عناصر الموضوع

مفهوم الرزق

الرزق في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

الله خير الرازقين

حقيقة الرزق وتنوع صوره

المعبودات من دون الله والرزق

أسباب الرزق

علاقة المعاصي بالرزق

الرزق في الآخرة

الرزق

مفهوم الرزق

أولًا: المعنى اللغوي:

الرزق: الراء والزاء والقاف أصيلٌ واحدٌ، يدلّ على عطاءٍ لوقت، ثم يحمل عليه غير الموقوت؛ والرزق: بالفتح مصدر، وبالكسر اسم الشيء المرزوق، وهو كل ما ينتفع به، وجمعه أرزاق، والرازق والرزّاق: صفة الله تعالى، فعّال من أبنية المبالغة، لا يقال إلا لله تعالى، ولأنه يرزق الخلق أجمعين، وهو الذي خلق الأرزاق، وأعطى الخلائق أرزاقها وأوصلها إليهم، قال تعالى: ( ) [هود: ٦]1.

قال تعالى: ( ) [الكهف: ١٩]، أي: فليأتكم بقوت منه2.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

الرزق: كل ما ينتفع به، سواءً كان ماديًّا كالأموال من ذهب وفضة وحيوان وزروع وثمار وعقار، وكل ما هو مأكول ومطعوم وملبوس ومشروب ومسكون ونحو ذلك، أو كان معنويًّا كالمعارف والعلوم والمنزلة والجاه والسلطان والعقل والذكاء وحسن الخلق ونحو ذلك، وسواءً كان ما ينتفع به في الدنيا وهو ما ذكرناه، أو ينتفع به في الآخرة وهو رضوان الله تعالى وثوابه ونعيم الجنة، ونحو ذلك مما أخبرنا الله تعالى به3.

الرزق في الاستعمال القرآني

وردت مادة (رزق) في القرآن الكريم (١٢٣) مرة4.

والصيغ التي وردت هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

الفعل الماضي

٣٧

( ) [الروم: ٤٠]

الفعل المضارع

١٩

( ) [آل عمران: ١٦٩]

فعل الأمر

٥

( ) [إبراهيم: ٣٧]

اسم الفاعل

٦

( ﯿ ) [سبأ: ٣٩]

صيغة المبالغة

١

( ) [الذاريات: ٥٨]

اسم

٥٥

( ) [طه: ١٣١]

وجاء الرزق في القرآن على وجهين5:

الأول: العطاء بكل أنواعه، ومنه قوله تعالى: ( ) [البقرة: ٣]، يعني: مما أعطيناهم من الأموال والعلوم والجاه وغير ذلك.

وقوله تعالى: ( ﯿ ) [آل عمران: ٣٧]، يعني: طعامًا أو فاكهة.

الثاني: النفقة، ومنه قوله تعالى: ( ) [البقرة: ٢٣٣]، يعني: نفقتهنّ.

الألفاظ ذات الصلة

الكسب:

الكسب لغة:

طلب الرّزق وابتغاؤه، والسعي في تحصيله، وأصله: الجمع، كسب يكسب كسبًا وتكسّب واكتسب، قال سيبويه: «كسب: أصاب، واكتسب: تصرف واجتهد»6.

الكسب اصطلاحًا:

هو: الأفعال الموصلة إلى المادة، والتصرف المؤدي إلى الحاجة7.

وقال الراغب في مفرداته: «الكسب: ما يتحرّاه الإنسان مما فيه اجتلاب نفعٍ، وتحصيل حظٍ، ككسب المال، وقد يستعمل فيما يظن الإنسان أنه يجلب منفعة، ثم استجلب به مضرة»8.

وعلى ذلك فالكسب هو: ما يحصل ويجتمع من المال بالاكتساب من حلالٍ أم من حرام9.

الصلة بين الكسب والرزق:

الكسب لا يأتي إلا بسعي و طلب، و الرزق قد يأتي بسعي و بدون سعي، فكل كسبٍ رزقٌ و ليس كل رزقٍ كسبًا.

العطاء:

العطاء لغة:

مأخوذٌ من العطو: وهو التّناول، يقال: عطوت الشّيء أعطو: تناولته، وفي الأثر: (أربى الرّبا عطو الرّجل عرض أخيه بغير حقٍّ)10، أي: تناوله بالذم ونحوه، وهو في اللغة: اسم لما يعطى به، والجمع عطايا، وأعطية وجمع الجمع: أعطيات11.

العطاء اصطلاحًا:

لا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي في أن معناه يدور حول المناولة، قال ابن العربي: «حقيقة العطاء هي: المناولة، وهي في اللغة والاستعمال عبارة عن: كل نفع أو ضر يصل من الغير إلى الغير»12.

وقال المناوي: «العطاء: التناول، والمعاطاة: المناولة، لكن استعملها الفقهاء في مناولة خاصة»13.

والعطاء نوعان: العطاء العام: وهو ما يكون للخلائق عامة، والعطاء الخاص: وهو ما كان خاصًّا كإجابة الدعاء، وتحقيق مطلب الأنبياء والصالحين14.

الصلة بين العطاء والرزق:

يقال للعطاء الجاري: رزقٌ، دينيًّا كان أم دنيويًّا، فالرزق يشمل العطاء وغيره، وقيل: الرّزق: ما يفرض للرّجل في بيت المال بقدر الحاجة والكفاية، مشاهرةً أو مياومةً 15.

والعطاء: ما يفرض للرّجل في كل سنةٍ لا بقدر الحاجة بل بصبره وعنائه في أمر الدّين16.

الله خير الرازقين

أولًا: الله هو الرزاق:

«الرازق: المفيض على عباده ما لم يجعل لأبدانهم قوامًا إلا به، والمنعم لهم باتصال حاجتهم من ذلك إليهم؛ لئلا تتنغص عليهم لذة الحياة بتأخره عنهم، ولا يفقدوها أصلًا بفقدهم إياه.

والرزاق: هو الرازق رزقًا بعد رزق، والمكثر الواسع لها»17.

يقول العلامة الشيخ السعدي: «الرزاق لجميع عباده، فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها، والرزق الحلال الذي يعين على صلاح الدين، وهذا خاص بالمؤمنين على مراتبهم منه بحسب ما تقتضيه حكمته ورحمته»18.

لقد ضمن الله تعالى لكل مخلوق رزقه كما وقت له أجله، وذلك ظاهر في آيات متعددة منها:

قال تعالى: ( ) [الذاريات: ٥٨].

فالآية تثبت أن الله هو الرازق مطلقًا لخلقه، المتكفّل بأقواتهم، ذو القوة المتين19 ويعتبر قوله تعالى: ( )؛ تعليلًا لما تقدّم من الأمرين؛ فقوله: ( ) تعليلٌ لعدم طلب الرزق، وقوله تعالى: ( ) تعليل لعدم طلب العمل؛ لأن من يطلب رزقًا يكون فقيرًا محتاجًا، ومن يطلب عملًا من غيره يكون عاجزًا لا قوة له، والله ليس كذلك20.

ومن لطائف ما جاء في هذا الباب: ما قاله السفاريني: «قال العمريّ: رأيت البهلول وقد دلّى رجله في قبرٍ وهو يلعب بالتّراب، قلت أنت ها هنا؟ قال: نعم عند قومٍ لا يؤذوني، وإن غبت لا يغتابوني. قلت له إنّ السّعر قد غلا، قال: لو بلغت كلّ حبّةٍ بمثقالٍ لا أبالي، نعبده كما أمرنا، ويرزقنا كما وعدنا، ثمّ أنشد يقول: رحمه الله تعالى:

أفنيت عمرك فيما لست تدركه

ولا تنام عن اللّذّات عيناه

يا من تمتّع بالدّنيا ولذّتها

يقول للّه ماذا حين يلقاه»21

وجاءت الآية التالية لتثبت تعميم الرزق على السماء والأرض: ( ﯯﯰ ﯲﯳ ) [يونس: ٣١].

يعترف بذلك المشركون بأن الرزق بيد الله وحده، ومن على الأرض يعلم أن الرزق بيد الله الواحد، قال صاحب الظلال: «من المطر الذي يحيي الأرض وينبت الزرع، ومن طعام الأرض نباتها وطيرها وأسماكها وحيوانها، ثم سائر ما كانوا يحصلون عليه من الأرض لهم ولأنعامهم، وذلك بطبيعة الحال ما كانوا يدركونه حينذاك من رزق السماء والأرض، وهو أوسع من ذلك بكثير، وما يزال البشر يكشفون - كلما اهتدوا إلى نواميس الكون - عن رزق بعد رزق في السماء والأرض، يستخدمونه أحيانًا في الخير، ويستخدمونه أحيانًا في الشر حسبما تسلم عقائدهم أو تعتلّ، وكله من رزق الله المسخّر للإنسان، فمن سطح الأرض أرزاق، ومن جوفها أرزاق، ومن سطح الماء أرزاق، ومن أعماقه أرزاق، ومن أشعّة الشمس أرزاق، ومن ضوء القمر أرزاق، حتى عفن الأرض كشف فيه عن دواء وترياق»22، ثم جاءت الآية التي تخصص بعد تعميم فتذكر رزق الدواب، قال تعالى: ( ﭝﭞ )[هود: ٦]. إن المتأمل في آيات القرآن المتلوة، وآيات الكون المرئية يجد -بلا ريب- أن الرزق بيد الله وحده؛ فكما أنه الخالق فهو الرازق23.

أثر الإيمان بهذه الأسماء في ترسيخ العقيدة وزيادة الإيمان:

  1. إفراد الله بالعبادة.
  2. زيادة التوكل على الله.
  3. زيادة الرضا عن الله تعالى.
  4. زيادة محبة العبد لله تعالى.
  5. الشكر لله تعالى.
  6. دعاء الله تعالى.
  7. الإحسان إلى الناس.
  8. تزكية النفس من التكبر والحسد24.

    ثانيًا: الحكمة في تفاوت الأرزاق:

    من سنة الله في الخلق التفاوت في الأرزاق بين الناس، وله حكم عظيمة يعلمها الله عز وجل، وقد يظهر لنا بعض منها، وسأعرض لبعض الآيات التي تبين بعضًا من هذه الحكم.

    قال تعالى: ( ﯮﯯ ﯻﯼ ﯿ)[النحل: ٧١].

    قال المفسرون: أخبر الله عز وجل في هذه الآية أن الرزق متفاوت بين البشر، قد قسمه الله عز وجل، أي: جعلكم متفاوتين في الرزق، فرزقكم أفضل مما رزق مماليككم وهم بشر مثلكم وإخوانكم، فكان ينبغي أن تردّوا فضل ما رزقتموه عليهم، حتى تتساووا في الملبس والمطعم25.

    وقيل: جعلكم متفاوتين فيه، فوسّع على بعض عباده حتى جعل له من الرّزق ما يكفي ألوفًا مؤلّفةً من بني آدم، وضيقه على بعض عباده حتى صار لا يجد القوت إلا بسؤال الناس والتكفّف لهم؛ وذلك لحكمة بالغة تقصر عقول العباد عن تعقلّها، والاطلاع على حقيقة أسبابها، وكما جعل التفاوت بين عباده في المال جعله بينهم في العقل والعلم، والفهم وقوة البدن وضعفه، والحسن والقبح والصحّة والسقم، وغير ذلك من الأحوال 26.

    قال تعالى: ( ﮏﮐ ) [الشورى: ١٩].

    لطيف بعباده، برٌّ بليغ البرّ بهم، قد توصّل برّه إلى جميعهم، وتوصّل من كل واحد منهم إلى حيث لا يبلغه، وهم أحدٌ من كلياته وجزئياته.

    يقول صاحب الكشاف: «فإن قلت: فما معنى قوله: ( ) بعد توصّل برّه إلى جميعهم؟ قلت: كلهم مبرورون لا يخلو أحد من برّه، إلا أن البرّ أصناف، وله أوصاف، والقسمة بين العباد تتفاوت على حسب تفاوت قضايا الحكمة والتدبير، فيطير لبعض العباد صنف من البرّ لم يطر مثله لآخر، ويصيب هذا حظٌّ»27.

    ومن أروع ما قرأت في هذا الباب ما قاله الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: «ومن لطفه بهم تبارك وتعالى: أن يقدر لهم أرزاقهم بحسب علمه تبارك وتعالى بمصالحهم، لا بحسب مراداتهم، فقد يريدون شيئًا وغيره الأصلح وإن كرهوا؛ لطفًا بهم وبرًا وإحسانًا»28.

    قال ابن مسعود رضي الله عنه: «إن العبد ليهمّ بالأمر من التجارة والإمارة حتى ييسر له، فينظر الله إليه من فوق سبع سماوات، فيقول للملائكة: اصرفوه عنه، فإني إن يسرته له أدخلته النار، فيصرفه الله عز وجل عنه، فيظلّ يتطيّر يقول: سبقني فلان، دهاني فلان، وما هو إلا فضل الله عز وجل عليه»29.

    ويتضح من النصوص السابقة أن الرزق وسعته وضيقه من الله، فهو سبحانه وتعالى يبسط الرزق ويوسعه لمن يشاء وفق قضائه وقدره المبني على علمه وحكمته على الأوجه التالية: إما أن يكون:

    • فضلًا منه ورحمةً ابتداءً.
    • امتحانًا واختبارًا.
    • استدراجًا وإمهالًا وعذابًا.

      ويضيق الله الرزق على من يشاء وفق قضائه وقدره المبني على علمه وحكمته على الأوجه التالية:

    • إما حمايةً لعبده منةً ورحمةً به.
    • أو امتحانًا له واختبارًا.
    • أو حرمانًا وعذابًا.

      وهو سبحانه يبسط الرزق لبعض عباده؛ لأنه يعلم أنه لا يصلحه إلا بسط الرزق، ويضيق الرزق على بعض عباده؛ لأنه يعلم أن التضييق عليه في الرزق أصلح له، ولله في قضائه وقدره حكم عظيمة، وكل ما يقدره ويقضيه لعباده فيه الخير والصلاح30.

      ومن حكم التفاوت في الرزق كما جاء بها القرآن:

      ١. ليتخذ بعضنا بعضًا سخريا.

      قال تعالى: ( ﯜﯝ ﯤﯥ ﯮﯯ ) [الزخرف: ٣٢].

      والمعنى: ( )، أي: أسباب معيشتهم في الحياة الدنيا قسمةً تقتضيها مشيئتنا المبنية على الحكم والمصالح، ( ) في الرزق وسائر مبادى المعاش وأسبابه () متفاوتة. فقد فاوتنا بينهم فيما أعطيناهم من الأموال والأرزاق والعقول والفهوم وغير ذلك من القوى الظاهرة والباطنة، فكان منهم القوي والضعيف، والعالم والجاهل، والحاذق والأبله، والرئيس والمرؤوس، والغني والفقير. وإنما فعلنا ذلك ( )، أي: ليسخر بعضهم بعضًا في الأعمال لاحتياج بعضهم إلى بعض، وبهذا يمكن أن يتعايشوا ويحصل كل منهم على ما يحتاجه بمساعدة الآخرين، ولولا هذا التفاوت فيما ذكرنا لما أمكن أن يقضي بعضهم حاجة بعض، ولا أن يخدم بعضهم بعضًا31.

      ٢. المنع من البغي.

      ومن حكمة التفاوت في الرزق: منع بغي الناس في الأرض، قال تعالى: ( ﯕﯖ ) [الشورى: ٢٧].

      والمعنى: لو وسع الله على عباده في الرزق ( ) أي: لطغوا وعصوا، أو لتكبروا في الأرض وفعلوا ما يتبع الكبر من الفساد والعلو فيها، ( ) أي: ينزل أرزاقهم بقدر ما يشاء لكفايتهم، ( ) يعرف ما يؤول إليه أحوالهم، فيقدر لهم ما هو أقرب إلى جمع شملهم، فيرزقهم من الرزق ما يختاره مما فيه صلاحهم وهو أعلم بذلك، فيغني من يستحق الغنى، ويفقر من يستحق الفقر كما توجبه حكمته تعالى. ولو أغناهم جميعًا لبغوا، ولو أفقرهم جميعًا لهلكوا، ولا شبهة في أن البغي مع الفقر أقل، ومع الغنى أكثر وأغلب32، والمؤمن لا يحزن لهذا التفاوت الذي اقتضته حكمة الله حتى ولو كان شديد الفقر، لأن كل ما يؤتاه الإنسان من الدنيا فهو متاع قليل وزائل، ولا يستحق أن تستشرف له نفس المؤمن، ولا أن يكون مقصدها وهمها، ولا أن يحزن على فوته أو فقده، لأن مقصده الآخرة، وغايته طلب مرضاة الله، ولأنه يعلم مدى حقارة الدنيا عند الله تعالى. ومما يدل على حقارة الدنيا عند الله تعالى وإنها وكل ما فيها مما تستشرف إليه النفس، شيء تافه وزائل ومتاع قليل33.

      الحكمة في رزق الكفار:

      إن حقيقة أرزاق الكفار وأهل المعاصي تكمن في أن الله سبحانه قد ضمن الرزق لكل مخلوقاته مؤمنهم وكافرهم؛ فعموم الأدلة الشرعية تدل على شمول رزق الله لكل مخلوقاته، من ذلك قوله تعالى: ( ﭝﭞ ) [هود: ٦].

      ولذلك لما دعا إبراهيم عليه السلام ربه أن يرزق من آمن من ذريته من أهل البيت بيّن الله تعالى له أنه يرزق الكافرين أيضًا34.

      قال تعالى: ( ﯿ ﰆﰇ ﰑﰒ ) [البقرة: ١٢٦].

      قال الشيخ السعدي: «قيد عليه السلام هذا الدعاء للمؤمنين، تأدبًا مع الله، إذ كان دعاؤه الأول فيه الإطلاق، فجاء الجواب فيه مقيدًا بغير الظالم، فلما دعا لهم بالرزق، وقيده بالمؤمن، وكان رزق الله شاملًا للمؤمن والكافر، والعاصي والطائع، قال تعالى: ( )، أي: أرزقهم كلهم، مسلمهم وكافرهم، أما المسلم فيستعين بالرزق على عبادة الله، ثم ينتقل منه إلى نعيم الجنة، وأما الكافر، فيتمتع فيها قليلًا ( ) أي: ألجئه وأخرجه مكرهًا ( ﰑﰒ )»35؛ لأنه ربهم ولا رازق إلا هو، ولكنه سبحانه يمتعهم برزقهم ذلك في الحياة الدنيا، ويعذبهم في الآخرة على خلاف المؤمنين الذين يرزقهم في الدنيا، ويكمل لهم رزقهم ويمتعهم به خالصًا في الآخرة.

      بل لربما يزيد الله في أرزاق بعض الكفار أكثر من أرزاق المؤمنين في الدنيا، وذلك ابتلاءً للمؤمنين وامتحانًا لهم، كما في قوله تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [الزخرف: ٣٢ - ٣٥].

      قال القرطبي في تفسير هذه الآيات: «ذكر حقارة الدنيا وقلة خطرها، وأنها عنده من الهوان بحيث كان يجعل بيوت الكفرة ودرجها ذهبًا وفضةً لولا غلبة حب الدنيا على القلوب فيحمل ذلك على الكفر. قال الحسن: المعنى لولا أن يكفر الناس جميعًا بسبب ميلهم إلى الدنيا عن الآخرة لأعطيناهم في الدنيا ما وصفناه لهوان الدنيا عند الله»36.

      ويستفاد من الآيات: أن الميل إلى الدنيا وطلب متاعها فطري في الإنسان؛ فلذا لو أعطيها الكافر بكفره لمال إليها كل الناس وطلبوها بالكفر، وكذا: هوان الدنيا على الله وعدم الاكتراث بها.

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرًا منها شربة ماء)37.

      وقوله عليه الصلاة والسلام: (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر)38.

      ثم: بيان أن الآخرة خير للمتقين39، والله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان إلا من يحب.

      قال تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [الفجر: ١٥- ١٦].

      يقول شيخ الإسلام: «فالجواب يقول: ما كل من وسعت عليه أكرمته، ولا كل من قدرت عليه أكون قد أهنته، بل هذا ابتلاء، ليشكر العبد على السراء، ويصبر على الضراء، فمن رزق الشكر والصبر كان كل قضاء يقضيه الله خيرًا له40، كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (عجبت للمؤمن إن الله تعالى لم يقض له قضاءً إلا كان خيرًا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له)41.

      فالمؤمن يصبر على البلاء ولكن لا يسأل الله الصبر قبل وقوع البلاء، قال صلى الله عليه وسلم لرجل سمعه يقول: اللهم إني أسألك الصبر، فقال: (لقد سألت الله البلاء، فسله العافية)42.

      لكن عند وقوع الضيق والشدة يسأل العبد ربه الصبر على ما ابتلي به، ولعل من الحكمة في هذا -يعني أن الفضلاء يقلل لهم، والجهلاء يضيق عليهم- لئلا يتوهم الفضلاء أن الفضل يرزقهم، وإنما يرزقهم الله تعالى.

      ورحم الله الشافعي إذ قال43:

      تموت الأسد في الغابات جوعًا

      ولحم الضأن تأكله الكلاب

      وعبدٌ قد ينام على حريرٍ

      وذو نسبٍ مفارشه التراب

      حقيقة الرزق وتنوع صوره

      قد يرزق الله عباده بسبب وبغير سبب، وبطلب وبغير طلب، وقد يرث الإنسان مالًا فيدخل في ملكه من غير قصد إلى تملكه، وهو من جملة الأرزاق، وكل ما وصل منه إليه من مباح فهو رزق الله، على معنى أنه قد جعله له قوتًا ومعاشًا، إلا أن الشيء إذا كان مأذونًا له في تناوله فهو حلال حكمًا، وما كان منه غير مأذون له فيه فهو حرام حكمًا44.

      قال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [إبراهيم: ٣٢-٣٤].

      وهذا من رحمة الله ولطفه بعباده أن نوع أرزاقه وفضله ونعمه وعددها؛ فجعل منها ما هو ظاهر، وما هو باطن، ومنها ما هو أول، ومنها ما هو آخر، ومنها ما هو مادي، ومنها ما هو معنوي؛ ومنها ما عجله لعباده في الحياة الدنيا، ومنها ما أخره، والآية فيها إشارة إلى ذلك حيث خلق لنا كل شيء، وسخر لنا كل شيء، وأعطانا من كل شيء سألناه، ومن كثرة نعمه لا يمكن أن يحصيها أحد، ولا يمكن أن يعدها عاد، فلله الحمد، وله الشكر، وله الثناء الحسن.

      وللرزق مفهومان: مفهوم عام، ومفهوم خاص.

      فالعام: هو كل ما تفضل به الله على عباده وأنعم، سواءً في الدنيا أو في الآخرة، وسواءً كان هذا الرزق ماديًّا أو معنويًّا.

      أما الخاص: فهو المادي في الدنيا، ومن كسب الإنسان.

      ومن أمثلة على الرزق العام فيما يأتي:

    1. خلق المخلوقات علويها وسفليها لصالح الإنسان. قال تعالى: ( ﯺﯻ ﯿ)[البقرة: ٢٩].
    2. تفضله سبحانه وتعالى على من يشاء بالملك والعز والخير. قال تعالى: ( ﮘﮙ ﮛﮜ) [آل عمران: ٢٦].
    3. إنزال المطر وإنشاء الجنات والأنعام. قال سبحانه: ( ﮭﮮ ﯘﯙ ﯠ ﯡ ﯥﯦ ﯮﯯ ﯳ ﯴ) [الأنعام :١٤١- ١٤٢]
    4. ومن رزق الله: البحر وما فيه من أرزاق وخيرات، قال عز وجل: ( ﭛﭜ ﭤﭥ ) [فاطر الآية ١٢]. أخرج البخاري في صحيحه من حديث جابر، قال: غزونا جيش الخبط، وأمّر أبو عبيدة فجعنا جوعًا شديدًا فألقى البحر حوتًا ميّتًا لم نر مثله، يقال له: العنبر، فأكلنا منه نصف شهرٍ، فأخذ أبو عبيدة عظمًا من عظامه فمرّ الرّاكب تحته، فأخبرني أبو الزّبير أنّه سمع جابرًا يقول: قال أبو عبيدة: كلوا، فلمّا قدمنا المدينة ذكرنا ذلك للنّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: (كلوا رزقًا أخرجه اللّه، أطعمونا إن كان معكم)، فأتاه بعضهم بعضوٍ فأكله)45.

      هذه الغزوة: غزوة سيف البحر، أو سرية الخبط46، وكانت في رجب سنة ثمانٍ، بعثهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ساحل البحر يتلقون عيرًا لقريش، بينهم وبين المدينة خمس ليال، وخرج بهم أبو عبيدة رضي الله تعالى عنه، ولما كانوا في أثناء الطريق انتهى زاد الجيش، فأمر أبو عبيدة بأزواد الجيش، فجمعها فكانت مزود تمر، والمزود هو: ما يوضع فيه الزاد، قال جابر: فكان أبوعبيدة يعطينا تمرةً تمرةً، فقلت: كيف كنتم تصنعون بها؟ قال: نمصها كما يمص الصبي، ثم نشرب عليها من الماء فتكفينا يومنا إلى الليل، وكنا نضرب بعصينا الخبط ثم نبله بالماء فنأكله، قال: وانطلقنا في ساحل البحر، فرفع لنا على ساحل البحر كهيئة الكثيب الضخم، فأتيناه فإذا هي دابة تدعى العنبر فأكلنا منها نصف شهر..الحديث.

      المعبودات من دون الله والرزق

      أولًا: لا تملك المعبودات من دون الله الرزق:

      من ثوابت الإيمان التي يجب على المسلم أن يؤمن بها ويتمسك بها أن تكون ثقته أن الرزق بيد الله، وأنه سبحانه هو الرزاق ذو القوة المتين، وأن على الإنسان أن يلجأ في طلب الرزق إليه سبحانه.

      قال تعالى: ( ﭞﭟ ) [العنكبوت: ١٦].

      وقال تعالى: ( ﭿ ﮀﮁ ) [العنكبوت: ١٧].

      في الآية السابقة: وجوب إفراد الله تعالى بالدعاء والعبادة، أما هذه الآية فهي كالتفسير للآية السابقة، وقد دلت على وجوب الدعاء لله وحده وطلب الرزق منه، وعلى وجوب إفراد الله بجميع أنواع العبادة ()، وعلى وجوب شكر الله على نعمه، (ﭿ) هذا فعل أمر.

      ثانيًا: التقرب إلى المعبودات من دون الله بنصيب من رزق الله:

      العبادة حق لله وحده لا شريك له سواءً كانت ذبحًا أو نذرًا أو سجودًا أو ركوعًا أو طوافًا ونحوها، فإن من جعل شيئًا منها لمخلوق كائنًا من كان فقد أشرك بالله تعالى في عبادته، واتخذ مع الله أندادًا.
      وبيان ذلك
      أن الذبح أو النذر لغير الله تعالى شرك بالله تعالى؛ لأنهما عبادتان يجب صرفهما لله تعالى وحده، فمن صرفهما لغيره فقد أشرك، كما أن هؤلاء الذين ينحرون أو ينذرون لغير الله تعالى سواءً كان للأموات، أو للجن، أو للملائكة عليهم السلام، أو لطلعة سلطان ونحوها، إنما يفعلون ذلك عن اعتقاد باطل، فيعتقدون أنها تجلب النفع أو تدفع الضر، ومنهم من يقدم تلك النحائر والنذور إلى هذه المعبودات من أجل أن تقربهم عند الله زلفى.

      يقول الله تعالى: ( ﭬﭭ ﭯﭰ)[المائدة: ٣].

      يقول ابن عطية في تفسير قوله تعالى: ( ) «يعني: ما ذبح لغير الله تعالى، وقصد به صنم أو بشر من الناس كما كانت العرب تفعل، وكذلك النصارى، وعادة الذابح أن يسمي مقصوده ويصيح به، فذلك إهلاله»47.

      يقول ابن تيمية: «قوله تعالى: ( )[المائدة: ٣].

      ظاهره أنه ما ذبح لغير الله تعالى، مثل أن يقال: هذا ذبيحة لكذا، وإذا كان هذا هو المقصود، فسواءً لفظ به أو لم يلفظ، فإن العبادة لغير الله أعظم كفرًا من الاستعانة بغير الله، وعلى هذا فلو ذبح لغير الله متقربًا به إليه لحرم، وإن قال فيه باسم الله، كما قد يفعله طائفة من منافقي هذه الأمة الذين قد يتقربون إلى الكواكب، بالذبح والبخور ونحو ذلك، وإن كان هؤلاء مرتدين لا تباح ذبيحتهم بحال، لكن يجتمع في الذبيحة مانعان»48.

      ويقول ابن كثير: «وقوله تعالى: ( ) [المائدة: ٣].

      قال مجاهد وابن جريج: كانت النصب حجارة حول الكعبة، قال ابن جريج: وهي ثلاثمائة وستون نصبًا، فنهى الله المؤمنين عن هذا الصنيع، وحرم عليهم أكل هذه الذبائح التي فعلت عند النصب، حتى ولو كان يذكر عليها اسم الله في الذبح عند النصب، فهو من الشرك الذي حرمه الله ورسوله، وينبغي أن يحمل هذا على هذا»49.

      أسباب الرزق

      أولًا: الإيمان والتقوى:

      الإيمان بالله تعالى سبب من أسباب الرزق، لقوله تعالى: ( ) [٩٦: الأعراف].

      ومن لوازم الإيمان بالله تعالى: شكره سبحانه، فكما أن الإيمان سبب في الرزق فالشكر سبب في زيادته، والشكر مبني على ثلاثة أركان هي: الاعتراف بها -أي: بالنعمة- باطنًا، والتحدث بها ظاهرًا، وتصريفها في مرضاة وليّها ومسديها ومعطيها سبحانه50.

      قال تعالى: ( ﭲﭳ ) [إبراهيم: ٧] ؛ فقد بينت الآية الكريمة أن الشكر سبب في زيادة النعم، والمزيد يتضمن الحفظ والزيادة، ومتى لم ير الإنسان نفسه في مزيدٍ فليستقبل الشكر.

      وذكر القرطبي أن الآية نص في أن الشكر سبب المزيد في الرزق وأنه أحد الأقوال في الآية51، وأن الكفر عمومًا بعدم الإيمان وعدم رد النعمة إلى الله تعالى سبب في العذاب لأن الكفر بالنعمة كفر ببارئها. كما جاءت الأحاديث الشريفة مؤكدة للمعنى الذي أشارت إليه الآية الكريمة، فعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يرزق الله عبدًا الشكر فيحرمه الزيادة)؛ لأن الله تعالى يقول: ( ) 52.

      كما جعل الله تعالى التقوى في الآية نفسها سببًا من أسباب الرزق، وفي هذا إشارة إلى أن رغد العيش وسعة الرزق تكون بالإيمان والتقوى.

      وفي آية أخرى أفرد الله سبحانه التقوى سببًا من أسباب الرزق، فقال: ( ) [الطلاق: ٢].

      وقد يتصوّر أكثر الناس أن السعي في الأرض والمشي في مناكبها هو السبب الوحيد لتحصيل الرزق، ولكن اللّه سبحانه، الذي هو باسط الرزق ومسبب أسبابه، يؤكد في كتابه المجيد أن الأمر مختلف، فالتقوى والإيمان في البيان القرآني من أسباب الرزق أيضًا:

      التقوى عرفها العلماء بقولهم: امتثال أمر الله، واجتناب نهيه، والوقاية من سخطه وعذابه عز وجل؛ ولذا من صان نفسه عن المعاصي هو متق لله، ومن قام بالواجبات والأوامر وحافظ عليها كان من المتقين لله تعالى، أما من عرض نفسه بالمعصية لسخط الله وعقوبته فقد أخرج نفسه عن وصف المتقين، والدليل على ارتباط التقوى بالرزق قول الله تعالى: ( ﭭﭮ ﭱﭲ ) [المائدة: ٦٦].

      أي: لأكثر الله الرزق النازل عليهم من السماء، والنابت لهم من الأرض، ولأسبغ عليهم الدنيا إسباغًا53.

      ومن صور التقوى: التفرغ لعبادة الله عز وجل: ومعناه: حضور القلب وخشوعه وخضوعه لله أثناء العبادة، فعن معقل بن يسارٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقول ربّكم تبارك وتعالى: يا ابن آدم، تفرّغ لعبادتي، أملأ قلبك غنىً، وأملأ يديك رزقًا، يا ابن آدم، لا تباعد منّي، فأملأ قلبك فقرًا، وأملأ يديك شغلًا)54.

      ثانيًا: التوكل:

      جعل الله التوكل عليه من أسباب الرزق كذلك. وحقيقة التوكل على الله هي الاعتماد عليه سبحانه، وإسناد الأمر إليه، والتفويض الكامل له، واستسلام القلب له؛ اعتمادًا على كفاية الله عبده، وإحسان العبد الظنّ بربه، وإثباتًا للتوحيد في الأمر كله لله سبحانه، حيث لا خالق ولا فاعل إلا هو، وهو تام العلم والقدرة والرحمة، فمن آمن بذلك توكل على الله55، كما دل قوله تعالى: ( ﮬﮭ) إلى كفاية الله لكل من توكل عليه في أي أمر من الأمور، ويدخل في هذا العموم الرزق. وفي سنن الترمذي عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا)56.

      ففي هذا الحديث دلالة على الجمع بين الرزق والتوكل، وأن الناس لو توكلوا على الله لرزقهم كما يرزق الطير، التي تخرج من أعشاشها صباحًا خاوية البطون من الجوع تبحث عن رزقها، وتعود مساءً ممتلئة الحواصل، شبعةً من رزق الله57.

      فترك الأسباب ومجرد تفويض الأمر إلى الله في نظرهم هو الإيمان. وحقيقة الأمر أن التوكل حال النبي صلى الله عليه وسلم والكسب سنته، فمن عمل على حاله فلا يتركنّ سنّته 58، والتوكل على الله في عموم حاجات المسلم من علامات إيمان المرء، ويتأكد ذلك في التوكل على الله في الرزق، وتحصيله، قال أبو حاتم بن حبّان رحمه الله الواجب على العاقل: لزوم التوكل على من تكفل بالأرزاق؛ إذ التوكل هو نظام الإيمان، فالنظام: هو السلك الذي تنظم فيه حبات العقد.

      وقرين التوحيد، وهو السبب المؤدي إلى نفي الفقر، ووجود الراحة، وما توكل أحدٌ على الله جل وعلا من صحة قلبه، حتى كان الله جلّ وعلا بما تضمّن من الكفالة أوثق عنده بما حوته يده: إلا لم يكله الله إلى عباده، وآتاه رزقه من حيث لم يحتسب.

      وأنشدني منصور بن محمد الكريزي59:

      توكل على الرحمن في كلّ حاجةٍ

      أردتّ فإن الله يقضي ويقدر

      متى ما يرد ذو العرش أمرًا بعبده

      يصبه، وما للعبد ما يتخيّر

      وقد يهلك الإنسان من وجه أمنه

      وينجو بإذن الله من حيث يحذر

      قال ابن حجر: والمراد بالتوكل اعتقاد ما دلت عليه هذه الآية: ( ﭝﭞ ) [هود: ٦].

      وليس المراد به: ترك التسبب والاعتماد على ما يأتي من المخلوقين لأن ذلك قد يجر إلى ضد ما يراه من التوكل، وقد سئل أحمد عن رجل جلس في بيته أو في المسجد، وقال: لا أعمل شيئًا60.

      ثم إن التوكّل على الله -وليس بمعنى التواك- من أبواب الرزق، فعلى الإنسان أن يعمل ويجدّ في طلب الرزق، ولا يعني أن عمله بالطاعة يغنيه عن العمل الدّنيوي لجلب الرزق، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم: (لو توكّلتم على الله حق توكّله لرزقكم كما يرزق الطير؛ تغدو خماصًا، وتروح بطانًا) 61.

      وقد قال ابن تيمية: وأما قوله: (يا عبادي، كلّكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم، وكلكم عارٍ إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم)62.

      فيقتضي أصلين عظيمين؛ أحدهما: وجوب التوكّل على الله في الرّزق المتضمّن جلب المنفعة؛ كالطعام، ودفع المضرّة كاللّباس، وأنه لا يقدر غير الله على الإطعام والكسوة قدرةً مطلقةً63.

      قال ابن القيم رحمه الله: «التوكل أصل لجميع مقامات الإيمان والإحسان ولجميع أعمال الإسلام، وأن منزلته منها منزلة الجسد من الرأس، فكما لا يقوم الرأس إلا على البدن فكذلك لا يقوم الإيمان ومقاماته وأعماله إلا على ساق التوكل64.

      ثالثًا: الاستغفار:

      والاستغفار: طلب المغفرة قولًا وفعلًا، والغفران والمغفرة: هو أن يصون الله عز وجل العبد من أن يمسه العذاب65.

      ثمرات الاستغفار:

      إن من منن الله الكبرى، والفضائل العظمى، ما رتّب على الاستغفار من عظيم الجزاء، ومن ذلك:

    1. أن الاستغفار سبب المغفرة، ولو عظمت الذنوب، وبلغت من الكثرة عنان السماء.

      قال تعالى: ( )[النساء: ١١٠].

      أي: من تجرأ على المعاصي، واقتحم على الإثم، ثم استغفر الله استغفارًا تامًّا، يستلزم الإقرار بالذنب، والندم عليه، والإقلاع، والعزم على ألا يعود، فهذا قد وعده من لا يخلف الميعاد بالمغفرة والرحمة، فيغفر له ما صدر منه من الذنب، ويزيل عنه ما ترتب عليه من النقص والعيب، ويعيد إليه ما تقدّم من الأعمال الصالحة، ويوفّقه فيما يستقبله من عمره، ولا يجعل ذنبه حائلًا عن توفيقه؛ لأنه قد غفره، وكذا سائر المعاصي الصغيرة والكبيرة، وسمي ()؛ لكونه يسوء عامله بعقوبته، ولكونه في نفسه سيئًا غير حسن، وكذلك ظلم النفس عند الإطلاق، يشمل ظلمها بالشرك فما دونه، وسمى ظلم النفس ظلمًا؛ لأن نفس العبد ليست ملكًا له، يتصرف فيها بما يشاء، وإنما هي ملك لله تعالى قد جعلها أمانة عند العبد، وأمره أن يقيمها على طريق العدل، بإلزامها الصراط المستقيم علمًا وعملًا، فيسعى في تعليمها ما أمر به، ويسعى في العمل بما يجب66.

    2. أن الاستغفار سبب لرفع البلاء والنقم.

      قال تعالى: ( ﯰﯱ ) [الأنفال: ٣٣].

      وقد دلّت هذه الآية على فضيلة الاستغفار وبركته، بإثبات أن المسلمين أمنوا من العذاب، الذي عذّب الله به الأمم؛ لأنهم استغفروا من الشرك باتّباعهم الإسلام67 عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان في هذه الأمة أمانان: رسول الله صلى الله عليه و سلم، والاستغفار، فذهب أمان، يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبقي أمان، يعني: الاستغفار68.

    3. الاستغفار سبب للمتاع الحسن في الدنيا.

      قال تعالى على لسان نوح عليه السلام: ( ﯿ ﰁ ﰂ ﭞ ﭟ) [نوح: ١٠ - ١٢].

      هذه الآيات نزلت في قوم نوح لما كذبوه زمانًا طويلًا فحبس الله عز وجل عنهم المطر، وأعقم أرحام نسائهم أربعين سنة، فرجعوا فيه إلى نوح، فقال نوح عليه السلام: ( ﯿ )، أي: استغفروا ربكم من الشرك حتى يفتح عليكم أبواب نعمه، والغفار أبلغ من الغفور، وهو من الغافر، وأصل الغفر: الستر والتغطية، والمغفرة من الله سـتره للذنوب وعفوه عنها بفضله ورحمته لا بتوبة العباد وطاعتهم69.

      ولتحريك داعي الاستغفار قال الله عز وجل: (ﯿ )، فبين أنه دائم المغفرة كثيرها للتائبين، ووعدهم أنهم إن آمنوا يرزقهم الله تعالى الخصب ويدفع عنهم ما هم فيه70، فالآيات تدل على أن الاشتغال بالطاعة سبب لانفتاح أبواب الخيرات، ويحكي لنا القرآن الكريم أن نبي الله هود عليه السلام قد تفطن لثمرة الاستغفار، وأنه من أسباب الرزق والعز والقوة؛ حيث قال عز وجل على لسانه: ( ﯿ ) [هود: ٥٢].

      والمعني: كما يقول السعدي: «( ) عما مضى منكم ( ) فيما تستقبلونه، بالتوبة النصوح، والإنابة إلى الله تعالى، فإنكم إذا فعلتم ذلك ( ) بكثرة الأمطار التي تخصب بها الأرض، ويكثر خيرها، ( ) فإنهم كانوا من أقوى الناس، ولهذا قالوا: ( ﮕﮖ)[فصلت: ١٥].

      فوعدهم أنهم إن آمنوا، زادهم قوة إلى قوتهم، أي: عزًا مضـمومًا إلى عزكم أو مع عزكم»71.

      وكان أكثر دعاء نبينا صلي الله عليه وسلم: (اللّهمّ ربّنا آتنا في الدّنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقنا عذاب النّار)72.

      قال ابن حجر رحمه الله تعالى: «قال ابن كثير: الحسنة في الدنيا تشمل كل مطلوب دنيوي، من عافية، ودار رحبة، وزوجة حسنة، وولد بار، ورزق واسع، وعلم نافع، وعمل صالح، ومركب هنيء، وثناء جميل، إلى غير ذلك مما شملته عباراتهم، فإنها كلها مندرجة في الحسنة في الدنيا، وأما الحسنة في الآخرة فأعلاها دخول الجنة، وتوابعه من الأمن من الفزع الأكبر في العرصات، وتيسير الحساب وغير ذلك من أمور الآخرة»73.

      فإذا ما استغفر المسلم ولم يجد نتيجة، فليتذكر أنه ليس المراد بالاستغفار مجرد قول «استغفر الله» بل الرجوع عن الذنوب وتطهير الألسنة والقلوب 74.

      وليعلم أن الخلل فيه هو لا في غيره، وأن استغفاره لم يتجاوز لسانه، وأن استغفاره دون وعي، ودون عمل يحتاج إلى استغفار.

      قال تعالى حاكيًا قول شعيب عليه السلام لقومه: ( ﭭﭮ ) [هود: ٩٠].

      قال السعدي في سرده لفوائد قصة شعيب: «ومنها: أن التائب من الذنب كما يسمح له عن ذنبه ويعفى عنه، فإن الله تعالى يحبه ويودّه ولا عبرة بقول من قال: (إن التائب إذا تاب فحسبه أن يغفر له ويعود عليه بالعفو، وأما عود الود والحب فإنه لا يعود)، فإن الله تعالى قال:  ( ﭭﭮ ) [هود: ٩٠]»75.

      رابعًا: الدعاء:

      لقد أمر الله تعالى عباده بأن يدعوه وحضهم على الدعاء وسماه عبادة، ووعدهم بأن يستجيب لهم، وأخبرهم بأنه قريب يجيب دعوة من دعاه، ويستحي أن يرد يدي عبده خاليتين.

      قال الله تعالى: ( ﯮﯯ ﯴﯵ ) [البقرة: ١٨٦].

      وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم، يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرًا)76.

      وللدعاء أهمية كبرى، وثمرات جليلة، وفضائل عظيمة، وأسرار بديعة منها77:

    1. الدعاء طاعة لله وامتثال لأمره عز وجل.

      قال تعالى: ( ﭡﭢ ) [غافر: ٦٠].

      وقال تعالى: ( ﯲﯳ ) [الأعراف: ٢٩].

    2. الداعي مطيع لله، مستجيب لأمره، السلامة من الكبر.

      قال تعالى: ( ﭡﭢ ) [غافر: ٦٠].

      قال الإمام الشوكاني في هذه الآية: «والآية الكريمة دلت على أن الدعاء من العبادة؛ فإنه سبحانه وتعالى أمر عباده أن يدعوه، ثم قال: ( ). فأفاد ذلك أن الدعاء عبادة، وأن ترك دعاء الرب سبحانه استكبار»78.

      ويجمع خيري الدنيا والآخرة سؤال الله حسنة في الدنيا، وفي الآخرة حسنة، فهذا من جوامع الدّعاء؛ سأل قتادة أنسًا: أي دعوة كان يدعو بها النبيّ صلى الله عليه وسلم أكثر؟ قال: كان أكثر دعوة يدعو بها، يقول: (اللهمّ آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقنا عذاب النار)، قال: وكان أنسٌ إذا أراد أن يدعو بدعوة دعا بها، فإذا أراد أن يدعو بدعاءٍ دعا بها فيه79.

      قال ابن كثير: «جمعت هذه الدعوة كلّ خيرٍ في الدنيا، وصرفت كلّ شرٍّ، فإنّ الحسنة في الدنيا تشمل كلّ مطلوب دنيوي؛ من عافية، ودار رحبة، وزوجة حسنة، ورزق واسع، وعلم نافع، وعمل صالح، ومركب هنيء، وثناء جميل، إلى غير ذلك مما اشتملت عليه عبارات المفسّرين، ولا منافاة بينها، فإنّها كلها مندرجةٌ في الحسنة في الدنيا»80.

      وقال الله تعالى: ( ﭢﭣ ﭧ ﭨ ﭭﭮ ﭺ ﭻ)[المائدة: ١١٤- ١١٥].

      والمعنى: «( ) أي: يا الله المطلوب لكل مهمّ، الجامع للكمالات، الذي ربانا بها، ناداه سبحانه وتعالى مرتين بوصف الألوهية والربوبية، إظهارًا لغاية التضرع ومبالغةً في الاستدعاء، ( )أي: التي فيها ما تعدنا من نعيم الجنة، ( ) أي: يكون يوم نزولها عيدًا نعظمه ونسرّ به، نحن الذين يدركونها. ومن بعدنا الذين يسمعونها فيتقوّون في دينهم، (العيد) العائد، مشتق من (العود) لعوده في كل عام بالفرح والسرور، وكل ما عاد عليك في وقت فهو عيد، وقيل: العيد: ما اعتادك من هم أو مرض أو حزن ونحوه، كل يوم فيه جمع، ( ) أي: على كمال قدرتك وصدق وعدك وتصديقك إياي، () أي: أعطنا ما سألناك، ( ) أي: خير من يرزق، لأنه خالق الرزق ومعطيه بلا عوض81.

      ومن صور الدعاء: الاستعاذة بالله من المأثم والمغرم:

      عن عائشة رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصّلاة: (اللّهمّ إنّي أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدّجّال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، اللّهمّ! إنّي أعوذ بك من المأثم والمغرم). قالت: فقال له قائلٌ: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم يا رسول الله! فقال:  (إنّ الرّجل إذا غرم، حدّث فكذب، ووعد فأخلف) 82.

      خامسًا: الإنفاق:

      ومن صوره:

      ١-الإنفاق في سبيل الله تعالى:

      قال الله تعالى: ( ﯿ ) [سبأ: ٣٩].

      والمعنى: ( ﯿ) في فعل الخيرات التي أمر الله بها في كتابه وبيّنها رسوله صلّى الله عليه وسلّم، ( ) أي: يعوضه عليكم إما في الدنيا وإما في الآخرة، ( ) أي: إن الناس مجرد وسطاء، فإن رزق العباد لبعضهم بعضًا إنما هو بتيسير الله وتقديره، وليسوا برازقين على الحقيقة، وإنما الرازق الحقيقي هو الله تعالى83.

      وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم أنفق أنفق عليك)84.

      ٢-الإنفاق على أهل العلم:

      عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: كان أخوان على عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم فكان أحدهما يأتي النّبيّ صلى الله عليه وسلم والآخر يحترف فشكا المحترف أخاه إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: (لعلّك ترزق به)85.

      ٣-إكرام الضعفاء والإحسان إليهم:

      عن مصعب بن سعدٍ قال: رأى سعدٌ رضي الله عنه أنّ له فضلًا على من دونه، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: (هل تنصرون وترزقون إلاّ بضعفائكم)86.

      وفي الصحيح عن أبي هريرة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا)87.

      ويكون الخلف بعدة وجوه:

      يخلفه في الدنيا، إذا رأى ذلك صلاحًا، فيعوّضه مثل ما أنفق وأزيد يخلفه في الآخرة بالأجر والثواب.

      سادسًا: السعي في الأرض:

      لقد أعلن القرآن الكريم دعوته الأكيدة على ضرورة العمل، وعلى الكسب، وبذل الجهد.

      قال اللّه تعالى: ( ) [الجمعة: ١٠].

      إن المنهج الإسلامي يتسم بالتوازن بين العمل لمقتضيات الحياة في الأرض، وبين العمل في تهذيب النفس، والاتصال باللّه تعالى وابتغاء رضوانه، والى ذلك يشير القرآن الكريم88.

      قال تعالى: ( ﯭﯮ ﯳﯴ ﯹﯺ ﯿﰀ )[القصص: ٧٧].

      والمعنى: قد حصل عندك من وسائل الآخرة ما ليس عند غيرك من الأموال، فابتغ بها ما عند اللّه، وتصدق ولا تقتصر على مجرد نيل الشهوات، وتحصيل اللذات، ولا نأمرك أن تتصدق بجميع مالك وتبقى ضائعًا، بل أنفق لآخرتك، واستمتع بدنياك استمتاعًا لا يثلم دينك، ولا يضر بآخرتك، وأحسن إلى عباد اللّه كما أحسن اللّه إليك بهذه الأموال، ولا تبغ الفساد في الأرض بالتكبر والعمل بمعاصي اللّه والاشتغال بالنعم عن المنعم، إنّ اللّه لا يحبّ المفسدين بل يعاقبهم على ذلك، أشد العقوبة89.

      قال تعالى: ( ﭯﭰ ) [الملك: ١٥].

      لما ذكر سبحانه أنه يسرها للمشي، ذكرهم بأنه سهلها لإخراج الخيرات والبركات فقال: () ودل على أن الرزق فوق الكفاية بقوله: ( ) أي: الذي أودعه لكم فيها، وأمكنكم من إخراجه بضد ما تعرفون من أحوالكم، فإن الدفن في الأرض مما يفسد المدفون ويحيله إلى جوهرها كما يكون لمن قبرتموه فيها، ومع ذلك فأنتم تدفنون الحب وغيره مما ينفعكم فيخرجه لكم سبحانه على أحسن ما تريدون ويخرج لكم من الأقوات والفواكه والأدهان والملابس ما تعلمون، وكذلك النفوس هي صعبة كالجبال وإن قدتها للخير انقادت لك، كما قيل: (هي النفس ما عودتها تتعود)، ولما كان التقدير للبعث على الشكر والتحذير من الكفر: واعبدوه جزاءً على إحسانه إليكم وتربيته لكم. فمنه مبدأ جميع ذلك، عطف عليه ما يدعو إلى الحياء من السيد والخجل من توبيخه عند لقائه فقال: () أي: وحده () وهو إخراج جميع الحيوانات التي أكلتها الأرض وأفسدتها، يخرجها في الوقت الذي يريده90.

      والكد والعمل -طلبًا للرزق- من سنن الأنبياء، قال عليه الصلاة والسلام: (ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده) 91.

      وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق وهو يقول: اللهم ارزقني، وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضةً»92.

      وخلاصة القول: أن الحياة جهاد وكفاح، فليس طلب المعيشة بالتمني ولكن بالعمل، وعجز المرء وكسله سبب البلاء والتأخير، وقد تعوذ النبي صلى الله عليه وسلم من الكسل فقال: (اللهم إني أعوذ بك من الكسل والجبن والبخل، ومن غلبة الدين وقهر الرجال)93.

      وقد قال صلى الله عليه وسلم: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تكسل)94.

      فسبحان من أخرج الناس من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئًا، وجعل لهم السمع والأبصار والأفئدة، وأمرهم باستعمالها، وهداهم إلى أسباب الرزق، ويسرها لمن طلبها.

      ومن آداب السعي لطلب الرزق وزيادته وحصول البركة فيه:

      التبكير في طلب الرزق:

      عن صخرٍ الغامديّ رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (اللّهمّ بارك لأمّتي في بكورها)، وكان إذا بعث سريّةً أو جيشًا بعثهم من أوّل النّهار، وكان صخرٌ رجلًا تاجرًا، وكان يبعث تجارته من أوّل النّهار، فأثرى وكثر ماله حتى كان لا يدري أين يضع ماله95.

      قال الإمام الشوكاني: «وحديث صخر المذكور فيه مشروعية التبكير من غير تقييد بيوم مخصوص سواءً كان ذلك في سفر جهاد أو حج أو تجارة أو في الخروج إلى عمل من الأعمال ولو في الحضر»96.

      سابعًا: صلة الرحم:

      إن من أعظم الطاعات التي تزيد في الرزق هي صلة الرحم؛ كما روي عن أنس ابن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من سرّه أن يبسط له في رزقه، أو ينسأ له في أثره، فليصل رحمه)97.

      ومعنى قوله: (وينسأ له في أثره) أي: يبقى ذكره الطيب وثناؤه الجميل مذكورًا على الألسنة، فكأنه لم يمت، والعرب تقول: «الثناء يضارع الخلود»، كما يسمى الذم موتًا، وقال سابق البربري: موت التّقيّ حياةٌ لا انقطاع لها، قد مات قومٌ وهم في النّاس أحياء98.

      يعنى: بسوء أفعالهم وقبح ذكرهم، وفي الحديث السابق: إباحة اختيار الغنى على الفقر، فإن قيل: هذا الحديث يعارض قوله عليه السلام: (يجمع خلق أحدكم في بطن أمّه أربعين يومًا مضغة...) وفيه: (فيكتب رزقه وأجله)99.

      قال المهلب: اختلف العلماء في وجه الجمع بينهما على قولين:

      القول الأول: معنى البسط في رزقه: البركة؛ لأن صلته أقاربه صدقة، والصدقة تربي المال وتزيد فيه، فينمو بها ويزكو.

      والقول الثاني: أنه يجوز أن يكتب في بطن أمه أنه إن وصل رحمه فإن رزقه وأجله كذا، وإن لم يصل رحمه فكذا؛ بدلالة قوله تعالى في قصة نوح: ( ﮣﮤ ﮫﮬ ) [نوح: ٣- ٤] .

      يريد: أجلًا قد قضى به لكم إن أطعتم، يؤخّركم إليه؛ لأن أجل الله إذا جاء في حال معصيتكم لا يؤخّر عنكم100.

      قال تعالى: ( ) [يونس: ٩٨] ؛ وهو الهلاك على الكفر، ( ) فهذا كله من المكتوب في بطن أمه؛ أي الأجلين استحقّ لا يؤخّر عنه، ويؤيد هذا قوله تعالى: ( ﯙﯚ ) [الرعد: ٣٩].

      وقد روي عن عمر بن الخطاب ما هو تفسيرٌ لهذه الآية؛ كان يقول: «اللهم إن كنت كتبتني عندك شقيًّا، فامحني واكتبني سعيدًا؛ فإنك تقول: ( ﯙﯚ ) [الرعد: ٣٩]».

      علاقة المعاصي بالرزق

      لا شك أن المعاصي جميعًا سواءً كانت في حق الله أو في حقوق العباد من أسباب ضيق الرزق ونكد العيش، وعن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزيد في العمر إلا البر، ولا يردّ القدر إلاّ الدّعاء، وإنّ الرجل ليحرم الرّزق بالذنب يصيبه)101.

      حتى وإن أنعم الله سبحانه على العاصي ببعض النعم استدراجًا له فإنها لا تأتيه إلا منغصةً منزوعة البركة بسبب ذنوبه ومخالفته.

      يقول ابن القيم في كتابه الجواب الكافي: «ومن عقوباتها -المعاصي-: أنها تمحق بركة العمر، وبركة الرزق، وبركة العلم، وبركة العمل، وبركة الطاعة، وبالجملة أنها تمحق بركة الدين والدنيا، فلا تجد أقل بركة في عمره ودينه ودنياه ممن عصى الله، وما محيت البركة من الأرض إلا بمعاصي الخلق»102.

      قال تعالى: ( ) [الأعراف: ٩٦].

      قال ابن عباس رضي الله عنهما: «أي: لوسّعنا عليهم الخير، ويسّرناه لهم من كل جانب»103.

      قال تعالى: ( )[الجن: ١٦].

      وفي الحديث: (إنّ روح القدس نفث في روعي أنّ نفسًا لن تموت حتّى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها، فاتّقوا الله وأجملوا في الطّلب، ولا يحملنّ أحدكم استبطاء الرّزق أن يطلبه بمعصية الله، فإنّ الله تعالى لا ينال ما عنده إلاّ بطاعته)104.

      وإن الله جعل الروح والفرح في الرضا واليقين، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط.

      وقال تعالى: ( ﭲﭳ )[إبراهيم: ٧].

      والمعنى: لئن شكرتم إنعامي عليكم بما ذكر لأزيدنّكم نعمةً إلى نعمة؛ تفضّلًا منّي، وقيل: لأزيدنكم من طاعتي، وقيل: لأزيدنّكم من الثواب105.

      المعاصي تمحق الأرزاق:

      قد ينخدع الناس بزيادة خيرات الدنيا مع معاصيهم؛ فيظنوا ذلك بسطًا في الرزق فيزدادوا غيًّا وإعراضًا، ولكن اقتران المعاصي مع فيض النعم يعني الإمهال من الله تعالى لحصول التوبة، فإذا تعدى ذلك حدود الإياب والتوبة؛ فإنه يكون الاستدراج الذي يليه الهلاك والعذاب.

      وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في عدة مواضع، ولعل من أوضحها دلالة ما جاء في سورة الكهف -في قصة صاحب الجنتين- حيث يقول تعالى: ( ﯭ ﯮ ﯶﯷ ﯺ ﯻ ﯿ ﰈ ﰉ ﭜ ﭝ ﭺ ﭻ ﭿ ﮃ ﮄ ﮐﮑ ﮘ ﮙ ﮱ ﯓ ﯲ ﯳ ﯷﯸ ﯽ ﯾ) [الكهف: ٣٢-٤٤].

      تجيء قصة الرجلين والجنتين تضرب مثلًا للقيم الزائلة والقيم الباقية، وترسم نموذجين واضحين للنفس المعتزة بزينة الحياة، والنفس المعتزة بالله، وكلاهما نموذج إنساني لطائفة من الناس: صاحب الجنتين نموذج للرجل الثري، تذهله الثروة، وتبطره النعمة، فينسى القوة الكبرى التي تسيطر على أقدار الناس والحياة، ويحسب هذه النعمة خالدة لا تفنى، فلن تخذله القوة ولا الجاه، وصاحبه نموذج للرجل المؤمن المعتز بإيمانه، الذاكر لربه، يرى النعمة دليلًا على المنعم، موجبةً لحمده وذكره، لا لجحوده وكفره106.

      إن الوقوع في المعاصي والآثام يؤدي إلى محق الرزق وإهلاكه، وتهلك أصحابها ذلًا وضيقًا وعذابًا في الدنيا والآخرة. إن العبد ليذنب الذنب الواحد فينسى به الباب من العلم، وإن العبد ليذنب الذنب فيحرم قيام الليل، وإن العبد ليذنب الذنب فيحرم به رزقًا كان قد هيئ له.

      فانظر رعاك الله إلى قول الله عز وجل: ( ﭩ ﭪ ﭬ ﭭ)[القلم: ١٩ - ٢٠].

      قال ابن كثير: «عوقبوا بنقيض قصدهم، فأذهب اللّه ما بأيديهم بالكلية: رأس المال، الربح، والصّدقة، فلم يبق لهم شيءٌ، قد حرموا خير جنتهم بذنبهم»107.

      فما محقت البركة من الأرض إلا بمعاصي الخلق، وليست سعة الرزق والعمل بكثرته، ولا طول العمر بكثرة الشهور والأعوام، ولكن سعة الرزق وطول العمر بالبركة فيه، ومعلوم أن عمر العبد: مدة حياته، ولا حياة لمن أعرض عن الله واشتغل بغيره، بل حياة البهائم خير من حياته؛ فإن حياة الإنسان بحياة قلبه وروحه، ولا حياة لقلبه إلا بمعرفة فاطره، ومحبّته، وعبادته وحده، والإنابة إليه، والطمأنينة بذكره، والأنس بقربه، ومن فقد هذه الحياة فقد الخير كله108.

      الرزق في الآخرة

      لقد شاءت حكمة الله تعالى أن يكون رزقه لعباده في الدنيا محدودًا، وعلى دفعات.

      قال تعالى: ( ﯕﯖ ) [الشورى: ٢٧].

      ولو بسط الله الرزق لعباده، فوسّعه وكثّره عندهم لبغوا؛ فتجاوزوا الحد الذي حدّه الله لهم إلى غير الذي حده لهم في بلاده بركوبهم في الأرض ما حظره عليهم، ولكنه ينزّل رزقهم بقدر؛ لكفايتهم الذي يشاء منه، فالله يعلم أن عباده -هؤلاء البشر- لا يطيقون الغنى إلا بقدر.

      وفي قوله تعالى: ( ﭢ ﭣ ﭤ ) [الإسراء: ١٨-١٩].

      وهكذا الحال: ترى كثيرًا من هؤلاء يتمنون ما يتمنون ولا يعطون إلا بعضًا منه، وكثيرًا منهم يتمنون ذلك البعض وقد حرموه، فاجتمع عليهم فقر الدنيا وفقر الآخرة، وأمّا المؤمن التقي فقد اختار مراده وهو غنى الآخرة، فما يبالى: أوتي حظًّا من الدنيا أو لم يؤت، فإن أوتي فيها وإلا فربما كان الفقر خيرًا له وأعون على مراده109.

      ومن عظيم رزقه تعالى في الآخرة الجنة: الجنة هي الجزاء العظيم، والثواب الجزيل، الذي أعده الله لأوليائه وأهل طاعته، وهي نعيم كامل لا يشوبه نقص، ولا يعكر صفوه كدر، وما حدثنا الله به عنها، وما أخبرنا به الرسول صلى الله عليه وسلم يحير العقل ويذهله، لأن تصور عظمة ذلك النعيم يعجز العقل عن إدراكه واستيعابه، وهي دار النعيم الأبدي بعد دار التعب والنصب والعمل، ولا يمكن بحال مقارنة نعيمها بنعيم الدنيا وإن اشتركا في الاسم، إذ بينهما فرق أعظم مما بين السماء والأرض، سواءً في المساكن، أو النساء، أو الطعام، أو المراكب.

      قال ابن عباس رضي الله عنهما: ليس في الجنة شيء يشبه ما في الدنيا إلا الأسماء110.

      ونعيم الجنة يفوق الوصف، ويقصر دونه الخيال، ليس لنعيمها نظير فيما يعلمه أهل الدنيا، ومهما ترقى الناس في دنياهم، فسيبقى ما يبلغونه أمرًا هينًا بالنسبة لنعيم الآخرة، فالجنة: نور يتلألأ، وريحانة تهتز، وقصر مشيد، ونهر مطرد وفاكهة نضيجة، وزوجة حسناء جميلة، وحلل كثيرة، في مقام أبدًا، في حبرة ونضرة، في دور عالية سليمة بهية.

      ومن أعظم فضل الله ورزقه وعطائه في الآخرة: النظر إلى وجهه الكريم يوم القيامة؛ قال تعالى: ( ﭛ ﭜ ﭟ ﭠ) [القيامة: ٢٢ - ٢٣].

      روى صهيب عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: (إذا دخل أهل الجنّة الجنّة يقول اللّه تبارك وتعالى: تريدون شيئًا أزيدكم. فيقولون: ألم تبيّض وجوهنا، ألم تدخلنا الجنّة وتنجّنا من النّار. قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئًا أحبّ إليهم من النّظر إلى ربّهم عزّ وجلّ)111.

      وذكر القرآن أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة في المحشر، وفي الجنة.

      قال تعالى عن الكفار: ( ) [المطففين: ١٥].

      فدل على المؤمنين يرونه يوم القيامة، و قال تعالى: ( ) [ق: ٣٥].

      وفسّر النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم الحسنى: بأنها الجنّة، وفسّر الزّيادة بأنها: النظر إلى وجه الله الكريم، وهو ثابتٌ في صحيح مسلم112.

      وفيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

      إن مما لا شك أن في الجنة فوق ما يخطر بالبال، أو يدور في الخيال، مما لا يوجد مثله في الدنيا، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله: أعددت لعبادي الصّالحين ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشرٍ، اقرءوا إن شئتم: ( )، ولموضع سوط أحدكم في الجنّة خيرٌ من الدّنيا وما فيها، فاقرءوا إن شئتم: ( ﮡﮢ ﮧﮨ ﮰﮱ )، وإنّ في الجنّة لشجرةً يسير الرّاكب في ظلّها مائة عامٍ فما يقطعها، اقرءوا إن شئتم: ( ))113.

      وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يومًا يحدّث وعنده رجلٌ من أهل البادية، أنّ رجلًا من أهل الجنّة استأذن ربّه في الزّرع، فقال له: ألست فيما شئت؟ قال: بلى، ولكنّي أحبّ أن أزرع، قال: فبذر فبادر الطّرف نباته واستواؤه واستحصاده فكان أمثال الجبال، فيقول الله تعالى: دونك يا ابن آدم، فإنّه لا يشبعك شيءٌ، فقال الأعرابيّ: والله لا تجده إلاّ قرشيًّا أو أنصاريًّا فإنّهم أصحاب زرعٍ، وأمّا نحن فلسنا بأصحاب زرعٍ، فضحك النبيّ صلى الله عليه وسلم)114.

      وهي ليست جنة واحدة، بل جنان متعددة.

      روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من آمن باللّه وبرسوله، وأقام الصّلاة، وصام رمضان كان حقًّا على اللّه، أن يدخله الجنّة جاهد في سبيل اللّه، أو جلس في أرضه الّتي ولد فيها)، فقالوا: يا رسول اللّه، أفلا نبشّر النّاس، قال: (إنّ في الجنّة مائة درجةٍ أعدّها اللّه للمجاهدين في سبيل اللّه، ما بين الدّرجتين كما بين السّماء والأرض، فإذا سألتم اللّه فاسألوه الفردوس، فإنّه أوسط الجنّة، وأعلى الجنّة أراه فوقه عرش الرّحمن، ومنه تفجّر أنهار الجنّة)115 وثبت في الصحيح أيضًا عن أنس أنّ أمّ حارثة أتت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وقد هلك حارثة يوم بدرٍ، أصابه سهمٌ غربٌ، فقتله، فقالت: يا رسول اللّه، قد علمت موضع حارثة من قلبي، فإن كان في الجنّة، لم أبك عليه، وإلا سوف ترى ما أصنع، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: (هبلت أوجنّةٌ واحدةٌ هي؟ إنّما هي جنانٌ كثيرةٌ، وإنّه لفي الفردوس الأعلى)116.

      وجاء في مساكنها: ما في سنن الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الجنة وبنائها فقال: (الجنّة بناؤها لبنةٌ من فضّةٍ، ولبنةٌ من ذهبٍ، وملاطها المسك الأذفر، وحصباؤها اللّؤلؤ والياقوت، وتربتها الزّعفران، من دخلها ينعم لا يبأس، ويخلد لا يموت، لا تبلى ثيابهم، ولا يفنى شبابهم)117.

      وأما غرف الجنة وخيامها، فذكر القرآن أن لأهل الجنة مساكن وبيوتًا وغرفًا مبنيةً بعضها فوق بعض.

      قال تعالى: ( ) [الزمر: ٢٠].

      وقال تعالى: ( ) [سبأ: ٣٧].

      وقال تعالى: ( ﯪﯫ ) [الصف: ١٢].

      وقال تعالى عن امرأة فرعون أنها قالت:  ( )[التحريم: ١١].

      وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنّ في الجنّة غرفةً يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدّها اللّه لمن أطعم الطّعام، وألان الكلام، وتابع الصّيام، وصلّى والنّاس نيامٌ) 118.

      وقال تعالى: ( ) [الرحمن: ٧٢].

      وفي الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنّ للمؤمن في الجنّة لخيمةً من لؤلؤةٍ واحدةٍ مجوّفةٍ طولها ستّون ميلًا، للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضًا)119.

      وهذه الخيام غير الغرف والقصور، بل هي خيام منصوبة في البساتين، وعلى شواطئ الأنهار.

      وأما طعام أهل الجنة وشرابهم، فأشجار الجنة وثمارها، وقطوفها الدانية المذللة تذليلًا، واختيار أهل الجنة من ثمارها ما يريدون ويشتهون، وفي الجنة ما تشتهيه الأنفس من المآكل والمشارب.

      قال تعالى: ( ﭤ ﭥ ﭩ ﭪ) [الواقعة: ٢٠ -٢١].

      وقال تعالى: ( ﯟﯠ ﯦﯧ ) [الزخرف: ٧١].

      وقد أباح الله لهم أن يتناولوا من خيراتها، وألوان طعامها وشرابها ما يشتهون.

      قال تعالى: ( ) [الحاقة: ٢٤].

      وقال تعالى: ( ﭖﭗ ﭟﭠ ﭤﭥ ) [الرعد: ٣٥].

      وقال تعالى: ( ﮊﮋ ﮠﮡ ﮩﮪ ) [محمد: ١٥].

      وقد يتبادر إلى الذهن: أن الطعام والشراب في الجنة ينتج عنه ما ينتج عن طعام أهل الدنيا وشرابهم من البول والغائط والمخاط والبزاق ونحو ذلك، والأمر ليس كذلك، فالجنة دار خالصة من الأذى.

      عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنّ أوّل زمرةٍ يدخلون الجنّة على صورة القمر ليلة البدر، ثمّ الّذين يلونهم على أشدّ كوكبٍ درّيٍّ في السّماء إضاءةً، لا يبولون ولا يتغوّطون، ولا يتفلون ولا يمتخطون، أمشاطهم الذّهب، ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوّة -الألنجوج، عود الطّيب- وأزواجهم الحور العين، على خلق رجلٍ واحدٍ، على صورة أبيهم آدم، ستّون ذراعًا في السّماء)120.

      وأهل الجنة خالدون فيها، ونعيهم دائم.

      ففي صحيح مسلم عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنّ في الجنّة لسوقًا يأتونها كلّ جمعةٍ فتهبّ ريح الشّمال فتحثو في وجوههم وثيابهم فيزدادون حسنًا وجمالًا، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسنًا وجمالًا، فيقول لهم أهلوهم: واللّه لقد ازددتم بعدنا حسنًا وجمالًا، فيقولون: وأنتم واللّه لقد ازددتم بعدنا حسنًا وجمالًا)121.

      قال النووي: «المراد بالسوق: مجمع لهم يجتمعون كما يجتمع الناس في الدنيا في السوق، ومعنى يأتونها كل جمعة: أي في مقدار كل جمعة أي أسبوع، وليس هناك حقيقة أسبوع؟ لفقد الشمس والليل والنهار. وقال القاضي: وخص ريح الجنة بالشمال؛ لأنها ريح المطر عند العرب، كانت تهب من جهة الشام، وبها يأتي سحاب المطر، وكانوا يرجون السحابة الشامية، وجاءت في الأحاديث تسمية هذه»122.

      قال صلى الله عليه وسلم: (ينادي مناد: إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدًا، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدًا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدًا، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدًا، فذلك قوله عز وجل: ( ﯬﯭ ﯺﯻ ﯿ ﰀﰁ )[الأعراف: ٤٣] ) 123.

      وأما لباس أهل الجنة وحليهم، فقال تعالى: ( ﮞ ﮟ ﯘﯙ ﯝ ﯞ) [الكهف: ٣٠-٣١].

      يقول السعدي: «أولئك الموصوفون بالإيمان والعمل الصالح، لهم الجنات العاليات التي قد كثرت أشجارها، فأجنت من فيها، وكثرت أنهارها، فصارت تجري من تحت تلك الأشجار الأنيقة، والمنازل الرفيعة، وحليتهم فيها الذهب، ولباسهم فيها الحرير الأخضر من السندس، وهو الغليظ من الديباج، والإستبرق، وهو ما رق منه، متكئين فيها على الأرائك، وهي السرر المزينة، المجملة بالثياب الفاخرة فإنها لا تسمى أريكة حتى تكون كذلك، وفي اتكائهم على الأرائك، ما يدل على كمال الراحة، وزوال النصب والتعب، وكون الخدم يسعون عليهم بما يشتهون.

      وتمام ذلك الخلود الدائم والإقامة الأبدية، فهذه الدار الجليلة ( ) للعاملين ( ) يرتفقون بها، ويتمتعون بما فيها، مما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، من الحبرة والسرور، والفرح الدائم، واللذات المتواترة، والنعم المتوافرة، وأي مرتفق أحسن من دار، أدنى أهلها، يسير في ملكه ونعيمه وقصوره وبساتينه ألفي سنة، ولا يرى فوق ما هو فيه من النعيم، قد أعطى جميع أمانيه ومطالبه، وزيد من المطالب، ما قصرت عنه الأماني، ومع ذلك، فنعيمهم على الدوام متزايد في أوصافه وحسنه، فنسأل الله الكريم، أن لا يحرمنا خير ما عنده من الإحسان، بشر ما عندنا من التقصير والعصيان، ودلت الآية الكريمة وما أشبهها، على أن الحلية، عامة للذكور والإناث، كما ورد في الأحاديث الصحيحة؛ لأنه أطلقها في قوله () وكذلك الحرير ونحوه»124.

      وثياب أهل الجنة وحليهم لا تبلى ولا تفنى، فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من يدخل الجنّة ينعم لا يبأس، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه)125.

      وأما غلمان أهل الجنة، فقال تعالى: ( ﭔ ﭕ ) [الواقعة: ١٧-١٨].

      قال تعالى: ( ) [الإنسان: ١٩].

      قال ابن عاشور: «وأحسن من يتّخذ للخدمة الولدان؛ لأنّهم أخفّ حركةٍ وأسرع مشيًا، ولأنّ المخدوم لا يتحرّج إذا أمرهم أو نهاهم، ووصفوا بأنّهم مخلّدون للاحتراس ممّا قد يوهمه اشتقاق ولدانٌ من أنّهم يشبّون ويكتهلون، أي: لا تتغيّر صفاتهم، فهم ولدانٌ دومًا، وإلّا فإنّ خلود الذّوات في الجنّة معلومٌ فما كان ذكره إلّا لأنّه تخليدٌ خاصٌّ، وشبّهوا باللّؤلؤ المنثور تشبيهًا مقيّدًا فيه المشبّه بحالٍ خاصٍّ لأنّهم شبّهوا به في حسن المنظر مع التّفرّق»126.

      ويزوج الله المؤمنين في الجنة بزوجات جميلات غير زوجاتهم اللواتي في الدنيا، كما قال تعالى:  ( ) [الدخان: ٥٤].

      والحور: جمع حوراء، وهي التي يكون بياض عينها شديد البياض، وسواده شديد السواد. والعين: جمع عيناء، والعيناء: واسعة العين، وقد ورد ذكر الحور منكّرة في القرآن الكريم في أربعة مواضع:

      قال تعالى: ( ) [الدخان: ٥٤].

      وقال تعالى: ( ﭿﮀ ) [الطور: ٢٠].

      وقال تعالى: ( ) [الرحمن: ٧٢].

      وقال تعالى: ( ﭬ ﭭ ) [الواقعة: ٢٢-٢٣].

      وقد وصف الله أزواج أهل الجنة، فقال سبحانه: ( ﭳﭴ ) [البقرة: ٢٥].

      فهن مطهرات الأخلاق، مطهرات الخلق، مطهرات اللسان، مطهرات الأبصار، فأخلاقهن أنهن عرب متحببات إلى أزواجهن بالخلق الحسن، وحسن التبعل، والأدب القولي والفعلي، ومطهر خلقهن من الحيض والنفاس والمني، والبول والغائط، والمخاط والبصاق، والرائحة الكريهة، ومطهرات الخلق أيضا، بكمال الجمال، فليس فيهن عيب، ولا دمامة خلق، بل هن خيرات حسان، مطهرات اللسان والطرف، قاصرات طرفهن على أزواجهن، وقاصرات ألسنتهن عن كل كلام قبيح127.

      الفرق بين رزق الدنيا ورزق الآخرة:

      هناك عدة فروق بينهما، منها:

      • رزق الدنيا قليل ومنقطع وزائل، بينما رزق الآخرة كثير ودائم وخالد.
      • رزق الدنيا يحصل لصاحبه بتكلف، ومشقة، رزق الآخرة بلا تكلف ولا مشقة.
      • رزق الدنيا مشوب بالهموم والغموم والمكاره، أما رزق الآخرة خالص من الأنكاد.
      • رزق الدنيا يعتريه النقص وتشوبه الآفات، بينما رزق الآخرة في زيادة واستمرار.
      • رزق الدنيا ليس مقياسًا للمنزلة عند الله بخلاف الرزق في الآخر.

        موضوعات ذات صلة:

        الإنفاق، البخل، التوكل، الزكاة، السؤال، السير، العطاء، المن


1 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/٣٣٣، المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٣٥١، لسان العرب، ابن منظور١٠/١١٥.

2 التفسير الميسر، مجمع الملك فهد ص٢٩٥.

3 السنن الإلهية في الأمم والجماعات والأفراد،عبد الكريم زيدان ص٢٦٤.

4 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص٣١١-٣١٢، المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، ص٥٧٦-٥٧٩.

5 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص٢٣٤-٢٣٥، نزهة الأعين النظائر في علم الوجوه والنظائر، ابن الجوزي، ص٣٢٤-٣٢٦، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي، ٣/٦٥-٦٧، عمدة الحفاظ، السمين الحلبي، ٢/٨٧-٨٨.

6 لسان العرب، ابن منظور ٦/٣٨٧٠.

7 أدب الدنيا والدين، الماوردي ص٢٥٧.

8 المفردات ص٤٣٠.

9 الاكتساب في الرزق المستطاب، محمد بن الحسن الشيباني ص٢١.

10 النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير ٣/٥٠٨.

11 لسان العرب، ابن منظور ١٥/٦٨.

12 أحكام القرآن ٤/٧٤.

13 التوقيف على مهمات التعريف ١/٢٢٧.

14 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٩٨.

15 ياومه في مياومةً، ويوامًا: عامله أو استأجره باليوم.

انظر: المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ٢/١٠٥٦.

16 الموسوعة الفقهية الكويتية ٣٠/١٥٠.

17 المنهاج في شعب الإيمان، الحليمي ١/٢٠٣.

18 تيسير الكريم الرحمن ص ٩٤٨.

19 جامع البيان، الطبري ٢٢/ ٤٥٥.

20 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٨/ ١٩٥.

21 غذاء الألباب شرح منظومة الآداب، السفاريني ٢/٤٢١.

22 في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/١٧٨١.

23 الرزق في القرآن الكريم، عدي عصفور ص٤.

24 دراسة لاسمي الله الرازق والرزاق وما في معناهما من أسماء الله تعالى، أحمد المزيد ٥٢-٥٣.

25 الكشاف، الزمخشري ٢/٦٢٠.

26 فتح القدير، الشوكاني ٣/٢١٣.

27 الكشاف، الزمخشري ٤/٢١٨.

28 المواهب الربانية من الآيات القرآنية، السعدي ص١٢٥.

29 أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ٣/٢٦١.

30 الرزق: مصدره، أسباب حصوله وزيادته، حلاله وحرامه، شروطه، مسفر الغامدي ص٢٥١.

31 انظر: الكشاف، الزمخشري ٤/٢٤٨، مفاتيح الغيب، الرازي ٢٧/٢٠٩.

32 انظر: الكشاف، الزمخشري ٤/٢٢٣، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٤/٢٧.

33 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/١٢٧.

34 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢/١١٩.

35 تيسير الكريم الرحمن ص ٦٦.

36 الجامع لأحكام القرآن ١٦/٨٥.

37 أخرجه الإمام الترمذي في سننه، أبواب الزهد، باب هوان الدنيا على الله عز وجل، ٤/٦٥٠.

وصححه الألباني صحيح الجامع، رقم ٥٢٩٢.

38 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزهد والرقائق، ٤/٢٢٧٢، رقم ٢٩٥٦.

39 أيسر التفاسير، الجزائري ٤/٦٤٠.

40 الفتاوى الكبرى، ابن تيمية ١/٢٦٢.

41 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزهد والرقائق، باب المؤمن أمره كله خير، ٤/٢٢٩٥، رقم ٢٩٩٩.

42 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الدعوات، ٥/٥٤١، رقم ٣٥٢٧.

وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة، ١٠/٢٥، رقم ٤٥٢٠.

43 ديوان الشافعي ص١٨.

44 شأن الدعاء، الخطابي ص٥٥.

45 أخرج البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب غزوة سيف البحر، رقم ٤٣٦١.

46 ‏ الخَبَط: ورق الشّجر السّاقط بمعنى المخبوط، وخبط الشجرة بالعصا يخبطها خبطًا: شدّها ثم ضربها بالعصا ونفض ورقها منها ليعلفها الإبل والدوابّ.

انظر: لسان العرب، ابن منظور ٧/٢٦٩ .

47 المحرر الوجيز ٥/٢١.

48 اقتضاء الصراط المستقيم ٢/٥٦٣.

49 تفسير القرآن العظيم ٢/١٢.

50 الوابل الصيب، ابن القيم ص١٧.

51 الجامع لأحكام القرآن ٩/٣٤٢.

52 فتح الباري، ابن حجر العسقلاني ٣/٣٣٦.

53 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٨٦.

54 أخرجه أحمد في مسنده، ١٤/٣٢١، رقم ٨٦٩٦، والترمذي في سننه، أبواب صفة القيامة، ٤/٦٤٢، رقم ٢٤٦٦.

وصححه الألباني في السلسة الصحيحة، ٣/٣٤٦، رقم ١٣٥٩.

55 بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٣/٣١٨.

56 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الزهد عن رسول الله، باب في التوكل على الله، ٤/٥٣٧، رقم ٢٣٤٤.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/٩٣٢، رقم ٥٢٥٤.

57 شرح السنة، البغوي، ١٤/٣٠١.

58 جامع العلوم والحكم، ابن رجب الحنبلي، ٢/٤٩٨.

59 روضة العقلاء ونزهة الفضلاء، ابن حبان البستي ص ١٥٣، ١٥٤.

60 فتح الباري، ابن حجر ١١/٣٠٥.

61 سبق تخريجه قريبًا.

62 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، رقم ٢٥٧٧.

63 الفتاوى الكبرى، ابن تيمية، ١/١٠٦.

64 طريق الهجرتين،ابن القيم ص٣٨٩.

65 بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي، ٤/١٣٦.

66 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص١٥٦.

67 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٩/٣٣٥.

68 الدر المنثور، السيوطي ٤/٥٨.

69 روح البيان، إسماعيل حقي ١٦/١٤٨.

70 روح المعاني، الألوسي ٢١/٣١٣.

71 تيسير الكريم الرحمن ص ٣٨٣.

72 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الدعوات، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم ربنا آتنا في الدنيا حسنة، ٨/٨٣، رقم ٦٣٨٩، ومسلم في صحيحه، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الدعاء باللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار،٤/٢٠٧٠، رقم ٢٦٩٠.

73 فتح الباري ١٨/١٨٤.

74 إعراب القرآن وبيانه، الدرويش ١٠/٢٢٧

75 تيسير الكريم الرحمن ص٣٨٩.

76 أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب الدعاء، ٢/٧٨، رقم ١٤٨٨، والترمذي في أبواب الدعوات، ٥/٥٥٦، رقم ٣٥٥٦.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٣٦٢، رقم ١٧٥٧.

77 أهمية الدعاء وكيفيته في السنة النبوية، محمد بن إبراهيم الحمد ١-٢.

78 تحفة الذاكرين ص٢٨.

79 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الدعوات، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم ربنا آتنا في الدنيا حسنة، ٨/٨٣، رقم ٦٣٨٩، ومسلم في صحيحه، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الدعاء باللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار،٤/٢٠٧٠، رقم ٢٦٩٠.

80 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٥٥٨.

81 محاسن التأويل، القاسمي ٤/٢٩٧.

82 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب الدعاء قبل السلام، رقم ٨٣٢، ومسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب التعوذ من عذاب القبر وعذاب جهنم وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال ومن المأثم والمغرم بين التشهد والتسليم، ١/٤١٢، رقم ٥٨٩.

83 التفسير المنير، الزحيلي ٢٢/١٩٣.

84 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النفقات، باب فضل النفقة على الأهل، ٧/٤٩٧، رقم ٥٣٥٢، ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب الحث على النفقة وتبشير المنفق بالخلف، ٢/٦٩٠، رقم ٩٩٣.

85 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الزهد، باب في التوكل على الله، ٤/١٥٢، رقم ٢٣٤٥.

وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، ٦/٦٣٦، رقم ٢٧٦٩.

86 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب، رقم ٢٨٩٦.

87 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب قول الله تعالى: (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى)، رقم ١٤٤٢، ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب في المنفق والممسك رقم ١٠١٠.

88 في ظلال القرآن، سيد قطب ٧/٢٠٨.

89 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٩٠٨.

90 نظم الدرر، البقاعي ٢٠/٢٤٦.

91 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب كسب الرجل وعمله، رقم ٢٠٧٢، ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب كراهة المسألة للناس، رقم ١٠٤٢.

92 تاريخ عمر بن الخطاب،ابن الجوزي ص٢٠٢.

93 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الدعوات، باب التعوذ من غلبة الرجال، رقم ٦٣٦٣.

94 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب القدر، باب في الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله، وتفويض المقادير لله، ٤/٢٠٥٢، رقم ٢٦٦٤، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

95 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب البيوع، باب التبكير في التجارة، ٣/٥١٧، رقم ١٢١٢، وابن ماجه في سننه، كتاب التجارات، باب ما البركة في البكور، ٢/٧٥٢.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٢٧٨، رقم ١٣٠٠.

96 نيل الأوطار، الشوكاني ٧/٢٧٤.

97 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب من بسط له في الرزق بصلة الرحم، ١٠/٤٢٩، رقم ٥٩٨٦، ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب صلة الرحم، ٩/٣٦٨٧، رقم ٤٦٠٤.

98 زهر الأكم في الأمثال والحكم، اليوسي ١/٧٢.

99 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، رقم ٣٢٠٨، ومسلم في صحيحه، كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته، رقم ٢٦٤٣.

100 انظر: شرح صحيح البخاري، ابن بطال ٦/٢٠٦.

101 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب القدر، باب ما جاء لا يرد القدر إلا الدعاء، رقم ٢١٣٩، وابن ماجه في سننه، المقدمة، باب العقوبات، ٢/١٣٣٤، رقم ٤٠٢٢.

وضعفه الألباني في ضعيف الجامع، رقم ١٤٥٢.

102 الجواب الكافي ص ٥٨.

103 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٣/٢٥٣.

104 أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء، ١٠/٢٧.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٤٢٠، رقم ٢٠٨٥.

105 فتح القدير، الشوكاني ٣/٩٦.

106 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٢٧٠.

107 تفسير القرآن العظيم ٨/١٩٦.

108 الجواب الكافي، ابن القيم، ص٨٤.

109 الكشاف، الزمخشري ٢/٦٥٦.

110 أخرجه ابن عساكر في تاريخه، رقم ١١٩٤.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٥٤١٠.

111 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه وتعالى، ١/٦٣، رقم ١٨١.

112 أخرج مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه وتعالى رقم ١٨١.

113 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة، رقم ٣٠٧٢، ومسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، رقم ٢٨٢٤.

114 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المزارعة، باب كراء الأرض بالذهب والفضة، ٣/١٠٨، رقم ٢٣٤٨.

115 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد، باب درجات المجاهدين في سبيل الله، ٤/١٦، رقم ٢٧٩٠.

116  أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب فضل من شهد بدرًا، ٥/٧٧، رقم ٣٩٨٢، عن أنسٍ رضي الله عنه.

117 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب صفة الجنة، باب ما جاء في صفة الجنة ونعيمها، ٤/٥٨٠، ٢٥٢٦.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٣١١٦.

118 أخرجه أحمد في مسنده، ٣٧، ٥٣٩، رقم ٢٢٩٠٥.

وحسنه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٢١٢٣.

119 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، سورة الرحمن، باب ٢، رقم ٤٨٧٩، ومسلم في صحيحه، كتاب الجنة، باب صفة خيام الجنة، ٤/٢١٨٢، رقم ٢٨٣٨.

120 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بد الخلق، باب خلق آدم، ٤/١٣٢، رقم ٣٣٢٧، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة، باب أول زمرة تدخل الجنة، ٤/٢١٧٨، رقم ٢٨٣٤.

121 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمه، ٤/٢١٧٨، رقم ٢٨٣٣.

122 شرح النووي على صحيح مسلم ١٧/١٧٠.

123 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب في دوام نعيم أهل الجنة وقوله تعالى: (ونودوا أن تلكم الجنة)، رقم ٢٨٣٧.

124 تيسير الكريم الرحمن ص ٤٧٥.

125 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب في دوام نعيم أهل الجنة، رقم ٢٨٣٦.

126 التحرير والتنوير ٢٩/٣٩٧.

127 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٦.