عناصر الموضوع

مفهوم الروح

الروح في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

إسناد الروح إلى الله تعالى

حقيقة الروح وصفاتها

الموصفون بالروح في القرآن

نعيم الروح وعذابها

الروح

مفهوم الروح

أولًا: المعنى اللغوي:

أصل مادة (ر و ح) تدل على سعة وفسحة واطراد، وأصل ذلك كله الريح1.

والرُّوحُ: النّفْس2. ويذكّر ويؤنّث، والجمع الأَرْواح. وسُمِّي القرآن رُوحًا، وكذلك جبريلُ وعيسى عليهما السلام3.

والرَّوْحُ: برد نسيم الريحِ. والرائحةُ: النسيم، طيبًا كان أو نتنًا4.

قال ابن الأثير: «قد تكرر ذكر الروح في الحديث، كما تكرر في القرآن، ووردت فيه على معان، والغالب منها أن المراد بالروح الذي يقوم به الجسد وتكون به الحياة، وقد أطلق على القرآن، والوحى، والرحمة، وعلى جبريل»5.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

قال البغوي في تفسيره: «والروح جسم لطيف يحيا به الإنسان»6.

وقال القرطبي: «الروح: جسم لطيف، أجرى الله العادة بأن يخلق الحياة في البدن مع ذلك الجسم، وحقيقته إضافة خلق إلى خالق، فالروح خلق من خلقه، أضافه إلى نفسه تشريفًا وتكريمًا»7.

وقال عنها المراغي: «إنها جسم نوراني، علوىّ، خفيف، حي، متحرك، ينفذ في جوهر الأعضاء، ويسرى فيها سريان الماء في الورد، والنار في الفحم»8.

وقال ابن عاشور: «والروح: يطلق على الموجود الخفي المنتشر في سائر الجسد الإنساني، الذي دلت عليه آثاره من الإدراك والتفكير، وهو الذي يتقوم في الجسد الإنساني حين يكون جنينًا»9.

الروح في الاستعمال القرآني

وردت مادة (ر و ح) في القرآن الكريم (٥٧) مرة، وتكررت (الروح) (٢١) مرة10.

والصيغ التي وردت هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

الاسم

٢١

( ) [الإسراء: ٨٥]

وجاءت الروح في القرآن على خمسة أوجه11:

الأول: مادة الحياة في الإنسان وذوات الأروح: ومنه قوله تعالى: ( ﯰﯱ ) [الإسراء: ٨٥] يعني: الروح التي هي سبب الحياة.

الثاني: جبريل عليه السلام: ومنه قوله تعالى: ( ) [النحل: ١٠٢] يعني: جبريل عليه السلام.

الثالث: الوحي: ومنه قوله تعالى: ( ) [النحل: ٢] يعني: بالوحي.

الرابع: الرحمة: ومنه قوله تعالى: ( ) [المجادلة: ٢٢] يعني: قوّاهم برحمة منه.

الخامس: الأمر: ومنه قوله تعالى: ( ) [النساء: ١٧١] يعني: وأمر منه.

الألفاظ ذات الصلة

النفس:

النفس لغة:

تطلق النفس في اللغة على معنين: الروح، وذات الشيء وحقيقته.

فمن الأول: قولهم: خرجت نفس فلَان، أَي: روحه.

ومن الثاني: قولهم: قتل فلَان نَفسه، وَالْمعْنَى: أَنه أوقع الهلاك بذاته كلها12.

النفس اصطلاحًا:

يقول المناوي عن النفس: «هي جوهر مشرق للبدن ينقطع ضوؤه عند الموت من ظاهر البدن وباطنه، وأما وقت النوم فينقطع ضوؤه عن ظاهر البدن دون باطنه، فالموت انقطاع كلي، والنوم انقطاع خاص. وعلى ذلك فيكون تعلقها بالإنسان على ثلاثة أضرب: إن غلب ضوء النفس على جميع أجزاء البدن ظاهره وباطنه فهو حال اليقظة، وإن انقطع عن ظاهره فقط فهو النوم، وإن انقطع بالكلية فالموت»13.

الصلة بين النفس والروح:

قال بعض اللغويين: النفس والروح واحد، وقال آخرون: بل هما متغايران؛ إذ النفس هي مناط العقل، والروح مناط الحياة، وسميت النفس نفسًا لتولّد النّفس منها واتصاله بها، كما سموا الروح روحًا؛ لأن الروح موجود بها14.

ويقول الألوسي: «اختلف الناس في الروح والنفس، وهل هما شيء واحد أم شيئان؟ فحكى ابن يزيد عن أكثر العلماء أنهما شيء واحد؛ فقد صح في الأخبار إطلاق كل منهما على الآخر»15.

وقال ابن تيمية: «والروح المدبرة للبدن التي تفارقه بالموت، هي الروح المنفوخة فيه، وهي النفس التي تفارقه بالموت، قال النبي صلى الله عليه وسلم لما نام عن الصلاة: (إن الله قبض أرواحكم حيث شاء وردها حيث شاء)16، وقال له بلال رضي الله عنه: (أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك بأبي أنت يا رسول الله)17، وقال تعالى: ( ﭰﭱ ) [الزمر: ٤٢]. قال ابن عباس وأكثر المفسرين: يقبضها قبضين: قبض الموت، وقبض النوم، ثم في النوم يقبض التي تموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى حتى يأتي أجلها وقت الموت»18.

الحياة:

الحياة لغة:

مادة (حيّ) تدور حول أصلين: أحدهما خلاف الموت، والآخر الاستحياء الّذي هو ضدّ الوقاحة.فأمّا الأوّل فالحياة والحيوان، وهو ضدّ الموت والموتان. ويسمّى المطر حيًّا لأنّ به حياة الأرض، والأصل الآخر: قولهم استحييت منه استحياءً»19 .

الحياة اصطلاحًا:

الحياة: في الأصل: الروح وهي الموجبة لتحرك من قامت به، ذكره العكبري.

وقال الحرالي: الحياة تكامل في ذات ما أدناه حياة النبات بالنمو والاهتزاز مع انغراسه إلى حياة ما يدب بحركته وحسه إلى غاية حياة الإنسان في تصرفه وتصريفه، إلى ما وراء ذلك من التكامل في علومه وأخلاقه. وقال في موضع آخر: الحياة كل خروج عن الجمادية من حيث إن معنى الحياة بالحقيقة تكامل الناقص20.

الصلة بين الحياة والروح:

قال العسكري: «إن الروح من قرائن الحياة، والحياة عرض والروح جسم رقيق من جنس الريح، وقيل: هو جسم رقيق حساس، وتزعم الأطباء أن موضعها في الصدر من الحجاب والقلب، وذهب بعضهم إلى أنها مبسوطة في جميع البدن وفيه خلاف كثير»21.

إسناد الروح إلى الله تعالى

أسند الله تعالى الروح إلى نفسه في كثير من آيات كتابه العزيز، من ذلك توضيحه وبيانه لعباده أن أمر الروح منه هو، ولم يسنده لأحد غيره سبحانه، وأنه من اختصاص الله دون غيره من خلقه، فقال في ذلك: ( ﯰﯱ ) [الإسراء: ٨٥].

وفي موضع آخر من كتابه الكريم نجد أنه سبحانه أسند الروح لنفسه، وقد وردت في القرآن كثيرًا في سياق الإشارة إلى هبة نسمة الحياة لآدم والمسيح والناس، مضافة إلى الله عز وجل ، كما في آيات سورة الحجر، وذلك بعد خلقه للبشر، وتسويته معظمًا لهم ورافعًا من شأنهم، وذلك بأنه بعد أن سوّى خلقه وأكمله، نفخ فيه من روحه، فقال في ذلك: ( ) [الحجر: ٢٨-٢٩].

وفي موضع آخر: ( ) [ص: ٧١-٧٢].

وقال في مكان آخر: ( ﯟﯠ ﯥﯦ ) [السجدة: ٩].

ونتابع المواضع التي أسند فيها الله سبحانه وتعالى الروح لنفسه، موضّحًا أن الروح من أمره هو، نقرأ في ذلك هذه الآيات: ( ) [غافر: ١٥]، التي يبين لنا فيها أن الروح -أيًّا كان معناه- لا ينزل ولا يلقى إلا بأمره سبحانه وتعالى، وإلى هذا المعنى أشار في قوله: ( ) [النحل: ٢].

وقوله جل شأنه: ( ﭖﭗ ) [الشورى: ٥٢].

وأسند الله تعالى الروح لنفسه مرة أخرى عندما أراد خلق عيسى عليه السلام من أمه مريم العذراء، مبينًا المعجزة العظمى والقدرة الخارقة في خلقه، فقال في ذلك مرة: ( ) [مريم: ١٧].

مسندًا الروح التي أرسلها إلى مريم لنفسه.

وقال في موضع آخر: ( ) [الأنبياء: ٩١].

وفي غيره: ( ) [التحريم: ١٢].

موضحًا في ذلك أن النفخ فيها من روحه هو سبحانه وتعالى. كما سمى هذه الروح المسنودة إليه: كلمة، وأسندها لنفسه كذلك، فقال: ( ) [النساء: ١٧١].

وفي سورة يوسف أسند سبحانه وتعالى الروح الذي يأتي بمعنى الرحمة والفرج -حسب إفادة كثير من المفسرين- أسنده لنفسه، مبينًا في ذلك أن الفرج والرحمة لا تكون إلا منه وحده، فقال: ( ﭛﭜ ) [يوسف: ٨٧].

كما بيّن سبحانه وتعالى تأييده للمؤمنين به، ناسبًا الروح التي أيدهم بها إليه هو دون غيره من خلقه، فقال: ( ) [المجادلة: ٢٢].

وعندما أسند الله تعالى الروح لنفسه كان لذلك دلالات عديدة، نتطرق إليها فيما يأتي:

أولًا: أن هذا الأمر من اختصاص الله وحده لا ينازعه فيه أحد من خلقه، ولم يطلع سبحانه أحدًا من عباده على هذا الأمر، وفيه دلالة كذلك على أنه من المأمورات التي قضاها وقدرها على مخلوقاته؛ لذلك يقول ابن القيم في كتابه الروح: «وقال بعضهم: الأرواح من أمر الله، أخفى الله حقيقتها وعلمها عن الخلق، فمعلوم قطعًا أنه ليس المراد ها هنا بالأمر الطلب الذي هو أحد أنواع الكلام، فيكون المراد: أن الروح كلامه الذي يأمر به، وإنما المراد بالأمر ها هنا المأمور، وهو عرف مستعمل في لغة العرب، وفي القرآن منه كثير كقوله تعالى: ( ) [النحل: ١] أي: مأموره الذي قدّره وقضاه، وقال له كن فيكون.

وكذلك قوله تعالى: ( ﭿ ) [هود: ١٠١]. أي: مأموره الذي أمر به من إهلاكهم.

وكذلك قوله تعالى: ( ) [النحل: ٧٧].

وكذلك الخلق يستعمل بمعنى المخلوق، كقوله تعالى للجنة: أنت رحمتي، فليس في قوله تعالى: ( ) [الإسراء: ٨٥].

ما يدل على أنها قديمة غير مخلوقة بوجه ما، وقد قال بعض السلف في تفسيرها: جرى بأمر الله في أجساد الخلق وبقدرته استقر، يعنى خلقًا من خلقي»22.

وإلى هذا المعنى وهذه الدلالة أشار شارح الطحاوية حين قال: «وقد أجمعت الرسل على أنها محدثة مخلوقة، مصنوعة مربوبة مدبرة، وهذا معلوم بالضرورة من دينهم، أن العالم محدث، ومضى على هذا الصحابة والتابعون، حتى نبغت نابغة ممن قصر فهمه في الكتاب والسنة، فزعم أنها قديمة، واحتج بأنها من أمر الله، وأمره غير مخلوق، وبأن الله أضافها إليه بقوله: ( ) [الإسراء: ٨٥].

وبقوله: ( ) [الحجر: ٢٩] »23.

ثانيًا: ومن دلالات هذا الإسناد، أن الروح خلقٌ من خلق الله تعالى كما بيّن ذلك صاحب أقاويل الثقات في تأويل الأسماء والصفات، قائلًا في حديثه عن الآية: «أي: من خلق ربي، أو من فعل ربي؛ إذ الأمر بمعنى الفعل وارد، قال سبحانه: ( ﯿ ) [هود: ٩٧].

أي: فعله. والجواب وقع من قبيل صرف الأهم، أي: إن عقولكم لا تدرك هذا، فإن له مقدمات طبيعية تدق عن الأفهام، وتقصر دونها الأوهام، لكن الأهم، أن تعلموا أن الروح من عالم الأمر، أي: الخلق.

وقال الحافظ ابن الجوزي في موضع آخر: «رأيت كثيرًا من الخلق والعلماء لا ينتهون عن البحث عن أصول الأشياء التي أمروا بعلم جملها من غير بحث عن حقائقها، كالروح مثلًا، فإن الله تعالى سترها بقوله: ( ) [الإسراء: ٨٥]، فلم يقنعوا، وأخذوا يبحثون عن ماهيتها وحقيقتها، ولا يقنعون بشيء، ولا يثبت لأحدهم برهان على ما يدعيه، وكذلك العقل، فإنه موجود بلا شك، كما أن الروح موجودة بلا شك، وكلاهما إنما يعرف بآثاره لا بحقيقة ذاته، قال: فإن قال قائل: فما السر في كتم هذه الأشياء؟ قلت: لأن النفس لا تزال تترقى من حالة إلى حالة، فلو اطّلعت على هذه الأشياء لترقّت إلى خالقها، فكان ستر ما دونه زيادة في تعظيمه؛ لأنه إذا كان بعض مخلوقاته لا تعلم حقيقته فهو سبحانه أجل وأعلى»24.

وجاء في أثر الإيمان في تحصين الأمة الإسلامية: «ويأتي أمر الله، بمعنى مأموره، أي: الشيء الذي وجد أو سيوجد بأمره، كقوله تعالى: ( ﮋﮌ) [النحل: ١].

وقوله: ( ﯰﯱ ) [الإسراء: ٨٥].

ونحوها، وقد جمع الله بين الأمر بمعنى المأمور، والأمر بمعنى كلامه الذي يأمر به في أول سورة النحل، بقوله: ( ﮋﮌﮍ ) [النحل: ١-٢] »25.

ويقول السهيلي في ذلك: «وقوله: ( ) أيضًا ولم يقل: من أمر الله، ولا من أمر ربكم، يدل على خصوص، وعلى ما قدمناه من أنه لا يعلمه إلا من أخذ معناه من قول الله سبحانه، وقول رسوله صلى الله عليه وسلم بعد الإيمان بالله ورسوله»26.

ثالثًا: ودل إسناد أمر الروح للواحد الأحد على عجز البشر وقلة علمهم، وعظم قدرة الخالق وجلال قدره وعلمه، نطالع ذلك في البداية والنهاية: «أي خلقٌ عجيبٌ من خلقه، وأمرٌ من أمره، قال لها: كوني فكانت. وليس لكم الاطلاع على كل ما خلقه، وتصوير حقيقته في نفس الأمر يصعب عليكم بالنّسبة إلى قدرة اللّه تعالى وحكمته»27.

وفي شرح القسطلاني أن إسناد أمر الروح لله تعالى يدل دلالة واضحة على عجز الخلائق عن إدراك ماهيتها: «( )، أي: مما استأثر الله بعلمه، فهو من أمر ربي لا من أمري، فلا أقول لكم ما هي، والأمر بمعنى الشأن، أي: معرفة الروح من شأن الله لا من شأن غيره، وعجزت الأوائل عن إدراك ماهيته بعد إنفاق الأعمار الطويلة على الخوض فيه، إشارة إلى تعجيز العقل عن إدراك معرفة مخلوق مجاور له؛ ليدل على أنه عن إدراك خالقه أعجز»28.

وهذا ما جاء في العقائد الإسلامية في إطار حديثه عن إسناد أمر الروح لخالق الكون: «فالروح من أمر الله الذى لا يعلمه غيره، ولم يطلع عليه أحدًا سواه، ولم يعط الإنسان الوسائل التي توصله إلى هذا اللون من العلم والإحاطة به، فعلم الإنسان قليل ومحدود، وهو لم يدرك حقيقة المادة، ولا الكون المحسوس المحيط به، فكيف يتطلع إلى إدراك سر من أسرار الله، وغيب من غيوبه؟! كانت الروح هي المميزة للإنسان عن غيره في هذا العالم، وبها صار عالمًا وحده، وبالروح أسجد الله للإنسان ملائكته، وسخر له ما في السماوات وما في الأرض جميعًا منه، وجعله سيد هذا الكون، وخليفته في الأرض»29.

وفي هذا العجز البشري الذي استمر عبر العصور عن معرفة كنه الروح والتوصل إلى حقيقتها، يقول ألكسيس كاريل: «لقد بذل الجنس البشري مجهودًا جبارًا لكي يعرف نفسه، ولكن بالرغم من أننا نملك كنزًا من الملاحظات التي كدسها العلماء والفلاسفة والشعراء وكبار العلماء والروحانيين في جميع الأزمان، فإننا استطعنا أن نفهم جوانب معينة فقط من أنفسنا، إننا لا نفهم الإنسان ككل، إننا نعرفه على أنه مكون من أجزاء مختلفة، وحتى هذه الأجزاء ابتدعتها وسائلنا، فكل واحد منا مكون من موكب من الأشباح، تسير في وسطها حقيقة مجهولة، وواقع الأمر أن جهلنا مطبق، فأغلب الأسئلة التي يلقيها على أنفسهم أولئك الذين يدرسون الجنس البشري تظل بلا جواب؛ لأن هناك مناطق غير محدودة في دنيانا الباطنية ما زالت غير معروفة»30.

رابعًا: ومن دلالات إسناد أمر الروح لله تعالى أن ذلك من علمه الذي لا يحيط به أحدًا من خلقه، وأنه سر من الأسرار التي أخفاها الله تعالى عن خلقه، وأنها من شئونه التي لا يجوز الاطلاع عليها، قال ابن جرير: «( )، يعني: أنه من الأمر الذي يعلمه الله دونكم، فلا تعلمونه، ويعلم ما هو»31. وممن قال بذلك المراغي في تفسيره: «الأمر واحد الأمور: أي: الروح شأن من شئونه تعالى حدث بتكوينه وإبداعه من غير مادة، وقد استأثر بعلمه، لا يعلمه إلا هو؛ لأنكم لا تعملون إلا ما تراه حواسكم وتتصرف فيه عقولكم»32.

وهذا القرطبي يقول حول دلالة الإسناد في الآية: «دليل على خلق الروح، أي: هو أمر عظيم وشأن كبير من أمر الله تعالى »33، ويتجه الأصفهاني إلى أن الدلالة في ذلك أنه نوع من الإبداع الإلهي، فيقول: «أي: هو من الإبداع الذي لا يمكن للبشر تصوره، فنبّه أن الأرواح كلها مرجوعة إليه وراجعة»34، وقال في المفردات: «أي: من إبداعه وعبّر عنه بأقصر لفظة، وأبلغ ما يتقدّم فيه فيما بيننا بفعل الشيء، وعلى ذلك قوله: ( ) [القمر: ٥٠].

فعبّر عن سرعة إيجاده بأسرع ما يدركه وهمنا»35.

وسار ابن عاشور في هذا الاتجاه قائلًا: «الروح من أمر الله، أي أنه كائن عظيم من الكائنات المشرفة عند الله، ولكنه مما استأثر الله بعلمه. فلفظ أمر يحتمل أن يكون مرادف الشيء، فالمعنى: الروح بعض الأشياء العظيمة التي هي لله، فإضافة أمر إلى اسم الجلالة على معنى لام الاختصاص، أي أمر اختص بالله اختصاص علم»36. وفي البحر المديد في تفسير القرآن المجيد: «( )، أي: سر من أسراره»37، كما جاء ذلك في التفسير الوسيط: «( )، أي: من علم ربي، أي: أنكم لا تعلمونه»38.

وجاء في شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري في دلالة إسناد أمر الروح لله تعالى قوله: «يعني: أنها كانت ووجدت بأمر الله، فأمر الله ليس هو الروح، وإنما وجدت الروح بأمره، وهو سابق لما وجد به»39. ويقول صاحب زهرة التفاسير في تفسيره للآية: «أي: أنها خلق من خلقه، والعلم بها من شأنه وأمره الخاص به»40، أما السعدي فقد اتجه اتجاهًا مغايرًا عندما رأى أن دلالة الإسناد هنا ردع للذين يسألون أسئلة في غير موضعها، وليس من وراءها فائدة مرجوة، فقال: «وهذا متضمن لردع من يسأل المسائل التي لا يقصد بها إلا التعنت والتعجيز، ويدع السؤال عن المهم، فيسألون عن الروح التي هي من الأمور الخفية، التي لا يتقن وصفها وكيفيتها كل أحد، وهم قاصرون في العلم الذي يحتاج إليه العباد؛ ولهذا أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يجيب سؤالهم بقوله: ( )، أي: من جملة مخلوقاته التي أمرها أن تكون فكانت، فليس في السؤال عنها كبير فائدة، مع عدم علمكم بغيرها. وفي هذه الآية دليل على أن المسئول إذا سئل عن أمر الأولى بالسائل غيره أن يعرض عن جوابه، ويدله على ما يحتاج إليه، ويرشده إلى ما ينفعه»41.

ولسيد قطب فلسفة أخرى في دلالة هذا الإسناد نطالعها في تفسيره القيم: في ظلال القرآن، حيث يقول: «وليس في هذا حجرٌ على العقل البشري أن يعمل، ولكنّ فيه توجيهًا لهذا العقل أن يعمل في حدوده، وفي مجاله الذي يدركه، فلا جدوى من الخبط في التيه، ومن إنفاق الطاقة فيما لا يملك العقل إدراكه؛ لأنه لا يملك وسائل إدراكه. والروح غيب من غيب الله لا يدركه سواه، وسر من أسراره القدسية أودعه هذا المخلوق البشري، وبعض الخلائق التي لا نعلم حقيقتها. وعلم الإنسان محدود بالقياس إلى علم الله المطلق»42.

ويرى صاحب النكت في القرآن الكريم أن إخفاء أمر الروح عن العباد، وجعلها من أمر الله؛ لما في ذلك من مصلحة لهم، فيقول: « وقيل: في قوله: ( )، أي: من الأمر الذي يعلمه ربي، ومما يسأل عنه أن يقال: لم لم يجابوا عن الروح؟! والجواب: لما في ذلك من المصلحة؛ ليوكلوا إلى علم ما في عقولهم من الدلالة، مع ما في ذلك من الرياضة. وقيل: إنهم وجدوا في كتابهم: أنه إن أجابهم عن الروح فليس بنبي»43.

وقال ابن القيم في هذه الدلالة: «فينبغي أن يعلم أن المضاف إلى الله سبحانه نوعان: صفات لا تقوم بأنفسها كالعلم والقدرة والكلام والسمع والبصر، فهذه إضافة صفة إلى الموصوف بها، فعلمه وكلامه وإرادته وقدرته وحياته صفات له غير مخلوقة، وكذلك وجهه ويده سبحانه. والثاني: إضافة أعيان منفصلة عنه: كالبيت، والناقة، والعبد، والرسول، والروح، فهذه إضافة مخلوق إلى خالقه ومصنوع إلى صانعه، لكنها إضافة تقتضي تخصيصًا وتشريفًا يتميز به المضاف عن غيره، كبيت الله، وإن كانت البيوت كلها ملكًا له، وكذلك ناقة الله، والنوق كلها ملكه وخلقه، لكن هذه إضافة إلى إلهيته تقتضي محبته لها وتكريمه وتشريفه، بخلاف الإضافة العامة إلى ربوبيته حيث تقتضي خلقه وإيجاده، فالإضافة العامة تقتضي الإيجاد والخاصة تقتضي الاختيار، والله يخلق ما يشاء ويختار مما خلقه، كما قال تعالى: ( ) [القصص: ٦٨] »44.

خامسًا: وفي إسناد الروح إليه تعالى في قوله: ( ) [الحجر: ٢٩] [ص: ٧٢]، دلالة على تكريم بني آدم وتفضيلهم على غيرهم، والإحسان إليهم، ومن قال بذلك الواحدي والسمعاني: «وأضاف روح آدم إليه إكرامًا وتشريفًا، وهي إضافة الملك»45، «وأضافها إلى نفسه تشريفًا وتكريمًا»46.

ويسير النيسابوري في هذا الاتجاه ببيان أن دلالة الإضافة للتشريف والتكريم فيقول: «ولا خلاف في أن الإضافة في قوله: روحي للتشريف والتكريم، مثل: ناقة الله، وبيت الله»47.

ويتجه ابن عاشور الاتجاه نفسه في تفسيره التحرير والتنوير بقوله: «وإضافة الروح إلى الله إضافة تشريف؛ لأنه روح مبعوث من لدن الله تعالى بدون وساطة التطورات الحيوانية للتكوين النسلي، وجعلها وابنها آية، هو من أسباب تشريفهما والتنويه بهما»48.

وجاء هذا الرأي في روح البيان عندما قال: «يشير بتشريف هذه الإضافة إلى اختصاص الروح بأعلى المراتب من الملكوت الأعلى، وكمال قربه إلى الله، كما قال: ( ) [ق: ١٦]، وإلى اختصاصه بقبول النفخة فإنه تشرف بهذا التشريف وخص به من سائر المخلوقات»49.

وقال بهذه الدلالة صاحب التفسير المظهري: «أضاف الروح إلى نفسه؛ تشريفًا لآدم أو تشريفًا للروح»50.

وهذا ما قال به عبد الكريم الخطيب في التفسير القرآني للقرآن، حيث يقول: «تجد أن الروح التي تلبس الكائن الحي -من إنسان أو حيوان- هي روح، وهى من أمر الله، ولكننا إذ ننظر في قوله تعالى في خلق آدم: ( ) [ص: ٧٢]، وقوله سبحانه: ( ) [السجدة: ٩ نجد مزيدًا من الإحسان والتكريم للإنسان، بإضافة روحه إلى الله سبحانه وتعالى»51.

وجاء في التفسير الوسيط أن دلالة ذلك تشريف للإنسان وخيريته على إبليس الذي رفض السجود إليه، فقال في معرض تفسيره للآية، ومقارنته بين أصل الإنسان وأصل إبليس: «كذلك هو خير منه روحًا، لقوله تعالى: ( ) [الحجر: ٢٩]، بإضافة روحه إلى الله تعالى؛ تشريفًا لا تبعيضًا، ونشرت فيه من الروح المنسوب إليّ نسبة تشريف وملك وإيجاد، فأرواح العباد منسوبة إلى الله نسبة ملك وإيجاد، وليست جزءًا من روحه تعالى، فهو منزه عن التجزئة والتبعيض»52.

سادسًا: وذهب فريق ممن تحدث عن دلالة إضافة الروح لرب العزة والجلالة إلى المكانة السامية والعالية للروح، من هؤلاء: الإمام الطبري في تفسيره: «يقول تعالى ذكره: فإذا سوّيت خلقه، وعدّلت صورته، ونفخت فيه من روحي، قيل: عني بذلك: ونفخت فيه من قدرتي»53.

ويرى الإمام الرازي في تفسيره أن ذلك يدل على قدرته سبحانه وتعالى عندما قال: «ميّز تعالى بين البشرية وبين نفخ الروح، فالتسوية عبارة عن تخليق الأبعاض والأعضاء، وتعديل المزاج والأشباح، فلما ميز نفخ الروح عن تسوية الأعضاء، ثم أضاف الروح إلى نفسه بقوله: ( )، دل ذلك على أن جوهر الروح معنى مغاير لجوهر الجسد. ولما أضاف الروح إلى نفسه دل على أنه جوهر شريف علوي قدسي»54. ومنهم ابن عادل في كتابه اللباب: «فأضاف الروح إلى نفسه، وذلك يدل على أنه جوهر شريف علويّ قدسيّ»55.

ويعقد ابن الجوزي مقارنة بين هذه الإضافة وبين الحديث الشريف حول خلق آدم عليه السلام فيقول: «أما قوله: (خلق الله آدم على صورته)56، فللناس فيه ثلاثة مذاهب: أحدها: مذهب جمهور السّلف، وهو السّكوت عن تفسير هذا وأمثاله. والثّاني: أن الهاء راجعة إلى آدم، فيكون المعنى: أنه خلقه على تلك الحال، ولم ينقله من نطفة إلى علقة، وهذا مذهب أبي سليمان الخطابيّ. والثّالث: أنّها ترجع إلى الله سبحانه، فهي مضافة إضافة ملك لا إضافة ذات، كما أضاف الرّوح التي نفخت في آدم إليه، فقال: ( ) [الحجر: ٢٩].

وهذا مذهب ابن عقيل، قال: وإنّما خص آدم بإضافة الصّورة إليه لخصيصة فيه»57.

ويؤيد أبو السعود الدلالة التي تميز الإنسان، وأن ذلك تشريف وتكريم له، فيقول: «( ) [السجدة: ٩]؛ أضافه إليه تعالى تشريفًا له وإيذانًا بأنّه خلقٌ عجيبٌ وصنعٌ بديعٌ، وأنّ له شأنًا له مناسبةٌ إلى حضرة الرّبوبية، وأنّ أقصى ما تنتهي إليه العقول البشرية من معرفته هذا القدر الذي يعبر عنه تارةً بالإضافة إليه تعالى وأخرى بالنسبة إلى أمره تعالى، كما في قوله تعالى: ( )»58.

وقال الماوردي: «( ) [السجدة: ٩] فيه أربعة أوجه:

أحدها: من قدرته، قاله أبو روق.

الثاني: من ذريته، قاله قتادة.

الثالث: من أمره أن يكون فكان، قاله الضحاك.

الرابع: روحًا من روحه، أي: من خلق، وأضافه إلى نفسه لأنه من فعله وعبر عنه بالنفخ؛ لأن الروح من جنس الريح»59.

ويقول ابن عاشور في الآية: «ثم أعقب بقوله: ( )، فجيء بفعل الإلقاء، وبكون الروح من أمره، وبصلة من يشاء من عباده، فآذن بأن ذلك بمحض اختياره وعلمه، كما قال تعالى: ( ) [الأنعام: ١٢٤] »60.

وللمفسرين في قوله تعالى: ( ) أقوال: فقالوا: «مجيئه بمعنى الباء، قال: ( ) [غافر: ١٥].

وقال: ( ) [الرعد: ١١] أي: أمره ابتداء الغاية»61.

وذكر أبو حيان قوله: «أي: بأمره، ويظهر أن (): لابتداء الغاية، وقال ابن عباس: من أمره: من قضائه»62.

وفي التفسير الحديث، وفي معرض تعليقه على إضافة الروح لله تعالى، يقول: «وتعليقًا على ذلك نقول: إن القرآن استعمل تعبير: ( ) [ص: ٧٢]، في صدد خلق آدم في سورة ص، وتعبير: ( ) [السجدة: ٩]، في صدد خلق الإنسان في سورة السجدة، هذا أولًا. وثانيًا: إن القرآن ذكر في سورة مريم: أن روح الله تمثّل لمريم بشرًا ليهب لها غلامًا، ولم يذكر أسلوب الهبة. وروح الله في سورة مريم يعني على ما تلهمه العبارة بكل قوة، بل وصراحة، ملك الله، وبين هذا وبين ( ) [الأنبياء: ٩١].

و ( ) [التحريم: ١٢] فرق واضح»63.

وقال الشيخ طنطاوي في تفسيره: «وهذه الخاصية هي التي تجعل من هذا الإنسان، إنسانًا ينفرد بخصائصه عن كل الأحياء الأخرى التي تشاركه في هذه الحياة»64.

وجاء في إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل في صدد حديثه عن إضافة الروح لله تعالى: «أما قوله في حق آدم: ( )، فهو إضافة خلق إلى خالقه، وملك إلى مالكه؛ لأن الأرواح كلها بيد الله تعالى لا أنها جزء منه، تعالى الله عن ذلك، وإضافته إليه إضافة تشريف: إمّا لآدم عليه السلام كما قال: ( )، أو لأنّها جوهر لطيف شريف علوي.

وأما النفخ فالمراد به -والله أعلم- خلقها وإيجادها، وقال بعضهم: كيفيّة النفخ لا يعلمها إلا الله تعالى، ونسبة إضافة الرّوح في آيات مريم كلها نسبة إضافة ملك وخلق وتشريف، كما قدمناه في آدم عليه السلام؛ لأن نفخ جبريل كان بأمر الله، وسمي المسيح عليه السلام روح الله إمّا تشريفًا له، أو لأنّه كان بأمره وخلقه من غير واسطة لأب»65

ويرى بعضهم أن دلالة ذلك خصوصية لآدم وعيسى عليهما السلام: «وأما الخبر الذي مخرجه مخرج الخصوص، ومعناه معنى الخصوص، فهو قوله عز وجل: ( ) [ص: ٧١-٧٢].

وقوله تعالى: ( ﮬﮭ ) [آل عمران: ٥٩-٦٠].

فكان مخرج الخبر لآدم عليه السلام مخرج الخصوص، ومعناه معنى الخصوص، وكذلك كان مخرج الخبر لعيسى عليه السلام مخرجه مخرج الخصوص ومعناه معنى الخصوص»66.

ويفصّل الشيخ العثيمين في هذه الإضافة قائلًا: «والمضاف إلى الله عز وجل إما صفة، وإما عين قائمة بنفسها، وإما وصف في عين قائمة بنفسها... أن يكون عين قائمة بنفسها ولكنها في عين أخرى، مثل: روح الله، كما قال الله عز وجل: ( ) [التحريم: ١٢].

وقال في آدم: ( ) [الحجر: ٢٩].

فهنا ليس المراد روح الله عز وجل نفسه، بل المراد من الأرواح التي خلقها، لكن أضافها إلى نفسه تشريفًا وتعظيمًا»67. وجاء في تسلية أهل المصائب: «ولا خلاف بين المسلمين، أن الأرواح التي في آدم وبنيه وعيسى ومن سواه من بني آدم كلها مخلوقة لله، خلقها وأنشأها وكونها واخترعها»68.

ونطالع في فتح البيان في مقاصد القرآن ما قاله حول إضافة الروح لله تعالى: «( ) [السجدة: ٩].

أي: جعله حيًا حساسًا بعد أن كان جمادًا، وبالإضافة للتشريف والتكريم، وهذه الإضافة تقوي أن الكلام في آدم لا في ذريته»69.

وقد فصّل أصحاب الاختصاص كثيرًا في دلالات إضافة الروح لله تعالى، وأكثرهم اتفق على أن ذلك يدل على المكانة التي جعلها الله تعالى للروح، وتشريفًا وتكريمًا للجنس البشري الذي خلقه الله تعالى بيديه، وسواه وأحسن خلقه، ثم نفخ فيه ليمنحه الحياة التي قدّرها له.

حقيقة الروح وصفاتها

أولًا: حقيقة الروح:

عند الحديث عن حقيقة الروح، وبما أننا نتحدث عنها من خلال القرآن الكريم، فالأجدر بنا أن نستخلص هذه الحقيقة من كتاب الله تعالى، ومن خلال آياته الكريمة. والآية الكريمة التي تحدثت عن حقيقة الروح مجردة، هي آية الإسراء: ( ﯰﯱ ) [الإسراء: ٨٥].

وبدايةً لابدّ من معرفة ما هي الروح التي وقع السؤال عنها، ثمّ نشرع في ما هي حقيقتها، وفقًا لما جاء في أقوال أهل الاختصاص، واختلف المفسّرون في الروح التي وقعت محلًا للسؤال مذاهب متفرقة، يأتي تفصيلها لاحقًا إن شاء الله تعالى وبرجوعنا إلى كتب السلف التي تحدثت عن الروح وعن حقيقتها، نجد تفسير هذه الحقيقة عند السيوطي، بعد أن أورد حديث سبب نزول الآية: «... فاختلف الناس في الروح على فرقتين: فرقة أمسكت عن الكلام فيها؛ لأنها سر من أسرار الله تعالى لم يؤت علمه البشر، وهذه الطريقة هي المختارة. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: سئل ابن عباس عن الروح، قال: الروح من أمر ربي لا تتأولوا هذه المسألة فلا تزيدوا عليها، قولوا كما قال الله تعالى وعلّم نبيه: ( ) [الإسراء: ٨٥].

وأخرج ابن جرير بسند مرسل أن الآية لما نزلت قالت اليهود هكذا نجده عندنا. قلت: فمسألة أبهمها الله تعالى في القرآن والتوراة، وكتم عن خلقه علمها، من أين للمتعمقين الاطلاع على حقيقة أمرها؟!»70.

وفي تفسير المراغي: «وللعلماء في حقيقة الروح أقوال كثيرة، أولاها بالاعتبار قولان:

الأول: إن الروح جسم نوراني، حي، متحرك من العالم العلوي، مخالف بطبعه لهذا الجسم المحسوس، سار فيه سريان الماء في الورد، والدّهن في الزيتون، والنار في الفحم، لا يقبل التبدل والتفرق والتمزق، يفيد الجسم المحسوس الحياة وتوابعها ما دام صالحًا لقبول الفيض وعدم حدوث ما يمنع السريان، وإلا حدث الموت. واختاره الرازي وابن القيم في كتاب الرّوح.

الثاني: إنه ليس بجسم ولا جسماني، متعلق بالبدن تعلق التدبير والتصرف، وإلى هذا ذهب حجة الإسلام الغزالي وأبو القاسم الراغب الأصفهاني، ثم أكد عدم علم أحد بها؛ لقوله: ( ) [الإسراء: ٨٥]»71.

وقال ابن عادل الحنبلي وهو يتحدث عن حقيقة الروح: «فهم قالوا: ما حقيقة الروح وماهيته؟ أهو أجسامٌ موجودة داخلة في البدن مولدةٌ من امتزاج الطبائع والأخلاط؟ أو هو عبارة عن نفس هذا المزاج والتركيب؟ أو هو عبارة عن عرض قائم بهذه الأجسام؟ أو هو عبارة عن موجودٍ يغاير هذه الأجسام والأعراض؟ فأجاب الله عنه بأنّه موجودٌ مغاير لهذه الأجسام ولهذه الأعراض؛ وذلك لأن لهذه الأجسام ولهذه الأعراض أشياء تحدث عن امتزاج الأخلاط والعناصر، وأمّا الروح فإنه ليس كذلك، بل هو جوهرٌ بسيطٌ مجردٌ، ولا يحدث إلا بمحدثٍ يقول له: كن فيكون، فأجاب الله عنه بأنه موجود محدث بأمر الله وتكوينه، وتأثيره في إفادة الحياة بهذا الجسد، ولا يلزم من عدم العلم بحقيقته المخصوصة نفيه»72.

وفي حقيقة الروح قالوا: «وأما حقيقة الروح فهي لطيفة ربانية، وعنصر من عناصر العالم العلوى تتصل بمدد رباني إلى العالم السفلى»73.

وفي فيض الباري: «أن القرآن لم يتعرض في الجواب إلى حقيقة الروح ومادته، بل ذكر العلة الصّورية فقط، ويريد أن الروح محركٌ للبدن وانتهاء شعورها أمر الرب، فهذا علتها الصورية فقط، أما حقيقتها فلا يعلمها إلا هو»74.

وقال ابن حجر: «قال ابن بطال: معرفة حقيقة الروح مما استأثر الله بعلمه، بدليل هذا الخبر، قال: والحكمة في إبهامه اختبار الخلق؛ ليعرّفهم عجزهم عن علم ما لا يدركونه؛ حتى يضطرهم إلى رد العلم إليه»75.

وقال ابن عاشور: «واختلف المفسرون في الروح المسئول عنه المذكور هنا، ما هو من هذه الثلاثة؟ فالجمهور قالوا: المسئول عنه هو الروح بالمعنى الأول، الموجود الخفي المنتشر في سائر الجسد الإنساني، قالوا: لأنه الأمر المشكل الذي لم تتضح حقيقته، وأما الروح بالمعنيين الآخرين فيشبه أن يكون السؤال عنه سؤالًا عن معنى مصطلح قرآني. وقد ثبت أن اليهود سألوا عن الروح بالمعنى الأول؛ لأنه هو الوارد في أول كتابهم وهو سفر التكوين من التوراة؛ لقوله في الإصحاح الأول: «وروح الله يرف على وجه المياه». وليس الروح بالمعنيين الآخرين بوارد في كتبهم»76.

وفي إعانة الطالبين: «واختلف في حقيقة الروح، فقال أكثر أهل السنة والجماعة: الأولى أن نمسك المقال عنها، ونكف عن البحث فيها، وأنها مما استأثر الله بعلمه، ولم يطلع عليه أحدًا من خلقه»77. وإليه أشار ابن رسلان في زبده بقوله78:

والروح ما أخبر عنها المجتبى

فنمسك المقال عنها أدبا

وفي لوامع الأنوار البهية: «وقد تنازع الناس في حقيقة الروح، واختلفوا فيها اختلافًا كثيرًا مع القطع باتصالها بالبدن، وإنها تخرج منه وتعرج إلى السماء، وقد تخبط فيها الفلاسفة ومن وافقهم تخبط الذي به مس من الشيطان؛ لكونهم رأوها من غير جنس البدن وعالمه وصفاته، فعدم مماثلتها للبدن لا ينفي أن تكون الصفات الثابتة لها من الصعود والنزول والاتصال والانفصال حقًّا»79.

وهكذا يتضح لنا أن حقيقة الروح -وبحسب معظم المفسرين- أنها مما استأثر الله بعلمه، ولم يطلع على ذلك أحدًا من خلقه، ويجب علينا ألا نخوض فيها بأكثر من تفويض العلم فيها لرب العباد.

ثانيًا: صفات الروح:

ونتناول هنا الصفات التي اتصفت بها الروح بناءً على النصوص الشرعية التي تحدثت عن ذلك، فمن النصوص الثابتة القوية في وصف الروح الإنسانية، ما ثبت في صحيح البخاري ومسلم والمسند وسنن أبي داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف)80.

وقال صاحب التحفة المهدية، معددًا الصفات التي اتصفت بها روح الإنسان: «فإن روح ابن آدم تسمع، وتبصر، وتتكلم، وتنزل، وتصعد، كما ثبت ذلك بالنصوص الصحيحة، والمعقولات الصريحة، ومع ذلك فليست صفاتها وأفعالها كصفات البدن وأفعاله»81.

وجاء في كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم: «ومذهب أهل السنة والجماعة: أنّ الروح والعقل من الأعيان، وليسا بعرضين كما ظنّته المعتزلة وغيرهم، وأنهما يقبلان الزيادة من الصفات الحسنة والقبيحة، كما تقبل العين الناظر غشاوة ورمدًا، والشمس انكسافًا؛ ولهذا وصف الروح بالأمّارة بالسّوء مرة، وبالمطمئنّة أخرى»82.

وقال ابن القيم في كتاب الروح: «وقد وصفها الله سبحانه وتعالى بالدخول، والخروج، والقبض، والتوفي والرجوع، وصعودها إلى السماء، وفتح أبوابها لها وغلقها عنها، فقال تعالى: ( ) [الأنعام: ٩٣].

وقال تعالى: ( ) [الفجر: ٢٧-٣٠].

وهذا يقال لها عند المفارقة للجسد، وقال تعالى: ( ) [الشمس: ٧-٨].

فأخبر أنه سوّى النفس، كما أخبر أنه سوّى البدن في قوله: ( ) [الانفطار: ٧].

فهو سبحانه سوّى نفس الإنسان كما سوّى بدنه، بل سوّى بدنه كالقالب لنفسه، فتسوية البدن تابع لتسوية النفس، والبدن موضوع لها كالقالب لما هو موضوع له»83. هذا ما قيل في الصفات التي اتصفت بها الروح ونلحظ أنها جميعًا مما أثبتته النصوص الشرعية.

الموصفون بالروح في القرآن

من خلال تتبع الآيات نجد أنها وصفت بعض الأشياء بالروح، ومن ذلك:

أولًا: جبريل عليه السلام:

قال الله تعالى: ( ) [الشعراء: ١٩٣] . والروح الأمين الذي نزل بالقرآن على محمد صلى الله عليه وسلم، هو جبريل عليه السلام.

وقال تعالى: ( ) [مريم: ١٧]، أرسل إليها جبريل عليه السلام.

وقال تعالى: ( ) [القدر: ٤].

أي: تنزل الملائكة وجبريل معهم، وهو الروح في ليلة القدر84.

وفي قوله تعالى: ( ) [غافر: ١٥]، أي: يرسل جبريل.

والمراد بالروح في قوله تعالى : ( ) [النبأ: ٣٨] : جبريل عليه السلام85.

وفي قوله تعالى: ( ) [الإسراء: ٨٥]، قال قتادة والحسن: هو جبريل86.

وفي قوله تعالى: ( ) [الإسراء: ٨٥] قيل: هو جبريل عليه السلام 87.

قال ابن عاشور: «ويطلق لفظ (الروح) على الملك الذي ينزل بالوحي على الرسل، وهو جبريل عليه السلام ، ومنه قوله: ( ) [الشعراء: ١٩٣ -١٩٤] »88.

وعن قتادة في قوله: ( )، قال: جبريل عليه السلام 89.

وقال السمعاني في تفسيره لآية القدر: ( ) [القدر: ٤].

قال: «الأكثرون على أنه جبريل عليه السلام »90.

«أي: يتنزل فيها جبريل عليه السلام، الذي هو مختص بتبليغ الوحى، والاتصال بالنبيّ، أما الملائكة الذين يحفون به، فهم وفد الله معه لحمل هذه الرحمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى عباد الله»91.

وفي تفسيره لآية النحل: ( ) [النحل: ٢] يقول الثعلبي: «يعني جبرائيل»92.

ويلحظ في بعض الآيات التي وصفت جبريل عليه السلام بـ(الروح)، أنها أضافت وصفًا آخر إليه وهو (القدس).

وقد جاء ذلك في عدة آيات، منها:

قوله تعالى: ( ) [البقرة: ٨٧].

وقوله تعالى: ( ) [المائدة: ١١٠].

قال الطبري: «روح القدس الذي أخبر الله تعالى ذكره أنه أيّد عيسى به، هو جبريل عليه السلام»93.

وقوله تعالى: ( ) [النحل: ١٠٢].

والقدس بمعنى المقدس والمطهر، وهو تعبير تكريمي كما هو المتبادر94.

وقد صرحت بعض الآيات بأن الملك الموكل بإنزال الوحي هو جبريل عليه السلام، كما في قوله تعالى: ( ﮋﮌ ) [البقرة: ٩٧].

وقد وصفت آية سورة الشعراء الملك الموكل بإنزال الوحي بأنه ( ) [الشعراء: ١٩٣].

وفي الحديث الشريف: عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه، قال: (مر عمر في المسجد وحسان ينشد فقال: كنت أنشد فيه، وفيه من هو خير منك، ثم التفت إلى أبي هريرة، فقال: أنشدك بالله، أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أجب عني، اللهم أيّده بروح القدس)؟ قال: نعم)95.

وفي سنن الترمذي: عن عائشة رضي الله عنها، قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع لحسان منبرًا في المسجد يقوم عليه قائمًا، يفاخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو قالت: ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يؤيد حسان بروح القدس ما يفاخر، أو ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم)96.

و(روح القدس) هو: جبريل عليه السلام، وسمي بذلك من حيث إنه ينزل بالقدس من الله، أي: بما يطهّر نفوسنا من القرآن والحكمة والفيض الإلهي97.

وقيل: «ومعنى روح القدس: الروح المقدسة، أي: الطاهرة من الأدناس»98.

ثانيًا: رحمة الله:

ومن الأمور التي وصفت بـ(الروح) رحمة الله تعالى.

قال تعالى: ( ﭛﭜ ) [يوسف: ٨٧] أي: من رحمة الله99.

وفي قول تعالى: ( ) [المجادلة: ٢٢].

قال الرازي : «أي: برحمة منه. وقال عليه الصلاة والسلام: (إنما أنا رحمة مهداة)100»101.

ثالثًا: الوحي:

ومن الأمور التي وصفت بأنها (روح) الوحي الذي أنزله الله على نبيه صلى الله عليه وسلم.

قال الله تعالى: ( ) [غافر: ١٥].

أي: ينزل الوحي من أمره على من يشاء من عباده102.

وقال الضحاك: يعني بالروح: الكتاب ينزله على من يشاء103.

وفي قوله تعالى: ( ) [النحل: ٢].

قال ابن عباس: بالوحي104.

قال السعدي: «سماه روحًا؛ لأن الروح يحيا به الجسد، والقرآن تحيا به القلوب والأرواح، وتحيا به مصالح الدنيا والدين، لما فيه من الخير الكثير والعلم الغزير»105.

رابعًا: عيسى عليه السلام:

قال الله تعالى: ( ) [النساء: ١٧١].

قال أبيّ بن كعب: «لما أخذ الله الميثاق على بني آدم كان عيسى روحًا من تلك الأرواح، فأرسله إلى مريم، فحملت به»106.

قال الرازي: «جرت عادة الناس أنهم إذا وصفوا شيئًا بغاية الطهارة والنظافة قالوا: إنه روح، فلما كان عيسى لم يتكون من نطفة الأب، وإنما تكوّن من نفخة جبريل عليه السلام لا جرم وصف بأنه روح»107.

وقيل: سمي روحًا؛ لأنه كان يحيي الأموات أو القلوب108.

وفي الحديث الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل)109.

قال سيد طنطاوي: «وقوله: ( )، أي: ونفخة منه؛ لأن عيسى حدث بسبب نفخة جبريل في درع مريم، فكان عيسى بإذن الله. فنسب إلى أنه روح من الله؛ لأنه بأمره كان، وسمى النفخ روحًا؛ لأنه ريح تخرج من الروح»110.

خامسًا: النصر والتأييد:

ومما فسر به الروح في بعض المواضع: النصر والتأييد.

قال تعالى: ( ) [المجادلة: ٢٢].

قال البغوي: «قوّاهم بنصر منه. قال الحسن: سمى نصره إياهم روحًا؛ لأن أمرهم يحيا به»111.

وقال ابن عباس: «قوّاهم بنصر منه في الدنيا على عدوهم»112.

وقال المراغي: «أي: إنه قوّاهم بطمأنينة القلب، والثبات على الحق، فلا يبالون بموادّة أعداء الله، ولا يأبهون لهم»113.

سادسًا: النفس:

مما وصف بأنه روح النفس الإنسانية التي بها الحياة.

قال تعالى: ( ﯰﯱ ) [الإسراء: ٨٥].

قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: (إني مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث بالمدينة، وهو متكئ على عسيب، فمر بنا ناس من اليهود فقالوا: سلوه عن الروح، فقال بعضهم: لا تسألوه فيستقبلكم بما تكرهون، فأتاه نفر منهم فقالوا له: يا أبا القاسم، ما تقول في الروح؟ فسكت، ثم قام، فأمسك بيده على جبهته، فعرفت أنه ينزل عليه، فأنزل الله عليه: ( ﯰﯱ ))[الإسراء: ٨٥]114.

قال الشوكاني: «اختلف الناس في الروح المسئول عنه، فقيل: هو الروح المدبر للبدن الذي تكون به حياته، وبهذا قال أكثر المفسرين، قال الفراء: الروح الذي يعيش به الإنسان لم يخبر الله سبحانه به أحدًا من خلقه، ولم يعط علمه أحدًا من عباده، فقال: ( )، أي: إنكم لا تعلمونه»115.

وقال القرطبي في تفسيره: «وذهب أكثر أهل التأويل إلى أنهم سألوه عن الروح الذي يكون به حياة الجسد، وقال أهل النظر منهم: إنما سألوه عن كيفية الروح ومسلكه في بدن الإنسان، وكيف امتزاجه بالجسم واتصال الحياة به، وهذا شيء لا يعلمه إلا الله عز وجل »116.

ويقول الشيخ الفوزان: «بيّن أنها من خصوصياته سبحانه وتعالى، وأنه هو الذي خلقها، وهو الذي يعلمها، ولا يعلمها أحد من الخلق، فهي سر من الأسرار، ولا تزال سرًّا، وهذا من معجزات القرآن، فإنه مع تقدم الطب والمهارة فيه، ومع حرص الناس على البحث في هذا الشأن، لم يعرفوا شيئًا عن حقيقة الروح ( )، على أن المراد بالروح: ما يحيا به الإنسان»117.

وفي قوله تعالى: ( ) [الحجر: ٢٩].

قال ابن الجوزي: «هذه الروح هي التي يحيا بها الإنسان، ولا تعلم ماهيّتها، وإنما أضافها إليه؛ تشريفًا لآدم، وهذه إضافة ملك. وإنما سمي إجراء الروح فيه نفخًا؛ لأنها جرت في بدنه على مثل جري الريح فيه»118.

فـ«الروح: يطلق على الموجود الخفي المنتشر في سائر الجسد الإنساني، الذي دلت عليه آثاره من الإدراك والتفكير، وهو الذي يتقوم في الجسد الإنساني حين يكون جنينًا بعد أن يمضي على نزول النطفة في الرحم مائة وعشرون يومًا»119.

قال الشعراوي: «وسميّ الشيء الذي يتصل بالمادة، فتدبّ فيها الحياة روحًا، فقال: ( ) [الحجر: ٢٩].

وسمّي المنهج الذي ينزل من السماء لهداية الأرض روحًا، وسمّي الملك الذي ينزل به روحًا؛ لأنه يعطينا حياة دائمة باقية لا فناء لها، وهكذا يتم الارتقاء بالحياة؛ لذلك سمّى المنهج روحًا: ( ) [الشورى: ٥٢].

وسمّى الملك الذي نزل به روحًا: ( ) [الشعراء: ١٩٣].

إذن: ( ) [العنكبوت: ٦٤].

أي: الحياة الحقيقية التي لا تفوتها ولا تفوتك، ولا يفارقك نعيمها، ولا ينغّصه عليك شيء، كما أن التنعّم في الدنيا على قدر إمكاناتك وأسبابك، أمّا في الآخرة فالنعيم على قدر إمكانات المنعم سبحانه وتعالى»120.

نعيم الروح وعذابها

إن العنصر المهم في الإنسان هو روحه، فهي التي تشعر بالنعيم والعذاب، وهي التي تتفاعل معه.

يقول ابن القيم: «إن الميت إذا مات يكون في نعيم أو عذاب، وأن ذلك يحصل لروحه وبدنه، وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة أو معذبة، وأنها تتصل بالبدن أحيانًا، ويحصل له معها النعيم أو العذاب، ثم إذا كان يوم القيامة الكبرى أعيدت الأرواح إلى الأجساد، وقاموا من قبورهم لرب العالمين ومعاد الأبدان، متفق عليه بين المسلمين واليهود والنصارى»121.

فالأرواح تتذوق النعيم أو العذاب الذي يكون عليها في القبور.

أولًا: نعيم الروح:

دلت النصوص الشرعية أن الأرواح تنعّم بما ينالها من نعيم قدّره لها ربّ العباد؛ مكافأة لعمل صاحبها بأوامر الله تعالى، واقتداء بشرعه، من ذلك ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الميت تحضره الملائكة، فإذا كان الرجل الصالح، قالوا: اخرجي أيتها النفس الطيبة، كانت في الجسد الطيب، اخرجي حميدة، وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان، فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج، فيعرج بها حتى ينتهي بها إلى السماء، فيستفتح لها، فيقال: من هذا؟ فيقال: فلان ابن فلان، فيقال: مرحبًا بالنفس الطيبة، كانت في الجسد الطيب، ادخلي حميدة، وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان،، فلا يزال يقال لها ذلك حتى ينتهي بها إلى السماء التي فيها الله عز وجل)122.

وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنّ أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشيّ، إن كان من أهل الجنة، فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار، فمن أهل النار، فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله إلى القيامة)123.

وفي مسند أحمد عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر، ولمّا يلحد، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله، كأنّّ على رءوسنا الطير، وفي يده عود ينكت في الأرض، فرفع رأسه، فقال: (استعيذوا بالله من عذاب القبر) مرتين، أو ثلاثًا، ثم قال: (إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الطيبة، اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء، فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها، فيجعلوها في ذلك الكفن، وفي ذلك الحنوط، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض، قال: فيصعدون بها، فلا يمرون -يعني بها- على ملأ من الملائكة، إلا قالوا: ما هذا الروح الطيب؟ فيقولون: فلان بن فلان، بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا، فيستفتحون له، فيفتح لهم فيشيّعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها، حتى ينتهى به إلى السماء السابعة، فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وأعيدوه إلى الأرض؛ فإني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى، قال: فتعاد روحه في جسده، فيأتيه ملكان، فيجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. فيقولان له: وما علمك؟ فيقول: قرأت كتاب الله، فآمنت به وصدقت، فينادي مناد في السماء: أن صدق عبدي، فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له بابًا إلى الجنة. قال: فيأتيه من روحها، وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره. قال: ويأتيه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له: من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول: رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي، ومالي)»124.

وقال المراغي في تفسيره: «وقد أثبت علماء الأرواح حديثًا، نعيم الروح وعذابها، وشبهوا ذلك بما يراه النائم حين نومه، فقد نرى نائمين في سرير واحد، يقوم أحدهما مذعورًا كئيبًا وجلًا مما شاهد في نومه، بينما نرى الثاني مستبشرًا فرحًا بما لاقى من المسرّة والنعيم، فيروى أنه كان في حديقة غناء وشاهد كذا وكذا مما فيها من بهجة وبهاء، وجمال ورواء»125.

وجاء في شرح الطحاوية لأبي العز الحنفي، وهو يتحدث عن مراتب الأرواح في عالم البرزخ: «إن الأرواح في البرزخ متفاوتة أعظم تفاوت، فمنها أرواح في أعلى عليين، في الملأ الأعلى، وهي أرواح الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه، وهم متفاوتون في منازلهم، ومنها أرواح في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت، وهي أرواح بعض الشهداء، لا كلهم، بل من الشهداء من تحبس روحه عن دخول الجنة لدين عليه، كما في المسند عن محمد بن عبد الله بن جحش: (أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله: ما لي إن قتلت في سبيل الله؟ قال: (الجنة)، فلما ولّى، قال: (إلاّ الدين، سارّني به جبريل آنفا)126127.

ومن النعيم الذي أعده الله تعالى لعباده المؤمنين رؤيته -جل شأنه وعظم قدره-. جاء ذلك في موسوعة فقه القلوب: «ومن نعيم الروح رؤية الرب جل جلاله ورضاه، والقرب منه»128.

وبهذا اتضح بما لا يدع مجالًا للشك، وبهذه النصوص البينة الواضحة الجلية القطعية في دلالاتها، أن الأرواح تنعّم وتشعر بما ينالها من هذا النعيم الذي كتبه لها رب العزة والجلالة.

ثانيًا: عذاب الروح:

قال الله تعالى: ( ﯟﯠ ) [الأنعام: ٩٣].

قال السمعاني فيها: «قيل: للعذاب، وقيل: لقبض الأرواح. ( )، أي: أرواحكم، فإن قال قائل: الروح إنما تخرج كرهًا، فما معنى قوله: ( )؟ قيل: إنما قال ذلك تغليظًا عليهم، كمن يخرج من الدار كرهًا، ويقال له: اخرج»129.

وقال البغوي: «( )، بالعذاب والضرب، يضربون وجوههم وأدبارهم، وقيل: بقبض الأرواح. ()، أي: يقولون ( )، أي: أرواحكم كرهًا؛ لأن نفس المؤمن تنشط للقاء ربه، ونفس الكافر تكره ذلك»130.

وإلى هذا أشار رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم. عن أنس عن عبادة بن الصامت رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أراد لقاء الله أراد الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه)131.

وهذا خطاب لهم عند الموت، وقد أخبرت الملائكة وهم الصادقون أنهم حينئذ يجزون عذاب الهون، ولو تأخر عنهم ذلك إلى انقضاء الدنيا لما صح أن يقال لهم: ( )، فدل على أن المراد به عذاب القبر.

قال الله تعالى: ( ) [الطور: ٤٥ -٤٧].

وهذا يحتمل عذابهم بالقتل وغيره في الدنيا، وأن يراد به عذابهم في البرزخ، وهو أظهر؛ لأن كثيرًا منهم مات ولم يعذب في الدنيا، وقد يقال -وهو أظهر-: إن من مات منهم عذب في البرزخ، ومن بقى منهم عذب في الدنيا بالقتل وغيره، فهو وعيد بعذابهم في الدنيا وفي البرزخ. قال السمرقندي في تفسيره: «( ) [الطور: ٤٧]، يعني: من قبل عذاب النار، قد روى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: عذاب القبر، وقال معمر عن قتادة، قال: عذاب القبر في القرآن»132.

ومنها قوله جل شأنه: ( ﮖﮗ ﮢﮣ ) [غافر: ٤٥ -٤٦].

فذكر عذاب الدارين ذكرًا صريحًا لا يحتمل غيره، فدل على ثبوت عذاب القبر.

قال السدي: «بلغني أن أرواح قوم فرعون في أجواف طير سود تعرض على النار غدوًّا وعشيًّا، حتى تقوم الساعة»133.

وقال ابن كثير في تفسيره: «وهذه الآية أصل كبير في استدلال أهل السنة على عذاب البرزخ في القبور»134.

وقال الله تعالى: ( ﭿ ) [الواقعة: ٨٣ -٩٤].

«فذكر ها هنا أحكام الأرواح عند الموت، وذكر في أول السورة أحكامها يوم المعاد الأكبر، وقدم ذلك على هذا تقديم الغاية للعناية؛ إذ هي أهم وأولى بالذكر، وجعلهم عند الموت ثلاثة أقسام، كما جعلهم في الآخرة ثلاثة أقسام»135.

وكما وقفنا على ما جاء عن عذاب القبر في كتاب ربنا، فإن السنة النبوية المطهرة قد أفردت حيزًا معتبرًا لهذا الموضوع، وإذا تأملت أحاديث عذاب القبر ونعيمه وجدتها تفصيلًا وتفسيرًا لما دل عليه القرآن، وأحاديث عذاب القبر كثيرة متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ رواها أئمة السنة وحملة الحديث ونقاده عن الجم الغفير والجمع الكثير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن أدلة عذاب القبر من السنة النبوية:

ما جاء في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين، فقال: (إنهما ليعذّبان، وما يعذّبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة)، ثم أخذ جريدة رطبة، فشقها نصفين، فغرز في كل قبر واحدة، قالوا: يا رسول الله، لم فعلت هذا؟ قال: (لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا)136.

و«هذا دليلٌ على أنّ العذاب محسوسٌ ومسموعٌ لمن كان له أذنان، لا أنه متخيّلٌ فقط، نعم هو في عالم آخر، والناس يريدون أن يسمعوه في هذا العالم، فيقعون في الخبط، ألا أنّ الحواس الخمس في هذا العالم، ثم لا يدري أحدهما ما في عالم الآخر، فلا تدري الشّامّة ما السمع والذوق؟ ولا تدري السامعة ما الشمّ والذوق؟ فهكذا لا يمكن أن يكتنه من في عالم الأجساد ما في عالم البرزخ، إلاّ أن يسمعه الله تعالى: ( ) [فاطر: ٢٢].ولم يدّع الشرع أنّ أحوال البرزخ من أحوال عالم الأجساد، ليقال إنّا لا نسمع الصوت، ولا نرى أحدًا في القبر معذّبًا، إلى غير ذلك، فاعلمه»137.

وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم في حائط لبني النجار، على بغلة له ونحن معه، إذ حادت به فكادت تلقيه، وإذا أقبرٌ ستة أو خمسة أو أربعة -قال: كذا كان يقول الجريريّ- فقال: (من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟) فقال رجل: أنا، قال: (فمتى مات هؤلاء؟) قال: ماتوا في الإشراك، فقال: (إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا، لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه)138. ففيه دلالة واضحة أن عذاب القبر مسموع لمن أراد الله أن يسمعه.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير، فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال)139. ففي توجيهه صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالتعوذ دلالة على أن الأمر واقع وحاصل لا محالة.

وعن أبي أيوب رضي الله عنه قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم وقد وجبت الشمس، فسمع صوتًا، فقال: (يهود تعذّب في قبورها)140.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (دخلت عليّ عجوزين من عجز يهود المدينة، فقالتا لي: إن أهل القبور يعذبون في قبورهم، فكذبتهما، ولم أنعم أن أصدقهما، فخرجتا، ودخل عليّ النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت له: يا رسول الله، إن عجوزين، وذكرت له، فقال: (صدقتا، إنهم يعذّبون عذابًا تسمعه البهائم كلها)141، فما رأيته بعد في صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر)142.

وفي الحديث الآخر: (وإذا كان الرجل السوء قال: اخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث، اخرجي ذميمة، وأبشري بحميم وغساق، وآخر من شكله أزواج، فلا يزال يقال لها حتى تخرج، فينتهي بها إلى السماء، فيقال: من هذا؟ فيقال: فلان ابن فلان، فيقال: لا مرحبًا بالنفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث، ارجعي ذميمة، فإنه لا تفتح لك أبواب السماء، فترسل إلى الأرض ثم تصير إلى القبر)143.

ومن العذاب الذي يصيب الروح في القبر، ما ورد على لسان سيد الخلق صلى الله عليه وسلم: (... وأمّا الكافر أو المنافق فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري كنت أقول ما يقول الناس، فيقال: لا دريت ولا تليت، ثم يضرب بمطرقةٍ من حديدٍ ضربةً بين أذنيه، فيصيح صيحةً يسمعها من يليه إلا الثّقلين)144.

ومن عذاب القبر ما جاء في مسند أحمد عن البراء بن عازب، وفيه: (وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه، معهم المسوح، فيجلسون منه مدّ البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الخبيثة، اخرجي إلى سخط من الله وغضب، قال: فتتفرق في جسده، فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول، فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين، حتى يجعلوها في تلك المسوح، ويخرج منها كأنتن ريح خبيثة وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث؟ فيقولون: فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا، حتى ينتهى بها إلى السماء الدنيا، فيستفتح له، فلا يفتح له، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ) [الأعراف: ٤٠].

فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين، في الأرض السفلى، فتطرح روحه طرحًا، ثم قرأ: ( ) [الحج: ٣١].

فتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان فيجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه، لا أدري، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم، فيقول: هاه هاه، لا أدري، فينادي مناد من السماء: أن كذب، فأفرشوه من النار، وافتحوا له بابا إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه قبره، حتى تختلف أضلاعه، ويأتيه رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب منتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوؤك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت، فوجهك الوجه يجيء بالشر، فيقول: أنا عملك الخبيث، فيقول رب لا تقم الساعة)145.

«ومن عذاب الجسد ما يعذّب به أهل النار من النار التي تحرق أجسامهم، والحميم الذي يقطّع أمعاءهم، والطعام الكريه المر الذي تعافه النفوس من الزقوم والغسلين والضريع، ومن الشراب الماء الحميم، والصديد الكريه، كما قال سبحانه: ( ﯝﯞ ) [إبراهيم: ١٦ -١٧].

وتعذّب أرواحهم بالصّغار والإهانة، وتحجب أبصارهم عن رؤية الله، وعذاب الاحتجاب عن الله وإهانته لهم وغضبه عليهم وسخطه والبعد عنه، أعظم عليهم من التهاب النار في أجسامهم وأرواحهم، كما قال سبحانه: ( ﮋﮌ ) [المطففين: ١٥ -١٦]»146.

قال الشيخ الفوزان: «تنبيه هام: وعذاب القبر وسؤال الملكين ينالان كل من مات، ولو لم يدفن، فهو اسم لعذاب البرزخ ونعيمه، وهو ما بين الدنيا والآخرة، قال تعالى: ( ) [المؤمنون: ١٠٠].

وسمي عذاب القبر باعتبار الغالب، فالمصلوب والمحرق والمغرق وأكيل السباع والطيور له من عذاب البرزخ ونعيمه قسطه الذي تقتضيه أعماله، وإن تنوعت أسباب النعيم والعذاب وكيفياتهما»147.

موضوعات ذات صلة:

الإنسان، الحياة، العقل، القلب ،النفس الوحي


1 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/٤٥٤.

2 تهذيب اللغة، الأزهري ٥/١٣٩.

3 انظر: الصحاح، الجوهري ١/٣٦٧.

4 انظر: المحكم والمحيط الأعظم، ابن سيده ٣/٥٠٨.

5 النهاية في غريب الحديث والأثر، ٢/٢٨٧١.

6 معالم التنزيل، البغوي ٤/٣٨٠.

7 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٠/٢٤.

8 تفسير المراغي ٤/١٧٦.

9 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٥/١٩٦.

10 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص ٣٢٦.

11 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص٢٢٩-٢٣٠.

12 انظر: الصحاح، الجوهري ٣/٩٨٤، لسان العرب، ابن منظور ٦/٢٣٢.

13 التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص٣٢٨.

14 انظر: الصحاح، الجوهري ٣/٩٨٤، لسان العرب، ابن منظور ٦/٢٣٢.

15 جلاء العينين في محاكمة الأحمدين، الألوسي ص١٦٥.

16 أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب من نام عن الصلاة أو نسيها، ١/١٢٠، رقم ٤٣٩.

17 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد، باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها، رقم٦٨٠.

18 مجموع فتاوى ابن تيمية ٩/٢٨٩.

19 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/١٢٢.

20 التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص ١٤٩

21 الفروق اللغوية، العسكري ص٢٦١.

22 الروح، ابن القيم، ص١٤٤.

23 شرح الطحاوية، ابن أبي العز ٢/٥٦٢.

24 أقاويل الثقات في تأويل الأسماء والصفات والآيات المحكمات والمشتبهات، مرعي الكرمي ص١٩٠، وص٢١٤.

25 أثر الإيمان في تحصين الأمة الإسلامية ضد الأفكار الهدامة، عبد الله الجربوع ٢/٥٠٤.

26 الروض الأنف، السهيلي ٣/٩٦.

27 البداية والنهاية، ابن كثير ٣/٦٩.

28 إرشاد الساري، القسطلاني ٧/٢١٢.

29 العقائد الإسلامية، سيد سابق ص ٢٢٤.

30 الإنسان ذلك المجهول، ألكسيس كاريل ص١٧.

31 جامع البيان، الطبري ١٥/١٥٧.

32 تفسير المراغي ١٥/٨٩.

33 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٠/٣٢٤.

34 تفسير الراغب الأصفهاني ١/٤٣٥.

35 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٨٨.

36 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٥/١٩٨.

37 البحر المديد، ابن عجيبة ١/٢٩١.

38 التفسير الوسيط، الواحدي ٣/١٢٦.

39 شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري، الغنيمان ٢/٢٢٧.

40 زهرة التفاسير، أبو زهرة ٨/٤٤٤٦.

41 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤٦٦.

42 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٢٤٩.

43 النكت في القرآن الكريم، علي بن فضّال ص٢٩٦.

44 الروح، ابن القيم ص١٥٤.

45 التفسير الوسيط، الواحدي ٣/٤٥.

46 تفسير القرآن، السمعاني ٣/١٣٨.

47 غرائب القرآن، النيسابوري ٤/٢٢٠.

48 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٧/١٣٨.

49 روح البيان، إسماعيل حقي ٤/٤٦١..

50 التفسير المظهري، محمد ثناء الله ٨/١٩٢.

51 التفسير القرآني للقرآن، الخطيب ١٢/١١٦٣.

52 التفسير الوسيط، مجمع البحوث ٥/٥٣٨، ٣/١٣٨٧.

53 جامع البيان، الطبري ٢٠/١٤٤.

54 مفاتيح الغيب، الرازي ٢١/٤٠٤-٤١٠.

55 اللباب في علوم الكتاب ١٦/٤٥٤.

56 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاستئذان، باب بدء السّلام ٨/٥٠، رقم ٦٢٢٧، ومسلم في صحيحه، كتاب الجنة، باب يدخل الجنة أقوام ، ٤/٢١٨٣، رقم ٢٨٤١.

57 كشف المشكل من حديث الصحيحين، ابن الجوزي ٣/٤٩٨.

58 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٧/٨١.

59 النكت والعيون، الماوردي ٤/٣٥٦.

60 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٢٤/١٠٨.

61 الوجوه والنظائر، أبو هلال العسكري ص٤٤٠.

62 البحر المحيط، أبو حيان ٩/٢٤٤.

63 التفسير الحديث، محمد عزت ٥/٢٨٥.

64 التفسير الوسيط، طنطاوي ٨/٤٧.

65 إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل، ابن جماعة الكناني ص١٤٢.

66 الحيدة، الكناني ص٥٥.

67 شرح الأربعين النووية، ابن عثيمين ص٣٦٥.

68 تسلية أهل المصائب، المنبجي ص٢١٨.

69 فتح البيان، القنوجي ١١/١٨.

70 شرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور، السيوطي ص٣١٠.

71 تفسير المراغي ١٥/٨٩.

72 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل الحنبلي ١٢/٣٧٤.

73 بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٣/١٠٦.

74 فيض الباري على صحيح البخاري، محمد أنور شاه ١/٣١٣.

75 فتح الباري، ابن حجر ٨/٤٠٣.

76 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٥/١٩٧.

77 إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين، الدمياطي ٢/١٢٢.

78 غاية البيان شرح زبد ابن رسلان، شهاب الدين الرملي ص١٨.

79 لوامع الأنوار البهية، السفاريني الحنبلي ١/٢٦٦.

80 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب الأرواح جنود مجندة، ٤/١٣٣، رقم ٣٣٣٦، ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب الأرواح جنود مجندة، ٤/٢٠٣١، رقم ٢٦٣٨.

81 التحفة المهدية شرح العقيدة التدمرية، فالح بن مهدي الدوسري ١/١٠٧.

82 كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم، التهانوي ١/٨٨٣.

83 الروح، ابن القيم ص٣٨.

84 انظر: جامع البيان، الطبري ١٧/٥٤٤.

85 انظر: غرائب التفسير، الكرماني ١/٦٤٠.

86 تفسير عبد الرزاق الصنعاني ٢/٣١٣.

87 أوضح التفاسير، ابن الخطيب ١/٣٤٧.

88 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٥/١٩٧.

89 انظر: تفسير ابن أبي حاتم ٩/٢٨١٧.

90 تفسير القرآن، السمعاني ٣/٢٨٣.

91 التفسير القرآني للقرآن، الخطيب ١٦/١٦٣٦.

92 الكشف والبيان، الثعلبي ٣/٤١٩.

93 جامع البيان، الطبري ٢/٣٢٠.

94 التفسير الحديث، محمد عزت ٥/١٨٤.

95 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة ٤/١١٢، رقم٣٢١٢.

96 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الأدب، باب ما جاء في إنشاد الشعر، ٤/٤٣٥، رقم٢٨٤٦.

وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، ٤/٢١٤، رقم ١٦٥٧.

97 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني، ص ٣٦٩.

98 سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، محمد بن يوسف الصالحي ١/٤٦٦.

99 انظر: جامع البيان، الطبري ١٦/٢٣٣.

100 أخرجه الطبراني في الأوسط، رقم ٢٩٨١، ٣/٢٢٣، والحاكم في المستدرك، رقم ١٠٠، ١/٩١.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرطهما.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٢٣٤٥، ١/٤٦٣.

101 مفاتيح الغيب، الرازي ١١/٢٧١.

102 انظر: جامع البيان، الطبري ٢١/٣٦٣.

103 انظر: المصدر السابق.

104 انظر: تفسير ابن أبي حاتم ٧/٢٢٧٦.

105 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٧٦٢.

106 زاد المسير، ابن الجوزي ١/٥٠١.

107 مفاتيح الغيب، الرازي، ١١/٢٧١.

108 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٢/١١١.

109 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قوله: (يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم) ٣٤٣٥، ٤/١٦٥.

110 التفسير الوسيط، طنطاوي ٣/٤٠١.

111 معالم التنزيل، البغوي ٨/٦٣.

112 انظر: التفسير الوسيط، الواحدي ٤/٢٦٨.

113 تفسير المراغي ٢٨/٢٨.

114 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب قوله تعالى: (وما أوتيتم من العلم إلا قليلًا)، رقم ١٢٥، ١/٣٧، ومسلم في صحيح، كتاب صفات المنافقين، باب سؤال اليهود النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح، ٤/٢١٥٢، رقم ٢٧٩٤.

115 فتح القدير، الشوكاني ٤/٣٤٧.

116 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٠/٣٢٤.

117 مجموع فتاوى صالح بن فوزان ١/١٥٨.

118 زاد المسير، ابن الجوزي ٢/٥٣٤.

119 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٥/١٩٦.

120 المصدر السابق ١٥/٩٥٢٦.

121 الروح، ابن القيم ص٥٢.

122 أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الزهد، باب ذكر الموت والاستعداد له ٢/١٤٢٣، رقم ٤٢٦٢.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٣٤٤، رقم ١٦٧٦.

123 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب الميّت يعرض عليه بالغداة والعشيّ ٢/٩٩، رقم١٣٧٩.

124 أخرجه أحمد في مسنده، ٣٠/٤٩٩، رقم١٨٥٣٤.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٣٤٤، رقم ١٦٧٦.

125 تفسير المراغي ٢٤/٧٨.

126 أخرجه أحمد في مسنده، رقم١٧٢٥٣، ٢٨/٤٩١.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم ١٤٢٥، ١/٣٠٠.

127 شرح الطحاوية، ابن أبي العز ٢/٥٨٤.

128 موسوعة فقه القلوب، التويجري ٤/٣٥٣٩.

129 تفسير القرآن، السمعاني ٢/١٢٧.

130 معالم التنزيل، البغوي ٢/١٤٥.

131 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ٨/١٠٦، رقم٦٥٠٧، ومسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه ٤/٢١٩٩، رقم٦٥.

132 تفسير السمرقندي ٣/٣٥٦.

133 جامع البيان، الطبري ٢٠/٣٣٨.

134 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/١٤٦.

135 الروح، ابن القيم ص٧٦.

136 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوضوء، باب ما جاء في غسل البول ١/٥٤، رقم٢١٨، ومسلم في صحيحه، كتاب الطهارة، باب الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه، ١/٢٤٠، رقم١١١.

137 فيض الباري على صحيح البخاري، محمد أنور شاه ١/٤١٠.

138 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه ٤/٢١٩٩، رقم٢٨٦٧.

139 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يستعاذ منه في الصلاة ١/٤١٢، رقم٥٨٨.

140 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب التعوذ من عذاب القبر ٢/٩٩، رقم١٣٧٥، ومسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه ٤/٢٢٠٠، رقم٢٨٦٩.

141 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب التعوذ من عذاب القبر ٨/٧٩، رقم ٦٣٦٦.

142 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الدعوات، باب التعوذ من عذاب القبر ٨/٧٨، رقم ٦٣٦٦، ومسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب التعوذ من عذاب القبر ١/٤١٠، رقم٥٨٦.

143 أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الزهد باب ذكر الموت والاستعداد له ٢/١٤٢٣، رقم٤٢٦٢.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٣٤٤، رقم ١٦٧٦.

144 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب الميت يسمع خفق النعال ٢/٩٠، رقم١٣٣٨.

145 أخرجه أحمد في مسنده، ٣٠/٤٩٩، رقم١٨٥٣٤.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٣٤٤، رقم ١٦٧٦.

146 موسوعة فقه القلوب، التويجري ٤/٣٥٣٩.

147 الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد، الفوزان ص٢٧٧.