عناصر الموضوع

مفهوم الرياء

الرياء في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

مجالات الرياء ومظاهره

عاقبة الرياء

علاج الرياء

الرياء

مفهوم الرياء

أولًا: المعنى اللغوي:

الرياء من الرؤية مصدر من الفعل راءيته مراءاةً ورئاءً، وجذرها (رأي)، وبالكسر: أريته أنّي على خلاف ما أنا عليه1، وهو مهموز العين (رئاء)؛ لأنه من الرؤية، ويجوز تخفيفها بقلبها ياء، فنقول: رياء، واسترآه: استدعى رؤيته، وأريته إياه إراءً وراءيته مراءاةً ورئاءً: أريته على خلاف ما أنا عليه2، وفلان مراءٍ، وقوم مراؤون، والاسم الرياء، يقال: فعل ذلك سمعة ورياء، ومنه قوله تعالى: (ﭿ ) [الماعون: ٦]. يعني المنافقين إذا صلى المؤمنون صلوا معهم ليروهم أنهم على ما هم عليه3.

وقال الهروي وابن منظور: «المرائي يري الذي يراه أنه يفعل، ولا يفعل بالنية»4.

فالرياء: إظهار فعل جميل ليراه الناس؛ -لذلك قيل: رياء، أو رئاء-، وبهدف حمد الناس لا رغبة في ثواب الله.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

قال الجرجاني: «الرياء: ترك الإخلاص في العمل بملاحظة غير الله فيه»5.

وقيل: «الرّياء: وهو إظهار العمل للناس ليروه ويظنوا به خيرًا، فالعمل لغير اللّه نعوذ باللّه منه»6.

وقال الغزالي: «الرياء طلب المنزلة في قلوب الناس بالعبادة»7.

«وحقيقة الرياء طلب ما في الدنيا بالعبادة، وأصله طلب المنزلة في قلوب الناس»8.

فالرياء اصطلاحًا لا يختلف عن معناه اللغوي.

الرياء في الاستعمال القرآني

ورد الجذر (ر أ ي) في القرآن الكريم (٣٢٨) مرة، وما يتعلق منها بموضوع الرياء (٥) مرات 9.

والصيغ التي وردت هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

الفعل المضارع

٢

(ﭿ ) [الماعون: ٦]

المصدر

٣

( ) [البقرة: ٢٦٤]

وجاء الرياء في القرآن بمعناه في اللغة، والمراد به إظهار جميل الفعل رغبة في حمد الناس لا في ثواب الله تعالى10.

الألفاظ ذات الصلة

النفاق:

النفاق لغة:

والنفاق، بالكسر، فعل المنافق، والنفاق: الدخول في الإسلام من وجه والخروج من آخر، ونافق منافقة ونفاقًا، وهو مأخوذ من النافقاء لا من النفق وهو السرب الذي يستتر فيه لستره كفره11.

النفاق اصطلاحًا:

عرفه الجرجاني بقوله: «إظهار الإيمان باللسان، وكتمان الكفر بالقلب»12.

الصلة بين الرياء والنفاق:

أن النفاق إظهار الإيمان مع إسرار الكفر، والرياء إظهار جميل الفعل رغبة في حمد الناس لا في ثواب الله تعالى13.

الكذب:

الكذب لغة:

الكذب: خلاف الصدق، وكذب كذبًا، فهو كذاب وكذبة14.

الكذب اصطلاحًا:

إخبار عن المخبر به على خلاف ما هو به مع العلم بأنّه كذلك15.

الصلة بين الرياء والكذب:

يختلف الكذب عن الرياء، فالكذب خبر مخالف للواقع، بينما الرياء مخالفة النية لظاهر العمل.

الإخلاص:

الإخلاص لغة:

مصدر خلص، والإخلاص: التوحيد لله خالصًا16.

الإخلاص اصطلاحًا:

التعريف المناسب للإخلاص هو القيام للعمل ابتغاء وجه الله تعالى.

الصلة بين الرياء والإخلاص:

هما ضدان، فالرياء فعل الشيء ليراه الآخرون، أما الإخلاص فهو ترك الرياء.

الشرك:

الشرك لغة:

مأخوذ من شرك، ومنه: (أشرك بالله: كفر أي: جعل له شريكًا في ملكه تعالى الله عن ذلك)17، وقد يأتي بمعنى المخالطة والنصيب، لكن المراد هنا هو الكفر.

الشرك اصطلاحًا:

تسوية غير الله بالله فيما هو من خصائصه سبحانه18.

الصلة بين الرياء والشرك:

يعتبر الرياء من الشرك الخفي كما قال أهل العلم عنه19، قال أبو السعود عند تفسير قوله تعالى: ( ) [الكهف: ١١٠]: «إشراكًا جليًّا كما فعله الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه، ولا إشراكًا خفيًّا كما يفعله أهل الرياء ومن يطلب به أجرًا»20.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر)، قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: (الرياء)21.

مجالات الرياء ومظاهره

الرياء خلق ذميم يتصف به ضعاف الإيمان، يظهر على الإنسان بعلامات أهمها: النشاط في العمل ومضاعفة الجهد أمام الآخرين، والكسل والتقصير إذا بعد الإنسان عن الناس.

وإلى هاتين السمتين يشير سيدنا على رضى الله تعالى عنه: فيقول: (للمرائي علامات: كسل إذا كان وحده وينشط إذا كان في الناس ويزيد في العمل إذا أثنى عليه وينقص إذا ذم)22.

وقد حذر الإسلام من هذه الصفة الذميمة، وبين عواقبها، ونفَّر منها في جميع مجالاتها، سواء كانت في العبادات أو الصدقات أو الجهاد في سبيل الله، فكل ذلك منهي عنه ويبطل الأعمال، وسوف نتناول هذه المجالات بشيء من التفصيل بإذنه تعالى.

أولًا: الرياء في العبادات:

خلق الله عز وجل الإنسان لغاية كريمة، واستخلفه في الأرض، وكرمه على سائر مخلوقاته بالعقل؛ ليقوم بهذا الهدف الأسمى، وهو العبادة، قال المولى عز وجل: ( ) [الذاريات: ٥٦].

فالعبادة هدف سامي يقوم بها الإنسان طاعة لله عز وجل وإرضاءً وتقربًا له تبارك وتعالى، وحتى تقبل العبادة من العبد ينبغي أن يكون مخلصًا فيها لله عز وجل، بعيدًا عن الرياء، فالإخلاص واجب في الطاعات حتى تقبل، وقد جاءت النصوص المتضافرة في الكتاب والسنة لتبين أهمية الإخلاص، فمن الكتاب قوله تعالى: ( ) [البينة: ٥].

وقال تعالى: ( ) [الكهف: ١١٠].

ومن الأحاديث قوله صلى الله عليه وسلم: قال الله تبارك وتعالى: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه)23.

وقصة الثلاثة الذين تسعر بهم النار يوم القيامة24.

والرياء ينافي الإخلاص لله عز وجل، فالرياء شعبة من شعب النفاق؛ وصفة ملازمة للمنافقين.

وقد بين لنا ذلك القرآن الكريم الرياء في العبادة، وأنها من صفات المنافقين في أكثر من موضع، قال المولى عز وجل: ( ﭿ ) [النساء: ١٤٢].

فمن صفاتهم، أنهم يأخذون من الدين ما سهـل عليهم، أو ما فيه مصلحتهم، ولا يفعلون ذلك لوجه الله بل رياءً للمؤمنين، وإذا أدّوا شيئًا من العبادات فإنما يستكرهون أنفسهم عليه، ويؤدونه بتكاسل وتثاقل، هذا ديدنهم؛ لذا عبر الله عز وجل عن ريائهم بالفعل المضارع (يراؤون) الذي يفيد الاستمرار، فأعمالهم كلها رياء وسمعة، لا لمرضاة الله عز وجل.

هكذا هم المنافقون لهم علامات يعرفون بها، من أوضحها وأبرزها الرياء، فلهم عبادةٌ يعبدون الله بها في بيوتهم، ولهم عبادة يعبدون الله بها أمام الناس، أساس مواقفهم الرياء، وقعد بهم الكسل عمّا أمروا من أوامر، فأصبح الإخلاص عليهم ثقيلًا.

ففي صحيح الحديث (إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء، وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا)25، فإن العتمة تأتي وقد أتعبهم عمل النهار فيثقل عليهم القيام إليها، وصلاة الصبح تأتي والنوم أحب إليهم من أن يقوم للصلاة؛ لأن صلاتهم لأجل الناس، لا طاعة لله عز وجل.

لذلك توعدهم الله عز وجل فقال تعالى: ( ) يعني المنافقين26، فقد نزلت فيهم، ثم نعتهم فقال تعالى: ( ) فهم لا يرجون بصلاتهم ثوابًا إن صلوا، ولا يخافون عليها عقابًا إن تركوا، فهم عنها غافلون حتى يذهب وقتها، ثم وصفهم الله عز وجل فقال: (ﭿ ) فهم يراؤون المؤمنين في صلاتهم، أو يراءون الناس بكل ما عملوه من أعمال البر ليثنوا عليهم27.

والمرائي يتحبب ويتقرب إلى العباد، ويبتعد من الله عز وجل، وهذا ما أشار إليه الإمام ابن الجوزي بقوله: «وقد لبس إبليس على جماعة من قوام الليل فتحدثوا بذلك بالنهار فربما قال أحدهم فلان المؤذن أذن بوقت ليعلم الناس أنه كان منتبهًا، فأقل ما في هذا إن سلم من الرياء أن ينقل من ديوان السر إلى ديوان العلانية، فيقل الثواب تلبيسه عليهم في القرآن، وقد لبس على آخرين انفردوا في المساجد للصلاة والتعبد فعرفوا بذلك، واجتمع اليهم ناس فصلوا بصلاتهم وشاع بين الناس حالهم وذلك من دسائس إبليس وبه تقوى النفس على التعبد لعلمها أن ذلك يشيع ويوجب المدح»28.

واعتبر النبي صلى الله عليه وسلم الرياء في العبادة أشد خطرًا من فتنة المسيح الدجال، فقد جاء عن أبي سعيدٍ، قال: (خرج علينا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر المسيح الدّجّال، فقال: (ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدّجّال؟) قال: قلنا: بلى، فقال: (الشّرك الخفيّ، أن يقوم الرّجل يصلّي، فيزيّن صلاته، لما يرى من نظر رجلٍ)29.

فالمرائي يظهر ما ليس في قلبه من زيادة خشوع؛ ليعتقد فيه من يراه أنه متدين، والرياء يبطل العمل فلا ينتفع به صاحبه يوم القيامة. والدوافع للرياء في العبادة بينها لنا الإمام الغزالي رحمه الله فقال: «وإنما يبتلي به العلماء والعباد والمشمرون عن ساق الجد لسلوك سبيل الآخرة فإنهم مهما قهروا أنفسهم وجاهدوها وفطموها عن الشهوات وصانوها عن الشبهات وحملوها بالقهر على أصناف العبادات عجزت نفوسهم عن الطمع في المعاصي الظاهرة الواقعة على الجوارح، فطلبت الاستراحة إلى التظاهر بالخير وإظهار العمل والعلم، فوجدت مخلصًا من مشقة المجاهدة إلى لذة القبول عند الخلق، ونظرهم إليه بعين الوقار والتعظيم، فسارعت إلى إظهار الطاعة وتوصلت إلى اطلاع الخلق ولم تقنع باطلاع الخالق، وفرحت بحمد الناس ولم تقنع بحمد الله وحده، وعلمت أنهم إذا عرفوا تركه الشهوات وتوقيه الشبهات وتحمله مشاق العبادات أطلقوا ألسنتهم بالمدح والثناء، وبالغوا في التقريظ والإطراء ونظروا إليه بعين التوقير والاحترام وتبركوا بمشاهدته ولقائه ورغبوا في بركة دعائه وحرصوا على اتباع رأيه وفاتحوه بالخدمة والسلام وأكرموه في المحافل غاية الإكرام، وسامحوه في البيع والمعاملات وقدموه في المجالس وآثروه بالمطاعم والملابس، وتصاغروا له متواضعين وانقادوا له في أغراضه موقرين»30.

وللرياء ثلاثة أوجه حين يتصل بالعبادة، أشار إليها الإمام ابن القيم في جوابه على من يعمل العمل لله ولغيره، فلا يكون لله محضًا ولا للناس محضًا، هل يبطل العمل كله أم يبطل ما كان لغير الله ويصح ما كان لله؟ فأجاب ابن القيم رحمه الله:

الوجه الأول: أن يكون الباعث لله، ثم يعرض له الرياء في أثناء العمل، فهذا المعول فيه على الباعث الأول ما لم يفسخه بإرادة جازمة لغير الله فيكون حكمه حكم قطع النية في أثناء العبادة وفسخها، أي ترك استصحاب حكمها.

الوجه الثاني: أن يكون الباعث الأول لغير الله، ثم يعرض له قلب النية لله، فهذا لا يحتسب له بما مضى من العمل، ويحتسب له من حين قلب نيته؛ فإذا كانت العبادة لا يصح آخرها إلا بصحة أولها وجبت الإعادة، كالصلاة، وإلا لم تجب كمن أحرم لغير الله ثم قلب نيته لله عند الوقوف والطواف.

الوجه الثالث: أن يبدأ العبادة لله والناس، فيريد أداء فرضه والجزاء والشكور من الناس، كمن يحج ليسقط الفرض عنه ويقال فلان حج، فهذا لا يقبل منه العمل؛ لأن حقيقة الإخلاص التي هي شرط في صحة العمل والثواب عليه لم توجد، والحكم المعلق بالشرط عدم عند عدمه31، ودل على ذلك أيضًا ما ورد أن «رجلًا جاء إلى عبادة بن الصامت رضي الله عنه فقال: أنبئني عما أسألك عنه، أرأيت رجلًا يصلي يبتغي وجه الله، ويحب أن يحمد، ويصوم يبتغي وجه الله ويحب أن يحمد، ويحج يبتغي وجه الله ويحب أن يحمد. فقال عبادة: ليس له شيء»32.

وذكر ذلك ابن رجب فقال رحمه الله «اعلم أن العمل لغير الله أقسام؛ فتارة يكون رياء محضًا؛ كحال المنافقين؛ كما قال تعالى: ( ﭿ )، وهذا الرياء المحض لا يكاد يصدر من مؤمن في فرض الصلاة والصيام، وقد يصدر في الصدقة أو الحج الواجب أو غيرهما من الأعمال الظاهرة أو التي يتعدى نفعها؛ فإن الإخلاص فيها عزيز، وهذا العمل لا يشك مسلم أنه حابط، وأن صاحبه يستحق المقت من الله والعقوبة، وتارة يكون العمل لله ويشاركه الرياء، فإن شاركه من أصله؛ فالنصوص الصحيحة تدل على بطلانه، وأما إن كان العمل لله وطرأ عليه نية الرياء؛ فإن كان خاطرًا ثم دفعه؛ فلا يضره بغير خلاف، وإن استرسل معه؛ فهل يحبط عمله أو لا؛ فيجازى على أصل نيته؟ في ذلك اختلاف بين العلماء من السلف، قد حكاه الإمام أحمد وابن جرير، ورجّحا أن عمله لا يبطل بذلك»33.

وليس من الرياء أن يسرّ الإنسان بفعل الطاعة؛ لأن ذلك دليل إيمانه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من سرّته حسنته وساءته سيئته فذلك المؤمن)34.

والرياء قد يقع من المسلم في أي عبادة يقوم به قاصدًا بها الحمد والشكر من الناس لا ثواب الخالق عز وجل، ومن ذلك العالم وقارئ القرآن، فقد جاء في أحاديث كثيرة فضل العلم والعلماء، خاصة تعلم القرآن، قال عليه السلام: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)35، لكن العالم أو قارئ القرآن إذا كانت نيته غير خالصة لله عز وجل، وكان القصد الرياء والسمعة فكان جزاؤه النار والعياذ بالله، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه...، ورجل تعلم العلم، وعلمه وقرأ القرآن، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم، وعلمته وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار...)36.

وقال عليه السلام: (من تعلّم علمًا ممّا يبتغى به وجه اللّه، لا يتعلّمه إلّا ليصيب به عرضًا من الدّنيا، لم يجد عرف الجنّة يوم القيامة)37.

فعلى الإنسان أن يكون شديد الحذر، ويراقب نفسه؛ خوف الوقوع في الرياء، وأن يجدد النية الخالصة لله عز وجل، وأن يحذر المنافقين وصحبتهم لينجوا بنفسه، ويفوز برضا الله عز وجل.

ثانيًا: الرياء في الصدقات:

قد ينفق الإنسان في سبيل الله عز وجل، لكنه لا ينال الأجر والثواب من الله تعالى، فهذا هو المرائي الذي يريد بظاهر عمله غير الباطن.

قال تعالى: ( ﯲﯳ ﯼﯽ ﯿ ﰃﰄ ) [البقرة: ٢٦٤].

ففي هذه الآية يخاطب الله عز وجل المؤمنين قائلًا لهم لا تُذهبُوا أجر صدقاتكم بالمن والأذى، فالصدقة التي يعلم من صاحبها أنه يمن أو يؤذي الفقير بها، لا تقبل منه، وقيل: إنّ المن والأذى دليل على أن نيته لم تكن خالصة، فلذلك بطلت صدقته، كإبطال المنافق الذي يرائي بإنفاقه فيظهر لهم أنه يريد وجه الله، وإنما قصده مدح الناس له أو شهرته بالصفات الجميلة؛ ليشكر بين الناس، أو يقال: إنه كريم ونحو ذلك من المقاصد الدنيوية، مع قطع نظره عن معاملة الله تعالى وابتغاء مرضاته وجزيل ثوابه؛ ولهذا قال: ( )، فالرياء يبطل الصدقة، ولا تكون النفقة مع الرياء من فعل المؤمنين، لكن من فعل المنافقين لأن الكافر معلن بكفره غير مراء به، فمثل هذا المرائي بصدقته وسائر أعماله كمثل الحجر الأملس الصلب وعليه تراب فأصابه المطر الشديد العظيم القطر، فتركه أملس لا شيء عليه من ذلك التراب، فهذا مثل ضربه الله تعالى لنفقة المنافق والمرائي والمؤمن المنان بصدقته يؤذي الناس، يرى الناس أن لهؤلاء أعمالًا في الظاهر، كما يرى التراب على الصفوان فإذا جاء المطر أذهبه وأزاله، وكذلك حال هؤلاء يوم القيامة، تبطل أعمالهم وتضمحل؛ لأنها لم تكن لله تعالى كما أذهب الوابل ما على الصفوان من التراب، والله لا يهدي القوم الكافرين إلى الخير والرشاد، وفيه تعريض بأن الرئاء والمن والأذى على الإنفاق من صفات الكفار ولا بد للمؤمن أن يتجنب عنها38.

وقد بين المولى عز وجل في محكم كتابه أن صفة الرياء إنما هي من تزيين الشيطان، فمن اتصف بها فقد اتبع خطوات الشيطان، فيكون مصيره النار وبئس المصير، قال تعالى: ( ﭛﭜ ) [النساء: ٣٨].

فالآية نزلت في المنافقين، الذين كان انفاقهم رياءً وسمعةً، فقوله (رياء) مفعول له، للإنفاق، يعنى ينفقون لأجل أن يراهم الناس ويقولوا ما أجودهم، فالمراؤون يتحرّون بإنفاقهم رضى الناس، والإنفاق رياء كفر وشرك خفىّ؛ لذلك عطف عليه قوله ( )39، وكان الشيطان قرينهم لا يفارقهم.

والمعنى من يكن عمله بما سول له الشيطان فبئس العمل عمله، وقيل هذا في الآخرة يجعل الله الشياطين قرناءهم في النار يقرن مع كل كافر شيطان في سلسلة من النار40.

ومع ذلك لا ينبغي للعبد أن يترك التصدق أو العمل الصالح خوف الرياء، فإن ذلك منتهى بغية الشيطان منه، إذ المقصود أن لا يفوت الإخلاص، قال الفضيل بن عياض: ترك العمل بسبب الخلق رياء، وفعله لأجل الخلق شرك41.

وقال عليه السلام مبينًا جزاء من ينفق رياء وسمعة: (إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد...، ورجل وسع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال كله، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه، ثم ألقي في النار)42.

كما وجاءت الآيات صريحة الدلالة في تفضيل الصدقة سرًّا بعدًا عن الرياء، فمن ذلك قوله تعالى: ( ﭦﭧ ﭮﭯ ﭳﭴ ) [البقرة: ٢٧١].

فالآية الكريمة ظاهرة في تفضيل صدقة السّر على صدقة العلانية، وذهب جمهور المفسرين في تفسير هذه الآية: إلى أن هذه الآية في صدقة التطوع، فكتمان صدقة التطوع وإخفائها أفضل من إظهارها، وكذلك سائر العبادات الإخفاء أفضل في تطوعها؛ لانتفاء الرياء عنها، وليس كذلك الواجبات والفرائض، فيجب إظهار الفرائض من الصلاة والزكاة؛ لأنها شعائر الإسلام وتاركها مستحق للعن فيجب نفي التهمة بالإظهار، فالإظهار فيها أفضل، قال ابن عباس: جعل الله صدقة السر في التطوع تفضل علانيتها يقال بسبعين ضعفًا، وجعل صدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها يقال بخمسة وعشرين ضعفًا، قال: وكذلك جميع الفرائض والنوافل في الأشياء كلها43.

فالأعمال والعبادات الخفيّة، والطاعة في الخلوات، تفضل الأعمال الجليّة غير الفرائض الظّاهرة، فضًلا عظيمًا، وتحميه من أدران الرّياء، والتّطلع لحبّ الثناء من الناس، وقد جاء التّوجيه عن السلف الصالح بحثّ العبد المؤمن على أن يكون له عبادة في السّر، فعن الزّبير بن العوام رضي الله عنه قال: (من استطاع منكم أن يكون له خبءٌ من عملٍ صالحٍ فليفعل)44.

وقد مدح الله عز وجل المنفقين المخلصين في عبادتهم إياه على كل الأحوال فقال: ( ) [البقرة: ٢٧٤].

فقدّم تعالى صدقة السّرّ عن العلانية، وصدقة اللّيل عن النّهار لخفائهما، وبعدهما عن الرّياء والمباهاة، وحظوظ النّفس المريضة.

وجاء من السّبعة الذين يظلّهم الله عز وجل يوم القيامة في ظلّه يوم لا ظلّ إلا ظلّه في قوله عليه السلام: (رجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)45.

والعمل في السر يقطع الطريق على الشيطان في الرياء، كما قال عقبة بن عبد الغافر: «إذا عمل العبد في السر عملًا حسنًا، ثم عمل في العلانية مثله قال الله تعالى هذا عبدي حقًّا»46.

لهذا وجب على الإنسان أن يراقب نفسه، ويحاسبها، وأن يكون متيقظًا، ويسد منافذ الشيطان ووساوسه التي تؤدي به إلى النار وبئس المصير.

ثالثًا: الرياء في الجهاد:

إن الإخلاص في العمل شرط من شروط قبول العمل، ونيل الأجر والثواب من الله عز وجل، ومن الطاعات التي يتقرب بها العبد من خالقه تبارك وتعالى الجهاد في سبيله، وقد عبر عنه بالقول (في سبيله) دليل على أن أساس قبوله النية الخالصة، وهناك من الآيات والأحاديث التي جاءت تنهى عن الرياء في الجهاد، وتبين ذهاب أجر المرائي.

فمن الآيات قوله تعالى: ( ﭭﭮ ) [الأنفال: ٤٧].

فقد نهى الله عز وجل عن الخروج للجهاد بطرًا ورئاء الناس، والبطر هو الطغيان في النعمة وترك شكرها، والرياء المباهاة والتصنع وإظهار الجميل ليراه الناس مع إبطال القبيح47.

قال الزمخشري في تفسير هذه الآية: «حذرهم بالنهى عن التنازع واختلاف الرأى نحو ما وقع لهم بأحد لمخالفتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من فشلهم وذهاب ريحهم، كالذين خرجوا من ديارهم هم أهل مكة حين خرجوا لحماية العير، فأتاهم رسول أبى سفيان وهم بالجحفة: أن ارجعوا فقد سلمت عيركم، فأبى أبو جهل وقال: حتى نقدم بدرًا نشرب بها الخمور، وتعزف علينا القيان، ونطعم بها من حضرنا من العرب، فذلك بطرهم ورئاؤهم الناس بإطعامهم، فوافوها، فسقوا كؤوس المنايا مكان الخمر، وناحت عليهم النوائح مكان القيان، فنهاهم أن يكونوا مثلهم بطرين طربين مرائين بأعمالهم، وأن يكونوا من أهل التقوى والكآبة والحزن من خشية الله عز وجل، مخلصين أعمالهم لله»48.

وجاءت الأحاديث تحذر من هذه الصفة الذميمة وتبين عاقبة من خرج للقتال رياءً، فورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال: جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار)49.

وجاء عن أبي موسى رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الرجل يقاتل للمغنم والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه فمن في سبيل الله ؟ قال (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)50.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: «قال رجل: يا رسول الله، إني أقف الموقف أريد وجه الله، وأريد أن يرى موطني، فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا حتى نزلت ( ) [الكهف: ١١٠] »51.

عاقبة الرياء

الرياء من السجايا الذميمة، والخلال المقيتة، الدالّة على ضعة النفس، وسقم الضمير، إذ هو الوسيلة الخادعة التي يتخذها المتلونون والمنحرفون ذريعة لأهدافهم ومآربهم دونما خجل واستحياء من هوانها ومناقضتها لصميم الدين والكرامة، وحسب المرائي ذمًّا أنه اقترف جرمين عظيمين: الجرم الأول: أنه تحدّى اللّه تبارك وتعالى، والجرم الثاني: أنه استخف بجلال المولى عز وجل، بإيثار عباده عليه في الزلفى والتقرب، ومخادعة الناس والتلبس عليهم بالنفاق والرياء.

ومع ذلك نجد المرائي حليف الهم والعناء، يستهوي قلوب الناس، ويتملق رضاهم، ورضى الناس غاية لا تنال، فيعود بعد طول المعاناة خائبًا، شقيًّا، سليب الكرامة والدين.

ومن الثابت أنّ سوء السريرة سرعان ما ينعكس على المرء، ويكشف واقعه، ويبوء بالفضيحة والخسران، نعوذ بالله من هذه الصفة.

فإن من أبرز آثار الرياء وعواقبه فقدان الأجر والثواب من الله عز وجل؛ لأن المرائي قد فقد أهم شرط لقبول الأعمال وهو إخلاص العمل لله عز وجل، فهو يريد بعمله الحمد من الناس على أعماله، لا الثواب من الله عز وجل، وقد جاءت الآيات والأحاديث مجتمعة على محق ثواب المرائي وبطلان عمله.

وقد بين المولى عز وجل في آيات عديدة قبح الرياء، وبطلان أعمال المرائين عند الله عز وجل يوم القيامة.

قال تعالى: ( ﯲﯳ ﯼﯽ ﯿ ﰃﰄ ) [البقرة: ٢٦٤].

قال المفسرون في معنى قوله تعالى: لا تبطلوا صدقاتكم: إنّ الصدقة التي يعلم من صاحبها أنه يمن أو يؤذي لا تقبل منه، أو أن ثوابها يمحقه الله عز وجل 52.

وقال تعالى: ( ﭿ ﮍﮎ ) [هود: ١٥-١٦].

نزلت هذه الآية في كل من عمل عملًا وأراد به غير الله عز وجل53.

وقال الزمخشري في تفسير هذه الآية: «هم أهل الرياء، يقال للقراء منهم: أردت أن يقال: فلان قارئ، فقد قيل ذلك، ولمن وصل الرحمن وتصدّق: فعلت حتى يقال فقيل، ولمن قاتل فقتل: قاتلت حتى يقال فلان جريء، فقد قيل»54.

ويؤيد ذلك ما جاء في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال: جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم، وعلمه وقرأ القرآن، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم، وعلمته وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال كله، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه، ثم ألقي في النار)55.

«وعن ابن عباس في هذه الآية: إن أهل الرياء يعطون بحسناتهم في الدنيا، وذلك أنهم لا يظلمون نقيرًا، يقول: من عمل صالحًا التماس الدنيا، صومًا أو صلاة أو تهجدًا بالليل، لا يعمله إلا التماس الدنيا، يقول الله: أوفيه الذي التمس في الدنيا من المثابة، وحبط عمله الذي كان يعمله التماس الدنيا، وهو في الآخرة من الخاسرين»56.

فجزاء المرائي ألا يقبل عمله في الآخرة، ويعتبر باطل لا ثواب عليه، لكنه يعطى أجره في الدنيا فمن عمل عملًا صالحًا في غير تقوى أعطى على ذلك أجرًا في الدنيا، فمن يصل رحمًا، أو يعطي سائلًا، أو يرحم مضطرًا، أو نحو ذلك من أعمال البر، فالله يجعل ثواب عمله في الدنيا بأن يوسع عليه في المعيشة والرزق، ويدفع عنه المكاره في الدنيا، وليس له في الآخرة نصيب، قال تعالى: ( )، والعياذ بالله.

وقال الله عز وجل في أعمال المرائيين: ( ) [الفرقان: ٢٣].

وهباءً أي: باطلًا لا ثواب له؛ لفوات شرط الثواب عليه من الإيمان والإخلاص لله57.

وقد توعد الله عز وجل المرائين بالويل؛ فقال تعالى: ( ﭸﭹ ﭾﭿ ﮂﮃ )، والويل هو العذاب لهم، أو الهلاك، أو واد في جهنم ذال هو مصيرهم58.

وكما قلنا فالرياء شعبة من شعب النفاق، فالمنافقين إنما يعبدون الله عز وجل رياءً وسمعة؛ لذا لا تقبل منهم أبدًا، قال الله عز وجل في حديثه عن المنافقين: ( ) [التوبة: ٥٤].

فهم لا يرجون ثوابًا ولا يخافون بتركها عقابًا، فهم يصلون ويعطون الزكاة ذلك رياء ونفاقًا59.

وقد أوضح ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم وأكد أن الأعمال التي يقوم بها المرائي لا تنفعه يوم القيامة، ويقال له اذهب إلى من كنت ترائي فيه فالتمس عنده الثواب، فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنّ أخوف ما أخاف عليكم الشّرك الأصغر) قالوا: وما الشّرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: (الرّياء، يقول الله عزّ وجلّ لهم يوم القيامة: إذا جزي النّاس بأعمالهم: اذهبوا إلى الّذين كنتم تراءون في الدّنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاءً)60.

وفي النهاية فإن المرائي يفضحه الله في الدنيا وعلى رؤوس الأشهاد يوم القيامة، ذلك أن المرائي إنما يقصد بعمله هذا خداع غيره ليعطيه هذا الغير زمامه، وليسلم إليه قياده، ويأبى الله عز وجل ذلك نظرًا لما يمكن أن يصنعه هذا المرائي أو المسمع من إفساد في الأرض وإهلاك للحرث و النسل.

قال تعالى: ( ﭿ ﮊﮋ ) [البقرة: ٢٠٤-٢٠٥].

لذا فإنه يفضحه في الدنيا، حتى يحذره الناس، ولا يغتروا به، أما في الآخرة فإن الفضيحة تكون مزيدًا من الانتقام والعذاب61.

علاج الرياء

الرياء خلق ذميم حذر منه الإسلام، وبين عاقبته، وبين لنا طرق علاجه، ولا يطلب العلاج إلا من أحس بالداء، قال يونس بن عبيد: «لا يزال العبد بخير ما علم الذي يفسد عليه عمله»62، وأول طرق العلاج من هذه الصفة الذميمة هو الإخلاص.

وهناك العديد من الآيات والأحاديث، وما جاء من الآثار التي تبين فضل الإخلاص في الأعمال والطاعات والقيام بها في الخفاء.

فمن ذلك قوله تعالى: ( ﭦﭧ ﭮﭯ ﭳﭴ ) [البقرة: ٢٧١].

فالآية الكريمة ظاهرة في تفضيل صدقة السّر على صدقة العلانية، وذهب جمهور المفسرين في تفسير هذه الآية: إلى أن هذه الآية في صدقة التطوع، فكتمان صدقة التطوع وإخفاؤها أفضل من إظهارها، وكذلك سائر العبادات الإخفاء أفضل في تطوعها؛ لانتفاء الرياء عنها، وليس كذلك الواجبات والفرائض، فيجب إظهار الفرائض من الصلاة والزكاة؛ لأنها شعائر الإسلام وتاركها مستحق للعن؛ فيجب نفي التهمة بالإظهار، فالإظهار فيها أفضل، قال ابن عباس: جعل الله صدقة السر في التطوع تفضل علانيتها يقال بسبعين ضعفًا، وجعل صدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها يقال بخمسة وعشرين ضعفًا، قال: وكذلك جميع الفرائض والنوافل في الأشياء كلها63.

وقد مدح الله عز وجل المخلصين في عبادتهم إياه على كل الأحوال فقال: ( ) [البقرة: ٢٧٤].

فقدّم تعالى صدقة السّرّ عن العلانية، وصدقة اللّيل عن النّهار لخفائهما، وبعدهما عن الرّياء والمباهاة، وحظوظ النّفس المريضة.

وجاء من السّبعة الذين يظلّهم الله عز وجل يوم القيامة في ظلّه يوم لا ظلّ إلا ظلّه في قوله عليه السلام: (رجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)64.

والعمل في السر يقطع الطريق على الشيطان في الرياء، كما قال عقبة بن عبد الغافر: «إذا عمل العبد عملًا في السر، عمل حسنًا، ثم عمل في العلانية مثله قال الله تعالى هذا عبدي حقًّا»65.

وقال الثوري عن زيد: «إذا كانت سريرة الرجل أفضل من علانيته، فذلك الفضل، وإذا كانت سريرة الرجل وعلانيته سواء، فذلك النصف، وإذا كانت علانيته أفضل من سريرته فذلك الجور»66.

وجاء عن الفضيل أنه كان يقول: «خير العمل أخفاه، وأمنعه من الشّيطان، وأبعده من الرّياء»67.

ومع ذلك لا ينبغي للعبد أن يترك العمل خوف الرياء، فإن ذلك منتهى بغية الشيطان منه، إذ المقصود أن لا يفوت الإخلاص، قال الفضيل بن عياض: ترك العمل بسبب الخلق رياء، وفعله لأجل الخلق شرك68.

فالأعمال والعبادات الخفيّة، والطاعة في الخلوات، تفضل الأعمال الجليّة غير الفرائض الظّاهرة، فضلًا عظيمًا، وتحميه من أدران الرّياء، والتّطلع لحبّ الثناء من الناس، وقد جاء التّوجيه عن السلف الصالح بحثّ العبد المؤمن على أن يكون له عبادة في السّر، فعن الزّبير بن العوام رضي الله عنه قال: «من استطاع منكم أن يكون له خبءٌ من عملٍ صالحٍ فليفعل»69.

موضوعات ذات صلة:

الإخلاص، الشرك، الصدق، الكفر، النفاق


1 انظر: جمهرة اللغة، ابن دريد، ٢/١٠٦٩، المحكم والمحيط الأعظم، ابن سيده ١٠/٣٤١.

2 انظر: القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص١٢٨٥.

3 انظر: الصحاح، الجوهري ٦/٢٣٤٨، تاج العروس، الزبيدي ٣٨/١٠٥.

4 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ١٥/٢٣٢، لسان العرب، ابن منظور ١٤/٣٠٢.

5 التعريفات ص١١٣.

6 المصباح المنير، الفيومي، ١/١٤٦.

7 التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي، ص١٨٤.

8 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٢٠/٢١٢.

9 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص ٢٨٥.

10 انظر: الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري، ص ٢٢٩.

11 انظر: لسان العرب، ابن منظور، ١٠/٣٥٩.

12 التعريفات، ص٢٤٥.

13 انظر: الفروق اللغوية، العسكري، ص ٢٢٩.

14 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس، ١/٧٨١.

15 الكليات، الكفوي، ص٥٥٦.

16 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري، ٧/٦٥.

17 تاج العروس، الزّبيدي، ٢٧/٢٢٤.

18 أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة، نخبة من العلماء، ص ٥٨.

19 انظر: فتح القدير، الشوكاني، ٣/٣٧٥، البحر المديد، ابن عجيبة، ٣/٣١٤.

20 إرشاد العقل السليم، ٥/٢٥١.

21 أخرجه أحمد في مسنده، ٣٩/٣٩، رقم ٢٣٦٣٠.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٣٢٣، رقم ١٥٥٥.

22 انظر: آفات على الطريق، محمد نوح، ٢/٦.

23 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزهد والرقائق، باب من أشرك في عمله غير الله، ٤/٢٢٨٩، رقم ٢٩٨٥.

24 انظر: أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار، ٣/١٥١٣، رقم ١٩٠٥.

25 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها، ١/٤٥١ ، رقم ٦٥١.

26 انظر: لباب التأويل، الخازن، ٤/٤٧٨.

27 انظر: الجامع لأحكام القرآن الكريم، القرطبي، ٢٠/٢١١، لباب التأويل، الخازن، ٤/٤٧٨، التفسير المظهري، محمد ثناء الله، ١٠/٣٤٩، فتح القدير، الشوكاني، ٥/٦١٢.

28 تلبيس إبليس، ص ١٧٤.

29 أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الزهد، باب الرياء والسمعة، ٢/١٤٠٦، رقم ٤٢٠٤.

وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ١/٥٠٩، رقم ٢٦٠٧.

30 إحياء علوم الدين، ٣/٢٧٥.

31 انظر: إعلام الموقعين، ٢/١٢٥.

32 انظر: ذم الرياء في الأعمال، الحسن الضراب، ص١٠٥.

33 الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد، الفوزان، ١/١٢١.

34 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الفتن، باب ما جاء في لزوم الجماعة، ٤/٤٦٥ رقم ٢١٦٥.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٤٩٩، رقم ٢٥٤٦.

35 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل القرآن، باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه، ٤/١٩١٩، رقم ٤٧٣٩.

36 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار، ٣/١٥١٣ رقم ١٩٠٥.

37 أخرجه ابن ماجه في سننه، في المقدمة، باب الانتفاع بالعلم والعمل به، ١/٩٢، رقم ٢٥٢.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١٠٦٠، رقم ٦١٥٩.

38 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ١/٦٩٤، أنوار التنزيل، البيضاوي، ١/١٥٨، التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي، ١/١٣٤، لباب التأويل، الخازن، ١/٢٠٠.

39 انظر: التفسير المظهري، ٢/١٠٦، المحرر الوجيز، ابن عطية، ٢/٥٢، مفاتيح الغيب، الرازي، ١٠/٧٩.

40 انظر: لباب التأويل، الخازن، ١/٣٧٥، البحر المديد، ابن عجيبة، ١/٥٠٤، محاسن التأويل، القاسمي، ٣/١١٠.

41 انظر: إحياء علوم الدين، الغزالي، ٤/٨٣٦.

42 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار، ٣/١٥١٣، رقم ١٩٠٥.

43 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٣/٣٣٢، أنوار التنزيل، البيضاوي، ١/١٦٠، لباب التأويل، الخازن، ١/٢٠٦، مفاتيح الغيب، الرازي، ٣٢/٣٠٤.

44 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، ٧/١١٦، رقم ٣٤٦٢٥.

45 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب الصدقة باليمين، ٢/٥١٧، رقم ١٣٥٧.

46 أخجه البيهقي في شعب الإيمان، ٩/٢١٢.

47 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية، ٢/٥٣٧، لباب التأويل، الخازن، ٢/٣١٧.

48 الكشاف، ٢/٢٢٧.

49 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار، ٣/١٥١٣، رقم ١٩٠٥.

50 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، ٣/١٠٣٤، رقم ٢٦٥٥.

51 أخرجه الحاكم في المستدرك، ٢/١٢٢- رقم ٢٥٢٧.

قال الحاكم: صحيح على شرط البخاري ومسلم.

52 انظر: التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي، ١/١٣٤.

53 انظر: تفسير القرآن، السمعاني، ٢/٤١٨، أنوار التنزيل، البيضاوي، ٣/١٣٠، لباب التأويل، الخازن، ٢/٤٧٦.

54 الكشاف، ٢/٣٨٤.

55 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار، ٣/١٥١٣، رقم ١٩٠٥.

56 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٤/٣١١.

57 انظر: التفسير المظهري، ٧/٢٠.

58 انظر: فتح القدير، الشوكاني، ٥/٦١٢.

59 انظر: البحر المديد، ابن عجيبة، ٢/٣٩٢.

60 أخرجه أحمد في مسنده، ٣٩/٣٩، رقم ٢٣٦٣٠.

وجود إسناده الألباني في السلسلة الصحيحة ٢/٦٣٤.

61 انظر: آفات على الطريق، محمد نوح، ٢/١٠.

62 أخرجه البيهقي في شعب الإيمان، ٩/١٨٩، رقم ٦٤٨٢.

63 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٣/٣٣٢، أنوار التنزيل، البيضاوي، ١/١٦٠، لباب التأويل، الخازن، ١/٢٠٦، مفاتيح الغيب، الرازي، ٣٢/٣٠٤.

64 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب الصدقة باليمين، ٢/٥١٧، رقم ١٣٥٧.

65 أخرجه البيهقي في شعب الإيمان، ٩/٢١٢.

66 أخرجه البيهقي في شعب الإيمان، ٩/٢٢٨.

67 أخرجه البيهقي في شعب الإيمان، ٩/١٩٣.

68 انظر: إحياء علوم الدين، الغزالي، ٤/٨٣٦.

69 أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، ٧/١١٦، رقم ٣٤٦٢٥.