عناصر الموضوع
البخس
أولًا: التعريف اللغوي:
يدور معنى البخس في اللغة حول مطلق النقص، سواء كان النقص على سبيل الظلم، أو بغير ظلم.
فمن الأول: قولهم في المثل: تحسبها حمقاء وهي باخس، ويقال: باخسة1.
ومن الثاني: قول الشاعر2:
قالت سليمى اشتر لنا سويقًا وهات بر البخس أو دقيقًا
ومعنى «بر البخس» في البيت هو الذي لم يسق بماء عدٍ، إنما سقاه ماء السماء، ووجه إطلاق البخس عليه أنه لم ينل من الماء حظًا كافيًا.
إلا أنه اشتهر عرفًا في المعنى الأول، وهو النقص على سبيل الظلم.
وللبخس معان أخرى غير النقص، فيطلق على الظلم، والتغابن، والمكس، وعلى الأرض تنبت من غير سقي، والزرع لم يسق بماء عدٍ، ذلك حاصل ما ذكره أهل اللغة 3.
ثانيًا: التعريف الاصطلاحي:
البخس في الاصطلاح هو: نقص حقوق الناس ظلمًا، قال الراغب الأصفهاني: «البخس: نقص الشيء على سبيل الظلم»4.
وعرفه الطاهر ابن عاشور بأنه: إنقاص شيء من صفة أو مقدار هو حقيق بكمال في نوعه5. وهو قريب مما قبله.
والعلاقة بين معنى البخس في الاصطلاح ومعناه في اللغة واضحة، فهو في الاصطلاح أخص منه في اللغة.
وردت مادة (بخس) في القرآن الكريم (٧) مرات6.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
٥ |
(ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [الكهف: ٤٢] |
المصدر |
٢ |
(ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [البقرة: ٢٧٢] |
وجاء البخس في القرآن على معناه اللغوي، وهو: المكس ونقص الشيء على سبيل الظلم7.
النقص:
النقص لغة:
خلاف الزيادة8.
النقص اصطلاحًا:
عرفه الراغب بأنه الخسران في الحظ9.
وقال ابن القطاع: النقص في الشيء: ذهاب شيء منه بعد تمامه10، نحو قوله تعالى: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ) [البقرة: ١٥٥].
وقوله جل شأنه: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ) [ق: ٤].
الصلة بين النقص والبخس:
ويفرق بين النقص والبخس من وجهين:
الأول: أن النقص يكون ظاهرًا وخفيًا، بخلاف البخس.
الثاني: أن النقص يكون بظلم وبغيره، بخلاف البخس. فالعلاقة بينهما علاقة عموم وخصوص مطلق.
التطفيف:
التطفيف لغة:
من الطفيف، وهو الشيء النزر القليل، وتطفيف المكيال والميزان، أي: نقصه.
قال بعض أهل العلم: إنما سمي بذلك، لأن الذي ينقصه منه يكون طفيفًا11.
التطفيف اصطلاحًا:
تقليل نصيب المكيل له في إيفائه واستيفائه12. وعرفه الجوهري بأنه: نقص المكيال، وهو أن لا تملاه إلى أصباره13، وذلك كما في قوله تعالى: ( ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ) [المطففين: ١- ٣].
الصلة بين التطفيف والبخس:
التطفيف أخص في الاستعمال من البخس من وجهين:
الأول: التطفيف خاص بنقص المكيال والميزان، والبخس عام في كل حق للإنسان، يقول رشيد رضا: «البخس أعم من نقص المكيل والموزون، فإنه يشمل غيرهما من المبيعات كالمواشي والمعدودات، ويشمل البخس في المساومة والغش والحيل التي تنتقص بها الحقوق، وكذا بخس الحقوق المعنوية كالعلوم والفضائل»14.
الثاني: أن التطفيف يكون بالشيء النزر اليسير، والبخس يكون بالقليل والكثير، وبالخسيس والنفيس.
وذهب الشيخ محمد أبو زهرة إلى أنهما متباينان، فخص التطفيف بالأموال المثلية، والبخس بالأموال القيمية15.
الغبن:
الغبن لغة:
النقص والخدعة، يقال: غبنه في البيع غبنًا بالسكون، وهو الأكثر، وغبنًا بالفتح،أي: غلبه ونقصه، وغبن رأيه غبنًا بالفتح أي: ضعف16.
الغبن اصطلاحًا:
عرفه الراغب بأنه: أن تبخس صاحبك في معاملة بينك وبينه بضرب من الإخفاء17. وعرفه تقي الدين النبهاني بأنه: بيع الشيء بأكثر مما يساوي، أو بأقل مما يساوي18.
الصلة بين الغبن والبخس:
البخس نقص الشيء على سبيل الظلم، فإن كان على سبيل الخدعة والخفية فهو الغبن.
القسط:
القسط لغة:
القسط بالكسر: العدل، يقال أقسط يقسط؛ فهو مقسطٌ: إذا عدل، وقسط يقسط فهو قاسطٌ: إذا جار، والقسط أيضًا: مكيال، وهو نصف صاع19.
القسط اصطلاحًا:
«القسط بالكسر، النصيب بالعدل» 20.
الصلة بين القسط والبخس:
والعلاقة بين القسط -بفتح القاف- والبخس علاقة عموم وخصوص مطلق؛ فإن كلاهما عدول عن الحق، لكن القسط عام في كل عدول عن الحق، لا سيما في العقيدة، والبخس متعلق بحقوق الناس.
والعلاقة بين القسط -بكسر القاف- والبخس علاقة تقابل.
لا تستقيم الحياة الاقتصادية إلا بالمعاوضة القائمة على العدل، ومن ثم حرم الله تعالى كل ما يؤدي إلى اختلال ذلك النظام من الربا، والميسر، والغصب، والسرقة، والغش، والتدليس، والاحتكار، فتلك معاملات محرمة، إما لأنها لم تقم على مبدأ المعاوضة كالسرقة والغصب، أو لأنها تقوم على المعاوضة المبنية على الظلم كالربا والغش والتدليس والبخس.
وتحريم هذه الأنواع يأتي في ضوء تنظيم الشريعة الإسلامية لكيفية حيازة الأموال، وهو أحد دعامتي تنظيم الإسلام للحياة الاقتصادية، والدعامة الثانية تتمثل في تنظيم مصارفها، وهاتان الدعامتان أشار إليهما النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه)21.
فالبخس محرم لكونه ظلمًا وتعديًا على حق الغير، وقد سلك القرآن الكريم في ذمه والتنفير عنه كل مسلك، فقد نهى عنه صراحة تارة، وضمنًا أخرى، وعلل النهي عنه بالوعيد الشديد، ورتب عليه فساد الأرض، وأمر بالتوبة عنه، وأخيرًا تنزه الله عز وجل عنه في الدنيا والآخرة. والآن نشرع في تفصيل تلك المسالك منتظمة فيما يلي:
أولًا: تنزيه الله تعالى عنه:
صرح القرآن الكريم بتنزيه الله تعالى عن البخس في الدنيا والآخرة، وذلك من آكد الأساليب في ذم البخس والتنفير عنه، ألا ترى أن الله -جل شأنه- لما حرم الظلم على عباده أكد ذلك التحريم ببيان تنزهه تعالى عنه، فقال في الحديث القدسي: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا)22.
وقد صرح القرآن الكريم بتنزيه الله تعالى عن البخس في آيتين:
الأولى: قوله تعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ )[هود: ١٦،١٥].
والمعنى -كما قال ابن عطية-: «من كان يريد بأعماله الدنيا فقط -إذ لا يعتقد آخرة- فإن الله يجازيه على حسن أعماله في الدنيا بالنعم والحواس وغير ذلك، فمنهم مضيق عليه ومنهم موسع له، ثم حكم عليهم بأنهم لا يحصل لهم يوم القيامة إلا النار، ولا تكون لهم حال سواها»23.
وهذا التوجيه مبني على أنها نزلت في عموم الكفار، وهو ما اقتضاه سياق الآيات وظاهرها.
وقيل: إن الآية نزلت في المرائين، وهو المروي عن ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة24.
والمعنى: أن من قصد الدنيا بعمله من صلاة وزكاة وغيرها من الأعمال الصالحة فإن الله يجازيه عليها بالنعم في الدنيا، ولا يحق لهم في الآخرة إلا النار.
وقيل: نزلت في اليهود والنصارى، وهو مروي عن أنس رضي الله عنه والحسن 25. ولا يبعد هذا القول عن الأول.
والفرق بين الرأيين السابقين: أن ظاهر الآية الكريمة يقضي بخلود من نزلت فيه في النار، فعلى الرأي الأول لا إشكال فيها. وعلى الثاني فهو مشكل لإيمانهم، فقد ثبت -عندنا نحن أهل السنة والجماعة- بالدليل القطعي أن عصاة المؤمنين لا يخلدون في النار، فتؤول ظاهرها بأن قوله تعالى: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ) بمعنى: ليس يجب لهم أو يحق لهم إلا النار26، وذلك لا ينفي أن يتفضل الله عليهم بالخروج من النار وإدخالهم الجنة بإيمانهم.
وأيًا من نزلت في شأنه الآية الكريمة فإنها صريحة الدلالة على أن الله تعالى لا يبخس أحدًا أجره، ولو كان كافرًا أو عاصيًا، وذلك من كمال عدله جل شأنه، فالبخس صفة ذمٍ، تنزه الحق تعالى عنه. يقول محمد القوجوي: «سواء نزلت في المؤمنين... أو المنافقين.... أو في الكفار يكون معناها: من كان يريد بما عمله من أعمال البر والإحسان التمتع بلذات الدنيا وطيباتها والانتفاع بخيراتها وشهواتها من ثناء الخلق عليه في الدنيا ونحو ذلك، فإن جزاء عمله من أعمال البر والإحسان يصل إليه في الدنيا تامًا كاملًا»27.
الثانية: قوله تعالى: (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ) [الجن: ١٣].
والآية الكريمة إخبار عن قول الجن إذ استمعوا القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم، والمعنى: أنا لما سمعنا الهدى -وهو القرآن الكريم- سارعنا إلى التصديق به والإذعان له، فمن يؤمن من الجن والإنس بربه فلا يخاف أن يبخس من حسناته شيئًا، ولا أن يحمل عليه من سيئات غيره.
والمقصود بالآية الكريمة إظهار ثقتهم المطلقة في عدالة الله تعالى 28، فلا يبخس الله أحدًا حقه، ولا يرهقه بما لم تقترف يداه؛ إذ البخس والرهق يتنافيان مع كمال عدل الله تعالى.
وقد دلت الآية الكريمة على ثقة المؤمن بكمال عدل الله تعالى بأبلغ الأساليب، حيث عدل عن التعبير بالجملة الفعلية إلى الجملة الاسمية في قوله: (ﰅ ﰆ )، قال الزمخشري: «فإن قلت: أي فائدة في رفع الفعل وتقدير مبتدأ قبله حتى يقع خبرًا له ووجوب إدخال الفاء، وكان ذلك كله مستغنى عنه بأن يقال: لا يخف؟
قلت: الفائدة فيه أنه إذا فعل ذلك، فكأنه قيل: فهو لا يخاف، فكان دالَا على تحقيق أن المؤمن ناج لا محالة، وأنه هو المختص بذلك دون غيره»29.
ثانيًا: النهي عنه:
نهى الله تعالى عن البخس في القرآن الكريم، والنهي عن الشيء -بصورة عامة- يستلزم أمرين:
الأول: كونه حرامًا؛ إذ النهي يقتضي التحريم ما لم يرد دليلٌ يصرفه عن التحريم إلى غيره من الكراهة أو الدعاء أو الالتماس أو التحذير أو اليأس أو تحقير شأن المنهي عنه30.
الثاني: كونه قبيحًا، فقد عرفنا أن النهي عن الشيء يعني قبحه شرعًا، كما أن الأمر بالشيء يعني حسنه شرعًا، إذ العقول السليمة تدرك حسن ما أمر به الله -جلت حكمته- وقبح ما نهى عنه.
وقد جاء النهي الصريح عن البخس في أربعة مواضع، واحدة منهن وردت في سياق آية المداينة، وثلاثة في سياق قصة نبي الله شعيب عليه السلام.
أولًا: ما ورد في سياق آية المداينة، وهو قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ) [البقرة: ٢٨٢].
فالنهي عن البخس في قوله: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ) ورادٌ في سياق الأمر بتوثيق الدين بالكتابة حفظًا للحقوق، وحسمًا للنزاع.
فقد أمر الله تعالى المتداينين بكتابة دينهما -والأمر للندب عند جمهور العلماء، وقيل: للوجوب- وأن لا يكون الكاتب أحد المتعاقدين ضمانًا للحيادية وعدم الانحياز، وأن يكون ذا خبرة بشروط العقود وتوثيقها، وهو اللازم من اشتراط العدالة فيه في قوله: (ﭞ ﭟﭠ )؛ إذ الكاتب الجاهل قد يترك بعض الشروط أو يزيد فيها أو يكتب أجلًا باطلًا في الشرع أو نحو ذلك31.
وقد أكد اشتراط علمه بقوله: ( ﭦ ﭧ ﭨﭩ).
وأن يتولى المدين الإملال32 على الكاتب بما اتفقا عليه؛ ليكون إقراره أثبت وأوثق.
وأن لا ينقص منه شيئًا، وهو المراد بقوله: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ )، وذلك بأن لا يسوغ عبارات محتملة أو يضع شروطًا أو غير ذلك من وجوه الاحتيال التي من شأنها الإضرار بصاحب الدين، هذا التوجيه مبني على أن مرجع الضمير المستكن في (ﭯ) و(ﭳ) يعود إلى (ﭬ ﭭ ﭮ)، وهو الراجح؛ صناعةً لكونه أقرب مذكور، ومعنىً لكونه هو من تنازعه نفسه ببخس صاحب الحق حقه.
ونقل الآلوسي جواز رجوعه إلى الكاتب، وضعفه بأن الكاتب يتوقع منه الزيادة كما يتوقع منه النقص، فلو أريد نهيه لنهى عن كليهما33.
وقد اقترن هذا النهي بالأمر بالتقوى، فقال جل شأنه: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ )، ولهذا الاقتران دلالات عدة، منها:
وذلك لأن الوازع النفسي للتمسك بها أقوى وأعم من الوازع الخارجي، ومن ثم كثر اقتران الأوامر والنواهي بالتقوى، كما في قوله جل شأنه: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [الأنفال: ١].
وقوله جل وعلا: ( ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ) [الطلاق: ١].
ونحو ذلك كثير في القرآن الكريم.
فمعنى قوله: (ﭯ ﭰ ﭱ ) أي: عليه عند الإملاء أن يراقب الله ربه جل جلاله فلا يملي بما يضر بصاحب الدين، وقد جمع بين لفظي الألوهية والربوبية ترهيبًا وترغيبًا، فلفظ الجلالة (ﭰ) له من الدلالة على معاني الترهيب ما يردع عن اقتراف الذنب، كبيرًا كان الذنب أو صغيرًا، ولفظ (ﭱ) له من الدلالة على معاني الترغيب ما يحمل النفس على الالتزام بما أمر الله به وبما نهى عنه.
قال العلامة أبو زهرة: «وإذا كانت تبعة الإملاء قد وضعت في عنق من عليه الحق، فإن عليه عند الإملاء واجبين: تقوى الله، وعدم البخس؛... وقد وثق سبحانه الأمر بالتقوى بأن جعل التقوى من الله، وهو رب كل شيء ورب من عليه الحق، أي: عليه عند الإملاء أن يراقب الله جل جلاله الواحد القهار، الغالب على كل شيء، المسيطر على كل شيء، الذي يغلب ولا يغلب، فلا يتلاعب بالعبارات حتى لا يذهب بحق صاحب الحق، ثم ليعلم أن الذي عليه أن يتقيه هو ربه الذي ذرأه ورباه ونماه، ووهب له المواهب التي توجب الشكر، ولا تسوغ التلاعب بالحقوق»34.
قال أبو السعود: «وإنما شدد في تكليف المملي حيث جمع فيه بين الأمر بالاتقاء والنهي عن البخس؛ لما فيه من الدواعي إلى المنهي عنه؛ فإن الإنسان مجبول على دفع الضرر عن نفسه وتخفيف ما في ذمته بما أمكن»35.
ثانيًا: ما ورد في قصة نبي الله شعيب عليه السلام.
بعث الله تعالى نبيه شعيبًا عليه السلام إلى مدين -وهي اسم قبيلة تنسب إلى مدين ابن خليل الله إبراهيم عليه السلام - وأصحاب الأيكة، كلاهما سكن شمال الحجاز، وكانوا عربًا مستعربة، عبدوا غير الله، وكانوا في رغد من العيش، ومع ذلك نقصوا الكيل والميزان، وبخسوا الناس أشياءهم، وسعوا في الأرض فسادًا، فأمرهم نبي الله شعيب عليه السلام بعبادة الله وحده، وترك ما هم عليه من صور الظلم والفساد، ولنقف مع الآيات التي ورد فيها النهي عن البخس إجمالًا:
قال تعالى: ( ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ) [الأعراف: ٨٥].
وقال جل شأنه: ( ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ )[هود: ٨٦،٨٦].
وقال سبحانه: ( ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ )[الشعراء: ١٨١-١٨٣].
فالآيات السابقة اشتملت على النهي عن البخس بأبلغ الأساليب وأدقها، وإن اختلفت طريقة العرض فيما بينها على حسب اختلاف موضوع السورة وسياقها، ولنقصر الحديث هنا على ما يتعلق بالبخس، وأوجز القول عنه فيما يلي:
أولًا: أن النهي عن البخس جاء صريحًا تارة، حيث قال: (ﮍﮎ)، وضمنًا تارة أخرى، حيث أمرهم -في المواضع الثلاثة- بإيفاء الكيل والوزن والعدل فيهما، ونهاهم عن نقصانهما، وكل ذلك يتضمن النهي عن البخس.
فإن قيل: هل للنهي عن البخس بعد الأمر بإيفاء الكيل والميزان والعدل فيهما فائدة؟
فالجواب: نعم، له فائدة من وجهين:
الأول: أنه أفاد التأكيد، فإن القوم كانوا مصرين على بخس الناس أشياءهم، فكرر النهي عنه -تارة صريحًا وأخرى ضمنًا- والتكرار يفيد التأكيد وشدة العناية والاهتمام36.
قال أبو السعود: «وقد صرح بالنهي عن البخس بعد ما علم ذلك في ضمن النهي عن نقص المعيار، والأمر بإيفائه اهتمامًا بشأنه وترغيبًا في إيفاء الحقوق بعد الترهيب والزجر عن نقصها»37.
الثاني: أن النهي عن بخس الناس أشياءهم أعم من الأمر بإيفاء الكيل والميزان والعدل فيهما، قال الفخر الرازي: «لما نهى قومه من البخس في الكيل والميزان، منعهم بعد ذلك من البخس والتنقيص بجميع الوجوه، ويدخل فيه المنع من الغصب والسرقة وأخذ الرشوة وقطع الطريق وانتزاع الأموال بطريق الحيل»38.
كذلك النهي عن الفساد في الأرض أعم من النهي عن البخس؛ بل إن البخس يؤدي إلى المنازعة والخصومة وسفك الدماء، فالجمع بينهما إنما هو جمعٌ بين النهي عن السبب ومسببه معًا.
قال الطاهر ابن عاشور: «وسلك في نهيهم عن الفساد مسلك التدرج، فابتدأه بنهيهم عن نوع من الفساد فاش فيهم وهو التطفيف، ثم ارتقى فنهاهم عن جنس ذلك النوع وهو أكل أموال الناس، ثم ارتقى فنهاهم عن الجنس الأعلى للفساد الشامل لجميع أنواع المفاسد وهو الإفساد في الأرض كله. وهذا من أساليب الحكمة في تهيئة النفوس بقبول الإرشاد والكمال»39.
ثانيًا: أن النهي عن البخس جاء معللًا:
ففي سورة الأعراف جاء التعليل بقوله: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ)، فاسم الإشارة (ﮕ) يعود على جملة ما أمرهم به ونهاهم عنه، أي: إنما طلبت منكم ما طلبته؛ لأن ذلكم خير لكم، والمراد بالخيرية ما يشمل خيري الدنيا والآخرة بشرط الإيمان، فإن ذلك يوجب هناء العيش واستقرار الأمن وصفاء الود بين الأمة، وزوال الإحن المفضية إلى الخصومات والمقاتلات، فإذا تم ذلك كثرت الأمة وعزت، وهابها أعداؤها، وحسنت أحدوثتها، وكثر مالها بسبب رغبة الناس في التجارة والزراعة لأمن صاحب المال من ابتزاز ماله.
وفيه خير الآخرة؛ لأن ذلك إن فعلوه امتثالًا لأمر الله تعالى بواسطة رسوله أكسبهم رضى الله، فنجوا من العذاب، وسكنوا دار الثواب، فالتنكير في قوله: (ﮖ) للتعظيم والكمال؛ لأنه جامع خيري الدنيا والآخرة40.
ومن ذهب من المفسرين إلى أن المراد بالخيرية ما يعود عليهم من نفع دنيوي41، فقوله مرجوح؛ لأن فيه حملًا للألفاظ على غير محملها الشرعي، حيث حمل الإيمان في قوله (ﮘ ﮙ ﮚ ) على مجرد التصديق، وقد تقرر أنه إذا تردد حمل اللفظ بين معناه الشرعي ومعناه اللغوي، فإن حمله على المعنى الشرعي هو الأولى، قال الطاهر ابن عاشور: «والمؤمنون لقب للمتصفين بالإيمان بالله وحده، كما هو مصطلح الشرائع، وحمل المؤمنين على المصدقين لقوله ونصحه وأمانته حملٌ على ما يأباه السياق»42.
كما أن التعظيم المستفاد من تنكير (ﮖ) ينصرف إلى ما يتعلق بأمور الآخرة، وإن كانوا -مع كفرهم- لا يعدمون الخير بترك البخس والتطفيف.
وفي سورة هود جاء النهي عن البخس معللًا بعلتين:
الأولى: قوله: (ﭽ ﭾ ﭿ )، والمعنى: إني أراكم في سعة من العيش، تستغنون به عن البخس، وهو تعليل لا مفهوم له؛ لأنه تقرير للأمر الواقع، والبخس محرم سواء كانوا في عوز وفاقة أو في غنى؛ إذ لم يقيد النهي عنه بشيء.
الثانية: قوله: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ)، والمراد بالعذاب هنا هو عذاب يوم القيامة، أو عذاب الاستئصال الذي حل بهم، ومعنى (ﮄ ﮅ ): لا يشذ عنه أحد منهم، أو يوم مهلك، نحو قوله تعالى: (ﯔﯕ ) [الكهف: ٤٢].
ووصف الإحاطة لليوم لا للعذاب.
قال الزمخشري: «فإن قلت: وصف العذاب بالإحاطة أبلغ، أم وصف اليوم بها؟
قلت: بل وصف اليوم بها؛ لأن اليوم زمان يشتمل على الحوادث، فإذا أحاط بعذابه فقد اجتمع للمعذب ما اشتمل عليه منه»43.
وتعليل البخس بهذا الوعيد دليل على أنه من الكبائر44؛ وذلك بناءً على ما ذهب إليه بعض العلماء من أن الكبيرة هي: ما لحق صاحبها عليها بخصوصها وعيدٌ شديدٌ بنص كتاب أو سنة45.
فإذا كان البخس من الكبائر، فإن المبادرة إلى التوبة عنه آكد وألزم؛ ولذلك أمر شعيب عليه السلام قومه التوبة، فقال لهم-كما حكى الله عنه-: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ) [هود: ٩٠].
والمعنى: استغفروا ربكم من عبادة الأوثان، ثم توبوا إليه عن البخس والنقصان46.
كما أن الإصرار عليه سبب للهلاك، فقد أهلك الله مدين بأنهم بخسوا الناس أشياءهم، وإليهم أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله لأصحاب المكيال والميزان: (إنكم قد وليتم أمرين هلكت فيه أممٌ سالفةٌ قبلكم)47.
وروي هذا الحديث موقوفًا عن ابن عباس رضي الله عنهما، ووقفه أصح من رفعه.
والتعليلان السابقان واردان عقب النهي عن نقصان الكيل والميزان، وهو أخص من البخس، فتعليل النهي عنه تعليل للنهي عن البخس أيضًا.
كما أن قوله تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮘ ﮙ ﮚ)، فيه حثٌ للانتهاء عن البخس، والمعنى: ما يبقى -بعد التنزه عما هو حرام- لكم من رزق حلال ومن ذكر حسن ومن أمن وبركة خير لكم من تلك الزيادة الحاصلة بطريق البخس والتطفيف، وقوله: (ﮘ ﮙ ﮚ) بيان أن هذه الخيرية لا تتم إلا مع الإيمان بالله.
أما سورة الشعراء فقد خلت عن تعليل النهي عن البخس؛ وذلك لأن الجو العام للسورة يمتاز بالنصح والإرشاد، والدعوة والاتعاظ والاعتبار، ألا ترى أنه تكرر فيها خمس مراتٍ قول الله تعالى -على لسان كل نبي خلا كليمه موسى وخليله إبراهيم-: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ) [الشعراء: ١٠٦- ١٠٧].
وتكرر ثماني مراتٍ قوله جل وعلا: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [الشعراء: ٦٧-٦٨].
فلا يتلاءم مع هذا الجو تعليل النهي عن البخس.
وذلك بخلاف سورة هود، فإن الجو العام لها يمتاز بالتهديد والتقريع، فناسب ذلك الكشف عن حكمة ما اشتملت عليه من تشريعات وتعليلها إقامةً للحجة عليهم قبل نزول العذاب بهم.
أما سورة الأعراف فالجو العام لها هو الدعوة إلى عمارة الأرض التي قوامها اتباع ما أنزل الله، فناسب ذلك بيان الحكمة في النهي عن البخس بما يتلاءم وهذا الجو العام لها، حيث قال: (ﮕ ﮖ ﮗ ).
ثالثًا: أنه اقترن ذكر البخس بالفساد في الأرض متقدمًا عليه في المواضع الثلاثة، وفي ذلك إشارة إلى أن البخس سبب للفساد في الأرض، فإن بخس الناس حقوقهم مفضٍ إلى وقوع المنازاعات والخصومات بينهم وسفك الدماء.
فإن قلت: فما الأداة الدالة على السببية في الآيات؟
فالجواب: أن تكرار الاقتران بينهما، وتقدم البخس على الفساد في الذكر مشعرٌ بكونه سببًا فيه.
ومما يؤكد تلك السببية: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما بخس قومٌ المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين، وشدة المئونة، وجور السلطان عليهم)48.
فأداة السببية هنا هي ترتب الحكم -وهو الأخذ بالسنين، وشدة المئونة، وجور السلطان- على الوصف، وهو البخس. وقول ابن مسعود رضي الله عنه: «إذا بخس الميزان حبس القطر»49، فأداة السببية هي أداة الشرط: «إذا»50.
ثالثًا: الأمر بضده:
تقرر فيما سبق أن القرآن الكريم قد سلك في ذم البخس كل مسلك، ومن تلك المسالك: الأمر بما هو ضده، حيث أمر الله تعالى بإقامة العدل بين الناس بوجه عام، وإيفاء الكيل والميزان بوجه خاص. وكلا الأمرين نهيٌ عن البخس، إذ الأمر بالشيء نهي عن ضده، سواء كان الضد واحدًا كما إذا أمره بالإيمان فإنه يكون نهيًا عن الكفر، وإذا أمره بالحركة فإنه يكون نهيًا عن السكون، أو كان الضد متعددًا، كما إذا أمره بالقيام فإنه يكون نهيًا عن القعود والاضطجاع والسجود وغير ذلك، وهو ما ذهب إليه الجمهور من أهل الأصول، من الحنفية والشافعية والمحدثين، عزاه إليهم الشوكاني51.
١. الأمر بإيفاء الكيل والوزن.
فقد أمر الله تعالى بإيفاء الكيل والميزان، فقال: ( ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ) [الأنعام: ١٥٢].
فقوله: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) أمرٌ بالعدل في الأخذ والعطاء، بأن يوفي ذو الحق حقه من غير نقصان، وأن يأخذ صاحب الحق حقه من غير طلب زيادة، فالأمر بالإيفاء من الجانبين52، وهو يتضمن النهي عن النقص فيهما، بأي وجه من الوجوه، وهو ما توعد الله عليه بالويل في قوله: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ) [المطففين: ١- ٣].
وقوله: ( ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) بيان أن من أخطأ في أداء ما عليه من حق بعد استفراغ جهده فلا حرج عليه، فما لا يمكن الاحتراز عنه ولا يدخل تحت قدرة البشر فمعفو عنه53، فإن الله لم يكلف عباده ما لا طاقة لهم به.
ونحو الآية السابقة قوله جل شأنه: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ) [الإسراء: ٣٥]. والقسطاس (بكسر القاف وضمها54) هو آلة ميزان يعرف بالقبان، وقوله: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ)؛ أي: إيفاء الكيل والميزان خير عند الله وأحسن عاقبة في الدنيا والآخرة، ولا يخفى ما في الأمر بإيفاء الكيل والميزان من النهي عن البخس.
٢. الأمر بالعدل.
فقد أمر الله بإقامة العدل في أكثر من آية، منها قوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ) [الحديد: ٢٥].
والمراد بالميزان: العدل، وهو الحق الذي تشهد به العقول الصحيحة المستقيمة المخالفة للآراء السقيمة 55، ومعنى (ﭙ ﭚ ﭛ)، أي: لتعاملوا بينهم بالنصفة والعدل، وهو نهي عن الجور والظلم، وقد عرفت أن البخس ظلمٌ، فتضمنت الآية النهي عنه.
وقد صرح الحق بالجمع بين الأمر بالعدل والنهي عن البخس في قوله: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ) [الرحمن: ٩].
تأكيدًا للأمر بالعدل وللنهي عن البخس، قال السيوطي: «فيه وجوب العدل في الوزن، وتحريم البخس فيه»56.
والخلاصة أن الله أمر بما يتنافى مع البخس ليتضمن النهي عن البخس؛ تأكيد للنهي عنه.
لم يرد في مصنفات أهل العلم قديمًا أو حديثًا تقسيم له، وذلك -فيما يبدو لي- لأن حكمه واحد، وهو التحريم. وقبل أن أتطرق إلى ذكر أنواع البخس أنبه على أمرين:
الأول: النهي عن البخس جاء بصورة مجملة، ليشمل كل ما يستجد من صور البخس على تعاقب الأزمان، سواء ما عرف منها وقت التنزيل مما ورد في القرآن الكريم كالتطفيف والغلول، أو في السنة النبوية كالنجش والاحتكار، أو ما عرف بعد كالحقوق المدنية.
الثاني: أكثر الآيات التي ورد فيها النهي عن البخس تدور حول المعاملات المالية، إلا أن التعبير عنها جاء بصيغة العموم، كما أسلفنا من قبل.
وإذا كان البخس عامًا في جميع حقوق الناس، فمن الأجدر تصنيفه تقريبًا للأذهان، وتوضيحًا للأفهام، وذلك ينتظم فيما يلي:
أولًا: البخس في الحقوق:
المراد بالحقوق هي: ما ثبت للإنسان شرعًا من مما لا تتحقق إنسانيته إلا بها57، فإن كانت هذا ما ثبت له ماديًا نحو المال فهي حقوق مادية، وإن كان معنويًا كالحرية والأمن فهي حقوق معنوية.
١. الحقوق المادية.
إن انتقاص شيء من تلك الحقوق بأي صورة من الصور حرام؛ لأن فيها إهدارًا لحقوق الإنسان وإضرارًا به، ويمكن تعداد تلك الصور فيما يلي:
أحد أساليب بخس الناس أموالهم وأكثرها شيوعيًا قديمًا وحديثًا، لا سيما في البيع والشراء، حيث يكون بالازدياد إن اقتضى من الناس، أو بالنقصان إن قضاهم، وقد توعد الله تعالى المطففين بالويل، فقال جل شأنه: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ) [المطففين: ١-٣].
لم يكن البخس قاصرًا على الاحتيال لأخذ أموال الناس فرادى، وإنما يشمل الاحتيال لأخذ شيء من أموال الأمة، وذلك مثل التعدي على أموال الغنائم قبل تقسيمها، وهو ما يسمى بالغلول، وهو- كما عرفه ابن عرفة-: أخذ ما لم يبح الانتفاع به من الغنيمة قبل حوزها58. ويلحق به ما يأخذه الولاة والعمال من أموال الدولة بغير حق، كهدية تعطى إليه، أو مال يتقاضاه بدون حق.
فذلك كله خيانة وخديعة لأكل أموال الناس بالباطل، وقد قال الله تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ) [آل عمران: ١٦١].
فقوله: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ) تبرئة لساحة النبي صلى الله عليه وسلم من خيانة الأمة بأي صورة من صور الخيانة في أداء الأمانة وقسم الغنيمة وغير ذلك59، ويدخل فيها دخولًا أوليًا ما تقوله البعض يوم بدر من أنه صلى الله عليه وسلم أخذ قطيفة حمراء، فنزلت الآية60.
وقوله: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) وعيد شديد وتهديد أكيد لمن يغل من أموال المسلمين شيئًا، والمعنى: من يغلل شيئًا يأت به حاملًا له على ظهره ورقبته، معذبًا بحمله وثقله، ومرعوبًا بصوته، وموبخًا بإظهار خيانته على رءوس الأشهاد61.
وبين النبي صلى الله عليه وسلم صورًا من الغلول محذرًا من الوقوع في شيء منه، فقال صلى الله عليه وسلم: (من استعملناه على عملٍ فرزقناه رزقًا، فما أخذ بعد ذلك فهو غلولٌ)62.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر الغلول فعظمه، وعظم أمره، قال: (لا ألفين أحدكم يوم القيامة على رقبته شاةٌ لها ثغاءٌ، على رقبته فرسٌ له حمحمةٌ، يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئًا، قد أبلغتك، وعلى رقبته بعيرٌ له رغاءٌ، يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئًا قد أبلغتك، وعلى رقبته صامتٌ، فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول لا أملك لك شيئًا قد أبلغتك، أو على رقبته رقاعٌ تخفق، فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئًا، قد أبلغتك)63.
وعن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا من بني أسد، يقال له ابن الأتبية على صدقة، فلما قدم، قال: هذا لكم وهذا أهدي لي، فقام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: (ما بال العامل نبعثه فيأتي يقول: هذا لك وهذا لي، فهلا جلس في بيت أبيه وأمه، فينظر أيهدى له أم لا، والذي نفسي بيده، لا يأتي بشيءٍ إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته، إن كان بعيرًا له رغاءٌ، أو بقرةً لها خوارٌ، أو شاةً تيعر - ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه- ألا هل بلغت) ثلاثًا 64.
وعن أبي مالك الأشجعي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعظم الغلول عند الله عز وجل ذراعٌ من الأرض، تجدون الرجلين جارين في الأرض أو في الدار، فيقتطع أحدهما من حظ صاحبه ذراعًا، فإذا اقتطعه طوقه من سبع أرضين إلى يوم القيامة)65.
وهو: إظهار الشيء على خلاف حقيقته66.
وهو حرام؛ إذ إنه ضرب من الاحتيال والمكر؛ لأكل أموال الناس بالباطل، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من غشنا فليس منا)67.
ومر صلى الله عليه وسلم على صبرة طعام68، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللًا فقال: (ما هذا يا صاحب الطعام؟) قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: (أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غش فليس مني)69.
وهو داخل في عموم قوله تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ) [البقرة: ١٨٨].
وقوله جل شأنه: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [النساء: ٢٩].
وللغش ميادين عديدة، وله في كل ميدان صور كثيرة، فيدخل في باب البيع والشراء، وذلك بأن يخلط البائع الجيد بالرديء، ويظهره كله في صورة الجيد، وبأن يكذب في بيعه بأن يقول: اشتريته بكذا، أي: بأكثر مما اشتراه به، أو يخبر بأن سلعته جلبت من بلد كذا وهو مشهور بجود الصنعة، ولم تجلب منه، ومنه التصرية، وهو: جمع اللبن في ضرع الحيوان، من الغنم أو البقر أو الإبل عند إرادة بيعها حتى يعظم ضرعها، فيظن المشتري أن كثرة لبنها عادة لها مستمرة، فيعلو حينئذٍ ثمنها، ولا يخفى ما فيها أيضًا من إيذاء الحيوان.
ويدخل أيضا في باب التعليم والطب والصناعة وغيرها70، ولكل ميدان شياطينه الذين يحتالون فيه لأكل أموال الناس بالباطل.
وهو: حبس ما يحتاج إليه الناس من السلع حتى تقل من الأسواق، فيرتفع سعرها.
فهو عام في كل ما يحتاجه الناس من قوت وغيره، وهو ما ذهب إليه المالكية، ومن الفقهاء من خصه بالقوت والثياب، ومن من خصه بالقوت فقط71. والأول هو الأرجح، وإن كانت حاجة الناس إلى بعض السلع أكثر من بعض كالقوت.
وهو حرام باتفاق العلماء، وعده ابن حجر الهيتمي من الكبائر، فقال: «عد هذا كبيرة، هو ظاهر ما في هذه الأحاديث -الصحيح بعضها- من الوعيد الشديد؛ كاللعنة وبراءة الله ورسوله منه»72.
ومن ذهب من الشافعية إلى أنه مكروه فقوله ضعيف، قال محمد بخيت المطيعي: «ومن أصحابنا من قال: يكره ولا يحرم، وليس بشيء»73.
ووجه تحريمه: أن فيه إضرارًا بالناس، إذ لا تكافؤ بين السلعة وثمنها، وحصولًا على مال الغير من غير طيب نفس منه، وضربًا من الخدعة والاحتيال لأكل أموالهم بالباطل74.
وقد وردت أحاديث كثيرة -يقوي بعضها بعضًا- في التحذير من الاحتكار، والعمل على زيادة الأسعار وغلاء المعيشة، منها: قوله صلى الله عليه وسلم: (من احتكر طعامًا أربعين ليلةً، فقد برئ من الله تعالى، وبرئ الله تعالى منه، وأيما أهل عرصةٍ أصبح فيهم امرؤٌ جائعٌ، فقد برئت منهم ذمة الله تعالى)75.
ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: (من احتكر حكرةً يريد أن يغلي بها على المسلمين، فهو خاطئٌ)76.
ومنها: ما ورد عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاحتكار ما هو؟ قال: ( إذا سمع برخصٍ ساءه، وإذا سمع بغلاءٍ فرح به، بئس العبد المحتكر، إذا رخص الله الأسعار حزن، وإذا أغلا فرح)77.
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: (من دخل في شيءٍ من أسعار المسلمين ليغليه عليهم، فإن حقًا على الله أن يقعده بعظمٍ من النار يوم القيامة)78.
وهو مدح السلعة بما ليس فيها، والزيادة في ثمنها، وهو لا يريد شراءها، بل ليغر غيره79، فيشتريها الغير بأكثر مما تستحق، وهو ضرب من الاحتيال والخديعة لأكل أموال الناس بالباطل80. وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم 81، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (لا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تناجشوا، وكونوا عباد الله إخوانًا)82.
وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تلقوا الركبان، ولا يبع بعضكم على بيع بعضٍ، ولا تناجشوا، ولا يبع حاضرٌ لبادٍ، ولا تصروا الغنم، ومن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحتلبها، إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعًا من تمرٍ)83.
وهو أحد سبل بخس الناس أموالهم، وذلك بأن يجلب إلى السوق سلعة من البوادي وغيرها، فيلقى الجالب أحد فيشتريه منه، فغالب الحال أن يكون الجالب على جهل بسعر مثله في السوق، فيستغل المشتري جهله، فيشتريه بأقل من ثمنه، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه في الحديث السابق: (لا تلقوا الركبان).
قال النووي: «قال العلماء: وسبب التحريم إزالة الضرر عن الجالب وصيانته ممن يخدعه»84.
وقال أبو زرعة العراقي: «ومذهب الشافعي أن النهي إنما ورد رفقًا بصاحب السلعة لئلا يبخس في ثمن سلعته»85.
المراد بالمطل: تأخير ما استحق أداؤه بغير عذر، فيحرم على الغني القادر أن يمطل بالدين بعد استحقاقه86، قال تعالى: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ) [البقرة: ٢٨٢].
فقد نهى الله المدين أن يتحايل -إذ يملي على الكاتب- بشيءٍ يتخذه تكأةً في بخس الدائن حقه، وذلك فيشمل -من باب أولى- مماطلته حين يستوجب أداء ما عليه؛ فإن فيه ضررًا بصاحب الدين، وقال صلى الله عليه وسلم: ( مطل الغني ظلمٌ)87.
٢. الحقوق المعنوية.
انتقاص الإنسان أي حق من الحقوق المعنوية التي خولتها له الشريعة الإسلامية مما لا تتحقق آدميته إلا بها إنما هو بخس، من تلك الحقوق ما يلي:
إن الأمن -بمفهومه الواسع- هو أهم حق من حقوق الإنسان في الحياة، وهو بمثابة الركن الرئيس في البناء الحضاري، ومن ثم اهتم به الإسلام غاية الاهتمام إذ جعل سلامة الناس وتأمينهم من كمال الإسلام والإيمان.
دل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)88.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن). قيل: ومن يا رسول الله؟ قال: (الذي لا يأمن جاره بوائقه)89.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم)90.
فترويع الإنسان في نفسه أو في عرضه وولده أو في ماله بأي صورة من الصور الترويع والتخويف بخس وتعدٍ وظلم، سواء كان الإنسان مسلمًا أو غير مسلم، فالتعبير بالمسلم -في الأحاديث السابقة- خرج مخرج الغالب.
وكما أن ظاهرها نفي الإسلام عمن روع معصومًا، لكن العلماء حملوه على نفي الكمال لا نفي الماهية91.
الحرية هي أهم دعائم تكوين شخصية الإنسان في الإسلام، حيث جعلها مناط المسئولية، قال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ) [البلد: ١٠].
والمعنى: أنا بينا للإنسان طريق الخير ومآله، وطريق الشر وعاقبته، ليختار هو ما يجني ثماره أو ما يتحمل تبعاته.
فالحرية حقٌ مصونٌ للإنسان في كافة ميادينها، والتي منها حرية التفكير، وحرية الرأي والتعبير، وحرية التجمع، وحرية الحركة.
وقد ضبطها الإسلام ونظمها تنظيمًا يحقق للإنسان السعادة وللمجتمع الرقي، فلم تكن حريةً مطلقة، يطلق فيها العنان للإنسان ليفعل ما يشاء ويدع ما يشاء؛ إذ لم تعرف هذه الحرية إلا في الوسط الاستبدادي والمجتمع الهمجي.
فالحرية المنضبطة حقٌ للناس، فإكراههم على أمر انتقاصٌ لهم، وبخسٌ لحقوقهم، وقد نهى الله تعالى إكراه الناس على أجل الأمور وأنفعها، وهي الإيمان بالله، قال تعالى: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ) [البقرة: ٢٥٦].
وقال جل شأنه: ( ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ) [يونس: ٩٩].
المراد بالحقوق المدنية تلك الحقوق التي كفلها له القانون الوضعي، والتي تتيح له المشاركة في بناء مجتمعه ودولته، نحو حق الترشح لمنصب إداري، وحق الانتخاب، وحق تكافئ الفرص، فمنعه من تلك الحقوق بخس له.
ثانيًا: البخس في ثواب الأعمال:
تضافرت نصوص الكتاب والسنة على ربط الجزاء بالأعمال في الدنيا والآخرة، فمن عمل خيرًا،ٍ وفاه الله أجره، وقد تنزه الحق -جل شأنه- أن يبخس عاملًا أجره في الدنيا أو الآخرة، فمن عمل خيرًا وفاه أجره غير منقوص.
قال تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ) [النساء: ٤٠]، أي: إن الله لا يبخس عاملًا أجره وثوابه بأقل ما يمكن أن يتخيله عقل من بخس، ولو بمقدار مثقال ذرة؛ فإن ذلك ظلم، والله تعالى منزه عنه، والآية عامة في كل من عمل خيرًا، مؤمنًا كان أو كافرًا.
فأما الكافر فيوفى أجره في الدنيا، ولا نصيب له في الآخرة، وأما المؤمن فيوفى أجره في الدنيا والآخرة، قال ميمون بن مهران: «ليس أحد يعمل حسنة إلا وفي ثوابها، فإن كان مسلمًا مخلصًا وفي في الدنيا والآخرة، وإن كان كافرًا وفي الدنيا»92.
١. أجر الكافر.
الدليل على أن الكافر يوفى أجره في الدنيا قوله تعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ) [هود: ١٥- ١٦].
فمن عمل من الكفار خيرًا -مما لا تشترط فيه النية كالابتكارات العلمية النافعة، ونصرة المظلومين، وإعانة المحتاجين، وإكرام الضيفان، والرفق بالحيوان، وكل ما يسمى اليوم بالأعمال الإنسانية- فإن الله سبحانه وتعالى يعجل لهم في الدنيا ثمرات أعمالهم وافية غير منقوصة، وهو المراد بقوله: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ). يقول أبو السعود: «وإنما عبر عن ذلك بالبخس الذي هو نقص الحق مع أنه ليس لهم شائبة حق فيما أوتوه... بناء للأمر على ظاهر الحال، ومحافظة على صور الأعمال، ومبالغة في نفي النقص، كأن ذلك نقص لحقوقهم، فلا يدخل تحت الوقوع والصدور عن الكريم أصلا»93.
أما في الآخرة فلا نصيب لهم إلا النار؛ إذ لم تكن أعمالهم مصحوبةً بالإيمان.
ونحو هذه الآية قوله تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ) [الشورى: ٢٠].
ومن السنة: قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الكافر إذا عمل حسنةً أطعم بها طعمةً من الدنيا، وأما المؤمن فإن الله يدخر له حسناته في الآخرة ويعقبه رزقًا في الدنيا على طاعته)94.
قال القاضي عياض: «والأصل أن الكافر لا يجزى في الآخرة على خير عمله في الدنيا، ولا يكتب له حسنة؛ لأن شرط الثواب والجزاء عدم، وهو الإيمان، لكن أخبر في هذا الحديث أنه من عدل الله أنه قد جازاه بها في الدنيا بما أعطاه ورزقه وأطعمه»95.
وذهب بعض العلماء إلى أن ما يعمله الكافر من خير يخفف به عنه من عذاب غير الكفر، يقول الشيخ محمد أبو زهرة: «ونحن لا نرى في ذلك خروجًا عن حكم الإسلام، وهو معقول في ذاته يتفق مع عموم النصوص، وإن كنا نميل إلى الأول»96.
وأجر الكافر في الدنيا يتمثل فيما يغبطه من زيادة في رزقه، وصحة في بدنه، ودفع المكاره عنه، فلم يكن الكفر مانعًا من حصولهم على نتائج سعيهم، فإن الله تعالى أجرى سنته في خلقه بربط المسببات بأسبابها، والنتائج بمقدماتها شرعًا وقدرًا، فمن أخذ بأسباب الرزق وسع له في رزقه، ومن أخذ بأسباب الصحة عوفي في بدنه، ومن أخذ بأسباب القوة قوي واشتد.
يقول سيد قطب: «إن للجهد في هذه الأرض ثمرته، سواء تطلع صاحبه إلى أفق أعلى أو توجه به إلى منافعه القريبة وذاته المحدودة. فمن كان يريد الحياة الدنيا وزينتها فعمل لها وحدها، فإنه يلقى نتيجة عمله في هذه الدنيا ويتمتع بها كما يريد»97.
وذلك منوط بمشيئة الله تعالى وإرادته، لقوله جل شأنه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ) [الإسراء: ١٨].
فليس كل مؤملٍ ينال، ولا كل مطلوب يدرك.
ولا يخفى ما في هذا العطاء من استدراج لهم وإملاء؛ إذ يغترون بما هم فيه من نعمة فيزدادون عصيانًا وعتوًا، قال تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ) [الأعراف: ١٨٢، ١٨٣].
٢. أجر المؤمنين.
أما المؤمن فإن الله يجمع له بين خيري الدنيا والآخرة جزاء على ما قدم من عمل يبتغي به وجه الله، والدليل على ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله لا يظلم مؤمنًا حسنةً، يعطى بها في الدنيا، ويجزى بها في الآخرة)98.
يقول النووي: «أما المؤمن فيدخر له حسناته وثواب أعماله إلى الآخرة، ويجزى بها مع ذلك أيضًا في الدنيا، ولا مانع من جزائه بها في الدنيا والآخرة، وقد ورد الشرع به، فيجب اعتقاده»99.
فإن قلت: ما الفرق بين جزاء المؤمن وجزاء الكافر على ما قدم كلاهما من خير في الدنيا؟
فالجواب: أن كلا العطائين خاضع لسنة الله الجارية في خلقه من ربط المسببات بأسبابها، والنتائج بمقدماتها، إلا أن ما يناله الكافر من نصيب الدنيا هو نقمة في صورة النعمة؛ لأنه استدراج وإملاء -كما سبق بيانه-، وما يوفاه المؤمن من نصيب الدنيا هو نعمة حقيقية، إذ هي مطيته لطاعة الله.
أما في الآخرة فإنه الله يجزيه على عمله لا ينقص من أجره شيئًا، والدليل على ذلك: قوله تعالى: (ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ) [الجن: ١٣].
والمعنى: أن المؤمن يخاف أن ينقص من حسناته، وهو المراد بالبخس، أو يحمل عليه غير سيئاته، وهو المراد بالرهق100.
وقوله جل شأنه: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ) [طه: ١١٢].
للبخس أسباب لعلها تتمثل فيما يلي:
١. ضعف الوازع الديني.
المراد بالوازع الديني: ملكة في النفس تحمل على فعل المأمورات واجتناب المنهيات، فكلما كانت تلك الملكة قوية كانت دواعي الامتثال أوفر، ولعل ذلك هو السر في تصدير الأوامر والنواهي بنداء الإيمان: (ﯓ ﯔ ﯕ)، حيث تكرر هذا النداء في القرآن العظيم تسعًا وثمانين مرة، وفي كل مرة يعقبه أمر بفضيلة، أو نهي عن رذيلة، فإن فيه استنهاضًا للهمم، وشحذًا للعزائم، للامتثال لما أمروا به، أو نهوا عنه، وتذكير أخذه الله من عهد أن يؤمنوا به، فضلًا عما فيه من تشريف للمنادى؛ إذ هو نداء بأجل السمات وأشرف الصفات، وهي صفة الإيمان بالله تعالى.
كذلك اقتران الأوامر والنواهي بالتقوى أمرًا وتعليلًا، فمن الأول قوله تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ) [البقرة: ٢٧٨]. وقوله جل شأنه: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ) [البقرة: ٢٨٢].
ومن الثاني قوله سبحانه: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ) [البقرة: ١٨٣].
كذلك ما اشتمل عليه الإلهاب والتهييج-وهو: كل الكلام دال على الحث على الفعل لمن لا يتصور منه تركه، وعلى ترك الفعل لمن لا يتصور منه فعله101- من تقوية هذا الوازع، كما في قوله تعالى: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ) [النور: ٢].
فقوله: ( ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ) ذكر على سبيل الإلهاب والتهييج، إذ الإيمان متحقق من المخاطبين.
وكلما ضعفت تلك الملكة، كانت الدواعي إلى المعاصي بوجه عام والبخس بوجه خاص أوفر، ومن باب أولى إذا عدمت تلك الملكة، وحل محلها الشرك بالله.
وإذ تبين أن سبب الوقوع في بخس الناس حقوقهم هو ضعف الوازع الديني، أدركنا سر اقتران النهي عنه بالأمر بالتقوى في قوله تعالى: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ) [البقرة: ٢٨٢].
وأدركنا حكمة تعليل الأمر بإيفاء المكيل والميزان والنهي عن البخس والإفساد في الأرض بالإيمان بالله تعالى في قوله تعالى: ( ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ) [الأعراف: ٨٥].
واقتران النهي عن التطفيف بالإيمان بالبعث في قوله جل وعلا: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ) [المطففين: ١- ٦]
٢. الحرص على المال.
كذلك من أسباب البخس الحرص على المال، فإنه يحرك داعي الشهوات في قلب صاحبه بالتنعم في الحلال -ولا حرج فيه-، إلا أنه لا يلبث أن ينسيه ذكر الله، فيقع في براثن المعاصي، ويجمع المال من الحلال والحرام تلبيةً لدواعي شهواته، فيفسد دينه ودنياه، وذلك هو الشح المذموم في قوله تعالى: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ) [الحشر: ٩]. فالشح هو: الحرص الشديد الذي يحمل المرء على ارتكاب المحارم. فمن وقي نفسه أن يكون الشح خلقا لها فقد أفلح؛ إذ يسلم من أسباب الذم، ومن وقي من بعضه كان له من الفلاح بمقدار ما وقيه102.
يقول إسماعيل حقي: «واعلم أن بخس الناس أشياءهم في المكيل والموزون من خساسة النفس ودناءة الهمة وغلبة الحرص ومتابعة الهوى والظلم، وهذه الصفات الذميمة من شيم النفوس، وقد ورد الشرع بتبديل هذه الصفات وتزكية النفس، فان الله تعالى يحب معالي الأمور ويبغض سفاسفها»103.
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من مغبة الحرص على المال، فقال: (ما ذئبان جائعان أرسلا في غنمٍ بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه)104.
والمعنى: أن حرص المرء على المال والجاه أشد إفسادًا لدينه من ذئبين جائعين أرسلا في غنم غفل عنها راعيها. يقول المباركفورى: «أما المال فإفساده أنه نوع من القدرة يحرك داعية الشهوات ويجر إلى التنعم في المباحات، فيصير التنعم مألوفًا، وربما يشتد أنسه بالمال ويعجز عن كسب الحلال، فيقتحم في الشبهات مع أنها ملهية عن ذكر الله تعالى، وهذه لا ينفك عنها أحد. وأما الجاه فيكفي به إفسادًا أن المال يبذل للجاه ولا يبذل الجاه للمال، وهو الشرك الخفي، فيخوض في المراءاة والمداهنة والنفاق وسائر الأخلاق الذميمة، فهو أفسد وأفسد»105.
٣. الاستبداد.
الاستبداد هو: حكم أو نظام يستقل بالسلطة فيه فرد أو مجموعة من الأفراد دون خضوع لقانون أو قاعدة ودون النظر إلى رأس المحكومين.
وعرفه الكواكبي بأنه: تصرف فرد أو جمع في حقوق قوم بالمشيئة وبلا خوف تبعة106. فالمستبد لا يراعي لأحد حقًا من مال أو كرامة أو حرية؛ إذ لا رادع له من دين أو ضمير أو قانون، فديدنه بخس الناس حقوقهم. يقول الغزالي: «إن الحاكم المطلق يتشهى ما يشاء، فلا ينقطع شيء دون أمانيه الحرام، والحلال عنده ما حل في اليد، أما الدين وتعاليمه ففكاهة النهار وسمر الليل»107.
فإذا كان الاستبداد سبيلًا لبخس الناس أشياءهم، فإن الشورى في الحكم واتخاذ القرار هي السبيل لنيل كل ذي حق حقه إنصافًا وعدلًا وتمتعه به، وهو ما أسسه الإسلام بتعاليمه الخالدة، قال تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ) [آل عمران: ١٥٩].
وقال جل وعلا: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ) [الشورى: ٣٨]
وقد طبق النبي صلى الله عليه وسلم هذا المبدأ في أمره كله إلا فيما أنزل بشأنه وحي، وسار على دربه الخلفاء الراشدون من بعده، والصالحون من حكام الأمة.
أحكام الشريعة الإسلامية كلها قائمة على المصلحة، سواء أدركنا وجه المصلحة في تشريع الحكم، أو خفي عنا وجه المصلحة فيها، فجهلنا بها لا يعني خلو الحكم عنها، ومن ثم يقرر العلماء أنه: متى تحققت المصلحة فثم شرع الله. والمصالح التي تدور الأحكام الشرعية حول تحقيقها تتمثل في حفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال.
إن انتشار البخس في مجتمع من المجتمعات يؤدي إلى كوارث إنسانية واجتماعية واقتصادية، تتمثل فيما يلي:
إن بخس الناس أموالهم سبيلٌ لنشأة طبقة مترفة في المجتمع، تمتص عرق الناس، وتحصل ما في أيديهم، وتسرف في التنعم به، وأخرى كادحة بائسة، تلتقم العيش كدًا، ولا تكاد تجده في كثير من الأحايين مع بذل أقصى ما في وسعهم من طاقة، فتحرم ثمار جهدها، ويضيع عليها نتاج كدها.
ومن ثم كانت هذه الطبقة على مر العصور هي العدو الألد لكل دعوة إصلاحية، تهدف للمساواة بين الناس، ولا تفاضل بينهم إلا على أساسٍ من العقيدة الصحيحة والعمل الصالح، فيسعون جاهدين لإطفاء نورها، فها هي دعوة رسل الله وأنبيائه قد وقفوا أمامها موقف المكذبين، وتغنوا بأموالهم وأولادهم، قال تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ) [سبأ: ٣٤، ٣٥]
وقال جل شأنه: ( ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ) [المؤمنون: ٣٣، ٣٤].
كما أن هذه الطبقة هي منبع كل فتنة، ومصدر كل فساد في الأرض، وما استؤصلت أمة من الأمم إلا بسبب ترفها، قال تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ) [الإسراء: ١٦].
والمعنى: إذا أراد الله أن يهلك قرية من القرى أرسل إليها رسولًا من عنده، فيأمرهم وينهاهم بما أوحى الله إليه، فيعصيه مترفوها -وهم من أبطرتهم النعمة وسعة العيش- فيفسقون عن أمر ربهم، فيحل بها عذاب الله. فقوله: ( ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) يشير إلى أن الترف أودى بهؤلاء إلى الفسق؛ ذلك لأن المترف لا هم له إلا إشباع رغباته واتباع شهواته.
يقول العلامة محمد أبو زهرة: «والمترف يختص بثلاث خصال: ضعف في الإرادة، واندفاع وراء الأهواء والشهوات، وأثرة تجعله يعيش في محيط نفسه ولا يخرج عن دائرتها، ولذا كان المترفون دائمًا هم أعداء الأنبياء؛ لأنهم أوتوا أثرة مقيتة»108.
التدمير في الآية الكريمة هو الهلاك، وذلك يشمل عذاب الاستئصال الذي حل بالأمم السابقة، ويشمل ضعف الأمة ووهنها، حتى تكون طعمة سائغة في أفواه أعدائها، كما هو حال الأمة الإسلامية اليوم109.
كذلك من الآثار السلبية للبخس أنه يؤدي إلى تعطيل قوى العمل لدى الباخسين والمبخوسين على حد سواء، فأما الباخسون فلأنهم تعودوا حصول ما في أيدي غيرهم من غير بذل مجهود، وأما المبخوسون فإنه متى ضاع جهدهم هدرًا دون أن يعود عليهم بثمرة، فإنه يبطئون في العمل ويقل إنتاجه، سواء كان عالمًا في مختبره ومعمله، أو عامل في مزرعته، أو صانع في مصنعه، وذلك له أخطر الآثار على المجتمعات الإنسانية بوجه عام، وعلى الأمة الإسلامية بصفة خاصة، فهو يعد بمثابة القنبلة الموقوتة في وجه المجتمع.
يقول الشيخ الغزالي: «التعطل نوعان: تعطل المترفين، أصحاب القناطير المقنطرة من الذهب والفضة،.... وهناك تعطل آخر منتشر بين الطبقات الفقيرة، وينتظم الألوف المؤلفة من أبنائها، وتأوي إليه جرائم التسول والتشرد، والفساد والعدوان. وحاجة هؤلاء إلى العمل الشريف لا ريب فيها، وفائدة الدولة من استغلال هذه القوى المضيعة لا ريب فيها»110.
وقد عالج النبي صلى الله عليه وسلم ظاهرة البطالة بدعوة القادرين إلى العمل والإنتاج؛ ليحفظوا حياتهم وكرامتهم، وأن يوفى صاحب الحق حقه، فقال صلى الله عليه وسلم: (لأن يحتطب أحدكم حزمةً على ظهره، خيرٌ له من أن يسأل أحدًا، فيعطيه أو يمنعه)111.
وقال صلى الله عليه وسلم: (ما أكل أحدٌ طعامًا قط، خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده)112.
وقال صلى الله عليه وسلم: (أعطوا الأجير أجره، قبل أن يجف عرقه)113.
فلو بذل كل واحد من أبناء المجتمع طاقته، وأعطي كل ذي حق حقه -كما وجه النبي صلى الله عليه وسلم - لدارت عجلة الإنتاج سريعة، ولنشطت الحياة العلمية والاقتصادية، ونعم المجتمع كله برغد من العيش. يقول الطاهر ابن عاشور: «وما جاء في هذا التشريع (وهو النهي عن البخس) هو أصل من أصول رواج المعاملة بين الأمة؛ لأن المعاملات تعتمد الثقة المتبادلة بين الأمة، وإنما تحصل بشيوع الأمانة فيها، فإذا حصل ذلك نشط الناس للتعامل، فالمنتج يزداد إنتاجًا وعرضًا في الأسواق، والطالب من تاجر أو مستهلك يقبل على الأسواق آمنًا لا يخشى غبنًا ولا خديعة ولا خلابة، فتتوفر السلع في الأمة، وتستغني عن اجتلاب أقواتها وحاجياتها وتحسينياتها، فيقوم نماء المدينة والحضارة على أساس متين، ويعيش الناس في رخاء وتحابب وتآخ، وبضد ذلك يختل حال الأمة بمقدار تفشي ضد ذلك»114.
إن بخس الناس أموالهم يسبب اضطرابًا نفسيًا في النفوس، فهو بالنسبة للباخسين يولد حالة من الجشع في نفوسهم والطمع فيما في أيدي غيرهم، وبالنسبة للمبخوسين فإنه يتسبب في حالة من الأسى والأسف على ما ضاع من أموالهم وأهدر من جهدهم.
إن تلك الحالة لدى هؤلاء وهؤلاء تورث في نفوسهم جميعًا الشحناء والعداء، وما يلبثون أن يشيع بينهم التقاتل وسفك.
ومن أجل ذلك اقترن في القرآن الكريم أكل أموال الناس بالباطل بسفك الدماء، فقال جل شأنه: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ) [النساء: ٢٩].
فالقتل وتدمير الحياة العامة هو النتيجة الحتمية الذي يؤول إليه شيوع المعاملات الباطلة وأكل أموال الناس بغير وجه مشروع؛ ومن ثم اقترن به في الذكر.
قال العلامة محمد أبو زهرة: «قال بعضهم: إن المعنى: لا تقتلوا أنفسكم بأكل بعضكم أموال بعض وبارتكاب المعاصي، فإن ذلك مفرق لجماعتكم، مفسد لأمركم، مذهب لوحدتكم، وبذلك تقتل الأمم والجماعات، وقد ارتضى هذا ابن بشير فقال: (ﭹ ﭺ ﭻﭼ )، أي: بارتكاب محارم الله تعالى ومعاصيه، وأكل أموالكم بينكم، وإن هذا هو الذي نرتضيه»115
ونجد هذا الاقتران بينهما في شائعًا في السنة النبوية، منه قول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع: (إن دماءكم وأموالكم حرامٌ عليكم، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، في بلدكم هذا)116.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (من قتل دون ماله فهو شهيدٌ)117.
يقول الطاهر ابن عاشور: «فكما أن إهراق الدماء بدون حق يفضي إلى التقاتل والتفاني بين الأمة، فكذلك انتزاع الأموال بدون وجهها يفضي إلى التواثب والتثاور فتكون معرضة للابتزاز والزوال»118.
من الآثار التي تترتب على بخس الناس حقوقهم هلاك المجتمع، والمراد بالهلاك أحد أمرين:
الأول: عذاب الاستئصال، فقد هلك أهل مدين بالصيحة بسبب بخسهم الناس أشياءهم، وكان قد نهاهم نبي الله شعيب عليه السلام عنه -كما تبين سابقًا- قال تعالى مبينًا هلاكهم: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ) [هود: ٩٤].
وإلى هذا النوع من الهلاك أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله لأصحاب المكيال والميزان: (إنكم قد وليتم أمرين هلكت فيه أممٌ سالفةٌ قبلكم)119.
وهذا اللون من الهلاك خاص بالأمم السابقة120.
قال تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ) [الأنفال: ٣٣].
الثاني: ضعف الأمة ووهنها، بحيث تصبح لقمةً صائغة لأعدائها، تتكالب عليها من كل صوب وحدب.
وتلك هي النتيجة الطبيعية لما ينشب بينها من إحن وعداءات وتواثب وتقاتل، ولضعف إنتاجها وركود اقتصادها، فيحتاجون حينئذ إلى ما يسد ضرورات حياتهم، فيمدون أيدي الحاجة والعوز إلى أعدائهم، فلا يأخذونه إلا حشفًا، وفضلًا عما يفرضونه عليهم من سياسات تفت عضدهم، وتنخر بها عظامهم، ويقررون بها واقعهم ومستقبلهم، ولعل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما بخس قومٌ المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين، وشدة المئونة، وجور السلطان عليهم)121، إشارة إلى ذلك.
وروي عن سعيد بن المسيب أنه قال: «إذا جئت أرضًا يوفون المكيال، والميزان فأطل المقام بها، وإذا جئت أرضًا ينقصون المكيال والميزان، فأقلل المقام بها»122.
يقول ابن عبد البر معلقًا على هذا الأثر: «هذا يدل على أنه لا ينبغي المقام بأرض يظهر منها المنكر ظهورًا لا يطاق تغييره، وأن المقام بالموضع الذي يظهر فيه الحق والعدل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الأغلب محمود مرغوب فيه إذا وجد»123.
إن الآثار الاجتماعية للبخس تتضاعف في هذا الجو الذي تشيع فيه العداءات بين أفراد المجتمع ويضعف فيه الاقتصاد، فيلجأ حينئذ سلاطينهم إلى فرض أموال يتحملون أعباءها، وفتح غياهب السجون لمن يبدي أدنى اعتراضًا ضربهم بالسياط يتوجعون آلامها، وغير ذلك من صور الظلم، والتي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه السابق.
لا شك أن ذنوب العباد تتسبب في حدوث كوارث طبيعية، كحدوث الزلازل وانفجار البراكين ومنع الأمطار124.
يقول ابن تيمية: «ومن المعلوم بما أرانا الله من آياته في الآفاق وفي أنفسنا وبما شهد به في كتابه أن المعاصي سبب المصائب، فسيئات المصائب والجزاء من سيئات الأعمال، وأن الطاعة سبب النعمة، فإحسان العمل سبب لإحسان الله.
قال تعالى: (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ) [الشورى: ٣٠].
وقال تعالى: (ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑﰒ ) [النساء: ٧٩]» 125.
ومن تلك الكوارث التي تقع بسبب بخس الناس أشياءهم منع القطر، فقد روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما أنه قال: «إذا بخس الميزان حبس القطر»126.
موضوعات ذات صلة: |
البركة، الظلم، العدل |
1 انظر: مجمع الأمثال، الميداني ١/١٢٤-١٢٣.
2 البيت لرجل من كندة، يقال له: العذافر. النوادر في اللغة لأبي زيد الأنصاري ص١٧٠، ط: دار الشروق، الأولى، ١٤٠١ه، ١٩٨١م. وفي لسان العرب ٦/٢٥: يقال له: العذافة.
3 الصحاح، الجوهري ٣/٩٠٧، مقاييس اللغة، ابن فارس ١/٢٠٥، المغـرب في ترتيب المعرب، المطرزي ١/٥٩، لسان العرب، ابن منظور ٦/٢٥-٢٤، تاج العروس، الزبيدي ١٥/٤٣٧- ٤٤٠.
4 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٤٨، وانظر: الفروق اللغوية، العسكري ص١٧٩.
5 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٨/ ٢٤٢.
6 انظر: المعجم المفهرس، محمد فؤاد عبد الباقي، ص١١٥، المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، باب الباء ص٣١٢.
7 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص١٣٥، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي،٢/٢٢٨، عمدة الحفاظ، السمين الحلبي، ١/١٦٢، ١٦٣.
8 تاج العروس ١٨/١٨٧.
9 المفردات ص٦٥٢.
10 تاج العروس ١٨/١٨٧.
11 مقاييس اللغة ٣/٤٠٥.
12 المفردات ص٣٩٧.
13 الصحاح، الجوهري ٤/١٣٩٥.
14 تفسير المنار ٨/٤٦٨-٤٦٩.
15 زهرة التفاسير، محمد أبو زهرة ١٠/٥٤٠٣.
16 المصباح المنير، الفيومي ص١٦٨، تاج العروس ٣٥/٤٦٩.
17 المفردات ص ٤٦٣.
18 النظام الاقتصادي في الإسلام، النبهاني ص ١٩٣.
19 انظر: لسان العرب، ابن منظور، ٥/٣٦٢٦؛ الصحاح، الجوهري ٣/١١٥٢.
20 التوقيف على مهمات التعاريف، ١/٢٧١.
وانظر: الكليات، الكفوي ١/٧٣٣.
21 أخرجه الترمذي في سننه، كتاب صفة القيامة، باب في القيامة، رقم ٢٤١٧، ٤/٦١٢، عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه.
وقال: «هذا حديث حسن صحيح».
22 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، رقم٢٥٧٧ ، ٤/١٩٩٤ ، عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه.
23 المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/١٥٦.
24 أخرجه الطبري في تفسيره ١٥/٢٦٣- ٢٦٤.
25 أخرجه الطبري في تفسير ١٥/٢٦٥، وابن أبي حاتم في تفسيره ٦/٢٠١٠.
26 المحرر الوجيز ٣/١٥٦.
27 حاشية شيخ زاده، القوجوي ٤/٦٢٩، بتصرف.
28 التفسير الوسيط، محمد سيد طنطاوي ١٥/١٣٨.
29 الكشاف ٦/٢٢٨.
30 البحر المحيط في أصول الفقه، الزركشي ٢/٤٢٨.
31 صفوة الآثار والمفاهيم، الدوسري ٣/٥٥٥.
32 الإملال والإملاء واحد، إلا أن الأولى لغة الحجاز وبني أسد، والثانية لغة بني تميم وقيس، وقد ورد القرآن الكريم بهما، فالأولى كما في قوله تعالى: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ)، والثانية كما في قوله جل شأنه: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [الفرقان: ٥] .
انظر: المصباح المنير ٢/٥٨٠.
33 روح المعاني ٣/٥٦.
34 زهرة التفاسير، محمد أبو زهرة ٢/١٠٦٩.
35 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ١/٢٧٠.
36 مفاتيح الغيب ١٤/١٨١.
37 إرشاد العقل السليم ٣/٧٩.
38 مفاتيح الغيب ١٤/١٨١.
39 التحرير والتنوير ١٢/١٣٨.
40 التحرير والتنوير ٨/٢٤٥.
41 روح المعاني ٨/١٧٧
42 التحرير والتنوير ٨/٢٤٥.
43 الكشاف ٣/٢٢٣.
44 انظر: الزواجر عن اقتراف الكبائر، ابن حجر الهيتمي ١/٤٠٨.
45 الزواجر ١/٨.
46 مفاتيح الغيب ١٥/٤٩.
47 أخرجه الترمذي في سننه، كتاب البيوع، باب ما جاء في المكيال والميزان، رقم ١٢١٧ ، ٣/٥١٣، والحاكم في مستدرك، كتاب البيوع، رقم ٢٢٣٢، ٢/٣٢، عن ابن عباس.
قال الترمذي: «هذا حديث لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث حسين بن قيس، وحسين بن قيس يضعف في الحديث، وقد روي هذا بإسناد صحيح عن ابن عباس موقوفا».
وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه».
وخالفه الذهبي في التلخيص، حيث قال: «حسين بن قيس ضعفوه».
وأخرجه مرفوعًا وموقوفًا البيهقي في شعب الإيمان، باب الأمانات وما يجب من أدائها إلى أهلها، رقم ٤٩٠٤، ٧/٢٢١.
48 أخرجه ابن ماجه في سنن، كتاب الفتن، باب العقوبات، رقم ٤٠١٩، ٢/١٣٣٢، والبيهقي في شعب الإيمان، كتاب الزكاة، باب ، رقم ٣٠٤٣ ، ٥/٢٣ ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
قال الألباني: «صحيح لغيره».
انظر: صحيح الترغيب والترهيب ٢/٥٢١.
49 أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب الفتن والملاحم، رقم ٨٥٣٦ ، ٤/٥٤٩.
وقال: « هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه».
ولم يتعقبه الذهبي.
50 تراجع تلك الأدوات في: الأسباب والمسببات في القرآن الكريم ص٤٥- ١٧٤.
51 إرشاد الفحول، الشوكاني ١/٤٦٩.
52 مفاتيح الغيب، الرازي ١٣/٢٤٧.
53 المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/٣٦٣، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/١٣٦، وإرشاد العقل السليم، أبو السعود ٣/١٩٩.
54 قرئ بهما في السبعة المتواترة، حيث قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم في رواية أبى بكر بضم القاف، وقرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص بكسر القاف.
انظر: السبعة، ابن مجاهد ص٣٨٠.
55 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٢٧.
56 الإكليل في استنباط التنزيل، السيوطي ص٢٥٣.
57 الأسباب والمسببات في القرآن الكريم ص٥٣٦.
58 شرح حدود ابن عرفة، الرصاع ص٢٣٤.
59 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/١٥١.
60 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الحرف والقراءات، باب بدون تسمية، رقم ٣٩٧١، والترمذي في سننه، أبواب التفسير، باب ومن سورة آل عمران، رقم ٣٠٠٩، ٥/٢٣٠، عن ابن عباس رضي الله عنهما.
قال الترمذي: «هذا حديث حسن غريب».
61 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٤/٢٥٦، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/١٥١.
62 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في أرزاق العمال، رقم ٢٩٤٣، ٣/٢٣٨، والحاكم في المستدرك، كتاب الزكاة، رقم ١٤٧٢، ١/٥٦٣، عن بريدة الأسلمي رضي الله عنه.
وقال: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه»
63 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب الغلول، رقم ٣٠٧٣، ٣/٣٧٩، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب غلظ تحريم الغلول، رقم ١٨٣١، ٣/١٤٦١، واللفظ للبخاري.
64 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأحكام، باب هدايا العمال، رقم ٧١٧٤، ٤/٣٣٧.
65 أخرجه أحمد في المسند، رقم ١٧١٨٨، ١٣/٣١٧، والطبراني في المعجم الكبير ٣/٢٩٩، رقم ٣٤٦٣.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد ٤/١٧٥: «أخرجه أحمد، والطبراني في الكبير، وإسناده حسن».
66 أحكام المال الحرام، عباس الباز ص٦٠.
67 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب من غشنا فليس منا، رقم ١٠١، ١/٩، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
68 الصبرة: ما جمع من الطعام بلا كيل ووزن، يكون بعضه فوق بعض.
انظر: تاج العروس ١٢/٢٧٦.
69 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب من غشنا فليس منا، رقم ١٠٢، ١/٩٩، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
70 الأخلاق الإسلامية وأسسها، عبد الرحمن حسن حبنكة ٢/١١١.
71 الموسوعة الفقهية الكوتيتية ٢/٩٢.
72 الزواجر ١/ ٣٨٩.
73 تكملة المجموع شرح المهذب، محمد بخيت المطيعي ١٣/٤٤.
74 أحكام المال الحرام ص ٥٦.
75 أخرجه الإمام أحمد في المسند، رقم ٤٨٧٨، ٤/٤٣٧، والحاكم في المستدرك، رقم ٢١٦٥ ، ٢/١٤، عن معقل ابن يسار رضي الله عنه.
وصححه أحمد شاكر.
76 أخرجه الإمام أحمد في المسند، رقم ٨٦٠٢، ٨/٣٦٦، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد ٤/١٠٠: «أخرجه أحمد، وفيه أبو معشر، وهو ضعيف، وقد وثق».
77 أخرجه الطبراني في المعجم الكبير٢٠/٩٥، رقم ١٨٦، والبيهقي في شعب الإيمان ١٣/٥١٢- ٥١٣، باب في أن يحب الرجل لأخيه المسلم ما يحب لنفسه، رقم ١٠٧٠٢.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد ٤/١٠١: «أخرجه الطبراني في الكبير، وفيه سليمان بن سلمة الخبائري، وهو متروك ».
78 أخرجه الإمام أحمد في المسند ١٥/ ١٧٦، رقم ٢٠١٩١، عن معقل ابن يسار رضي الله عنه. والطبراني في المعجم الأوسط ٨/ ٢٨٥، رقم ٨٦٥١، وفي المعجم الكبير٢٠/٢٠٩، رقم ٤٧٩.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد ٤/١٠١: «أخرجه أحمد، والطبراني في الكبير، والأوسط... وفيه زيد بن مرة أبو المعلى، ولم أجد من ترجمه، وبقية رجاله رجال الصحيح»
79 انظر: فتح الباري، ابن حجر العسقلاني ١/١٩٣، وطرح التثريب، العراقي وولده ٦/٦١.
80 طرح التثريب ٦/٦٢.
81 أخرجه البخاري في صحيحه ٢/١٠٠، كتاب البيوع، باب النجش، رقم ٢١٤٢، ومسلم في صحيحه ٣/١١٥٦، كتاب البيوع، باب تحريم بيع الرجل على بيع أخيه، وسومه على سومه، وتحريم النجش، وتحريم التصرية، رقم ١٥١٦، عن ابن عمر رضي الله عنهما.
82 أخرجه البخاري في صحيحه ٤/١٠٣، كتاب الأدب، باب قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ)، رقم ٦٠٦٦، ومسلم في صحيحه ٤/١٩٨٥، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظن، والتجسس، والتنافس، والتناجش ونحوها، رقم ٢٥٦٣، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
83 أخرجه البخاري في صحيحه ٢/١٠٢، كتاب البيوع، باب النهي للبائع أن لا يحفل الإبل، والبقر والغنم وكل محفلة، رقم ٢١٥٠، ومسلم في صحيحه ٣/١١٥٥، كتاب البيوع، باب تحريم بيع الرجل على بيع أخيه، وسومه على سومه، وتحريم النجش، وتحريم التصرية، رقم ١٥١٥، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
84 المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، النووي ١٠/١٦٣.
85 طرح التثريب ٦/ ٦٧.
86 فتح الباري، ابن حجر العسقلاني ٤/ ٤٦٥.
87 أخرجه البخاري في صحيحه ٢/١٧٥، كتاب الاستقراض، باب مطل الغني ظلم، رقم ٢٤٠٠، ومسلم في صحيحه ٣/١١٩٧، كتاب المساقاة، باب تحريم مطل الغني، وصحة الحوالة، واستحباب قبولها إذا أحيل على ملي، رقم ١٥٦٤، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
88 أخرجه البخاري في صحيحه ١/٢٠، كتاب الإيمان، باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، رقم ١٠، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، ومسلم في صحيحه ١/٦٥، كتاب الإيمان، باب بيان تفاضل الإسلام، وأي أموره أفضل، رقم ٤١، عن جابر رضي الله عنه.
89 أخرجه البخاري في صحيحه ٤/٩٤، كتاب الأدب، باب إثم من لا يأمن جاره بوايقه، رقم ٦٠١٦.
90 أخرجه الترمذي في سننه ٥/١٧، كتاب الإيمان، باب ما جاء في أن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، رقم ٢٦٢٧، والنسائي في سننه ٥/١٠٨، كتاب الإيمان وشرائعه، صفة المؤمن، رقم ٤٩٩٥، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
قال الترمذي: « هذا حديث حسن صحيح» .
91 عمدة القاري، العيني ١/٢١٨- ٢١٩.
92 ذكره القرطبي في تفسيره ٩/١٤.
93 إرشاد العقل السليم ٤/١٩٣، بتصرف.
94 أخرجه مسلم في صحيحه ٤/٢١٦٢، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب جزاء المؤمن بحسناته في الدنيا والآخرة وتعجيل حسنات الكافر في الدنيا، رقم ٢٨٠٨، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
95 إكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض ٨/٣٤١.
96 زهرة التفاسير، محمد أبو زهرة ٤/١٦٨٥.
97 في ظلال القرآن ٤/١٨٦٢.
98 أخرجه مسلم في صحيحه ٤/٢١٦٢، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب جزاء المؤمن بحسناته في الدنيا والآخرة وتعجيل حسنات الكافر في الدنيا، رقم ٢٨٠٨، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
99 المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج ١٧/ ١٥٠.
100 المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج ١٧/ ١٥٠.
101 الطراز لأسرار البلاغة، يحيى بن حمزة ٣/٩٣.
102 معالم التنزيل، البغوي ٨/٧٨، التحرير والتنوير ٢٨/٩٥.
103 روح البيان، إسماعيل حقي ٣/٢٠٠.
104 أخرجه الترمذي في سننه ٤/٥٨٨، أبواب الزهد، باب بدون ترجمة، رقم ٢٣٧٦ عن كعب بن مالك الأنصاري رضي الله عنه، وقال: «هذا حديث حسن صحيح».
105 تحفة الأحوذي للمباركفوري ٧/٤٧.
وانظر: شرح الطيبي على مشكاة المصابيح ١٠/٣٢٨٧.
106 طبائع الاستبداد، عبد الرحمن الكواكبي ص٣٧.
107 الإسلام والاستبداد السياسي، محمد الغزالي ص٤٠.
108 زهرة التفاسير، محمد أبو زهرة ٨/٤٣٥٢.
109 المصدر السابق.
110 الإسلام والأوضاع الاقتصادية، محمد الغزالي ص٤٧- ٤٨، بتصرف.
111 أخرجه البخاري في صحيحه ٢/٨١، كتاب البيوع، باب كسب الرجل وعمله بيده، رقم ٢٠٧٤، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
112 أخرجه البخاري في صحيحه ٢/٨٠، كتاب البيوع، باب كسب الرجل وعمله بيده، رقم ٢٠٧٢، عن المقدام رضي الله عنه.
113 أخرجه ابن ماجه في السنن ٢/٨١٧، كتاب الرهون، باب أجر الأجراء، رقم ٢٤٤٣، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
قال محمد فؤاد عبد الباقي: «في الزوائد: أصله في صحيح البخاري وغيره من حديث أبي هريرة. لكن إسناد المصنف ضعيف، وهب بن سعيد وعبد الرحمن بن زيد ضعيفان».
وقال الألباني: «صحيح لغيره». صحيح الترغيب والترهيب ٢/١٨٤.
وأخرجه الطبراني في المعجم الصغير ١/٤٣ رقم ٣٤، عن جابر رضي الله عنه .
وأخرجه البيهقي في السنن الصغير ٢/٣٢٠، كتاب البيوع، باب الإجارة، رقم ٢١٥٨، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
114 التحرير والتنوير ٨/٢٤٤، بتصرف.
115 زهرة التفاسير، محمد أبو زهرة ٣/١٦٥٨.
116 أخرجه مسلم في صحيحه ٢/٨٨٦، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، رقم ١٢١٨، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
117 أخرجه البخاري في صحيحه ٣/١٣٦، كتاب المظالم والغصب، باب من قاتل دون ماله، رقم ٢٤٨٠، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، ومسلم في الصحيح ١/١٢٤، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من قصد أخذ مال غيره بغير حق، كان القاصد مهدر الدم في حقه، رقم ١٤١، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
118 التحرير والتنوير ١٢/١٣٩.
119 سبق تخريجه ص٢١.
120 الأسباب والمسببات في القرآن الكريم ص٥٩١.
121 سبق تخريجه.
122 أخرجه مالك في الموطأ ٢/٦٨٥، كتاب البيوع، باب جامع البيوع.
123 الاستذكار، ابن عبد البر ٦/٥٤١.
124 الأسباب والمسببات في القرآن الكريم ص٣٧٩ .
125 مجموع فتاوى ابن تيمية ٢٨/١٣٨.
126 سبق تخريجه.