عناصر الموضوع
الرحم
أولًا: المعنى اللغوي:
قال ابن فارس: «(رحم) الراء والحاء والميم أصل واحد يدل على الرقة والعطف والرأفة، يقال من ذلك: رحمه يرحمه، إذا رق له، وتعطف عليه، والرحم والمرحمة والرحمة بمعنى، والرحم: علاقة القرابة، ثم سميت رحم الأنثى رحمًا من هذا؛ لأن منها ما يكون ما يرحم، ويرق له من ولد»1.
وقال ابن سيده: «الرحم أسباب القرابة، وأصلها الرحم التي هي منبت الولد»2.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
قال الأزهري: «الرحم: القرابة تجمع بني أب وبينهما رحم»3.
وقال القرطبي: «الرحم: اسم لكافة الأقارب من غير فرق بين المحرم وغيره»4.
وعرف ابن حجر العسقلاني الرحم بقوله: «يطلق على الأقارب، وهم من بينه وبين الآخر نسب، سواءً كان يرثه أم لا، سواءً كان ذا محرم أم لا»5.
وعرفها الشوكاني بقوله: «الرحم: اسم لجميع الأقارب من غير فرق بين المحرم وغيره، لا خلاف في هذا بين أهل الشرع، ولا بين أهل اللغة»6.
فالأرحام: هم الذين يجتمعون مع المرء في النسب، سواءً أكان قريبًا أم بعيدًا، وسواءً أكانوا محارم أم غير محارم، ويدخل ضمنهم من يرتبط مع المرء بصلة المصاهرة أو الرضاع7.
وردت مادة (رحم) بمعنى الرحم في القرآن الكريم (١٢) مرة8.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
جمع تكسير |
١٢ |
(ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [النساء: ١] |
وجاءت الرحم في القرآن على وجهين9:
الأول: القرابة: قال تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [الأنفال: ٧٥]، يعني: القرابات؛ لأنهم يجمعهم رحم واحد.
الثاني: رحم المرأة: قال تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [البقرة: ٢٢٨] يعني: الوليد في الرحم.
القرابة:
القرابة لغة:
خلاف البعد10، قال ابن فارس: «يقال: قرب يقرب قربًا، وفلان ذو قرابتي، وهو من يقرب منك رحمًا»11.
القرابة اصطلاحًا:
العلاقة بين الأرحام بسبب النسب أو المصاهرة أو الرضاع12.
الصلة بين الرحم والقرابة:
إن القرابة والرحم بمعنى واحد، بحيث يطلق كل منهما على العلاقة بين الأرحام بسبب النسب أو المصاهرة أو الرضاع، إلا أن في لفظة الأرحام معنى الحث والترغيب واستجاشة المشاعر في صلة الرحم.
النسب:
النسب لغة:
القرابات، يقال: فلان نسيبي، ورجل نسيب حسيب: ذو حسب ونسب، والنسبة مصدر الانتساب، والنّسّابة: الرجل العالم بالأنساب، ونسبت فلانًا إلى أبيه: إذا رفعت في نسبه إلى جده الأكبر13.
النسب اصطلاحًا:
القرابة الموروثة التي لا يد للإنسان فيها14.
الصلة بين الرحم والنسب:
إن النسب هي أصل الرحم والقرابة، ومنها تأتي القرابة بسبب الزواج والرضاع.
الصهر:
الصهر لغة:
القرابة 15، قال ابن فارس: «(صهر) الصاد والهاء والراء أصلان: أحدهما يدل على قربى، والآخر على إذابة شيء، فالأول الصهر، وهو الختن، قال الخليل: لا يقال لأهل بيت الرجل إلا أختان، ولا لأهل بيت المرأة إلا أصهار، ومن العرب من يجعلهم أصهارًا كلهم، قال ابن الأعرابي: الإصهار: التحرم بجوار أو نسب أو تزوج»16.
الصهر اصطلاحًا:
القرابة بالزواج17، أي: ما يحل لك نكاحه من القرابة، وغير القرابة18.
الصلة بين الرحم والصهر:
أن الصهر سبب من أسباب الرحم والقرابة الحاصلة بسبب الزواج.
إن الرحم لها مكانتها العظيمة ومنزلتها الرفيعة، فقد ﺃكد الإسلام على اعتبارها والاهتمام بها واعتنى بتوثيق الأواصر بين الأرحام والأقارب، ووجهها الوجهة الصحيحة بعيدًا عن العصبية القبلية، وبعيدًا عن مجرد الافتخار بمآثر الآباء والأجداد، وأضفى على صلة القرابة طابعًا دينيًا، وجعلها متصلة بالعبادات بحيث يثاب المسلم على الإحسان للأقارب، ويتقرب إلى الله بصلة الأرحام19.
وقد حظيت القرابة بمكانة خاصة عند العرب سواءً في الجاهلية أو الإسلام، فقد كان أهل الجاهلية يتمسكون بوشائج القرابة، ويوقرون الرحم، ويعتزون بالأنساب، ذلك أن النظام القبلي الذي كان معمولًا به في الجاهلية يعتمد في أساسه على رابطة النسب، وكانت العصبية القبلية تدفعهم للتناصر والتعاضد مع أقربائهم، والدفاع عنهم في الحق والباطل.
وقد صحح الإسلام كثيرًا من المفاهيم المتعلقة بالرحم والقرابة، وحدد ضوابط العلاقات بين الأرحام وذوي القربى، فكان منهج الإسلام في التعامل مع الأقارب هو السبيل الأمثل لإقامة المجتمع القوي المتماسك.
وبالرغم من تلك المكانة التي تميزت بها القرابة في الجاهلية إلا أنها كانت تقوم على أسس فاسدة أحيانًا، وكانت هناك جوانب سلبية عديدة في التعامل مع ذوي القربى والأرحام، وذلك مرجعه إلى أن النظام الجاهلي لم يكن مرتبطًا بمنهج صحيح وقويم.
واكتسبت ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ بين الأرحام قدسيتها بما حباها الله عز وجل من تعظيم وتكريم، حيث إن الله قد اشتق اسم الرحم من اسمه الرحمن، فأضفى هذا الاسم عليها القداسة والمهابة20، وذلك فيما رواه عبد الرحمن ابن عوف رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (قال الله: أنا الله، وأنا الرحمن، خلقت الرحم وشققت لها من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها بتته)21.
فقد أراد الله تعالى أن تتميز العلاقة بين الأرحام وذوي القربى، فأنزل الرحم منزلةً عظيمةً باشتقاق اسمها من اسمه، وبين ثواب من يصل رحمه، وعقاب من يقطعها، فمن وصلها وصله الله برحمته وعطفه والإحسان إليه، ومن قطعها قطع الله عنه رحمته وفضله، وإحسانه22.
ولقد بلغ من قدسية الرحم ومكانتها العالية أن الله جعلها معلقةً بالعرش تدعو الله تعالى أن يصل من يصلها، ويقطع من قطعها، فعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله)23.
قال النووي: «والمراد تعظيم شأنها وفضيلة واصليها، وعظيم إثم قاطعيها بعقوقهم؛ لهذا سمي العقوق قطعًا، والعق الشق، كأنه قطع ذلك السبب المتصل، والعائذ: المستعيذ، وهو المعتصم بالشيء، الملتجئ إليه، المستجير به، قال العلماء وحقيقة الصلة: العطف والرحمة، فصلة الله سبحانه وتعالى عبارة عن: لطفه بهم ورحمته إياهم، وعطفه بإحسانه ونعمه، أو صلتهم بأهل ملكوته الأعلى، وشرح صدورهم لمعرفته وطاعته، قال القاضي عياض: ولا خلاف أن صلة الرحم واجبة في الجملة، وقطيعتها معصية كبيرة»24.
كما تعاظمت مكانة الرحم لما قرن الله تقواه بتقوى الرحم في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [النساء: ١].
والمعنى: واتقوا الأرحام أن تقطعوها25.
قال ابن العربي: «المعنى: اتقوا الله أن تعصوه، واتقوا الأرحام أن تقطعوها، وقد اتفقت الملة على أن صلة ذوي الأرحام واجبة، وأن قطيعتها محرمة»26.
(ﭨ) فقرأ حمزة بخفض الميم، وقرأ الباقون بنصبها27، ومعناه: واتقوا الأرحام أن تقطعوها، وقرئ بكسر الميم فهو كقولك: سألتك بالله وبالرحم وناشدتك بالله وبالرحم؛ لأن العرب كان من عادتهم أن يقولوا ذلك، والرحم القرابة، وإنما استعير اسم الرحم للقرابة؛ لأنهم خرجوا من رحم واحدة، وقيل هو مشتق من الرحمة؛ لأن القرابة يتراحمون ويعطف بعضهم على بعض، وفي الآية دليل على تعظيم حق الرحم والنهي عن قطعها28.
ولم تقتصر العناية بالرحم في الإسلام على الوصية بها فقط، بل قد بين القرآن أن الإحسان إلى الأقارب والأرحام مما أخذ الله عليه العهد والميثاق على القيام به في الشرائع السابقة: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [البقرة: ٨٣].
وقد نالت الرحم حظها من النصوص الشرعية التي تبين مكانتها، وعظيم الاهتمام بها، والترغيب في وصلها، والترهيب من قطعها، وبين العلماء أحكامها بما يكفل لهذه الرحم أن تكون سببًا للعلاقة بين الأقارب.
فقد أمر الله بالإحسان إلى ذوي القربى بعد الوالدين، ويشمل ذلك جميع الأقارب، قربوا أو بعدوا، بأن يحسن إليهم بالقول والفعل، وأن لا يقطع برحمه بقوله أو فعله.
قال تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [النساء: ٣٦]29.
وإنما أمر بالإحسان إلى ذي القربى استبقاءً لأواصر الود بين الأقارب، إذ كان العرب في الجاهلية قد حرفوا حقوق القرابة فجعلوها سبب تنافس وتحاسد وتقاتل30.
وقد ربط الاسلام صلة الرحم بدوافع نفسية يسعى إليها كل إنسان من التأخير في أجله، والتوسعة في رزقه تظهر ثمرتها في حياته، كما ورد في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: (من سره أن يبسط له في رزقه، أو ينسأ له في أثره، فليصل رحمه)31.
وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من قطيعة الرحم؛ لأنها سبب لقطع من لم يقم بوصلها بها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم، فقالت: هذا مقام العائذ من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى، قال: فذاك لك، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرءوا إن شئتم: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [محمد: ٢٢-٢٣])32.
والقطع من الله: كناية عن حرمان الإحسان، والوصل من الله تعالى كناية عن عظيم إحسانه33، كما قال النووي: «قال العلماء: وحقيقة الصلة العطف والرحمة، فصلة الله سبحانه وتعالى عبارة عن لطفه بهم، ورحمته إياهم، وعطفه بإحسانه ونعمه، أو صلتهم بأهل ملكوته الأعلى، وشرح صدورهم لمعرفته وطاعته»34، بل قد يكون القطع حقيقةً بأن يقطع الله من عمره ورزقه، كما أن في الوصل زيادة في العمر والرزق.
وقد رتب النبي صلى الله عليه وسلم الحرمان من دخول الجنة لقاطع الرحم فقد روى محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (لا يدخل الجنة قاطع) قال ابن أبي عمر: قال سفيان: يعني قاطع رحم35.
وتظهر مكانة الرحم وأهميتها والعناية بها من خلال بيان الحقوق والواجبات والأحكام المتعلقة بها كما سيأتي.
إن الرحم في القرآن الكريم تتنوع إلى نوعين رئيسين: رحم عامة، وهي: رابطة الدين بين المسلمين، ورحم خاصة تتمثل في: رابطة القرابة بأحد أسبابها، وهي: النسب والمصاهرة والرضاع، وبيان ذلك في النقاط الآتية:
أولًا: رحم عامة:
إن رابطة الدين من أعظم الروابط بين المسلمين، وهذه الرابطة تتعدى رابطة النسب واللون واللغة والوطن، فإذا كان بين الناس قرابة النسب والصهر، فإن بين المؤمنين قرابة الإيمان، فهي أوثق من قرابة النسب والصهر، وحسب المؤمنين أن الله وصف ما بينهم من مودة ورحمة بأنهم إخوة.
قال تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [الحجرات: ١٠].
قال القرطبي: «قوله تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ)، أي: في الدين والحرمة لا في النسب، ولهذا قيل: أخوة الدين أثبت من أخوة النسب، فإن أخوة النسب تنقطع بمخالفة الدين، وأخوة الدين لا تنقطع بمخالفة النسب»36.
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين بأن يكونوا إخوانًا في تعاملاتهم وحياتهم، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث)37.
ومعنى (كونوا عباد الله إخوانًا) أي: تعاملوا وتعاشروا معاملة الإخوة في المودة والرفق والشفقة والملاطفة والتعاون في الخير ونحو ذلك مع صفاء القلوب والنصيحة بكل حال38.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته)39.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى هاهنا) ويشير إلى صدره ثلاث مرات (بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه، وماله، وعرضه)40.
والمراد بذلك: أخوة الإسلام لا أخوة النسب، فأخوة الإسلام توجب على المسلم حماية أخيه المسلم، والدفاع عنه، ونصرته، ومواساته، والإحسان إليه41.
قال ابن عاشور: «وجيء بصيغة القصر (ﯜ ﯝ ﯞ) المفيدة لحصر حالهم في حال الإخوة مبالغةً في تقرير هذا الحكم بين المسلمين، فهو قصر ادعائي، أو هو قصر إضافي للرد على أصحاب الحالة المفروضة، الذين يبغون على غيرهم من المؤمنين، وأخبر عنهم بأنهم إخوة مجازًا على وجه التشبيه البليغ زيادةً لتقرير معنى الأخوة بينهم، حتى لا يحق أن يقرن بحرف التشبيه المشعر بضعف صفتهم عن حقيقة الأخوة، وهذه الآية فيها دلالة قوية على تقرر وجوب الأخوة بين المسلمين؛ لأن شأن (إنما) أن تجيء لخبر لا يجهله المخاطب ولا يدفع صحته»42.
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم حال المؤمنين في الرحم العامة التي بينهم في الحديث الذي رواه النعمان بن بشير رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)43.
قال سيد قطب: «هذا المجتمع المتواد المتحاب المترابط المتضامن المتكافل المتناسق. هذا المجتمع الذي حققه الإسلام مرةً في أرقى وأصفى صوره، ثم ظل يحققه في صور شتى على توالي الحقب، تختلف درجة صفائه، ولكنه يظل في جملته خيرًا من كل مجتمع آخر صاغته الجاهلية في الماضي والحاضر، وكل مجتمع لوثته هذه الجاهلية بتصوراتها ونظمها الأرضية! هذا المجتمع الذي تربطه آصرة واحدة -آصرة العقيدة- حيث تذوب فيها الأجناس والأوطان، واللغات والألوان، وسائر هذه الأواصر العرضية التي لا علاقة لها بجوهر الإنسان»44.
إن رابطة الأخوة التي تجمع المؤمنين من أقوى الروابط؛ لأنها انبثقت من العقيدة الراسخة؛ لذا فهي لا تتأثر بما قد يطرأ على العلاقات الدنيوية من وهن وضعف؛ لأنها أخوة قوية أساسها الإيمان بالله تعالى، وبرسوله صلى الله عليه وسلم، وميزانها التعاون على البر والتقوى، والتواصي بالصبر، والتواصي بالحق45.
والحديث عن القرابة الإيمانية ضمن أنواع القرابة ليس حديثًا بعيدًا عن السياق، وإنما هو متمم لأنواع القرابة، فإن اجتمع ذوو القربى في النسب، وتقارب الأصهار بالزواج، وانضم أقارب الرضاع إلى دائرة القرابة بخمس رضعات؛ فإن المؤمنين يجمعهم نسب واحد، وهو الإيمان، وأب واحد هو الإسلام، وتقاربت أرواحهم في الله، وانضموا إلى البيت الإيماني لما ارتضعوا من نبع الأخوة في الله46.
والأخوة الإسلامية من نعم الله تعالى، وهي كفيلة بإزالة العداوات والثارات والصراع بين القبائل والمجتمعات والدول، كما قال تعالى في الأوس والخزرج: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [آل عمران: ١٠٣].
فقد ذكرهم الله بعظيم النعمة عليهم في الإسلام؛ لأنهم كانوا في جاهليتهم يقتل بعضهم بعضًا، ويستبيح كل غالب منهم من غلبه، فحظر عليهم الإسلام الأنفس والأموال إلا بحقها، فعرفهم الله عز وجل ما لهم من الحظ في العاجل في الدخول في الإسلام.
وهذه نزلت في الأوس والخزرج47؛ لأنهم كانت بينهم في الجاهلية حروب دائمة قد أتت عليها السنون الكثيرة، فأزال الإسلام تلك الحروب وصاروا إخوانًا في الإسلام متوادين على ذلك، وأصل الأخ في اللغة: أن الأخ مقصده مقصد أخيه، وكذلك هوى الصداقة تكون إرادة بينهم، فكل واحد من الأخوين يكون موافقًا لما يريد صاحبه، والعرب تقول: فلان يتوخى مسار فلان، أي: يقصد ما يسره48.
وقوله تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) فهذا السياق في شأن الأوس والخزرج، فإنه قد كان بينهم حروب كثيرة في الجاهلية، وعداوة شديدة وضغائن وإحن وأحقاد، طال بسببها قتالهم والوقائع بينهم، فلما جاء الله بالإسلام، فدخل فيه من دخل منهم، صاروا إخوانًا متحابين بجلال الله، متواصلين في ذات الله، متعاونين على البر والتقوى، قال الله تعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [الأنفال: ٦٢-٦٣]49.
وعلى ركيزة الأخوة العامة بنيت المجتمعات الإسلامية والدول، قال سيد قطب: «ركيزتان تقوم عليهما الجماعة المسلمة، وتؤدي بهما دورها الشاق العظيم، فإذا انهارت واحدة منهما لم تكن هناك جماعة مسلمة، ولم يكن هنالك دور لها تؤديه: ركيزة الإيمان والتقوى أولًا، الركيزة الثانية فهي ركيزة الأخوة، الأخوة في الله، على منهج الله، لتحقيق منهج الله: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [آل عمران: ١٠٣].
فهي أخوة إذن تنبثق من التقوى والإسلام.. من الركيزة الأولى.. أساسها الاعتصام بحبل الله -أي: عهده ونهجه ودينه- وليست مجرد تجمع على أي تصور آخر، ولا على أي هدف آخر، ولا بواسطة حبل آخر من حبال الجاهلية الكثيرة! (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ).
هذه الأخوة المعتصمة بحبل الله نعمة يمتن الله بها على الجماعة المسلمة الأولى. وهي نعمة يهبها الله لمن يحبهم من عباده دائمًا، وهو هنا يذكرهم هذه النعمة. يذكرهم كيف كانوا في الجاهلية أعداءً، وما كان أعدى من الأوس والخزرج في المدينة أحد. وهما الحيان العربيان في يثرب. يجاورهما اليهود الذين كانوا يوقدون حول هذه العداوة، وينفخون في نارها حتى تأكل روابط الحيين جميعًا. ومن ثم تجد يهود مجالها الصالح الذي لا تعمل إلا فيه، ولا تعيش إلا معه. فألف الله بين قلوب الحيين من العرب بالإسلام، وما كان إلا الإسلام وحده يجمع هذه القلوب المتنافرة، وما كان إلا حبل الله الذي يعتصم به الجميع، فيصبحون بنعمة الله إخوانًا»50.
وبهذا يتضح أن للقرابة الإيمانية شأن عظيم في تقوية أركان المجتمع المسلم، ولها تأثير بالغ في اتحاد المسلمين وتآلفهم، فلو عايش المسلمون معاني هذه الأخوة التي أوجبتها هذه القرابة وطبقوها واقعًا عمليًا في حياتهم؛ لما أصاب مجتمعاتهم من الضعف؛ ولما تجرأ عليهم الأعداء، وتكالبت عليهم الأمم.
ولكن المسلمين هانوا في أعين أعدائهم يوم ضعفت أواصر الأخوة والمحبة بينهم، فلا سبيل للعزة والنصرة إلا إذا رجع المسلمون إلى تطبيق مبادىء دينهم وقاموا بأداء ما عليهم من واجبات تجاه إخوانهم المسلمين وأمدوهم بالمعونة والنصرة والمؤازرة51.
ثانيًا: الرحم الخاصة:
أما الرحم الخاصة بين الأرحام والأقارب فهي في القرآن الكريم على ثلاثة أنواع:
١. قرابة النسب.
إن قرابة النسب من أهم أنواع القرابة، فتعريف الشخص في المجتمع لا يكون إلا من خلال انتسابه إلى أبيه وجده وعائلته؛ لذا كان اعتناء العرب قديمًا وحديثًا بأصالة النسب وعراقته كونهم يتعارفون به بين الناس52.
وقد ذكر الله قرابة النسب في قوله تعالى: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [الفرقان: ٥٤].
وقوله تعالى: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [الحجرات: ١٣].
ويترتب على قرابة النسب الكثير من الأحكام، والتي منها تحريم النكاح، كما في قوله تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [النساء: ٢٣].
وسيأتي المزيد من الأحكام في مبحث حقوق القرابة بكل أنواعها.
وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على تعلم الأنساب من أجل صلة الرحم، كما ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فإن صلة الرحم محبة في الأهل، مثراة في المال، منسأة في الأثر)، ومعنى قوله: (منسأة في الأثر)، يعني: زيادة في العمر53.
٢. قرابة المصاهرة.
إن قرابة المصاهرة ثاني أنواع القرابة، ولا تقل أهمية عن قرابة النسب، فقد قرنها الله تعالى بها قال تعالى: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [الفرقان: ٥٤].
والصهر من يحل نكاحه من القرابة وغير القرابة، وأصل الصهر الاختلاط، فسميت المناكح صهرًا لاختلاط الناس بها54.
وقرابة المصاهرة هي: القرابة الحاصلة بسبب الزواج، وبالزواج تتقارب عائلتان لم يكن بينهما من قبل صلة، فتتعارفان وتتآلفان وتنشأ بينهما قرابة الصهر التي تعتبر هي أساس القرابة؛ حيث ينشأ من العلاقة الزوجية الأبناء الذين ينضمون إلى نسب الأب ويلتحقون بسلسلة قرابة النسب55.
قال تعالى: (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ) [النحل: ٧٢].
(ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ)، أي: من جنسكم أزواجًا، جعل لكم من أزواجكم بنين وبنات وحفدةً، وهم أولاد البنين تزوجونهم؛ فيحصل لكم بسببهم الأختان والأصهار56.
قال ابن كثير: «يذكر تعالى نعمه على عبيده بأن جعل لهم من أنفسهم أزواجًا من جنسهم وشكلهم، ولو جعل الأزواج من نوع آخر ما حصل الائتلاف والمودة والرحمة، ولكن من رحمته خلق من بني آدم ذكورًا وإناثًا، وجعل الإناث أزواجًا للذكور، ثم ذكر تعالى أنه جعل من الأزواج البنين والحفدة وهم أولاد البنين»57.
وقال السعدي: «يخبر تعالى عن منته العظيمة على عباده، حيث جعل لهم أزواجًا ليسكنوا إليها، وجعل لهم من أزواجهم أولادًا تقر بهم أعينهم ويخدمونهم، ويقضون حوائجهم، وينتفعون بهم من وجوه كثيرة، ورزقهم من الطيبات من جميع المآكل والمشارب، والنعم الظاهرة التي لا يقدر العباد أن يحصوها»58.
والقرابة بالمصاهرة يحرم بها نكاح سبعة من المحرمات، ستة منها في قوله تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [النساء: ٢٣].
والسابعة في قوله: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [النساء: ٢٢]59.
٣. قرابة الرضاع.
وقرابة الرضاع هي ثالث أنواع القرابة، ولها من الأهمية ما لقرابة النسب، لقول ﺍﻟﻨﺒـﻲ صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم في بنت حمزة رضي الله عنه عندما عرض عليه نكاحها: (لا تحل لي، يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، هي بنت أخي من الرضاعة)60، ويترتب على الرضاع بعض الأحكام مثل:
فيحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وذلك بالنظر إلى أقارب المرضع؛ لأنهم أقارب للرضيع، وأما أقارب الرضيع فلا قرابة بينهم وبين المرضع، والمحرمات من الرضاع سبع: الأم والأخت بنص القرآن، والبنت والعمة والخالة وبنت الأخ وبنت الأخت؛ لأن هؤلاء يحرمن من النسب، قال تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [النساء: ٢٣] 61.
ولما رواه ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم في بنت حمزة: (لا تحل لي، يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، هي بنت أخي من الرضاعة)62.
تبيح الرضاعة ما تبيحه الولادة من حيث انتشار الحرمة بين الرضيع ﻭﺃﻭﻻﺩ المرضعة وتنزيلهم منزلة الأقارب في جواز النظر والخلوة والمسافرة؛ لما روته عمرة بنت عبدالرحمن، أن عائشة رضي الله عنها، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أخبرتها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عندها، وأنها سمعت صوت رجل يستأذن في بيت حفصة، قالت عائشة: فقلت: يا رسول الله، هذا رجل يستأذن في بيتك، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أراه فلانًا) لعم حفصة من الرضاعة، فقالت عائشة: لو كان فلان حيًّا -لعمها من الرضاعة- دخل علي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم، إن الرضاعة تحرم ما يحرم من الولادة)63.
قال النووي مبينًا أحكام الرضاعة: «هذه الأحاديث متفقة على ثبوت حرمة الرضاع، وأجمعت الأمة على ثبوتها بين الرضيع والمرضعة، وأنه يصير ابنها يحرم عليه نكاحها أبدًا، ويحل له النظر إليها، والخلوة بها، والمسافرة، وأجمعوا أيضًا على انتشار الحرمة بين المرضعة وأولاد الرضيع، وبين الرضيع وأولاد المرضعة، وأنه في ذلك كولدها من النسب لهذه الأحاديث، وأما الرجل المنسوب ذلك اللبن إليه لكونه زوج المرأة أو وطئها بملك أو شبهة فمذهبنا ومذهب العلماء كافةً ثبوت حرمة الرضاع بينه وبين الرضيع ويصير ولدًا له، وأولاد الرجل إخوة الرضيع وأخواته، وتكون إخوة الرجل أعمام الرضيع، وأخواته عماته، وتكون أولاد الرضيع أولاد الرجل، ولم يخالف في هذا إلا أهل الظاهر وابن علية، فقالوا: لا تثبت حرمة الرضاع بين الرجل والرضيع، ونقله المازري عن ابن عمر وعائشة، واحتجوا بقوله تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) ولم يذكر البنت والعمة كما ذكرهما في النسب، واحتج الجمهور بهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة في عم عائشة وعم حفصة»64.
لا يثبت بالرضاع أحكام النسب وأحكام النفقة والميراث وغيرها، فلا يترتب على الرضاع أحكام الأمومة من كل وجه، فلا يتوارثان، ولا يجب على واحد منهما نفقة الآخر، ولا يعتق عليه بالملك، ولا ترد شهادته لها، ولا يعقل عنها، ولا يسقط عنها القصاص بقتله فهما كالأجنبيين في هذه الأحكام65.
وإنما ثبتت حرمة الرضاع بشرطين:
الأول: أن يكون إرضاع الصبي في حال الصغر، وذلك إلى انتهاء سنتين من ولادته لقوله تعالى: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [البقرة: ٢٣٣].
وقوله تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ) [لقمان: ١٤] ؛ ولما روته أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحرم من الرضاع إلّا ما فتق الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام)66.
الثاني: أن يوجد خمس رضعات متفرقات، عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: كان فيما أنزل من القرآن: عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن، بخمس معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهن فيما يقرأ من القرآن6768.
إن اهتمام الإسلام بقرابة الرضاع، وجعلها كقرابة النسب يبرز ما لهذه القرابة من منزلة، وينبه المسلمين إلى ضرورة مراعاة حقوق أقاربهم من الرضاعة، ويبين خطورة الجهل بأحكام الرضاعة، كحرمة تزوج الرجل من محارمه من الرضاعة؛ لئلا يتزوج من إحداهن وهو لا يعلم؛ لذا وجب إعطاء أمر الرضاعة مزيدًا من العناية والتحقق من المرضع وأقاربها؛ لئلا تنتهك الحرمات وتستباح المحرمات69.
إن حقوق الرحم تتنوع بين الحقوق الاجتماعية، والحقوق المالية، والحقوق الدعوية، وسيأتي بيان هذه الحقوق في النقاط الآتية:
أولًا: الحقوق الاجتماعية:
تتمثل الحقوق الاجتماعية في صلة الرحم بالإحسان بالقول والفعل، كالزيارة ونحوها، والتربية الإيمانية والعبادية والأخلاقية، وسيتم توضيح ذلك في الفقرات الآتية:
١. صلة الرحم بالإحسان بالقول والفعل.
من الحقوق الاجتماعية صلة الرحم بالإحسان بالقول والفعل، فقد أمر الله تعالى بالإحسان إلى الوالدين في آيات كثيرة، منها قوله تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ) [النساء: ٣٦].
أي: أحسنوا إليهم بالقول الكريم، والخطاب اللطيف، والفعل الجميل بطاعة أمرهما، واجتناب نهيهما، والإنفاق عليهما، وإكرام من له تعلق بهما، وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا بهما، وللإحسان ضدان، الإساءة وعدم الإحسان، وكلاهما منهي عنه70، فكل قول وفعل يحصل به منفعة للوالدين أو سرور لهما، فإن ذلك من الإحسان، وإذا وجد الإحسان انتفى العقوق71.
والإحسان إلى الزوجة يكون بالمعاشرة بالمعروف، فقد ورد الأمر بذلك في قوله تعالى: (ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [النساء: ١٩].
فقوله تعالى: (ﯢ ﯣ)، أي: طيبوا أقوالكم لهن، وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم كما تحب ذلك منها، فافعل أنت بها مثله، كما قال تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [البقرة: ٢٢٨]72.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وخيركم خيركم لنسائهم)73.
وكذلك الإحسان إلى الأولاد، ويدل عليه عموم قوله تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [البقرة: ٨٣].
وقوله تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [النساء: ٣٦].
فقد أمر الله بالإحسان إلى ذوي القربى بعد الوالدين، ويشمل ذلك جميع الأقارب، قربوا أو بعدوا، بأن يحسن إليهم بالقول والفعل، وأن لا يقطع برحمه بقوله أو فعله74.
ولأن قوله تعالى: (ﯢ ﯣ) عام يشمل الأصل، وهو الأبوان وما يتصل بالمرء من ناحيتهما من أصولها وفصولهما، ويشمل الفصل، وهو الأبناء والبنات وما يتصل به منهما من فصول، غير أن الوالدين لمزيد العناية بهما خصصا بالذكر في الآيات المتقدمة، وإن كانا داخلين في هذا العموم75.
فيكون الإحسان إلى الأولاد بجميع أنواع الإحسان المادية والمعنوية، ومن ذلك: تربيتهم تربيةً حسنةً، وتعليمهم، والتلطف بهم، ورحمتهم، والإنفاق عليهم، والعدل بينهم في العطايا والهبات؛ لما رواه النعمان بن بشير رضي الله عنه، قال: تصدق علي أبي ببعض ماله، فقالت أمي عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده على صدقتي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفعلت هذا بولدك كلهم؟) قال: لا، قال: (اتقوا الله، واعدلوا في أولادكم)، فرجع أبي، فرد تلك الصدقة76.
وقد أمر الله بالإحسان إلى ذوي القربى بعد الوالدين، ويشمل ذلك جميع الأقارب، قربوا أو بعدوا، بأن يحسن إليهم بالقول والفعل.
قال تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [النساء: ٣٦]77.
وإنما أمر بالإحسان إلى ذي القربى استبقاءً لأواصر الود بين الأقارب، إذ كان العرب في الجاهلية قد حرفوا حقوق القرابة، فجعلوها سبب تنافس وتحاسد وتقاتل78.
كما أمر الله تعالى بالإحسان إلى الجيران، فقال سبحانه: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [النساء: ٣٦].
والجار قد أمر الله تعالى بحفظه، والقيام بحقه، والوصاة برعي ذمته في كتابه، وعلى لسان نبيه، والله سبحانه أكد ذكر الجار بعد الوالدين والأقربين، فقال تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ)، أي: القريب، يعني الذي بينك وبينه قرابة، (ﮧ ﮨ)، أي: الغريب الذي ليس بينك وبينه قرابة، قاله ابن عباس، وقال نوف الشامي: «(ﮤ ﮥ ﮦ) المسلم، (ﮧ ﮨ) اليهودي والنصراني»، وقال جابر الجعفي عن الشعبي عن علي وابن مسعود رضي الله عنهم: «(ﮤ ﮥ ﮦ) يعني: المرأة»، وقال مجاهد أيضًا في قوله: «(ﮧ ﮨ) يعني: الرفيق في السفر»79.
قال القرطبي: «وعلى هذا فالوصاة بالجار مأمور بها، مندوب إليها، مسلمًا كان أو كافرًا، وهو الصحيح، والإحسان قد يكون بمعنى المواساة، وقد يكون بمعنى حسن العشرة وكف الأذى والمحاماة دونه، روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما زال يوصيني جبريل بالجار، حتى ظننت أنه سيورثه)80»81.
والجوار ضرب من ضروب القرابة، فهو قرب بالمكان والسكن، وقد يأنس الإنسان بجاره القريب أكثر مما يأنس بالنسيب، فيحسن أن يتعاون الجاران، ويكون بينهما الرحمة والإحسان، فإذا لم يحسن أحدهما إلى الآخر فلا خير فيهما لسائر الناس، وقد حث الدين على الإحسان في معاملة الجار، عن أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره)82.
وإكرام الجار من شيم العرب قبل الإسلام، وزاده الإسلام توكيدًا بما جاء في الكتاب والسنة، ومن إكرامه إرسال الهدايا إليه، ودعوته إلى الطعام، وتعاهده بالزيارة والعيادة إلى نحو ذلك83.
٢. حق التربية لذوي الأرحام.
إن حق التربية لذوي الأرحام حق كامل يشمل تربية النفس، وتكون من خلال غرس عقيدة التوحيد في نفوس ذوي الأرحام.
قال تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [لقمان: ١٣] 84.
ويدخل في تربية النفس: التربية على مراقبة الله تعالى في كافة الأحوال والأعمال، قال تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [لقمان: ١٦].
وفي هذه الآية يكشف لقمان لابنه عن علم الله، وبسطة سلطانه، حتى يعبده عن علم به، ومعرفة بما ينبغي له من كمال وجلال85.
وكذلك التربية على أداء العبادات، قال تعالى: (ﯤ ﯥ ﯦ) [لقمان: ١٧].
وتعتبر الصلاة الركن الثاني من أركان الإسلام، وهي عماد الدين، أمر الله تعالى عباده بالمحافظة عليها حال السفر والحضر، حالة الصحة والسقم، والأمن والخوف، وإقامتها تعني أداءها في وقتها بأركانها وواجباتها بخشوع، على النحو المرضي، لما فيها من رضا الرب بالإقبال عليه والإخبات له، ولما فيها من النهي عن الفحشاء والمنكر، وإذا تم ذلك صفت النفس وأنابت إلى بارئها في السراء والضراء86.
والتربية على العبادة يشمل كل ما يحبه الله ويرضاه: من الأقوال، والأعمال الباطنة والظاهرة؛ فالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وصدق الحديث، وأداء الأمانة وبر الوالدين، وصلة الأرحام والوفاء بالعهود، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد للكفار والمنافقين، والإحسان إلى الجار واليتيم، والمسكين، وابن السبيل والمملوك من الآدميين والبهائم، والدعاء، والذكر، والقراءة، وأمثال ذلك من العبادة.
وكذلك حب الله ورسوله، وخشية الله والإنابة إليه، وإخلاص الدين له، والصبر لحكمه، والشكر لنعمه، والرضا بقضائه، والتوكل عليه، والرجاء لرحمته، والخوف لعذابه وأمثال ذلك هي من العبادة لله تعالى87.
والتربية الأخلاقية: والخلق هو: عبارة عن هيئة في النفس راسخة عنها تصدر الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر وروية88.
والآيات التي تمثل التربية الأخلاقية كثيرة، منها قوله تعالى: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ) [لقمان: ١٨-١٩].
فقوله: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [لقمان: ١٨].
قرأ الجمهور (ولا تصاعر)، وقرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم وأبو جعفر ويعقوب (ولا تصعر)89، يقال: صاعر وصعر، إذا أمال عنقه إلى جانب ليعرض عن جانب آخر، وهو مشتق من الصعر بالتحريك لداء يصيب البعير فيلوي منه عنقه، فكأنه صيغ له صيغة تكلف، بمعنى تكلف إظهار الصعر وهو تمثيل للاحتقار؛ لأن مصاعرة الخد هيئة المحتقر المستخف في غالب الأحوال90.
ثانيًا: الحقوق المالية:
إن الحقوق المالية المترتبة على الرحم والقرابة تتمثل في: الميراث المستحق بسبب الرحم والقرابة، وكذلك النفقة الواجبة والمندوبة، بالإضافة إلى الوصية والصدقة لذوي الرحم، وكذلك حق ذوي القربى الغنيمة والفيء، وبيان ذلك في الفقرات الآتية:
١. الميراث.
يترتب على القرابة أحكام شرعية نص عليها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ومن هذه الأحكام: الميراث، فالأقارب يجمعهم أصل واحد، ويلتزمون بحقوق وواجبات، ويتعاونون فيما بينهم في تحمل النفقات؛ لذا كانوا أحق بمال قريبهم بعد موته، مع اختلاف نصيب كل قريب بحسب درجة القرابة بينه وبين الميت91.
وقد بين الله تعالى حق الميراث في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [النساء: ٧].
وقوله تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [النساء: ١١].
وقوله سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [النساء: ١٢].
٢. النفقة.
أوجبت الشريعة الإسلامية على المسلم القادر أن ينفق على أقاربه الذين تلزمه نفقتهم كالزوجة والأولاد والوالدين، وأن يوفر لهم ما يكفيهم من طعام وكسوة وسكنى، وحق النفقة بسبب القرابة يكون واجبًا لبعض الأقارب، ويكون غير واجب لبعضهم، وسيتم توضيح ذلك في الفقرات الآتية:
تكون نفقة الأقارب الواجبة على القريب الموسر للزوجة والأولاد والآباء كما يأتي:
نفقة الزوجة وكسوتها وطعامها وسكناها واجبة على زوجها لقاء احتباسها في بيت زوجها ومشاطرته تربية الأبناء ورعايتهم، فإنها تستحق كل ما تحتاج من نفقات سواءً أكانت غنيةً أم فقيرةً، وكذلك تستحق الزوجة المطلقة النفقة، إذا كانت مطلقة في حال حملها أو رضاعها لأولادها أو كونها في العدة، قال تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [البقرة: ٢٣٣].
وقال سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [الطلاق: ٦-٧].
والنفقة من حقوق الزوجة، وبسببها يكتسب الزوج حق القوامة عليها، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [النساء: ٣٤] 92.
قال أبو جعفر الطبري: «الرجال أهل قيام على نسائهم، في تأديبهن والأخذ على أيديهن فيما يجب عليهن لله ولأنفسهم (ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ)، يعني: بما فضل الله به الرجال على أزواجهم: من سوقهم إليهن مهورهن، وإنفاقهم عليهن أموالهم وكفايتهم إياهن مؤنهن، وذلك تفضيل الله تبارك وتعالى إياهم عليهن، ولذلك صاروا قوامًا عليهن، نافذي الأمر عليهن فيما جعل الله إليهم من أمورهن»93.
يجب على المسلم الموسر نفقة الوالدين، ولو كانا كافرين وبرهما وخدمتهما وزيارتهما إلا أن يخاف أن يجلباه إلى الكفر94، ويدل على ذلك قوله تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ) [البقرة: ٢١٥].
وقوله تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ) [النساء: ٣٦].
مع بيان النبي صلى الله عليه وسلم لمراد الله بقوله: فيما رواه طارق المحاربي، قال: قدمنا المدينة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر يخطب الناس وهو يقول: (يد المعطي العليا، وابدأ بمن تعول: أمك، وأباك، وأختك، وأخاك، ثم أدناك، أدناك)95، وفيه الدلالة على وجوب نفقة الوالدين، والأقربين عليه96.
وقد أجمع العلماء على وجوب النفقة للوالدين اللذين لا كسب لهما ولا مال، سواءً أكان الوالدان مسلمين أو كافرين، وسواءً كان الفرع ذكرًا أم أنثى، قال الشربيني: «قال ابن المنذر: وأجمعوا على أن نفقة الوالدين اللذين لا كسب لهما ولا مال واجبة في مال الولد، والأجداد والجدات ملحقون بهما إن لم يدخلوا في عموم ذلك، كما ألحقوا بهما في العتق والملك، وعدم القود، ورد الشهادة وغيرهما»97، ويشترط لوجوب النفقة يسار المنفق، وإعسار المنفق عليه، واحتياجه إلى النفقة، وهذا باتفاق العلماء في الجملة98.
يجب على الوالد الموسر النفقة على أولاده الصغار؛ لأن الأولاد جزء منه، فالإنفاق عليهم كالإنفاق على نفسه، وإحيائهم كإحياء نفسه، ونفقة الأولاد واجبة بالكتاب والسنة والإجماع، فمن الكتاب قوله تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [الطلاق: ٦].
وقوله تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [البقرة: ٢٣٣].
وفي الآيتين دليل على وجوب نفقة الولد على الوالد لعجزه وضعفه؛ فجعل الله تعالى ذلك على يدي أبيه؛ لقرابته منه وشفقته عليه99.
ومن السنة النبوية ما روته عائشة رضي الله عنها، قالت: دخلت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني إلا ما أخذت من ماله بغير علمه، فهل علي في ذلك من جناح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك)100.
أما الإجماع: فقد حكى الإجماع على ذلك ابن قدامة وقال: «وأما الإجماع، فحكى ابن المنذر قال: أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين اللذين لا كسب لهما، ولا مال، واجبة في مال الولد، وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، على أن على المرء نفقة أولاده الأطفال الذين لا مال لهم، ولأن ولد الإنسان بعضه، وهو بعض والده، فكما يجب عليه أن ينفق على نفسه وأهله كذلك على بعضه وأصله»101.
أما نفقة باقي الأقارب فقد اختلف المفسرون والفقهاء في حكم النفقة عليهم على أقوال، والراجح أن النفقة تجب على الأقارب العاجزين عن الكسب إذا كان القريب موسرًا 102.
فتجب ﺍﻟﻨﻔﻘﺔ لكل قريب وارث من الأصول والفروع والحواشي، كالإخوة والأعمام وأبنائهم، ﻭدليل ذلك قوله تعالى: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [البقرة: ٢٣٣]103، قال ابن كثير: «وقد استدل بذلك من ذهب إلى وجوب نفقة الأقارب بعضهم على بعض، وهو مروي عن عمر بن الخطاب وجمهور السلف، ويرجح ذلك بحديث الحسن عن سمرة مرفوعًا (من ملك ذا رحم محرم، عتق عليه)104»105.
٣. الوصية.
الوصية مشروعة في وجوه الخير المتعددة، ولكنها تستحب للأقارب غير الوارثين؛ لأن الوصية لهم لون من ألوان البر والإحسان الذي أمر الله به لذوي القربى؛ لأن ذلك نوع من أنواع التكافل والتعاضد ومدعاة للتآلف106، قال تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [البقرة: ١٨٠-١٨١].
قال أبو جعفر الطبري: «يعني بقوله تعالى ذكره: (ﯝ ﯞ)، فرض عليكم، أيها المؤمنون، (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) والخير: المال، للوالدين والأقربين الذين لا يرثونه، (ﯩ): وهو ما أذن الله فيه وأجازه في الوصية مما لم يجاوز الثلث، ولم يتعمد الموصي ظلم ورثته، (ﯫ ﯬ ﯭ) يعني بذلك: فرض عليكم هذا وأوجبه، وجعله حقًا واجبًا على من اتقى الله فأطاعه أن يعمل به107.
قال ابن كثير: «اشتملت هذه الآية الكريمة على الأمر بالوصية للوالدين والأقربين، وقد كان ذلك واجبًا على أصح القولين قبل نزول آية المواريث، فلما نزلت آية الفرائض نسخت هذه، وصارت المواريث المقدرة فريضة من الله يأخذها أهلوها حتمًا من غير وصية ولا تحمل منة الموصي، ولهذا جاء في الحديث الذي في السنن وغيرها عن عمرو بن خارجة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب وهو يقول: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث)108»109.
ومن خلال هذه النصوص يتبين أن الوصية للأقارب غير الوارثين مستحبة، وليست واجبة110.
٤. الصدقة.
من حقوق الرحم المالية: الصدقة لهم والمواساة بالمال.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [البقرة: ١٧٧].
والبر: التوسع في الخير، وفي لسان الشرع: كل ما يتقرب به إلى الله من الإيمان به وصالح الأعمال وفاضل الأخلاق، (ﭗ ﭘ ﭙ) أي: ناحيتيهما، (ﭤ ﭥ) أي: أعطاه111، وذوو القربي: المحتاجون، وهم أحق الناس بالبر، إذ المركوز في الفطرة أن الإنسان يألم لفاقة ذوي رحمه وعدمهم أشد مما يألم لغيرهم، فهو يرى أن هوانه بهوانهم وعزه بعزهم، فمن قطع رحمه وامتنع عن مساعدتهم، وهم بائسون وهو في نعمة من الله وفضل، فقد بعد عن الدين والفطرة، وجاء في الحديث الذي رواه سلمان بن عامر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة)112، أي: صدقة وصلة رحم113.
وقد حضّ سبحانه على صلة القرابة وبر الأقارب والإحسان إليهم، وإيتاء حقوقهم من البر والصلة.
قال تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [الإسراء: ٢٦].
وقال تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [الروم: ٣٨]114.
كما أمر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أمرًا تدخل الأمة فيه، وهذا على جهة الندب إلى إيتاء ذي القربى حقه من صلة المال وحسن المعاشرة ولين القول، قال الحسن: حقه المواساة في اليسر، وقول ميسور في العسر115.
وقال الشوكاني: «لما بين سبحانه كيفية التعظيم لأمر الله أشار إلى ما ينبغي من مواساة القرابة، وأهل الحاجات ممن بسط الله له في رزقه، فقال: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ)، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وأمته أسوته، أو لكل مكلف له مال وسع الله به عليه، وقدم الإحسان إلى القرابة؛ لأن خير الصدقة ما كان على قريب، فهو صدقة مضاعفة، وصلة رحم مرغب فيها، والمراد: الإحسان إليهم بالصدقة، والصلة، والبر»116.
٥. الغنيمة والفيء.
إن الغنيمة والفيء من الحقوق المالية لذوي القربى قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [الأنفال: ٤١].
وقوله تعالى: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [الحشر: ٧].
والغنيمة هي: المال المأخوذ من الكفار، بإيجاف الخيل والركاب، والفيء ما أخذ منهم بغير ذلك، كالأموال التي يصالحون عليها أو يتوفون عنها، ولا وارث لهم، والجزية والخراج ونحو ذلك، هذا مذهب الإمام الشافعي في طائفة من علماء السلف والخلف. ومن العلماء من يطلق الفيء: على ما تطلق عليه الغنيمة، وبالعكس أيضًا117.
والمراد ب (ذوي القربى): قرابته صلى الله عليه وسلم، وذهب الجمهور إلى أن سهم ذوي القربى يصرف إلى بني هاشم وبني المطلب خاصة؛ لأن بني المطلب وازروا بني هاشم في الجاهلية، وفي أول الإسلام، ودخلوا معهم في الشعب غضبًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وحمايةً له، مسلمهم طاعةً لله ولرسوله، وكافرهم حميةً للعشيرة، وأنفةً، وطاعةً لأبي طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما بنو عبد شمس، وبنو نوفل، وإن كانوا ابني عمهم، فلم يوافقوهم، بل حاربوهم ونابذوهم118؛ ولأنهم قد منعوا الصدقة، فجعل لهم حق في الفيء119.
وفي هذا روى جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: مشيت أنا وعثمان بن عفان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا: يا رسول الله أعطيت بني المطلب وتركتنا، ونحن وهم منك بمنزلة واحدة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما بنو المطلب، وبنو هاشم شيء واحد) قال الليث: حدثني يونس، وزاد، قال جبير: ولم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم لبني عبد شمس، ولا لبني نوفل120.
وبهذا يكون لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم خمس خمس الغنيمة، وخمس الفيء في حياته صلى الله عليه وسلم.
أما بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد اختلف أهل العلم في سهم ذوي القربى هل هو ثابت اليوم أم لا؟
فذهب الجمهور إلى أنه ثابت فيعطى فقراؤهم وأغنياؤهم من خمس الخمس، للذكر مثل حظ الأنثيين، وهو قول مالك والشافعي، وذهب أبو حنيفة وأصحاب الرأي إلى أنه غير ثابت، وقالوا سهم النبي صلى الله عليه وسلم، وسهم ذوي القربى مردود في الخمس، فيقسم خمس الغنيمة على ثلاثة أصناف اليتامى والمساكين وابن السبيل، فيصرف إلى فقراء ذوي القربى مع هذه الأصناف دون أغنيائهم، وحجة الجمهور أن الكتاب والسنة يدلان على ثبوت سهم ذوي القربى، ولأن الخلفاء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يعطون ذوي القربى، ولا يفضلون فقيرًا على غني؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى العباس بن عبد المطلب مع كثرة ماله، وكذا الخلفاء بعده كانوا يعطونه، وألحقه الشافعي بالميراث الذي يستحق باسم القرابة غير أنهم يعطون القريب والبعيد، وقال: ويفضل الذكر على الأنثى فيعطى الذكر سهمين والأنثى سهمًا121.
بل قد حكى بعض العلماء الإجماع على أن ذلك السهم يكون في الكراع والسلاح في سبيل الله، فقد أخرج النسائي وغيره عن قيس بن مسلم، عن الحسن بن محمد بن الحنفية قال: «اختلف الناس بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في هذين السهمين: سهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسهم لذوي القربى، فقالت طائفة: سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم للخليفة من بعده، وقالت طائفة: سهم لذوي القربى لقرابة الخليفة، فأجمعوا على أن يجعلوا هذين السهمين في الكراع وفي العدة في سبيل الله»122.
وبهذا يمكن القول بأن سهم ذوي القربى يصرف في المصالح العامة وخاصة في هذا العصر؛ لتعذر معرفة قرابات النبي صلى الله عليه وسلم، وبعدهم عن عصره صلى الله عليه وسلم، مع الحب والتقدير لمن ينتسب إلى آل النبي صلى الله عليه وسلم.
ثالثًا: حقوق دعوية:
يجب على المسلم أن يخص أقاربه بالدعوة إلى الله تعالى والنصح والإرشاد كونه يتحمل المسؤلية تجاههم، بل إن تلك الدعوة والنصح والإرشاد من حقوق القرابة لقوله تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الشعراء: ٢١٤].
فقد أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يدعو الأقربين من عشيرته إلى الدين الإسلامي، وخصهم بالدعوة؛ لأنه يمكنه أن يجمعهم، أو لأن الإنسان يساهل قرابته، فأمر بإنذارهم من غير تليين، أو ليعلموا أنه لا يغني عنهم من الله شيئًا123؛ لتنحسم أطماع سائر عشيرته وأطماع الأجانب في مفارقته إياهم على الشرك، وعشيرته الأقربون هم قريش، وقيل: بنو عبد مناف124.
وقد بينت السنة النبوية كيف دعا النبي صلى الله عليه وسلم عشيرته، وذلك فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه، قال: لما أنزلت هذه الآية: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الشعراء: ٢١٤]، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشًا، فاجتمعوا فعم وخص، فقال: (يا بني كعب بن لؤي، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني مرة بن كعب، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد مناف، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد المطلب، أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة، أنقذي نفسك من النار، فإني لا أملك لكم من الله شيئًا، غير أن لكم رحمًا سأبلها ببلالها)125.
ومعنى: سأبلها ببلالها، أي: سأصلها، فقد شبهت قطيعة الرحم بالحرارة، ووصلها بالماء الذي يطفئ ببرده الحرارة، ومنه حديث: (بلوا أرحامكم ولو بالسلام)126127، أي: صلوا أرحامكم، قال ابن حجر: «وقال الطيبي وغيره شبه الرحم بالأرض التي إذا وقع عليها الماء وسقاها حتى سقيها أزهرت ورؤيت فيها النضارة فأثمرت المحبة والصفاء، وإذا تركت بغير سقي يبست وبطلت منفعتها فلا تثمر إلا البغضاء والجفاء»128.
كما قال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [طه: ١٣٢].
وقوله تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [التحريم: ٦].
ووقاية النفس عن النار بترك المعاصي وفعل الطاعات، ووقاية الأهل بحملهم على ذلك بالنصح والتأديب129، وأيضًا فهم أحق أن يتصدق عليهم، فوجب أن يكونوا بالإحسان الديني أولى130.
ومن خلال هذه النصوص يتبين أن من حقوق القريب على قريبه دعوته إلى الإيمان والتقوى والاستقامة بما يقيه من النار يوم القيامة، كما يجب على القريب نصح وإرشاد قريبه للخير والصلاح الديني والدنيوي.
سيكون هذا المبحث في بيان معنى قطيعة الرحم، وصورها، وكيفية صلتها، وعاقبة قطيعة الرحم في الدنيا والآخرة، وذلك في النقاط الآتية:
أولًا: قطيعة الرحم:
إن قطيعة الرحم من الكبائر العظيمة التي توجب لعنة الله تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [محمد: ٢٢-٢٣].
قال ابن كثير: «ولهذا قال تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) وهذا نهي عن الإفساد في الأرض عمومًا، وعن قطع الأرحام خصوصًا، بل قد أمر الله تعالى بالإصلاح في الأرض وصلة الأرحام، وهو الإحسان إلى الأقارب في المقال والأفعال وبذل الأموال، وقد وردت الأحاديث الصحاح والحسان بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طرق عديدة ووجوه كثيرة»131.
وقد أجمع العلماء على حرمة قطيعة الرحم، قال القرطبي: «اتفقت الملة على أن صلة الرحم واجبة وأن قطيعتها محرمة»132.
وقطيعة الرحم تكون: بالإساءة إلى الرحم، وتكون بترك الإحسان؛ لأن الأحاديث آمرة بالصلة ناهية عن القطيعة فلا واسطة بينهما، والصلة نوع من الإحسان كما فسرها بذلك غير واحد من العلماء، والقطيعة ضدها، وهي ترك الإحسان133.
قال القرطبي: «وبالجملة فالرحم على وجهين: عامة وخاصة، فالعامة: رحم الدين، ويجب مواصلتها بملازمة الإيمان، والمحبة لأهله ونصرتهم، والنصيحة وترك مضارتهم، والعدل بينهم، والنصفة في معاملتهم، والقيام بحقوقهم الواجبة، كتمريض المرضى، وحقوق الموتى من غسلهم والصلاة عليهم ودفنهم، وغير ذلك من الحقوق المترتبة لهم، وأما الرحم الخاصة: وهي رحم القرابة من طرفي الرجل أبيه وأمه، فتجب لهم الحقوق الخاصة وزيادة، كالنفقة، وتفقد أحوالهم، وترك التغافل عن تعاهدهم في أوقات ضروراتهم، وتتأكد في حقهم حقوق الرحم العامة، حتى إذا تزاحمت الحقوق بدئ بالأقرب فالأقرب»134.
وتكون صلة الرحم بالمال وبالعون على الحاجة، وبدفع الضرر، وبطلاقة الوجه، وبالدعاء، والمعنى الجامع: إيصال ما أمكن من الخير، ودفع ما أمكن من الشر بحسب الطاقة، وهذا إنما يستمر إذا كان أهل الرحم أهل استقامة، فإن كانوا كفارًا أو فجارًا فمقاطعتهم في الله هي صلتهم، بشرط بذل الجهد في وعظهم، ثم إعلامهم إذا أصروا أن ذلك بسبب تخلفهم عن الحق، ولا يسقط مع ذلك صلتهم بالدعاء لهم بظهر الغيب أن يعودوا إلى الطريق المثلى135.
والخلاصة أن صلة الرحم: هي الإحسان إلى الأقارب على حسب حال الواصل والموصول، فتارةً تكون بالمال، وتارةً بالخدمة، وتارةً بالزيارة، والسلام، وغير ذلك136، أي: أن صلة الرحم: مشاركة ذوي القرابة في الخيرات137.
ثانيًا: عاقبة قطيعة الرحم:
توجب قطيعة الرحم عددًا من العقوبات والعواقب يمكن بيانها في الفقرات الآتية:
١. اللعنة من الله.
قال تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [محمد: ٢٢-٢٣].
والمعنى: أن هؤلاء الذين يفسدون ويقطعون الأرحام لعنهم الله، فأبعدهم من رحمته، (ﮍ)، أي: فسلبهم فهم ما يسمعون بآذانهم من مواعظ الله في تنزيله، (ﮎ ﮏ) يقول: وسلبهم عقولهم، فلا يتبينون حجج الله، ولا يتذكرون ما يرون من عبره وأدلته138.
٢. القطع من الله.
القطع من الله عاقبة من عواقب قطيعة الرحم؛ لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الرحم شجنة من الرحمن، فقال الله: من وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته)139.
ومعنى: الرحم شجنة من الرحمن، أي: قرابة مشتبكة كاشتباك العروق، شبهه بذلك مجازًا واتساعًا، وأصل الشجنة بالكسر والضم: شعبة في غصن من غصون الشجرة140.
«والمراد منها هنا: أنها مشتقة (من الرحمن)، أي: من الرحم المشتق من اسم الرحمن، فكأنها مشتبكة به اشتباك العروق، وقيل: في وجه الشجنة أن حروف الرحم موجودة في اسم الرحمن، ومتداخلة فيه كتداخل العروق لكونها من أصل واحد، والمعنى: أنها أثر من آثار رحمة الله مشتبكة بها، فالقاطع فيها مقطوع من رحمة الله، والواصل فيها واصل إلى رحمته»141.
والقطع من الله كناية عن حرمان الإحسان، والوصل من الله تعالى كناية عن عظيم إحسانه142، بل قد يكون القطع حقيقةً بأن يقطع الله من عمره ورزقه، كما أن في الوصل زيادة في العمر والرزق.
٣. الحجب من دخول الجنة.
من عواقب قطيعة الرحم الحجب من دخول الجنة، لما رواه جبير بن مطعم رضي الله عنه: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يدخل الجنة قاطع)143.
قال ابن أبي عمر: قال سفيان: يعني قاطع رحم144.
قال الإمام النووي: «هذا الحديث يتأول تأويلين سبقا في نظائره في كتاب الإيمان، أحدهما: حمله على من يستحل القطيعة بلا سبب ولا شبهة مع علمه بتحريمها فهذا كافر يخلد في النار، ولا يدخل الجنة أبدًا، والثاني: معناه ولا يدخلها في أول الأمر مع السابقين، بل يعاقب بتأخره القدر الذي يريده الله تعالى»145.
٤. تعجيل العقوبة في الدنيا مع ما يؤجل في الآخرة.
من عواقب قطيعة الرحم تعجيل العقوبة في الدنيا مع ما يؤجل في الآخرة ويدل على ذلك ما رواه أبو بكرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا، مع ما يدخر له في الآخرة مثل البغي وقطيعة الرحم)146.
٥. الخسران في الدنيا والآخرة.
رتب الله تعالى على نقض العهود وقطيعة الرحم و الفساد في الأرض الخسارة في الدنيا والآخرة.
قال تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [البقرة: ٢٧].
والخاسرون هم: الهالكون والناقصون أنفسهم حظوظها من رحمة الله بمعصيتهم له، كما يخسر الرجل في تجارته، بأن يوضع من رأس ماله في بيعه، فكذلك الكافر والمنافق، وقاطع الرحم خسر بحرمان الله إياه رحمته التي خلقها لعباده في القيامة، أحوج ما كان إلى رحمته147، وخسر بإهمال العقل عن النظر واقتناص ما يفيدهم الحياة الأبدية، واستبدال الإنكار والطعن في الآيات بالإيمان بها، والنظر في حقائقها والاقتباس من أنوارها، واشتراء النقص بالوفاء، والفساد بالصلاح، والعقاب بالثواب148.
٦. الحرمان من قبول العمل.
الحرمان من قبول العمل من عواقب قطيعة الرحم، لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن أعمال بني آدم تعرض كل خميس ليلة الجمعة، فلا يقبل عمل قاطع رحم)149.
والمعنى: أن من قطع رحمه بنحو إساءة أو هجر، فعمله لا ثواب فيه، وإن كان صحيحًا، ولا تلازم بين الصحة وعدم القبول، وهذا وعيد شديد يفيد أن قطعها كبيرة، بخلاف قطعها بترك الإحسان أو نحوه فليس بكبيرة بل ولا صغيرة، ويحتمل كونه صغيرة في بعض الأحوال150.
إن الرحم من غير المسلمين إما أن يكونوا مسالمين وإما أن يكونوا محاربين، ولكل نوع من هؤلاء الرحم حقوق يمكن بيانها في النقاط الآتية:
أولًا: حقوق الرحم المسالمين من غير المسلمين:
رخص الله سبحانه في صلة الرحم المسالمين من غير المسلمين الذين لم يقاتلوا المؤمنين، ولم يخرجوا من ديارهم بالإحسان والبر، والقسط إليهم، والعدل معهم، قال تعالى: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [الممتحنة: ٨]151.
واختلف العلماء فيمن نزلت فيهم هذه الآية:
فقال ابن عباس رضي الله عنه: نزلت في خزاعة، منهم: هلال بن عديم، وخزيمة، ومزلقة بن مالك بن جعشم، وبنو مدلج، وكانوا صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم على أن لا يقاتلوه ولا يعينوا عليه أحدًا.
وعن هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إن أمي قدمت علي وهي راغبة أفأصلها؟ قال: (نعم صليها)152153.
قال الطبري: «وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عني بذلك: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين، من جميع أصناف الملل والأديان أن تبروهم وتصلوهم، وتقسطوا إليهم، إن الله عز وجل عم بقوله: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) جميع من كان ذلك صفته، فلم يخصص به بعضًا دون بعض، ولا معنى لقول من قال: ذلك منسوخ؛ لأن بر المؤمن من أهل الحرب ممن بينه وبينه قرابة نسب، أو ممن لا قرابة بينه وبينه ولا نسب غير محرم، ولا منهي عنه إذا لم يكن في ذلك دلالة له، أو لأهل الحرب على عورة لأهل الإسلام، أو تقوية لهم بكراع أو سلاح، قد بين صحة ما قلنا في ذلك، الخبر الذي ذكرناه عن ابن الزبير في قصة أسماء وأمها. وقوله: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) يقول: إن الله يحب المنصفين الذين ينصفون الناس، ويعطونهم الحق والعدل من أنفسهم، فيبرون من برهم، ويحسنون إلى من أحسن إليهم»154.
ومما يؤيد قول الطبري بأن الآية محكمة غير منسوخة أن هذا قول جمهور المفسرين، ومن أدلتهم: أنها نزلت في أم أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما جاءت إليها وهي لم تسلم بعد وكان بعد الهجرة، وجاءت لابنتها بهدايا فأبت أن تقبلها منها وأن تستقبلها حتى تستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأذن لها وأمرها بصلتها155156.
ومما ينفي النسخ عدم التعارض بين هذا المعنى، وبين آية السيف؛ لأن شرط النسخ التعارض، وعدم إمكان الجمع، ومعرفة التاريخ، والجمع هنا ممكن والتعارض منفي، وذلك لأن الأمر بالقتال لا يمنع الإحسان قبله، كما أن المسلمين ما كانوا ليفاجئوا قومًا بقتال حتى يدعوهم إلى الإسلام، وهذا من الإحسان قطعًا، ولأنهم قبلوا من أهل الكتاب الجزية، وعاملوا أهل الذمة بكل إحسان وعدالة157.
ومفهومه: أن المؤمنين إذا كانوا في حالة قوة وعدم خوف وفي مأمن منهم، وليس منهم قتال، وهم في غاية من المسالمة فلا مانع من برهم بالعدل والإقساط معهم، وهذا مما يرفع من شأن الإسلام والمسلمين، بل وفيه دعوة إلى الإسلام بحسن المعاملة، وتأليف القلوب بالإحسان إلى من أحسن إليهم، وعدم معاداة من لم يعادهم، ومما يدل لذلك من القرائن ما جاء في التذييل لهذه الآية بقوله تعالى: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ)، كما قابل هذا بالتذييل على الآية الأخرى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ)، ففيه مقابلة بين العدل والظلم، فالعدل في الإحسان، والقسط لمن يسالم القريب، والظلم ممن يوالي من يعادي قومه158.
وقد أوصى الله تعالى بالإحسان إلى الوالدين الكافرين في قوله تعالى: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [لقمان: ١٥].
أي: صاحبها في الدنيا بالبر والصلة، والعشرة الجميلة وهو المعروف من غير أن تطيعهما في معصيتي159.
ومن الإحسان إليهما أيضًا: النفقة عليهما كما سبق في حق القرابة في النفقة، وليس من الصحبة بالمعروف تركه جائعًا مع القدرة على سد جوعته، وهذه الصلة والإحسان إليهما واجبة بالإجماع إذا كانا مسالمين160.
ثانيًا: حقوق الرحم المحاربين:
أما حقوق الرحم المحاربين فهو بمعادتهم ومقاطعتهم وهجرهم، وهذا هو صلة الرحم بهم قال تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [الممتحنة: ٩].
والمعنى: إنما ينهاكم عن موالاة هؤلاء الذين ناصبوكم بالعداوة فقاتلوكم، وأخرجوكم، وعاونوا على إخراجكم، ينهاكم الله عز وجل عن موالاتهم، ويأمركم بمعاداتهم، ثم أكد الوعيد على موالاتهم فقال: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) كقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [المائدة: ٥١] 161.
فالذين قاتلوا المؤمنين في الدين، أي: من أجل الدين، وأخرجوهم من ديارهم، (ﮛ)، أي: أعانوا على إخراجهم، أما هؤلاء فهم الذين ينهى الله المؤمنين عن توليهم لهم، أي: موالاتهم وبرهم، والإحسان إليهم، ووصل حبال المودة بهم. (ﮡ ﮢ)، أي: يقيم ولاءً معهم، ويبقى على صلة بهم، (ﮣ ﮤ ﮥ)، أي: الذين اعتدوا على حق الله، وظلموا أنفسهم بما حملوها من أوزار162.
ولا يجوز اتخاذ الأولياء والأنصار والأحباب من الذين قاتلوا المسلمين على الدين، وأخرجوهم من ديارهم، وعاونوا على إخراجهم، وهم مشركو أهل مكة، ومن يفعل ذلك بأن يواليهم، فأولئك هم الظلمة المستحقون للعقاب الشديد، والخلاصة: لا ينهى الله عن مبرة الفريق الأول، وإنما ينهى عن تولي الفريق الثاني163.
وقد أمر تعالى بمباينة الكفار به وإن كانوا آباء أو أبناء، ونهى عن موالاتهم إن اختاروا الكفر على الإيمان، وتوعد على ذلك.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [المجادلة: ٢٢].
وقال تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [التوبة: ٢٣].
والمعنى كما قال الرازي: «أنه لا يجتمع الإيمان مع وداد أعداء الله، وذلك لأن من أحب أحدًا امتنع أن يحب مع ذلك عدوه، وهذا على وجهين أحدهما: أنهما لا يجتمعان في القلب، فإذا حصل في القلب وداد أعداء الله، لم يحصل فيه الإيمان، فيكون صاحبه منافقًا، والثاني: أنهما يجتمعان ولكنه معصية وكبيرة، وعلى هذا الوجه لا يكون صاحب هذا الوداد كافرًا بسبب هذا الوداد، بل كان عاصيًا في الله، فإن قيل: أجمعت الأمة على أنه تجوز مخالطتهم ومعاشرتهم، فما هذه المودة المحرمة المحظورة؟ قلنا: المودة المحظورة هي إرادة منافسه دينًا ودنيًا مع كونه كافرًا، فأما ما سوى ذلك فلا حظر فيه، ثم إنه تعالى بالغ في المنع من هذه المودة من وجوه أولها: ما ذكر أن هذه المودة مع الإيمان لا يجتمعان، وثانيها: قوله: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) والمراد أن الميل إلى هؤلاء أعظم أنواع الميل، ومع هذا فيجب أن يكون هذا الميل مغلوبًا مطروحًا بسبب الدين»164.
ثم أمر تعالى رسوله أن يتوعد من آثر أهله وقرابته وعشيرته على الله ورسوله وجهاد في سبيله فقال: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [التوبة: ٢٤].
أي: إن كانت هذه الأشياء أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا، أي: فانتظروا ماذا يحل بكم من عقابه ونكاله بكم، ولهذا قال: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ)165.
وقد أمر الله تعالى بقطع موالاة الكفار حيهم وميتهم، فإن الله لم يجعل للمؤمنين أن يستغفروا للمشركين، فطلب الغفران للمشرك مما لا يجوز.
قال تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [التوبة: ١١٣]166.
وعن سعيد بن المسيب، عن أبيه، قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجد عنده أبا جهل، وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا عم، قل: لا إله إلا الله، كلمة أشهد لك بها عند الله)، فقال أبو جهل، وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب، أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه، ويعيد له تلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك)، فأنزل الله عز وجل: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [التوبة: ١١٣].
وأنزل الله تعالى في أبي طالب، فقال لرسوله صلى الله عليه وسلم: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ)[القصص: ٥٦]167.
وروى أبو هريرة رضي الله عنه، قال: زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه، فبكى وأبكى من حوله، فقال: (استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت)168.
قال النووي: «فيه جواز زيارة المشركين في الحياة وقبورهم بعد الوفاة؛ لأنه إذا جازت زيارتهم بعد الوفاة ففي الحياة أولى، وقد قال الله تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [لقمان: ١٥]، وفيه النهي عن الاستغفار للكفار، قال القاضي عياض: سبب زيارته صلى الله عليه وسلم قبرها أنه قصد قوة الموعظة والذكرى بمشاهدة قبرها»169.
موضوعات ذات صلة: |
الأبوة، الإحسان، الأمومة، البر، البنوة |
1 مقاييس اللغة٢/٤٩٨.
2 المحكم والمحيط الأعظم٣/٣٣٨.
3 تهذيب اللغة٥/٣٤.
4 الجامع لأحكام القرآن ٥/٧.
5 فتح الباري١٠/٤١٤.
6 فتح القدير١/٤٨١.
7 انظر: ذوو القربى والأرحام في ضوء القرآن الكريم، مها سكيك ص٧.
8 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص٣٠٩.
9 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص٢٤٤، عمدة الحفاظ، السمين الحلبي ٢/٨١.
10 انظر: المغرب في ترتيب المعرب الخوارزمي ص٣٧٦.
11 مقاييس اللغة ٥/٨٠.
12 انظر: القاموس الفقهي، سعدي أبو جيب ص ٢٩٨.
13 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري١٣/١٢.
14 انظر: معجم لغة الفقهاء، محمد رواس قلعجي وحامد قنيبي ص٤٧٨.
15 انظر: لسان العرب، ابن منظور٤/٤٧١، تاج العروس، الزبيدي١٢/٣٦٧.
16 مقاييس اللغة ٣/٣١٥.
17 انظر: معجم لغة الفقهاء، محمد رواس قلعجي وحامد قنيبي ص ٢٧٧.
18 انظر: التعريفات، الجرجاني ص ١٣٥.
19 انظر: ذوو القربى والأرحام في ضوء القرآن الكريم، مها سكيك ص٣٤.
20 انظر: المصدر السابق.
21 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ١٦٥٩، ٣/١٩٨، والترمذي في سننه، أبواب البر والصلة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في قطيعة الرحم، رقم ١٩٠٧، ٤/٣١٥.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٤٣١٤، ٢/٧٩٥.
22 انظر: ذوو القربى والأرحام في ضوء القرآن الكريم، مها سكيك ص٣٤.
23 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها، رقم٢٥٥٥، ٤/١٩٨١.
24 شرح النووي على صحيح مسلم١٦/١١٢.
25 انظر: جامع البيان، الطبري٧/٥٢٣.
26 انظر: أحكام القرآن، ابن العربي١/٤٠١.
27 انظر: الحجة في القراءات السبع، ابن خالويه ص١١٨، معاني القراءات، الأزهري ١/٢٩٠، تحبير التيسير في القراءات العشر، ابن الجزري ص٣٣٤.
28 انظر: لباب التأويل، الخازن١/٣٣٧.
29 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج٢/٥٠، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١٧٨.
30 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور٥/٤٩.
31 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب من أحب البسط في الرزق، رقم ٢٠٦٧، ٣/٥٦، ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها، رقم٢٥٥٧، ٤/١٩٨٢.
32 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: (وتقطعوا أرحامكم)، رقم٤٨٣٠، ٦/١٣٤، ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها، رقم٢٥٥٤، ٤/١٩٨٠.
33 شرح صحيح البخاري، ابن بطال ٩/٢٠٥، عمدة القاري، العيني ٢٢/٩٣.
34 انظر: شرح النووي على صحيح مسلم ١٦/١١٢.
35 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب إثم القاطع، رقم٥٩٨٤، ٨/٥، ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها، رقم ٢٥٥٦، ٤/١٩٨١.
36 الجامع لأحكام القرآن١٦/٣٢٢.
37 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب ما ينهى عن التحاسد والتدابر، رقم٦٠٦٤، ٨/١٩، ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب النهي عن التحاسد والتباغض والتدابر، رقم٢٥٥٨، ٤/١٩٨٣.
38 انظر: شرح النووي على صحيح مسلم ١٦/١١٦.
39 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المظالم والغصب، باب لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه، رقم٢٤٤٢، ٣/١٢٨.
40 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم ظلم المسلم، وخذله، واحتقاره ودمه، وعرضه، وماله، رقم٢٥٦٤، ٤/١٩٨٦.
41 انظر: شرح صحيح البخارى، ابن بطال ٨/٣٠٨.
42 التحرير والتنوير٢٦/٢٤٣.
43 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم، رقم٢٥٨٦، ٤/١٩٩٩.
44 في ظلال القرآن١/٢٠٩.
45 ذوو القربى والأرحام في ضوء القرآن الكريم، مها سكيك ص ١٠١.
46 المصدر السابق.
47 انظر: أسباب النزول، الواحدي ص ١٢١، العجاب في بيان الأسباب، ابن حجر العسقلاني ٢/٧٢٧.
48 معاني القرآن وإعرابه، الزجاج١/٤٥٠.
49 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٢/٧٧.
50 في ظلال القرآن١/٤٤٢.
51 انظر: ذوو القربى والأرحام في ضوء القرآن الكريم، مها سكيك ص ١٠٤.
52 المصدر السابق ص ١٠٤.
53 أخرجه أحمد في مسنده ، رقم ٨٨٦٨، ١٤/٤٥٦، والترمذي في سننه، أبواب البر والصلة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في تعليم النسب، رقم ١٩٧٩، ٤/٣٥١.
وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم٢٩٦٥، ١/٥٧٠.
54 انظر: النكت والعيون، الماوردي٤/١٥١.
55 ذوو القربى والأرحام في ضوء القرآن الكريم، مها سكيك ص ٩٦.
56 انظر: تفسير القرآن، السمعاني٣/١٨٨.
57 تفسير القرآن العظيم٤/٥٠٣
58 تيسير الكريم الرحمن ص ٤٤٤.
59 انظر: التفسير الوسيط، الواحدي٣/٣٤٣.
60 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشهادات، باب الشهادة على الأنساب، والرضاع، رقم٢٦٤٥، ٣/١٧٠.
61 انظر: أحكام القرآن، الجصاص ٢/١٥٧، أحكام القرآن، ابن العربي ١/٤٧٩، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٢١٧.
62 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشهادات، باب الشهادة على الأنساب، والرضاع، رقم٢٦٤٥، ٣/١٧٠.
63 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشهادات، باب الشهادة على الأنساب والرضاع المستفيض، رقم٢٦٤٦، ٣/١٧٠، ومسلم في صحيحه، كتاب الرضاع، باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة، رقم١٤٤٤، ٢/١٠٦٨.
64 شرح النووي على صحيح مسلم١٠/١٩، وانظر: معالم التنزيل، البغوي ١/٥٩٠.
65 شرح النووي على صحيح مسلم١٠/١٩، وانظر: معالم التنزيل، البغوي ١/٥٩٠، لباب التأويل، الخازن١/٣٥٩.
66 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الرضاع، باب ما جاء أن الرضاعة لا تحرم إلا في الصغر دون الحولين، رقم١١٥٢، ٣/٤٥٠، وابن ماجه في سننه، كتاب النكاح، باب لا رضاع بعد فصال، رقم ١٩٤٦، ١/٦٢٦.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم٧٤٩٥، ٢/١٢٤٧.
67 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الرضاع، باب التحريم بخمس رضعات، رقم١٤٥٢، ٢/١٠٧٥.
68 لباب التأويل، الخازن١/٣٥٩.
69 ذوو القربى والأرحام في ضوء القرآن الكريم، مها سكيك ص ١٠٠.
70 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١٧٨.
71 انظر: المصدر السابق ص ٢٧٩.
72 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٢/٢١٢.
73 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الرضاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في حق المرأة على زوجها، رقم ١١٦٢، ٣/٤٥٨، وابن ماجه في سننه، كتاب النكاح، باب حسن معاشرة النساء، رقم ١٩٧٨، ١/٦٣٦.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٣٢٦٥، ١/٦٢٠.
74 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج٢/٥٠، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١٧٨.
75 انظر: تفسير ابن باديس ص ٧٩.
76 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الهبات، باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة، رقم١٦٢٣، ٣/١٢٤٢.
77 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج٢/٥٠، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١٧٨.
78 التحرير والتنوير، ابن عاشور٥/٤٩.
79 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٢/٢٦١.
80 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب الوصاة بالجار، رقم ٦٠١٤، ٨/١٠، ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب الوصية بالجار والإحسان إليه، رقم ٢٦٢٥، ٤/٢٠٢٥.
81 انظر: الجامع لأحكام القرآن ٥/١٨٣.
82 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الحث على إكرام الجار والضيف، رقم ٤٨، ١/٦٩.
83 انظر: تفسير المراغي٥/٣٦.
84 انظر: محاسن التأويل، القاسمي٨/٣٠، تفسير المراغي٢١/٨٤.
85 التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ١١/٥٧٠.
86 تفسير المراغي٢١/٨٤.
87 مجموع فتاوى ابن تيمية١٠/١٤٩.
88 انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير٢/٧٠، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ١/٢٥٢.
89 انظر: النشر في القراءات العشر، ابن الجزري٢/٣٤٦.
90 انظر: التفسير الوسيط، الواحدي٣/٤٤٤.
91 ﺫﻭﻭ ﺍﻟﻘﺮﺑﻰ ﻭﺍﻷﺭﺣﺎﻡ ﻓﻲ ضوء ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ الكريم، مها سكيك ص١٣٥.
92 انظر: أحكام القرآن، الجصاص١/٤٥٣.
93 جامع البيان ٨/٢٩٠.
94 انظر: روح البيان، إسماعيل حقي٧/٧٩.
95 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب في بر الوالدين، رقم ٥١٤٠، ٤/٣٣٦، والنسائي في سننه، كتاب الزكاة، باب أيتهما اليد العليا، رقم ٢٥٣٢، ٥/٦١.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٨٠٦٧، ٢/١٣٤١.
96 انظر: روح البيان، إسماعيل حقي٧/٧٩.
97 مغني المحتاج، الشربيني٥/١٨٣.
98 انظر: المغني، ابن قدامة ٨/٢١١، الموسوعة الفقهية الكويتية ٣٩/٢٣.
99 أحكام القرآن، ابن العربي ١/٢٧٤.
100 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب من أجرى أمر الأمصار على ما يتعارفون بينهم في البيوع والإجارة والمكيال والوزن، وسننهم على نياتهم ومذاهبهم المشهورة، رقم ٢٢١١، ٣/٧٩، ومسلم في صحيحه، كتاب الحدود، باب قضية هند، رقم ١٧١٤، ٣/١٣٣٨.
101 المغني، ابن قدامة ٨/٢١٢.
102 انظر: أحكام القرآن، الجصاص١/٤٩٢، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي٣/١٦٨، تفسير القرآن، السمعاني ١/٢٣٧، تفسير الراغب الأصفهاني ١/٤٨٣، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢/٤٣٥.
103 انظر: أحكام القرآن، الجصاص ١/٤٩٢، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٣/١٦٨، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢/٤٣٥.
104 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب العتق باب فيمن ملك ذا رحم محرم، رقم ٣٩٤٩، ٤/٢٦، والترمذي في سننه، أبواب الأحكام، باب ما جاء فيمن ملك ذا رحم محرم، رقم ١٣٦٥، ٣/٦٣٨، وابن ماجه في سننه، كتاب العتق، باب من ملك ذا رحم محرم فهو حر، رقم ٢٥٢٤، ٢/٨٤٣.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٦٥٥٧، ٢/١١١٦.
105 تفسير القرآن العظيم ١/٤٧٩.
106 ذوو القربى والأرحام في ضوء القرآن الكريم، مها سكيك ص ١٤٠.
107 جامع البيان٣/٣٨٤.
108 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الوصايا، باب ما جاء في الوصية للوارث، رقم ٢٨٧٠، ٣/١١٤، والنسائي في سننه، كتاب الوصايا، باب إبطال الوصية للوارث، رقم ٣٦٤١، ٦/٢٤٧، وابن ماجه في سننه، كتاب الوصايا، باب لا وصية لوارث، رقم ٢٧١٣، ٢/٩٠٥.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم ١٧٨٩، ١/٣٦٨.
109 تفسير القرآن العظيم ١/٣٦٠.
110 انظر: أحكام القرآن، ابن العربي١/١٠٣.
111 انظر: تفسير المراغي٢/٥٣.
112 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ١٦٢٢٦، ٢٦/١٦٤، والترمذي في سننه، أبواب الزكاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في الصدقة على ذي القرابة، رقم ٦٥٨، ٣/٣٧، والنسائي في سننه، كتاب الزكاة، باب الصدقة على الأقارب، رقم٢٥٨٢، ٥/٩٢، وابن ماجه في سننه، كتاب الزكاة، باب فضل الصدقة، رقم ١٨٤٤، ١/٥٩١.
وصححه ابن الملقن في البدر المنير٧/٤١١، والألباني في صحيح الجامع، رقم ٣٨٥٨، ٢/٧١٧.
113 انظر: تفسير المراغي٢/٥٦.
114 انظر: التفسير الوسيط، الواحدي ٣/٤٣٤، الكشاف، الزمخشري ٣/٤٨٠.
115 المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٣٣٨.
116 فتح القدير، الشوكاني ٤/٢٦١.
117 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٥٢.
118 انظر: محاسن التأويل، القاسمي٥/٢٩٧.
119 التفسير الوسيط، الواحدي٤/٢٧٢.
120 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فرض الخمس، باب ومن الدليل على أن الخمس للإمام وأنه يعطي بعض قرابته دون بعض ما قسم النبي صلى الله عليه وسلم لبني المطلب، وبني هاشم من خمس خيبر، رقم ٣١٤٠، ٤/٩١.
121 لباب التأويل، الخازن ٢/٣١٣.
122 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، رقم ٣٣٤٥، ١٦/٥١٧، والنسائي في سننه، كتاب قسم الفيء، باب بدون، رقم٤١٤٣، ٧/١٣٣، والطبري في تفسيره ١٣/٥٥٧.
123 إيجاز البيان عن معاني القرآن، نجم الدين النيسابوري ٢/٦٢٧.
124 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي١٣/١٤٣.
125 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوصايا، باب هل يدخل النساء والولد في الأقارب؟، رقم ٢٧٥٣، ٤/٦، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب قوله تعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين)، رقم ٢٠٤، ١/١٩٢.
126 أخرجه البيهقي في شعب الإيمان، رقم ٧٦٠٢، ١٠/٣٤٦.
وحسنه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٢٨٣٨، ١/٥٤٦.
127 شرح النووي على صحيح مسلم٣/٨٠.
128 فتح الباري١٠/٤٢٣.
129 انظر: روح المعاني، الألوسي١٤/٣٥١.
130 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي٢١/٥٤٩.
131 تفسير القرآن العظيم٧/٢٩٣.
132 الجامع لأحكام القرآن٥/٦.
133 انظر: سبل السلام، الصنعاني٢/٦٢٩.
134 الجامع لأحكام القرآن١٦/٢٤٧.
135 انظر: فتح الباري، ابن حجر١٠/٤١٨.
136 انظر: القاموس الفقهي، سعدي أبو جيب ص ١٤٥.
137 انظر: التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص٢١٨.
138 انظر: جامع البيان، الطبري٢٢/١٧٨.
139 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب من وصل وصله الله، رقم٥٩٨٨، ٨/٦.
140 النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير٢/٤٤٧.
141 مرقاة المفاتيح، الملا علي القاري٧/٣٠٨٥.
142 انظر: شرح صحيح البخارى، ابن بطال ٩/٢٠٥، عمدة القاري، العيني ٢٢/٩٣.
143 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب إثم القاطع، رقم ٥٩٨٤، ٨/٥.
144 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها، رقم ٢٥٥٦، ٤/١٩٨١.
145 شرح النووي على صحيح مسلم١٦/١١٣.
146 أخرجه أبي داود في سننه، كتاب الأدب، باب في النهي عن البغي، رقم ٤٩٠٢، ٤/٢٧٦، والترمذي في سننه، أبواب صفة القيامة والرقائق والورع، رقم ٢٥١١، ٤/٦٦٤، وابن ماجه في سننه، كتاب الزهد، باب البغي، رقم ٤٢١١، ٢/١٤٠٨.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٥٧٠٥، ٢/٩٩٥.
147 انظر: جامع البيان، الطبري١/٤١٧.
148 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي١/٦٥.
149 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ١٠٢٧٢، ١٦/١٩١، والبيهقي في شعب الإيمان، رقم ٧٥٩٥، ١٠/٣٤١.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد رقم١٣٤٥٠٨/١٥١: أخرجه أحمد، ورجاله ثقات.
وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، رقم ٢٥٣٨، ٢/٣٣٩.
150 انظر: فيض القدير، المناوي٢/٤٢٦.
151 التفسير الوسيط، الواحدي٤/٢٨٥.
152 سبق تخريجه.
153 معالم التنزيل، البغوي ٥/٧١.
154 جامع البيان٢٣/٣٢٣.
155 سبق تخريجه.
156 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي٨/٩٢.
157 انظر: المصدر السابق ٨/٩٣.
158 انظر: المصدر السابق.
159 انظر: تفسير القرآن، السمعاني ٤/٢٣١، معالم التنزيل، البغوي ٣/٥٨٨.
160 انظر: أحكام القرآن، الجصاص١/٤٩٤.
161 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٨/١١٩.
162 انظر: التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب١٤/٩٠٤.
163 التفسير المنير، الزحيلي ٢٨/١٣٧.
164 مفاتيح الغيب ٢٩/٤٩٩.
165 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٤/١٠٨.
166 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٨/٢٧٢.
167 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب قصة أبي طالب، رقم٣٨٨٤، ٥/٥٢، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب أول الإيمان قول لا إله إلا الله، رقم ٢٤، ١/٥٤.
168 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنائز، باب استئذان النبي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل في زيارة قبر أمه، رقم ٩٧٦، ٢/٦٧١.
169 شرح النووي على صحيح مسلم٧/٤٥.