عناصر الموضوع
البر
أولًا: المعنى اللغوي:
الباء والراء في المضاعف أربعة أصولٍ: الصدق، وحكاية صوتٍ، وخلاف البحر، ونبتٌ.
أما الصدق، فكالقول: فلانٌ بارٌ في يمينه، أي صادقٌ فيها، وأما حكاية الصوت، فالبر الصوت بالغنم إذا سيقت، والبربرة صوت المعز، وأما خلاف البحر، فيقال: أبر الرجل، أي صار على البر، وأبحر الرجل، أي صار في البحر، وخرج إلى البرية أي ذهب إلى الصحراء، وأما النبت، فالبر هو الحنطة1.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
ذكر العلماء عدة معانٍ للبر، منها: التقوى والجنة والخير والإسلام والإيمان2، وقد عرفه أبو حيان الأندلسي بأنه: «الإتيان بما كلفه الإنسان من تكاليف الشرع، اعتقادًا وفعلًا وقولًا»3، وعرفه الشوكاني بأنه: «اسمٌ جامعٌ للخير»4، وعرفه أحمد المراغي بأنه: «الإيمان وما يتبعه من الأعمال باعتبار اتصاف البار بها وقيامه بعملها»5.
وبالنظر في التعريفات السابقة يمكن القول بأنه يمكن دمجها في تعريف واحد هو: البر اسم جامع لكل ما يرضي ربنا جل وعلا.
مما سبق يظهر ترابط وثيق بين المعنى اللغوي لكلمة البر الذي بمعنى الصدق والطاعة، وبين المعنى الاصطلاحي لها، ولكن المعنى اللغوي أعم من الاصطلاحي، فالمعنى اللغوي يشمل الصدق مع أيٍ كان وطاعته، أما المعنى الاصطلاحي فيقتصر على الصدق مع الله تعالى، وطاعته جل وعلا، وهذا يتفق مع مفهوم العبادة.
وردت مادة (بر) في القرآن الكريم (٢٠) مرة6.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل المضارع |
٢ |
(ﯵ ﯶ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [البقرة:٢٢٤] |
صفة مشبهة |
٩ |
(ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [الطور:٢٨] |
اسم فاعل |
١ |
(ﮍ ﮎ ﮏ) [عبس:١٦] |
اسم |
٨ |
(ﯙ ﯚ ﯛ) [المجادلة:٩] |
وورد البر في القرآن على ثلاثة أوجه7:
الأول: الصلة: ومنه قوله تعالى: (ﯵ ﯶ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [البقرة: ٢٢٤]. لئلا تصلوا القرابة.
الثاني: الطاعة: ومنه قوله تعالى: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [المائدة: ٢]. أراد بالبر الطاعة وترك المعصية.
الثالث: التقوى: ومنه قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ)[آل عمران: ٩٢]. يعني لن تنالوا التقوى.
التقوى:
التقوى لغةً:
من وقى. الواو والقاف والياء كلمة واحدة تدل على دفع شيء بشيء آخر. 8
التقوى اصطلاحًا:
أصل التقوى أن يجعل العبد بينه وبين ما يخشاه من ربه من غضبه وسخطه وعقابه وقايةً تقيه من ذلك، وهو فعل طاعته واجتناب معاصيه9.
الصلة بين البر والتقوى:
من خلال تعريف كلٍ من البر والتقوى يمكن القول بأن البر فعل ما يرضي الله تعالى، واجتناب معصيته، بينما التقوى هي الاحتراز والوقاية من عذاب الله تعالى بأعمال البر.
الخير:
الخير لغة:
الخير ضد الشر 10.
الخير اصطلاحًا:
الخير ما يرغب فيه الكل كالعقل والعدل والفضل والشيء النافع 11.
الصلة بين البر والخير:
يفهم من تعريفي البر والخير السابقين أن بينهما فارقًا وهو أن البر هو اسم جامع لكل ما يرضي ربنا عن قصد، أما الخير فقد لا يكون عن قصد إرضاء الله تعالى فقد يقع الخير من كافر كأن يتبرع لبناء مستشفى، أو لعلاج مريض، أو لتعليم طالب فقير أو غير ذلك. 12
الإحسان:
الإحسان لغة:
مصدر حسن، والحسن: ضد القبح ونقيضه، والإحسان: ضد الإساءة13
الإحسان اصطلاحًا:
هو: إتقان الأعمال والتطوع بالزائد عن الفرائض، ومقابلة الخير بأفضل منه، والشر بأقل منه14.
الصلة بين البر والإحسان:
يظهر من خلال تعريفي البر والإحسان أن الإحسان أعلى درجة من البر فالبر هو اتيان العمل الصالح، بينما الإحسان هو اتقان العمل الصالح.
الإثم:
الإثم لغة:
من أثم. الهمزة والثاء والميم أصل واحد، يدل على التأخر15
الإثم اصطلاحًا:
عرفه الجرجاني بأنه:»ما يجب التحرز منه شرعًا وطبعًا»16، وهو أيضًا التأخر عن فعل الطاعات17، وقد عرفه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:)والإثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطلع عليه الناس)18، وهذا يعني أن ارتكاب الآثام أمر يشعر صاحبه بالضيق.
الصلة بين البر والإثم:
البر من القربات التي حث عليها ربنا جل وعلا، أما الإثم فهو مما نفر منه الشارع الحكيم، قال تعالى: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [المائدة: ٢].
العدوان:
العدوان لغة:
التعدي في الأمر، وتجاوز ما ينبغي له أن يقتصر عليه19.
العدوان اصطلاحًا:
التجاوز ومنافاة الالتئام، والإخلال بالعدالة في المعاملة20.
الصلة بين البر والعدوان:
البر اجتهاد في طاعة الله تعالى، أما العدوان فهو تجاوز لحدود ما شرع الله تعالى لعباده، قال تعالى: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [المائدة: ٢].
المعصية:
المعصية لغة:
من عصوى. العين والصاد والحرف المعتل أصلان صحيحان، إلا أن بينهما تباينًا فأحدهما يدل على التجمع، والآخر يدل على الفرقة، والمعصية هي المخالفة، والعاصي هو المخالف، والمعصية ضدها الطاعة.21
المعصية اصطلاحًا:
هي «مخالفة الأمر قصدًا».22
الصلة بين البر والمعصية:
يلاحظ من خلال تعريفي البر والمعصية أن هنالك اختلافًا بينهما فالبر هو الطاعة عن قصد، والمعصية هي المخالفة عن قصد.
إن المتتبع لنصوص القرآن الكريم التي ورد فيها لفظ «البر» يجد أن هنالك اقترانًا بين البر وبين الإيمان والتقوى.
قال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [البقرة: ١٧٧].
يبين الله تعالى في هذه الآية الكريمة أن حقيقة البر تكمن في الإيمان بالله، والآخرة، والملائكة، والقرآن، والأنبياء، وكذلك في الإنفاق في سبيل الله تعالى على المحتاجين من الأقارب، والأيتام، والمساكين، والمنقطع عن ماله وأهله في سفر، والسائلين، والعبيد، ويكمن الإيمان كذلك في المداومة على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والوفاء بالعهد، وبالصبر على الشدائد، وعند مواجهة العدو، ثم يعقب تعالى بالتأكيد على أن الملتزمين بما سبق من مكامن البر هم الأتقياء الصادقون.23
ويلاحظ أن الآية الكريمة قد بينت أن الذي يجمع بين العناصر التي يكمن فيها البر هو العبد التقي، وفي ذلك دلالة واضحة على أن لزوم البر يؤدي إلى الحصول على مرتبة التقوى.24
وقال تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [البقرة: ١٨٩].
يعلم الله تعالى عباده في هذه الآية أن الأهم في السؤال هو أن يكون سبيلًا للحصول على الجواب النافع لأمر الدين، فقد أوحى الله تعالى لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم إجابة للسؤال عن الأهلة تبين علاقة الأهلة بما ينفع الناس من أحكام الدين، وتحديدًا علاقة الأهلة بتحديد المواقيت الزمانية لأشهر الحج، ثم يبين الله تعالى أنه ليس من البر أن يدخل المحرم بيته من ظهره، ولكن البر بلزوم تقوى الله تعالى في السر والعلن، ثم يأمر الله تعالى عباده بالدخول إلى البيوت من أبوابها حتى في حال الإحرام، وبلزوم التقوى في القول والعمل. 25
وقال تعالى: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [المائدة: ٢].
يأمر الله تعالى عباده في هذه الآية الكريمة بالتعاون على أداء الطاعات التي يتقى بها من العذاب الأليم26.
ويلاحظ أن الآية الكريمة قد قرنت بين البر والتقوى؛ وذلك لبيان أن أعمال الخير لابد وأن يراعى فيها تقوى الله عز وجل27، فقد جاء في تفسير قوله تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [الفرقان: ٢٣].
أن الله تعالى يجعل ما عمله الكفار في الدنيا من أعمال البر باطلًا لا ثواب له28.
وقال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [المجادلة: ٩].
ينهى الله تعالى عباده المؤمنين في هذه الآية الكريمة عن التناجي بالقبيح من الأقوال مما لا يتفق مع ما دعا إليه الإسلام، ثم يبين لهم جل وعلا أنه في حال لزمت النجوى فلتكن بما فيه الخير29.
ويلاحظ من الآية السابقة اقتران البر بالتقوى، ولعل السبب في ذلك هو أنه لابد عند التناجي من مراعات أمرين، الأول: التناجي بما فيه المصلحة للمؤمنين، الثاني: الحذر من التناجي بالمعصية30.
مما سبق يتضح أن اقتران البر بالتقوى يرجع إلى الأسباب الآتية:
وفي ذلك يقول تعالى: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [آل عمران: ٢٠٠].
فقدم الله تعالى في هذه الآية أمره لعباده المؤمنين بالصبر والمصابرة والمرابطة، على أمره لهم بالتقوى، وذلك لأن الأمور المتقدمة ترقى بالعبد المؤمن إلى مرتبة التقوى، وشرح ذلك أن أمر الله تعالى لعباده المؤمنين بالصبر يشمل الصبر على طاعة الله تعالى، والصبر عن معصيته، والصبر على المحن والشدائد، كما يتضمن أمر الله تعالى لعباده المؤمنين بالمصابرة الجلد مع الأعداء بحيث يفوق صبرهم صبر أعداءهم، وكذا يتضمن أمر الله تعالى لعباده المؤمنين بالمرابطة حماية حدود المسلمين من أذى المتربصين بهم من أعداء الإسلام والمسلمين31، ويعد جميع ما سبق من أعمال البر التي من شأنها أن تقي صاحبها من عذاب الله تعالى وسخطه.
وفي ذلك يقول تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠq ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ) [النحل: ٣٠ - ٣١].
تبين هذه الآيات الكريمة أن جزاء الصالحين من عباده الأتقياء الأنقياء الذين يستشعرون مراقبة الله تعالى لهم في كل عمل يقومون به، ويجتهدون في التقرب إليه سبحانه بما يحب من الطاعات، ويحذرون من الوقوع فيما نهاهم عنه من المخالفات هو الدخول في جنان النعيم المقيم في الآخرة32.
وقال تعالى أيضًا في بيان حسن عاقبة المؤمنين الأتقياء: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ+ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [يونس: ٦٢ - ٦٤].
فائدة:
تختلف لفظتا البر والتقوى في المعنى إذا اجتمعتا في الآية، وذلك كما في قوله تعالى: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [المائدة: ٢].
فالبر هنا بمعنى اتيان الطاعات، والتقوى الاحتراز عن المنهيات33، وتتفق اللفظتان في المعنى إذا افترقتا في الآية، وذلك كما في قوله تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [البقرة: ١٧٧].
فمعنى البر هنا هو التقوى كما هو واضح من الآية الكريمة34.
أكرم الله تعالى عباده بدين البر والرشاد، قال تعالى: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕﰖ ﰗ ﰘ ﰙ) [البقرة: ٢٥٦].
وكما يتضح من الآية الكريمة فإن الله تعالى قد ميز للناس طريق الهداية من طريق الضلال، وبعدها ترك لهم الخيار في سلوك أحد الطريقين، وبين أن المحق من العباد هو من سيختار طريق الهدى والرشاد، وذلك لما تميز به هذا الطريق من الدعوة إلى لزوم البر في كافة المجالات والتي منها ما يأتي:
أولًا: البر في الإيمان:
قرن الله تعالى أركان الإيمان بالبر في قوله تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [البقرة: ١٧٧].
ويتضح من الآية الكريمة أن الله تعالى قد بين أن ارضاءه والتقرب منه لا يكون بمجرد القيام بأداء بعض هيئات العبادات، وإنما يكون بإخلاص النية وسلامة المعتقد، ويتمثل ذلك بما يأتي:
١. البر في الإيمان بالله تعالى.
الإيمان بالله تعالى هو الركن الأول من أركان الإيمان، وهو كذلك الركيزة التي استندت إليها دعوات الرسل عليهم الصلاة والسلام، قال تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [آل عمران: ١٩٣].
والمنادي الذي نادى للإيمان هو محمد صلى الله عليه وسلم 35، ويفهم من دعاء المؤمنين الوارد في فاصلة هذه الآية الكريمة أن الذي يموت على الإيمان بالله تعالى فهو من الأبرار المقبولين عند الله تعالى، وقال تعالى أيضًا على لسان يوسف عليه السلام: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐã ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ= ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [يوسف: ٣٧ - ٣٩].
ويفهم من هذه الآيات الكريمة أن ملازمة البر في المعتقد تتطلب الإيمان بالله تعالى وحده.
٢. البر في الإيمان باليوم الآخر .
الإيمان باليوم الآخر هو الركن الخامس من أركان الإيمان وقد تقدم على غيره من الأركان في آية البقرة؛ لأنه من أبرز ما أنكره الكفار والمنافقين من أركان الإيمان بعد الإيمان بالله تعالى، وهذا ما هون عليهم انكار باقي أركان الإيمان، وكما هو معلوم فإن الكفار والمنافقين أنكروا على المؤمنين تحويل القبلة، ورأوا أن ذلك أمر جلل، ومن شأنه أن يشوه أمر المسلمين ويقدح في دينهم، فكان الرد عليهم من الله تعالى: بأن صلاح أمر المسلمين وبرهم بخالقهم جل وعلا لا يكون بالتوجه بالصلاة إلى هذه الناحية أو تلك بالدرجة الأولى، وإنما يكون بالتجرد لله تعالى وسلامة المعتقد قبل كل شيء، لا كما فعلتم أنتم يا من أفسدتم معتقداتكم وأنكرتم ما هو أعظم من تحويل القبلة 36.
ومن الملاحظ أن القرآن الكريم قد قرن العديد من أعمال البر بالإيمان باليوم الآخر وذلك كما في قوله تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [التوبة: ١٨].
ويأتي هذا الاقتران نظرًا لأن المكافأة على تلك الأعمال إنما يكون في الآخرة، قال تعالى: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [المطففين:٢٢].
كما أن الإيمان باليوم الآخر هو أحد أبرز الدوافع للقيام بأعمال البر.
٣. البر في الإيمان بالملائكة.
الإيمان بالملائكة هو الركن الثاني من أركان الإيمان، وقد جعل الله تعالى الاعتقاد به من أصناف البر التي لا يصح إيمان عبد دونه، وهو من المعتقدات التي خالف فيها أهل الضلال النهج السليم الذي بينه ربنا جل وعلا في كتابه العزيز، قال تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [الزخرف: ١٩].
وتظهر هذه الآية الكريمة أن المشركون وصفوا الملائكة بالأنوثة، وهذا أمر غير جائز كما هو معلوم؛ والعلة في عدم الجواز أن الملائكة عالم غيبي بالنسبة للبشر، والحديث عن تفاصيل تخص هذا العالم أمر يحتاج إلى دليل شرعي، وبما أنه لا دليل شرعي يصف الملائكة بالذكورة أو الأنوثة، فإن ادعاء المشركين بأن الملائكة إناثًا هو محض افتراء على الله تعالى، والأمر لم يقف عند هذا الوصف بل تعداه إلى مناصبة أهل الشرك والضلال العداوة للملائكة، قال تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛl ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [البقرة:٩٧- ٩٨].
وقد جاء عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (سمع عبد الله بن سلامٍ، بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو في أرضٍ يخترف، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني سائلك عن ثلاثٍ لا يعلمهن إلا نبيٌ: فما أول أشراط الساعة؟، وما أول طعام أهل الجنة؟، وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه؟ قال: (أخبرني بهن جبريل آنفًا) قال: جبريل؟: قال: (نعم)، قال: ذاك عدو اليهود من الملائكة، فقرأ هذه الآية: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [البقرة: ٩٧].
(أما أول أشراط الساعة فنارٌ تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعامٍ يأكله أهل الجنة فزيادة كبد حوتٍ، وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد، وإذا سبق ماء المرأة نزعت)، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله، يا رسول الله، إن اليهود قومٌ بهتٌ، وإنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم يبهتوني، فجاءت اليهود، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أي رجلٍ عبد الله فيكم). قالوا: خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا، قال: (أرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلامٍ). فقالوا: أعاذه الله من ذلك، فخرج عبد الله فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فقالوا: شرنا وابن شرنا، وانتقصوه، قال: فهذا الذي كنت أخاف يا رسول الله)37.
والشاهد من الحديث الشريف أن اليهود كانوا يعادون جبريل عليه السلام من الملائكة، ومن المعلوم أن معاداة الملائكة إنما هي معاداة لله تعالى؛ وذلك لأن الملائكة لا تقوم بشيء حتى يأمرها ربها جل وعلا.
قال تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [النحل:٤٩-٥٠].
وبالتالي فإن البر يقتضي الإيمان بالملائكة لا بإنكارها، أو وصفها بما لا دليل من القرآن أو السنة عليه، أو مناصبتها العداء خصوصًا وأن مناصبة الملائكة العداء من أعمال الكافرين الباطلة.
٤. البر في الإيمان بالكتب .
الإيمان بالكتب السماوية هو الركن الثالث من أركان الإيمان، وتعتبر الكتب السماوية المصدر الأساس لمعرفة أعمال البر المطلوب من العباد لزومها سواءً بالاعتقاد أو بالقول أو بالعمل، وذلك نظرًا لما تحويه من قواعد وتشريعات إلهية يعد الالتزام بها من أعمال الخير والبر التي تقرب العباد من ربهم جل وعلا، وقد جاء تصديق ذلك في قوله تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ¹ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [الكهف: ١-٢].
ومعنى قيمًا: أي مستقيمًا بذاته فلا اعوجاج فيه، مقومًا لغيره ممن لزمه واقعًا تطبيقيًا38، كما جاء في قوله تعالى أيضًا: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ . ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الجن: ١ - ٢].
وبالتالي فإن الإيمان بالقرآن من أعمال البر وهو النتيجة التي أدت إليها دعوة القرآن إلى الرشد كما يتضح من الآيتين الكريمتين، ويقال في باقي الكتب السماوية ما قيل في القرآن الكريم فالكل صادر عن الله تعالى، ولو لم يكن الإيمان بجميع الكتب من البر لما دعا إلى ذلك ربنا جل وعلا في كتابه العزيز في قوله: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [البقرة: ١٣٦].
٥. البر في الإيمان بالرسل.
الإيمان بالرسل هو الركن الرابع من أركان الإيمان، ويعد الرسل هم الأساتذة الذين يعلمون البشرية الاستقامة على طريق الهدى والرشاد، وهم القدوة الحسنة التي يجب على العباد السير على خطاهم، ولو لم يكونوا كذلك لما أمر الله تعالى بطاعتهم وحسن اتباعهم في غير موضع من كتاب الله تعالى، منها قوله تعالى: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [الأنعام: ٩٠].
وهذا يدل على وجوب الاقتداء بالأنبياء عليهم السلام فيما اتفقوا عليه من الأصول التشريعية والخلقية والتعبدية39.
ومما يدلل أيضًا على وجوب اتباع الأنبياء والاقتداء بهم قوله تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒc ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [النساء: ٤١- ٤٢].
وكلمة رسول هنا اسم جنس40، وبالتالي فالمقصود بها كل رسول يرسله الله تعالى إلى قوم من الأقوام.
ولو لم يكن الإيمان بالرسل واتباعهم من أعمال البر لما أثاب الله تعالى الرجل الداعية الذي دعا قومه للإيمان بالرسل واتباعهم بالجنة كما جاء في قوله تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦw ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ© ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮÁ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳÆ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ Ï ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ×) [يس: ٢٠ - ٢٧].
ولما وعد الله تعالى المؤمنين بالرسل بالمغفرة والرحمة41، كما في قوله تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [الحديد: ٢٨].
٦. البر بملازمة التقوى.
من أكثر ما حثت عليه الشريعة الإسلامية تقوى الله تعالى في السر والعلن، ففي القرآن الكريم جاء قوله تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [آل عمران: ١٠٢].
وجاء في السنة المطهرة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تدرون ما أكثر ما يدخل النار؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: الأجوفان: الفرج والفم، وأكثر ما يدخل الجنة؟ تقوى الله وحسن الخلق)42.
وتكمن أهمية التقوى في كونها الضابط الذي يلزم العباد بالقيام بأعمال البر التي تقرب صاحبها من نعيم الله تعالى وتبعده عن عذابه.
وبالتالي يكون المراد بالأمر الإلهي بالوقاية من عذاب النار الوارد في قوله تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [التحريم: ٦].
هو الإقبال على أعمال البر وحث الأهل عليها، والحذر من أعمال الفجور وتحذير الأهل منها 43.
كما أن قوله تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [الأحزاب: ٧٠]. فيه الدعوة إلى ضرورة أن يتلازم كل من التقوى وأعمال البر في كل عمل يقوم به المؤمن، وكذا قوله تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [التوبة: ١١٩].
وكذا قوله صلى الله عليه وسلم:(اتقوا النار ولو بشق تمرةٍ، فإن لم تجد فبكلمةٍ طيبةٍ)44، فيه الدعوة إلى لزوم التقوى من خلال أعمال البر المتمثلة بالصدقة وإن كانت قليلة، وبالكلام الطيب.
ثانيًا: البر في العبادة:
كما بيَن الله تعالى أن حقيقة البر تكمن في سلامة المعتقد، بيَن أنها تكمن أيضًا في حسن العبادة.
فقال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [البقرة: ١٧٧].
وقد ذكرت الآية الكريمة أن البر يكون في صنفين أساسيين من أصناف العبادات هما الصلاة والزكاة، وتفصيل ذلك كما يأتي:
١. البر في إقامة الصلاة.
الصلاة هي عمود الدين والركن الثاني من أركان الإسلام الخمسة وذلك كما بين المصطفى صلى الله عليه وسلم ، فقد جاء عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فقال لي: (إن شئت أنبأتك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه قال: قلت: أجل يا رسول الله، قال: أما رأس الأمر فالإسلام، وأما عموده فالصلاة، وأما ذروة سنامه فالجهاد)45.
وقد جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمسٍ: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان)46.
ولهذا كانت الصلاة من أعظم أعمال البر التي تقرب العبد من ربه جل وعلا، وقد اهتم القرآن الكريم بعبادة الصلاة اهتمامًا بالغًا فأوجب إقامتها على وقتها، فقال تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [النساء: ١٠٣].
وشرع الطهارة قبل أدائها، فقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [المائدة: ٦].
وجعلها الواقي من اتيان الفواحش والمنكرات، فقال تعالى: (ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [العنكبوت: ٤٥].
وما كان لهذا الاهتمام أن يكون إلا لأن الله تعالى عالم بما للصلاة من كبير أثر على من أقامها، كيف لا يكون ذلك وهي عبادة جامعة للعديد من أوجه البر التي دعا إليها الإسلام الحنيف كقراءة القرآن، والدعاء، والذكر وغير ذلك.
٢. البر في إيتاء الزكاة .
كثيرًا ما يقرن الله تعالى بين الركن الثاني من أركان الإسلام الصلاة، وبين الركن الثالث الزكاة، وذلك في آيات من الذكر الحكيم، كقوله تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [البقرة: ٤٣].
كما قرن الرسول صلى الله عليه وسلم كذلك بين الصلاة والزكاة، في عدة مواطن منها ما جاء عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال:(بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلمٍ)47.
ويفهم من الآية الكريمة أن العبد إذا أقام الصلاة، وآتى الزكاة، ولازم جماعة المؤمنين فإنه يكون بذلك ملك الأسس التي من شأنها أن تقوده إلى الالتزام بباقي متطلبات الدين، كما يفهم من الحديث الشريف أن أخذ النبي صلى الله عليه وسلم البيعة على ثلاثة أمور منها إقام الصلاة وإيتاء الزكاة دليل على عظم مكانة هاتين العبادتين عند الله تعالى، ومدى تأثيرهما على حياة العباد، فالصلاة تطهر الأبدان، والزكاة تطهر الأموال، ولعل هذا من أبرز ما أدى إلى اقتران الصلاة بالزكاة في كثير من النصوص الشرعية.
ومن المعلوم أن الزكاة بتطهيرها للأموال تعين أيضًا على تطهير القلوب من البخل والكبر والحقد والحسد، ولهذا عظيم الأثر في توطين النفوس على طاعة الله تعالى وبره في اتيان كل ما أمر، واجتناب كل ما نهى، ولكي يتحقق البر في إيتاء الزكاة لابد من الالتزام بشروطها، وانفاقها في مصارفها الثمانية التي حددها القرآن الكريم، وذلك في قوله تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [التوبة: ٦٠].
وكذلك أن تحقق الغرض الذي شرعت من أجله وهو تحقيق التكافل والتعاضد، والحث على صدقة التطوع، وعلى غيرها من أعمال البر.
٣. البر في الصيام .
صوم رمضان هو الركن الرابع من أركان الإسلام، وقد شرعه الله تعالى لعباده المؤمنين ليكون بابًا من أوسع أبواب البر والطاعة، يدل على ذلك قوله تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [البقرة: ١٨٣].
فقوله تعالى في فاصلة الآية الكريمة: (ﭯ ﭰ) فيه بيان الغاية المرجوة من تشريع صيام شهر رمضان وهي الوصول بالعباد إلى درجة التقوى48.
ومما يدلل على أن الصيام من أعظم أبواب البر ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث منها ما جاء عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال: (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفرٍ، فأصبحت يومًا قريبًا منه ونحن نسير، فقلت: يا رسول الله أخبرني بعملٍ يدخلني الجنة ويباعدني عن النار، قال: لقد سألتني عن عظيمٍ، وإنه ليسيرٌ على من يسره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت)49.
ومنها ما جاء أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)50.
فهذان الحديثان وغيرهما من الأحاديث مما يبرز قيمة الصوم في تقريب العباد من رضوان الله تعالى، وابعادهم عن سخطه، ولو لم يكن الأمر كذلك لما خصص الله تعالى أحد أبواب الجنة الثمانية للصائمين، وسماه باب الريان.
وفي ذلك يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: (من أنفق زوجين في سبيل الله نودي في الجنة: يا عبد الله، هذا خيرٌ، فمن كان من أهل الصلاة، دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد، دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة، دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام، دعي من باب الريان) 51.
ومما يعزز مكانة الصيام كأحد أبرز أعمال البر ارتباطه بأوجه أخرى عظيمة من أوجه البر، ومن هذه الأوجه العظيمة الاجتهاد في قراءة القرآن الكريم.
والسر في ارتباط الصيام بقراءة القرآن هو أن نزول القرآن الكريم كان في شهر رمضان المبارك، قال تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [البقرة: ١٨٥].
ومن الأوجه أيضًا الصدقة، ومن المعلوم أن زكاة الفطر واجبة في شهر رمضان، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حث المسلمين على التبرع للمحتاجين من خلال جوده في التصدق خلال شهر رمضان على ذوي الفاقة والعوز، حتى أن ابن عباس رضي الله عنهما وصفه قائلًا: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلةٍ من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة)52.
ومن أوجه البر المرتبطة بالصيام العمرة، وصلة الأرحام، وقيام الليل وغير ذلك من الأوجه المباركة الخيرة.
٤. البر في الحج.
الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، وله عند الله تعالى من القدر والجلال ما له؛ وذلك لأهميته في تقوية الإيمان، وتهذيب الأخلاق، وتكفير الذنوب والخطايا، وهذا الذي أهل هذه العبادة العظيمة لأن تكون من أهم وأعظم أوجه البر التي يتقرب بها المؤمن من ربه جل وعلا.
وتأصيلًا لذلك يقول الله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [البقرة: ١٩٧].
فقول الله تعالى:(ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) بعد نهيه عن فعل الشر لحث العباد على اغتنام الحج للاستزادة من الخير بفعل الخيرات، واجتناب المعاصي53.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من حج لله فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه)54.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (رجع كيوم ولدته أمه) يعني أن الحاج الذي خلا حجه من الرفث والفسق يعود من حجه وقد حط الله تعالى عنه سائر ذنوبه وخطاياه55.
ويعد الحج من الأعمال التي حث النبي صلى الله عليه وسلم على تكرارها بقوله:(تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد، والذهب، والفضة، وليس للحجة المبرورة ثوابٌ إلا الجنة)56.
وبما أن ما ذكر في الحديثين الشريفين من الوعد بالمغفرة والنعيم هو الغاية الأسمى التي يسعى عباد الله تعالى الأبرار للوصول إليها من خلال محافظتهم على أعمال البر التي شرعها الله تعالى لهم.
ثالثًا: البر في الأخلاق:
يتميز الدين الإسلامي باهتمامه بالتحلي بالأخلاق الحميدة؛ وذلك لما لها من عظيم الأثر على الفرد في ضبط سلوكه وتقويمها، وعلى المجتمع في رقيه وزيادة تماسك أفراده، وقد مدح الله تعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بسمو أخلاقه.
فقال تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [القلم:٤].
كما نبه النبي صلى الله عليه وسلم على أهمية التحلي بالأخلاق الحسنة بقوله: (إن خياركم أحاسنكم أخلاقًا)57.
كما فسر صلى الله عليه وسلم البر بأنه هو حسن الخلق بقوله: (البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطلع عليه الناس)58.
ومن الأخلاق الرئيسية التي لابد للبر أن يتوجها ما يأتي:
١. الوفاء بالعهد.
الوفاء بالعهد من الأخلاق التي أمر الله تعالى بها، قال تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [المائدة: ١].
والعقود هي أوثق العهود59 كما جعل الله تعالى هذه صفة من الصفات التي يتحلى بها المؤمنون السائرون على طريق الصلاح والفلاح، فقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ$ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ* ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ: ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴE ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼM ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂS) [المؤمنون: ١ - ٨].
كما عد الله تعالى الاتصاف بالوفاء بالعهود من الأخلاقيات الملازمة للأبرار، فقال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [البقرة: ١٧٧].
وقد رفع الله تعالى من قدر خلق الوفاء بالعهد لما له من أهمية بالغة في إعلاء شأن المؤمنين، وإعطاء الصورة المشرقة عن الإسلام، ولكي يعد الوفاء بالعهد من أوجه البر الأمور الآتية:
والتي في مقدمتها الإيمان بوحدانية الله تعالى في ألوهيته وربوبيته وأسماءه وصفاته، وقد أخذ الله تعالى على بني آدم العهد والميثاق على ذلك، وهذا ما ورد في قوله تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الأعراف: ١٧٢].
ويقود هذا العهد العباد إلى الإيمان بوحدانية الله تعالى في ألوهيته وأسمائه وصفاته، وبيان ذلك أن الآية ذكرت إقرار بني آدم عليه السلام جميعًا بربوبية الله تعالى، وتوحيد الربوبية لله تعالى أساس لتوحيد الألوهية؛ لأن توحيد الربوبية يشمل الاعتقاد بأن الله تعالى هو الذي خلق ورزق وأنعم، وهذا الفضل والإنعام يستوجب الطاعة والانقياد ممن انتفع وتنعم، وبعبارة أخرى فإن الرب جل وعلا الذي خلق العباد ورزقهم وتكفل بجميع شؤونهم ليستحق منهم حسن الطاعة والانقياد وهذا هو جوهر توحيد الألوهية، كما من المعلوم أنه لا يليق لمن اتصف بالألوهية والربوبية إلا أن تكون أسماؤه حسنى، وصفاته صفات كمال، وبهذا يكون الإيمان بالله تعالى مكتمل الأركان، وبالتالي يعتبر من أعمال البر التي تقرب العباد من ربهم جل وعلا.
وتشمل هذه العهود كافة أنواع التعاملات المشروعة التي يجريها المؤمنون مع بعضهم البعض.
والضابط لهذه العقود أن يلتزم بها الكفار، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [التوبة: ٧].
ويلاحظ من الآية مجيء فاصلتها « إن الله يحب المتقين» جملة تعليلية عللت ما قبلها من تشريع، فتبين بذلك أن الاستقامة على العهود مع الملتزمين بها من غير المسلمين من التقوى التي يحب الله تعالى من اتصف بها.
٢. الصبر.
خلق الصبر من أجمل ما يتصف به العبد المؤمن، وسر جمال هذا الخلق الرفيع يكمن في أمرين، الأول: أن الله تعالى حث عليه وأعد الأجر العظيم لمن اتصف به، والثاني: أن الصبر من أبرز ما اتصف به الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، أما بالنسبة لحث الله تعالى.
فقد قرر سبحانه معيته وتأييده للصابرين، وذلك كما في قوله تعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [البقرة: ١٥٣].
وأما بالنسبة لعظم أجر الصابرين قال تعالى: (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ) [الزمر: ١٠].
وأما بالنسبة لاتصاف الأنبياء بهذه الصفة الخلقية الرفيعة قال تعالى على لسان رسله عليهم السلام: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [إبراهيم: ١٢].
وهذا القول من الرسل لأقوامهم يثبت صبرهم على ما جوبهوا به من قبل أقوامهم ردًا على دعوتهم لهم60، وحتى يكون الصبر من أعمال البر التي تقرب العبد من ربه جل وعلا لابد من الاتصاف بأنواعه الثلاثة وهي:
قال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ) [طه: ١٣٢].
والمعنى واصبر على أدائها على أتم وجه، والمداومة على إقامتها في مواعيدها، والدعوة إليها61، وينطبق على سائر الطاعات ما ينطبق على الصلاة.
ومعلوم أن النفس الأمارة بالسوء والشيطان لا يكفان عن الدعوة لاقتراف ما نهى الله تعالى عنه.
وهذا يتطلب من العبد مجاهدة كبيرة لعدم الانجرار إلى تلك الدعوة، وفي هذا المضمار يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات)62.
وهذا الحديث يبث الأمل في نفس المؤمن فهو يعلم أن صبره على عدم الانجرار خلف الأهواء والشهوات لن يضيع هباءًا منثورًا، وإنما سيجزيه الله تعالى الجزاء الأوفى على صبره يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
وفي هذا المقام يقول الله تعالى: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ= ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷH ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [البقرة: ١٥٥ - ١٥٧].
وبشارة الله تعالى للمؤمنين الصابرين تتضمن حسن الثواب في الآخرة.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي، فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده، فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة، وسموه بيت الحمد)63.
٣. إتيان البيوت من أبوابها.
تعود قصة الأمر بإتيان البيوت من أبوابها إلى ما كان يقوم به الأنصار إذا أحرموا من الامتناع عن دخول البيوت من أبوابها، وإذا لزمهم دخول البيوت فإنهم يعمدون إلى ثقب في ظهر البيت فيدخلون من خلاله، ويعدون ذلك من البر.
فنبههم الله تعالى إلى أن ذلك ليس من البر، والبر هو أن يأتوا البيوت من أبوابها سواء أكانوا محلين أو محرمين.
وذلك في قوله تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [البقرة: ١٨٩].
وقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن البراء بن عازب رضي الله عنه أنه قال: (نزلت هذه الآية فينا، كانت الأنصار إذا حجوا فجاءوا، لم يدخلوا من قبل أبواب بيوتهم، ولكن من ظهورها، فجاء رجلٌ من الأنصار، فدخل من قبل بابه، فكأنه عير بذلك، فنزلت: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ))64.
ويفهم من سبب النزول أن البر في تقوى الله تعالى، وطاعته فيما أمر ونهى لا في العدول عن تشريعاته65.
وقد وضع الإسلام لقبول العمل الذي يبتغى فيه وجه الله تعالى الكريم شرطين أساسيين:
الأول: الإخلاص لله تعالى66.
وفي ذلك يقول الله تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [البينة: ٥].
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه)67.
والشرط الثاني: موافقة العمل لما جاء به الشرع.
وفي ذلك يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه، فهو ردٌ)68.
٤. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
جعل الله تعالى قيام الأمة بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أبرز أسباب خيرتها وأفضليتها على من سواها من الأمم، فقال تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [آل عمران: ١١٠].
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مهمة الأنبياء، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من التقاعس عن أداء هذه المهمة العظيمة فقال (والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم) 69.
وحتى يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم القربات إلى الله تعالى لابد أن تراعى فيه الأمور الآتية:
وقد علم الله تعالى عباد المؤمنين كيف يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يظهر ذلك في عدة مواضع من كتاب الله تعالى منها:
قوله تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [التوبة: ٣٨].
وتبرز هذه الآية الكريمة أن الله تعالى قد راعى أحوال المؤمنين عندما أمرهم بالجهاد في سبيله، فالناس يميلون الراحة وعدم الخروج لملاقاة العدو، خصوصًا إذا كانت أوضاع الناس المعيشية في حالة من الرغد والسعة.
وقد نزلت هذه الآية في الحر الشديد حيث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهز لغزو الروم، فأراد الله تعالى أن يشحذ همم المؤمنين للجهاد في سبيله من خلال بيان أن النعيم الدنيوي الذي يثبطهم عن الخروج للجهاد في سبيل الله تعالى قليل بالنسبة لنعيم الآخرة70.
وقوله تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [الحجرات: ٢].
تنهى الآية الكريمة المؤمنين عن رفع الأصوات فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم ، وعن الجهر له بالقول كما يجهر الواحد من المؤمنين لغيره من الناس.
ويعبر هذا النهي من الله تعالى لعباده المؤمنين عن مدى المراعاة لأحوالهم فهم على مقربة شديدة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا التقارب إضافة إلى تواضع النبي صلى الله عليه وسلم في معاملته لهم، وطبيعة تعامل المؤمنين مع غيرهم من الناس أثناء محادثتهم قد يؤدي إلى اعتقاد المؤمنين بجواز رفع الصوت فوق مستوى صوته صلى الله عليه وسلم أثناء محادثته، أو الجهر إليه بالقول كما يجهر لغيره من عامة الناس، فجاء التنبيه الإلهي ليحول دون وقوع ذلك الأمر الذي يتسبب في إحباط أعمال المؤمنين الصالحة. 71
وقد أثنى الله تعالى على رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم لاتصافه باللين في تعامله مع الناس.
فقال تعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [آل عمران: ١٥٩].
وبالتالي فلا يكفي الداعية أن يكون حاملًا للحق، وإنما يجب عليه أن يمتلك الوسيلة الحسنة ليقنع الناس بإتيان الحق، وترك الباطل، ومما يمثل لبراعة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في هذا الميدان، موقفه من الرجل الذي بال في المسجد فاجتمع إليه الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم ليزجروه، فينهاهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (لا تزرموه دعوه فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له: إن هذه المساجد لا تصلح لشيءٍ من هذا البول، ولا القذر إنما هي لذكر الله عز وجل، والصلاة وقراءة القرآن)72.
وربما لو لم يتدخل الرسول صلى الله عليه وسلم حينها ليمنع الناس من زجره، لترك الإسلام أو لوقع في نفسه البغض للمسلمين، وهذا مالا يرضي ربنا جل وعلا.
وقد ذكر القرآن الكريم قصصًا لدعاةٍ أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر بكل جرأة وشجاعة فبذلوا في سبيل ذلك الغالي والنفيس، ومن هذه القصص، قصة الرجل المؤمن الذي دعا قومه لاتباع الرسل فقتلوه.
قال تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦw ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ© ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮÁ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳÆ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ Ï ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ×) [يس: ٢٠ - ٢٧].
يتضح من الآيات الكريمة أن الرجل المؤمن قد تحلى بشجاعة وإقدام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فأمر قومه باتباع الرسل عليهم السلام، وأظهر لهم إيمانه فقتلوه بسبب ذلك، فادخله الله تعالى الجنة. 73
ويستفاد من تلك القصة أنه على الداعية الذي يقوم بمهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يكون شجاعًا جريئًا لا يخاف في الله لومة لائم، فيقول الحق مهما كان الثمن لقوله.
٥. التناجي بالبر والتقوى.
يعمد الناس إلى التناجي في حال أرادوا التحدث بكلام لبعض الأشخاص دون غيرهم في جماعة واحدة، ونظرًا للأثر السلبي الذي تخلفه النجوى على المستثنين من سماع الكلام الذي يدور من خلال النجوى فقد وضعت الشريعة الإسلامية ضوابط وآداب تضمن لمن التزمها في نجواه تجنب التأثير السلبي للنجوى، وتتمثل هذه الضوابط والآداب بما يأتي:
قال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [المجادلة: ٩].
وبناءًا على ما جاء في هذه الآية من النهي عن التناجي بالإثم والعدوان، فإن المؤمن لا ينزعج إذا رأى إخوة له يتناجون دون إشراكه في سماع ما يدور بينهم من حديث؛ لعلمه بأن ما يتناجون به خير ليس فيه شيء مما نهى الله تعالى عنه.
قال صلى الله عليه وسلم: (إذا كنتم ثلاثةً، فلا يتناجى رجلان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس، أجل أن يحزنه).74
٦. التعاون على البر والتقوى.
من حكمة الله تعالى أن جعل الإسلام دين جماعة، يظهر ذلك جليًا في النصوص الشرعية الواردة في القرآن الكريم والسنة المطهرة، والتي يتوجه فيها الخطاب للجماعة كالأمر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وغيرها، وتعزيزًا لذلك أمر الله تعالى عباده المؤمنين بالتعاون على البر والتقوى، فقال تعالى: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [المائدة: ٢].
ويشمل التعاون على البر والتقوى جميع مجالات التعاون في ما أباح الله تعالى اتيانه والتعاون في تأديته كالبناء، وصناعة الأشياء المباحة، وعمل الشركات، وتصنيف الكتب النافعة ونشرها، وغير ذلك.
٧. الصدق.
أثنى الله تعالى على عباده الملازمين للبر في عقائدهم وعباداتهم وأخلاقهم بأنهم صادقون.
فقال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [البقرة: ١٧٧].
كما أن خلق الصدق من الأخلاق الحميدة التي دعا إليها الله تعالى في كتابه العزيز، وذلك كما في قوله تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [التوبة: ١١٩].
وأمر الله تعالى المؤمنين بتقواه ولزوم الصدق في النية والقول والعمل فيه دلالة على رفعة منزلة الصدق في أخلاق المؤمنين الأتقياء.
وفي هذا الشأن يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب صديقًا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب كذابًا)75.
والعبد إذا كتب عند الله تعالى من الصديقين لملازمته الصدق في القول والفعل والمعتقد، فإنه يكتب عند الله تعالى مع الذين أنعم عليهم.
قال تعالى: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [النساء: ٦٩].
أنعم الله تعالى على البشرية بأن خلق آدم وخلق منه زوجه حواء؛ ليسكن إليها، ويأنس بها، قال تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [الروم: ٢١].
كما أنعم الله تعالى على الناس بأن جعلهم يتناسلون ويتكاثرون، قال تعالى: (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ) [النحل: ٧٢].
ومن المعلوم أن الله تعالى قد خلق الإنسان ليؤدي مهمة الخلافة في الأرض، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [البقرة: ٣٠].
ولأداء هذه المهمة العظيمة لابد للفرد من أن يعمل ضمن الجماعة، ولإيجاد الجماعة لابد من ترابط الأفراد.
وقد ربط الله تعالى بين الأفراد بأمرين أساسيين:
الأول: العبادات.
والثاني: المعاملات.
ومما تتضمنه المعاملات الإسلامية الصلات الاجتماعية التي تقوي الروابط بين مكونات المجتمع، كما لم يغفل التشريع الإسلامي الروابط والصلات التي تربط المجتمع المسلم بغيره من المجتمعات، فشرع أنواع من التعاملات التي تربط المجتمع المسلم بالمجتمعات الأخرى.
وقد جعل الله تعالى البر هو العنوان الرئيس لكافة العلاقات والروابط، سواء أكانت بين الأفراد في المجتمع المسلم، أو كانت بين المجتمع المسلم وغيره من المجتمعات الأخرى، وبيان ذلك فيما يأتي:
أولًا: البر وصلة الرحم:
من فضل الله تعالى على عباده أنه أوجدهم وأسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة، ومن أعظم هذه النعم نعمة الوالدين والأقارب.
وتكمن عظمة هذه النعمة في أن كلًا من الوالدين والأقربين يمثلون الحاضنة التي توفر للإنسان ما يحتاجه من الرعاية التي لا غنى له عنها في أي مرحلةٍ من مراحل حياته.
وبالتالي فينبغي على الإنسان أن يشكر الله تعالى الذي من عليه بهذه النعمة العظيمة، وذلك من خلال أمرين:
الأول: بر الوالدين والإحسان إليهما.
الثاني: الإحسان إلى الأقارب.
أما الأمر الأول وهو بر الوالدين والإحسان إليهما، فقد قال الله تعالى فيه: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ¢ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [الإسراء: ٢٣ - ٢٤].
والملاحظ من الآيتين الكريمتين أن الله تعالى قد شدد على ضرورة الإحسان إلى الوالدين في جميع أحوالهما وبالذات حين يضعفهما الكبر في السن.
وهذا يتطلب من الابن أن يشعر بأنه مدانٌ لوالديه بالكثير؛ فهما اللذان اعتنيا به حين كان صغيرًا لا يقوى على القيام بشيء من احتياجاته، هذا فضلًا عن أنهما كانا السبب في وجوده.
ومن الملاحظ أيضًا في الآية الأولى أن الله تعالى قد أمر بالإحسان إلى الوالدين بعد الأمر بإفراده بالعبادة، وهذا يدل على مدى أهمية الإحسان إلى الوالدين.
كما يلاحظ في الآية الثانية أن الإحسان إلى الوالدين لا يقتصر على فترة وجودهما في الحياة، وإنما يبقى مستمرًا إلى ما بعد وفاتهما.
وهذا ما فهمه الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، فهذا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يلقى أعرابيًا فيسلم عليه، وينزل عن حماره ليحمل عليه الأعرابي، ويهديه عمامته، فيقول له حينها عبد الله بن دينار رحمه الله تعالى: أصلحك الله إنهم الأعراب ويرضون باليسير، فيرد عليه ابن عمر رضي الله عنهما قائلًا: إن هذا كان ودًا لعمر بن الخطاب، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أبر البر صلة الولد أهل ود أبيه)76.
ويقول الإمام القشيري: « أمر -أي الله تعالى- بالإحسان إلى الوالدين ومراعاة حقهما، والوقوف عند إشارتهما، والقيام بخدمتهما، وملازمة ما كان يعود إلى رضاهما، وحسن عشرتهما، ورعاية حرمتهما، وألا يبدى شواهد الكسل عند أوامرهما، وأن يبذل المكنة فيما يعود إلى حفظ قلوبهما... هذا فى حال حياتهما، فأما بعد وفاتهما فبصدق الدعاء لهما، وأداء الصدقة عنهما، وحفظ وصيتهما على الوجه الذي فعلاه، والإحسان إلى من كان من أهل ودهما ومعارفهما»77.
وبالتالي فإن بر الوالدين يعد من أعظم أبواب البر والخير التي يجب على الأبناء أن يتزاحموا ويتسابقوا لولوج الجنة من خلالها.
وأما الأمر الثاني الذي يشكر العبد ربه من خلاله على نعمة الرعاية فهو الإحسان إلى الأقارب.
وفيه يقول الله تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [الإسراء: ٢٦].
وتشمل حقوق ذوي القربى زيارتهم، وحسن التعامل معهم، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وتقديم العون لهم، والإنفاق عليهم حال فقرهم، وغير ذلك من أوجه برهم.
وقد جعلهم الله تعالى في الدرجة الثانية بعد الوالدين نظرًا لكون الوالدين أعظم فضلًا على العبد من باقي أقاربه.
ثانيًا: البر بالمسلمين:
أكرم الله تعالى عباد المؤمنين برباط الأخوة الإيمانية المتين الذي ألف به بين القلوب المتنافرة.
قال تعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ. ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [الأنفال: ٦٢ - ٦٣].
وقال رسول الله: صلى الله عليه وسلم (إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا، وشبك أصابعه)78.
وتتطلب هذه النصوص الشرعية من المسلمين حسن رعاية بعضهم لبعض، وممن خصهم الله تعالى بالذكر للحث على رعايتهم الأصناف الآتية:
١. اليتامى.
قال تعالى: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [البقرة: ١٧٧].
واليتيم هو من فقد أباه وهو صغير79، وقد خصه الله تعالى بالذكر وجعل النفقة عليه من أوجه البر؛ نظرًا لأنه قد فقد من يعيله ويتولى النفقة عليه بالعادة، وتركه للفقر أمر فيه مفسدة عظيمة.
٢. الفقراء.
قال تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ) [التوبة: ٦٠].
والفقير هو من لا مال له80، وبالتالي فهو في أمس الحاجة إلى يعينه على لوازم الحياة.
٣. المساكين.
قال تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [التوبة: ٦٠].
والمسكين هو من لا يملك ما يكفيه ومن يعيله من المال81.
وقد جعل الله تعالى هذا الصنف من مصارف الزكاة؛ حتى يتمكن من الحصول على ما يسد به حاجته، ويكفيه ذل المسألة.
٤. السائلين.
قال تعالى: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [البقرة: ١٧٧].
والسائل هو الذي يطلب العون والمساعدة من الآخرين82.
وقد خصهم الله تعالى بالذكر والحث على مساعدتهم؛ لأن سؤالهم ناجم عن فقرهم، وعدم قدرتهم على الكسب، وفي معونتهم سد لحاجاتهم.
٥. الجار.
قال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [النساء: ٣٦].
وتوصي الآية الكريمة بالإحسان إلى الجيران عمومًا سواء أكانوا أقارب وأرحام، أو كانوا أجانب، وسواء أكانوا ملاصقين في سكناهم أو بعدت أماكن سكناهم، وقد أمر الله تعالى بالإحسان إلى الجار نظرًا لتعدد الحقوق التي تكون للجار على جاره، فمثلًا إن كان الجار مسلمًا ومن ذوي الأرحام كانت له حقوق الإسلام والجيرة والقرابة، وإن لم يكن من الأقارب كانت له حقوق الإسلام والجوار، وإن لم يكن مسلمًا كانت له حقوق الجوار فقط83.
وقد أكد المصطفى صلى الله عليه وسلم على ضرورة الإحسان إلى الجار في أحاديث متعددة، منها:
قوله صلى الله عليه وسلم (ما زال جبريل يوصيني بالجار، حتى ظننت أنه سيورثه)84.
وقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها عندما سألته عن المقدم بالهدية من الجيران قائلةً: إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال: (إلى أقربهما منك بابًا)85.
وهذا يدل على أن الجار الأقرب هو الأولى بالهدية من الأبعد؛ لأنه ينظر إلى يدخله الجار إلى بيته من المتاع بخلاف الأبعد86.
٦. ابن السبيل.
قال تعالى: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [البقرة: ١٧٧].
وابن السبيل هو المنقطع عن أهله وماله في سفر87، وقد جعل الله تعالى إعانة ابن السبيل أحد أوجه البر لما في الانفاق عليه بغية إيصاله إلى بلده وماله من التيسير على المعسر الذي انقطع عن ماله في غير بلده.
٧. في الرقاب.
قال تعالى: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [البقرة: ١٧٧].
والمراد بمن في الرقاب هم العبيد88.
وقد حث الله تعالى على فكاكهم في غير موضع من القرآن الكريم؛ لما في فكاكهم وتخليصهم من الرق والعبودية من الحفظ لكرامتهم، والإعلاء لشأنهم.
ثالثًا: البر مع الأعداء:
لم يقتصر فضل البر على المسلمين فحسب، وإنما تعدى الأمر المسلمين ليصل إلى غيرهم من غير المسلمين، وما ذلك إلا تعبيرًا عن سماحة الإسلام وأهله.
وفي هذا الشأن يقول الله تعالى: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ_ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [الممتحنة: ٨ - ٩].
وتبين الآية الكريمة أن البر إلى غير المسلمين جائز شريطة أن يكونوا مسالمين وأن يلتزموا بعهودهم ومواثيقهم التي أبرموها مع المسلمين.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [التوبة: ٧].
أما المحاربين فلا تجوز مودتهم؛ لأنهم ناصبوا المسلمين العداء، وبذلوا كل جهد للقضاء على الإسلام والمسلمين، فهؤلاء ليس لهم عند المسلمين إلا القتال حتى يغلبوا وينتهي شرهم، ولا يعني ذلك جواز تجاوز الحد المأذون به شرعًا في معاقبة الأعداء، أو معاقبة غير المعتدين89؛ فإن العدل مع الأعداء من البر الذي دعا إليه الإسلام.
قال تعالى: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [المائدة: ٨].
والبر إلى المسالمين من غير المسلمين يكون في التعامل معهم في مختلف المجالات بالرفق واللين، وعدم هضم حقوقهم أو الانتقاص من شأنهم، وذلك يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (ألا من ظلم معاهدًا، أو انتقصه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفسٍ، فأنا حجيجه يوم القيامة)90.
ولا يشمل البر إلى المسالمين من غير المسلمين موالاتهم في معتقداتهم الفاسدة، فالغرض من برهم هو دعوتهم إلى الهدى والإيمان وليس التأثر بمعتقداتهم الباطلة.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ$ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ) ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [الكافرون: ١ - ٦].
مما لا شك فيه أن للبر آثار جليلة تعود بالنفع على الأبرار في الدنيا والآخرة، كيف لا يكون ذلك والله تعالى هو الذي أمر بالبر وحث عليه المؤمنين، ولمعرفة تلك الآثار لابد للنظر في نصوص القرآن الكريم، وبيان ذلك فيما يأتي:
أولًا: آثار البر في الدنيا:
١. محبة الله تعالى.
وقد أكد الله تعالى محبته للقائمين بأعمال البر التي حثت الشريعة الإسلامية في غير موضع من كتاب الله تعالى.
قال تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [آل عمران: ١٣٤].
والآية الكريمة تبين أن الإنفاق في سبيل الله تعالى في السراء والضراء، وكظم الغيظ، والعفو عن الآخرين، والإحسان في الأمور كلها تستدعي محبة الله تعالى، ومما لا شك فيه أن الأمور التي ذكرتها الآية الكريمة من أعمال البر.
وقال تعالى في موضع آخر: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [آل عمران: ١٤٦].
والآية الكريمة تحث على الصبر والتحمل في سبيل إعلاء شأن الإسلام، وعدم الفتور والضعف والاستكانة مهما أصابهم من قتل وجراح وغير ذلك في سبيل الله تعالى91.
ومعلوم أن الصبر من أعظم الأخلاقيات التي حث عليها الإسلام.
٢. الطمأنينة وانشراح الصدر.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ? ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹJ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [الأنعام: ١٢٥ - ١٢٧].
يبين الله تعالى في هذه الآيات الكريمة أن الذي يهديه الله تعالى للإسلام يشرح صدره بأن يقذف في قلبه نورًا يميز من خلاله الحق فيقتنع به ويهتدي إليه، وتطمئن نفسه إلى المسلك الذي يسير فيه92.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [البقرة: ٢٥٧].
والمقصود بالظلمات في الآية الكريمة هو ظلمات الكفر، والنور هو نور الإيمان93.
وهذا النور الذي يجده المؤمن في حياته هو سبب الراحة النفسية التي يعيشها، كما أن الطمأنة الإلهية للمؤمنين الأبرار هي مفتاح السعادة بالنسبة لهم.
وقد جاءت هذه الطمأنة في الحديث القدسي الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله قال: من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيءٍ أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيءٍ أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته)94.
يبين هذا الحديث الشريف أن الاجتهاد في أعمال البر أمر يٍوجب محبة الله تعالى، كما أن الله تعالى يكرم الأبرار بلذة وراحة أثناء قيامهم بأعمال البر.
وفي ذلك يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (ثلاثٌ من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار)95.
ولا يقتصر انشراح صدر المؤمن البار واطمئنانه خلال فترة حياته فحسب، بل إن الملائكة الكرام تتنزل عليه عند قبض روحه لطمأنته وتبشيره96.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [فصلت: ٣٠].
٣. الحياة الطيبة.
قال تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [النحل: ٩٧].
والملاحظ أن الآية الكريمة عبارة عن جملة شرطية، ومعلوم أن أسلوب الشرط يعمد إلى الربط بين أمرين فلا يتحقق الأمر الثاني إلا إذا تحقق الأمر الأول، وبالتالي فإن تحقق حصول الحياة الطيبة للعبد في الدنيا أمر مرهون باستقرار الإيمان في قلبه، ومداومته على العمل الصالح، ويقول الله تعالى في موضع آخر: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [طه: ١٢٣].
وتبين هذه الآية الكريمة أن اتباع الهدى شرط لعدم الضلال والشقاء.
ثانيًا: آثار البر في الآخرة:
وضع الله تعالى شرطًا للنجاة من عذابه الأليم في الآخرة، فقال تعالى: (ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ) [الكهف: ١١٠].
وتوضح الآية الكريمة أن الشرط هو المداومة على العمل الصالح، وعدم الاشراك بالله تعالى مطلقًا، وقد أكد الله تعالى في غير موضع من القرآن الكريم على حسن مآل الأبرار المحسنين، كما حدد آثار البر والعمل الصالح على الأبرار في الآخرة، والتي منها ما يأتي:
١. الأمان من الخوف والحزن.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [يونس: ٦٢ - ٦٤].
تبين الآيات الكريمة أن أولياء الله تعالى من المؤمنين الأبرار لا خوف عليهم مما سيكون يوم القيامة من أهوال مخيفة، ولا هم يحزنون على ما أسلفوا، لأنهم لم يقدموا إلا صالحًا97.
يقول شيخ المفسرين أبو جعفر الطبري في تفسير هذه الآية: «يقول تعالى ذكره: ألا إن أنصار الله لا خوف عليهم في الآخرة من عقاب الله، لأن الله رضي عنهم فآمنهم من عقابه، ولا هم يحزنون على ما فاتهم من الدنيا»98.
٢. النجاة من النار والفوز بالجنة ونعيمها.
قال تعالى: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ~ ﮯ ﮰ ﮱ£ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ© ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ¯ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ¸ ﯧ ﯨ ﯩ¼ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮÁ) [المطففين: ٢٢ - ٢٨].
تبين الآيات الكريمة حسن ما أعده الله تعالى لعباده الأبرار من النعيم والثواب في جنانه التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
وقد قال الله تعالى عما في هذه الجنان: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [يس: ٥٧].
وقال تعالى أيضًا: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [فصلت:٣٠-٣١].
فهذه الآيات تحتوي على البشارات الواضحة بدخول المؤمنين الصالحين الأبرار جنان ربهم جل وعلا، وحصولهم فيها على ما يشاؤون من النعم والمتع، كما جاءت آيات أخرى تبين الطريقة التي من خلالها ادخال المؤمنين إلى جنان ربهم جل وعلا، منها قوله تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [مريم: ٨٥].
وتعني كلمة وفدًا أي: ركبانًا99.
وهذا مما يدل على تكريم الله تعالى لهم لما قدموه من العمل الصالح في الدنيا.
ومن الآيات أيضًا التي تبين حسن استقبال المؤمنين البررة عند دخولهم الجنة قوله تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [الزمر: ٧٣].
وتبين الآية الكريمة أن خزنة الجنة من الملائكة يستقبلون الأبرار من المؤمنين الأتقياء أحسن الاستقبال عند دخولهم الجنة، وحين يرى المؤمنون حسن استقبالهم وما أعده الله تعالى لهم من الأجر الكبير يقولون: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [الزمر: ٧٤].
موضوعات ذات صلة: |
الإحسان، التطوع، الخير، العطاء |
1 انظر: جمهرة اللغة، أبو بكر الأزدي ١/٦٧، مقاييس اللغة، ابن فارس ١/١٧٩،١٨١، المحكم، ابن سيده ١٠/٢٤٠،٢٤٣، مشارق الأنوار، السبتي ١/٨٤.
2 انظر: تأويلات أهل السنة، الماتريدي ٢/٤٢٥، مفاتيح الغيب، الرازي ٨/٢٨٩، لباب التأويل، الخازن ١/٢٦٨.
3 البحر المحيط ٢/١٧٠.
4 فتح القدير ١/١٩٩.
5 تفسير المراغي ٢/٥٤.
6 انظر: المعجم المفهرس، محمد فؤاد عبد الباقي ص ١١٧.
7 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني ص ١٢٩،١٣٠.
8 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٦/١٣١.
9 جامع العلوم والحكم، ابن رجب ص١٣٨
10 انظر: تاج العروس، الزبيدي ١١/ ٢٣٨.
11 روح البيان، إسماعيل حقي ٧/ ٣٤٨.
12 انظر: الفروق اللغوية، العسكري ١/١٧٠.
13 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١٣/١١٧.
14 التفسير المنير ١٤/ ٢١٢.
15 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ١/٦٠.
16 التعريفات ص ٩.
17 انظر: زهرة التفاسير، أبو زهرة ٥/٢٦٤٨.
18 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب تفسير البر والإثم ٤/١٩٨٠، رقم ٢٥٥٣.
19 العين الفراهيدي ٢/٢١٣.
20 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٥٥٣.
21 انظر: المصباح المنير، أحمد الفيومي ٢/٤١٤.
22 التعريفات، الجرجاني ص٢٢٢.
23 انظر: النكت والعيون، الماوردي ١/٢٢٤،٢٢٨.
24 انظر: تأويلات أهل السنة، الماتريدي ١٠/٤٤٩.
25 انظر: لباب التأويل، الخازن ١/١٢١،١٢٠.
26 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٢١٨.
27 انظر: تفسير الشعراوي ٥/٢٩٠٨.
28 انظر: لباب التأويل، الخازن ٣/٣١١.
29 انظر: اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل الحنبلي ١٨/٥٣٩.
30 انظر: البحر المديد، ابن عجيبة ٧/٣٤١.
31 انظر: التفسير الوسيط، محمد سيد طنطاوي ٢/٣٨٢.
32 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤٣٩.
33 انظر: تفسير ابن عرفة ٢/٨٤.
34 انظر: الوجوه والنظائر، أبو هلال العسكري ص١٣٢.
35 انظر: تفسير مقاتل بن سليمان، ١/٣٢١.
36 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ١/٤٨١.
37 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب (من كان عدوًا لجبريل)، ٦/١٩، رقم ٤٤٨٠.
38 انظر: معجم وتفسير لغوي لألفاظ القرآن الكريم، حسن الجمل ٣/٤٢١.
39 انظر: تفسير السمرقندي ١/٤٦٦.
40 انظر: البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي ٣/٦٤٤.
41 انظر: تأويلات أهل السنة، الماتريدي ٩/٥٤١.
42 أخرجه البخاري في كتاب الأدب المفرد، باب حسن الخلق إذا فقهوا ص١٠٨، رقم ٢٨٩.
قال عنه أبو عيسى الترمذي: حديث صحيح غريب.
43 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٣/٤٩١.
44 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب طيب الكلام ٨/١١، رقم ٦٠٢٨.
45 أخرجه الحاكم في مستدركه، كتاب الجهاد ٢/٨٦، رقم ٢٤٠٨.
وقال: هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
46 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب قول النبي عليه الصلاة والسلام: « بني الإسلام على خمس» ١/١١، رقم ٨.
47 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب البيعة على ايتاء الزكاة ٢/١٠٦، رقم ١٤٠١.
48 انظر: النكت والعيون، الماوردي ١/٢٣٧.
49 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الإيمان، باب ما جاء في حرمة الصلاة ٤/٣٠٨، رقم ٢٦١٦,
وقال: حديث حسن صحيح.
50 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب اللباس، باب ما يذكر في المسك ٧/١٦٤، رقم ٥٩٢٧.
51 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب من جمع الصدقة، وأعمال البر ٢/٧١١، رقم ١٠٢٧.
52 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام ١/٨، رقم ٦.
53 انظر: لباب التأويل، الخازن ١/١٣٠.
54 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحج، باب فضل الحج المبرور ٢/١٣٣، رقم ١٥٢١.
55 انظر: الإفصاح عن معاني الإصحاح، ابن هبيرة ٦/٤١٠.
56 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الحج، باب ما جاء في ثواب الحج والعمرة ٣/١٦٦، رقم ٨١٠.
قال: حسن صحيح غريب.
57 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب حسن الخلق والسخاء، وما يكره من البخل ٨/١٣، رقم ٦٠٣٥.
58 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب تفسير البر والإثم ٤/١٩٨٠، رقم ٢٥٥٣.
59 انظر: الوجيز، الواحدي ص٣٠٦.
60 انظر: جامع البيان، الطبري ١٦/٥٣٩.
61 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٣/٤٣٤.
62 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها ٤/٢١٧٤، رقم ٢٨٢٢.
63 أخرجه الترمذي، أبواب الجنائز، باب فضل المصيبة إذا احتسب ٢/٣٣٢، رقم ١٠٢١، قال عنه الترمذي: حديث حسن غريب.
64 أخرجه البخاري في صحيحه، أبواب العمرة، باب قول الله تعالى: ( ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ)، ٣/٨، رقم ١٨٠٣.
65 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ١/٢٠٣.
66 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ٦/٢٢٨.
67 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزهد والرقائق، باب من أشرك في عمله غير الله ٤/٢٢٨٩، رقم ٢٩٨٥.
68 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود ٣/١٨٤، رقم ٢٦٩٧.
69 أخرجه الترمذي، أبواب الفتن، باب ما جاء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ٤/٣٨، رقم ٢١٦٩.
وقال: حديث حسن.
70 انظر: لباب التأويل، الخازن ٢/٣٦٠.
71 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٢/٢٧٧.
72 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الطهارة، باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات إذا حصلت في المسجد، وأن الأرض تطهر بالماء، من غير حاجة إلى حفرها ١/٢٣٦، رقم ٢٨٥.
73 انظر: الوجيز، الواحدي ص٨٩٩.
74 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاستئذان، باب إذا كانوا أكثر من ثلاثة فلا باس بالمسارة والمناجاة ٨/٦٥، رقم ٦٢٩٠.
75 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب قبح الكذب وحسن الصدق وفضله ٤/٢٠١٢، رقم ٢٦٠٧.
76 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب صلة أصدقاء الأب والأم، ونحوهما ٤/١٩٧٩، رقم ٢٥٥٢.
77 لطائف الإشارات، القشيري ٢/٣٤٤-٣٤٣.
78 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره ١/١٠٣، رقم ٤٨١.
79 انظر: لباب التأويل، الخازن ١/١٠٦.
80 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٤/٣١٦.
81 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية الأندلسي ٣/٤٨.
82 انظر: معجم وتفسير لغوي لكلمات القرآن، حسن الجمل ٢/٢٧٦.
83 انظر: تفسير القرآن، أبو المظفر السمعاني ١/٤٢٦.
84 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب الوصاة بالجار ٨/١٠، رقم ٦٠١٥.
85 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب بمن يبدأ بالهدية ٣/١٥٩، رقم ٢٥٩٥.
86 انظر: إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، القسطلاني ٩/٢٦.
87 انظر: فتح البيان، القنوجي ٥/١٨٢.
88 انظر: معجم وتفسير لغوي لكلمات القرآن، حسن الجمل ٣/٢٧٤.
89 انظر: التفسير البسيط، الواحدي ٧/٢٩١.
90 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في تعشير أهل الذمة إذا اختلفوا بالتجارات ٣/١٧٠، رقم ٣٠٥٢.
وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع ١/٥١٨.
91 انظر: النكت والعيون، الماوردي ١/٤٢٧.
92 انظر: البحر المديد، ابن عجيبة ٢/١٦٨.
93 انظر: التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي الغرناطي ١/١٣٢.
94 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب التواضع ٨/١٠٥، رقم ٦٥٠٢.
95 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب حلاوة الإيمان ١/١٢، رقم ١٦.
96 انظر: لباب التأويل، الخازن ٢/٤٥٢.
97 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٣٦٨.
98 جامع البيان، الطبري ١٥/١١٨.
99 جامع البيان، الطبري ١٥/١١٨.