عناصر الموضوع

مفهوم البخل

البخل في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

إيتاء المال فضل من الله

الشح والبخل طبيعة إنسانية

أنواع البخل

درجات البخل

الشح من صفات المنافقين

الوقاية والعلاج من الشح

عاقبة الشح والبخل

البخل

مفهوم البخل

أولًا: البخل لغة:

إن الناظر في معاجم اللغة العربية، والمتتبع لكتبها، والباحث فيها، يجد أن مادة (ب خ ل) تدل على: «ضد الكرم والجود»، وقد بخل بكذا: أي ضن بما عنده ولم يجد، ويقال: هو بخيل وباخل، وجمعه: بخلاء، والبخال: الشديد البخل، والبخل مشتق من قولهم: بخل بالشيء يبخل به، وهو خلاف الكرم، والبخيل: صاحب البخل، وجمعه: بخل وبخال، والبخلة: المرأة الواحدة من البخل1.

وحد البخل الزبيدي رحمه الله تعالى بقوله: «إمساك المقتنيات عما لا يحل حبسها عنه»2.

ثانيًا: البخل اصطلاحًا:

أما البخل في الاصطلاح فقد ورد له تعاريف متعددة عند أهل العلم:

فعرفه القرطبي رحمه الله تعالى بأنه: «الامتناع من أداء ما أوجب الله تعالى عليه»3.

وأما ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى فقال: «البخل: منع ما يطلب مما يقتنى، وشره ما كان طالبه مستحقًا، ولا سيما إن كان من غير مال المسئول»4.

وقيل: هو إمساك المال وعدم صرفه في الوجوه المعتبرة حرصًا على بقائه وزيادته وخوفًا من نفاده5.

وبهذا يتبين أن البخل في الاصطلاح هو: منع ما يطلب عما لا يحق حبسها عنه، سواء كانت من مال نفسه أو من مال غيره وهو أشد.

وعند المتأمل في المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي للبخل يتبين أن معناهما جميعًا يدور حول: المنع والإمساك.

البخل في الاستعمال القرآني

وردت مادة (بخل) في القرآن الكريم (١٢) مرة6.

والصيغ التي وردت هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

الفعل الماضي

٣

( ) [التوبة:٧٦]

الفعل المضارع

٧

( ﯿ ) [آل عمران:١٨٠]

المصدر

٢

( ) [النساء:٣٧]

وجاء البخل في الاستعمال القرآني بمعناه اللغوي، وهو: إمساك المقتنيات عما لا يحق حبسها عنه7.

الألفاظ ذات الصلة

الشح:

الشح لغة:

«البخل مع حرص»8. وقال ابن منظور رحمه الله تعالى: «الشح أشد البخل»9.

الشح اصطلاحًا:

«حرص النفس على ما ملكت وبخلها به، وما جاء في التنزيل من الشح، فهذا معناه، كقوله تعالى: (ﯿ ) [الحشر: ٩].

وقوله: ( ﭦﭧ) [النساء: ١٢٨]»10.

قال الراغب رحمه الله تعالى: «الشح: بخل مع حرص، وذلك فيما كان عادة»11.

العلاقة بين البخل والشح:

العلاقة بين الشح والبخل علاقة عموم وخصوص، فالبخل لفظ عام يدل على المنع، بينما الشح يدل على شدة المنع، أو البخل بمال الغير.

وذكر ابن القيم أن البخل: منع إنفاق ما هو موجود، والشح: الحرص على ما ليس موجودًا، وجشع النفس في تحصيله، قال رحمه الله: «فهو شحيح قبل حصوله، بخيل بعد حصوله»12.

الإقتار:

الإقتار لغةً:

التضييق. قال ابن فارس: «القاف والتاء والراء أصل يدل على تجميع وتضييق»13.

الاقتار اصطلاحًا:

«تقليل النفقة، وهو بإزاء الإسراف، وكلاهما مذمومان»14.

الصلة بين البخل والاقتار:

العلاقة بين البخل والإقتار: أن البخل هو: المنع، والاقتار هو: التضييق في النفقة والمعاش، فبينهما شبهٌ من جهة أن في كلٍ منهما منع، وإن اختلف مقدار المنع فيما بينهما، والله أعلم.

الضن:

الضن لغة:

«الإمساك والبخل»15.

قال ابن فارس رحمه الله تعالى: «الضاد والنون أصل صحيح، يدل على بخل بالشيء، يقال: ضننت بالشيء أضن به ضنًا وضنانة، ورجل ضنين»16.

الضن اصطلاحًا:

«البخل بالشيء النفيس... وفلان ضني بين أصحابي، أي: هو النفيس الذي أضن به»17.

الصلة بين البخل والضن:

العلاقة بين البخل والضن أن البخل عام في إمساك كل شيء، حقيرًا كان أو نفيسًا، بينما الضن يكون في إمساك الشيء النفيس.

الكرم:

الكرم لغة:

«ضد اللؤم»18.

الكرم اصطلاحًا:

«اسم للأخلاق والأفعال المحمودة التي تظهر من الإنسان، ولا يقال: هو كريم حتى يظهر ذلك منه»19.قال الجرجاني رحمه الله تعالى: «الكرم هو: الإعطاء بسهولة، والكريم: من يوصل النفع بلا عوض»20.

الصلة بين البخل والكرم.

البخل يعني: المنع من إعطاء شيء للغير، وأما الكرم فهو من الألفاظ المقابلة للبخل الذي يعني: الإعطاء بسهولة، ولذلك وصف الله سبحانه وتعالى به نفسه، فهو الكريم سبحانه.

الإيثار:

الإيثار لغة:

تقديم الشيء.

قال ابن فارس رحمه الله تعالى: «الهمزة والثاء والراء، له ثلاثة أصول: تقديم الشيء، وذكر الشيء، ورسم الشيء الباقي»21، والمعنى الأول هو الذي يعنينا هنا.

الإيثار اصطلاحًا:

تفضيل المرء غيره على نفسه.

قال القرطبي رحمه الله تعالى: «الإيثار: تقديم الغير على النفس وحظوظها الدنيوية؛ رغبة في الحظوظ الدينية، وذلك ينشأ عن قوة اليقين، وتوكيد المحبة، والصبر على المشقة»22.

وأضاف الجرجاني رحمه الله تعالى معنىً لطيفًا فقال: «الإيثار: أن يقدم غيره على نفسه في النفع له والدفع عنه، وهو النهاية في الأخوة»23.

الصلة بين البخل والإيثار:

الإيثار هو: تفضيل المرء غيره على نفسه، فهو ضد البخل الذي يعني: منع الشخص نفسه من إعطاء شيء لغيره، فالصلة بينهما هي الضدية.

إيتاء المال فضل من الله

اعلم أن المال ملك لله تعالى وحده، أعطاه الإنسان في هذه الحياة منة منه سبحانه وفضل، يقول الله سبحانه وتعالى: ( ) [النمل: ٧٣].

فما في أيدي الناس من مال وغيره إنما هو من فضل الله سبحانه وتعالى عليهم، يعطيه من يشاء من عباده ليبتليهم، ماذا سيصنعون به؟ قال سبحانه: (ﯿ ﰂﰃ ) [الأنبياء: ٣٥].

ولذلك فإنه سبحانه سيحاسب الإنسان عليه يوم القيامة، فقد جاء في الحديث الذي رواه الترمذي في سننه: عن أبي برزة الأسلمي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه)24.

قال الله تعالى: ( ﰎﰏ).

وتمام هذه الآية هو قوله تعالى: ( ﯽﯾ ﯿ ﰂﰃ ﰉﰊ ﰎﰏ ) [آل عمران: ١٨٠].

ولقد أبدع الشيخ السعدي رحمه الله تعالى عند تفسيره لهذه الآية فقال: «قوله تعالى: ( ﰎﰏ) [آل عمران: ١٨٠].

أي: هو تعالى مالك الملك، وترد جميع الأملاك إلى مالكها، وينقلب العباد من الدنيا ما معهم درهم ولا دينار، ولا غير ذلك من المال، قال تعالى: ( ) [مريم: ٤٠].

وتأمل كيف ذكر السبب الابتدائي والسبب الغائي، الموجب كل واحد منهما أن لا يبخل العبد بما أعطاه الله.

فأخبر أن الذي عنده وفي يده فضل من الله ونعمة، ليس ملكًا للعبد، فمنعه لذلك منع لفضل الله وإحسانه؛ ولأن إحسانه موجب للإحسان إلى عبيده كما قال تعالى: ( ﯹﯺ) [القصص ٧٧].

ثم ذكر أن هذا الذي بيد العباد كله يرجع إلى الله، ويرثه تعالى، وهو خير الوارثين، فلا معنى للبخل بشيء هو زائل عنك منتقل إلى غيرك.

ثم ذكر السبب الجزائي، فقال: ( ) [آل عمران: ١٨٠].

فإذا كان خبيرًا بأعمالكم جميعها -ويستلزم ذلك الجزاء الحسن على الخيرات، والعقوبات على الشر- لم يتخلف من في قلبه مثقال ذرة من إيمان عن الإنفاق الذي يجزى به الثواب، ولا يرضى بالإمساك الذي به العقاب»25.

وعند قوله تعالى: ( ﰎﰏ) قد يتساءل متسائل فيقول: كيف يرث الله السماوات والأرض وهي ملكه في الحقيقة؟

فيجيب على هذا التساؤل القرطبي رحمه الله تعالى بقوله: «أخبر تعالى ببقائه ودوام ملكه، وأنه في الأبد كهو في الأزل غني عن العالمين، فيرث الأرض بعد فناء خلقه وزوال أملاكهم، فتبقى الأملاك والأموال لا مدعى فيها، فجرى هذا مجرى الوراثة في عادة الخلق، وليس هذا بميراث في الحقيقة؛ لأن الوارث في الحقيقة هو الذي يرث شيئًا لم يكن ملكه من قبل، والله سبحانه وتعالى مالك السموات والأرض وما بينهما، وكانت السموات وما فيها، والأرض وما فيها له، وإن الأموال كانت عارية عند أربابها، فإذا ماتوا ردت العارية إلى صاحبها الذي كانت له في الأصل، ونظير هذه الآية قوله تعالى: ( ) [مريم: ٤٠].

والمعنى في الآيتين: أن الله تعالى أمر عباده بأن ينفقوا ولا يبخلوا قبل أن يموتوا ويتركوا ذلك ميراثًا لله تعالى، ولا ينفعهم إلا ما أنفقوا»26.

ومن رحمة الله بعباده: طلب إنفاق بعض المال: ( ).

وحتى يتم معنى هذا الجزء من الآية نذكر سباقها ولحاقها، قال الله تعالى: ( ) [محمد: ٣٦ - ٣٧].

«قوله: ( )، يفيد بعمومه وسياقه معنى لا يسألكم جميع أموالكم، أي: إنما يسألكم ما لا يجحف بكم، فإضافة أموال وهو جمع إلى ضمير المخاطبين تفيد العموم، فالمنفي سؤال إنفاق جميع الأموال»27.

وفي هذا السياق يقول تعالى: ( ) [التوبة: ١٠٣].

قال البغوي: «قال الله تعالى: ( )، ولم يقل: خذ أموالهم»28، فهذا من رحمة الله سبحانه بعباده أنه طلب إنفاق بعض المال ولم يطلب إنفاق المال كله.

قوله: ()، «الإحفاء أخذ الجميع، أو الإلحاح وإكثار السؤال، مأخوذ من الحفاء وهو: المشي بغير حذاء»29.

قال الرازي رحمه الله تعالى: «الفاء في قوله: () للإشارة إلى أن الإحفاء يتبع السؤال بيانًا لشح الأنفس، وذلك لأن العطف بالواو قد يكون للمثلين، وبالفاء لا يكون إلا للمتعاقبين أو متعلقين أحدهما بالآخر، فكأنه تعالى بين أن الإحفاء يقع عقيب السؤال؛ لأن الإنسان بمجرد السؤال لا يعطي شيئًا»30.

وقد فسر ابن عاشور قوله تعالى: ( ) بقوله: «تحدث فيكم أضغان فيكون سؤاله أموالكم سببًا في ظهورها فكأنه أظهرها، وهذه الآية أصل في سد ذريعة الفساد»31.

قال قتادة: «قد علم الله في مسألة الأموال خروج الأضغان»32، قال ابن كثير معلقًا على قول قتادة: «وصدق قتادة فإن المال محبوب، ولا يصرف إلا فيما هو أحب إلى الشخص منه»33.

أولًا: منافع الإنفاق في وجوه الخير:

واعلم أن من رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده أنه طلب منهم الإنفاق مما آتاهم من الأموال؛ ليمنحهم فوائد وجوائز عظيمة أعدها لهم، منها:

  1. مضاعفة ما أنفقوا أضعافًا كثيرة.

    قال الله سبحانه وتعالى: ( ﯭﯮ ) [البقرة: ٢٤٥].

    «فسمى الله تعالى عمل المؤمنين له على رجاء ما أعد لهم من الثواب قرضًا؛ لأنهم يعملونه لطلب ثوابه»34.

  2. الله تعالى جعل النفقة تطهر صاحبها من الذنوب والخطايا وتزكيه.

    قال الله سبحانه تعالى: ( ﮢﮣ ﮧﮨ ) [التوبة: ١٠٣].

  3. مساعدة الفقراء والمساكين، ومواساة المحتاجين.

    ورتب الله سبحانه على ذلك الأجر العظيم، ووعدهم جنة عرضها السماوات والأرض.

    قال تعالى: ( ﭧﭨ ) [آل عمران: ١٣٣ - ١٣٤].

    واعلم أن الإنفاق لا ينقص المال، ولكنه يزيده؛ لأن الله وعد عباده بالخلف منه سبحانه، قال تعالى: ( ﯺﯻ ﯿ ﰁﰂ ) [سبأ: ٣٩].

    وهذا من رحمة الله بعباده، فإنه سبحانه لما علم أن النفس البشرية تخشى الفقر وتخاف الإنفاق، ضمن لها سبحانه وتعالى أن يخلف لها غير ما أنفقت، وخيرًا منه.

    ولقد وكل الله ملكين من ملائكته كل صباح بالدعاء، فأحدهما يدعو للمنفق بالخلف، والآخر يدعو على الممسك بالتلف، فقد روى البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا)35.

    ثانيًا: الله عز وجل غني عن عباده:

    واعلم أن الله سبحانه وتعالى هو الغني فلا يفتقر إلى شيء، والمستغني عن الخلق بقدرته وعز سلطانه، فلا يحتاج إلى إنفاق عباده ولا إلى شيء من خلقه، والخلق فقراء إلى إحسانه، قال الله تعالى: ( ﮪﮫ ) [فاطر: ١٥].

    وهو سبحانه الذي أغنى الخلق جميعًا، فقال سبحانه: ( ) [النجم: ٤٨].

    قال الشنقيطي رحمه الله تعالى: «وما دلت عليه هذه الآية الكريمة: ( ﮪﮫ ) [فاطر: ١٥].

    مع كونه معلومًا من الدين بالضرورة، جاء في مواضع كثيرة من كتاب الله، كقوله تعالى: ( ﯴﯵ ) الآية [محمد: ٣٨].

    وقوله تعالى: ( ﮥﮦ ﮨﮩ ) [محمد: ٦].

    وقوله تعالى: ( ﭿ ) [إبراهيم: ٨].

    إلى غير ذلك من الآيات، وبذلك تعلم عظم افتراء: ( ﭛﭜ) [آل عمران: ١٨١].

    وقد هددهم الله على ذلك، بقوله: ( ) [آل عمران: ١٨١]»36.

    فمن هذا يتبين أن الله تعالى غني بذاته، لا يحتاج إلى أحد من خلقه، سواء كان هذا المخلوق: ملك من ملائكته العظام، أو إنس أو جن، أو أي مخلوق كان، وأن جميع خلقه مفتقرون إليه في كل حال من أحوالهم، وفي كل وقت من الأوقات.

    وللسعدي رحمه الله تعالى كلام لطيف عند قوله تعالى: ( ﮪﮫ ) [فاطر: ١٥].

    بين فيه وجوه فقر العباد إلى الله تعالى بالتفصيل فقال: «أنهم فقراء إلى الله من جميع الوجوه:

    فقراء في إيجادهم، فقراء في إعدادهم بالقوى والأعضاء والجوارح، فقراء في إمدادهم بالأقوات والأرزاق والنعم الظاهرة والباطنة، فقراء في صرف النقم عنهم، ودفع المكاره، وإزالة الكروب والشدائد، فقراء إليه في تربيتهم بأنواع التربية، وأجناس التدبير، فقراء إليه في تألههم له، وحبهم له، وتعبدهم، وإخلاص العبادة له تعالى، فقراء إليه في تعليمهم ما لا يعلمون، وعملهم بما يصلحهم، فلولا تعليمه؛ لم يتعلموا، ولولا توفيقه؛ لم يصلحوا.

    فهم فقراء بالذات إليه، بكل معنى، وبكل اعتبار، سواء شعروا ببعض أنواع الفقر أم لم يشعروا، ولكن الموفق منهم، الذي لا يزال يشاهد فقره في كل حال من أمور دينه ودنياه، ويتضرع له، ويسأله أن لا يكله إلى نفسه طرفة عين، وأن يعينه على جميع أموره، ويستصحب هذا المعنى في كل وقت.

    ( ) [فاطر: ١٥].

    أي: الذي له الغنى التام من جميع الوجوه.

    ومن غناه تعالى: أن أغنى الخلق في الدنيا مفتقر إليه في الدنيا والآخرة، الحميد في ذاته وأسمائه؛ لأنها حسنى، وأوصافه؛ لكونها عليا، وأفعاله؛ لأنها فضل وإحسان وعدل وحكمة ورحمة، وفي أوامره ونواهيه، فهو الحميد على ما فيه، وعلى ما منه، وهو الحميد في غناه، الغني في حمده»37.

    فالرب الذي هذا غناه وهذا ملكه غني عن إنفاق عباده كلهم، ولو أنفق عباده كلهم جميع ما يملكون، وأنفقوا الأرض وما فيها، ما زادوا في ملكه مثل قطرة في بحر، ولو بخل عباده كلهم وأمسكوا عن الإنفاق، ولم ينفقوا مثقال ذرة، ما نقصوا من ملكه مثل قطرة من بحره سبحانه وتعالى، جل في علاه الغني الحميد.

الشح والبخل طبيعة إنسانية

  1. سنحاول في هذا المبحث أن نتعرف من خلال القرآن الكريم على هذه الجبلة التي طبع الله الخلق عليها، فعندما تحدثت الآيات عن داء البخل لم تقل: وكان الكافر أو وكان المنافق قتورًا، ولكن بلغة التعميم نجد الآيات تتحدث عن الإنسان بصفة عامة، وكأنها صفة كائنة فيه، حتى وإن كان مؤمنًا، ولكن بدرجات متفاوتة مختلفة من شخص لآخر، قال الله تعالى: ( ﭦﭧ) [النساء: ١٢٨].

    فهذا «إخبار بأن الشح في كل أحد، وأن الإنسان لا بد أن يشح بحكم خلقته وجبلته، حتى يحمل صاحبه على بعض ما يكره»38، «فالمراد أن الشح جعل كالأمر المجاور للنفوس اللازم لها»39.

    ولقد كرر القرآن الكريم هذا المفهوم في مواضع أخرى كثيرة، منها قوله تعالى: ( ) [النساء: ٥٣].

    وقوله: ( ﭿ ) [المعارج: ١٩ - ٢١].

    وقوله: (ﮪﮫ ) [الفجر: ١٧ - ٢٠].

    وقوله: ( ﮣﮤ ) [الإسراء: ١٠٠].

    فيخبر تعالى في هذه الآية أنه بسبب البخل المطبوع في الإنسان «لو ملك أحد المخلوقين خزائن الله تعالى لما جاد بها كجود الله تعالى، لأمرين:

    أحدهما: أنه لا بد أن يمسك منها لنفقته وما يعود بمنفعته.

    الثاني: أنه يخاف الفقر ويخشى العدم، والله عز وجل يتعالى في جوده عن هاتين الحالتين»40.

    قال السعدي رحمه الله في قوله تعالى: ( ﮣﮤ) [الإسراء: ١٠٠].

    أي: «خشية أن ينفد ما تنفقون منه، مع أنه من المحال أن تنفد خزائن الله، ولكن الإنسان مطبوع على الشح والبخل»41.

    «وقد بلغت هذه الآية الكريمة من وصف الإنسان بالشح الغاية القصوى، حيث أفادت أنه لو استولى على خزائن رحمة ربه التي لا تحد ولا تنفد، وانفرد بملكها دون مزاحم له لأمسكها؛ لشدة حرصه وبخله على عباد الله»42.

    فإن قيل: فقد دخل في (الإنسان) الجواد الكريم؟

    فيجيب عن هذا الرازي فيقول: «الأصل في الإنسان البخل؛ لأنه خلق محتاجًا، والمحتاج لا بد أن يحب ما به يدفع الحاجة، وأن يمسكه لنفسه، إلا أنه قد يجود به لأسباب من خارج، فثبت أن الأصل في الإنسان البخل.

    ثم إن الإنسان إنما يبذل لطلب الثناء والحمد، وللخروج عن عهدة الواجب! فهو في الحقيقة ما أنفق إلا ليأخذ العوض، فهو في الحقيقة بخيل»43.

    إذًا ففي نفس كل إنسان قدر من الشح، ولكن مع هذا فكل إنسان مأمور أن يقاوم هذا الشح، يقول الله تعالى: (ﯿ ) [الحشر: ٩].

    وقال النبي صلى الله عليه وسلم -فيما رواه مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه-: (اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم)44.

    فقد أمر الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم المسلم بالابتعاد عن الشح، ولو لم يوجد في نفس الإنسان شح لما أمراه بأن يتوقاه، إذ كيف يأمراه بأن يتوقى شيئًا ليس موجودًا فيه أصلًا، فالله عز وجل له الحكمة البالغة والعلم الكامل، وهو الحكيم العليم سبحانه.

    وإذا أمر الله العبد بشيء لم يأمره إلا بما فيه مصلحة ومنفعة له سواء كانت هذه المنفعة دنيوية أو أخروية، وإذا نهاه عن الشيء لم ينهه إلا عن شيء فيه مضرة عليه في الدنيا وفي الآخرة.

    فالشريعة أتت لتهذيب نفس هذا الإنسان، والاهتمام بأخلاقه، فلا بد على كل إنسان أن يتعرف على طرق الوقاية من داء البخل والشح وطرق العلاج؛ لكي يعمل بما أمره الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا ما سنتكلم عليه في مبحث قادم، إن شاء الله تعالى.

أنواع البخل

  1. قال الله تعالى: ( ﯽﯾ ﯿ ) [آل عمران: ١٨٠].

    لا شك أن البخل لا خير فيه؛ بل هو شر كله، وهو من الصفات المذمومة التي نهى الله تعالى عنها، وحذر منها في القرآن الكريم وفي السنة النبوية المطهرة، فالبخل داء فتاك، كم فرق بين أحباب، ودمر بيوتًا ومجتمعات، وزرع الحسد والحقد بين قلوب البشر.

    ولا شك أن البخل مذموم كله، وظلمات بعضها فوق بعض؛ لكنه كما قيل: بعض الشر أهون من بعض! فلذلك سنتكلم عن أنواع البخل في القرآن الكريم، فلقد ذكر القرآن الكريم نوعين للبخل:

    النوع الأول: بخل المرء بما يملك: ( ).

    النوع الثاني: بخل المرء بما يملك غيره: ( ﯼﯽ).

    قال الرغب رحمه الله تعالى: «والبخل ضربان: بخل بقنيات نفسه، وبخل بقنيات غيره، وهو أكثرها ذمًا، دليلنا على ذلك قوله تعالى: ( ﯼﯽ) [الحديد: ٢٤]»45.

    ونحن إن شاء الله تعالى سنتكلم في هذا المبحث عن النوعين، كل نوع في مطلب، فسنتكلم في المطلب الأول عن النوع الأول من أنواع البخل، ثم في المطلب الثاني نتكلم إن شاء الله عن النوع الثاني.

    أولًا: بخل المرء بما يملك:

    هذا هو النوع الأول من أنواع البخل، وهو: بخل الإنسان بمقتنيات نفسه مما يملك مما آتاه الله سواء كان مالًا أو علمًا أو جاهًا أو غير ذلك.

    وهذا النوع قد أكثر القرآن الكريم من ذمه، من ذلك قوله تعالى: ( ﯥﯦ) [النساء: ٣٧].

    وقوله تعالى: ( ) [الليل: ٨ - ١١].

    ولقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم الاستعاذة من البخل، فقد جاء في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل والهرم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات)46.

    والبخل قد يحمل صاحبه على الامتناع عن أداء ما أوجب الله تعالى عليه في هذه الحياة، فترى البعض يبخل بنفسه وماله ووقته عن أداء ما أوجبه الله عليه في الدنيا، فيمتنع عن تأدية حقوق الله من الزكاة والصدقة وغيرها، أو عن تأدية حقوق النفس من الطعام والشراب والملبس، أو عن تأدية حقوق الخلق من حق الوالدين والزوجة والأولاد والأقارب، يمتنع عن كل ذلك بسبب البخل، وبهذا يكون قد دمر سعادته في حياته الدنيا وفي الآخرة.

    فصاحب البخل لا يشعر بالراحة ولا الطمأنينة، فهو دائمًا يسيء الظن بخالقه، ويعيش في هم وحزن على رزقه، ويحسب أنه بقوته وفطنته هو الذي جمع هذا المال كله بتعبه وجده واجتهاده وعلمه، كما قال الله تعالى عن قارون: ( ﭖﭗ) [القصص ٧٨].

    ويحسب أن الله لن يرزقه ولن يكرمه إذا أنفق من هذا المال الذي عنده، ويحسب أن هذا الذي بين يديه من خير ونعمة إذا ذهبت لن يأتي بعده خير منها، فلهذا يطمع ويبخل ويحرص على ماله كل الحرص مع عدم إنفاقه.

    ولقد حذر الله تعالى الناس من البخل الذي يزينه لهم الشيطان؛ فبين أنه شر عظيم، وداء عضال مهلك، فقال سبحانه: ( ﯽﯾ ﯿ ﰂﰃ ﰎﰏ ) [آل عمران: ١٨٠].

    ومن أساليب القرآن في ذم هذا النوع من البخل: أنه جعل عاقبة البخل راجعة على البخيل بعكس قصده، كما في قوله تعالى: ( ﯯﯰ) [محمد: ٣٨].

    وقد نقل الخطيب البغدادي في كتابه البخلاء عن أعرابي قوله: «عجبًا للبخيل المتعجل للفقر الذي منه هرب، والمؤخر للسعة التي إياها طلب، ولعله يموت بين هربه وطلبه، فيكون عيشه في الدنيا عيش الفقراء، وحسابه في الآخرة حساب الأغنياء، مع أنك لم تر بخيلًا إلا وغيره أسعد بماله منه؛ لأنه في الدنيا متهم بجمعه، وفي الآخرة آثم بمنعه، وغيره آمن في الدنيا من همه، وناج في الآخرة من إثمه»47.

    ثانيًا: بخل المرء بما يملك غيره:

    هذا هو النوع الثاني من أنواع البخل، وهو: بخل الإنسان بمقتنيات غيره مما لا يملك.

    وهذا النوع أشد ذمًا في كتاب الله تعالى، فهو من أشد أنواع البخل، وهو صفة غير لائقة بأهل الإسلام، بل هو سجية عرف بها اليهود قديمًا وحديثًا، وهو من صفات المشركين عامة، كما قال الله سبحانه وتعالى: ( ﯰﯱ) [البقرة: ١٠٥].

    «الخير: النعمة والفضل»48، فانظر كيف يبخلون بما لا يملكون من فضل الله تعالى ونعمه؟!

    قال الشوكاني رحمه الله تعالى: «البخل قد لزم اليهود لزوم الظل للشمس، فلا ترى يهوديًا، وإن كان ماله في غاية الكثرة، إلا وهو من أبخل خلق الله»49.

    وفي قول الله تعالى: ( ﯥﯦ ) [النساء: ٣٧].

    «ذكر تعالى في هذه الآية من الأحوال المذمومة ثلاثا:

    أولها: كون الإنسان بخيلًا وهو المراد بقوله: ( ).

    وثانيها: كونهم آمرين لغيرهم بالخبل، وهذا هو النهاية في حب البخل، وهو المراد بقوله: ( ).

    وثالثها: قوله: ( )، فيوهمون الفقر مع الغنى، والإعسار مع اليسار، والعجز مع الإمكان، ثم إن هذا الكتمان قد يقع على وجه يوجب الكفر، مثل أن يظهر الشكاية عن الله تعالى، ولا يرضى بالقضاء والقدر، وهذا ينتهي إلى حد الكفر، فلذلك قال: ( ) «50.

    إذًا فالبخل من الأخلاق السيئة، والسجايا الذميمة، والخلال الرديئة التي عابها الإسلام، وحذر منها تحذيرًا رهيبًا، فهو خلق لئيم باعث على المساوئ الجمة، والأخطار الجسيمة في دنيا الإنسان وأخراه، الموجبة لهوان صاحبها ومقته وازدرائه.

درجات البخل

  1. بما أن الناس يتفاوتون في أعمالهم فكذلك الحال في إنفاقهم، فمن الناس من هو مسارع ومنفق للمال في وجوه الخير لا يبالي به، ومنهم من هو ممسك بخيل به لا ينفق حتى الواجب منه.

    والممسكون عن الإنفاق البخلاء به يتفاوتون في بخلهم، فمنهم من يبخل عن أداء الواجبات، ومنهم من يبخل عن أداء المستحبات.

    قال الألباني رحمه الله تعالى: «البخل بخلان:

    • بخل يعذب عليه الإنسان، وهو إذا بخل بما فرض الله عليه.
    • والبخل الآخر يذم عليه، ولكن لا يعاقب عليه، وهو الذي لا ينفق يمينًا ولا يسارًا ولا أمامه ولا خلفه.

      فمن هنا نفرق بين ما هو واجب وبين ما هو مستحب، والناس في هذا متفاوتون»51.

      وبما أن الممسكون والبخلاء عن الإنفاق يتفاوتون في بخلهم على درجات، فنحن إن شاء الله تعالى سنتكلم في هذا المبحث عن ذلك بشيء من التفصيل فيما يلي:

      الدرجة الأولى: البخل عن أداء الواجبات.

      يقول الله تعالى: ( ﮙﮚ ) [التوبة: ٣٤ - ٣٥].

      فهذا الوعيد الشديد في حق من بخل عن أداء الواجبات، ومنع كل ذي حق من أخذ حقه.

      يقول السعدي رحمه الله تعالى عند تفسير هذه الآية: «وهذا هو الكنز المحرم، أن يمسكها عن النفقة الواجبة، كأن يمنع منها الزكاة أو النفقات الواجبة للزوجات، أو الأقارب، أو النفقة في سبيل الله إذا وجبت.

      وذكر الله في هاتين الآيتين، انحراف الإنسان في ماله، وذلك بأحد أمرين:

      إما أن ينفقه في الباطل الذي لا يجدي عليه نفعًا، بل لا يناله منه إلا الضرر المحض، وذلك كإخراج الأموال في المعاصي والشهوات التي لا تعين على طاعة الله، وإخراجها للصد عن سبيل الله.

      وإما أن يمسك ماله عن إخراجه في الواجبات، والنهي عن الشيء، أمر بضده»52.

      الدرجة الثانية: البخل عن أداء المستحبات.

      وأما الذي يبخل عن أداء المستحبات فيقول الله جل وعلا فيه: ( ﯨﯩ ﯯﯰ ﯿ) [محمد: ٣٨].

      «يعني: قد طلبت منكم اليسير فبخلتم فكيف لو طلبت منكم الكل... ثم بين أن ذلك البخل ضرر عائد إليه، فلا تظنوا أنهم لا ينفقونه على غيرهم؛ بل لا ينفقونه على أنفسهم، فإن من يبخل بأجرة الطبيب وثمن الدواء وهو مريض فلا يبخل إلا على نفسه، ثم حقق ذلك بقوله: ( )، غير محتاج إلى مالكم، وأتمه بقوله: ( )، حتى لا تقولوا: إنا أيضًا أغنياء عن القتال، ودفع حاجة الفقراء، فإنهم لا غنى لهم عن ذلك في الدنيا والآخرة»53.

      فقوله: ( ﯨﯩ ﯯﯰ) [محمد: ٣٨].

      «مسوق مساق التوبيخ أو مساق التنبيه على الخطأ في الشح»54.

      فالبخل إنما يعود على الإنسان بالوبال، سواء كان البخيل يبخل عن الواجبات أو يبخل عن المستحبات؛ «لأنه حرم نفسه ثواب الله تعالى، وفاته خير كثير، ولن يضر الله بترك الإنفاق شيئًا»55.

      فمن خلال هذا العرض نستطيع أن نقول: إن البخل درجات يتفاوت فيها الناس من شخص إلى آخر، فهناك أشخاص يبخلون عن أداء الواجبات التي فرضها الله عليهم، فيعذبون بسبب بخلهم، ووهناك أشخاص يبخلون عن أداء المستحبات، فيذمون على بخلهم، والله أعلم.

    ul>

    الشح من صفات المنافقين

    • لا شك أن البخل خلق ذميم، ووصف قبيح، لا بد على المسلم أن يتجنبه، وذلك لأنه من الصفات التي يبغضها الله تعالى، وهو من صفات المنافقين.

      يقول الله سبحانه وتعالى فيهم: ( ﯴﯵ ﭥﭦ ) [التوبة: ٧٥ - ٨٠].

      والمنافقون هم أشد الناس بخلًا على المؤمنين، وبخلهم على المؤمنين أشد من بخلهم على غيرهم من الناس.

      يقول الله تعالى مبينًا ذلك: ( ﭿ ﮄﮅ ﮍﮎ ﮛﮜ ﮥﮦ ﮬﮭ ) [الأحزاب: ١٨ - ١٩].

      فحول هذا الموضع سنتحدث بشيء من التفصيل فيما يلي:

      ١. أشحة على المؤمنين.

      يقول تعالى: ( ﮍﮎ) [الأحزاب: ١٩].

      قال القرطبي رحمه الله تعالى: «أي: بخلاء عليكم، أي: بالحفر في الخندق، والنفقة في سبيل الله، وقيل: بالقتال معكم، وقيل: بالنفقة على فقرائكم ومساكينكم، وقيل: أشحة بالغنائم إذا أصابوها»56، وذلك «للضغن الذي في أنفسهم»57.

      فالبخل من صفات المنافقين التي ظهرت جلية عليهم، وأثبتها الله تعالى في كتابه في غير ما موضع، وقد قال الله تعالى فيهم أيضًا أنهم قالوا: ( ﭿﮀ ) [المنافقون: ٧].

      فهم من أشد الناس بخلًا على المؤمنين، وبسبب بخلهم هذا لا يحبون أن ينال المؤمنون خيرًا ولا نصرًا، ولو كان هذا الخير سيأتي من غيرهم، وتراهم يحرضون الناس على بغض المؤمنين ومعاداتهم وعدم الإنفاق عليهم، وذلك من شدة عداوتهم وبخلهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين.

      قال السعدي رحمه الله تعالى عند تفسير هذه الآية: «وهذا من شدة عداوتهم للنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين، لما رأوا اجتماع أصحابه وائتلافهم ومسارعتهم في مرضاة الرسول صلى الله عليه وسلم، قالوا بزعمهم الفاسد: ( ﭿﮀ ) [المنافقون: ٧].

      فإنهم - بزعمهم - لولا أموال المنافقين ونفقاتهم عليهم؛ لما اجتمعوا في نصرة دين الله، وهذا من أعجب العجب، أن يدعي هؤلاء المنافقون الذين هم أحرص الناس على خذلان الدين، وأذية المسلمين، مثل هذه الدعوى، التي لا تروج إلا على من لا علم له بحقائق الأمور، ولهذا قال الله ردًا لقولهم: ( ) [المنافقون: ٧].

      فيؤتي الرزق من يشاء، ويمنعه من يشاء، وييسر الأسباب لمن يشاء، ويعسرها على من يشاء، ( ) [المنافقون: ٧].

      فلذلك قالوا تلك المقالة، التي مضمونها أن خزائن الرزق في أيديهم، وتحت مشيئتهم»58.

      فبعد هذا العرض يتبين لنا أن المنافين من أشد الناس بخلًا على المؤمنين، وأن سبب البخل عندهم هو: عدم الإيمان بالله وحده، وعدم اليقين على لقائه يوم القيامة، وكذلك الحسد الذي ملأ قلوبهم غيظًا على المؤمنين، وكرهًا لهذا الدين العظيم، والله أعلم.

      ٢. أشحة على الخير.

      ليس بخل المنافقين منحصرًا فقط على المؤمنين وعلى أنفسهم؛ بل بخلهم شمل كل خير، يقول الله تعالى مبينًا ذلك: ( ﮥﮦ) [الأحزاب: ١٨ - ١٩].

      «فهم مع ذلك أشحة على الخير، أي: ليس فيهم خير، قد جمعوا الجبن والكذب وقلة الخير»59.

      قال السعدي رحمه الله تعالى عند تفسير هذه الآية: «أشحة على الخير الذي يراد منهم، وهذا شر ما في الإنسان، أن يكون شحيحًا بما أمر به، شحيحًا بماله أن ينفقه في وجهه، شحيحًا في بدنه أن يجاهد أعداء الله، أو يدعو إلى سبيل الله، شحيحًا بجاهه، شحيحًا بعلمه، ونصيحته ورأيه»60.

      ففي هذه الآية دليل واضح على أن المنافقين من أشد الناس بخلًا، فهم «بخلاء على مشاريع الخير، وما ينفق في سبيل الله، فلا ينفقون؛ لأنهم لا يؤمنون بالخلف ولا بالثواب والأجر، وذلك لكفرهم بالله ولقائه؛ ولذا قال تعالى: ( ) [الأحزاب: ١٩].

      فسجل عليهم وصف الكفر، ورتب عليه نتائجه»61.

      فقد بين لنا ربنا جل وعلا حجم البخل والشح الذي وصل إليه المنافقون، وأن شحهم عم الخير كله، وسبب ذلك كله هو عدم الإيمان برب العالمين، والحسد على المؤمنين؛ ولذلك حذر الله المؤمنين من أن يتصفوا بأخلاق المنافقين، فقال سبحانه: ( ﮧﮨ ) [المنافقون: ٩].

      قال القرطبي رحمه الله تعالى: «حذر المؤمنين أخلاق المنافقين، أي: لا تشتغلوا بأموالكم كما فعل المنافقون إذ قالوا- للشح بأموالهم-: لا تنفقوا على من عند رسول الله»62.

      فلا بد على المسلم أن يحذر من هذه الصفات التي قد تؤدي بالإنسان إلى الهاوية، نسأل الله تعالى العفو والعافية، في الدنيا والآخرة.

    الوقاية والعلاج من الشح

    • قد تقرر من خلال المبحث الثالث أن البخل والشح طبيعة إنسانية! فهو موجود إذن في كل أحد، ولكن المشكلة التي وقع فيها البخلاء أنهم أطلقوا العنان لأنفسهم حتى تزايد البخل فيهم فتمكن منهم، فهذا هو السبب الداعي للذم الذي أصابهم، وهذا ما سنحاول التكلم فيه عن طرق الوقاية منه وعلاجه، لكيلا يصل المسلم إلى ما وصلوا إليه.

      إن البخل والشح من الأمراض القلبية التي لا بد على المسلم أن يتجنبها ويبتعد منها قدر الإمكان، ولذلك ذم الله في كتابه من هي فيه، وحذر منها النبي صلى الله عليه وسلم في سنته، ومدح الله ورسوله متجنبها، ونحن في هذا المبحث سنتكلم بإذن الله تعالى عن طرق الوقاية منها لمن لم يصب بها، وطرق العلاج لمن أصيب بها، ولذلك سنقسم هذا المبحث إلى قسمين:

      القسم الأول: ذكر طرق الوقاية من البخل والشح.

      القسم الثاني: ذكر طرق العلاج من البخل والشح.

      وسنبدأ بذكر طرق الوقاية التي يسلكها الشخص حرصًا منا على عدم تفشي هذا المرض العضال الذي ذمه الله ورسوله، فنقول وعلى الله نتكل:

      أولًا: ذكر طرق الوقاية من البخل والشح:

      لقد مدح الله تعالى من وقى نفسه من الشح فقال: ( ﯽﯾ ﯿ ) [الحشر: ٩].

      وقال جل في علاه: ( ﮯﮰ ) [التغابن: ١٦].

      وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم من تصدق وهو شحيح كما عند البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله، أي الصدقة أعظم؟ فقال: (أن تصدق وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، ألا وقد كان لفلان)63.

      وجعل النبي صلى الله عليه وسلم كثرة الشح دليل على فساد الزمان، وعلامة على قرب الساعة، فقد جاء عند البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يتقارب الزمان، ويقبض العلم، وتظهر الفتن، ويلقى الشح، ويكثر الهرج) قالوا: وما الهرج؟ قال: (القتل)64.

      وقبل ذكر طرق الوقاية من البخل والشح لا بد علينا من ذكر أسباب الوقوع في ذلك؛ لأنه إذا عرف الإنسان سبب المرض استطاع أن يتجنبه.

      ١. أسباب الوقوع في البخل والشح.

      للبخل والشح أسباب توقع فيه ودواعي تدعو إليه، وأهم هذه الأسباب:

    1. عدم اليقين على رب العالمين.

      إن عدم اليقين على رب العالمين سواء بما أعده للمنفقين، أو بما عند الله من ثواب الدنيا والآخرة، قد يكون هو الباعث على البخل، والسبب في ذلك: أن من لم يتيقن أن الله يبدل للعبد أكثر مما يعطي هذا العبد، بل هو المعطي للعبد ابتداء من غير حول منه ولا قوة، من لم يتيقن بذلك يبخل، لذلك يقول الله تعالى: ( ) [الليل: ٨ - ١١].

      فقد ربط في الآيات بين البخل والتكذيب.

    2. نسيان العواقب المترتبة على الشح.

      قد يكون نسيان العواقب والآثار المترتبة على الشح سواء كانت دنيوية أو أخروية، أو كانت على الفرد، أو على المجتمع الإسلامي هي السبب في الوقوع في الشح، فإن من نسي عاقبة الشيء الضارة، وأثره المهلك، أو جهلها، فإنه يقع في هذا الشيء وهو لا يدري بعواقبه، وسنتكلم على عواقب الشح والبخل بالتفصيل في المبحث القادم إن شاء الله تعالى.

    3. حب الدنيا وتوهم الفقر.

      حب الدنيا بزينتها وزخارفها من الأسباب المؤدية إلى الشح، حيث يتوهم من ابتلي بحب الدنيا أنه إذا أعطى فسيصبح فقيرًا تعيسًا، وستضيع صحته وعافيته، وتذهب مكانته وغناه ومنزلته بين الناس، وسيعيش شقيًا ذليلًا أمامهم، ويعرض نفسه لما لا تحمد عقباه من الأذى بكل صنوفه وأشكاله المادية والمعنوية.

      فلذلك يفكر أن من الخير له أن يمسك عن الإنفاق، وعن المعروف الذي سيقدمه للناس؛ كي تدوم له دنياه، ناسيًا أو متناسيًا أن الله يخلف على عبده، كما قال تعالى: ( ﯺﯻ ﯿ ﰁﰂ ) [سبأ: ٣٩].

      ولعل هذا من بين الأسباب التي من أجلها ذم الله عز وجل حب الدنيا، والمحبين لها، إذ يقول الله سبحانه: ( ) [القيامة: ٢١ ٢٠].

      ويقول سبحانه: ( ﭼﭽ ﭿ ﮏﮐ ) [إبراهيم: ٢ - ٣].

    4. الواقع الذي يعايشه البخيل.

      إن الواقع الذي يعيشه البخيل -سواء كان البيت أو المجتمع- إذا كان هذا الواقع معروفًا بالشح، ولم تكن لدى هذا الشخص المناعة الكافية، قد يتأثر بهذا الوقع المر، وتنتقل عدواه إليه، فيبخل بكل ما لديه من مال أو غيره، سواء كان في يده أو في يد غيره؛ ولهذا المعنى وغيره أكد الإسلام على ضرورة نظافة وطهارة واستقامة المجتمع المسلم، والحفاظ عليه من الآفات.

    5. إهمال الإنسان عن مجاهدة نفسه.

      بسبب إهمال الإنسان نفسه عن المجاهدة قد يقع في الشح دون أن يعلم، والسبب في ذلك: أن من طبيعة الإنسان أنه مجبول بفطرته على الشح كما بينا سابقًا، كما قال سبحانه: ( ﭦﭧ) [النساء: ١٢٨].

      وقال سبحانه: ( ) [العاديات: ٦ - ٨].

      فقد يستسلم الإنسان لفطرته دون أية مجاهدة، فيقع في الشح ويتمكن منه، ويصعب عليه بعد ذلك علاجه.

    6. الكبر والحقد.

      قد يكون الكبر والحقد من أسباب الوقوع في الشح، والسبب في ذلك: أن المتكبر يرى نفسه فوق الناس، وذلك بسبب اتباعه هواه، ووسوسة نفسه الأمارة بالسوء له، وطاعته لشياطين الجن والإنس، فيزينون له: ألا يعطي مما عنده شيئًا للآخرين؛ لأنهم هم المطالبون بخدمته وقضاء حوائجه، لا أن يكون هو في خدمتهم وحاجتهم، وحينئذ يقع في آفة الشح، والعياذ بالله.

      وكذلك الحقد من بين الأسباب التي توقع في الشح، لأن المرء إذا كان حاقدًا على غيره فإنه سيسعى جاهدًا ألا ينفعه بنافعة من نفس، أو مال، أو هما معا، وهذا أمر بديهي، فقد أشار إليه ربنا جل وعلا في كلامه حين تحدث عن موقف الأنصار من المهاجرين فقال: ( ﯽﯾ ﯿ ) [الحشر: ٩].

      فقد بين سبحانه وتعالى في هذه الآية أن الذي حمل هؤلاء الأنصار على التضحية التي وصلت إلى حد الإيثار، إنما هو الإيمان بالله، مع سلامة الصدر من الأحقاد، والذي أثمر المحبة والمودة والموالاة.

      ٢. طرق الوقاية من البخل والشح.

      وبعد أن تكلمنا عن أسباب البخل ننتقل إلى طرق الوقاية من البخل والشح، ويمكن تلخيصها في التخلص من الأسباب الجالبة للبخل، ونذكر منها الآتي:

    1. الإيمان الصادق واليقين الجازم على رب العالمين.

      إن اليقين على رب العالمين سواء بما أعده للمنفقين، أو بما عند الله من ثواب الدنيا والآخرة؛ مما يقي الإنسان من البخل، وكذلك اليقين بأن الرزق بيد الله.

      يقول الله تعالى: ( ) [الذاريات: ٢٢، ٢٣].

      ويقول سبحانه: ( ﭝﭞ ) [هود: ٦].

      وكذلك اليقين بأن الله سيخلف على المنفق ما أنفقه، وأن ما عند الله خير وأبقى.

      يقول تعالى: ( ﯿ ﰁﰂ ) [سبأ: ٣٩].

      ويقول سبحانه: ( ﭘﭙ ﭞﭟ ) [القصص ٦٠].

      فإن من تيقن ذلك لن يبخل في أن ينفق مما آتاه الله تعالى.

    2. تذكر العواقب المترتبة على الشح.

      عندما يتذكر المسلم العواقب المترتبة على البخل والشح والآثار السيئة، وما سيحصل للبخيل في الدنيا والآخرة، سيخشى من الوقوع في هذا الخلق الذميم فيسعى لتجنبه.

    3. عدم التعلق بالدنيا وزينتها.

      وذلك بأن يعلم أن الله كتب على الدنيا الفناء، وعلى الآخرة البقاء، وسيجزي كل إنسان بما يسعى، ولا يظلم ربك أحدًا.

      قال تعالى: ( ﭘﭙ ﭞﭟ ) [القصص ٦٠].

    4. مجاهدة النفس في دفع الشح عنها.

      إن المسلم لا بد عليه أن يسعى لدفع الشح عن نفسه، وعليه أن يتذكر فضل من وقى عن نفسه الشح.

      يقول الله تعالى: (ﯿ ) [الحشر: ٩].

      وعليه أن يسعى لإصلاح المجتمع من حوله، وذلك بإصلاح أهله ومن يعول؛ لكي ينجو المجتمع كله من هذا المرض الذي يميت القلوب قبل موت الأبدان.

    5. تذكر فضل الإنفاق في سبيل الله وأجره.

      يقول الله تعالى: ( ﮕﮖ ﮢﮣ ﮥﮦ ) [المزمل: ٢٠].

      فمن تذكر ذلك الفضل والأجر لن يبخل بشيء.

    6. الاهتمام بإصلاح القلوب من الكبر والحقد والحسد وغيرها.

      فمن اهتم بإصلاح قلبه من أمراض القلوب الخبيثة سهل عليه أن يتحرر بعد ذلك من الشح، بل سيصل إلى الإيثار في أسرع وقت ممكن، فإن الشح يعتبر ثمرة من ثمرات أمراض القلوب الخبيثة.

      يقول الله تعالى عن الأنصار: ( ﯽﯾ ﯿ ) [الحشر: ٩].

      ولم يحصل منهم ذلك إلا بعد أن طهروا صدورهم من الأمراض.

      وقد قال الله تعالى: ( ) [الشعراء: ٨٨ - ٨٩].

      ثانيًا: ذكر طرق العلاج من البخل والشح:

      بعد أن تكلمنا عن أسباب البخل، وأهم طرق الوقاية منه لمن لم يصب به، وجب علينا أن نذكر أهم طرق العلاج لمن ابتلاه الله به، وأراد التخلص منه؛ ليصبح من السهل عليه أخذ الدواء بعد أن علم الداء، ويسعى إلى الشفاء بإذن الله تعالى.

      لقد أبدى القرآن الكريم وأعاد في معالجة مشكلة البخل التي تنخر في جسد المجتمع المسلم، ونوع في أساليب تلك المعالجة ما بين ترغيب وترهيب، فإليك السبل ومن ذلك ما يلي:

    1. مدح المنفقين والمتصدقين.

      فقد مدح الله أبا بكر الصديق رضي الله عنه بكرمه، وإنفاقه في سبيله، وفكه للعاني، وبذله ماله لله تعالى بقوله سبحانه وتعالى: ( ) [الليل: ١٧ - ٢١].

      وقد قال سبحانه في مدح من وقى نفسه من الشح: ( ) [التغابن: ١٦].

      وقال جل وعلا: ( ﯽﯾ ﯿ ) [الحشر: ٩].

    2. ترتيب الثواب العظيم للمنفقين والمتصدقين.

      يقول سبحانه: ( ﭿ ﮍﮎ ﮒﮓ ﮥﮦ ) [البقرة: ٢٦١ - ٢٦٢].

      وقال تعالى: ( ) [البقرة: ٢٧٤].

    3. حث المؤمنين على الإنفاق.

      يقول تعالى: ( ﮝﮞ ) [البقرة: ٢٥٤].

      وقال سبحانه: ( ﮟﮠ ﮫﮬ ﯘﯙ ﯞﯟ ) [البقرة: ٢٦٧ - ٢٦٨].

      وقال عز وجل: ( ﯱﯲ ﯻﯼ ﯿ ﰅﰆ ﰊﰋ ) [الحديد: ١٠ - ١١].

      وقال جل وعلا: ( ﮯﮰ ) [التغابن: ١٦].

    4. الوعد بالخلف على المنفق.

      من أساليب القرآن أيضًا في علاج هذه الظاهرة هي: وعد المنفق بالخلف، وإقناعه بأن ما ينفقه من مال هو لنفسه، وأنه لا ينقص من ماله شيئًا، بل قد يزيده، ويبين القرآن للمنفق بأن ما عند الله خير مما أنفق، وأبقى، قال الله سبحانه: ( ﯺﯻ ﯿ ﰁﰂ ) [سبأ: ٣٩].

      ويقول تعالى: ( ﮈﮉ ﮏﮐ ) [البقرة: ٢٧٢].

      وقال تعالى: ( ﭘﭙ ﭞﭟ ) [القصص ٦٠].

      فمن استشعر أن ما عند الله من الأجر والثواب، والنعيم المقيم، وأنه خير مما ينفقه العبد آناء الليل وآناء النهار، فإنه سيسعى لعلاج نفسه من البخل.

    5. توجيه نظر الإنسان إلى أن المال ملك الله تعالى، وإنما الإنسان خليفة فيه.

      ومن أساليب القرآن كذلك أنه جعل الإنسان يوجه نظره إلى النعم التي أنعم الله بها عليه من مال وغيره على أنها ليست ملكًا له حتى يمنعها عن عباد الله، وإنما هي ملك لله، وهو أمين أو خازن فقط على هذه النعم، ومن واجب الأمين أو الخازن: أن يتصدق وفق مراد صاحب النعمة، وقد دعا صاحب النعمة إلى إنفاقها على عباده، وفي مرضاته.

      يقول الله تعالى: ( ﮘﮙ ) [الحديد: ٧].

    6. جعل الزكاة ركن من أركان الإسلام.

      يقول الله تعالى: ( ) [التوبة: ١٠٣].

      قال الرازي: «اقتضت حكمة الشرع تكليف مالك المال بإخراج طائفة منه من يده؛ ليصير ذلك الإخراج: كسرًا من شدة الميل إلى المال، ومنعًا من انصراف النفس بالكلية إليها. وتنبيها لها على أن سعادة الإنسان لا تحصل عند الاشتغال بطلب المال، وإنما تحصل بإنفاق المال في طلب مرضاة الله تعالى.

      فإيجاب الزكاة علاج صالح متعين لإزالة مرض حب الدنيا عن القلب، فالله سبحانه أوجب الزكاة لهذه الحكمة، وهو المراد من قوله: ( ) [التوبة: ١٠٣].

      أي: تطهرهم وتزكيهم عن الاستغراق في طلب الدنيا»65.

    7. إيراد القرآن لبعض قصص وأخبار أهل الكرم والجود من البشرية.

      من ذلك ما أورده الله تعالى من قصة نبيه إبراهيم عليه السلام وإكرامه لأضيافه، فقال سبحانه: ( ﯤﯥ ) [الذاريات: ٢٤ - ٢٧].

      فبمطالعة قصص وسير الكرماء، ولا سيما سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وسير الصحابة والتابعين، وقصص أبناء أمتنا المسلمة المعروفين بالكرم وهم كثر، فبمطالعة أخبار هذا الصنف من البشر سيكون له دور كبير في تحريك الأشحاء من داخلهم، علهم يتوبون أو يذكرون، قال تعالى: ( ﯱﯲ) [يوسف: ١١١].

    8. حث المسلم على التوسط في الإنفاق.

      أي: بلا إفراط ولا تفريط66، وبإعطاء كل ذي حق حقه، فقليل دائم خير من كثير منقطع، وفي هذا يقول الله تعالى: ( ) [الإسراء: ٢٩].

      قال ابن كثير رحمه الله تعالى: «يقول تعالى آمرا بالاقتصاد في العيش ذامًا للبخل ناهيا عن السرف: ( ) أي: لا تكن بخيلًا منوعًا، لا تعطي أحدًا شيئًا.

      وقوله: ( ) أي: ولا تسرف في الإنفاق فتعطي فوق طاقتك، وتخرج أكثر من دخلك، فتقعد ملومًا محسورًا.

      وهذا من باب اللف والنشر أي: فتقعد إن بخلت ملومًا، يلومك الناس ويذمونك ويستغنون عنك، ومتى بسطت يدك فوق طاقتك، قعدت بلا شيء تنفقه، فتكون كالحسير، وهو: الدابة التي قد عجزت عن السير، فوقفت ضعفًا وعجزًا، فإنها تسمى الحسير»67.

      ولذلك يقول الرحمن ممتدحًا عباده: ( ﯿ ) [الفرقان: ٦٧].

    9. ذم البخل وأهله.

      فعادة الناس دائمًا النفور من المذموم سواءً ذمه الله ورسوله أم ذمه الناس وعابوه، فكيف بشيء يذمه الله ورسوله وكل الناس ممن سلمت فطرتهم؟! والمتأمل للقرآن الكريم يجد أن الخطاب القرآني لعباده المؤمنين يصور لهم البخل والشح دائمًا في قالب الذم، ولم تأت آية أو إشارة في آية تمدح البخل أو تزينه، وهذا امرٌ واضح وبين في كتاب الله تعالى، ويكفي في ذمه قوله تعالى: ( ﯽﯾ ﯿ ﰂﰃ ﰉﰊ ﰎﰏ ) [آل عمران: ١٨٠].

      وقال تعالى: ( ) [ق: ٢٣ - ٢٥].

      ففي هذه الآية ذم الله المانع للخير بصيغة المبالغة.

      وقال سبحانه: ( ﯥﯦ) [النساء: ٣٦ - ٣٧].

      «فـ ( ): بدل من قوله: ( )، والمعنى: إن الله لا يحب من كان مختالًا فخورًا، ولا يحب الذين يبخلون»68.

      وقال عز وجل: ( ) [الليل: ٨ - ١١].

    10. الخوف مما يقع على البخيل من العقاب الأخروي.

      قال تعالى: ( ﯽﯾ ﯿ ﰂﰃ ﰉﰊ) [آل عمران: ١٨٠].

      وقال سبحانه: ( ﮙﮚ ) [التوبة: ٣٤ - ٣٥].

    11. عدم طاعة البخلاء، أو التشبه بهم.

      فلقد حذر الله رسوله من طاعة البخلاء بقوله: ( ) [القلم: ١٠ - ١٢].

      ويقول سبحانه: ( ﯺﯻ ﯾﯿ ) [آل عمران: ١٥٦].

      فقد نهى الله المؤمنين عن مشابهة الذين كفروا في البخل بأنفسهم عن الجهاد في سبيل الله.

      فعدم مصاحبة البخلاء والابتعاد عنهم، والذهاب إلى المجتمع المعروف بالسخاء، يحمل الشحيح على الاقتداء والتأسي، أو على الأقل التشبه.

    12. النظر في آيات وأحاديث فضل الإنفاق، والحض على الصدقة.

      النظر في فضل الإنفاق من كتاب الله عز وجل، ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لكي تتعظ النفوس بما فيهما، ولكي تقف على أخبار وجزاء المنفقين، وأخبار وعاقبة البخلاء، كما في سورة القلم من قصة أصحاب الجنة.

      يقول الله تعالى: ( ﮕﮖ ﮢﮣ ﮥﮦ ) [المزمل: ٢٠].

      وقد كان من هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كثرة الإنفاق من النعم التي أنعم الله بها عليه من مال أو غيره، وكان من أشد الناس حرصًا على إنفاقها في مرضاة الله عز وجل دون بخل أو شح.

      فقد روى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة)69.

      فبالنظر في الآيات والأحاديث يسهل على النفس الوصول إلى التخلص من الأخلاق الذميمة، ويبعث فيها النشاط للتحلي بالأخلاق الحميدة.

    13. مجاهدة النفس.

      فلا بد من مجاهدة النفس والأخذ بعزيمتها، وحملها بجد على ترك البخل والشح، والتحلي بالإيثار والكرم، ووعظها تارة بالترغيب، وتارة أخرى بالترهيب، والصبر على ذلك زمانا، فإن هذه المجاهدة إن كانت صادقة توصل بسرعة إلى المراد، فالله تعالى يقول: ( ﮤﮥ ) [العنكبوت: ٦٩].

      ومع ذلك لا بد من محاسبة النفس أولًا بأول، فإن المحاسبة لها دور كبير في التخلص من هذا المرض، ولا سيما إن كان مع المحاسبة تأديب للنفس، وتتبع للمرض حتى الشفاء بإذن الله تعالى.

    14. كثرة الدعاء والتضرع إلى الله تعالى.

      إذا علم العبد أن (القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء)70.

      كان لزامًا عليه أن يتوجه بقلبه لمالكه ومدبره ومقلبه ليصرف عنه من الأمراض ما يبعده عن مرضاته، ولهذا كان التخلص من البخل أو أي خصلة من خصال الشر لا يتحقق إلا بتوفيق الله سبحانه، ثم بالدعاء .

      وكيف لا يكون الأمر كذلك والله سبحانه يقول: ( ﭡﭢ ) [غافر: ٦٠].

      فبالدعاء إن كان صادقًا يكفي الله العبد كل الأزمات، ويعينه على نفسه في التخلص من كل مرض.

    15. النظر في العواقب والآثار المترتبة على الشح في الدنيا والدين والآخرة.

      إن النظر في العواقب الضارة والآثار المهلكة المترتبة على الشح والبخل -سواء كانت هذه العواقب دنيوية أو أخروية، أو كانت على الفرد، أو على المجتمع الإسلامي-مما يخوف النفوس، ويحركها من داخلها، الأمر الذي ييسر عليها سبل الإقلاع، والتخلص من هذا الداء.

      فعندما ينظر البخيل إلى عواقب البخل والشح، وما سيحصل له في الدنيا والآخرة، سيسعى حثيثًا لعلاج هذا الخلق الذميم.

      وبعد أن أكملنا الكلام عن أسباب الوقوع في البخل والشح، وطرق الوقاية منها، وكيفية العلاج لمن ابتلاه الله بهذا الداء، وجب علينا أن نتحدث عن عاقبة البخل والشح في الدنيا والآخرة، وهذا ما سنتكلم عليه بالتفصيل في المبحث القادم، إن شاء الله تعالى.

    عاقبة الشح والبخل

    1. إن البخل دليل على قلة العقل وسوء التدبير، وهو أصل لنقائص كثيرة، ويدعو إلى خصال ذميمة، ومن شأنه: أن يهلك الإنسان ويدمر الأخلاق، ويؤخر صاحبه، ويبعده عن صفات الأنبياء والصالحين، كما أنه دليل على سوء الظن بالله عز وجل.

      فالبخيل محروم في الدنيا، مؤاخذ في الآخرة، وهو مكروه من الله عز وجل، مبغوض من الناس، والشحيح أشد في الذم من البخيل، لأنه يجتمع فيه البخل مع الحرص.

      وللشح والبخل آثار ضارة، وعواقب مهلكة، على الفرد وعلى المجتمع، ودونك طرفًا من هذه الآثار، وتلك العواقب:

    1. تنوع العقاب في الآخرة:

      وهذا من أعظم العواقب التي تقع على البخيل، يقول الله تعالى: ( ﯿ ﰂﰃ ﰉﰊ ﰎﰏ ) [آل عمران: ١٨٠].

      فالبخلاء «ظنوا أنه خير لهم، بل هو شر لهم، في دينهم ودنياهم، وعاجلهم وآجلهم»71، «فلا يتوهمن هؤلاء البخلاء أن بخلهم هو خير لهم، بل هو شر لهم؛ وذلك لأنه يبقى عقاب بخلهم عليهم»72.

      ويقول سبحانه: ( ﭿ ﮙﮚ ) [التوبة: ٣٤ - ٣٥].

      فهذه العاقبة أشد العواقب وأنكاها على النفس، فمهما واجه البخيل في الدينا من عواقب ومصائب ورزايا فإنها لا تعد شيئًا أمام تلك الألوان العظام من عذاب الله تعالى، أجارنا الله وإياكم منه.

    2. يستبدل الله به غيره من عباده فينفق في أوجه الخير ما لا ينفقه الشحيح.

      ولعل من أشد العواقب التي قد يواجهها البخيل بماله والضان به على دين الله وعباد الله، أن يستبدل الله به غيره من عباده فينفق في أوجه الخير ما لا ينفقه الشحيح؛ فيحوز المنفق الأجر والثواب مع رضوان الله عنه، قال تعالى: ( ﯨﯩ ﯯﯰ ﯿ) [محمد: ٣٨].

      قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: «ولما كان صلاح بني آدم لا يتم في دينهم ودنياهم إلا بالشجاعة والكرم بين الله سبحانه أنه من تولى عنه بترك الجهاد بنفسه أبدل الله به من يقوم بذلك، ومن تولى عنه بإنفاق ماله أبدل الله به من يقوم بذلك فقال: ( ﭿ ﮂﮃ ﮈﮉ ﮝﮞ ) [التوبة: ٣٨ - ٣٩].

      وقال تعالى: ( ﯨﯩ ﯯﯰ ﯴﯵ ﯿ) [محمد: ٣٨]»73.

    3. البخل يورث النفاق في القلب.

      ومن العواقب الوخيمة للبخل أنه يورث النفاق في القلب.

      قال الله تعالى: ( ) [التوبة: ٧٥ - ٨٠].

      فالذي سبب لهم خلف الوعد والوقوع في خصلة النفاق هو بخلهم وشحهم ومنعهم الصدقات، ولهذا كان البخل موصلًا للنفاق بما يترتب عليه من خلف الوعد.

    4. الحرمان من الأجر المترتب على الإنفاق في أبواب الخير.

      قال الله تعالى: ( ﯨﯩ ﯯﯰ ﯴﯵ ﯿ) [محمد: ٣٨].

      فهو «حرم نفسه ثواب الله تعالى، وفاته خير كثير، ولن يضر الله بترك الإنفاق شيئا»74، «فما يبذله الناس إن هو إلا رصيد لهم مذخور، يجدونه يوم يحتاجون إلى رصيد، يوم يحشرون مجردين من كل ما يملكون، فلا يجدون إلا ذلك الرصيد المذخور، فإذا بخلوا بالبذل، فإنما يبخلون على أنفسهم، وإنما يقللون من رصيدهم، وإنما يستخسرون المال في ذواتهم وأشخاصهم، وإنما يحرمونها بأيديهم! أجل. فالله لا يطلب إليهم البذل، إلا وهو يريد لهم الخير، ويريد لهم الوفر، ويريد لهم الكنز والذخر، وما يناله شيء مما يبذلون، وما هو في حاجة إلى ما ينفقون»75.

    5. الوقوع في الإثم بسبب منعه لما يجب عليه من حقوق وواجبات.

      يقول الله تعالى: ( ﮙﮚ ) [التوبة: ٣٤ - ٣٥].

      فهذا العذاب الأليم ما ناله المعذبون إلا بسبب وقوعهم في إثم المنع من الإنفاق الواجب، البخلاء به، فمنع الواجب إثم يرتكبه البخيل بماله، فيعاقب عليه.

    6. حرمان البخيل من التزكية والتطهير الذي يحوزه المنفقون.

      فإن البخيل يحرم من تزكية وتطهير النفقة للمنفق من الذنوب والخطايا، يقول الله تعالى لنبيه: ( ) [التوبة: ١٠٣].

      قال الماوردي رحمه الله تعالى: «فقوله: ( ) فيها وجهان: أحدهما: أنها الصدقة التي بذلوها من أموالهم تطوعًا، والثاني: أنها الزكاة التي أوجبها الله تعالى في أموالهم فرضًا؛ ولذلك قال: ( )، لأن الزكاة لا تجب في الأموال كلها، وإنما تجب في بعضها، ( )، أي: تطهر ذنوبهم، وتزكي أعمالهم»76، «والتزكية: جعل الشيء زكيًا، أي: كثير الخيرات، فقوله: () إشارة إلى مقام التخلية عن السيئات، وقوله: () إشارة إلى مقام التحلية بالفضائل والحسنات، ولا جرم أن التخلية مقدمة على التحلية، فالمعنى: أن هذه الصدقة كفارة لذنوبهم، ومجلبة للثواب العظيم»77.

    7. البخل من أسباب فقر البخيل، وتعريض ماله للتلف.

      يقول الله تعالى: ( ﮟﮠ ﮫﮬ ﯘﯙ ﯞﯟ ) [البقرة: ٢٦٧ - ٢٦٨].

      قال البغوي رحمه الله تعالى: «ومعنى الآية: أن الشيطان يخوفكم بالفقر، ويقول للرجل: أمسك عليك مالك فإنك إذا تصدقت به افتقرت، ( )، أي: بالبخل ومنع الزكاة»78؛ وذلك «لأن الشيطان يصد الناس عن إعطاء خيار أموالهم، ويغريهم بالشح أو بإعطاء الرديء والخبيث، ويخوفهم من الفقر إن أعطوا بعض مالهم»79.

      وكما في قصة أصحاب الجنة في سورة القلم، قال تعالى: ( ) الآيات [القلم: ١٧ - ٢٠].

      «فلما منعوا الناس خيرها، وبخلوا بحق الله فيها؛ أهلكها الله من حيث لم يمكنهم دفع ما حل بها»80.

    8. فوات الخيرية في الدنيا والآخرة.

      قال تعالى: ( ﯭﯮ ﯲﯳ ) [البقرة: ٢٨٠].

      فالبخيل الذي لا يتصدق ليس له من هذا الخير نصيب، و«المراد بالخير: حصول الثناء الجميل في الدنيا والثواب الجزيل في الآخرة»81.

    9. تعسير الأمور على البخيل.

      قال الله تعالى: ( ) [الليل: ٨ - ١١].

      ففي هذه الآية دليل على أن البخيل أموره كلها متعسرة.

    10. حمل النفس على الوقوع في كل إثم ورذيلة.

      فلقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الآثام والرذائل التي يثمرها البخل حين قال -في الحديث الذي رواه مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما-: (اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم)82.

      وفي رواية لأبي داود من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (إياكم والشح، فإنما هلك من كان قبلكم بالشح: أمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا)83.

    11. سبب في الهلاك وفساد المجتمع.

      فقد بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم كما مر في حديث جابر بن عبد الله السابق.

    12. يوقع الإنسان في كبائر الذنوب، ومن ذلك سفك الدماء واستحلال المحارم.

      كما مر في حديث جابر بن عبد الله السابق أيضًا.

    13. البخل يفسد العلاقات بين الناس.

      فالبخل يعيق الصلح بين الناس، ويزرع الفرقة والتمزق في المجتمع، وإذا ابتلي المجتمع الإسلامي بالفرقة والقطيعة بين أهله، ومزقوا شر ممزق، كانت النتيجة: تمكن العدو، وإحكامه القبضة على أعناقه، وتضييق الخناق عليه، فتطول الطريق، وتكثر التكاليف، على النحو الذي نشهده، ونعيشه نحن المسلمين اليوم.

      قال تعالى: ( ﭡﭢ ) [النساء: ١١٤].

      وختامًا لهذا المبحث نقول: إن البخيل بعد هذا كله أشد الناس عناءً وشقاءً في الدنيا، فهو مبغوض مكروه حتى من أقرب الناس إليه كزوجته وأبنائه وأقاربه، وربما تمنى موت البخيل أقربهم إليه، وأحبهم له، بل قد يصل بهم الحد إلى أن يدعوا عليه، لأنه حرمهم من نواله، وطمعًا في ثروته، حتى يستطيعوا التنعم بما حرمهم منه من أموال، فالبخيل يعيش في قلق واضطراب نفسي، يكدح في جمع المال والثراء، ولكن لا يستطيع الاستمتاع والتلذذ به، وسرعان ما يخلفه للورثة، فيعيش في الدنيا عيش الفقراء مع وجود المال معه، ويحاسب في الآخرة حساب الأغنياء، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والله سبحانه وتعالى أعلى وأعلم.

      موضوعات ذات صلة:

      الإكراه، الحرام، الحلال، الضر


1 لسان العرب ابن منظور ١١/ ٤٧ بتصرف، وانظر: العين، الفراهيدي ٤/ ٢٧٢، الصحاح الجوهري ٤/ ١٦٣٢، مجمل اللغة، ابن فارس ص ١١٨، مقاييس اللغة، ابن فارس ١/ ٢٠٧، القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص ٩٦٥.

2 تاج العروس، الزبيدي ٢٨/ ٦٢- ٦٣.

3 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٥/ ١٩٣ بتصرف.

4 فتح الباري، ابن حجر ١٠/ ٤٥٧.

5 مشارق الأنوار على صحاح الآثار، أبو الفضل البستي ٢/ ٢٤٥.

6 نظر: المعجم المفهرس، محمد فؤاد عبدالباقي ص ١١٥.

7 انظر: بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٢/٢٢٧.

8 مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/ ١٧٨.

وانظر: مجمل اللغة، ابن فارس ص ٥٠٠، القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص ٢٢٦، تاج العروس، الزبيدي ٦/ ٤٩٧- ٥٠٢، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية بالقاهرة ١/ ٤٧٤.

9 لسان العرب، ابن منظور ٢/ ٤٩٥.

10 المصدر السابق ٢/ ٤٩٦.

11 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٤٤٦.

12 الوابل الصيب، ابن القيم ص ٣٣.

13 مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/ ٥٥.

وانظر: العين، الفراهيدي ٥/ ١٢٤، لسان العرب، ابن منظور ٥/ ٧٠، القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص ٤٥٩، تاج العروس، الزبيدي ١٣/ ٣٦١، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ٢/ ٧١٤.

14 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٦٥٥.

15 العين، الفراهيدي ٧/ ١٠.

16 مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/ ٣٥٧.

وانظر: مجمل اللغة، ابن فارس ص ٥٦٠، لسان العرب، ابن منظور ١٣/ ٢٦١، تاج العروس، الزبيدي ٣٥/ ٣٣٩.

17 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٥١٢.

18 الصحاح، الفارابي ٥/ ٢٠١٩.

وانظر: العين، الفراهيدي ٥/ ٣٦٨، مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/ ١٧١، القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص ١١٥٣، تاج العروس، الزبيدي ٣٣/ ٣٣٥، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية بالقاهرة ٢/ ٧٨٤.

19 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٧٠٧.

20 التعريفات، الجرجاني ص ١٨٤.

21 مقاييس اللغة، ابن فارس ١/ ٥٣.

وانظر: المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية بالقاهرة ١/ ٦.

22 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٨/ ٢٦.

23 التعريفات، الجرجاني ص ٤٠.

24 أخرجه الترمذي ٤/ ٦١٢، رقم ٢٤١٧، كتاب أبواب صفة القيامة والرقائق والورع، باب في القيامة، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها ٢/ ٦٢٩، رقم ٩٤٦.

25 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١٥٨ بتصرف.

26 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٤/ ٢٩٣.

27 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٦/ ١٣٤.

28 معالم التنزيل، البغوي ٢/ ٣٨٤.

29 النكت والعيون، الماوردي ٥/ ٣٠٧.

30 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٨/ ٦٣.

31 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٦/ ١٣٥.

32 الدر المنثور، السيوطي ٧/ ٥٠٥.

33 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/ ٣٢٤.

34 معالم التنزيل، البغوي ١/ ٣٣٠.

35 أخرجه البخاري ٢/ ١١٥، رقم ١٤٤٢، كتاب الزكاة، باب قول الله تعالى: ( )، ومسلم ٢/ ٧٠٠، رقم ١٠١٠، كتاب الزكاة، باب في المنفق والممسك.

36 أضواء البيان، الشنقيطي ٦/ ٢٨٢.

37 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٦٨٧ بتصرف.

38 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٥/ ٤٠٦.

39 مفاتيح الغيب، الرازي ١١/ ٢٣٧.

40 النكت والعيون، الماوردي ٣/ ٢٧٦.

41 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٦٧.

42 التفسير الوسيط، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ٥/ ٨١٠- ٨١١.

43 مفاتيح الغيب، الرازي ٢١/ ٤١٣ بتصرف.

44 أخرجه مسلم ٤/ ١٩٩٦، رقم ٢٥٧٨، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم.

45 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ١٠٩.

46 أخرجه البخاري ٨/ ٧٩، رقم ٦٣٦٧، كتاب الدعوات، باب التعوذ من فتنة المحيا والممات، ومسلم ٤/ ٢٠٧٩، رقم ٢٧٠٦، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التعوذ من العجز والكسل وغيره.

47 البخلاء، الخطيب البغدادي ص ٢٢٥.

48 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١/ ٦٥٣.

49 فتح القدير، الشوكاني ٢/ ٦٦.

50 مفاتيح الغيب، الرازي ١٠/ ٧٩.

51 دروس للشيخ الألباني ٦/ ١١، بترقيم الشاملة آليا.

52 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٣٣٦ بتصرف.

53 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٨/ ٦٣.

54 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٦/ ١٣٧.

55 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٧٩١.

56 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٤/ ١٥٢- ١٥٣.

57 جامع البيان، الطبري ٢٠/ ٢٣٢.

58 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٨٦٥.

59 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/ ٣٩١.

60 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٦٦١.

61 أيسر التفاسير، الجزائري ٤/ ٢٥٥.

62 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٨/ ١٢٩.

63 أخرجه البخاري ٢/ ١١٠، رقم ١٤١٩، كتاب الزكاة، باب فضل صدقة الشحيح الصحيح، ومسلم ٢/ ٧١٦، رقم ١٠٣٢، كتاب الزكاة، باب بيان أن أفضل الصدقة صدقة الصحيح الشحيح.

64 أخرجه البخاري ٨/ ١٤، رقم ٦٠٣٧، كتاب الأدب، باب حسن الخلق والسخاء، وما يكره من البخل، ومسلم ٤/ ٢٠٥٧، رقم ١٥٧ كتاب العلم، باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان.

65 مفاتيح الغيب، الرازي ١٦/ ٧٧.

66 قال الزمخشري رحمه الله تعالى: «وقيل: الإسراف إنما هو الإنفاق في المعاصي، فأما في القرب فلا إسراف، وسمع رجلٌ رجلًا يقول: لا خير في الإسراف، فقال: لا إسراف في الخير». الكشاف ٣/ ٢٩٣.

67 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/ ٧٠.

68 مفاتيح الغيب، ١٠/٨٧.

69 أخرجه البخاري ١/ ٨، رقم ٦، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومسلم ٤/ ١٨٠٣، رقم ٢٣٠٨، كتاب الفضائل، باب كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير من الريح المرسلة.

70 أخرجه أحمد في المسند ١٩/ ١٦٠، رقم ١٢١٠٧، والترمذي ٤/ ٤٤٨، رقم ٢١٤٠، أبواب القدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء أن القلوب بين أصبعي الرحمن، وابن ماجه ٢/ ١٢٥٧، رقم ٣٨٣٤، كتاب الدعاء، باب دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال الترمذي: وهذا حديث حسن.

وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته ١/ ٣٤٧، رقم ١٦٨٥.

71 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١٥٨.

72 مفاتيح الغيب، الرازي ٩/ ٤٤٣.

73 الاستقامة، ابن تيمية ٢/ ٢٦٩.

74 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٧٩١.

75 في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/ ٣٣٠٣.

76 النكت والعيون، الماوردي ٢/ ٣٩٨.

77 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١١/ ٢٣.

78 معالم التنزيل، البغوي ١/ ٣٧٢.

79 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣/ ٥٩.

80 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل الحنبلي ١٩/ ٢٨٥ بتصرف.

81 مفاتيح الغيب، الرازي ٧/ ٨٧.

82 أخرجه مسلم ٤/ ١٩٩٦، رقم ٢٥٧٨، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم.

83 أخرجه أبو داود ٣/ ١٢٣، رقم ١٦٩٨، كتاب الزكاة، باب في الشح.

وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته ١/ ٥٢١، رقم ٢٦٧٨.