلوا منكرين ضالين، ولحال بينهم وبين الهدى، فلم يؤمنوا كما لم يؤمنوا بما رأوا قبلها؛ عقوبة لهم على ذلك.
والثاني: أنه جواب لسؤالهم في الآخرة الرجوع إلى الدنيا، فالمعنى: لو ردوا لحلنا بينهم وبين الهدى كما حلنا بينهم وبينه أول مرة وهم في الدنيا.
والثالث: ونقلب أفئدة هؤلاء وأبصارهم عن الإيمان بالآيات كما لم يؤمن أوائلهم من الأمم الخالية بما رأوا من الآيات.
والرابع: أن ذلك التقليب في النار عقوبة لهم115.
والقلب والبصر اللذان لم يؤمنا بآيات الله في هذا الكون وفي خلق الأنفس رغم دقة وبراعة تلك الأنظمة الربانية، هما مقلوبان عن الحقيقة معميان عنها، والله تعالى يعلم بكذب هؤلاء المنكرين، فلو نزل عليهم ملائكة من السماء لأنكروا أيضًا رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، فهم لا يؤمنون إلا أن يشاء الله، وهو تعالى لا يشاء؛ لأنهم لا يجاهدون في الله ليهديهم الله إليه، وهذا الإنكار المتلبس في قلوبهم وبصرهم ينسجم مع عقابهم بتقليب حواسهم وتحويلها عن الحق في الدنيا، أو تقليبها في الآخرة جزاءً وفاقًا على إعراضهم عن الحق في الدنيا116.
٥. السكر.
ورد سكر البصر في قول المولى عز وجل في حق الكافرين: ( ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [الحجر: ١٣-١٥].
أي: أن المكذبين الكفرة الذين لا يؤمنون بالله تعالى ولا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وقد مضت سنة الله في الأمم السابقة التي لا تؤمن، فمصيرهم الهلاك، هؤلاء المهلكين باعتبار ما سيكون لو فتح الله عليهم بابًا من السماء؛ لأنه حصل منهم أن طلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بالملائكة، هؤلاء لو فتح لهم باب من السماء فظلوا فيه يصعدون بأجسامهم ويرون تلك السماء وما فيها من خلق عظيم، أو على الرأي الآخر فنظروا من خلال الباب إلى الملائكة وحركتهم وعبادتهم وأدركوها عيانًا، لقالوا إنما سكرت وسدت أبصارنا، أو عميت، أو سحرت، أو على قراءة التخفيف (سكرت) بمعنى حبست ومنعت النظر كما يسكر النهر لحبس الماء، وسيدعون أنهم مسحورون بواسطة محمد صلى الله عليه وسلم117.
قال ابن فارس: السكر «يدل على حيرة»118.
وقد عرف السكر أنه: «غيبة بواردٍ قوي، وهو أقوى من الغيبة وأتم منها، والسكر من الخمر»119.
وكل المعاني الخاصة بسكر البصر تبين أن الكفار إن ظهر لهم أي مدخل للإيمان احتاروا فيه، وتهافتوا على رده بأي مبرر، ولجأوا لمخرج السحر والتزييف عند بروز أي برهان يقضي بتكذيبهم وتصديق رسالة الإسلام، فهم كاذبون متعامون عن الحق مهما بلغ وضوح الدليل المقام عليهم.
يقول سيد قطب واصفًا الحالة النفسية لهؤلاء المكذبين: «يكفي تصورهم على هذا النحو لتبدو المكابرة السمجة ويتجلى العناد المزري، ويتأكد أن لا جدوى من الجدل مع هؤلاء، ويثبت أن ليس الذي ينقصهم هو دلائل الإيمان، وليس الذي يمنعهم أن الملائكة لا تنزل، فصعودهم هم أشد دلالة وألصق بهم من نزول الملائكة، إنما هم قوم مكابرون، مكابرون بلا حياء وبلا تحرج وبلا مبالاة بالحق الواضح المكشوف! إنه نموذج بشري للمكابرة والاستغلاق والانطماس يرسمه التعبير، مثيرًا لشعور الاشمئزاز والتحقير»120.
ذكرت في القرآن الكريم بعض الآيات التي تحمل نواحٍ إعجازية للبصر، ومن تلك البدائع الربانية التي استطاعت قدرة الإنسان اليسيرة فهمها نسبيًا ما يلي:
أولًا: الإعجاز في آلية عمل العين:
إن كرة العين التي لم يتعد وزنها ثمانية جرامات آية من آيات الله تعالى ، ففي طبقة واحدة من طبقات شبكية العين يوجد خمسمائة مليون خلية بصرية «مستقبل بصري» وإنه عندما تسقط أشعة الصورة على الشبكية تلتقطها خلايا ضوئية متخصصة، ثمانية ملايين خلية منها من نوع (المخاريط) المتخصصة في الضوء الساطع، ومئة وخمسون مليون خلية من نوع (العصي) على جوانب الشبكية متخصصة في الضوء الخافت.
ويلعب فيتامين (أ) دورًا رئيسًا في رؤية الأشياء والألوان؛ لأنه المصدر الرئيس لمادة «الرتينال»، وتحدث تغيرات كيميائية في أقل من البليون في الثانية، ويخرج من قاع العين العصب البصري المؤلف من نصف مليون ليف عصبي الذي ينقل طيف الضوء إلى مركز البصر في الدماغ، والذي يحولها إلى صورة مرئية، وتبلغ سرعة إرسال الصورة في العصب البصري ألف مرة في الثانية.
ومن حكمة الله أنه أثناء الضوء بالنهار والظلام بالليل تتبادل كل من العصي والمخاريط عملها لتمكن الإنسان من الرؤية في الظروف المختلفة، ولو لم يكن الأمر كذلك لهلكت، كما تتأثر بطريقة شديدة لو تعرضت لظلام أو إضاءة لفترة طويلة، فإذا اشتد الظلام وطال أصيبت العين بغشاوة وعميت لتوقف دورة فيتامين (أ) والريتينول عن تكوين الرودبسين اللازم للرؤية في غياب الضوء. ومثال على ذلك ما حدث لرواد الفضاء الأولين عندما خرجوا من الأرض فلم يروا السماء إلا ظلامًا دامسًا، مغطاة بالسديم المعتم121.
وصدق الله تعالى إذ يقول في محكم آياته: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ )[الحجر: ١٤-١٥].
ثانيًا: ذكر إصابة البصر بالغشاوة في القرآن الكريم:
الغشاوة: سحابة تغشى عدسة العين، وقد يحدث ذلك التأثير لعين واحدة أو للاثنتين معًا، وترتبط الغشاوة في العادة بتقدم السن، فتصبح العدسة أقل مرونة، وتفقد بعض قدرتها على تركيز الضوء في الشبكية، وبسبب عدم مرونتها تصبح منعدمة الشفافية، وهذا يعني بداية إصابتها بانسداد العدسة، وفي النهاية قد تتكون غشاوة بيضاء تملأ العين، فيفقد الإنسان قدرته على الإبصار، كما تحدث الغشاوة أيضًا نتيجة لبعض الأمراض مثل مرض السكري، وقد تتسبب الغشاوة بسبب بعض الجروح والتهابات العيون، كما أنه قد يولد بعض الأطفال مصابين، وأيضًا تسببها بعض العقاقير وبعض أنواع من الأشعة.
وقد ذكر الله تعالى هذه الغشاوة في حق العين خاصة، فقد وصف سمع وقلب الكفار بالختم، أما البصر فخصه بالغشاوة التي تمنع من الرؤية، وجاء هذا الوصف في كتابه الكريم قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام، عندما بين حال المتعامي عن الحق ولا يجتهد في طلبه، تأمل قول الله عز وجل واصفًا حال الكافر المعرض: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ)[البقرة: ٧].
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ)[الجاثية: ٢٣].
وقد فسرت الغشاوة بأنها العمى، فهم لا يبصرون سبيل الهدى.
وكذا قال قتادة: إن المعنى لا يبصرون الهدى.
وقال السدي: لا يبصرون محمدًا حين ائتمروا على قتله122.
وإذا ما أصاب العين غشاوة فلا نور يصلها ولا هدى123.
موضوعات ذات صلة: |
الرؤى، الرؤية، السمع، العين |
1 انظر: العين، الفراهيدي ٧/١١٧، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ١/٥٩، الصحاح، الجوهري ٢/٥٩١، مختار الصحاح، الرازي ١/٣٥.
2 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ١/٢٥٣، المصباح المنير، الفيومي ١/٥٠ .
3 التعريفات، الجرجاني ١/٤٦.
4 انظر: المصدر السابق ١/٤٦، الكليات، الكفوي ١/٢٤٧، التوقيف، المناوي ١/٧٩.
5 انظر: المعجم المفهرس، محمد فؤاد عبد الباقي، ص١٢١،١٢٣، المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، باب الباء ص ٣٢٠،٣٢٢.
6 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص١٢٥،١٢٦، نزهة الأعين النواظر، ابن الجوزي، ص١٩٩-٢٠٠، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي، ٢/٢٢٣-٢٢٤.
7 المفردات، الراغب ص٨١٢.
8 مقاييس اللغة ٥/٤٤٤.
9 النهاية في غريب الحديث والأثر، أبو السعادات ابن الأثير ٥/٧٧.
10 المفردات، الراغب الأصفهاني ٢ / ٤٣٨.
11 التعريفات، الجرجاني ١/١٠٩.
12 العين، الفراهيدي ٢/٢٦٦.
13 التوقيف، المناوي ١/٢٤٧.
14 البحر المديد ٣/١٥٢.
15 انظر: تفسير الشعراوي ١٣/٨١١٥.
16 انظر: مقال إلكتروني: الإعجاز العلمي في تقديم السمع على البصر، عادل الصعدي، بتاريخ: ٢/١/٢٠١٣:
www. jameataleman. org
17 مجموع الفتاوى ١٦/٦٩.
18 البحر المديد ٣/١٥٢.
19 انظر: تفسير الشعراوي ١٩/١١٨٠٨.
20 الفقه الأكبر ١/٢٤.
21 المصدر السابق ١/٢٤.
22 انظر: لوامع الأنوار البهية، السفاريني ١/٢٣٩.
23 انظر: شرح العقيدة الواسطية، الهراس ص٩٧.
24 تيسير الكريم الرحمن ١/٩٤٦.
25 طريق الهجرتين وباب السعادتين ١/١٢٧.
26 مدارج السالكين ١/٥٨.
27 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٢/١٥٠.
28 الصواعق المرسلة ٢/٤٩٢.
29 انظر: مقال إلكتروني: تشريح العين، خليل رضا اليوسفي، بدون تاريخ.:
www. gulfkids. com
30 تيسير الكريم الرحمن ٢/٥٧.
31 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي ٩/١٢١.
32 لطائف الإشارات ٢/٥٨٣.
33 انظر: جامع البيان، الطبري ١٩/٥٣١-٥٣٣.
34 التفسير الوسيط ٣/٣٩٢.
35 انظر: البرهان في علوم القرآن، الزركشي ١/٤٨٨.
36 انظر: لوامع الأنوار البهية،السفاريني ١/٢٣٩.
37 انظر: مدارك التنزيل، النسفي ٢/٢٥٥.
38 انظر: تفسير المنار، محمد رشيد رضا ١/٣٥٠.
39 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ١/٤٠٦.
40 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١١/٢٩٢، إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٨/٧٣.
41 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ١/٣٧٢.
42 تفسير القرآن العزيز ٢/١٦٣.
43 انظر: التفسير الوسيط، محمد سيد طنطاوي ٥/٤٦١.
44 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ٩/٢٢٤.
45 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ٥/٢٤٤.
46 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب ما يتقى من شؤم المرأة ٧/٨ رقم ٥٠٩٦.
47 التحرير والتنوير ٣/١٨١.
48 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الطهارة، باب خروج الخطايا مع ماء الوضوء ١/٢١٥ رقم ٢٤٤.
49 جامع البيان ٢٤/٦٢.
50 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزهد والرقائق ٤/٢٢٨٠ رقم ٢٩٦٩.
51 انظر: تفسير يحيى بن سلام، ١/١٣٥.
52 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/٢٧٩، صفوة التفاسير، الصابوني ٣/٥٢٦.
53 انظر: جامع البيان، الطبري ٢١/٤٠٨.
54 انظر: تفسير القرآن العظيم ٤/٤٢٩.
55 انظر: نظم الدرر، البقاعي ١٩/١٥٩.
56 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ٦/٣٣٢.
57 في ظلال القرآن ١/١٥٢.
58 انظر: تفسير القرآن العزيز، ابن أبي زمنين ٢/٢٥٥.
59 انظر: صفوة التفاسير، الصابوني ١/٣٥٢.
60 انظر: تفسير الشعراوي ٦/٣٥١٩.
61 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ٣/٤٠٧.
62 انظر: وثائقي أجنبي، موقع يوتيوب بتاريخ ٦/١/٢٠١١م، مقال إلكتروني: البيضاء برس، الجريمة والعقاب، بتاريخ ١٥/١٠/٢٠١٢م.
63 انظر: جامع البيان ٣/٢٨٣.
64 التفسير الوسيط ١/٣٣٨.
65 انظر: البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي ٥/٥٥.
66 انظر: تفسير عبد الرزاق الصنعاني ٢/١٧٤.
67 انظر: تفسير مجاهد ١/٦٨٧.
68 أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم، سبحانه وتعالى، ١/١٦٣ رقم ١٨١.
69 تفسير القرآن العظيم، ابن أبي حاتم ٤/١٣٦٤.
70 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٢/١٥١.
71 انظر: التفسير الوجيز، الواحدي ١/٣٥٧.
72 جامع البيان ٢٠/١٦٠.
73 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٣/١٠.
74 انظر: مباحث في علوم القرآن، مناع القطان ص ١٠-١٣.
75 انظر: تفسير القرآن العزيز، ابن أبي زمنين ٥/٣٣.
76 تنوير المقباس من تفسير ابن عباس ١/٤٨٤.
77 تهذيب اللغة، الأزهري ٨/١٤٥.
78 التعريفات، الجرجاني ١/١٦٢.
79 جامع البيان ٢٠/٤٩٥.
80 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٤/٤١٥.
81 تهذيب اللغة، الأزهري ١٢/٢٤٦.
82 التوقيف ١/٢٢٨.
83 جامع البيان، الطبري ١٥/٤٢٧.
84 انظر: في ظلال القرآن ٦/٣٤٣٤.
85 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ١/٢٢٤.
86 التوقيف ١/٧٥.
87 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٩/٩٥.
88 انظر: تفسير القرآن العظيم ٨/٢٧٧.
89 مقاييس اللغة ٣/٣٤٣.
90 انظر: المحكم ٨/٣٠١.
91 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٢/٢٢٥.
92 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٤/٢٥١.
93 الصحاح، الجوهري ٣/١٢٥٢.
94 التوقيف ١/٢٣٥.
95 تاج العروس، الزبيدي ٢١/٤٣٧.
96 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٦/٢٨٩.
97 التفسير الوسيط ٨/٢٤٢.
98 انظر: المحكم، ابن سيده ٤/٢٩٥، الكليات، الكفوي ١/٤٦٣.
99 انظر: لباب التأويل، الخازن ٣/٣٠٠.
100 انظر: تفسير الجلالين، جلال الدين المحلي وجلال الدين السيوطي ١/٤٦٦.
101 العين، الفراهيدي ٢/٢٦٦.
102 التوقيف، المناوي ١/٢٤٧.
103 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/٣٢٩٦.
104 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٦/١١٣، التفسير الوسيط، الواحدي ٤/١٢٧.
105 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ٢١/٢٦٧.
106 التعريفات، الجرجاني ١/٩٨.
107 العين، الفراهيدي ١/١١٢.
108 التوقيف، المناوي ١/١٨٨.
109 انظر: الهداية، مكي بن أبي طالب ١١/٧١٨٦.
110 انظر: إرشاد العقل السليم، أبي السعود ٥/٥٥.
111 الكليات، الكفوي ١/٣١٩.
112 الصحاح، الجوهري ٣/١٠٤٢.
113 العين، الفراهيدي ٤/١٦٥.
114 انظر: التوقيف، المناوي ١/١٠٦.
115 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ٢/٦٦.
116 في ظلال القرآن، سيد قطب ٢/١١٧٠.
117 معالم التنزيل، البغوي ٣/٥١.
118 مقاييس اللغة ٣/٨٩.
119 التعريفات، الجرجاني ١/١٢٠.
120 في ظلال القرآن ٤/٢١٢٩.
121 انظر: مقال بعنوان: الإعجاز العلمي في البصر، وائل الشيمي ومحمد الديب، في موقع الهيئة العالمية للإعجاز العلمي.
122 فتح القدير، الشوكاني ٤/٤١٥.
123 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ١/٤٢.