عناصر الموضوع
الرجولة
أولًا: المعنى اللغوي:
الرجولة اسم مأخوذ من الرّجل، وهو لغة: الذّكر من نوع الإنسان، وتصغيره رجيل، ورويجل، والجمع رجال.
وقيل: إنّما يكون الرجل رجلًا، إذا كان فوق الغلام، وذلك إذا احتلم وشبّ، ومنه قوله تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [البقرة: ٢٨٢]، أي: ذكرين بالغين.
ويقال: امرأة رجلة، إذا كانت متشبّهة بالرّجل في بعض أحوالها، وفي الحديث: (لعن اللّه الرّجلة من النّساء)1، بمعنى المترجّلة، يعني اللّاتي يتشبّهن بالرّجال في زيّهم وهيآتهم، فأمّا في العلم والرّأي فمحمود2.
وقد تكون الرجولة صفةً بمعنى الشدة والقوة، والكرم، ومكارم الأخلاق، والرجولية: كمال الرجل، يقال: أرجل الرجلين: أقواهما، وفرس رجيل: قوي على المشي، وارتجل الكلام: قوي عليه من غير حاجة فيه إلى فكرة وروية، وترجل النهار: قوي ضياؤه، فأصل كلمة الرجل مأخوذة من الرجولية بمعنى القوة 3.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
الرجل في الاصطلاح هو: الذّكر من الناس، ومنه قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) [الأنعام: ٩].
ومن هنا يمكن تعريف الرّجولة في الاصطلاح القرآني بأنّها: اتّصاف المرء بما يتّصف به الرّجل عادة من الإيمان والقوة والشدة والسعي والجلادة ومكارم الأخلاق والنجدة والشهامة وغيرها من الصفات المشابهة 4.
وردت لفظة (رجل) في القرآن الكريم (٥٥) مرة 5.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الإفراد |
٢٤ |
(ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [هود: ٧٨] |
التثنية |
٥ |
(ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [القصص: ١٥] |
الجمع |
٢٦ |
(ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [الأحزاب: ٤٠] |
الرجال: اسم يجمع ذكور بني آدم دون إناثهم، وقد استعمله القرآن الكريم بمعناه اللغوي، على الصحيح6.
الذكورة:
الذّكر لغة:
خلاف الأنثى، وجمعه ذكور وذكران، ومنه قوله تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [الليل: ٣].
ويطلق على عضو التناسل منه. وقد يأتي الذكر صفة؛ كقولهم: رجل ذكر: شهم من الرجال، قوي شجاع أبي، ماض في أموره. ويقال: سيف ذكر: ماض في ضريبته، ومن الحديد أيبسه وأشده وأجوده 7.
الذكورة اصطلاحًا:
فلا يخرج معنى الذكورة في اصطلاح القرآن عن معناها اللغوي، سواء من حيث إنه يقابل لفظ الأنوثة، أو من حيث المعاني الزائدة على وصف الذكورة.
الصلة بين الرجولة والذكورة:
الذي يظهر أن الذكورة تأتي للجنس غالبًا وللوصف على قلة، بينما الرجولة تأتي للجنس، وتأتي للصفة على حد سواء كما سبق.
الفتوة:
الفتى لغة هو:
الشاب الطريّ الحديث السّنّ، ومنه قوله تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [الأنبياء: ٦٠]، وأصل الفتوّة مشتقة من الفتى8.
الفتوّة اصطلاحًا:
الإحسان وكفّ الأذى عن الغير، واحتمال الأذى منهم، واستعمال الأخلاق الكريمة مع الخلق9.
الصلة بين الرجولة والفتوة:
الرّجولة في أظهر معانيها تعني اتّصاف الإنسان بما يوصف به الرّجال عادة من الإيمان والتقوى والكرم والشهامة والأخلاق الحسنة والمواقف البطولية، أمّا الفتوّة فإنّها تعني اتّصاف المرء بما يوصف به الفتى من النّجدة والنّشاط وتوقّد الذّكاء10.
المروءة:
المروءة لغة:
الاتصاف بمحاسن الأخلاق وجميل العادات11.
المروءة اصطلاحًا:
الأفعال الجميلة المستتبعة للمدح شرعًا وعقلًا وعادةً 12.
الصلة بين الرجولة والمروءة:
إن الرجولة تفيد القوة على الأعمال، ولهذا يقال في مدح الإنسان إنه رجل، والمروءة تفيد أدب النفس، ولهذا يقال المروءة أدب مخصوص13.
الأنثى:
الأنثى لغة:
خلاف الذكر من كل شيء14.
الأنثى اصطلاحًا:
الأنثى: خلاف الذكر، ويطلق على الشيء الذي فيه ضعف: أنثى، فيقال لما يضعف عمله: أنثى15.
الصلة بين الرجولة والأنثى:
قال الزبيدي: «ويقال: هذه امرأة أنثى إذا مدحت بأنها كاملة من النساء، كما يقال: رجل ذكر، إذا وصف بالكمال من صفات الرجال، وهو مجاز»16.
تظهر منزلة الرجولة من خلال النقاط الآتية:
أولًا: الرجولة نعمة:
إن الرجولة نعمة من نعم الله تعالى، يمتن بها الله عز وجل على من يشاء من عباده، ويدل على ذلك قول الرجل المؤمن الذي يعلّم صاحبه الكافر، موبخًا ومقرعًا، ومذكرًا له بنعم الله عز وجل عليه، وأن الرجولة نعمة من الله تستحق الشكر يقول له: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [الكهف: ٣٧].
أي: قال له صاحبه المسلم وهو يحاوره: أكفرت بالذي خلقك يعني خلق أباك، وأصلك من تراب، ثم خلقك من نطفة، يعني ماء الرجل والمرأة، ثم سواك رجلًا، أي: عدلك بشرًا سويًّا ذكرًا، (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [الكهف: ٣٨]، يقول: أما أنا فلا أكفر بربي، ولكنا هو الله ربي، فقد اعتبرت الآية أن الرجولة من نعمة الله تعالى يجب شكرها على الإنسان17.
كما أن الرجولة نعمة من نعم الله تعالى وهي صفة كمال يتميز بها الرجال عن النساء، ويتمثل ذلك من عدة أمور: العقل، والدية، والمواريث، والقوامة، والإمامة، والقضاء، والشهادة، والجهاد، والغنيمة، والطلاق، والرجعة، وقد أوضح هذا المعنى في آيات في كتابه العزيز منها: قوله تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [البقرة: ٢٨٢].
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [النساء: ١].
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [النساء: ٧].
ثانيًا: النبوة والرجولة:
ذكر القرآن الكريم أن رسل الله تعالى كلهم رجال، ويدل على ذلك قوله تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [يوسف: ١٠٩].
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [النحل: ٤٣].
وقوله تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [الأنبياء: ٧].
وقوله سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [الأنبياء: ٢٥].
وقوله جل شأنه: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الحج: ٥٢].
وكلمة رجال في حق الأنبياء عليهم السلام لها معنيان:
أحدهما: أن النبوءة لا تنافي البشرية، وأن جميع الأنبياء عليهم السلام من جنس الرجال، بمعنى لم يكونوا نساءً، ولا ملائكةً، ولا من الجن، ولا خلقًا آخر، وإنما كانوا بشرًا، يأكلون الطعام، ويمشون في الأسواق، ويتزوجون، ويولد لهم، ونحو ذلك من صفات البشر، إلا أن الله تعالى فضلهم بوحيه ورسالته وشرفهم على خلقه.
ويدل على ذلك قوله تعالى: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [الفرقان: ٧-٨].
وكذلك قوله: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [الفرقان: ٢٠].
فرد الله تعالى على المشركين الذين تعجبوا أن يكون الرسول من البشر، أي: إن جميع من سبقك من الرسل كانوا يأكلون الطعام للتغذي به، ويمشون في الأسواق للتكسب والتجارة، ولم يقل أحد إن ذلك نقص لهم يغض من كرامتهم ويزري بهم، ولم يكن لهم امتياز عن سواهم في هذا، وإنما امتازوا بصفاتهم الفاضلة، وخصائصهم السامية، وآدابهم العالية، وبما ظهر على أيديهم من خوارق العادات، وباهر المعجزات، مما يستدل به كل ذي لب سليم وبصيرة نافذة على صدق ما جاءوا به من عند ربهم، فمحمد صلى الله عليه وسلم ليس بدعًا من الرسل، إذ يأكل ويمشي في الأسواق، وليس هذا بذم له، ولا مطعن في صدق رسالته كما تزعمون18.
كما يشير القرآن على أن النبوة مقصورة في الرجال وأن الله تعالى لو أرسل للبشر ملكًا لجعله رجلًا، وأنه لو كانت في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين، لنزل عليهم ملكًا رسولًا، وإليه أشار قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [الأنعام: ٩] 19.
فقد جعل الله تعالى الرسل من الرجال من جنس البشر، ولو كانوا من الملائكة لوقع النفار والشرود، لافتراق الجنسية، أي: ليكون أقرب إليهم لئلا يقع تنافر، فكونهم من البشر أقرب وأقوم للحجة؛ لأن الجنس إلى جنسه أميل، وأكثرهم تفهمًا وإدراكًا لما يلقى عليه من أبناء جنسه، وليكونوا قدوةً لهم في تطبيق ما يدعوهم إليه، فالرسول عندما يبلغ منهج الله عليه أن يطبق هذا المنهج في نفسه أولًا، فلا يأمرهم أمرًا، وهو عنه بعيد، بل هو إمامهم في القول والعمل20.
وقد أوضح القرآن هذا المعنى في آيات عديدة منها: قوله تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [آل عمران: ١٦٤].
أي: من جنسهم ليتمكنوا من مخاطبته وسؤاله ومجالسته والانتفاع به، وقال تعالى: (ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) [الكهف: ١١٠].
وقال تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [يوسف: ١٠٩].
فهذا أبلغ في الامتنان أن يكون الرسل إليهم منهم، بحيث يمكنهم مخاطبته ومراجعته في فهم الكلام عنه21.
وقوله تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [الأنعام: ١٣٠].
في هذه الآية سؤال لهم يوم القيامة وليس من الجن رسل، وقال بعض الفقهاء: إن في الجن رسل، واحتجوا بهذه الآية الكريمة، وقال بعض العلماء: المراد بالرسل من الجن نذرهم الذين يسمعون كلام الرسل، فيبلغونه إلى قومهم.
ويشهد لهذا أن الله ذكر أنهم منذرون لقومهم في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [الأحقاف: ٢٩].
وقال بعض العلماء: (ﯞ ﯟ)، أي: من مجموعكم الصادق بخصوص الإنس؛ لأنه لا رسل من الجن.
قال الشنقيطي: «ويستأنس لهذا القول بأن القرآن ربما أطلق فيه المجموع مرادًا بعضه، كقوله سبحانه: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [نوح: ١٦]، وقوله جل وعلا: (ﮊ ﮋ) [الشمس: ١٤]، مع أن العاقر واحد منهم، كما بينه بقوله جل وعلا: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [القمر: ٢٩]»22.
وجعل الله تعالى الرسل من الرجال ولم يرسل رسلًا من النساء؛ لأن طبيعة الرسول قائمة على المخالطة والمعاشرة لقومه، لأنه يظهر للجميع، ويتحدث إلى الجميع ويبلغ الدعوة ليلًا ونهارًا وفي كل الظروف والأحوال، أما المرأة فالأصل فيها أنها مبنية على التستر والحشمة، ولا تستطيع أن تقوم بدور الأسوة للناس، ولو نظرنا لطبيعة المرأة لوجدنا في طبيعتها أمورًا كثيرةً لا تناسب دور النبوة، ولا تتمشى مع مهمة النبي، مثل انقطاعها عن الصلاة والتعبد؛ لأنها حائض أو نفساء 23.
والثاني: أن صفات الرجولة التي تحلى بها الأنبياء هي أعلى وأرقى صفات الرجولة الكاملة التي لا يمكن أن يصل إليها غيرهم من البشر، وذلك من الإيمان والتقوى والصلاح والمروءة وخشية الله تعالى، وتبليغ رسالته، والصبر على تحمل الشدائد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ومكارم الأخلاق التي تحلى بها الأنبياء عليهم السلام.
وقد ذهب جمهور الفقهاء والمفسرين إلى أنه لم تكن النبوة في غير الرجال، قال الإمام ابن كثير في تفسير قوله تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [يوسف: ١٠٩]: «يخبر تعالى أنه إنما أرسل رسله من الرجال لا من النساء، وهذا قول جمهور العلماء، كما دل عليه سياق هذه الآية الكريمة أن الله تعالى لم يوح إلى امرأة من بنات بني آدم وحي تشريع.
وزعم بعضهم أن سارة امرأة الخليل وأم موسى ومريم بنت عمران أم عيسى نبيات، واحتجوا بأن الملائكة بشرت سارة بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب، وبقوله تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [القصص: ٧].
وبأن الملك جاء إلى مريم فبشرها بعيسى عليه السلام، وبقوله تعالى: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [آل عمران: ٤٢-٤٣].
وهذا القدر حاصل لهن، ولكن لا يلزم من هذا أن يكن نبيات بذلك، فإن أراد القائل بنبوتهن هذا القدر من التشريف، فهذا لا شك فيه، ويبقى الكلام معه في أن هذا هل يكفي في الانتظام في سلك النبوة بمجرده أم لا؟ والذي عليه أهل السنة والجماعة، أنه ليس في النساء نبية، وإنما فيهن صديقات، كما قال تعالى مخبرًا عن أشرفهن مريم بنت عمران حيث قال تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [المائدة: ٧٥].
فوصفها في أشرف مقاماتها بالصديقية، فلو كانت نبية لذكر ذلك في مقام التشريف والإعظام، فهي صديقة بنص القرآن»24.
وبهذا يتبين أن النبوة والرسالة مقصورة على الرجال فقط، ويدل على ذلك أداة الحصر والقصر في قوله تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [يوسف: ١٠٩].
وقوله سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [النحل: ٤٣].
وقوله جل وعلا: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [الأنبياء: ٧].
تظهر صفات الرجولة من خلال النقاط الآتية:
أولًا: صفات إيمانية:
من صفات الرجولة الإيمانية التي ذكرها القرآن ما يأتي:
١. أنهم يخافون يوم الحساب.
ذكر الله تعالى أن من صفات الرجولة الحقة الخوف من الله تعالى، لأن من أعلى صفات الرجولة الإيمان بالله، والخوف من عذاب الله، قال تعالى: (ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [النور: ٣٦-٣٧].
وهذا النوع الفريد من الرجال موصوفون بالوجل والخوف، قال تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [النور: ٣٧].
إذ يخافون ذلك اليوم؛ لأنه يوم مجهول، وذلك اليوم عظيم جدًا، ومهول ومخوف، قال تعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [الإنسان: ٧].
فقد قال الله تعالى عن الكفار بأنهم يتركون العمل من أجل هذا اليوم: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [الإنسان: ٢٧].
وقال تعالى منبهًا عن حال وأهوال هذا اليوم: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [المزمل: ١٧].
فلا تجد صفات أعظم من هذه الصفات في ذلك اليوم؛ حيث يتحول الطفل إلى شيخ كبير السن شعره أبيض من شدة المخاوف، وتذهل فيه المرضعة عما أرضعت، ولذلك فإن هؤلاء لا يلامون أن يخافوا؛ لأنه يوم يرجف فيه القلب رجفًا شديدًا، ومن شدة الارتجاف يصعد هذا القلب حتى يسد الحنجرة، يومًا تتقلب فيه القلوب والأبصار، تتقلب فيه القلوب؛ لأن القلوب ترى أشياء لم تكن تراها في الدنيا، وتتيقن منها، والأبصار تشاهد أشياء لم تكن تشاهدها في الدنيا، إنما كانت توصف لها وصفًا، وهذه قلوب الملاحدة وأهل الشك، وكذلك الأبصار تشاهد أشياء ما كانت تراها في الدنيا، بل كانت تسمع عنها، فانقلب القلب إلى إدراك أشياء ما كان يدركها من قبل، وانقلب البصر إلى رؤية أشياء لم يكن يراها من قبل25.
ومن هنا على المسلم أن يأخذ درسًا من هؤلاء، فمهما بلغ الإنسان من الصلاح والتقى والإيمان والخشية لله عز وجل وتطبيق أوامر الله، فيجب عليه أن يكون خائفًا دائمًا؛ لأنه لا يأمن يوم القيامة إلا من خاف وحذر في الدنيا 26.
وإن الخوف الذي مدح الله تعالى به المؤمنين، وحثهم عليه، هو الخوف الذي يراد به فعل الخيرات المأمور بها، فإن مخافة الله تكون بإقامة عباداته، واتباع أوامره واجتناب نواهيه، والكف عن المعاصي، ونهي النفس عن الهوى، المذكور في قوله تعالى: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [النازعات: ٤٠-٤١].
وهو الخوف الذي يحمل صاحبه على المسارعة في الخيرات، والمذكور في قوله تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الأنبياء: ٩٠].
وهذا الخوف هو المذكور في قوله تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [النحل: ٥٠].
وقوله تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [الرعد: ٢١].
وقوله تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [الإسراء: ٥٧].
ومدحهم بها في الدنيا وحثهم عليها وأمنهم منها في الآخرة، وعلى ذلك حكى عنهم بقوله تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [فاطر: ٣٤] 27.
وهذا الخوف لا يجوز تعلقه بغير الله تعالى؛ لأنه من لوازم الألوهية، ونهى الله تعالى عن مخافة الشيطان، والمبالاة بتخويفه فقال تعالى: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [آل عمران: ١٧٥].
أي: فلا تأتمروا لشيطان وائتمروا لله28.
وقد جاء هذا الوصف في آيات أخرى كما في قوله تعالى: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [الرعد: ٢١].
وقوله تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [الإسراء: ٥٧].
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ) [المؤمنون: ٦٠].
وقوله تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [السجدة: ١٦].
ولما سمعت عائشة رضي الله عنها هذه الآية من رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: (يا رسول الله! (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ)، أهم الذين يسرقون ويزنون ويفعلون الفواحش فيخافون؟ قال: لا، بل هم قوم يصومون ويصلون ويتصدقون، ويخشون ألا يتقبل الله ذلك منهم)29.
٢. أنهم لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله.
ومن صفات الرجولة التي ذكرها الله تعالى في كتابه العزيز: المحافظة على ذكر الله والصلاة، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [النور: ٣٧].
فقد ذكر الله تعالى في كتابه العزيز رجال أعمال، وتجار بيع وشراء، وأهل غنى وسعة في هذه الحياة الدنيا، ليس لديهم وقت للفراغ، لكن ومع ذلك الترف كله كانت تجارتهم مع الله تعالى أغلى وأعز وأثمن وأربح تجارة إلى نفوسهم، فكان ذكر الله تعالى عندهم أربح تجارة، وكانت الصلاة بالنسبة لهم أغلى وأثمن بيع يتاجرون فيه، فلم يكن يشغلهم شيء عن ذكر الله وعن الصلاة، وهذه هي الرجولة الحقة التي يستحق أهلها أن يوصفوا بالرجولة، فالرجل الحقيقي هو الذي يحرص دائمًا على أن يحقق أعلى المكاسب، وهؤلاء هم الذين عناهم الله عز وجل بقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [النور: ٣٧].
وهذه كلها تدل على تعظيم ورفع مستوى هؤلاء الرجال، أي: ليسوا ذكورًا فحسب ولكنهم رجال، ولذلك جاءت لفظة (ﭑ) بلفظ التنكير، والتنكير دائمًا يدل إما على التحقير أو على التعظيم، والمراد به هنا: التعظيم، وخص التجارة بالذكر؛ لأنها أعظم ما يشتغل به الإنسان عن الصلاة والطاعات، وأراد بالتجارة الشراء، وإن كان اسم التجارة يقع على البيع والشراء جميعًا؛ لأنه ذكر البيع بعد هذا، كما في قوله تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ) [الجمعة: ١١] 30.
ويأتي قوله تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ)، تعريضًا بالمنافقين أصحاب الحجج الواهية، المنشغلين عن الاتصال بالله بالتجارة وبغيرها من الأعمال.
والآية نزلت في أهل الأسواق، قاله ابن عمر، قال سالم: مر عبد الله بن عمر بالسوق وقد أغلقوا حوانيتهم وقاموا ليصلوا في جماعة، فقال: فيهم نزلت: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ).
وقال أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (هم الذين يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله)، وقيل: إن رجلين كانا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، أحدهما بياعًا فإذا سمع النداء بالصلاة، فإن كان الميزان بيده طرحه ولا يضعه وضعًا، وإن كان بالأرض لم يرفعه، وكان الآخر قينًا يعمل السيوف للتجارة، فكان إذا كانت مطرقته على السندان أبقاها موضوعة، وإن كان قد رفعها ألقاها من وراء ظهره إذا سمع الأذان، فأنزل الله تعالى هذا ثناء عليهما وعلى كل من اقتدى بهما31.
كما تشير الآية إلى أن الرجال لا تلهيهم المناصب والأعمال والمشاغل بمختلف أنواعها عن الصلاة والذكر وغيرها من الواجبات.
ثانيًا: صفات عبادية:
ومن صفات الرجولة العبادية التي ذكرها القرآن ما يأتي:
١. الطهارة.
ذكر الله تعالى أن من صفات الرجال: الطهارة، وأن الله يحب هؤلاء الرجال الذين هذه صفتهم.
قال تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [التوبة: ١٠٨].
وهؤلاء الرجال الذين تميزوا بأعلى صفات الرجولة، وامتازوا عن غيرهم، هم رجال يحبون أن يتطهروا من الأحداث والجنابات والنجاسات المذمومة؛ طلبًا لمرضاة الله سبحانه وتعالى، وأطلقت المحبة في قوله: يحبون كناية عن عمل الشيء المحبوب؛ لأن الذي يحب شيئًا ممكنًا يعمله لا محالة، فقصد التنويه بهم بأنهم يتطهرون تقربًا إلى الله بالطهارة، وإرضاءً لمحبة نفوسهم إياها، بحيث صارت الطهارة خلقًا لهم، فلو لم تجب عليهم لفعلوها من تلقاء أنفسهم، ومجيء: رجال، نكرة يشعر بعظمتهم عند الله، وبخفاء صفاتهم على غيرهم لأنهم لا يراءون بأعمالهم، وإنما يتوجهون بها إلى خالقهم سبحانه وتعالى، والمراد بالرجال الذين يحبّون أن يتطهروا، هم الذين يلقون الله في الصلاة في المسجد، فهي صلاة مقبولة، في مكان طاهر تؤدى فيه عبادة خالصة لله، من شأنها أن تطهّر أهلها، الذين يداومون عليها، ويقيمونها بقلوب مؤمنة، خالية من الرياء والنفاق32.
وجملة: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) ثناء على مؤمني الأنصار الذين يصلون بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبمسجد قباء، وتعريض بمن لم يتطهروا واتخذوا من النفاق طريقًا لهم حين لجأوا إلى مسجد الضرار قاصدين التفرقة بين المسلمين، أما هؤلاء الرجال المؤمنون فقد تطهروا وفازوا بحب الله تعالى، ومن أراد أن يحبه الله فليتطهر؛ لأن الله تعالى لا يحب إلا المطهرين، والمقصود بالمحبتين هنا: محبتهم التطهر أنهم يؤثرونه ويحرصون عليه حرص المحب للشيء المشتهي له على إيثاره، ومحبة الله تعالى إياهم، أنه يرضى عنهم ويحسن إليهم كما يفعل المحب بمحبوبه، وفيه إشارة إلى أن نفوسهم وافقت خلقًا يحبه الله تعالى، وكفى بذلك تنويهًا بزكاء أنفسهم33.
ودل الاهتمام بالطهارة البدنية على الإخلاص والصفاء والاستعداد التام لملاقاة الله تعالى على أكمل وجه، وفي أحسن الأحوال، وأطيب الهيئات، فالله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإكمال الطهارة يسهل القيام في العبادة، ويعين على إتمامها وإكمالها، والقيام بمشروعاتها، والتطهر من الذنوب والمعاصي هو المؤثر في القرب من الله تعالى، واستحقاق ثوابه ومدحه34.
٢. عمارة المساجد.
إن من صفات الرجولة التي ذكرها الله تعالى في كتابه العزيز: عمارة المساجد.
قال تعالى: (ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [النور: ٣٦-٣٧].
كما يشير إلى عمارة المساجد قوله تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [التوبة: ١٠٨].
وتحصل عمارة المسجد بأحد أمرين:
الأول: بناؤها لقصد وجه الله عز وجل، وقد ذكر الله تعالى في هذه الآيات رجالًا متصفين بصفات الرجولية، أهل الإيمان والتقوى الصادقين المخلصين الموحدين، هؤلاء الرجال من صفتهم عمارة المساجد وبناؤها ووضع أسسها، إخلاصًا وصدقًا لله عز وجل.
قال تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [التوبة: ١٨].
وقوله تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ)، إنه مسجد قباء الذي أسسه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه رضي الله عنهم، وصلى فيه أيام مقامه بقباء من الاثنين إلى الجمعة، وقصد ببنائه منذ وضع أساسه في أول يوم تقوى الله بإخلاص العبادة له، وجمع المؤمنين فيه على ما يرضيه من التعارف والتعاون على البر والتقوى، وقوله تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ)، استعارة مكنية، حيث شبهت التقوى والرضوان بأرض صلبة يقوم عليها البناء، ثم حذف المشبه به وأشير إلى شيء من لوازمه وهو التأسيس، والتأسيس إحكام أسس البناء وهو أصله، وتأسيس البنيان بمعنى إحكام أمور دينه، أو تمثيل لحال من أخلص لله وعمل الأعمال الصالحة، وفيه إشعار بأن زكاء نفس الباني، وصدق نيته، مؤثر في البناء، وأن تبرّك المكان، وكونه مبنيّا على الخير، يقتضي أن يكون فيه أهل الخير والصلاح، ممن يناسب حاله حال بانيه35.
وهذه المساجد المؤسسة على التقوى والإخلاص وابتغاء وجه الله تعالى، وجمع المؤمنين على محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعمل على وحدة الإسلام، أولى وأحق من غيرها بالصلاة فيها، وهي مؤسسة بإذن الله تعالى، قال تعالى: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ).
ثم ذكر القرآن الكريم صورة أخرى من عمارة المساجد، وهي: صورة الكفر والنفاق والضرار، ومسجد بني رياءً وسمعةً وصدًا عن منهج الله، على قاعدة أضعف القواعد وهو الباطل والنفاق، الذي مثله مثل شفا جرف هار، في قلة الثبات والاستمساك، ووضع شفا الجرف في مقابلة التقوى لأنه جعل مجازًا عما ينافي التقوى، يعني: أن بناء هذا المسجد الذي بني ضرارًا كبناء على حرف جهنم يتهور بأهله فيها، وهو قوله: (ﮘ ﮙ) أي: بالباني (ﮚ ﮛ ﮜ) [التوبة: ١٠٩].
قال ابن عباس: «يريد: صيرهم النفاق إلى النار»، وفي قوله تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ)، تصوير للعاقبة التي ينتهي إليها هذا المسجد -مسجد الضرار- بأهله الذين بنوه، وأنه إذ بنوه على ضلال ونفاق وزيف، فهو بناء على خواء، على شفا جرف هار، وأنه إذ ينهار فسينهار بهم في نار جهنم، فهم بهذا قد ظلموا أنفسهم: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ)36.
قال تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [التوبة: ١٠٨].
للفرق بين مقاصد أهل مسجد التقوى وهم الرسول صلى الله عليه وسلم وأنصاره، ومقاصد أهل مسجد الضرار الذي زادوا به رجسًا إلى رجسهم.
وقد وردت أحاديث عديدة في فضل بناء المساجد وآدابها منها:
ما رواه عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من بنى مسجدًا يبتغي به وجه الله بنى الله له مثله في الجنّة وفي رواية بيتًا في الجنة)37.
وما روته عائشة رضي الله عنها قالت: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور وأن تنظّف وتطيّب)38.
الثاني: عمارتها بالتسبيح والتحميد والتهليل والصلاة.
ذكر الله تعالى النوع الثاني من عمارة المساجد، وهي عمارتها بالصلاة والتسبيح والذكر، ويتلى فيها كتابه آناء الليل وأطراف النهار، كما يشير إلى عمارة المساجد قوله تعالى: (ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [النور: ٣٦-٣٧].
فقوله تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ)، أي فيه رجال يعمرونه بإقامة الصلاة وذكر الله وتسبيحه فيه بالغدو والآصال، ويحبون أن يتطهروا بذلك مما يعلق بأنفسهم من أوضار الذنوب والآثام، رجال معلقة قلوبهم بالمساجد، متصلة قلوبهم بربهم، وأنهم لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن الاتصال بالله 39.
وهؤلاء الرجال مرتبطون بالمساجد بالغدو والآصال، فعلاقتهم علاقة متينة مع الله تعالى، لهذا لا يسبح له فيها بالغدو والآصال إلا: (ﭾ) التي جاءت نكرة، ليكون في الوصف بعد ذلك اشتياق، فغموض النكرة يجعل المتلقي يسأل: ومن الرجال؟ وما صفاتهم؟ كما أن في تأخير النكرة اعتناءً بالمؤخرة، وفي وصفه نوع طول فيخل تقديمه بحسن الانتظام.
والتسبيح في قوله تعالى: (ﰋ ﰌ ﰍ)، المقصود به الصلاة، وأطلق التسبيح على الصلاة لأنه جزء منها، ويطلق الجزء على الكل أحيانًا، وهؤلاء الكرام يديمون هذا التسبيح (ﰎ ﰏ)، أوائل النهار وأواخره، وكذلك الليل.
قال تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [الفرقان: ٦٢].
وهؤلاء المديمون ذكره صباح مساء ابتغاء خيره هم (رجال) عظام، وأي رجال كبار فخام، ولذلك وصفهم بأنهم: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ)، ولا عن (ﭚ ﭛ) بوقتها، فإنهم لا يؤخرون شيئًا عن وقته، كما أمروا به، عدا ما هم عليه من الأعمال الصالحة المذكورة، لعلمهم بشدة هول يوم القيامة، وتوغل معرفتهم بالله، وخالص يقينهم بأنهم مهما عبدوه لم يؤدوه حقه ولا بعض حقه، وأن أعمالهم كلها لا تؤهلهم دخول الجنة، إذا لم يشملهم برحمته، ولعلمهم أنه تعالى لا يتقيد بشيء ولا يسأل عما يفعل، وقد وفقوا للخوف والخشية منه بفضله40.
٣. أنهم يؤتون الزكاة.
كما أن من صفات الرجولة التي ذكرها القرآن الكريم هي: إيتاء الزكاة التي جعلها الله حقًا في أموال الأغنياء للفقراء.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [النور: ٣٧].
لأن الزكاة أخت الصلاة، وتأتي الزكاة في القرآن عادةً مقرونةً بالصلاة، من غير فصل، ولا شك أن تطهير النفس بأعمال البر، وإيتاء الزكاة تطهير للنفوس والأبدان من أدناس الآثام، ودفع زكاة المال من صفات المؤمنين المفلحين الوارثين الجنة؛ إذ كان المال والتصرفات الدائرة حوله، هو المحك الذي تظهر به أخلاق الناس، لما للمال من سلطان على النفوس، في جمعه، وفي إنفاقه، وإيتاء الزكاة يحقق استعلاء النفس على شحها الفطري، وإقامة نظام لحياة الجماعة يرتكن إلى التكافل والتعاون، ويجد الواجدون فيه والمحرومون الثقة والطمأنينة، ومودات القلوب التي لم يفسدها الترف ولا الحرمان41.
ولأن هؤلاء الرجال صدقوا مع ربهم ومع أنفسهم في إعطاء الزكاة جاء قوله تعالى: (ﭜ ﭝ) لتفخيم ذلك وتعظيمه، إذ عبر عنه بما يفيد ذلك من خلال التعبير بلفظ الإيتاء، فلا يستعمل إلا في الشيء العظيم، قال تعالى: (ﮨ ﮩ ﮪ) [البقرة: ٢٥١].
وقال تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [سبأ: ١٠].
فدل على أن هذه الزكاة من أفعال المؤمنين الصادقين المفلحين، والتعبير بالإيتاء فيه معنى القبول أيضًا42.
ويلاحظ من خلال الآيات أن إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة مرتبطة بعمارة المساجد؛ لأن الإنسان إذا عمر المسجد أقام الصلاة وآتى الزكاة؛ لأن عمارة المسجد إنما تلزم لإقامة الصلاة فيه، ولا يشتغل بعمارة المسجد إلا إذا كان مؤديًا للزكاة؛ لأن الزكاة واجبة وعمارة المسجد نافلة، ولا يشتغل الإنسان بالنافلة إلا بعد إكمال الفريضة الواجبة عليه43.
ثالثًا: صفات أخلاقية:
من صفات الرجولة الأخلاقية التي ذكرها القرآن ما يأتي:
١. الوفاء بالعهد.
ذكر الله تعالى في كتابه العزيز أن من صفات الرجولة الحقة: الوفاء بالوعد.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [الأحزاب: ٢٣].
وقد أثنى الله تعالى على الذين يوفون بالعهد، فقال تعالى: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [الأحزاب: ١٥].
وذمّ الذين ينقضون العهد من المنافقين وغيرهم، فقال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [البقرة: ٢٦-٢٧].
(ﭓ ﭔ)، أي: عاهدوا الله ثم صدقوا في الوعد، وصدقوا ما عاهدوا الله على هذا المنهج، استمروا عليه، تشبثوا به، وساروا غير مضطربين ولا متحيرين، لا تعيقهم العوائق، ولا تقف أمامهم الصعوبات ولا الشهوات، ولا الشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام، نموذج فريد عجيب في صدر الإسلام أوفوا بما عاهدوا عليه من الصبر على البأساء والضراء، وحين البأس، والثبات مع الرسول صلى الله عليه وسلم والمقاتلة للأعداء، والطاعات، وتعظيم العهد الذي عظمه الله تعالى44.
(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ)، من المؤمنين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من السابقين الأولين، من الثبات للقاء العدو عكس المنافقين إذ زادهم اللقاء جبنًا وإنكارًا لما وعدهم الله ورسوله وتكذيبًا وجحودًا، أما هؤلاء الكرام (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ)، فمات شهيدًا في واقعة أحد وفاء بنذره وعهده وميثاقه على الاستمرار في القتال حتى النهاية، (ﭞ ﭟ ﭠ) الشهادة، ويتوقعها باشتياق للفوز بما عند الله من الكرامة للشهداء، قال الله عز وجل: (ﭢ ﭣ ﭤ) [الأحزاب: ٢٣]، ما بدلوا ولا غيروا ولا انحرفوا، بل هم مستقيمون على هذا المنهاج، ينتظرون أمر الله تعالى أن يتوفاهم وهم سائرون على هذا الدرب مستقيمون عليه، لا يلوون على شيء إلا مرضاة ربهم عز وجل45.
والوفاء بالعهد خلق من أخلاق الإسلام، وسمة من سماته التي يحرص عليها، ويكررها القرآن كثيرًا، ويعدها آية الإيمان، وآية الآدمية وآية الإحسان.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [البقرة: ١٧٧].
وقوله تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [الإسراء: ٣٤].
وهي ضرورية لإيجاد جو من الثقة والطمأنينة في علاقات الأفراد، وعلاقات الجماعات، وعلاقات الأمم والدول، تقوم ابتداءً على الوفاء بالعهد مع الله، وبغير هذه السمة يعيش كل فرد مفزعًا قلقًا لا يركن إلى وعد، ولا يطمئن إلى عهد، ولا يثق بإنسان، ولقد بلغ الإسلام من الوفاء بالعهد لأصدقائه وخصومه على السواء قمةً لم تصعد إليها البشرية في تاريخها كله، ولم تصل إليها إلا على حداء الإسلام وهدي الإسلام46.
وقد جعل القرآن الكريم نقض العهد من صفات الكافرين والمنافقين.
قال تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [البقرة: ٢٧].
كما بين الله تعالى أن الكافرين ليس لهم عهد: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [الأعراف: ١٠٢].
وقد لعن الله تعالى من ينقض العهد، قال تعالى: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [الرعد: ٢٥].
وهذا نص صريح أن الله تعالى جعل نقض العهد من الكبائر، وكذلك قوله تعالى: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [الأحزاب: ١٥] 47.
والخلاصة في هذا المبحث هي: أن الرجولة ليست كما يظن البعض مال وثروة وجاه وشهرة، وليست منصبًا أو وظيفةً، وليست أفلامًا أو مسلسلات، وليست الرجولة بناء الأجسام، ومتابعة كرة القدم، ولا امتلاك السيارات، ولا العمارات، وليست الأزياء ولا هي الموضات، إنها القيم والأخلاق والمبادئ، والعبادة والعمل، والصدق والوفاء، رسم ملامحها القرآن الكريم، إيمان يزن الجبال، والحفاظ على الصلاة، والذكر في بيوت الله، والدفاع عن الأوطان، والوقوف في وجه البطل، وكلمة حق يراد بها وجه الله، فأمتنا اليوم في أمس الحجة إلى هؤلاء الرجال، رجولة في كل المجالات وفي شتى الميادين، رجال كأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وصهيب، وعمار، وياسر، وخالد، وصلاح الدين.
لقد فضل الله تعالى الرجال على النساء بالولاية العامة والإمامة، وبيان ذلك في النقاط الآتية:
أولًا: القوامة:
ذكر القرآن الكريم أن الرجال قوامون على النساء.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [النساء: ٣٤].
وقال تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [النساء: ٣٢].
وقال تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [البقرة: ٢٢٨].
والقوامة هي: القيام على الأمر أو المال ورعاية المصالح، وتسيير شئون الأسرة والقيام على مصالحها بقيادة الرجل، وذلك لما فضل الله الرجل على المرأة بسعة العقل والخبرة، والحكمة والاتزان دون التأثر السريع بالعواطف العابرة؛ ولأنه هو الذي ينفق ماله وكسبه من بداية تكوين الزواج بدفع المهر، إلى نهايته بالنفقة الدائمة على شؤون الحياة بتوفير المسكن والملبس والطعام، وهذا هو سبب القوامة ومنشأها، كما قال الله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [النساء: ٣٤].
وقد ذكر العلماء في فضل الرجال أمورًا منها: العقل، والحزم، والعزم، والقوة، وأن منهم الأنبياء، وفيهم الإمامة الكبرى، والصغرى، والجهاد، والأذان، والخطبة، والشهادة في الحدود، والقصاص، والزيادة في الميراث، والولاية في النكاح، وإليهم الانتساب، وغير ذلك48.
وجعل القوامة للرجل؛ لأن كل شركة، أو حياة اجتماعية تتطلب وجود رئيس مسئول عنها، يتحمل الأعباء، ويستعد لتحمل المغارم والخسارات، ويدير أمر هذه المؤسسة بما يوصلها إلى شاطئ الأمن والسعادة والاستقرار، في داخل المنزل وخارجه، تعليمًا وتعلمًا، وتمكينًا من ممارسة الخبرات والمهارات التي تفيد الزوجة والفتاة في حاضر الزمان ومستقبله49.
وإذا كان اضطلاع الرجل غالبًا بالمهام الملقاة على عاتقه خارج المنزل، لتوفير الموارد المالية والمكاسب المطلوبة لحياة الأسرة، فإن المرأة تضطلع غالبًا بمسؤوليات جسام تكمل مهمة الرجل، في رحاب البيت، فهي الملكة التي تربي الأولاد على الأخلاق والفضائل، وهي التي تعين الرجل على توفير متطلبات الحياة 50.
من خلال الآيات يتبين أن الرجال قوامون على النساء لأمرين:
الأول: تفضيل جنس الرجال على جنس النساء، وذلك بما خصّ الله تعالى به الرّجل من الفضيلة الذّاتيّة له، والفضل الذي أعطيه من العقل والمال والجاه والقوّة والقوامة، وهذا التفضيل الذي جعله الله تعالى في حق الرجال إنما هو من أجل تنظيم الأسرة وإصلاحها ورعايتها والحفاظ عليها والدفاع عنها بما يتناسب مع جنس الرجال، وما فطرهم الله عليه ليكونوا قوامين لهذه المسؤولية الملقاة عليهم 51.
الثاني: قيام الرجال بالإنفاق على النساء بما يدفعونه من المهور وغيرها من النفقات، وقوله تعالى: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ)، منتظم للمهر والنفقة؛ لأنهما جميعًا مما يلزم الزوج لها، وهو نظير قوله تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [البقرة: ٢٣٣].
وقوله تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [الطلاق: ٧].
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف)52.
ووجه التفضيل أن الرجل له الكدح، وله الضرب في الأرض، وله السعي على المعاش، وذلك حتى يكفل للمرأة سبل الحياة اللائقة عندما يقوم برعايتها53.
وكون القوامة الدنيوية بيد الرجال لا يعني أن جنس الرجال أفضل من جنس النساء عند الله، فأساس التفضيل عند الله ليس الجنس أو اللون، إنما هو الإيمان والتقوى، كما قال الله تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [الحجرات: ١٣].
فإذا كانت المرأة صالحة تقية كانت أفضل عند الله من زوجها غير التقي، أو الأدنى منها في التقوى54.
كما لا تعني القوامة للرجل على المرأة أن ذلك يعارض حريتها، بل على العكس القوامة تحافظ على حرية المرأة وشرفها، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ)، أي: شأنهم القيام عليهن قيام الولاة على الرعية بالأمر والنهي ونحو ذلك، واختيار الجملة الاسمية مع صيغة المبالغة للإيذان بعراقتهم ورسوخهم في الاتصاف بما أسند إليهم، وفي الكلام إشارة إلى سبب استحقاق الرجال الزيادة في الميراث55.
وفي قوله تعالى: (ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ)، إشارة إلى أن القوامة محصورة في الرجال، فقد جعل القرآن سبب القوامة معلومًا للناس من فضل الرجال ومن إنفاقهم ليصلح الخطاب للفريقين: عالمهم وجاهلهم، وكذا لم يصرح سبحانه بما به التفضيل رمزًا إلى أنه غني عن التفصيل، وقد ورد في الحديث: (أنهن ناقصات عقل ودين)56، والرجال بعكسهن كما لا يخفى57.
قال الشنقيطي: «فمحاولة استواء المرأة مع الرجل في جميع نواحي الحياة لا يمكن أن تتحقق؛ لأن الفوارق بين النوعين كونًا وقدرًا أولًا، وشرعًا منزلًا ثانيًا تمنع من ذلك منعًا باتًّا، ولقوة الفوارق الكونية والقدرية والشرعية بين الذكر والأنثى، صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه لعن المتشبه من النوعين بالآخر، ولا شك أن سبب هذا اللعن هو محاولة من أراد التشبه منهم بالآخر، لتحطيم هذه الفوارق التي لا يمكن أن تتحطم، وقد ثبت في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال)58، ولأجل تلك الفوارق العظيمة الكونية القدرية بين الذكر والأنثى، فرق الله جل وعلا بينهما في الطلاق، فجعله بيد الرجل دون المرأة، وفي الميراث، وفي نسبة الأولاد إليه»59.
ثانيًا: الإمامة:
١. الإمامة العامة.
لقد فضل الله تعالى الرجل على المرأة في الولاية؛ فإن الله سبحانه وتعالى جعل الرجل قوامًا على المرأة؛ فالرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض؛ ولهذا لا يحل أن تتولى المرأة ولايةً عامةً أبدًا؛ فالولاية العامة ليست من حقوق النساء أبدًا، والمرأة لا تصلح لهذا المنصب؛ لأن المرأة ناقصة في أمر نفسها، حتى لا تملك النكاح، فلا تجعل إليها الولاية على غيرها، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ)، فلو كانت لهن القدرة على القيام بشؤون أنفسهن لما وكل الله أمرهن إلى الرجال60.
ولحديث أبي بكرة رضي الله عنه، قال: (لقد نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام الجمل، بعد ما كدت أن ألحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم، قال: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس، قد ملكوا عليهم بنت كسرى، قال: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)61.
والفلاح: الفوز بالمطلوب، والتدبير يحتاج إلى كمال الرأي، ونقص المرأة مانع، وفي الحديث دليل على أن المرأة لا تلي الإمارة، ولا القضاء، ولا عقد النكاح62.
قال ابن عثيمين رحمه الله تعالى: «أن الذين لهم درجة على النساء هم الرجال الذين هم جديرون بهذا الوصف؛ وأما من جعل نفسه بمنزلة النسوة فهذا يكون شرًا من المرأة؛ لأنه انتكس من الكمال إلى الدون؛ ومن ثم لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء؛ والمتشبهات من النساء بالرجال؛ حتى لا يعتدي أحد على حق؛ أو على اختصاصات أحد»63.
٢. الإمامة في الصلاة.
إن الإمامة موضع شرف ورفعة وعلو منزلة وتقدم على الناس في أهم أمر الدين، وأجل عبادة المسلمين، وهي مما يلزمه الخلفاء، ويقوم به الأمراء، فلا يجوز أن تكون المرأة إمامًا للرجال لنقصها 64.
قال ابن قدامة: «وأما المرأة فلا يصح أن يأتم بها الرجل بحال، في فرض ولا نافلة في قول عامة الفقهاء»65.
ولحديث أنس بن مالك رضي الله عنه، أن جدته مليكة دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته فأكل منه، ثم قال: (قوموا فلأصلي لكم)، قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس فنضحته بماء، فقام عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصففت أنا واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا فصلى لنا ركعتين، ثم انصرف صلى الله عليه وسلم66.
فقد نبه الحديث على أن إمامة المرأة للرجال لا تجوز، لأنه لما لم يجز أن تساويهم في الصف كانت من أن تتقدمهم أبعد67.
تظهر الرجولة في الشدائد من خلال النقاط الآتية:
أولًا: الجهاد:
إن الجهاد سنة ماضية في سبيل الله، لا يقوم به إلا الرجال الأقوياء الصادقون، الذين نذروا أنفسهم وأموالهم لله تعالى، وقد ذكر القرآن الكريم نموذجًا فريدًا من المؤمنين بالله، المصدقين برسوله الذين صدقوا بما عاهدوا الله عليه، من حسن البلاء والتفاني في الجهاد، والثبات على العهد مع الله تعالى، والصبر في اللأواء وحين البأساء، فاستشهد بعضهم يوم بدر، وبعضهم يوم أحد، وبعضهم في غير هذه المواطن، ومنهم كذلك من ينتظر قضاءه والفراغ منه، كما قضى من مضى منهم نحبه على الوفاء لله بعهده، وما غيروه وما بدلوه ومنهم من ينتظر الشهادة، ويتوقعها باشتياق للفوز بما عند الله من الكرامة للشهداء والدرجات التي أعدها الله لهم.
قال الله عز وجل: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [الأحزاب: ٢٣-٢٤].
ما بدلوا ولا غيروا ولا انحرفوا، بل هم مستقيمون على هذا المنهاج، ينتظرون أمر الله تعالى أن يتوفاهم وهم سائرون على هذا الدرب مستقيمون عليه، لا يلوون على شيء إلا مرضاة ربهم عز وجل، بخلاف المنافقين فإنهم قالوا لا نولي الأدبار، فبدلوا قولهم، وولوا أدبارهم، ونقضوا عهدهم، وذمهم الله تعالى.
وقال سبحانه: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [البقرة: ٢٦-٢٧].
وقال تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [الأحزاب: ٢٤].
أي: بصدق ما وعدهم في الدنيا والآخرة، كما صدقوا مواعيدهم، ويعذب المنافقين الذين كذبوا وأخلفوا68.
والإخبار عنهم برجال زيادة في الثناء؛ لأن الرجل مشتق من الرجل وهي قوة اعتماد الإنسان كما اشتق الأيد من اليد، رجال من المؤمنين ثبتوا في وجه العدو يوم أحد وهم: عثمان بن عفان، وأنس بن النضر، وطلحة بن عبيد الله، وحمزة، وسعيد بن زيد، ومصعب بن عمير، فأما أنس بن النضر وحمزة ومصعب بن عمير، فقد استشهدوا يوم أحد، وأما طلحة فقد قطعت يده يومئذ، وهو يدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما بقيتهم فقد قاتلوا ونجوا69.
فقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه قوله: غاب عمي أنس بن النضر عن بدر، فشق عليه، وقال: أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غبت عنه، لئن أراني الله تعالى مشهدًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بعد ليرين الله تعالى ما أصنع، فشهد يوم أحد، فاستقبله سعد ابن معاذ رضي الله عنه، فقال: يا أبا عمرو إلى أين؟ قال: واها لريح الجنة أجدها دون أحد، فقاتل حتى قتل، فوجد في جسده بضع وثمانون من ضربة وطعنة ورمية، ونزلت هذه الآية: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [الأحزاب: ٢٣].. إلخ)70.
وهذه الصورة الوضيئة لهذا النموذج من المؤمنين الصادقين المخلصين تذكر هنا تكملة لصورة الإيمان، في مقابل صورة النفاق والضعف ونقض العهد من ذلك الفريق، لتتم المقابلة في معرض التربية بالأحداث وبالقرآن، وتذكر المسلمين بإخوانهم الذين سبقوهم بالإيمان، لتكتمل التربية، وتثبت القلوب وتستمسك بالعروة الوثقى، وتنهض من كبوتها، وتسترد الثقة والطمأنينة، فتسير في طريق السابقين أصحاب الوفاء وأهل الإخلاص71.
وذكر القرآن الكريم نموذجًا آخر من الرجال المؤمنين الصادقين المجاهدين الذين يقفون في وقت الشدائد، وينصرون الله ورسوله في أصعب المواقف الحرجة التي تواجه الدعوة.
قال تعالى: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [المائدة: ٢٣].
وهذان الرجلان من بني إسرائيل من الذين يخافون مقت الله وعقابه، والذين أنعم الله عليهما بالثبات على الإيمان والوفاء بالعهد، نصحوا قومهم بالجهاد والتوكل على الله تعالى في الدفاع عن أنفسهم وعن وطنهم، ولم يمنعهم الخوف من أن يقولوا الحق فأثنى الله تعالى عليهما بذلك، فدل على فضيلة قول الحق عند الخوف وشرف منزلته، وقالا مخاطبين قومهم: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ)، أي: باب قرية الجبارين، فنحن أعلم بقومنا إن كنتم إنما تخافون ما رأيتم من أجسامهم وعددهم، فإنهم لا قلوب لهم ولا منعة عندهم، ومتى توكلتم على الله واتبعتم أمره، ووافقتم رسوله، نصركم الله على أعدائكم وأيدكم وظفركم بهم، ودخلتم البلدة التي كتبها الله لكم، ولكن بني إسرائيل لم ينفع ذاك فيهم شيئًا، ولجوا في عصيانهم، وسمعوا من العشرة النقباء الجواسيس الذين خوفوهم أمر الجبارين، ووصفوا لهم قوة الجبارين وعظم خلقهم، فصمموا على خلاف أمر الله تعالى، (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [المائدة: ٢٤].
وهذا نكول منهم عن الجهاد، ومخالفة لرسولهم وتخلف عن مقاتلة الأعداء، ومن هنا تبرز قيمة الإيمان بالله والخوف منه، فهذان رجلان من الذين يخافون الله، ينشئ لهما الخوف من الله استهانة بالجبارين! ويرزقهما شجاعة في وجه الخطر الموهوم! وهذان هما يشهدان بقولتهما هذه بقيمة الإيمان في ساعة الشدة، وقيمة الخوف من الله في مواطن الخوف من الناس، فالله سبحانه لا يجمع في قلب واحد بين مخافتين، مخافته جل جلاله ومخافة الناس72.
والرجولة في الجهاد تكون بكل صوره وأشكاله، سواءً أكان ذلك بالنفس أو المال أو بقول كلمة حق عند سلطان جائر، لما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر، أو أمير جائر)73.
ثانيًا: نصرة الحق وأهله:
إن من صفات الرجولة الوقوف في الشدائد ونصرة الحق والدفاع عنه والتضحية في سبيله مهما يكن الثمن، ويدل على ذلك قوله تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ) [القصص: ٢٠-٢١].
وقال سبحانه: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [يس: ٢٠].
فقد ذكر القرآن الكريم في هذه الآيات هذا النموذج الفريد في إيمانه وصدقه وإخلاصه وشجاعته في نصرة الحق، رجال المواقف في ميدان الرجولة النادرة التي تخلى عنها الكثيرون، أن يقف مثل هذا الموقف الخالد الذي سجله القرآن وأثنى الله تعالى عليهم.
قال تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) [القصص: ٢٠].
هذا الرجل من بني إسرائيل الذي استشعر المسؤولية الواجبة عليه في هذا الموقف العصيب، وهي إبلاغ موسى عليه السلام بمؤامرة خبيثة تحاك ضده، تناسى كل الأخطار والمصائب واختصر الطريق ليؤدي واجبه الإنساني تجاه رجل بريء لينقذه من الموت، في جد واهتمام ومسارعة، مصحوبًا بعقيدة حية في ضمير مؤمن يقظ واثق مطمئن، وقال: إن القوم يريدون قتلك، وأنا واقف على تدبيرهم وقد أرادوا إعلام فرعون، فاخرج من هذا البلد، إني لك من الناصحين.
فهذا الرجل الناصح الأمين المحب لموسى عليه السلام الذي يريد أن ينقذ موسى عليه السلام من القتل، تجده يسعى من أقصى المدينة، والتعبير بـ(ﯸ) يدل على المحبة الخالصة الطيبة، ثم كلمة يسعى تدل على أنه جاء عدوًا لا قرار عنده ولا اطمئنان، ووصفه بالرجولية لأنه خالف الطريق، فسلك طريقًا أقرب من طريق الذين بعثوا وراءه، فسبق إلى موسى عليه السلام، وقوله: (ﯽ ﯾ)، وهو كبار القوم يدبرون الأمر ليقتلوك74.
وكذلك الحال في قصة مؤمن آل ياسين عليه السلام فقد جاء الرجل من أقصا المدينة إلى أقصاها لا يمنعه مانع، ليضرب لمجتمع المؤمنين المثل في كيفية الحرص على دعوة ربهم، والحرص على الدفاع عن الدعاة والقائمين على أمور الدعوة، والحرص على مناصرة الحق وأهله مهما كان الثمن، ومهما بلغ التعب في سبيل ذلك، فقد جاء ناصحًا ينصح لهم ويحثهم على اتباع الرسل، المرسلين إليهم، وأن يقبلوا ما يأتون به من عند مرسلهم، فهذا الرجل الناصح الأمين تجده يسعى من أقصى المدينة، والتعبير بأقصى يدل على المحبة الخالصة الطيبة، كما يدل على أنه جاء من أبعد مواضعها فهي مترامية الأطراف والتعبير بالمدينة يدل على
كبرها فهي ليست قرية محدودة! ثم كلمة يسعى تدل على أنه جاء عدوًا، لا قرار عنده ولا اطمئنان 75.
وهذا المشهد القرآني يوضح عظمة الحق في قلوب الرجال ومحبته، وفيه عناية الله بمن اصطفاه لذلك، واختاره للقيام بهذه المهمة ووعده بالنصر والنجاة مما يحاك له من المكائد.
كما أن في هذه الآيات عظة وعبرة لكل مؤمن بأن يكون يقظًا في كل ما يمس دينه وعقيدته ووطنه، ورجال دولته ورجال الدعوة الخيرين المخلصين، وفيها أن الرجولة في القرآن الكريم صفات رفيعة، وأخلاق فاضلة، وشجاعة نادرة، ورأي سديد في الأوقات العصيبة، وأن الرجل يقوم بواجب النصيحة ولا يتأخر بها عن وقتها، كما فعل هذا الرجل الإسرائيلي الذي أتى لنصح موسى عليه السلام حيث إنه لم يأت للتحذير فقط من مكيدة فرعون وقومه، بل إنه أتى بالحل والمخرج من هذه المحنة العصيبة، وهذا التآمر الخبيث بقوله، (ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) 76.
ومن خلال النظر في الآيتين نلمس ما يأتي:
وجاء تقديم قوله: (ﯷ ﯸ ﯹ) على: (ﯶ) بيانًا لفضله، إذ هداه الله تعالى مع بعده عنهم، وأن بعده لم يمنعه من الانطلاق لمناصرة الرسل من أقصا المدينة إلى أقصاها، وربما يكون التقديم اهتمامًا بشأن المقدم، وقيل: أن تقديم الجار والمجرور في آية يس، لأن ما قبل هذه الآية دال على سوء معاملة أهل المدينة للرسل، فكان ذلك مظنة أن يسأل سائل: أكانت هذه المدينة كلها بهذه الصفة أم أن فيها موطنًا هو منبت خير؟ لذلك قدم ما يشتمل على المدينة لأنها أهم عند المخاطب77.
وجاء التعبير عن الرجل بالنكرة (ﯶ)، ليفيد التعظيم لهذا الرجل، ومعلوم أن التنكير فيه معاني شاملة عميقة وكلها صالحة للتعبير عن المعنى المقصود، ثم إنه رجل مجهول منكور، لا يعرفه أحد.
كما أن الرجل يسرع في القيام بواجب النصيحة، وإن كان محله بعيدًا لما في ذلك من الحرص والتوجه والقصد إلى الله تعالى، فيحس بواجبه ومن ثم يقوم بمناصرة الحق، ومقاومة الباطل وأهله، ويكف عن الدعاة بغي الباغين، فقد جاء في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من مشى مع مظلوم ليعينه على مظلمته، ثبت الله قدميه على الصراط يوم القيامة، يوم تزل الأقدام)78.
ثالثًا: إنكار المنكرات:
ومن صفات الرجولة التي ذكرها القرآن الكريم الوقوف في وجه المنكر ومحاربته بكل صوره وأشكاله.
قال تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [هود: ٧٨].
فقد ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة: أن نبيه لوطًا عليه السلام وعظ قومه ونهاهم أن يفضحوه في ضيفه، وعرض عليهم النساء، وترك الرجال، فلم يلتفتوا إلى قوله، وتمادوا فيما هم فيه من إرادة الفاحشة، وتلطف لوط عليه السلام وبالغ في التلطف إلى قومه، عله يدفع هذا الخزي عن ضيوفه، ولكنه لما رأى إصرارهم على فجورهم وبخهم بقوله: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) يهدي إلى الرشد والفضيلة.
وفيه إشارة إلى أن الرجل هو الذي يقوم بإنكار المنكر، فإن ظهور الرجل الرشيد في الفئة الضالة يفتح باب الرشاد لهم، وبالعكس تمالؤهم على الباطل يزيدهم ضراوةً به79.
ومن خلال هذه الآية يتضح بأن المجتمعات البشرية بحاجة إلى الرجال الأقوياء الأشداء الذين يقفون في وجه المنكر ويحاربونه، وإذا خلي المجتمع من هؤلاء الرجال، استفحل فيهم المنكر، وصار المنكر عملًا يتباهى به السفلة دون أن يردعهم عن ذلك رادع من أنفسهم ولا من غيرهم، ومن علامة الرجل الرشيد أنه هو المسدد في أقواله وأفعاله، وأنه صحيح الرأي، يفعل الجميل ويكف عن القبيح، وينصر المظلومين، ويفرج الكرب عن المكروبين، ويأمر بالخير، وينهى عن الشر، هذا هو الرشيد حقيقة، فلهذا قال لوط: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [هود: ٧٨] ؟ أي: فيأمر بمعروف، وينهى عن منكر، ويدفع أهل الشر والبغي80.
يوجد عدة عوامل تؤدي إلى ضياع الرجولة وأهم هذه العوامل ما يأتي:
١. ضعف الإيمان.
لأن الإيمان من أعلى صفات الرجولة، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [الأحزاب: ٢٣].
٢. البعد عن المسجد.
فالمساجد موطن من مواطن صناعة الرجولة، قال تعالى: (ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ) [النور: ٣٦].
٣. البعد عن القرآن الكريم الذي يصنع الرجال.
قال عمر: أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال: (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا، ويضع به آخرين) 81.
٤. انقلاب المعايير.
كما أخبرنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سيأتي على الناس سنوات خداعات، يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة)، قيل: وما الرويبضة؟ قال: (الرجل التافه في أمر العامة)82.
٥. البعد عن القدوة الصالحة، واتخاذ القدوة السيئة.
كما في حديث أبي موسى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل الجليس الصالح والجليس السوء، كمثل صاحب المسك وكير الحداد، لا يعدمك من صاحب المسك إما تشتريه، أو تجد ريحه، وكير الحداد يحرق بدنك، أو ثوبك، أو تجد منه ريحًا خبيثةً)83.
٦. إتيان المنكرات.
مثلما كان يفعل قوم لوط، قال تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [الأعراف: ٨١].
موضوعات ذات صلة: |
الأبوة، البنوة، النبوة، النساء، النكاح |
1 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب اللباس، باب لباس النساء، رقم ٤٠٩٩، ٤/٦٠.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٥٠٥٩، ٢/٩٠٧.
2 انظر: فيض القدير، المناوي ٥/٢٦٩.
3 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص١٨٩، مختار الصحاح، الرازي ص ١١٩، تاج العروس، الزبيدي ٢٩/٣٤.
4 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٣٤٤، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٣/٤١، البحر المحيط، أبو حيان ٢/٤٣٨.
5 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي ص ٢٣٨-٢٤١، المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، ص٤٧٩-٤٨٢.
6 انظر: جامع البيان، الطبري، ١٢/٤٦٠.
7 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٣٢٩، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٣/١٥، لسان العرب، ابن منظور ٤/٣٠٩، تاج العروس، الزبيدي ١١/٣٨١.
8 انظر: الكليات، الكفوي ص ٦٩٦، تاج العروس، الزبيدي ٣٩/٢٠٨.
9 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/٢٤٣، الكشف والبيان، الثعلبي ٦/١٥٨، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٤/١٧٠، تاج العروس، الزبيدي ٣٩/٢٠٨، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ٢/٦٧٣.
10 انظر: نضرة النعيم، مجموعة مؤلفين ٥/٢٠٤٢.
11 انظر: الصحاح، الجوهري ١/٧٢، لسان العرب، ابن منظور ١/١٥٤، تاج العروس، الزبيدي ١/٤٢٧.
12 انظر: التعريفات، الجرجاني ص ٢١٠، التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص ٣٠٣.
13 انظر: الفروق اللغوية، العسكري ص ٢٧٧.
14 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ١٥/١٠٦، مجمل اللغة، ابن فارس ص ١٠٤.
15 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٩٣.
16 تاج العروس ٥/١٥٩.
17 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي ٦/١٧١، المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/٥١٦، مفاتيح الغيب، الرازي ٦/٤٤١، التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم يونس ٣/١٠٧٠، تفسير الشعراوي ٥/٣٠٦١.
18 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ٧/٤٢٣، ملاك التأويل، الغرناطي ٢/٢٦٨، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/١٥٨، تفسير المراغي ١٨/١٦١.
19 انظر: لطائف الإشارات، القشيري ٢/٢١٣، النكت والعيون، الماوردي ٣/٨٨، التفسير الوسيط، الواحدي ٣/٦٣، معالم التنزيل، البغوي ٣/٢٨٣، مفاتيح الغيب، الرازي ٢٠/٢١٠، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/٢٧٤،، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٣/٢٧٢.
20 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٣/٨٨، التفسير الوسيط، الواحدي ٣/٦٣، معالم التنزيل، البغوي ٣/٢٨٣.
21 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/١٥٨.
22 أضواء البيان ١/٤٩٣.
انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٣٤٠.
23 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٣/٦٧.
24 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٣٦٢.
وانظر فتح الباري، ابن حجر ٦/٤٧١، عمدة القاري، العيني ١٥/٣٠٩.
25 انظر: جامع البيان، الطبري ١٦/٤٢٠، المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٣٠٣، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٢/٥٧٨.
26 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٤/٣٩٨، لباب التأويل، الخازن ٣/٢٩٩.
27 انظر: جامع البيان، الطبري ١٦/٤٢٠، تفسير الراغب الأصفهاني ١/١٦٥، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٢/٥٧٨.
28 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٣٠٣، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٢/٥٧٨.
29 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ٢٥٢٦٣، ٤٢/١٥٦، والترمذي في سننه، أبواب تفسير القرآن، باب ومن سورة المؤمنون، رقم ٣١٧٥، ٥/٣٢٧، وابن ماجه في سننه، كتاب الزهد، باب التوقي على العمل، رقم ٤١٩٨، ٢/١٤٠٤.
وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة ١/٣٠٥.
30 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٦/٥١، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٢/٢٧٩، الكشاف، الزمخشري ٤/٥٣٦.
31 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٢/٢٧٩.
32 انظر: لطائف الإشارات، القشيري ٢/٦٢، أنوار التنزيل، البيضاوي ٣/٩٨، معالم التنزيل، البغوي ٢/٣٨٩.
33 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٢/٣٨٩، مفاتيح الغيب، الرازي ١٦/١٤٨.
34 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ٥/٥٠٧.
35 انظر: جامع البيان، الطبري ١٤/٤٧٤.
36 انظر: مدارك التنزيل، النسفي ١/٧١١، التفسير الوسيط، الواحدي ٢/٥٢٥، التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ٦/٨٩٧.
37 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب من بنى مسجدًا، رقم ٤٥٠، ١/٩٧، ومسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب فضل بناء المساجد والحث عليها، رقم ٥٣٣، ١/٣٧٨.
38 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب اتخاذ المساجد في الدور، رقم ٤٥٥، ١/١٢٤، والترمذي في سننه، أبواب السفر، باب ما ذكر في تطيب المساجد، رقم ٥٩٤، ٢/٤٩٠.
وصححه الألباني في صحيح أبي داود ٢/٣٥٤.
39 انظر: تفسير المراغي ١١/٢٦، بيان المعاني، عبد القادر العاني ٦/١٤١.
40 انظر: تفسير المراغي ١١/٢٦، بيان المعاني، عبد القادر العاني ٦/١٤١.
41 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٣٢/٣١٢، في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٢٧٨٣، تفسير الشعراوي ١٢/٧٥٣٠، أضواء البيان، الشنقيطي ٥/٣٠٧.
42 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٦١، الإتقان في علوم القرآن، السيوطي ٢/٣٦٨، الكليات، الكفوي ص ٢١٢.
43 انظر: لباب التأويل، الخازن ٢/٣٤٢، أضواء البيان، الشنقيطي ٥/٣٠٨.
44 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٠/٢٣٧، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٢/١٣١.
45 انظر: بيان المعاني، عبد القادر ملا ٥/٤٦٣.
46 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٠/٢٣٧، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٢/١٣١، في ظلال القرآن، سيد قطب ١/١٦١.
47 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٠/٢٣٧، النكت والعيون، الماوردي ٤/٣٨٩، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٢/١٣١.
48 انظر: أحكام القرآن، الجصاص ٣/١٤٨، معالم التنزيل، البغوي ١/٦١١، الكشاف، الزمخشري ١/٥٠٥، أحكام القرآن، ابن العربي ١/٥٣٠، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٥/٣٨، روائع البيان، الصابوني ١/٤٦٦، تفسير الشعراوي ٤/٢١٩٢.
49 انظر: أحكام القرآن، الجصاص ٣/١٤٨، معالم التنزيل، البغوي ١/٦١١، الكشاف، الزمخشري ١/٥٠٥، أحكام القرآن، ابن العربي ١/٥٣٠، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٥/٣٨.
50 انظر: المصادر السابقة.
51 انظر: المصادر السابقة، روائع البيان، الصابوني ١/٤٦٦، تفسير الشعراوي ٤/٢١٩٢.
52 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، رقم ١٢١٨، ٢/٨٩٠.
53 انظر: أحكام القرآن، ابن العربي ١/٥٣١، معالم التنزيل، البغوي ١/٦١١، الكشاف، الزمخشري ١/٥٠٥، مفاتيح الغيب، الرازي ١٠/٧٠، روح المعاني، الألوسي ٣/٢٣، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٥/٣٧.
54 انظر: القرآن ونقض مطاعن الرهبان، صلاح الخالدي ١/٤٠٨.
55 انظر: روح المعاني، الألوسي ٣/٢٣.
56 هذه العبارة جزء من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى، فمر على النساء، فقال: (يا معشر النساء، تصدقن، فإني أريتكن أكثر أهل النار)، فقلن: وبم يا رسول الله؟ قال: (تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن)، قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: (أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل)، قلن: بلى، قال: (فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم)، قلن: بلى، قال: (فذلك من نقصان دينها).
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحيض، باب ترك الحائض الصوم، رقم ٣٠٤، ١/٦٨، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات، وبيان إطلاق لفظ الكفر على غير الكفر بالله، ككفر النعمة والحقوق، رقم ٧٩، ١/٨٦.
57 انظر: أحكام القرآن، الجصاص ٣/١٤٨، أحكام القرآن، ابن العربي ١/٥٣١، معالم التنزيل، البغوي ١/٦١١، الكشاف، الزمخشري ١/٥٠٥، مفاتيح الغيب، الرازي ١٠/٧٠، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٥/٣٧.
58 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب اللباس، باب في لباس النساء، رقم ٤٠٩٧، ٤/٦٠، والترمذي في سننه، أبواب الأدب، باب ما جاء في المتشبهات بالرجال من النساء، رقم ٢٧٨٤، ٥/١٠٦، وابن ماجه في سننه، كتاب النكاح، باب في المخنثين، رقم ١٩٠٤، ١/٦١٤.
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ٢/٢٢٨.
59 أضواء البيان ٧/٤١٥.
60 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١/٢٧٠.
61 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر، رقم ٤٤٢٥، ٦/٨.
62 انظر: فتح الباري، ابن حجر ١٣/٥٦، عمدة القاري، العيني ٢٤/٢٠٤.
63 انظر: تفسير القرآن الكريم، ابن عثيمين، الفاتحة والبقرة ٣/١٠٧.
64 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١/٣٥٦، المنتقى شرح الموطإ، الباجي ١/٢٣٥، كشف المشكل من حديث الصحيحين، ابن الجوزي ٣/٢٠٢، فتح الباري، ابن رجب ٦/١٧٦، سبل السلام، الصنعاني ١/٣٧٣.
65 انظر: المغني ٢/١٤٦.
66 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب الصلاة على الحصير، رقم ٣٨٠، ١/٨٦، ومسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب جواز الجماعة في النافلة، والصلاة على حصير وخمرة وثوب، وغيرها من الطاهرات، رقم ٦٥٨، ١/٤٥٧.
67 انظر: كشف المشكل من حديث الصحيحين، ابن الجوزي ٣/٢٠٢، فتح الباري، ابن رجب ٦/١٧٦، سبل السلام، الصنعاني ١/٣٧٣، نيل الأوطار، الشوكاني ٣/١٩٦.
68 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٥/١٦٣، بيان المعاني، عبد القادر ملا ٥/٤٦٣، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢١/٣٠٧، تفسير المراغي ٢١/١٤٧.
69 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢١/٣٠٧.
70 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب قول الله تعالى: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه)، رقم ٢٨٠٥، ٤/١٩، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب ثبوت الجنة للشهيد، رقم ١٩٠٣، ٣/١٥١٢.
71 انظر: في ظلال القرآن، سيد ٥/٢٨٤٤.
72 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/١٧٥، أحكام القرآن، الجصاص ٢/٥٠٠، بيان المعاني، عبد القادر ملا ٦/٣١٣.
73 أخرجه أبو داود كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي، رقم ٤٣٤٤، ٤/١٢٤، والترمذي في سننه، أبواب الفتن، باب ما جاء أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر، رقم ٢١٧٤، ٤/٤٧١، والنسائي في سننه، كتاب البيعة، فضل من تكلم بالحق عند إمام جائر، رقم ٤٢٠٩، ٧/١٦١، وابن ماجه في سننه، كتاب الفتن، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، رقم ٤٠١١، ٢/١٣٢٩.
وصححه الألباني في صحيح الجامع ١/٢٤٨.
74 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٢٢٦، المعجزة الكبرى القرآن، أبو زهرة ص ٩١.
75 انظر: تفسير القرآن، السمعاني ٤/١٣٠، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٢٢٦، المعجزة الكبرى القرآن، أبو زهرة ص ٩١.
76 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٠/٩٧.
77 انظر: كشف المعاني، الكناني ص ٢٨٤، المعجزة الكبرى القرآن، أبو زهرة ص ٩١، خصائص التعبير القرآني وسماته البلاغية، عبد العظيم المطعني ٢/١٨٧.
78 أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء، ٦/٣٤٨.
وحسنه الألباني في: صحيح الترغيب والترهيب ٢/٣٥٨.
79 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٢/١٢٩، أضواء البيان، الشنقيطي ٢/١٩٠، التفسير الوسيط، طنطاوي ٧/٢٤٩، بيان المعاني، عبد القادر ملا ٣/١٤٢.
80 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/٧٧، تيسير اللطيف المنان، السعدي ص٢١٧.
81 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل من يقوم بالقرآن، ويعلمه، وفضل من تعلم حكمة من فقه، أو غيره فعمل بها وعلمها، رقم ٨١٧، ١/٥٥٩.
82 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ٧٩١٢، ١٣/٢٩١، وابن ماجه في سننه، كتاب الفتن، باب الصبر، رقم ٤٠٣٦، ٢/١٣٣٩.
وصححه الألباني في صحيح الجامع ١/٦٨١.
83 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب في العطار وبيع المسك، رقم ٢١٠١، ٣/٦٣، ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة، باب استحباب مجالسة الصالحين، ومجانبة قرناء السوء، رقم ٢٦٢٨، ٤/٢٠٢٦.