عناصر الموضوع

مفهوم الرّضا

الرضا في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

رضا الله تعالى غاية وجزاء

الرضا المثبت والمنفي في حق الله

رضا المخلوقين بين المحمود والمذموم

الرضا في المعاملات

الرضا

مفهوم الرّضا

أولًا: المعنى اللغوي:

تدل مادة (ر ض و) على خلاف السّخط، يقال: رضي يرضى رضًا، والرضوان هو الرضى الكثير1.

فالرضا ضد السخط، وفي الحديث: (اللهمّ إنّي أعوذ برضاك من سخطك)2.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

قال المناويّ: «الرّضا طيب نفسيّ للإنسان بما يصيبه أو يفوته مع عدم التّغيّر»3.

وقيل: الرضا: سرور القلب بالقضاء، وعدم الجزع4.

فالرضا إذًا يدور حول قبول النفس للأمر، وعدم التسخط منه، وهو بذلك لا يختلف عن معناه اللغوي.

الرضا في الاستعمال القرآني

وردت مادة (رضو) الدالة على (الرضا) في القرآن الكريم (٧٣) مرة5.

والصيغ التي وردت هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

الفعل الماضي

٢٣

( ) [المائدة: ١١٩]

الفعل المضارع

٢٣

( ) [التوبة: ٩٦]

اسم الفاعل

٤

( ) [الحاقة: ٢١]

اسم المفعول

٢

( ) [مريم: ٥٥]

صيغة المبالغة

١

( ) [مريم: ٦]

مصدر

٢٠

( ) [آل عمران: ١٦٢]

وجاء الرضا في القرآن الكريم بمعناه اللغوي، الذي هو ضد السخط6.

قال الله سبحانه وتعالى: ( ) [محمد: ٢٨] أي: وكرهوا ما يرضيه عنهم7.

الألفاظ ذات الصلة

التسليم:

التسليم لغة:

الانقياد وبذل الرضا بالحكم8.

التسليم اصطلاحًا:

الاستسلام والإذعان والانقياد لأمر الله تعالى، وترك الاعتراض فيما لا يلائم، وقيل: التسليم: استقبال القضاء بالرضا، وقيل: التسليم، هو الثبوت عند نزول البلاء من تغير في الظاهر والباطن9.

الصلة بين الرضا والتسليم:

التسليم انقيادٌ لأوامر الله تعالى وأحكامه، والإذعان لما يصدر من الحكمة الالهية، وما يصيبه من الحوادث والنوائب ظاهرًا وباطنًا، وقبول كل ذلك من غير إنكار بالقلب واللسان، وهو مرتبة فوق الرضا10.

المحبة:

المحبة لغةً:

عبارة عن ميل الطّبع في الشّيء الملذ، فإن تأكّد الميل، وكان قويًّا؛ يسمى عشقًا، وأول مراتب الحبّ: الهوى، وهو ميل النّفس، وقد يطلق ويراد به: نفس المحبوب11.

قال الفيروز آبادي: «ولا يحدّ المحبّة بحدّ أوضح منها، والحدود لا تزيدها إلاّ خفاءً وجفاءً فحدّها وجودها، ولا توصف المحبّة بوصف أظهر من المحبّة»12.

المحبة اصطلاحًا:

لا يختلف عن معناه اللغوي، الذي هو ميل الإنسان للشيء وغلبته على قلبه13.

الصلة بين الرضا والمحبة:

قيل: هما نظيران، وإنما يظهر الفرق بضديهما، فالمحبة ضدها البغض، والرضا ضده السخط، قيل: وهو يرجع إلى الإرادة، فإذا قيل: (رضي عنه)، فكأنه أراد تعظيمه وثوابه، وإذا قيل: (رضي عليه) فكأنه أراد ذلك، والسخط إرادة الانتقام14.

اليقين:

اليقين لغة:

هو العلم و زوال الشك. يقال منه: يقنت الأمر يقنًا، وأيقنت، واستيقنت، وتيقّنت، كلّه بمعنًى. وأنا على يقين منه. وإنّما صارت الياء واوًا في قولك: موقنٌ؛ للضمة قبلها. وإذا صغّرته رددته إلى الأصل وقلت: مييقنٌ. وربّما عبّروا عن الظنّ باليقين، وباليقين عن الظنّ15.

اليقين اصطلاحًا:

من صفة العلم فوق المعرفة والدّراية وأخواتها، يقال: علم يقينٍ، ولا يقال: معرفة يقينٍ، وهو سكون القلب إلى خبر المخبر ووثوقه به، مع ثبات الحكم16.

الصلة بين الرضا واليقين:

اليقين هو سكون القلب إلى خبر المخبر ووثوقه به. أما الرضا فهو سرور القلب بمرّ القضاء، وارتفاع الجزع في أيّ حكم كان، وربما كان الرضا ثمرة لليقين.

السخط:

السخط لغة:

الكراهية للشّيء، وعدم الرّضا به17.

السخط اصطلاحًا:

قيل: الغضب الشديد المقتضي للعقوبة18.

الصلة بين الرضا والسخط:

إن العلاقة بين الرضا والسخط علاقة تضاد.

رضا الله تعالى غاية وجزاء

لقد ذكر القرآن الكريم أن رضا الله تعالى هو أكبر الجزاء وأعظم النعيم في الجنة، وهو الغاية التي ليس وراءها غاية، وسوف نذكر ذلك في النقاط الآتية:

أولًا: رضا الله غاية:

ذكر القرآن الكريم أن العبادات والصدقات والجهاد وغيرها من الأعمال يجب أن يبتغي بها العبد رضا الله تعالى وحده.

قال سبحانه: ( ﮧﮨ ) [البقرة: ٢٠٧].

وقال تعالى: ( ﭡﭢ ) [النساء: ١١٤].

وقال جل وعلا: ( ﭧﭨ ) [البقرة: ٢٦٥].

إن رضوان الله تعالى هو الغاية الذي ليس فوقها غاية لكل إنسان، وقد ذكر القرآن الكريم أن الناس تجاه الدين مراتب، أقلها من يعجبك قوله في الحياة الدنيا، كما قال سبحانه: ( ﭿ) [البقرة: ٢٠٤].

أي: يضمر الكيد ويفسد على الناس ما فيه نفع الجميع، وهو خيرات الأرض، وأعلاها من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله: ( ﮧﮨ ) [البقرة: ٢٠٧]؛ لأن النفس أغلى ما يبذل، فهذا القسم هو الذي تمحض فعله للخير حتى بلغ غاية ذلك، وهو تعريض نفسه التي هي أنفس الأشياء عليه للهلاك؛ لأجل تحصيل ما يرضي الله تعالى، وإنما رضا الله تعالى بفعل الناس للخير الذي أمرهم به، ويشري معناه: يبيع، كما أنَّ يشتري بمعنى: يبتاع، كما في قوله تعالى: ( ﮋﮌ ) [البقرة: ٤١].

واستعمل (يشري) هنا في البذل مجازًا، والمعنى: ومن الناس من يبذل نفسه للهلاك؛ ابتغاء مرضاة الله، أي: هلاكًا في نصر الدين، وهذا أعلى درجات الإيمان؛ لأن النفس أغلى ما عند الإنسان، وهذا البيع لا يتحقق إلا إذا جاد المؤمن بنفسه وماله في سبيل الله إذا دعت الحاجة إلى ذلك، كجهاد أعداء الأمة عند الاعتداء عليها، أو الاستيلاء على شيء من أرضها، فمن قدر على الجهاد بنفسه وجب عليه ذلك، ومن قدر عليه بماله وجب عليه ذلك، وإن قدر عليهما معًا وجب عليه، فإن قصّر في شيء من ذلك فقد آثر نفسه على مرضاة الله وخرج من زمرة المؤمنين الذين باعوا أنفسهم لله، كما قال سبحانه: ( ) [التوبة: ١١١].

وقد سمى الله تعالى ذلك تجارة، فقال جل وعلا: ( ﯔﯕ ) [الصف: ١٠-١١] 19.

أما قوله تعالى: ( ) [البقرة: ٢٠٧].

فمن رأفته أنه جعل النعيم الدائم جزاء على العمل القليل المنقطع، ومن رأفته جوز لهم كلمة الكفر؛ إبقاء على النفس، ومن رأفته أنه لا يكلف نفسًا إلا وسعها، ومن رأفته ورحمته أن المصر على الكفر مائة سنة إذا تاب -ولو في لحظة- أسقط كل ذلك العقاب وأعطاه الثواب الدائم، ومن رأفته أن النفس له والمال، ثم إنه يشتري ملكه بملكه فضلًا منه ورحمة وإحسانًا20.

وقد ذكرت الروايات سبب نزول هذه الآية: وأنها نزلت في صهيب بن سنان الرومي رضي الله عنه، وذلك أنه لما أسلم بمكة، وأراد الهجرة منعه الناس أن يهاجر بماله، وعرضوا عليه إن أحب أن يتجرد منه ويهاجر فعل، فتخلص منهم، وأعطاهم ماله، فأنزل الله فيه هذه الآية، فتلقاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجماعة إلى طرف الحرّة، فقالوا له: ربح البيع، فقال: وأنتم، فلا أخسر الله تجارتكم، وما ذاك؟ فأخبروه أن الله أنزل فيه هذه الآية21.

وقوله تعالى: ( ﭡﭢ ) [النساء: ١١٤].

والمعنى: أن هذه الأقسام الثلاثة من الطاعات وإن كانت في غاية الشرف والجلالة إلا أن الإنسان إنما ينتفع بها إذا أتى بها لوجه الله ولطلب مرضاته، فأما إذا أتى بها للرياء والسمعة انقلبت القضية فصارت من أعظم المفاسد22.

وعطف ( ) [البقرة: ٢٦٥].

في مرضاة الله على الآية في قوله تعالى: ( ) [البقرة: ٢٦٤] ؛ لزيادة بيان ما بين المرتبتين من البون، وتأكيدًا للثناء على المنفقين بإخلاص، وتفنُّنًا في التمثيل؛ فإنه قد مثله فيما سلف بحبة أنبتت سبع سنابل، ومثل الذي ينفق ماله ابتغاء مرضات الله كمثل جنة بربوة؛ لتحصل السرعة بتخيل مضاعفة الثواب وحسن الجزاء وبهجته وجماله، فمثله بما هو أعجب في حسن التخيل، فإن الأمثال تبهج السامع كلما كانت أكثر تركيبًا وضمنت الهيأة المشبه بها أحوالًا حسنة تكسبها حسنًا؛ ليسري ذلك التحسين إلى المشبه، وهذا من جملة مقاصد التشبيه23.

وقد ذكرت الآيات أنه يجب على المؤمن أن يبتغي بعمله مرضات الله تعالى في كل أفعاله وأقواله؛ من صلاة وصيام وصدقة وجهاد في سبيل الله وإصلاح ذات البين، وغيرها من أفعال الخير، وفيها تحذير من الرياء والنفاق، فيجب على كل مؤمن أن يكون رضا الله غايته في كل عمل يعمله؛ فإن ابتغاء مرضاته سبحانه هو الإخلاص، ونظيره قوله تعالى: ( ) [البينة: ٥].

وقوله سبحانه: ( ) [النجم: ٣٩].

وقوله عليه الصلاة والسلام: (إنما الأعمال بالنيات)2425.

ثانيًا: رضا الله جزاء:

ذكر القرآن الكريم الرضا جزاء في قوله عز وجل: ( ﯿ ﰂﰃ ﰌﰍ ﰒﰓ ) [المائدة: ١١٩].

وقال تعالى: ( ﭷﭸ ﭽﭾ ﭿ ﮁﮂ ) [المجادلة: ٢٢].

وقال سبحانه: ( ﭜﭝ ﭢﭣ ) [البينة: ٨].

بينت هذه الآيات أن جزاء المؤمنين على صدقهم وإيمانهم، وأعمالهم الصالحة، ومجاهدة أعدائه، وعدم ولايتهم، بأن رضي الله عنهم فأرضاهم، فرضوا عنه، وإنما حصل لهم هذا بعد الرضا به ربًّا، وبمحمد نبيًّا، وبالإسلام دينًا، فإن منزلة الرضا أشرف المنازل بعد النبوة، وأكبر الأجر وأعظم الجزاء الذي أعده الله تعالى لعباده المؤمنين، فمن رضي عن اللّه فقد رضي اللّه عنه؛ لقوله تعالى: ( ) [البينة: ٨].

فجعل أحد الرضاءين مقرونًا بالآخر، فمن بلغ هذه المنازل فقد عرف خساسة الدنيا، واطلع على جنة المأوى، وخطب مودة الملأ الأعلى، وحظي بتحيتهم المعنية بقوله تعالى: ( ﮡﮢ ) [الرعد: ٢٣- ٢٤].

ورضوان أكرم الأكرمين يستلزم رضا من رضي هو عنه؛ لأنه يعطيه أضعاف ما يستحق، وفوق ما يؤمل ويرجو، وقال تعالى: ( ) [السجدة: ١٧].

ورضوانه تعالى فوق كل شيء، وقال سبحانه: ( ﯝﯞ ﯢﯣ ) [التوبة: ٧٢].

فقد رفع الله الرضا فوق جنات عدن، ( )، وشيء من رضوان الله أكبر من ذلك كله؛ لأن رضاه هو سبب كل فوز وسعادة، ولأنهم ينالون برضاه عنهم تعظيمه وكرامته، والكرامة أكبر أصناف الثواب، ولأن العبد إذا علم أن مولاه راض عنه فهو أكبر في نفسه مما وراءه من النعم، وإنما تتهنأ له برضاه، كما إذا علم بسخطته تنغصت عليه ولم يجد لها لذة وإن عظمت26.

وروي من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تبارك وتعالى يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة؟ فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من خلقك، فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك، قالوا: يا رب، وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبدًا)27.

وقد ذكرت الآيات أن رضوان الله تعالى هو الغاية العظيمة التي ليس وراءها غاية، وهو الجزاء الكبير والفوز العظيم، وفيها تنبيه للمؤمنين؛ ليطلبوا رضوان الله، كما قال تعالى: ( ) [الصافات: ٦١].

وكما قال سبحانه: ( ) [المطففين: ٢٦]28.

الرضا المثبت والمنفي في حق الله

إن الله تعالى رضي عن أنبيائه وعن المؤمنين وعن الأعمال الصالحة، والشفاعة لمن يشاء من عباده الصالحين، ولم يرض لعباده الكفر والفسوق والعصيان، فيجب على العبد أن يوافق ربه في رضاه وسخطه، وسوف نذكر هذه الأشياء في النقاط الآتية:

أولًا: الرضا المثبت في حق الله تعالى:

١. رضاه عن الرسل والانبياء.

إن النبوة درجة عظيمة يعطيها الله تعالى لمن رضي له هذه المرتبة، وارتضاه من بين عباده، ومنتهى درجة العبد أن يكون راضيًا مرضيًّا عند ربه، وهو مطلوب الأنبياء عليهم السلام، وقد ذكر القرآن زكريا عليه السلام ، وهو يسأل ربه ذكرًا صالحًا، ويكون وليًّا من بعده مرضيًّا عند الله وعند خلقه، وراضيًا بتقدير الله، قال تعالى: ( ﭿ ﮀﮁ ) [مريم: ٥-٦].

وهذا أفضل ما يكون من الأولاد، ومن رحمة الله بعبده، أن يرزقه ولدًا صالحًا، جامعًا لمكارم الأخلاق ومحامد الشيم، فرحمه ربه واستجاب دعوته، وذكر الله تعالى إسماعيل وأنه ارتضاه للنبوة والرسالة، قال سبحانه: ( ﭤﭥ ) [مريم: ٥٤-٥٥].

وهو في نهاية المدح؛ لأن المرضي عند الله هو الفائز في كل طاعاته بأعلى الدرجات، وذكر القرآن شوق موسى عليه السلام إلى رضى الله، فقال جل وعلا: ( ) [طه: ٨٣-٨٤].

وسليمان عليه السلام يستعين بربه؛ ليمكنه من شكر نعمته عليه وعلى والديه، ويستعين ربه كذلك؛ ليوفقه إلى عمل صالح يرضاه، وهو يشعر أن العمل الصالح توفيق ونعمة أخرى من الله، قال عز من قائل: ( ) [النمل: ١٩]29.

٢. رضاه بدين الاسلام.

بين القرآن الكريم إكمال الله تعالى للمؤمنين دينهم الذي ارتضى لهم بالقرآن، وإتمام نعمته عليهم بالإسلام، قال تعالى: ( ﭿ ) [المائدة: ٣].

وقال سبحانه: ( ﭿ ) [النور: ٥٥].

إن الله تعالى أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بأن أعظم وأجل نعمة امتن بها عليهم هي دين الإسلام، وقد كتب الله له الكمال وسجل له البقاء، وأظهره على الدين كله، وأن الكفار قد يئسوا من زوال هذا الدين، وانقطع رجاؤهم من إبطاله ورجوعكم عنه؛ لما شاهدوا من فضل الله عليكم؛ إذ وفّى بوعده، وأنه ينبغي لكم -وقد بدلكم بضعفكم قوة، وبخوفكم أمنًا، وبفقركم غنى- ألا تخشوا غيره، وقد عرفتم فضله وإعزازه لكم، وأتمَّ هذا الكمال فلا يحتاجون إلى زيادة أبدًا، وقد أتمه فلا ينقص أبدًا، وقد رضيه فلا يسخطه أبدًا، وأن هذا هو الدين المرضي عند الله تعالى.

ويؤكده قوله تعالى: ( ) [آل عمران: ٨٥].

فارضوه أنتم لأنفسكم، فإنه الدين الذي رضيه الله وأحبه وبعث به أفضل رسله الكرام، وأنزل به أشرف كتبه30.

ورضيت لكم الإسلام لأمري والانقياد لطاعتي فيما شرعت لكم من الفرائض والأحكام والحدود ومعالم الدين الذي أكملته لكم، وإنما قال تعالى: ( ) [المائدة: ٣ يوم نزلت هذه الآية -وإن كان الله تعالى لم يزل راضيًا بدين الإسلام فيما مضى قبل نزول هذه الآية-؛ لأنه لم يزل يصرف نبيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعباده المؤمنين من حال إلى حال، وينقلهم من مرتبة إلى مرتبة أعلى منها حتى أكمل لهم شرائع الدين ومعالمه، وبلغ بهم أقصى درجاته ومراتبه، ثم أنزل عليهم هذه الآية: ( ) [المائدة: ٣].

يعني: أتممت عليكم دينكم فهو اليوم في نهاية الكمال وأنتم الآن عليه فالزموه ولا تفارقوه، وذكر الله تعالى في آيات أخر أن دين الإسلام هو دين كل الأنبياء السابقين، ألا ترى أن أنبياء الله ورسله رغبوا فيه إليه وسألوه إياه، فقال إبراهيم وإسماعيل: ( ) [البقرة: ١٢٨].

وقال تعالى: ( ) [البقرة: ١٣٢].

وقال جل وعلا: ( ﭿ ) [البقرة: ١٣٦-١٣٧].

وقال سبحانه: ( ) [آل عمران: ٢٠].

وقال يوسف عليه السلام: ( ) [يوسف: ١٠١].

فحكم الله بأن من أسلم فقد اهتدى، ومن آمن فقد اهتدى، فسوى بينهما، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في موسى: (لو كان حيًّا ما وسعه إلا اتباعي)31، ولأجل ذلك قال تعالى: ( ) [آل عمران: ٨٥]32.

قال سيد قطب: «أما ارتضاء الله الإسلام دينًا للذين آمنوا، يقف أمام رعاية الله سبحانه وعنايته بهذه الأمة، حتى ليختار لها دينها ويرتضيه، وهو تعبير يشي بحب الله لهذه الأمة ورضاه عنها، حتى ليختار لها منهج حياتها، وإن ارتضاء الله الإسلام دينًا لهذه الأمة ليقتضي منها ابتداء أن تدرك قيمة هذا الاختيار، ثم تحرص على الاستقامة على هذا الدين بقدر ما في الطاقة من وسع واقتدار، وإلا فما أنكد وما أحمق من يهمل -بله أن يرفض- ما رضيه الله له، ليختار لنفسه غير ما اختاره الله!، وإنها -إذن- لجريمة نكدة لا تذهب بغير جزاء، ولا يترك صاحبها يمضي ناجيًا أبدًا، وقد رفض ما ارتضاه له الله، ولقد يترك الله الذين لم يتخذوا الإسلام دينًا لهم، يرتكبون ما يرتكبون ويمهلهم إلى حين، فأما الذين عرفوا هذا الدين ثم تركوه أو رفضوه، واتخذوا لأنفسهم مناهج في الحياة غير المنهج الذي ارتضاه لهم الله، فلن يتركهم الله أبدًا ولن يمهلهم أبدًا، حتى يذوقوا وبال أمرهم وهم مستحقون!»33.

ولقد انتبه لهذا الفضل العظيم بعض أتباع الملل الأخرى كاليهود.

(قال يهودي لعمر رضي الله عنه: آية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا!! قال: وأي آية؟ قال: ( ) [المائدة: ٣].

قال عمر: إني أعلم اليوم الذي نزلت فيه، والمكان الذي نزلت فيه: نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو واقف بعرفة يوم الجمعة)34.

٣. رضاه عن المؤمنين.

بين القرآن الكريم رضا الله تعالى عن المؤمنين.

قال تعالى: ( ﮥﮦ ) [الفتح: ١٨-١٩].

وقوله تعالى: ( ﭜﭝ ﭢﭣ ) [البينة: ٧-٨].

فهي عامة في جميع المؤمنين الذين هذه صفاتهم، وقد أثنى الله ورسوله على المهاجرين والأنصار في غير ما آية من كتابه، فقال سبحانه: ( ﭦﭧ ) [التوبة: ١٠٠].

يخبر تعالى عن رضاه عن المؤمنين الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، ورضاه عن المؤمنين من المهاجرين والأنصار الذين تركوا الديار والأموال والعشائر، وخرجوا حبًّا لله ولرسوله، واختاروا الإسلام على ما كانوا فيه من شدة، حتى ذكر أن الرجل كان يعصب الحجر على بطنه؛ ليقيم به صلبه من الجوع، وكان الرجل يتخذ الحفيرة في الشتاء ما له دثار غيرها، ورضاهم عنه بما أعد لهم من جنات النعيم، والنعيم المقيم، وسبب رضاه ما علمه عنهم من صدق الإيمان في قلوبهم، وطاعتهم لله ولرسوله، وأعمالهم الصالحة.

وكان سبب هذه البيعة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أرسل عثمان بن عفان رضي الله عنه برسالته إلى الملإ من قريش، فأبطأ عثمان عليه بعض الإبطاء، فظن أنه قد قتل، فدعا أصحابه إلى تجديد البيعة على حربهم على ما وصفت، فبايعوه على ذلك، وهذه البيعة التي تسمى بيعة الرضوان، بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم على أن لا يولوا في القتال ولا يهربوا.

وقوله تعالى: ( ) [التوبة: ١٠٠].

فرضي عن السابقين من غير اشتراط إحسان، ولم يرض عن التابعين إلا أن يتبعوهم بإحسان، والرضا من الله صفة قديمة فلا يرضى إلا عن عبد علم أنه يوافقه على موجبات الرضى، ومن رضي الله عنه لم يسخط عليه أبدًا، و أيضًا فكل من أخبر الله أنه رضي عنه فإنه من أهل الجنة، وإن كان رضاه عنه بعد إيمانه وعمله الصالح، فإنه يذكر ذلك في معرض الثناء عليه والمدح له، فلو علم أنه يتعقب ذلك ما يسخط الرب لم يكن من أهل ذلك35.

وقد جاء من حديث أم مبشر، أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول عند حفصة: (لا يدخل النار -إن شاء الله- من أصحاب الشجرة أحد، الذين بايعوا تحتها)36.

قال ابن كثير: «فقد أخبر الله العظيم أنه قد رضي عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان: فيا ويل من أبغضهم أو سبهم أو أبغض أو سب بعضهم، ولا سيما سيد الصحابة بعد الرسول وخيرهم وأفضلهم، أعني الصديق الأكبر والخليفة الأعظم أبا بكر بن أبي قحافة رضي الله عنه، فإن الطائفة المخذولة من الرافضة يعادون أفضل الصحابة ويبغضونهم ويسبونهم، عياذًا بالله من ذلك، وهذا يدل على أن عقولهم معكوسة، وقلوبهم منكوسة، فأين هؤلاء من الإيمان بالقرآن؛ إذ يسبون من رضي الله عنهم؟ وأما أهل السنة فإنهم يترضون عمن رضي الله عنه، ويسبون من سبه الله ورسوله، ويوالون من يوالي الله، ويعادون من يعادي الله، وهم متبعون لا مبتدعون، ويقتدون ولا يبتدعون، ولهذا هم حزب الله المفلحون وعباده المؤمنون»37.

٤. رضاه عن الأعمال الصالحة.

ذكر القرآن الكريم رضا الله تعالى عن الأعمال الصالحة، قال تعالى: ( ) [النمل: ١٩].

وقال سبحانه: ( ﭔﭕ ﭚﭛ ﭟﭠ ﭺﭻ ﭿ ) [الأحقاف: ١٥].

بين القرآن الكريم أن مطلب الأنبياء والصالحين الإعانة على العمل الصالح المرضي عند الله تعالى، ( )؛ لأن العمل مهما كان حسنًا إذا لم يرضه الله لا يعد شيئًا، والمراد بكونه مرضيًّا له تعالى: أن يكون سالمًا من غوائل عدم القبول كالرياء والعجب وغيرهما، فحاصله: اجعل عملي على وفق رضاك، وقيل: المراد بالرضا هنا ثمرته على طريق الكناية، واعلم أن الشيء الذي يعتقد أن الإنسان فيه كونه صالحًا على قسمين:

أحدهما: الذي يكون صالحًا عنده ويكون صالحًا أيضًا عند الله تعالى.

والثاني: الذي يظنه صالحًا ولكنه لا يكون صالحًا عند الله تعالى.

فلما قسم الصالح في ظنه إلى هذين القسمين طلب من الله أن يوفقه؛ لأن يأتي بعمل صالح يكون صالحًا عند الله، ويكون مرضيًّا عند الله، ( )، أي: تقبله، وهى الفرائض الخمس وغيرها من الطاعات والتنوين؛ للتفخيم والتنكير، وقال بعضهم: العمل الصالح المقرون بالرضى: بذل النفس لله والخروج مما سوى الله الى مشاهدة الله، وفيه إشارة إلى أنه لا يمكن للعبد أن يعمل عملًا يرضى به ربه إلا بتوفيقه وإرشاده، ومن العمل الصالح، إرسال هذه النعم في وجوه الخير والإحسان38.

وقي الآيات إشارة إلى أن العمل المرضي الذي يحبه الله تعالى هو غاية ومطلب الإنسان الصالح السوي، وفيها دعوة لكل مؤمن أن يبادر بالأعمال الصالحة المرضية عند الله تعالى، فرضى الله هو الغاية التي يتطلع إليها، وهو وحده الرجاء الذي يأمل فيه.

٥. الرضا عن المشفوع له.

بين القرآن الكريم أن الشفاعة لا تقع إلا بإذن الله لمن رضي عنه، وأن هؤلاء المأذون لهم بالشفاعة لا يشفعون إلا لمن كان الله تعالى راضيًا عنه بإيمانه وعمله الصالح.

قال تعالى: ( ﭿ ) [الأنبياء: ٢٨].

وقال سبحانه: ( ) [النجم: ٢٦].

أخبر تعالى عن ملائكته أنهم لا يشفعون لأحد إلا أن يرتضيه الله عز وجل ، قال ابن عباس رضي الله عنهما والضحاك: «( ) أي: لمن قال: لا إله إلا الله»، وهذه الآية من أقوى الدلائل في إثبات الشفاعة لأهل الكبائر، وتقريره: هو أن من قال: لا إله إلا الله فقد ارتضاه تعالى في ذلك، ومتى صدق عليه أنه ارتضاه الله تعالى في ذلك فقد صدق عليه أنه ارتضاه الله؛ لأن المركب متى صدق فقد صدق لا محالة كل واحد من أجزائه، وإذا ثبت أن الله قد ارتضاه وجب اندراجه تحت هذه الآية، فثبت بالتقرير الذي ذكرناه أن هذه الآية من أقوى الدلائل لنا على ما قرره ابن عباس رضي الله عنهما39.

وأجمع أهل السنة أن شفاعة الأنبياء والصالحين تقبل في العصاة من المؤمنين، خلافًا للمعتزلة الذين قالوا: إن الكبيرة تخلد صاحبها في النار، وأنكروا الشفاعة، وهم على ضربين؛ طائفة أنكرت الشفاعة إنكارًا كليًّا، وقالوا: لا تقبل شفاعة أحد في أحد، واستدلوا بظواهر الآيات، منها الآيات الدالة على عدم نفع الشفاعة، كقوله تعالى: ( ) [المدثر: ٤٨].

وقوله سبحانه: ( ﮝﮞ ) [البقرة: ٢٥٤].

وقوله جل وعلا: ( ) [غافر: ١٨].

قالوا: والمعصية ظلم، ومنها قوله تعالى: ( ﭿ ) [الأنبياء: ٢٨].

وصاحب الكبيرة ليس بمرتضى، ومنها قوله جل جلاله: ( ) [غافر: ٧].

وخص تلك الظواهر أصحابنا بالكفار؛ لثبوت الأحاديث الصحيحة في الشفاعة، وطائفة أنكرت الشفاعة في أهل الكبائر، وقالوا: وإنما تقبل في الصغائر40.

والظاهر أن الذي دعا المعتزلة إلى إنكار الشفاعة منافاتها لخلود صاحب الكبيرة في العذاب الذي هو مذهب جمهورهم الذين فسروا قول واصل بن عطاء بالمنزلة بين المنزلتين، بمعنى: إعطاء العاصي حكم المسلم في الدنيا وحكم الكافر في الآخرة، ولا شك أن الشفاعة تنافي هذا الأصل، فما تمسكوا به من الآيات إنما هو لقصد التأبيد ومقابلة أدلة أهل السنة أمثالها41.

وتفيد الآية الترغيب والتحريض على طلب مرضاة الله عز وجل والاحتراز عن معاصيه42.

٦. الرضا عن أهل الجنة.

بين القرآن الكريم رضا الله تعالى عن أهل الجنة، وأن الفوز بالرضوان أعلى وأعظم وأجل وأكبر مما هم فيه من النعيم.

قال تعالى: ( ﯝﯞ ﯢﯣ ) [التوبة: ٧٢].

وقال سبحانه: ( ﭜﭝ ﭢﭣ ) [البينة: ٨].

وقوله جل وعلا: ( ﯡﯢ ﯲﯳ ) [آل عمران: ١٥].

ونظيره قوله تعالى: ( ) [الحاقة: ٢١].

وقوله جلّ في علاه: ( ) [الفجر: ٢٨].

بينت الآيات أخص صفات أهل الجنة، من الرحمة والرضوان، والخلود، والإقامة الدائمة في جنات عدن، إذ العدن: الإقامة الدائمة، ومنها المعدن؛ لدوام إقامته في مكانه، وقوله: ( ) [التوبة: ٧٢].

قال ابن عباس: «أكبر مما يوصف»، وقال الزجاج: «أكبر مما هم فيه من النعيم»، وقال الحسن بن أبي الحسن: «وصل إلى قلوبهم برضوان الله من اللذة والسرور ما هو ألذ عندهم وأقر لأعينهم من كل شيء أصابوه من لذة الجنة»، وأتى به نكرة؛ ليدل على مطلق، أي: وشيء من رضوانه أكبر من كل ما ذكر؛ لأنّ رضاه هو سبب كل فوز وسعادة، ولأنهم ينالون برضاه عنهم تعظيمه وكرامته، والكرامة أكبر أصناف الثواب، ولأن العبد إذا علم أن مولاه راض عنه فهو أكبر في نفسه مما وراءه من النعيم، وإنما تتهنأ له برضاه، كما إذا علم بسخطته تنغصت عليه ولم يجد لها لذة وإن عظمت، وإنما صار الرضوان أكبر من الثواب؛ لأنه لا يوجد شيء من الثواب إلا بالرضوان؛ إذ هو الموجب له43.

وأما الرضوان فهو مصدر بمعنى: الرضا، مع ما في زيادة المبنى من المبالغة في المعنى فكأنه قال: ورضوان عظيم من الله لا يشوبه ولا يعقبه سخط: ( ﯢﯣ ) [التوبة: ٧٢].

وفي هذا من تفضيل الرضوان على نعيم الجنات وما فيها ما لا غاية وراءه، وعطف رضوان من الله على ما أعد للذين اتقوا عند الله؛ لأن رضوانه أعظم من ذلك النعيم المادي؛ لأن رضوان الله تقريب روحاني، وأظهر اسم الجلالة في قوله تعالى: ( )، دون أن يقول: ورضوان منه، أي: من ربهم؛ لما في اسم الجلالة من الإيماء إلى عظمة ذلك الرضوان44.

وثبت (أن الله عز وجل يقول لأهل الجنة: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من خلقك، فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك؟ قالوا: وأي شيء أفضل من ذلك؟ قال: أُحلُّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبدًا)45.

ثانيًا: الرضا المنفي:

١. الرضا بالكفر.

بيّن تعالى أنه لا يرضى لعباده الكفر، قال سبحانه: ( ﭿﮀ ﮄﮅ ) [الزمر: ٧].

فالكفر والشرك لا يرضاه الله سبحانه وتعالى، بل إنما أرسل الرسل وأنزل الكتب لمحاربة الكفر والشرك والقضاء عليهما.

قال الله تعالى: ( ) [الأنفال: ٣٩].

وإذا كان الله لا يرضى بالكفر والشرك فإن الواجب على المؤمن أن لا يرضى بهما؛ لأن رضا المؤمن وغضبه تبع لرضا الله وغضبه، فيغضب لما يغضب الله ويرضى بما يرضاه الله عز وجل.

قال الله عز وجل: ( ) [النساء: ٤٨].

وقال تعالى: ( ﭿ ﮄﮅ ) [المائدة: ٧٢].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئًا دخل النار)4647.

وقد اختلف المفسرون في قوله تعالى: ( ) [الزمر: ٧].

هل هي عامة أم خاصة؟

فذهب فريق إلى أنها عامة لعباد الله جميعًا؛ فالكفر غير مرضي لله سبحانه على كل حال كما هو الظاهر، قال قتادة: «والله ما رضي الله لعبد ضلالة، ولا أمره بها، ولا دعا إليها، ولكن رضي لكم طاعته، وأمركم بها، ونهاكم عن معصيته»، فكفر الكافر غير مرضيّ لله تعالى وإن كان قدّره وشاءه، فليس من لازم القدر الرضا، فالله يقدر الكفر وهو يبغضه؛ من أجل أن يتميز الناس بعضهم من بعض، ويتميز الصادق من الكاذب، ويتبين المؤمن من الكافر، ويتبين المنافق من المؤمن الصحيح، فالله قدّر هذه الأمور المكروهة لحكمة منه سبحانه، ما قدرها عبثًا، ورتب الجزاء على أفعالهم التي يفعلونها باختيارهم، وقد أراد الله عز وجل خلق إبليس وهو لا يرضاه، فالإرادة غير الرضا، وهذا مذهب أهل السنة48.

وذهب فريق منهم ابن عباس رضي الله عنهما، في قوله: ( ) [الزمر: ٧]، أنهم عباده المخلصون الذين قال عنهم: ( ) [الحجر: ٤٢] ؛ فألزمهم شهادة أن لا إله إلا الله وحببها إليهم، وعلى هذا يكون قوله تعالى: ( )، دعوة للمؤمنين -وكلهم عباد الله- أن يكونوا بالمكان الذي يرضاه الله لهم، ويقبله منهم، وأن ينأوا عما لا يرضاه الله لهم، فإنهم عباده!49.

والصواب من ذلك هو مذهب الفريق الأول؛ لأن الإرادة في النصوص جاءت على معنيين: إرادة كونية قدرية: وهي المشيئة ولا ملازمة بينها وبين المحبة والرضا، بل يدخل فيها الكفر والإيمان والطاعات والعصيان والمرضيّ والمحبوب والمكروه وضده، وهذه الإرادة ليس لأحد خروج منها ولا محيص عنها، كقوله تعالى: ( ﭘﭙ ) [الأنعام: ١٢٥].

وقوله سبحانه: ( ﯫﯬ ) [المائدة: ٤١].

وإرادة دينية شرعية: مختصة بمراضي الله ومحابّه، وعلى مقتضاها أمر عباده ونهاهم، كقوله جل وعلا: ( ) [البقرة: ١٨٥].

وقوله جلّ في علاه: ( ﯯﯰ ) [النساء: ٢٦].

وغيرها من الآيات، وهذه الإرادة لا يحصل اتباعها إلا لمن سبقت له بذلك الإرادة الكونية، فتجتمع الإرادة الكونية والشرعية في حق المؤمن الطائع، وتنفرد الكونية في حق الفاجر العاصي، فالله سبحانه دعا عباده عامة إلى مرضاته، وهدى لإجابته من شاء منهم، كما قال تعالى: ( ) [يونس: ٢٥].

فعمم سبحانه الدعوة وخص الهداية بمن شاء: (ﭿ ) [النجم: ٣٠]50.

فجملة: ( ) مبينة لإنكار انصرافهم عن التوحيد، أي: إن كفرتم بعد هذا الزمن فاعلموا أن الله غني عنكم، ومعناه: غني عن إقراركم له بالوحدانية، أي: غير مفتقر له، وهذا كناية عن كون طلب التوحيد منهم لنفعهم ودفع الضر عنهم لا لنفع الله، وتذكيرهم بهذا؛ ليقبلوا على النظر من أدلة التوحيد، والخبر مستعمل كناية في تنبيه المخاطب على الخطإ من فعله.

وقوله: ( ) [الزمر: ٧]، اعتراض بين الشرطين؛ لقصد الاحتراس من أن يتوهم السامعون أن الله لا يكترث بكفرهم ولا يعبأ به، فيتوهمون أنه والشكر سواء عنده؛ ليتأكد بذلك معنى استعمال الخبر في تنبيه المخاطب على الخطإ، وبهذا تعين أن يكون المراد من قوله: ()، العباد الذين وجّه الخطاب إليهم في قوله تعالى: ( ﭿ) [الزمر: ٧]، وذلك جري على أصل استعمال اللغة لفظ العباد، كقوله تعالى: ( ﮋﮌ ) [الفرقان: ١٧]51.

٢. الرضا بالفسوق.

ذكر القرآن الكريم أن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين.

قال تعالى: ( ﭕﭖ ﭡﭢ ﭹﭺ ﭼﭽ ﭿﮀ ﮋﮌ ) [التوبة: ٩٤-٩٦].

في الآية السابقة على هذه الآيات، رفع الله الحرج عن الضعفاء والمرضى، وعن الذين لا يجدون ما ينفقون، إذا هم لم يكونوا في موكب المجاهدين الذين يلقون العدوّ في ميدان القتال؛ إذ كانوا ومعهم أعذارهم التي تحول بينهم وبين القيام بهذا الأمر الذي ندب الله سبحانه وتعالى المؤمنين له، ( ﮡﮢ ﮧﮨ ) [التوبة: ٩١]52.

ثم أخبر الله تعالى عن المنافقين الذين تخلفوا عن الجهاد بقوله سبحانه: إنهم سيحلفون معتذرين؛ لتعرضوا عنهم، ولا تؤنبوهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس أي: خبثاء نجس بواطنهم واعتقاداتهم، ومأواهم في آخرتهم جهنم جزاء، أي: لأجل الجزاء بما كانوا يكسبون من الآثام والخطايا، ثم أخبر عنهم بأنهم: ( ﮋﮌ ) [التوبة: ٩٦].

أي: الخارجين عن طاعة الله وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والفسق هو الخروج، ومنه سميت الفأرة: فويسقة؛ لخروجها من جحرها، ويقال: فسقت الرطبة إذا خرجت من أكمامها، وهذا شر مقال قاله الله في أحد من خلقه، حيث أمر عز وجل بالإعراض عنهم وعدم معاتبتهم؛ احتقارًا لهم، ثم أمر باجتنابهم، والابتعاد عنهم؛ لأنهم رجس، والرجس والنجس بمعنى واحد، ثم توعدهم أشد الوعيد في قوله تعالى: ( )[التوبة: ٩٤].

ثم بيّن أن محاولتهم التخلص من التوبيخ والتأنيب، وإرضاء الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالأيمان الكاذبة لا تنفعهم في الدنيا ولا في الآخرة؛ لأن الله سيفضح أمرهم ويهتك سترهم في هذه السورة التي سميت سورة الفاضحة53.

وقوله سبحانه: ( ) [التوبة: ٩٦].

أي: فلا ينبغي لكم -أيها المؤمنون- أن ترضوا عن من لم يرض الله عنه، بل عليكم أن توافقوا ربكم في رضاه وغضبه، وتأمل كيف قال: ( ) [التوبة: ٩٦].

ولم يقل: «فإن الله لا يرضى عنهم»؛ ليدل ذلك على أن باب التوبة مفتوح، وأنهم مهما تابوا هم أو غيرهم، فإن الله يتوب عليهم، ويرضى عنهم، وأما ما داموا فاسقين، فإن الله لا يرضى عليهم؛ لوجود المانع من رضاه، وهو خروجهم عن ما رضيه الله لهم من الإيمان والطاعة، إلى ما يغضبه من الشرك، والنفاق، والمعاصي54.

وحاصل ما ذكره الله: أن المنافقين المتخلفين عن الجهاد من غير عذر، إذا اعتذروا للمؤمنين، وزعموا أن لهم أعذارًا في تخلفهم، فإن المنافقين يريدون بذلك أن تعرضوا عنهم، وترضوا وتقبلوا عذرهم، فأما قبول العذر منهم والرضا عنهم، فلا حبًّا ولا كرامة لهم، وأما الإعراض عنهم، فيعرض المؤمنون عنهم، إعراضهم عن الأمور الردية والرجس، وقوله: (ﭿ) تعليل؛ لترك معاتبتهم، يعنى: أنّ المعاتبة لا تنفع فيهم ولا تصلحهم، إنما يعاتب الأديب ذو البشرة، والمؤمن يوبَّخُ على زلة تفرط منه؛ ليطهره التوبيخ بالحمل على التوبة والاستغفار، وأما هؤلاء فأرجاس لا سبيل إلى تطهيرهم، ( )، يعنى: وكفتهم النار عتابًا وتوبيخًا، فلا تتكلفوا عتابهم، وحكم هذه الآية يستمر في كل مغموص عليه ببدعة ونحوها، فإن المؤمن ينبغي أن يبغضه ولا يرضى عنه لسبب من أسباب الدنيا، ووضع الفاسقين موضع ضميرهم؛ للتسجيل عليهم بالخروج عن الطاعة المستوجب لما حلّ بهم من السخط، وللإيذان بشمول الحكم لكل من كان مثلهم في ذلك.

والمراد به نهي المخاطبين عن الرضا عنهم والاغترار بمعاذيرهم الكاذبة على أبلغ وجهٍ وآكده، فإن الرضا عمن لا يرضى عنه الله تعالى ممّا لا يكاد يصدر عن المؤمن، وقيل: إنما قيل ذلك؛ لئلا يتوهم متوهمٌ أن رضا المؤمنين من دواعي رضا الله تعالى، قال أهل المعاني: هؤلاء طلبوا إعراض الصفح، فأعطوا إعراض المقت، وطلب الإعراض عنهم فيه تحذير للناس من أخلاق المنافقين الخبيثة والرذيلة، فكما يجب الاحتراز عن الأرجاس الجسمانية، فوجوب الاحتراز عن الأرجاس الروحانية أولى؛ خوفًا من سريانها إلى الإنسان، وحذرًا من أن يميل طبع الإنسان إلى تلك الأعمال55.

٣. الرضا بالأعمال والأقوال السيئة.

يخبر الله تعالى عن صفة من صفات المنافقين، وهي تبييت ما لا يرضى من القول.

قال تعالى: ( ﭟﭠ ﭹﭺ ﭿ) [النساء: ١٠٧-١٠٨].

نهى الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عن المجادلة، عمن أذنب وتوجه عليه عقوبة من حد أو تعزير، فإنه لا يجادل عنه بدفع ما صدر منه من الخيانة، أو بدفع ما ترتب على ذلك من العقوبة الشرعية، ثم أخبر سبحانه أنه: ( ) [النساء: ١٠٧]، أي: كثير الخيانة والإثم، وإذا انتفى الحب ثبت ضده وهو البغض، فإذا كان العدوان من وليّ الأمر على الظالم الآثم أمرًا تنكره الشريعة، فتفرض حماية على الظالم المعتدي، حتى لا يجاوز بعقابه الحدّ المرصود لجريمته، فإن الميل مع الظالم الآثم، والتماس المعاذير لجريمته، ابتغاء التخفيف عنه، لا يقلّ في نظر الشريعة عن فعل الظالم نفسه؛ لأن في هذا عدوانًا على حق الله، وتعطيلًا لحدوده!

ثم أخبر جل وعلا أن من صفات هؤلاء الخونة: أنهم يستترون من الناس عند اجتراحهم الآثام إما حياء وإما خوفًا من ضررهم، ولا يستترون من الله ولا يستحيون منه بتركها؛ لضعف إيمانهم؛ إذ الإيمان يمنع من الإصرار وتكرار الذنب، ولا تقع الخيانة من صاحبه إلا عن غفلة أو جهالة عارضة لا تدوم، فمن يعلم أن الله يراه لابد أن يترك الذنب والخيانة؛ حياء منه تعالى وخوفًا من عقابه، وهو تعالى شاهدهم حين يدبرون ليلًا ما لا يرضى من القول؛ تبرئة لأنفسهم ورمي غيرهم بجريمتهم، ثم توعدهم على عظيم جرمهم فقال سبحانه: ( )، جل وعلا عالم بهم وبأحوالهم، يسمع ما يدبرونه في الخفاء ويضمرونه في السر من رمي البريء وشهادة الزور والحلف الكاذب56.

ثم حذر المؤمنين من مساعدة هؤلاء الخونة فقال: ها أنتم يا هؤلاء جادلتم عنهم وحاولتم تبرئتهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلًا، يوم يكون الخصم والحاكم هو الله المحيط علمه بأعمالهم وأحوالهم وأحوال الخلق كافة؟! أي: لا يمكن أن يجادل هنالك أحد عنهم، ولا أن يكون وكيلًا بالخصومة لهم، فعلى المؤمنين أن يراقبوا الله تعالى في مثل ذلك، ولا يحسبوا أن من أمكنه أن ينال الفرج بالحكم له من قضاة الدنيا بغير حق، يمكنه كذلك أن يظفر في الآخرة، يوم لا تملك نفس لنفس شيئًا والأمر يومئذ لله57.

والسبب الذي نزلت فيه هذه الآية هو: أن رجلًا من الأنصار اسمه: طعمة بن أبيرق وكان منافقًا، سرق درعًا لعمه كانت عنده وديعة، فلما أن خاف أن يعرف فيه قذفها على يهودي، وأخبر بني عمه بذلك فجاء اليهودي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره بالدرع، وقال: والله ما سرقتها يا أبا القاسم ولكن طرحت علي! فلما رأوا ذلك بنو عم طعمة جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يبرئوا صاحبهم من الدرع، ويسألونه أن يبرئه منها، فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبرئه من السرقة حتى نزل: ( ) [النساء: ١٠٧].

يريد: طعمة وبني عمه، ولما نزل القرآن في طعمة لحق بقريش وارتد، ثم عاد إلى مشربة الحجاج حليف لبني عبد الدار فنقبها فسقط عليه حجر، فنحل لحمه، فلما أصبح أخرجوه، ونفوه من مكة فخرج فلقي ركبًا فعرض لهم، وقال: ابن سبيل منقطع به، فحملوه حتى إذا جن الليل عدا عليهم، فسرقهم، ثم انطلق، فخرجوا في طلبه فأدركوه فقذفوه بالحجارة حتى مات58.

رضا المخلوقين بين المحمود والمذموم

إن الرضا من العباد مطلوب شرعًا سواء كان ذلك الرضا عن الله وقضائه وقدره، أو كان رضا بعضهم عن بعض، وينقسم رضا العباد إلى قسمين؛ قسم محمود وقسم مذموم، وسوف يتم تناول ذلك في النقاط الآتية:

أولًا: الرضا المحمود:

١. الرضا عن الله.

أخبر الله تعالى عن رضاه عن المؤمنين ورضاهم عنه.

قال عز وجل: ( ﯿ ﰂﰃ ﰌﰍ ﰒﰓ ) [المائدة: ١١٩].

وقال تعالى: ( ﭷﭸ ﭽﭾ ﭿ ﮁﮂ ) [المجادلة: ٢٢].

وقال تعالى: ( ﭜﭝ ﭢﭣ ) [البينة: ٨].

إن الرضا عن الله سبحانه وتعالى من أعلى مقامات اليقين بالله.

قال تعالى: ( ) [الرحمن: ٦٠].

فمن أحسن الرضا عن الله جازاه الله بالرضا عنه، فقابل الرضا بالرضا، وهذا غاية الجزاء ونهاية العطاء، وهو قوله عز وجل: ( ) [التوبة: ١٠٠].

قيل: ذلك في الدنيا، فرضاه عنهم هو ما أظهره عليهم من أمارات رحمته وغفرانه، ورضاهم عنه: هو رضاهم بجميع ما قسم لهم من جميع الأرزاق والأقدار، وكقوله سبحانه: ( ) [الفجر: ٢٨].

وقال الرّاغب: «رضا العبد عن الله أن لا يكره ما يجري به قضاؤه، ورضا الله عن العبد هو أن يراه مؤتمرًا بأمره ومنتهيًا عن نهيه، وأرضاه: أعطاه ما يرضى به، وترضّاه: طلب رضاه»59.

وقال بعض الصالحين: رضى العباد عن الله: رضاهم بما يرد من أحكامه، ورضاه عنهم أن يوفقهم للرضى عنه»، وقال أبو بكر بن طاهر: «الرضى عن الله: خروج الكراهية عن القلب حتى لا يكون إلا فرح وسرور»، وقال السري السقطي: «إذا كنت لا ترضى عن الله فكيف تطلب منه الرضا عنك؟»، وكتب عمر بن الخطّاب رضي الله عنه إلى أبى موسى الأشعرىّ: «أمّا بعد، فإن الخير كلّه في الرضا، فإن استطعت أن ترضى وإلاّ فاصبر، والرضا حال يصحب العبد في الدنيا والآخرة.

قال بعض العلماء: الرضا عن الله باب الله الأعظم، وجنة الدنيا ولذة العارفين، والرضوان عن الله في الجنة وهم في الدنيا راضون عنه متلذذون بمجاري أقضيته، سليمة صدورهم من الغل، مطهرة قلوبهم عن الفساد، لا يتحاسدون ولا يتباغضون، وقيل: ذلك في الآخرة، فرضاهم عنه رضاهم بما من به عليهم من النعم، ورضاهم عنه هو ما روي أن الله تعالى يقول لأهل الجنة: (هل رضيتم بما أعطيتكم؟ فيقولون: نعم ربنا وكيف لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من العالمين؟! فيقول: أنا أعطيكم أفضل من كل ما أعطيتكم رضواني فلا أسخط عليكم أبدًا)6061.

٢. الرضا بقدر الله.

بين القرآن الكريم أن من صفات المؤمنين الرضا بقدر الله، وعدم الاعتراض عليه، قال تعالى: ( ﭠﭡ ) [الأحزاب: ٣٦].

أعلم الله في هذه الآية أنه لا اختيار على ما قضاه الله ورسوله، بل من حقهم أن يجعلوا رأيهم تبعًا لرأيه، واختيارهم تلوًا لاختياره، وسبب نزول هذه الآية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب زينب بنت جحش، فظنت أن الخطبة لنفسه، فلما بين أنه إنما يريدها لزيد بن حارثة رضي الله عنه كرهت وأبت، فنزلت الآية، فأذعنت زينب رضي الله عنها حينئذ وتزوجته، فهذه الآية عامة في جميع الأمور، وذلك أنه إذا حكم الله ورسوله بشيء، فليس لأحد مخالفته ولا اختيار لأحد هاهنا، ولا رأي ولا قول.

قال تعالى: ( ) [النساء: ٦٥].

ولهذا شدد في خلاف ذلك، فقال تعالى: ( ) [الأحزاب: ٣٦].

وقال تعالى: ( ) [النور: ٦٣] 62.

وقال تعالى: ( ﭩﭪ ﭾﭿ ) [البقرة: ١٥٥-١٥٧].

أخبر الله تعالى عباده أنه سوف يبتليهم بنقص من الأموال والأنفس والثمرات، ثم أخبر بما لهم عند الله تعالى عند الصبر على هذه الشدائد في طاعة الله تعالى، فقال سبحانه: ( ) [البقرة: ١٥٧].

يعني: الثناء الجميل والبركات والرحمة، وهي النعمة التي لا يعلم مقاديرها إلا الله تعالى، كقوله في آية أخرى: ( ) [الزمر: ١٠].

وقوله تعالى: ( ) [البقرة: ١٥٦]، إقرار بالبعث والنشور، واعتراف بأن الله تعالى سيجازي الصابرين على قدر استحقاقهم، فلا يضيع عنده أجر المحسنين. وقد تضمنت الآية مدح الصابرين على شدائد الدنيا وعلى مصائبها على الوجه التي ذكر، والوعد بالثواب والثناء الجميل والنفع العظيم لهم في الدنيا والآخرة، فأما في الدنيا: فما يحصل له به من الثناء الجميل في نفوس المؤمنين؛ لائتماره لأمر الله تعالى، ولأن في الفكر في ذلك تسلية عن الهمّ ونفي الجزع الذي ربما أدى إلى ضرر في النفس وإلى إتلافها في حال ما يعقبه ذلك في الدنيا من محمود العاقبة، وأما في الآخرة: فهو الثواب الجزيل الذي لا يعلم مقداره إلا الله.

قال أبو بكر الجصاص: «وقد اشتملت هذه الآية على حكمين، فرض ونفل، فأما الفرض: فهو التسليم لأمر الله والرضا بقضاء الله والصبر على أداء فرائضه، لا يثنيه عنها مصائب الدنيا ولا شدائدها، وأما النفل: فإظهار القول بـ(إنا لله وإنا إليه راجعون)، فإن في إظهاره فوائد جزيلة؛ منها فعل ما ندب الله إليه، ووعده الثواب عليه، ومنها أن غيره يقتدي به إذا سمعه، ومنها غيظ الكفار وعلمهم بجدّه واجتهاده في دين الله تعالى، والثبات على طاعته ومجاهدة أعدائه. ويحكى عن دواد الطائي أنه قال: «الزاهد في الدنيا لا يحب البقاء فيها، وأفضل الأعمال الرضا عن الله، ولا ينبغي للمسلم أن يحزن للمصيبة؛ لأنه يعلم أن لكل مصيبة ثوابا»63.

فقضاء الله كله خير وعدل وحكمة، يجب الرضا به كله، والمقضيّ -وهو المفعول المنفصل عنه- لا يجب الرضا به كله، فإنه إنما شرع الرضا بما يرضى الله به، والمقضي نوعان:

النوع الأول: شرعي ديني: فالرضا بالقضاء الديني الشرعي واجب، وهو أساس الإسلام وقاعدة الإيمان، فيجب على العبد أن يكون راضيًا به بلا حرج، ولا منازعة ولا معارضة، ولا اعتراض، قال الله تعالى: ( ) [النساء: ٦٥].

فأقسم: أنهم لا يؤمنون حتى يحكموا رسوله، وحتى يرتفع الحرج من نفوسهم من حكمه، وحتى يسلموا لحكمه تسليمًا، وهذه حقيقة الرضا بحكمه، فالتحكيم: في مقام الإسلام، وانتفاء الحرج: في مقام الإيمان، والتسليم: في مقام الإحسان.

والنوع الثاني: الرضا بالقضاء الكوني القدري، الموافق لمحبة العبد وإرادته ورضاه -من الصحة، والغنى، والعافية، واللذة- أمر لازم بمقتضى الطبيعة؛ لأنه ملائم للعبد، محبوب له، فليس في الرضا به عبودية، بل العبودية في مقابلته بالشكر، والاعتراف بالمنة، ووضع النعمة مواضعها التي يحب الله أن توضع فيها، وأن لا يعصي المنعم بها، وأن يرى التقصير في جميع ذلك، والرضا بالقضاء الكوني القدري، الجاري على خلاف مراد العبد ومحبته -مما لا يلائمه، ولا يدخل تحت اختياره- مستحب، وهو من مقامات أهل الإيمان، وفي وجوبه قولان، وهذا كالمرض والفقر، وأذى الخلق له، والحر والبرد، والآلام ونحو ذلك، والرضا بالقدر الجاري عليه باختياره -مما يكرهه الله ويسخطه، وينهى عنه- كأنواع الظلم والفسوق والعصيان: حرام يعاقب عليه، وهو مخالفة لربه تعالى، فإن الله لا يرضى بذلك ولا يحبه، فكيف تتفق المحبة ورضا ما يسخطه الحبيب ويبغضه؟64.

ودلت هذه الآية، أعني قوله تعالى: ( ) [البقرة: ١٥٦]، على أن من لم يصبر، فله ضد ما لهم، فحصل له الذم من الله، والعقوبة والضلال والخسران، فما أعظم الفرق بين الفريقين! وما أقل تعب الصابرين، وأعظم عناء الجازعين! فقد اشتملت هاتان الآيتان على توطين النفوس على المصائب قبل وقوعها؛ لتخف وتسهل إذا وقعت، وبيان ما تقابل به إذا وقعت، وهو الصبر، وبيان ما يعين على الصبر، وما للصابر من الأجر، ويعلم حال غير الصابر، بضد حال الصابر، وأن هذا الابتلاء والامتحان، سنة الله التي قد خلت، ولن تجد لسنة الله تبديلًا، كما اشتملت على بيان أنواع المصائب65.

٣. الرضا بحكم الله.

إن الرضا بحكم الله تعالى واجب شرعًا، قال تعالى: ( ) [النساء: ٦٥].

أقسم تعالى في هذه الآية الكريمة بنفسه الكريمة المقدسة، أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور، ثم ينقاد لما حكم به ظاهرًا وباطنًا ويسلمه تسليمًا كليًّا من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة، وهذه حقيقة الرضا بحكمه، فالتحكيم: في مقام الإسلام، وانتفاء الحرج: في مقام الإيمان، والتسليم: في مقام الإحسان، وبين في آية أخرى أن قول المؤمنين محصور في هذا التسليم الكلي، والانقياد التام ظاهرًا وباطنًا لما حكم به صلى الله عليه وسلم، وهي قوله تعالى: ( ﯳﯴ ) [النور: ٥١].

فيجب على العبد أن يكون راضيًا به بلا حرج، ولا منازعة ولا معارضة، ولا اعتراض66.

ثانيًا: الرضا المذموم:

١. الرضا بالأقوال الباطلة.

ذم الله تعالى قومًا رضوا بالأقوال الباطلة، فقال عز وجل: ( ﭷﭸ ﭽﭾ ﭿ ﮋﮌ ) [الأنعام: ١١٢-١١٣].

أخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أنه جعل له أعداء يخالفونه ويكذبونه ويعادونه، كما جعل ذلك لكل نبي تقدم قبله، فلا يهولنه ذلك، وأخبر سبحانه أن هؤلاء الأعداء هم شياطين من الإنس وشياطين من الجن، والشيطان كل عاتٍ متمرد من الجن والإنس، قالوا: وشياطين الإنس أشد تمردًا من شياطين الجن؛ لأن شيطان الجن إذا عجز عن إغواء المؤمن الصالح وأعياه ذلك استعان على إغوائه بشيطان الإنس؛ ليفتنه، ومن صفات هؤلاء الشياطين أنهم يدعون الناس إلى ضلالهم وكفرهم، وأنهم يزينون الأعمال القبيحة لبني آدم ويغرونهم بها على المعاصي، وأن هذا بمشيئة الله، وأن الله تعالى لو شاء لمنع الشياطين من إلقاء الوسوسة إلى الإنس والجن، ولكن الله يمتحن من يشاء من عباده بما يعلم أنه الأجزل له في الثواب إذا صبر على المحنة، (ﭿ )[الأنعام: ١١٢].

يعني: فخلّهم يا محمد وما زين لهم إبليس وغرهم به من الكفر والمعاصي فإني من ورائهم، ثم أخبر سبحانه أن هؤلاء الشياطين إنما يخدعون ويغرون من هم على شاكلتهم من الكفار والضلال الذين لا يؤمنون بالله، وتميل نفوسهم إلى هذه الزخارف الباطلة ويرضون بها؛ لأنها توافق أهواءهم وشهوتهم، وأما المؤمنون بالله فلا يقبلون هذه الزخارف ولا يرضونها؛ لعلمهم ببطلانها ووخامة عاقبتها، وليرضوه لأنفسهم بعد ما مالت اليه أفئدتهم67.

وفيه تحذير من الكفر وترغيب في الإيمان وتسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتنبيه له على ما أعد للكفرة من العقاب، وله من الثواب بسبب صبره على سفاهتهم وتلطفه بهم.

٢. الرضا بالقعود عن الجهاد.

ذم الله تعالى قومًا رضوا بالتخلف عن الجهاد، وذلك في قوله تعالى: ( ﯿ ) [التوبة: ٨٦-٨٧].

وقد بين تعالى أن الأغنياء من هؤلاء المنافقين، إذا أنزل الله سورة فيها الأمر بالجهاد، استأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم في التخلف عن الجهاد والخروج معه لقتال أعداء الله من المشركين، ورضوا أن يكونوا في منازلهم كالنساء اللواتي ليس عليهن فرض الجهاد، فهن قعود في وبيوتهن، وقد كانت الرجولة تفترض فيهم أن يهبوا للقتال، لكنهم ارتضوا لأنفسهم ضعف النساء والأطفال. وقوله سبحانه: ( ) [التوبة: ٨٧]، استئناف قصد منه التعجيب من دناءة نفوسهم وقلة رجولتهم بأنهم رضوا لأنفسهم بأن يكونوا تبعًا للنساء، وفي اختيار فعل (رضوا) إشعار بأن ما تلبسوا به من الحال من شأنه أن يتردد العاقل في قبوله، كما في قوله تعالى: ( ) [التوبة: ٣٨].

وقوله جل جلاله: ( ) [التوبة: ٨٣].

والطبع تمثيل لحال قلوبهم في عدم قبول الهدى بالإناء أو الكتاب المختوم، والطبع مرادف الختم، وهو التغطية على الشيء والاستيثاق منه، فلا يدخله شيء، وأسند الطبع إلى المجهول إما للعلم بفاعله وهو الله، وإما للإشارة إلى أنهم خلقوا كذلك وجبلوا عليه، وفرع على الطبع انعدام علمهم بالأمور التي يختص بعلمها أهل الأفهام، وهو العلم المعبر عنه بالفقه، أي: إدراك الأشياء الخفية، أي: فآثروا نعمة الدعة على سمعة الشجاعة وعلى ثواب الجهاد؛ إذ لم يدركوا إلا المحسوسات؛ فلذلك لم يكونوا فاقهين، وذلك أصل جميع المضار في الدارين، وجيء في إسناد نفي الفقاهة عنهم بالمسند الفعلي؛ للدلالة على تقوي الخبر وتحقيق نسبته إلى المخبر عنهم وتمكنه منهم68.

قال سيد قطب: «إن للذلّ ضريبة كما أن للكرامة ضريبة، وإن ضريبة الذلّ لأفدح في كثير من الأحايين، وإن بعض النفوس الضعيفة ليخيل إليها أن للكرامة ضريبة باهظة لا تطاق، فتختار الذل والمهانة؛ هربًا من هذه التكاليف الثقال، فتعيش عيشة تافهة رخيصة، مفزعة قلقة، تخاف من ظلها، وتفرق من صداها، يحسبون كل صيحة عليهم، ولتجدنهم أحرص الناس على حياة، هؤلاء الأذلاء يؤدون ضريبة أفدح من تكاليف الكرامة، إنهم يؤدون ضريبة الذل كاملة، يؤدونها من نفوسهم، ويؤدونها من أقدارهم، ويؤدونها من سمعتهم، ويؤدونها من اطمئنانهم، وكثيرًا ما يؤدونها من دمائهم وأموالهم وهم لا يشعرون»69.

٣. الرضا بالدنيا وزينتها.

ذم الله تعالى قومًا رضوا بالدنيا، فقال سبحانه: ( ) [يونس: ٧-٨].

وقال تعالى: ( ﭿ ﮂﮃ ﮈﮉ ﮋﮌ ) [التوبة: ٣٨].

يخبر تعالى عن حال الأشقياء الذين كفروا بلقاء الله يوم القيامة ولا يرجون في لقاء الله شيئًا، الذي هو أكبر ما طمع فيه الطامعون، وأعلى ما أمله المؤملون، بل أعرضوا عن ذلك، وربما كذبوا به ( ) بدلا عن الآخرة، ( )، أي: ركنوا إليها، وجعلوها غاية مرامهم ونهاية قصدهم، فسعوا لها وأكبوا على لذاتها وشهواتها، بأي طريق حصلت حصلوها، ومن أي وجه لاحت ابتدروها، قد صرفوا إرادتهم ونياتهم وأفكارهم وأعمالهم إليها، فكأنهم خلقوا للبقاء فيها، وكأنها ليست دار ممرّ، يتزود منها المسافرون إلى الدار الباقية التي إليها يرحل الأولون والآخرون، وإلى نعيمها ولذاتها شمر الموفقون، ومن صفاتهم، ( )، فلا ينتفعون بالآيات القرآنية، ولا بالآيات الكونية والنفسية، والإعراض عن الدليل مستلزم للإعراض والغفلة عن المدلول المقصود، ثم أخبر الله تعالى بما يستحقونه من الجزاء وهو نار جهنم، فبين سبحانه أن رضوانهم بالحياة الدنيا واطمئنانهم بها ناتج عن مرض الكفر بالله وبلقائه سبحانه، وأن ذلك كله مترتب على مرض الجهل الحاصل من حب الدنيا70.

٤. الرضا عن المنافقين.

أخبر الله تعالى عن أخلاق المنافقين القبيحة وتخلفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأيمانهم الكاذبة وخوفهم من المؤمنين ومحاولة استرضائهم، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أن يعرضوا عنهم، فلا يأخذونهم باللّوم، ولا يضعونهم موضع الاتهام، فقال تبارك وتعالى: ( ﭹﭺ ﭼﭽ ﭿﮀ ﮋﮌ ) [التوبة: ٩٥-٩٦].

وقد أخبر الله تعالى عن المنافقين الذين تخلفوا بقوله: إنهم سيحلفون معتذرين؛ لتعرضوا عنهم ولا تؤنبوهم، فأعرضوا عنهم إنهم رجس، والرجس: الخبث، والمراد: تشبيههم بالرجس في الدناءة ودنس النفوس، رجس معنوي، أي: خبثاء نجس بواطنهم واعتقاداتهم، ثم توعدهم أشد الوعيد، في قوله سبحانه: ( ).

ثم أخبر عنهم بأنهم: ( ﮋﮌ )، أي: الخارجين عن طاعة الله وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والفسق هو الخروج ومنه سميت الفأرة: فويسقة؛ لخروجها من جحرها، ويقال: فسقت الرطبة إذا خرجت من أكمامها، وهذا أشد ما ذم الله به أحدًا من خلقه، حيث أمر عز وجل بالإعراض عنهم وعدم معاتبتهم؛ احتقارًا لهم، ثم أمر باجتنابهم، والابتعاد عنهم، ثم بيّن أن محاولتهم التخلص من التوبيخ والتأنيب، وإرضاء الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالأيمان الكاذبة لا تنفعهم في الدنيا ولا في الآخرة؛ لأن الله سيفضح أمرهم، ويهتك سترهم في هذه السورة التي سميت الفاضحة.

قال أهل المعاني: هؤلاء طلبوا إعراض الصفح، فأعطوا إعراض المقت.

ثم ذكر العلة في وجوب الإعراض عنهم، فقال: إنهم رجس، والمعنى: أن خبث باطنهم رجس روحاني، فكما يجب الاحتراز عن الأرجاس الجسمانية، فوجوب الاحتراز عن الأرجاس الروحانية أولى؛ خوفًا من سريانها إلى الإنسان، وحذرًا من أن يميل طبع الإنسان إلى تلك الأعمال71.

وفي الآيات السابقة: أن من أرضى الناس بسخط الله أسخطهم عليه وسخط عليه، ومن أسخط الناس في رضي الله أرضاهم عليه، ورضي عنه، فمن أقر منكرًا حياء أو خوفًا من الناس، فقد أسخط مولاه، ومن أنكر منكرًا، ولم يراقب أحدًا، فقد أرضى مولاه، ومن راقب الناس لم يراقب الله، ومن راقب الله لم يراقب الناس، ( ) [التوبة: ٦٢]72.

٥. الرضا المشروط بالمنفعة.

أخبر الله تعالى عن حال المنافقين، وأن رضاهم وسخطهم لأنفسهم لا للدين وما فيه صلاح أهله، بقوله تعالى: ( ﭿ ﮋﮌ ) [التوبة: ٥٨-٥٩].

أخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عن سوء نية بعض المنافقين وخبث نفوسهم، وقبائحهم وفضائحهم، وجشعهم في الدنيا، وطعنهم في الرسول صلى الله عليه وسلم بسبب أخذ الصدقات من الأغنياء، ويقولون: إنه يؤثر بها من يشاء من أقاربه وأهل مودته، وينسبونه إلى أنه لا يراعى العدل وأنه يحابي فيها، وسبب سخطهم أنهم يودون أن توزع الصدقات عليهم، فإذا رأوها توزع على غيرهم طعنوا في إعطائها بمطاعن يلقونها في أحاديثهم، ويظهرون أنهم يغارون على مستحقيها، ويشمئزون من صرفها في غير أهلها، وإنما يرومون بذلك أن تقصر عليهم، وقد عبر عن رضاهم بصيغة الماضي؛ للدلالة على أنه كان يكون لأجل العطاء في وقته وينقضي، فلا يعدونه نعمة يتمنون دوام الإسلام لدوامها، وعبر عن سخطهم بـ (إذا) الفجائية، وبالفعل المضارع؛ للدلالة على سرعته واستمراره، وهذا دأب المنافقين وخلقهم في كل زمان ومكان، ( )، أي: ولو أنهم رضوا ما أعطاهم الله من فضله بما أنعم عليهم من الغنائم وغيرها، وأعطاهم رسوله بقسمه للغنائم والصدقات كما أمره الله تعالى: ( )، أي: هو حسبنا وكافينا في كل حال: ( )، أي: سيعطينا الله من فضله في المستقبل من الغنائم والكسب؛ لأن فضله دائم لا ينقطع، ويعطينا رسوله مما يرد عليه من الغنائم والصدقات زيادة مما أعطانا من قبل، لا يبخس أحدًا منا حقا يستحقه في شرع الله تعالى ( )، لا نرغب إلى غيره في شيء، وفي الآية إشارة للعبد أن لا يكون رضاه وغضبه، تابعًا لهوى نفسه الدنيوي وغرضه الفاسد، بل الذي ينبغي أن يكون هواه تبعًا لمرضاة ربه73.

الرضا في المعاملات

إن الرضا في الشريعة الإسلامية مبدأ من المبادئ الأساسية في المعاملات، وسنذكر بعض المعاملات القائمة على التراضي، وهي ما يأتي:

أولًا: الرضا بالمهر:

إذا وجب المهر بين الزوجين وعلم فلا بأس أن يقع فيه التراضي بعد ذلك بين الرجال والنساء في تركه كله أو بعضه أو الزيادة عليه.

قال تعالى: ( ﭘﭙ ﭜﭝ ﭨﭩ ﭰﭱ ﭺﭻ ﭿ ) [النساء: ٢٤].

لما بين الله تعالى ما يحل من النساء وما يحرم، وأخبر أن المهر فريضة واجبة للنساء على الرجال، وأنه في مقابلة الاستمتاع، وأخبر سبحانه أن هذه الفريضة قائمة على التراضي بين الزوجين.

وقوله تعالى: ( )، أي: لا حرج ولا تضييق عليكم منه تعالى إذا تراضيتم بعد الفريضة على الزيادة فيها أو النقص منها أو حطها كلها، فإن الغرض من الزوجية أن تكونوا في عيشة راضية ومودة ورحمة تصلح بها شئونكم، وترتقي بها أمتكم، والشرع يضع لكم قواعد العدل، ويهديكم مع ذلك إلى الإحسان والفضل، وهو كقوله تعالى: ( ) [النساء: ٤].

وقوله جل وعلا: ( ) [البقرة: ٢٣٧].

وقوله سبحانه: ( ﭿ )[النساء: ٢٤].

فيضع لعباده من الشرائع بحكمته ما يعلم أن فيه صلاح حالهم ما تمسكوا به، ومن ذلك أن أوجب على الرجل أن يفرض لمن يريد الاستمتاع بها أجرًا يكافئها به على قبول قيامه ورياسته عليها، ثم أذن له ولها في التراضي على ما يريان الخير فيه لهما والائتلاف والمودة بينهما74.

وذهبت الشيعة إلى أن المراد بالآية: (نكاح المتعة)، ونكاح المتعة: هو نكاح المرأة إلى أجل معين كيوم أو أسبوع أو شهر، ولا خلاف أنه كان مرخصًا فيه في بدء الإسلام، وأباحه النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في بعض الغزوات؛ لبعدهم عن نسائهم، فرخص فيه مرة أو مرتين؛ خوفًا من الزنا، فهو من قبيل ارتكاب أخف الضررين، ثم نهى عنه نهيًا مؤبدًا؛ لأن المتمتع به غالبًا لا يكون مقصده الإحصان، وإنما يكون مقصده الاستمتاع فقط.

وقد نهى سيدنا عمر رضي الله عنه في خلافته عن نكاح المتعة، وأعلن بتحريمه على المنبر، وأقر الصحابة له على ذلك، ومنع نكاح المتعة يقتضى منع النكاح بنية الطلاق، ولكن بعض الفقهاء أجازوه إذا نواه الرجل ولم يشترطه في العقد، وإن كان كتمانه يعد خداعًا وغشًّا وعبثًا بهذه الرابطة العظيمة التي هي أعظم الروابط البشرية، وإيثارًا للتنقل في مراتع الشهوات، إلى ما يترتب على ذلك من العداوة والبغضاء، وذهاب الثقة بين الزوجين حتى بالصادقين الذين يريدون بالزواج الإحصان، والتعاون على تأسيس البيت الصالح والعيشة السعيدة، ولا شك أن الإسلام بقيمه السامية وأخلاقه الرفيعة لا يقبل بأي حال من الأحوال بهذا النوع من النكاح ولا يرتضيه، وليس من خلق المسلم هذا العمل القبيح، بل إن هذا العمل منكر75.

قال البقاعي: «ولما ذكر في هذه الآيات أنواعًا من التكاليف هي في غاية الحكمة، والتعبير عنها في الذروة العليا من العظمة، وختمها بإسقاط الجناح عند الرضى، وكان الرضى أمرًا باطنًا لا يطلع عليه حقيقة إلا الله تعالى، حثّ على الورع في شأنه بنوط الحكم بغلبة الظن، فقال: مرغبًا في امتثال أوامره ونواهيه: ( )، أي: الذي له الإحاطة التامة علمًا وقدرة ( ﭿ)، أي: بمن يقدم متحرّيًا لرضى صاحبه أو غير متحرٍّ لذلك ()، أي: يضع الأشياء في أمكن مواضعها من الجزاء على الذنوب وغيره»76.

ثانيًا: الرضا بالنفقة:

إن الله سبحانه وتعالى تعهد نساء النبي صلى الله عليه وسلم بالإرشاد والتأديب؛ لأنهن الأسوة والقدوة الحسنة، قال تعالى: ( ﭙﭚ ﭡﭢ ﭭﭮ ﭳﭴ ) [الأحزاب: ٥١].

بينت الآيات أن الله سبحانه فوض الأمر إلى رسوله صلى الله عليه وسلم كي يصنع مع زوجاته ما شاء، من تقديم وتأخير، وعزل وإمساك، وضم من أرجأ، وإرجاء من ضم إليه، وما شاء في أمرهن فعل توسعة عليه، ونفيًا للحرج عنه، وكان القسم والتسوية واجبًا عليه، فلما نزلت هذه الآية سقط عنه وصار الاختيار إليه فيهن، فصار حق المبيت حقًّا له لا لهن بخلاف بقية المسلمين، ثم أبان الله تعالى سبب هذا التفويض للنبي صلى الله عليه وسلم في الإيواء والإرجاء وأنه لمصلحتهن، فقال تعالى: ( )، أي: إذا علمن أن الله قد وضع عنك الحرج في القسم، وأنه غير واجب عليك، فإن شئت قسمت، وإن شئت لم تقسم، وأنت مع ذلك تقسم لهن باختيارك لا جبرًا عنك، فرحن بذلك، واستبشرن به، وقدّرن جميلك، واعترفن بمنتك عليهن في قسمك لهن، وتسويتك بينهن، وإنصافك لهن، وعدلك فيهن، ورضين كلهن بما تفعل، دون إقلاق ولا بلبلة؛ لأن المرء إذا علم أنه لا حق له في شيء كان راضيًا بما أوتي منه وإن قلّ، وإن علم أن له حقًّا لم يقنعه ما أوتي منه، واشتدت غيرته عليه، وعظم حرصه فيه، فكان ما فعل الله لرسوله من تفويض الأمر إليه في أحوال أزواجه أقرب إلى رضاهن معه، واستقرار أعينهن على ما يسمح به منه لهن، دون أن تتعلق قلوبهن بأكثر منه، ومع هذا التخيير للنبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه لم يأخذ لنفسه به تكرمًا منه على أزواجه، قال الزهري: «ما علمنا أن رسول الله أرجأ أحدًا من أزواجه بل آواهن كلهن»، فقد كان صلى الله عليه وسلم يجتهد في القسم بينهن في كل شيء، روى أحمد، عن عبد الله بن يزيد، عن عائشة قالت: كان رسول الله يقسم بين نسائه فيعدل، ثم يقول: (اللهم هذا فعلي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك)77، يعنى: القلب، وزيادة الحب لبعض دون بعض78.

وفى هذه الآيات حث على تحسين ما في القلوب، ووعيد لمن لم يرض منهن بما دبر الله له من ذلك، وفوضه إلى مشيئته، وبعث على تواطؤ قلوبهن، والتصافي بينهن، والتوافق على رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه توجيه لجميع المؤمنات أن يرضين بما قسم الله تعالى لهن من النفقة فلا يكلفن أزواجهن ما لا يطيقون، فقوله سبحانه: ( ) [الأحزاب: ٥١]، خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ولأزواجه، ويندرج فيه جميع المؤمنين والمؤمنات وجمع بجمع الذكور؛ للتغليب79.

ثالثًا: الرضا بالشهادة:

ذكر القرآن الكريم أن من شرط الشاهد أن يكون عدلًا مرضيًّا عنه.

قال تعالى: ( ﮋﮌﮍ ) [البقرة: ٢٨٢].

فقد أمرنا الله سبحانه بأن نحمّل الشهادة المحتاج إليها لأهل العدل والرضا، فقوله تعالى: ( ) [البقرة: ٢٨٢]، قالوا: أي ممن ترضون دينهم وعدالتهم حال كونهم من الشهداء، وهو عام في كل شاهد، وإنما وصف الرجل مع المرأتين بهذا الوصف؛ لضعف شهادة النساء وقلة ثقة الناس بها، ولذلك وكل الأمر فيه إلى رضا المستشهدين، ثم بين علة جعل المرأتين بمنزلة رجل واحد بقوله عز وجل: ( ) [البقرة: ٢٨٢].

أن تضل إحداهما أي: تخطئ؛ لعدم ضبطها وقلة عنايتها، فتذكّر كل منهما الأخرى بما كان، فتكون شهادتها متممة لشهادتها، أي: إن كلًّا منهما عرضة للخطأ والضلال، أي: الضياع وعدم الاهتداء إلى ما كان وقع بالضبط، فاحتيج إلى إقامة الثنتين مقام الرجل الواحد؛ لأنهما بتذكير كل منهما للأخرى تقومان مقام الرجل، ولهذا أعاد لفظ إحداهما مظهرًا، وليس المعنى: لئلا تنسى واحدة فتذكرها الثانية، كما فهم كثير من المفسرين80.

وجملة القول فيمن تقبل شهادته: أن تجتمع فيه عشر خصال: أن يكون حرًّا بالغًا مسلمًا عدلًا عالمًا بما يشهد به، ولا يجر بشهادته إلى نفسه منفعة، ولا يدفع عن نفسه مضرّة، ولا يكون معروفًا بكثرة الغلط ولا يترك المروءة، ولا يكون عنده لين، ولا يشهد عليه عبده، فإذا اجتمعت فيه هذه الخصال كان مقبول القول جائز الشهادة، فشهادة الكافر مردودة؛ لأن الكذاب لا تقبل شهادته، فالذي يكذب على الله أولى بأن ترد شهادته، وجوز بعض أهل الرأي شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض، ولا تقبل شهادة العبيد، وأجازها ابن شريح وابن سيرين وهو قول أنس، ولا قول للمجنون معتبر حتى تصح شهادته، ولا تجوز شهادة الصبيان، وسئل ابن عباس عن ذلك فقال: «لا تجوز؛ لأن الله تعالى قال: ( ) [البقرة: ٢٨٢].

والعدالة شرط: وهو أن لا يكون الشاهد مقيمًا على الكبائر مصرًّا على الصغائر، والمروءة شرط: وهي ما تتصل بآداب النفس مما يعلم أن تاركه قليل الحياء، وهي حسن الهيئة والسيرة والعشرة والصناعة، فإن كان الرجل يظهر في نفسه شيئًا مما يستحيي أمثاله من إظهاره في الأغلب علم بذلك قلة مروءته وترد شهادته، وانتفاء التهمة شرط: فلا تقبل شهادة العدو على عدوه، وإن كان مقبول الشهادة على غيره؛ لأنه متهم في حق عدوه لا في حق غيره، ولا تقبل شهادة الرجل لولده ووالده وتقبل شهادته عليهما، ولا تقبل شهادة من يجر بشهادته إلى نفسه نفعًا، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تجوز شهادة خائن، ولا خائنة، ولا محدود في الإسلام، ولا ذي غمر على أخيه)81.

قال الفزاري: «أراد بالخيانة الخيانة في الدين والمال والأمانة، فإن من ضيع شيئًا من أوامر الله أو ارتكب شيئًا مما نهى الله عنه لا يكون عدلًا، والغمر -بكسر الغين-: الحقد»82.

وفي الآية دليل على تفويض القبول في الشهادة إلى الحاكم؛ لأن الرضا معنى يكون في النفس بما يظهر إليها من الأمارات عليه، ويقوم من الدلائل المبينة له، ولا يكون غير هذا؛ فإنا لو جعلناه لغيره لما وصل إليه إلا بالاجتهاد، واجتهاده أولى من اجتهاد غيره، وقصر الشهادة على الرضا خاصة؛ لأنها ولاية عظيمة؛ إذ هي تنفيذ قول الغير على الغير؛ فمن حكمه أن يكون له شمائل ينفرد بها، وفضائل يتحلى بها حتى يكون له مزية على غيره توجب له تلك المزية رتبة الاختصاص بقبول قوله على غيره، ويقضى له بحسن الظن، ويحكم بشغل ذمة المطلوب بالحق بشهادته عليه، ويغلب قول الطالب على قوله بتصديقه له في دعواه83.

رابعًا: الرضا بالتجارة:

نهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن أن يأكلوا أموال بعضهم بعضًا بالباطل.

قال تعالى: ( ) [البقرة: ١٨٨].

وقال سبحانه: ( ﭷﭸ ﭻﭼ ﭿ ) [النساء: ٢٩].

أي: لا تأكلوا أموالكم بينكم بأنواع المكاسب التي هي غير شرعية، كأنواع الربا والقمار، والغصب والسرقة والخيانة وشهادة الزور، وأخذ المال باليمين الكاذبة، وجحد الحق ونحو ذلك.

وإنما خص الأكل بالذكر ونهى عنه؛ تنبيهًا على غيره من جميع التصرفات الواقعة على وجه الباطل؛ لأن معظم المقصود من المال الأكل، وقيل: يدخل فيه أكل ماله بالباطل، وأكل ماله بالباطل: هو إنفاقه في المعاصي، ويدخل في أكل المال الباطل جميع العقود الفاسدة.

وقوله تعالى: ( ) [النساء: ٢٩].

هذا الاستثناء منقطع؛ لأن التجارة عن تراض ليست من جنس أكل المال بالباطل، فكان الاستثناء هاهنا بمعنى: لكن يحل أكله بالتجارة عن تراض، يعني: بطيبة نفس كل واحد منكم، وقيل: هو أن يخير كل واحد من المتبايعين صاحبه بعد البيع فيلزم، وإلّا فلهما الخيار ما لم يتفرقا؛ لما روي عن ابن عمران أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعًا أو يخير أحدهما الآخر، فإن خيّر أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع، وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع)84.

وانما خص التجارة بالذكر؛ لكونها أغلب أسباب المكاسب وقوعًا، وأوفقها لذوى المروءات85.

خامسًا: الرضا بفسخ العقود:

ذكر القرآن الكريم الفسخ بالرضا في قوله تعالى: ( ﮮﮯ ﯕﯖ ﯜﯝ ﯢﯣ ﯫﯬ ﯰﯱ ﯻﯼ ﯿ ﰉﰊ ) [البقرة: ٢٣٣].

بينت الآية أن مدة الرضاع حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة، والتقدير: والوالدة مأمورة بإرضاعه حولين كاملين إذا أريد إتمام الرضاعة؛ فإذا أرادت الإتمام كانت مأمورة بذلك، وكان على الأب رزقها وكسوتها، وإن أراد الأب الإتمام كان له ذلك؛ فإنه لم يبح الفصال إلا بتراضيهما جميعًا.

وفيه دليل على أنه يجوز الفطام قبل ذلك إذا كان لمصلحة، وقد بين ذلك بقوله تعالى: ( ) [البقرة: ٢٣٣].

وذلك يدل على أنه لا يفصل إلا برضى الأبوين، فلو أراد أحدهما الإتمام والآخر الفصال قبل السنتين كان الأمر لمن أراد الإتمام؛ لأنه تعالى قال: ( ﮮﮯ ﯕﯖ ) [البقرة: ٢٣٣] 86.

قال الإمام الماوردي: «وفي زمان هذا الفصال عن تراض قولان:

أحدهما: أنه قبل الحولين إذا تراضى الوالدان بفطام المولود فيه جاز، وإن رضي أحدهما وأبى الآخر لم يجز، وهذا قول مجاهد، وقتادة، والزهري، والسدي.

والقول الثاني: أنه قبل الحولين وبعده، وهذا قول ابن عباس»87.

وعلى هذه الآية اعتبر الفقهاء الرضا في فسخ العقود اللازمة الصحيحة من طرفي العقد؛ لأن العقد انعقد بتراضيهما، فلا ينفرد بالفسخ؛ لعدم ولايته، وإذا فسخ لا ينفسخ إلا بتراضيهما على الفسخ، فيلزمهما بتراضيهما.

فقد أجاز العلماء إلغاء التصرفات والعقود غير اللازمة من جانب المتعاقدين، أما في العقود اللازمة من جانب واحد فإنه يصح الإلغاء من الجانب الآخر غير الملتزم به كالوصية.

وأما في العقود والتصرفات الملزمة فلا يرد عليها الإلغاء بعد نفاذها إلا برضا العاقدين، كما في الإقالة، أو بوجود سبب مانع من استمرار العقد كظهور الرضاع بين الزوج والزوجة، وقد يكون هنا الإلغاء بمعنى الفسخ88.

قال بدر الدين الزركشي: «سائر العقود تقبل الفسخ بالتراضي، وحكى الرافعي في أول الخلع قولين في أن النكاح هل يقبل الفسخ بالتراضي؟ أحدهما: نعم كالبيع، والثاني: لا؛ لأن وضع النكاح على الدوام والتأبيد، وإنما يفسخ؛ لضرورة عظيمة تدعو إليه، وجعلها أصل الخلاف في أن الخلع طلاق أو فسخ، وهذا في العقود اللازمة، أما الجائزة فلا يشترط تراضيهما، بل لكل منها الفسخ، وكذلك في الجائزة من أحد الطرفين كالمرتهن يفسخ الرهن، والعبد يفسخ الكتابة، والعامل في الجعالة ونحوه»89.

موضوعات ذات صلة:

السعادة، الغضب، القدر، المحبة


1 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/٤٠٢، لسان العرب، ابن منظور ١٤/٣٢٣، الصحاح، الجوهري ٦/٢٣٥٧، الكليات، الكفوي ص ٤٧٨.

2 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب القنوت في الوتر، رقم ١٤٢٧، ٢/٦٤، والترمذي في سننه، أبواب الدعوات، باب دعاء الوتر، ٣٥٦٦، ٥/٥٦١، والنسائي في سننه، كتاب التطبيق، باب نصب القدمين في السجود، رقم ١١٠٠، ٢/٢١٠، وابن ماجه في سننه، كتاب الدعاء باب ما تعوذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقم ٣٨٤١، ٢/١٢٦٢.

قال الترمذي: «هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث حماد بن سلمة».

وصححه الألباني في تعليقه على مشكاة المصابيح ١/٢٨١.

3 المصدر السابق.

4 انظر: التعريفات، الجرجاني ص ١١١، التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص ١٧٨.

5 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي ص٢٧٦.

6 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/٤٠٢، لسان العرب، ابن منظور ١٤/٣٢٣.

7 انظر: جامع البيان، الطبري ٢١/٢٢١.

8 انظر: مختار الصحاح، الرازي ص ١٥٣، لسان العرب، ابن منظور ١٢/٢٩٠.

9 انظر: التعريفات، الجرجاني ص ٥٧، مقاليد العلوم، السيوطي ص ٢٠٩، التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص ٩٦.

10 انظر: الفروق اللغوية، العسكري ص ٢٥٦.

11 الكليات، الكفوي ١/٣٩٨.

12 بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٢/٤١٦.

13 تاج العروس، الزّبيدي ٢/٢١٤.

14 انظر: الفروق اللغوية، العسكري ص ٢٥٧.

15 الصحاح، الجوهري ٢/٣٠٠.

16 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٨٩٢، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٥/٣٩٩.

17 لسان العرب، ابن منظور ٧/٣١٣.

18 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٤٠٢.

19 انظر: الكشاف، الزمخشري ١/٢٥١، النكت والعيون، الماوردي ١/٣٣٩، لطائف الإشارات، القشيري ١/١٧١، أنوار التنزيل، البيضاوي ١/١٣٣، تفسير المراغي ٢/١١٢، ١١٤، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢/٢٧٢، في ظلال القرآن، سيد قطب ١/٢٠٥.

20 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٥/٣٥٠.

21 انظر: العجاب في بيان الأسباب، ابن حجر ١/٥٢٦.

22 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١١/٢١٨.

23 انظر: التفسير القيم، ابن القيم ص ١٦٣، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٤١٢، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣/٥٠، تفسير المراغي ٥/١٥٤.

24 أخرجه البخاري في صحيحه، باب بدأ الوحي، رقم ١، ١/٦.

25 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١١/٢١٨.

26 انظر: جامع البيان، الطبري ١١/٢٤٤، الكشف والبيان، الثعلبي ٥/٦٨، التفسير الوسيط، الواحدي ٢/٥١١، تفسير القرآن، السمعاني ٢/٣٢٨، الكشاف، الزمخشري ٢/٢٩٠.

27 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب صفة الجنة، رقم ٦٥٤٩، ٨/١١٤، ومسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب إحلال الرضوان على أهل الجنة فلا يسخط عليهم أبدًا، رقم ٢٨٢٩، ٤/٢١٧٦.

28 انظر: جامع البيان، الطبري ١١/٢٤٤، التفسير الوسيط، الواحدي ٢/٥١١، تفسير القرآن، السمعاني ٢/٣٢٨، الكشاف، الزمخشري ٢/٢٩٠.

29 انظر: لطائف الإشارات، القشيري ٢/٤٢٠، الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ٧/٤٤٩٦معالم التنزيل، البغوي ٣/٢٣٨، مفاتيح الغيب، الرازي ٢١/٥٥٠، لباب التأويل، الخازن ٣/١٩٠، تفسير المراغي ١٩/١٢٩، في ظلال القرآن، سيد ٥/٢٦٣٧، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٩٠.

30 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٢/١٣، مفاتيح الغيب، الرازي ١١/٢٨٩، المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/١٥٥، لباب التأويل، الخازن ٢/١٠، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٢٦، في ظلال القرآن، سيد قطب ٢/٨٤٥.

31 أخرجه البيهقي في شعب الإيمان رقم ١٧٤، ١/٣٤٧، والبغوي في شرح السنة رقم ١٢٦، ١/٢٧٠، كتاب العلم، باب حديث أهل الكتاب.

وحسنه الألباني في إرواء الغليل ٦/٣٤.

32 انظر: جامع البيان، الطبري ٩/٥٢٣، لباب التأويل، الخازن ٢/١٠، بيان المعاني، عبدالقادر ملا ٦/٢٩٣.

33 في ظلال القرآن ٢/٨٤٦.

34 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب زيادة الإيمان ونقصانه، رقم ٤٥، ١/١٨، ومسلم في صحيحه، كتاب التفسير، رقم ٣٠١٧، ٤/٢٣١٢.

35 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٢/٢٢٣، معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٥/٢٥، معالم التنزيل، البغوي ٥/٥٧، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٣٣٩.

36 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب من فضائل أصحاب الشجرة أهل بيعة الرضوان رضي الله عنهم، رقم ٢٤٩٦، ٤/١٩٤٢.

37 تفسير القرآن العظيم ٤/٢٠٣.

38 انظر: الكشاف، الزمخشري ٤/٣٠٢، المحرر الوجيز، ابن عطية ٥/٩٨، مفاتيح الغيب، الرازي ٢٨/٢٠، المنار، محمد رشيد رضا ٦/٢٦، روح المعاني، الألوسي ١٣/١٧٦.

39 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٣/٤٤٣، مفاتيح الغيب، الرازي ٢٢/١٣٥، المنار، محمد رشيد رضا ١١/٢٤٣، أضواء البيان، الشنقيطي ١/٣٦.

40 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ١/٣٠٩، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١/٤٨٧.

41 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١/٤٨٧.

42 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٣/٥٠٠.

43 انظر: التفسير الوسيط، الواحدي ٢/٥١١، الكشاف الزمخشري ٢/٢٨٩، المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/٥٩، مفاتيح الغيب، الرازي ٧/١٦٥.

44 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٣٢/٢٥٢، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣/١٨٤.

45 سبق تخريجه.

46 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، ومن مات مشركًا دخل النار، رقم ٩٣، ١/٩٤.

47 انظر: جامع البيان، الطبري ٢١/٢٦٠، التفسير الوسيط، الواحدي ٣/٥٧٢، معالم التنزيل، البغوي ٤/٨٠، المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٥٢١.

48 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٥/٢٣٦.

49 انظر: المصدر السابق.

50 انظر: الدرة البهية، السعدي ص ٧٠، مفهوم الأسماء والصفات، سعد ندا ٤٧ - ٤٨/٨٢.

51 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٣/٣٣٧.

52 انظر: روح البيان، إسماعيل حقي ٣/٤٨٨، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٣٤٨، التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم يونس ٦/٨٦٩.

53 انظر: روح البيان، إسماعيل حقي ٣/٤٨٨، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٣٤٨، التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم يونس ٦/٨٦٩.

54 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٣٤٩.

55 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٦/١٢٤، الكشاف، الزمخشري ٢/٣٠٢، المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/٧٢، البحر المحيط، أبو حيان ٥/٤٨٩، إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٤/٩٤.

56 انظر: جامع البيان، الطبري ٩/١٩١، تفسير المراغي ٥/١٤٩، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٢٠٠، التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم يونس ٣/٨٩٠.

57 انظر: المنار، محمد رشيد رضا ٥/٣٢٥.

58 انظر: الهداية الى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ٢/١٤٥٨.

59 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٣٥٦.

60 سبق تخريجه.

61 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٣٥٦، المحرر الوجيز، ابن عطية ٥/٥٠٩، مفاتيح الغيب، الرازي ٤/١٣٣، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٣/٨٢، إعراب القرآن وبيانه، محيي الدين درويش ١٠/٥٤٧.

62 انظر: التفسير الوسيط، الواحدي ٣/٤٧٢، الكشاف، الزمخشري ٣/٥٤٠، المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٣٨٥، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٤٢٣.

63 انظر: أحكام القرآن، الجصاص ١/١١٦، اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ٣/٨٨، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٧٦.

64 انظر: الرضا عن الله بقضائه، ابن أبي الدنيا ص ٦٥، مدارج السالكين، ابن القيم ٢/١٨٩.

65 انظر: الرضا عن الله بقضائه، ابن أبي الدنيا ص ٥٠.

66 انظر: جامع البيان، الطبري ٨/٥١٨، مدارك التنزيل، النسفي ١/٣٧٠، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٣٤٩، أضواء البيان، الشنقيطي ١/٢٤٥.

67 انظر: لباب التأويل، الخازن ٢/١٤٨، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/١٠٩، مراح لبيد، الجاوي ١/٣٤٢، تفسير المراغي ٨/٨.

68 انظر: جامع البيان، الطبري ١٤/٤١٢، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٠/٢٨٩، أضواء البيان، الشنقيطي ٧/٢٥٦.

69 في ظلال القرآن ٣/١٦٨٤.

70 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٧/٢١٠، مدارك التنزيل، النسفي ٢/٨، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٢٤٩، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١١/٩٩.

71 انظر: الكشاف، الزمخشري ٢/٣٠٢، المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/٧٢، مفاتيح الغيب، الرازي ١٦/١٢٤، البحر المحيط، أبو حيان ٥/٤٨٩، إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٤/٩٤.

72 انظر: البحر المديد، ابن عجيبة ٢/٤٠٠.

73 انظر: مدارك التنزيل، النسفي ١/٦٨٨، المنار، محمد رشيد رضا ١٠/٤٢١، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٠/٢٣١، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٣٤٠، البحر المديد، ابن عجيبة ٢/٣٩٤.

74 انظر: أحكام القرآن، الجصاص ٣/١٠٦، مفاتيح الغيب، الرازي ١٠/٤٥، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٥/١٣٥، مدارك التنزيل، النسفي ١/٣٤٨، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٢٥٩، المنار، محمد رشيد رضا ٥/١١، روح المعاني، الألوسي ٣/٧.

75 انظر: أحكام القرآن، الجصاص ٣/١٠٦، تفسير السمرقندي ١/٢٩٤، مفاتيح الغيب، الرازي ١٠/٤٥، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٥/١٣٥، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٢٥٩، نظم الدرر، البقاعي ٥/٢٣٤، المنار، محمد رشيد رضا ٥/١١.

76 نظم الدرر، البقاعي ٥/٢٣٤.

77 أخرجه أحمد في مسنده رقم ٢٥١١١، ٤٢/٤٦، والترمذي في سننه، أبواب النكاح، باب ما جاء في التسوية بين الضرائر، رقم ١١٤٠، ٣/٤٣٨، والنسائي في سننه، كتاب عشرة النساء، باب ميل الرجل إلى بعض نسائه دون بعض، رقم ٤٩٣٤، ٧/٦٣، وابن ماجه في سننه، كتاب النكاح، باب القسمة بين النساء، رقم ١٩٧١، ١/٦٣٣.

وصححه ابن الملقن في البدر المنير ٨/٤٠.

78 انظر: التفسير الوسيط، الواحدي ٣/٤٧٨، تفسير القرآن، السمعاني ٤/٢٩٨، معالم التنزيل، البغوي ٣/٦٥٣، مفاتيح الغيب، الرازي ٢٥/١٧٦، لباب التأويل، الخازن ٣/٤٣٢، مدارك التنزيل، النسفي ٣/٤٠، تفسير المراغي ٢٢/٢٥، التفسير المنير، الزحيلي ٢٢/٦٧.

79 انظر: الكشاف، الزمخشري ٣/٥٥٢، التفسير الوسيط، طنطاوي ١١/٢٣٣.

80 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي ٢/٢٩٣، معالم التنزيل، البغوي ١/٣٩٤، مفاتيح الغيب، الرازي ٧/٩٥، لباب التأويل، الخازن ١/٢١٥، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣/١٠٦، المنار، محمد رشيد رضا ٣/١٠٣.

81 أخرجه أحمد في مسنده رقم ٦٦٩٨، ١١/٢٩٩، وابن ماجه في سننه، كتاب الأحكام، باب من لا تجوز شهادته، رقم ٢٣٦٦، ٢/٧٩٢.

وحسنه الألباني في إرواء الغليل ٨/٢٨٣.

82 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي ٢/٢٩٣، معالم التنزيل، البغوي ١/٣٩٤، مفاتيح الغيب، الرازي، ٧/٩٥، لباب التأويل، الخازن ١/٢١٥، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣/١٠٦، المنار، محمد رشيد رضا ٣/١٠٣.

83 انظر: أحكام القرآن، ابن العربي ١/٣٣٦.

84 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب إذا خير أحدهما صاحبه بعد البيع فقد وجب البيع، رقم ٢١١٢، ٣/٦٤، ومسلم في صحيحه، كتاب الطلاق، باب ثبوت خيار المجلس للمتبايعين، رقم ١٥٣١، ٣/١١٦٣.

85 انظر: التفسير الوسيط، الواحدي ٢/٣٨، الكشاف، الزمخشري ١/٥٠٢، المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/٤١، مدارك التنزيل، النسفي ١/٣٥١، لباب التأويل، الخازن ١/٣٦٦، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٢٦٨.

86 انظر: الفتاوى الكبرى، ابن تيمية ٣/٣٧١.

87 النكت والعيون ١/٣٠١.

88 انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية ٦/١٨٥.

89 المنثور في القواعد الفقهية ٣/٤٧.