عناصر الموضوع

مفهوم الأنهار

الأنهار في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

الجنان وجريان الأنهار من تحتها

الأنهار نعمة إلهية

الأنهار من جند الله

من منافع الأنهار

أكل صيده وطعامه واستخراج حليته

أنهار الجنة

الأنهار في المثل القرآني

الأنهار والابتلاء

لمسات إعجازية في الأنهار

الأنهار

مفهوم الأنهار

أولًا: المعنى اللغوي .

(نهر) النون والهاء والراء أصلٌ صحيحٌ يدل على تفتح شيءٍ أو فتحه. وأنهرت الدم: فتحته وأرسلته، وأسلته، وسمي النهر لأنه ينهر الأرض، أي: يشقها. والمنهرة: فضاءٌ يكون بين بيوت القوم يلقون فيها كناستهم. وجمع النهر أنهارٌ ونهرٌ ونهورٌ، والنهر محركةً: السعة ومجرى الماء، واستنهر النهر: أخذ لمجراه موضعًا مكينًا، وأنهر الماء: جرى. ونهرٌ نهرٌ: كثير الماء1.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

هو مسطح مائي ينساب على اليابسة في مجرى طويل، وتبدأ معظم الأنهار من أعالي الجبال أو التلال، وقد يكون منبع النهر مثلجة، أو نهرًا جليديًا ينصهر، أو ينبوعًا، أو بحيرة تفيض مياهها. ويتلقى النهر أثناء جريانه في مجراه المزيد من المياه من الجداول، والأنهار الأخرى، ومياه الأمطار. ويقع مصب النهر في نهايته، حيث تصب مياهه في نهر أكبر، أو في بحيرة، أو في أحد المحيطات2.

فالأنهار: هي المجاري المائية التي تتدفق فيها المياه العذبة طوال السنة أو لعدة شهور3.

وقيل: النهر: الخليج الكبير. والجدول: النهر الصغير، وأنهار الجنة ليست إلا المياه؛ لأنها تجري من غير أخدود4.

والنهر: الماء الجاري المتسع، ثم أطلق على الأخدود مجازًا، فيقال: جرى النهر، وجف النهر، والأصل: جرى ماء النهر، وجف ماء النهر5 .

إذن فالأنهار هي: المجاري المائية الواسعة التي تتدفق فيها المياه العذبة.

الأنهار في الاستعمال القرآني

وردت مادة (نهر) في القرآن ( ١٢٣) مرة، يخص موضوعنا منها (٥٤) مرة 6.

والصيغ التي وردت هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

المفرد

٣

( ) [الكهف: ٣٣]

الجمع

٥١

( ) [البقرة: ٢٥]

واستعملت (الأنهار) في القرآن بمعناها اللغوي، وهو: الماء العذب الغزير الجاري، ومجرى الماء العذب7.

الألفاظ ذات الصلة

اليم:

اليمُ لغة:

الياء والميم: كلمةٌ تدل على قصد الشيء وتعمده وقصده، واليم: البحر8.

اليم اصطلاحًا:

بحر؛ متسع من الأرض أصغر من المحيط مغمور بالماء الملح أو العذب 9.

ففي قصة أم موسى، يقول الحق: ( ) [القصص٧].

وكان المقصود باليم هناك: النيل، لكن المقصود به هنا في سورة الأعراف هو البحر. ( ) [الأعراف: ١٣٦]10.

الصلة بين النهر واليم:

اليم في كلام العرب مرادف البحر، والبحر في كلامهم يطلق على الماء العظيم المستبحر، فالنهر العظيم يسمى بحرًا، قال تعالى ( ) [فاطر: ١٢]. فإن اليم من الأنهار11.

البحر:

البحر لغة:

الماء الكثير، ملحًا كان أو عذبًا، وهو خلاف البر، سمي بذلك لعمقه واتساعه، قد غلب على الملح حتى قل في العذب، وجمعه أبحرٌ وبحورٌ وبحارٌ. وماءٌ بحرٌ: ملحٌ، قل أو كثر12.

قال ابن فارس:( والأنهار كلها بحارٌ)13.

البحر اصطلاحًا:

مستقر الماء الواسع بحيث لا يدرك طرفيه من كان في وسطه، وهو مأخوذ من الاتساع14.

وأصل البحر: كل مكان واسع جامع للماء الكثير، هذا هو الأصل، وسموا كل متوسع في شيء بحرًا.

وقال بعضهم: البحر يقال في الأصل للماء الملح دون العذب15.

الصلة بين النهر والبحر واليم:

النهر والبحر يلتقيان في المعنى، فكل منهما: مجرى للماء الفائض، أو: الماء الجاري المتسع، ولذا يقول ابن منظور: وقد أجمع أهل اللغة أن اليم هو البحر. وجاء في الكتاب العزيز: ( ) [القصص٧].قال أهل التفسير: هو نيل مصر، حماها الله تعالى16.

وقد يكون البحر للمجرى المتسع للماء المالح، والنهر للمجرى المتسع للماء العذب.

قال الراغب:« يقال في الأصل للماء الملح دون العذب، وقوله تعالى:( ( )17.

البر:

البر لغة:

والبر، بالفتح: خلاف البحر. والبرية من الأرضيين، بفتح الباء: خلاف الريفية. والبرية: الصحراء نسبت إلى البر، ويقال: أفصح العرب أبرهم. معناه: أبعدهم في البر والبدو دارًا. وقوله تعالى: ( ﯿ ) [الروم: ٤١]؛ قال الزجاج: معناه: ظهر الجدب في البر والقحط في البحر، أي: في مدن البحر التي على الأنهار18.

والبر: الصادق. وفي التنزيل العزيز: ( ) [الطور: ٢٨].والبر من صفات الله تعالى وتقدس: العطوف الرحيم اللطيف الكريم19.

البر اصطلاحًا:

البر: خلاف البحر، وهو التراب واليابس 20.

الصلة بين النهر والبر:

إذا كان النهر بمعنى: مجرى الماء الفائض، أو: الخليج الكبير، أو: الماء الجاري المتسع، والبحر: مستقر الماء الواسع، وكما ذكرنا في البر أنه خلاف البحر، فيمكننا القول أيضًا: أن البر خلاف النهر، فالنهر والبر بينهما تضاد.

الجنان وجريان الأنهار من تحتها

حينما نستعرض آيات القرآن الكريم نجد أن ورود الأنهار مرتبطة بالجنات في خمسة وثلاثين موضعًا21.

وقد ورد لفظ الأنهار مقترنًا بلفظ (من تحتهم) في أربعة مواضع من القرآن الكريم22، وما عدا هذه المواضع الأربعة فهو مقترن بلفظ (من تحتها)، وموضع وحيد في سورة التوبة ورد بدون جر وهو في قوله تعالى: ( ) [التوبة: ١٠٠].

خلافًا لابن كثير، الذي يقرؤها بالجر23.

ومن المتعارف عليه أن أول حاجات الإنسان الضرورية المكان والمسكن الذي يعيشه ويسكنه، وأحسن المكان المشتمل على النباتات والأشجار، وألطفه وأكمله ما كان تحت قصوره الأنهار بكثرة.

ولهذا ورد في جزاء المؤمنين. ( ) [البقرة: ٢٥].

ثم إن أشد الحاجات الأكل والشرب اللذين يشير إليهما الجنة والنهر، ثم إن أكمل الرزق هو أن يكون مألوفًا ومأنوسًا، وألذ الفاكهة أن تكون متجددة، وإن أصفى اللذة هو أن يكون المقتطف معلومًا وقريبًا، وإن ألذها أن يعرف أنها ثمرة عمله.

فلهذا قال: ( ﭣﭤ ﭪﭫ ﭮﭯ ﭳﭴ ) [البقرة: ٢٥]24.

إذن فالعلة في اقتران الجنات بجريان الأنهار من تحتها هي زيادة النعيم واكتماله الذي أعده الله لأهل هذه الجنات.

قال الشيخ سعيد النورسي: أما () فاعلم أن أحسن الرياض ما فيها ماء، ثم أحسنها ما يسيل ماؤها، ثم أحسنها ما استمر السيلان، فبلفظ () أشار إلى تصوير دوام الجريان، وأما ( ) فاعلم أن أحسن الماء الجاري في الخضروات أن ينبع صافيًا من تلك الروضة، ويمر متخرخرًا تحت قصورها، ويسيل منتشرًا بين أشجارها فأشار بـ ( ) إلى هذه الثلاثة، وأما () فاعلم أن أحسن الماء الجاري في الجنان أن يكون كثيرًا، ثم أحسنه أن تتلاحق الأمثال من جداوله، فإن بتناظر الأمثال يتزايد الحسن على قيمة الأجزاء، ثم أحسنه أن يكون الماء عذبًا فراتًا لذيذًا، كما قال ( ) فبلفظ (نهر) وجمعه وتعريفه أشار إلى هذه25.

والجريان لا يكون للأنهار وإنما للماء؛ لأن الأنهار هي ما يشق في الأرض ليجري فيه الماء، فهو من إطلاق اسم المحل وإرادة الحال، مثل قوله تعالى: ( ) [العلق: ١٧].

وإن الناظر إلى الماء وهو يجري منسابًا في الأرض لايرى النهر؛ ولكن يرى الماء، فكأن النهر اختفى في الماء ولا يرى غير الماء.

وإن هذه الجنات فيها بهجة للناظرين، فهي متعة للأنظار، وبهجة للنفوس بذاتها، وفيها ثمرات شهية من كل شيء 26.

قال الراغب: إن قيل: لم قال: ( ) [البقرة: ٢٥].وقد علم أن الماء في البساتين إذا كان جاريًا على وجه الأرض أحسن منها إذا كان جاريًا تحتها؟ قيل: عنى أنهارًا جارية تحت الأشجار، لا تحت الأرض، وقد روي عن مسروق ما يدل على ذلك، وهو أن كل أنهار الجنة تجري في غير أخاديد27.

على أن هناك آية تقول: ( ﭦﭧ ) [التوبة: ١٠٠].

فما الفرق بين الاثنين؟

يقول الشعراوي في خواطره: آية تجري تحتها الأنهار، أي: أن نبع الماء من مكان بعيد وهو يمر من تحتها، أما قوله تعالى: ( ) فكأن الأنهار تنبع تحتها، حتى لا يخاف إنسان من أن الماء الذي يأتي من بعيد يقطع عنه أو يجف، وهذه زيادة لاطمئنان المؤمنين، أن نعيم الجنة باق وخالد، ومادام هناك ماء فهناك خضرة ومنظر جميل، ولابد أن يكون هناك ثمر28 وكأنه يرجع علة اقتران الجنة بجريان الأنهار إلى بث الطمأنينة من الله لأهل هذه الجنات.

وقال رشيد رضا: ويحتمل أن من في قوله ( ) أن يكون صلة معناه: تجري تحتها الأنهار، ويحتمل أن يكون المراد أن ماءها منها لا يجري إليها من موضع آخر، فيقال: هذا النهر منبعه من أين؟ يقال: من عين كذا من تحت جبل كذا.

ولو دققنا في هذه الآية آية سورة التوبة لوجدنا أنها الآية الوحيدة التي حددت الأصناف الذين يدخلون الجنة، أما باقي الآيات إنما هي على العموم، فالحق تبارك وتعالى يبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات بجنات تجري من تحتها الأنهار، والجنات جمع جنة، وهي جمع؛ لأنها كثيرة ومتنوعة، وهناك درجات في كل جنة أكثر من الدنيا، واقرأ قوله تبارك وتعالى: (ﭿ ﮄﮅ ) [الإسراء: ٢١]29.

من تحتها أي: من تحت أشجارها، الأنهار أي: ماء الأنهار، فنسب الجري إلى الأنهار توسعًا، وإنما يجرى الماء وحده، فحذف اختصارًا30.

وقال السعدي: في آية سورة يونس: ( ﭯﭰ ) [يونس: ٩].

( ) أي: بسبب ما معهم من الإيمان، يثيبهم الله أعظم الثواب، وهو الهداية، فيعلمهم ما ينفعهم، ويمن عليهم بالأعمال الناشئة عن الهداية، ويهديهم للنظر في آياته، ويهديهم في هذه الدار إلى الصراط المستقيم وفي الصراط المستقيم، وفي دار الجزاء إلى الصراط الموصل إلى جنات النعيم.

ولهذا قال: ( ) الجارية على الدوام ( )أضافها الله إلى النعيم، لاشتمالها على النعيم التام، نعيم القلب بالفرح والسرور، والبهجة والحبور، ورؤية الرحمن وسماع كلامه، والاغتباط برضاه وقربه، ولقاء الأحبة والإخوان، والتمتع بالاجتماع بهم، وسماع الأصوات المطربات، والنغمات المشجيات، والمناظر المفرحات. ونعيم البدن بأنواع المآكل والمشارب، والمناكح ونحو ذلك، مما لا تعلمه النفوس، ولا خطر ببال أحد، أو قدر أن يصفه الواصفون31.

إذن فقد ورد لفظ الأنهار مرتبطًا بالجنات في خمسة وثلاثين موضعًا، والحكمة في اقتران الجنة بجريان الأنهار من تحتها هي: زيادة النعيم الذي أعده الله لأهل هذه الجنات واكتماله لهم، وبث الطمأنينة لهم من الله عز وجل.

الأنهار نعمة إلهية

أولًا: تسخير الأنهار:

الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق السموات والأرض وما فيهن، وهو الذي أنزل من السماء، هذا الماء الذي تتدفق به الأنهار، وتتفجر منه العيون، وتحيا عليه الزروع، وما يخرج منها من ثمر وحب، وهو سبحانه الذي سخر الفلك، وأجراها مع الماء، وسخر الأنهار لتحمل الفلك على ظهرها، وسخر الشمس والقمر تسخيرًا منتظمًا، لا يتخلف أبدًا، وسخر الليل والنهار، على هذا النظام البديع المحكم32.

ويتعهد الله تعالى بفضله ورحمته لعباده بين الفينة والأخرى، فيذكرهم بما أنعم عليهم من نعم كثيرة لا تعد ولا تحصى، ليحملهم على الشكر والطاعة، وينبههم على قدرته التي فيها إحسان إلى البشر، لتقوم الحجة عليهم من وجهين. وهذا كله دليل قاطع على وجود الله ووحدانيته، وسلطانه وتصرفه في الكون والأنفس، مما يوجب على العباد الإيمان بربهم، والثقة بوعده، وشكر إحسانه ونعمه33 .

قال الله تعالى معددًا آلاءه ومذكرًا بقدرته: ( ﯩﯪ ﯱﯲ ) [إبراهيم: ٣٢].

قال الرازي: «يختم الله تعالى وصف أحوال السعداء والأشقياء بالدلائل الدالة على وجود الصانع وكمال علمه وقدرته، وذكر هاهنا عشرة أنواع من الدلائل. أولها: خلق السموات. وثانيها: خلق الأرض،... إلى أن قال: وخامسها: قوله: وسخر لكم الأنهار» 34.

التسخير: تذليل الشيء وجعلك إياه منقادًا فكأنك إذا سخرت منه جعلته كالمنقاد لك35.

وقد ورد تسخير الأنهار صريحًا في القرآن الكريم في قوله تعالى: ( ﯩﯪ ﯱﯲ ) [إبراهيم: ٣٢].

والمراد بالتسخير هنا: التذليل، والإخضاع، والانقياد، وذلك بإخضاع هذه المخلوقات لسنن وقوانين تحكمها، وتضبط موقفها بين المخلوقات، بحيث يمكن الإنسان إخضاع هذه المخلوقات والانتفاع بها، إذا هو عرف القوانين الكونية الممسكة بها36.

وسخر لكم الأنهار فجعلها معدة لانتفاعكم وتصرفكم، وقيل: تسخير هذه الأشياء تعليم كيفية اتخاذها37.

( ) أي: ذللها لكم حيث تشربون منها وتسقون زروعكم وجناتكم ودوابكم، وتشقون منها جداول تسيرونها وفق إرادتكم38.

وسخر الأنهار تشق الأرض من قطرٍ إلى قطرٍ رزقًا للعباد من شربٍ وسقيٍ، وغير ذلك من أنواع المنافع39.

وتسخير الأنهار: خلقها على كيفيةٍ تقتضي انتقال الماء من مكانٍ إلى مكانٍ وقراره في بعض المنخفضات فيستقي منه من تمر عليه وينزل على ضفافه حيث تستقر مياهه، وخلق بعضها مستمرة القرار كالدجلة والفرات والنيل للشرب ولسير السفن فيها40.

ومن المفسرين من يجعل من معاني التسخير: التفجير.

قال الرازي: « واعلم أن ماء البحر قلما ينتفع به في الزراعات، لا جرم ذكر تعالى إنعامه على الخلق بتفجير الأنهار والعيون حتى ينبعث الماء منها إلى مواضع الزرع والنبات، وأيضًا ماء البحر لا يصلح للشرب، والصالح لهذا المهم هو مياه الأنهار »41.

وقال ابن عطية: «وأما تسخير الأنهار فتفجرها في كل بلد، وانقيادها للسقي وسائر المنافع»42.

( )، أي: فجر لكم ينابيع الماء الجاري في الأنهار، ويسر توزيعها وتفرعها لسقي أكبر مساحة من الأرض والشجر والزرع43 .

وهو الذي سخر لكم الأنهار، وشقها في بطون الأودية وجعل منها حياة الأقاليم والأقطار. ألا ترى إلى نهر النيل والفرات وغيرهما؟!44.

ومن باب التسخير قوله تعالى: ( ) [النحل: ١٤].

يخبر تعالى عن تسخيره البحر المتلاطم الأمواج، ويمتن على عباده بتذليله لهم وتيسيرهم للركوب فيه،... يسيرون من قطرٍ إلى قطر، ومن بلد إلى بلد، ومن إقليم إلى إقليم، لجلب ما هناك إلى ما هنا، وما هنا إلى ما هناك45.

ويتضح لنا مما سبق من كلام المفسرين: أن تسخير الأنهار يدور حول: التذليل، والإخضاع، والانقياد، وخلقها على كيفيةٍ معينة تقتضي انتقال الماء من مكانٍ إلى مكانٍ، وقراره في بعض الأماكن، وتفجيرها وتيسير توزيعها.

ثانيًا: تفجير الأنهار

التفجر: التفتح بالسعة والكثرة. وقرأ مالك بن دينار( ينفجر) بالنون46.

وقد ورد الحديث عن تفجير الأنهار في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع:

الأول: في قوله تعالى: ( ﮡﮢ ﮩﮪ ﮱﯓ ﯚﯛ ) [البقرة: ٧٤].

والثاني: في قوله تعالى: ( ) [الإسراء: ٩١].

والثالث: في قوله تعالى: ( ﯶﯷ ) [الكهف: ٣٣].

ويدور كلام المفسرين عن تفجير الأنهار الوارد في تلك الآيات حول المعاني الآتية: الشق والسيلان، التفتح والإجراء.

ففي آية سورة البقرة قال أبو حيان: «والتفجر: التفتح بالسعة والكثرة، والانفجار دونه، والمعنى: إن من الحجارة ما فيه خروقٌ واسعةٌ يندفق منها الماء الكثير الغمر؛ إذ ليس المعنى ( )للحجر الذي يتفجر منه الماء، إنما المعنى للأحجار التي يتفجر منها الأنهار.

وقد ذهب بعضهم إلى أن الحجر الذي يتفجر منه الأنهار، هو الحجر الذي ضربه موسى بعصاه، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا»47.

وإن من الحجارة للذي يتفجر منه الأنهار، يعني: من الحجارة ما يسيل منه أنهار من ماء48.

فكأنه قيل: وإن من القاسية قلوبهم من يراجع، فبعض يتفجر منه الأنهار، ومعناه: حكمة بالغة كأنهار متفجرة، وبعض يتحصل منه نوع من العلوم يجري مجرى الماء... ، ونبه بفحوى في الكلام أن هؤلاء المذمومين لم يحصل منهم شيء من ذلك فهم أحجار صلدة، وإنما قال: ( )، ولم يقل من اعتبار بلفظ الحجارة49.

وسبب التفجير للأنهار إنما هو خشية الله عز وجل، قال مجاهد: كل حجر ينفجر منه الماء، وينشق عن ماء، أو يتردى من رأس جبل، فمن خشية الله50.

أما عن آية سورة الإسراء فجاء في تفسيرها: ( ) أي: بستان ( ) أي: تفتحها وتجريها خلالها أي: وسط تلك الجنة51.

فتجرى الأنهار وسط تلك الجنة جريانًا قويًا دائمًا للانتفاع بها في ري تلك الجنة وغيرها52. ، تشقيقًا.53.

والمعنى: هب أنك لا تفجر الأنهار لأجلنا ففجرها من أجلك بأن تكون لك جنةٌ من نخيلٍ وعنبٍ ( ) أي: تجريها بقوةٍ ( ) أي: وسطها تفجيرًا كثيرًا54.

تفجر أنهارًا تسقي جنةً واحدةً تكون تلك الجنة وأنهارها لك55.

وذكر المفعول المطلق بقوله: (تفجيرًا )للدلالة على التكثير؛ لأن تفجر قد كفى في الدلالة على المبالغة في الفجر، فتعين أن يكون الإتيان بمفعوله المطلق للمبالغة في العدد، وهو المناسب لقوله: ()، لأن الجنة تتخللها شعب النهر لسقي الأشجار. فجمع الأنهار باعتبار تشعب ماء النهر إلى شعبٍ عديدةٍ56.

وفي آية سورة الكهف قال بعضهم:

( ) أجرينا وشققنا وسطهما57.

( )أي: وشققنا وسط الجنتين نهرًا، تتفرع عنه عدة جداول، لسقي جميع الجوانب58.

( ) أي: والأنهار متفرقة فيهما هاهنا وهاهنا59.

والرازي يرى أنه نهر لكنه كالأنهار في امتداده فيقول: أي: كان النهر يجري في داخل تلك الجنتين، والتشديد على المبالغة؛لأن النهر يمتد فيكون كأنهار، و() أي: وسطهما وبينهما60.

الأنهار من جند الله

نعم الله سبحانه على عباده لا تعد ولا تحصى، ومن نعمه عليهم أن شق لهم البحار والأنهار بقدرته وحكمته؛ لكي يستطيعوا اصطياد كائناتها البحرية من الأسماك ليأكلوها طرية، وسخر الله سبحانه تلك البحار؛ لكي يتزينوا بحليتها، فيستخرجوا منها الحلي، مثل اللؤلؤ والمرجان والأصداف لاستعمالها في الزينة، وليس ذلك فحسب؛ وإنما فيها منافع أخرى يبتغيها عباده، كنقلهم للتجارة والأمتعة والارتحال عن طريقها إلى الأقطار والبلدان الأخرى.

إذن فالأنهار بهذه الطريقة تعد من جند الله سبحانه وتعالى.

قال الله تعالى: ( ) [النحل: ١٥].

وقوله: ( ) أي: جعل فيها أنهارًا تجري من مكانٍ إلى مكانٍ آخر رزقًا للعباد، ينبغ في موضعٍ وهو رزقٌ لأهل موضعٍ آخر، فيقطع البقاع والبراري والقفار، ويخترق الجبال والآكام، فيصل إلى البلد الذي سخر لأهله، وهي سائرةٌ في الأرض يمنةً ويسرةً، وجنوبًا وشمالًا، وشرقًا وغربًا، ما بين صغارٍ وكبارٍ، وأوديةً تجري حينًا وتنقطع في وقتٍ، وما بين نبع وجمع، وقوي السير وبطئه بحسب ما أراد وقدر وسخر ويسر61.

و() وجعل فيها أنهارا، النيل، والفرات، ودجلة، وسيحان، وجيحان62.

ثبت في العلوم العقلية أن أكثر الأنهار إنما تتفجر منابعها في الجبال، فلهذا السبب أتبع ذكرها بتفجير الأنهار63.

وفي الأرض نعم كثيرة، أهمها ثلاث:

وهي تثبيت الأرض بالجبال الراسيات، كيلا تضطرب الأرض وتتحرك بأهلها، وإجراء الأنهار على وجه الأرض لتيسير الانتفاع بها، ففيها حياة الإنسان والحيوان والنبات64.

هو الذي ألقى في الأرض رواسى من الجبال الشامخات؛ لئلا تميد بكم الأرض وتضطرب عند دورانها وتحركها، وجعل لكم فيها أنهارًا كنهر النيل والفرات والمسيسبى وغيرها وجعلها سبلًا وطرقًا لربط أجزاء الأرض ولنقل التجارة والمصالح، وجعلها علامات وحدودًا، وفي الأرض علامات أخرى وحدود من أنهار وجبال وآكام65.

( ) أي: ومن نعم الله الكثيرة عليكم أنه جعل في الأرض جبالًا شامخات ثابتات تحفظ اتزانها في دورانها حتى لا تضطرب في حركتها. ( ) أي: وجعل في الأرض أنهارًا عذبة تجرى مياهها من منابعها إلى مصابها، لتهيئ الري للإنسان والحيوان والنبات66.

كراهة ( ) وتضطرب67، أي: نصب فيها جبالًا ثوابت أن تميد أي: لئلا تميد، وقال الزجاج: كراهة ( )68.

ومن رحمته تعالى أن جعل فيها أنهارًا، يسوقها من أرض بعيدة إلى أرض مضطرة إليها لسقيهم وسقي مواشيهم وحروثهم، أنهارًا على وجه الأرض، وأنهارًا في بطنها يستخرجونها بحفرها، حتى يصلوا إليها فيستخرجونها بما سخر الله لهم من الدوالي والآلات ونحوها69.

ونعمة الأنهار عظيمةٌ، فإن منها شرابهم وسقي حرثهم، وفيها تجري سفنهم لأسفارهم70.

وقال تعالى: ( ﮬﮭ ﮰﮱ ) [النمل: ٦١].

قال ابن كثير: وجعل خلالها أنهارًا أي: جعل فيها الأنهار العذبة الطيبة شقها في خلالها وصرفها فيها ما بين أنهارٍ كبارٍ وصغارٍ وبين ذلك، وسيرها شرقًا وغربًا وجنوبًا وشمالًا بحسب مصالح عباده في أقاليمهم وأقطارهم حيث ذرأهم في أرجاء الأرض وسير لهم أرزاقهم بحسب ما يحتاجون إليه71.

وجعل خلالها وفي أوساطها أنهارًا جارية ينتفع كل بها كل قاطنيها في شؤن حياتهم72.

وسبق أن ذكرنا الصلة بين النهر واليم، وقلنا: إن لفظ النهر واليم بينهما ترادف إلى حد كبير، وقد أطلق القرآن الكريم اليم على النهر في آيتين كريمتين، الأولى هي قوله تعالى: ( ﭣﭤ ) [القصص٧].

وذكر الطبري في تفسيره أن «اليم» هو نهر النيل73.

(): وألهمنا.( ) اليم: البحر. والمقصود به هنا: النيل، وكل نهر عظيم يطلق عليه بحر لاستبحاره74.

أي: فإذا خفت عليه من القتل بسبب سماع أحد من الجيران صوته، فألقيه في بحر النيل، ولكن لا تخافي عليه حينئذ من الغرق ومن الضياع ومن الوقوع في يد بعض جواسيس فرعون الذين يبحثون عن الولدان، وغير ذلك من المخاوف، ولا تحزني لفراقه.

وهكذا طمأنها الحق تعالى عن مخاوفها وهواجسها الجديدة بعد إلقائه في البحر، بإلقاء الأمان والسكينة في قلبها؛ لأن عناية الله ورعايته تحوط بأنبيائه ورسله منذ بدء الحمل وفي عهد الطفولة.

وذلك أنه كانت دارها على حافة النيل، فاتخذت تابوتًا، ومهدت فيه مهدًا، فلما كان ذات يوم دخل عليها من تخافه، فذهبت فوضعته في ذلك التابوت، وألقته في النيل، فذهب مع الماء واحتمله على سطحه، حتى مر به على دار فرعون، فالتقطه الجواري وذهبن به إلى امرأة فرعون آسية بنت مزاحم، فلما كشفت عنه، أوقع الله محبته في قلبها، فآثرت الإبقاء عليه، ولم تزل تكلم فرعون حتى تركه لها.

( ) [القصص:٧]

أي: إنا سنرده عليك لتكوني أنت المرضعة له، وسنجعله نبيًا مرسلًا إلى أهل مصر والشام.

وقد جمعت هذه الآية الواحدة بين أمرين ونهيين، وخبرين وبشارتين والأمران: هما أرضعيه وألقيه، والنهيان: هما ولا تخافي ولا تحزني، والخبران: هما إنا رادوه إليك، وجاعلوه، والبشارتان: في ضمن الخبرين، وهما الرد والجعل من المرسلين75.

وهكذا وضح جليًا أن اليم جند من جنود الله في حفظ موسى عليه السلام من الغرق بأمر الله وفي غرق عدو الله وعدوه، وهو هو نهر النيل، قال صاحب المنار:

وأما الغرق في النيل فيفهم من قول القرآن مثلًا في سورة طه: ( ﭗ ﭘ ) [طه: ٣٨-٣٩].

ثم قوله في آخر هذه القصة: ( ) [طه: ٧٨].

فالمتبادر من ذلك أن فرعون غرق في نفس اليم الذي ألقي فيه موسى وهو النيل، وإن كان أكثر المفسرين يرى أنه أغرق في البحر الأحمر.

قال الطاهر ابن عاشور: وقد أغرق فرعون وجنده في البحر الأحمر حين لحق بني إسرائيل يريد صدهم عن الخروج من أرض مصر76 .

ومثل ذلك أيضًا ما جاء في سورة القصص، وهو قوله: ( ) [القصص٧].

ثم قوله فيها بعد مما يدل على أن اليم جند من جنود الله سبحانه : ( ﮤﮥ ) [القصص٤٠].

أي: أغرقناهم في البحر في صبيحةٍ واحدةٍ77، كنايةٌ عن إدخالهم في البحر حتى غرقوا، شبهوا بحصياتٍ. قذفها الرامي من يده78.

ومن الآيات التي أطلق القرآن الكريم فيها اليم على النهر، ووضح فيها جليًا أنه من جنود الله سبحانه قوله تعالى: ( ) [الأعراف: ١٣٦].

ومما يدل على أن النهر من جنود الله سبحانه قوله تعالى: ( ) [طه: ٧٨].

أي: تبعهم فرعون ومعه جنوده، فغشيهم من البحر ما غشيهم مما هو معروف ومشهور، فغرقوا جميعًا. وتكرار غشيهم للتعظيم والتهويل79. أي: فعلاهم وغمرهم ما غمرهم، من الأمر الهائل المروع الذي يعجز البيان عن وصفه، حيث انطبق عليهم الماء فأغرقهم فهلكوا جميعًا، ونجى الله فرعون وأبقاه ببدنه خاليًا من الروح في اليوم الذي نجى الله فيه موسى وبني إسرائيل من الغرق80.

من خلال الآيات السابقة يتضح جليًا أن اليم جند من جنود الله سبحانه وتعالى سواء أكان المقصود به النهر أو البحر، لكن الثابت من المعاجم اللغوية أن اليم مرادف للنهر.

وليس بلازم أن يكون الجندي لهلاك العدو دائمًا، وإنما كثيرًا ما يكون الجندي لنفع المسلمين، فالأنهار كانت جند خير ونفع لبعض عباده، وجند وبال وهلاك على بعضهم، وهذا ما سنتناوله تفصيلًا في مطالب المبحث التالي الذي يتحدث عن منافع الأنهار من خلال آيات القرآن الكريم بصورة توضيحية.

من منافع الأنهار

المنافع: ما فيه الخير والصالح والفائدة، وكل ما ينتفع به، جنى من عمله منفعةً كبرى81.

وعلى ذلك تتعدد منافع الأنهار على الإنسان، وتتمثل هذه المنافع في شرب مائها، الذي جعل الله فيه حياة الإنسان، ومنها تسقى الزروع والثمار، ويعبرها الإنسان ركوبًا للجهاد في سبيل الله وطلبًا للرزق، ويتمتع الإنسان بجريان مائها، ويصطاد من أسماكها وكائناتها لحمًا طريًا يتخذه طعامًا شهيًا، وتفصيل الحديث عن تلك المنافع في المطالب الآتية:

أولًا: شرب مائها:

الماء يعد أعظم نعمة من الله تعالى، وماء النهر من أعظم منافعه شرب مائه، والآيات في ذلك كثيرة، منها قول الله تعالى: ( ﮜﮝ ﮣﮤ ) [الأنبياء: ٣٠].

أي: أصل كل الأحياء82.

ومن الآيات قوله تعالى: ( ﭨﭩ ﭮﭯ ﭼﭽ ﭿ ﮌﮍ ) [البقرة: ٢٤٩].

( )،أي: فلا يصحبني اليوم في هذا الوجه، ( )، أي فلا بأس عليه.

قال ابن عباسٍ: من اغترف منه بيده روي، ومن شرب منه لم يرو83.

قال الله تعالى: ( ) [إبراهيم: ٣٢].

( )لتسقي حروثكم وأشجاركم وتشربوا منها84 .

ونعمة الأنهار عظيمةٌ، فإن منها شرابهم وسقي حرثهم، وفيها تجري سفنهم لأسفارهم85.

( ) [الحجر:٢٢] أي: فأنزلنا من السحاب مطرًا، () أي: يمكنكم أن تشربوا منه، وأسقينا به زرعكم ومواشيكم، كما قال تعالى: ( ) [الأنبياء: ٣٠].

وقال سبحانه: ( ) [الواقعة: ٦٨-٧٠].

وقال: ( ﭽﭾ ﭿ ) [النحل: ١٠].

( ) أي: لستم له بحافظين، بل نحن ننزله ونحفظه عليكم ونجعله ينابيع في الأرض، ولو شاء تعالى لأغاره وذهب به، ولكن من رحمته أبقاه لكم في طول السنة، لشرب الناس والزروع والثمار والحيوان، فالتخزين يكون في السحاب وفي جوف الأرض86.

( ) أي: وخلقنا من الماء كل حيوان سواء النازل من السماء والنابع من الأرض. ( ) أي: صيرنا كل شيء حي بسبب من الماء، لا يحيا دونه، سواء النبات وغيره، فالماء سبب لحياته87.

وفي إطار الانتفاع بماء البحر يقول الله تعالى: ( ﭛﭜ ﭤﭥ ) [فاطر: ١٢].

ذكر سبحانه نوعًا آخر من بديع صنعه، وعجيب قدرته فقال: ( ) فالمراد بالبحرين: العذب والمالح، فالعذب الفرات الحلو، والأجاج المر، والمراد ب ( ) الذي يسهل انحداره في الحلق لعذوبته88 .

ثانيًا: سقيا الزروع والثمار:

كما أن من منافع الأنهار شرب مائها، وانتفاع الإنسان غاية النفع في ذلك، فإن ما تحتاجه الزروع والثمار من ماء فيه منفعة كبيرة قد لا تقل أهمية عن نفع الإنسان بماء النهر في شرابه.

قال تعالى: ( ﯖﯗ ) [السجدة: ٢٧].

يبين تعالى لطفه بخلقه وإحسانه إليهم في إرساله الماء، إما من السماء أو من السيح، وهو ما تحمله الأنهار وينحدر من الجبال إلى الأراضي المحتاجة إليه في أوقاته، ولهذا قال تعالى: ( )وهي التي لا نبات فيها، كما قال تعالى: ( ﭿ ) [الكهف: ٨].

أي: يبسًا لا تنبت شيئًا، وليس المراد من قوله ( ) أرض مصر فقط، بل هي بعض المقصود وإن مثل بها كثيرٌ من المفسرين فليست هي المقصودة وحدها، ولكنها مرادَةٌ قطعًا من هذه الآية، فإنها في نفسها أرضٌ رخوةٌ غليظةٌ تحتاج من الماء ما لو نزل عليها مطرًا لتهدمت أبنيتها، فيسوق الله تعالى إليها النيل بما يتحمله من الزيادة الحاصلة من أمطار بلاد الحبشة، وفيه طينٌ أحمر، فيغشى أرض مصر وهي أرضٌ سبخةٌ مرملةٌ محتاجةٌ إلى ذلك الماء، وذلك الطين أيضًا، لينبت الزرع فيه، فيستغلون كل سنةٍ على ماءٍ جديدٍ ممطورٍ في غير بلادهم، وطينٍ جديدٍ من غير أرضهم، فسبحان الحكيم الكريم المنان المحمود ابتداءً89.

وقال تعالى: ( ﯩﯪ ﯱﯲ ) [إبراهيم: ٣٢].

( ) لتسقي حروثكم وأشجاركم وتشربوا منها90.

وجعله سببا للإنبات، فقال: ( ) [الأنعام:٩٩]

أي: أن الله هو الذي أنزل بقدرته وتصريفه وحكمته من السحاب ماء بقدر، مباركًا، ورزقًا للعباد، وإحياء وإغاثة للخلائق، رحمة من الله بخلقه، فأخرجنا بسبب هذا المطر أصناف النبات المختلف في شكله وخواصه وآثاره، كما قال تعالى: ( ) [الرعد: ٤].

وقال: ( ﮣﮤ ) [الأنبياء: ٣٠].

وفي آية: ( ﭖﭗ ﭟﭠ ﭢﭣ ) [الأنعام: ٩٥].

ثم ذكر تعالى آية من آيات التكوين في النبات وهي إنزال الماء من السماء وأخرجنا بالمطر زرعًا وشجرًا أخضر، ثم بعد ذلك نخلق فيه الحب والثمر، لهذا قال تعالى: ( ) . أي: يركب بعضه بعضًا كالسنابل ونحوها91.

فالله سبحانه هو الذي خلق السموات والأرض وما فيهن، وهو الذي أنزل من السماء هذا الماء الذي تتدفق به الأنهار، وتتفجر منه العيون، وتحيا عليه الزروع، وما يخرج منها من ثمر وحب92.

( ) أي: فجر لكم ينابيع الماء الجاري في الأنهار، ويسر توزيعها وتفرعها لسقي أكبر مساحة من الأرض والشجر والزرع93.

وقال تعالى: ( ﭿ ﮉﮊ ) [البقرة: ٢٦٦].

وهذا المثل مضروب لمن عمل عملًا لوجه الله تعالى من صدقة أو غيرها، ثم عمل أعمالًا تفسده، فمثله كمثل صاحب هذا البستان الذي فيه من كل الثمرات، وخص منها النخل والعنب لفضلهما وكثرة منافعهما، لكونهما غذاء وقوتًا وفاكهة وحلوى، وتلك الجنة فيها الأنهار الجارية التي تسقيها من غير مؤنة، وكان صاحبها قد اغتبط بها وسرته94.

وقال تعالى: ( ﯶﯷ ) [الكهف: ٣٣].

جعل الله لأحدهما جنتين، أي: بستانين من أعناب، محاطين بنخيل، وفي وسطهما الزروع والأشجار المثمرة.

( ) أي: أخرجت ثمارها، ولم تنقص منه شيئًا في كل عام. ( ) أي: وشققنا وسط الجنتين نهرًا، تتفرع عنه عدة جداول، لسقي جميع الجوانب95.

وقال تعالى: ( ) [الإسراء: ٩١].

تفجر أنهارًا تسقي جنةً واحدةً تكون تلك الجنة وأنهارها لك96.

ثالثًا: ركوبه للتنقل والجهاد:

قال الله تعالى: ( ) [النحل: ١٤].

يمتن الله على عباده بتذليل البحر لهم وتيسيرهم للركوب فيه، وتسخيره لحمل السفن التي تمخره، أي: تشقه، وقيل: تمخر الرياح، وكلاهما صحيح، وقيل: تمخره بجؤجئها وهو صدرها المسنم الذي أرشد العباد إلى صنعتها وهداهم إلى ذلك، إرثًا عن أبيهم نوحٍ عليه السلام، فإنه أول من ركب السفن، وله كان تعليم صنعتها، ثم أخذها الناس عنه قرنًا بعد قرنٍ، وجيلًا بعد جيلٍ، يسيرون من قطرٍ إلى قطر، ومن بلد إلى بلد، ومن إقليم إلى إقليم، لجلب ما هناك إلى ما هنا، وما هنا إلى ما هناك97.

( ) أي: ترى السفن شواق للماء تدفعه بصدرها. ومخر السفينة: شقها الماء بصدرها98.

ومن نعم الله تعالى أيضًا تذليله البحر للناس، وتيسيره للركوب فيه، وعبور الفلك السفن فيه جيئة وإيابا، وطلب فضل الله ورزقه بالتجارة فيه، مما يوجب شكر نعمه وإحسانه على الناس بما يسره لهم في البحار99.

يقول تعالى: ( ) [فاطر: ١٢].

()أي: في كل. () تشق الماء بجريها100.

( ) أي: في كل واحدٍ من البحرين.

وقال النحاس: الضمير يعود إلى الماء المالح خاصةً، ولولا ذلك لقال: فيهما مواخر يقال: مخرت السفينة تمخر: إذا شقت الماء. فالمعنى: وترى السفن في البحرين شواق للماء بعضها مقبلةٌ، وبعضها مدبرةٌ بريحٍ واحدةٍ101.

( ) أي: تمخره وتشقه بحيزومها: وهو مقدمها المسنم الذي يشبه جؤجؤ الطير وهو صدره، وقال مجاهدٌ: تمخر الريح السفن ولا يمخر الريح من السفن إلا العظام.

وقوله جل وعلا: ( ) أي: بأسفاركم بالتجارة من قطرٍ إلى قطرٍ وإقليمٍ إلى إقليمٍ.

وقوله: ( ) أي: تشكرون ربكم على تسخيره لكم هذا الخلق العظيم، وهو البحر، تتصرفون فيه كيف شئتم، تذهبون أين أردتم، ولا يمتنع عليكم شيءٌ منه، بل بقدرته قد سخر لكم ما في السموات وما في الأرض، الجميع من فضله ورحمته102.

وقال تعالى: ( ﯱﯲ ) [إبراهيم: ٣٢].

وهوسبحانه الذي سخر الفلك، وأجراها مع الماء، وسخر الأنهار لتحمل الفلك على ظهرها103 .

( ) أي: ولتطلبوا بها منافع أخرى من فضل الله غير ما تقدم، كالتجارة ونقل الحاصلات والبضائع من مرفإ إلى مرفإ ومن قطر إلى قطر، وغير ذلك كالارتحال بها لطلب العلم حيث يوجد العلم والعلماء104 .

هو وحده لا شريك له ( ) وهيأه لمنافعكم المتنوعة. ( ) وهو السمك والحوت الذي يصطادونه منه، ( ) فتزيدكم جمالًا وحسنًا إلى حسنكم، ( ) أي: السفن والمراكب ( ) أي: تمخر في البحر العجاج الهائل بمقدمها حتى تسلك فيه من قطر إلى آخر، تحمل المسافرين وأرزاقهم وأمتعتهم وتجاراتهم التي يطلبون بها الأرزاق وفضل الله عليهم105.

ومن تسخير البحر: خلقه على هيئةٍ يمكن معها السبح والسير بالفلك، وتمكين السابحين والماخرين من صيد الحيتان المخلوقة فيه والمسخرة لحيل الصائدين. وزيد في الامتنان أن لحم صيده طريٌ106.

رابعًا: الانتفاع بجريان مائه:

من المنافع التي تحدثت عنها بعض آيات الأنهار: السرور بمنظر الماء الجاري للنهر، هذا السرور الذي يبعث البهجة في النفس، والراحة النفسية، والتفكر في ملكوت الله وعظمته وامتنانه على عباده.

قال تعالى: ( ) [البقرة: ٢٥].

قيل: المعنى في ( ): أي: بأمر سكانها واختيارهم، فعبر بتحتها عن قهرهم لها وجريانها على حكمهم، كما قيل في قوله تعالى حكايةً عن فرعون: وهذه الأنهار تجري من تحتي، أي: بأمري وقهري... وقد روي عن مسروقٍ: أن أنهار الجنة تجري في غير أخاديد، وأنها تجري على سطح أرض الجنة منبسطةً.

وإذا صح هذا النقل، فهو أبلغ في النزهة، وأحلى في المنظر، وأبهج للنفس. فإن الماء الجاري ينبسط على وجه الأرض جوهره فيحسن اندفاعه وتكسره، وأحسن البساتين ما كانت أشجاره ملتفةً وظله ضافيًا وماؤه صافيًا منسابًا على وجه أرضه، لا سيما الجنة، حصباؤها الدر والياقوت واللؤلؤ، فتتكسر تلك المياه على ذلك الحصى، ويجلو صفاء الماء بهجة تلك الجواهر، وتسمع لذلك الماء المتكسر على تلك اليواقيت واللآلئ له خريرًا 107.

( ) أي: من تحت أشجارها، كما تراها جارية تحت الأشجار النابتة على شواطئها 108.

وقال تعالى: ( ) [الرحمن: ٥٠].

وأورد أبو حيان قول ابن عباسٍ: هما عينان مثل الدنيا أضعافًا مضاعفةً، وقال: تجريان بالزيادة والكرامة على أهل الجنة.

وقال الحسن: تجريان بالماء الزلال، إحداهما التسنيم، والأخرى السلسبيل.

وقال ابن عطية: إحداهما من ماءٍ، والأخرى من خمرٍ. وقيل: تجريان في الأعالي والأسافل من جبلٍ من مسكٍ109.

ومما يزيدها بهجة ورواء أن الله سبحانه وتعالى قال: ( ) [الكهف: ٣٣].

فجر الله سبحانه خلال الجنتين-أي: بين الجنتين-نهرًا عذبًا، فكان هذا النهر متعة للناظرين، وسببًا أدى إلى وصول الماء الدائم والمستمر إلى هاتين الجنتين، فكان هذا أيضًا من الأسباب التي جعلت هاتين الجنتين تؤتي أكلها كاملة 110.

وقال الله تعالى: ( ) [الغاشية: ١٢].

أي: في تلك الجنة عين عظيمة لا ينقطع ماؤها عن الجريان، أو عيون كثيرة،... ووصف ماء العيون بالجريان للإشارة إلى أنه بارد صافٍ؛ لأن ماء العيون إذا كان جاريًا يكون في العادة باردًا صافيًا مع ما في منظر الماءٍ الجاري من مسرة وارتياح111.

أكل صيده وطعامه واستخراج حليته

لما كانت هذه الشريعة خاتمة الشرائع السماوية، كان لابد أن تكون مميزة بخصائص ومميزات تجعلها قابلة للثبات والاستمرار ومواكبة لحياة الإنسان مهما كان، وفي أي عصر كان، وفي أي مكان كان.

ومن أهم المميزات التي تميزت بها شريعتنا الغراء: رفع الحرج عن المكلفين والتيسير عليهم، من أجل هذا كانت عناية الشريعة، تلك العناية البالغة ببيان الحلال والحرام، من طعام الإنسان وشرابه، ليقيم وجهه على ما أحل الله له من طيبات. وليعرض عما حرم عليه من خبائث.

قال تعالى: ( ﭘﭙ ﭠﭡ ) [المائدة: ٩٦].

ففى هذه الآية يبين الله سبحانه وتعالى للمؤمنين حكم الصيد، وما لهم منه، وما عليهم فيه.

فعن أبي هريرة: (أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو الطهور ماؤه الحل ميتته)112.

والبحر يشمل الأنهار والأودية؛ لأن جميعها يسمى بحرًا في لسان العرب. وقد قال الله تعالى: ( ) الآية. وليس العذب إلا الأنهار كدجلة والفرات. وصيد البحر: كل دواب الماء التي تصاد فيه، فيكون إخراجها منه سبب موتها قريبًا أو بعيدًا. فأما ما يعيش في البر وفي الماء فليس من صيد البحر كالضفدع والسلحفاة، ولا خلاف في هذا113.

وفي هذا يتضح أن الله تعالى أباح لعباده أكل ما في الأرض من الحلال الطيب، وكانت وجوه الحلال كثيرة، وبين لهم ما حرم عليهم لكونه أقل، حتى إن الصحابة كانوا عندما يتشككون في أمرٍ يذهبون إلى رسول الله ويسألونه.

فعن جابرٍ بن عبد الله قال: «غزونا جيش الخبط114 وأميرنا أبو عبيدة، فجعنا جوعًا شديدًا، فألقى البحر حوتًا ميتًا لم نر مثله، يقال له: العنبر، فأكلنا منه نصف شهرٍ، فأخذ أبو عبيدة عظمًا من عظامه فمر الراكب تحته، قال: فلما قدمنا المدينة ذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: (كلوا رزقًا أخرجه الله عز وجل لكم، أطعمونا إن كان معكم، فأتاه بعضهم بشيءٍ فأكله)115 .

قال أبو بكر الصديق: صيد البحر ما تصطاده أيدينا وطعامه ما لاثه البحر 116.

فلا يخفى ما لإطابة المطعم بتحري ما أحل الله وترك ما حرم الله من أثر بالغ على قلب الإنسان وسلوكه، وأن الأكل من الطيبات له آثار حميدة على النفوس والأبدان؛ لأن الطيبات تؤثر الخير والنفع للأبدان والعقول والأخلاق، والخبائث تؤثر شرًا وضررًا في الأبدان والعقول والأخلاق، وكل ما ينفع فهو طيب وكل ما يضر فهو خبيث.

وإن هذه الطيبات التي أحلها الله لهي من ضمن الأشياء التي سخرها سبحانه وتعالى لنا في قوله عز وجل: ( ﭛﭜ ﭤﭥ ) [فاطر: ١٢].

( ) منهما ( ) وهو ما يصاد منهما من حيواناتهما التي تؤكل117.

يقول تعالى: ( ) [النحل: ١٤].

هو وحده لا شريك له ( ) وهيأه لمنافعكم المتنوعة. ( ) وهو السمك والحوت الذي يصطادونه منه، ( ) فتزيدكم جمالا وحسنا إلى حسنكم118.

ومن تسخير البحر: خلقه على هيئةٍ يمكن معها السبح والسير بالفلك، وتمكين السابحين والماخرين من صيد الحيتان المخلوقة فيه والمسخرة لحيل الصائدين. وزيد في الامتنان أن لحم صيده طريٌ119.

( ﭛﭜ ﭤﭥ ) [فاطر: ١٢].

إن من آيات الله عز وجل أن سخر لنا البحر لنأكل منه لحمًا طريًا، ومن نعم الله جل في علاه أن ذلل البحر لنا حتى استطعنا أن نصطاد منه الأسماك وغيرها مما يؤكل من هذه اللحوم الطرية، كذلك ذلَله لنا لنغوص فيه فنجمع اللؤلؤ والمرجان وما يتخذ زينة. سمي السمك لحمًا؛ لأنه حيوان من جملة الحيوانات، وكونه بحريًا لا ينفي كونه لحمًا، ووصف بالطري؛ لأن لحم السمك أطرى من لحم حيوانات البر.

يمتن الله على عباده بتذليل البحر لهم وتيسيرهم للركوب فيه، وجعله السمك والحيتان فيه، وإحلاله لعباده لحمها حيها وميتها، وما يخلقه فيه من اللآلئ والجواهر النفيسة، وتسهيله للعباد استخراجهم من قراره حليةً يلبسونها120.

امتن الله سبحانه بتسخير البحر بإمكان الركوب عليه واستخراج ما فيه من صيدٍ وجواهر؛ لكونه من جملة النعم التي أنعم الله بها على عباده مع ما فيه من الدلالة على وحدانية الرب سبحانه وكمال قدرته،... ثم ذكر العلة في تسخير البحر فقال: ( ) المراد به: السمك، ووصفه بالطراوة للإشعار بلطافته، والإرشاد إلى المسارعة بأكله لكونه مما يفسد بسرعةٍ 121.

( )أي: لؤلؤًا ومرجانًا كما في قوله سبحانه: ( ) [الرحمن:٢٢] 122.

وقد ذكر بعض المفسرين أن «وصفه بالطراوة؛ لأن الفساد يسارع إليه»، ولكن هذا القول مما لا يناسب مقام الامتنان بنعم الله؛لأن المعنى يكون حينئذ: وسخر لكم البحر لتأكلوا لحم السمك الذي يسارع إليه الفساد فتأكلونه طريًا لئلا يفسد، وهذا لا يناسب مقام الامتنان، وإنما الذي يناسب مقام الامتنان هو وصف لحم السمك بالطراوة الذي هو عنوان للذة لحوم السمك، جاء التعبير () وليس « تخرجوا»؛ لأن الاستخراج يدل على الطلب، فالذي يغوص في البحر يطلب اللؤلؤ والمرجان، فهو يستخرجهما، أي: يطلبهما123.

ووجه الأكل إلى لحمه مباشرة وفيه إشارة إلى أنه لا يزكى، بل يؤكل ميتًا، ولذا روى في الأثر (أحل لنا ميتتان حلالان: السمك والجراد) 124 .

وعبر سبحانه وتعالى أيضًا بقوله: ( )، ولم يقل سمكًا؛ لأن في البحر ما ليس بسمك، حيوانات تشبه حيوانات البحر، والظاهر أنها حلال وفيها ضخم يكفي الألوف، كالحيوان البحري المسمى الترسة، وكالحوت وفرس البحر، وغير ذلك، وكلها لحم طري، وقد وصف القرآن اللحم الذي يؤخذ من البحر بأنه لحم طري؛ لأنه فعلًا طري، وعظمه قليل، ولا يتخلل أجزاء جسمه، بل هو في موضع معين والذي يتخلل جسمه شيء صغير يسميه العامة « سفا ».

ويقول الزمخشري في وصفه بأنه طري للإشارة إلى أنه سريع العفن، وأنه ضار إذا تعفن، وفي ذلك نظر، فإنه إذا وضع الملح عليه لم يكن ضارًا في تعفنه، وهو المتفسخ منه، وقد أنكره أطباء عصرنا وزماننا ثم أباحوه، بل استحسنوه، وقرروا أن فيه سرًا طبيًا، وإن لم يعرفوه، وحرم التفسخ الحنفية؛ لأنه ضار، وقد علمت ما فيه.

و (اللام) في قوله تعالى: () هي لام الغاية، أي: ذلله وسخره لتأكلوا منه لحما بعد صيده، وإنضاجه، وفيه مواد غذائية كبيرة، مملوءة بالقشور، وغيرها.

وإذا كان ذلك الطعام فيه منفعة مرئية طيبة، فالبحر وعاء للجواهر المختلفة، ولذا قال: ( ) وهي ما يسمونه بالأحجار الكريمة من لآلئ، وزمرد، وغيرهما مما يتحلى به النساء وبعض المرفهين من الرجال، وإن لم يتشبهوا بالنساء125.

فالأنهار تقدم للإنسان أيضًا فوائد كثيرة، وخاصة مع سكان المناطق التي يعيشون على ضفافها، فهي تفيض لهم بالخير، وتخرج من جوفها الأسماك والأعشاب والخيرات، وقد أثبت العلم الغذائي ما في ثمار البحر عمومًا، والسمك خصوصًا، من فوائد جمة. وينصح الأطباء بتناول وجبة سمك ولو مرة واحدة أو مرتين في الأسبوع؛ لما فيها من غذاء ضروري للأجسام.

ومن نعم الله تعالى أيضًا تذليله البحر للناس، وتيسيره للركوب فيه، وإباحته الأسماك المختلفة المستخرجة منه، واستخراج الحلي واللآلئ منه للبس والزينة، والاستفادة من المرجان، وعبور الفلك (السفن) فيه جيئة وإيابًا، وطلب فضل الله ورزقه بالتجارة فيه، مما يوجب شكر نعمه وإحسانه على الناس بما يسره لهم في البحار126.

أنهار الجنة

جمع الله عز وجل الأنهار التي أعدها لعباده المتقين في الجنة في آية واحدة من آيات القرآن الكريم، ومن حكمته سبحانه أن جعل هذه الآية في سورة محمد صلى الله عليه وسلم.

( ﮊﮋ ﮠﮡ ﮩﮪ ) [محمد: ١٥].

لما بين سبحانه الفرق بين الفريقين في الاهتداء والضلال بين الفرق في مرجعهما ومآلهما، فقال: ( )127 .

و( ): صفة الجنة العجيبة الشأن، وقوله: ( )، في حكم الصلة، كالتكرير لها. ألا ترى إلى سر قوله: التي فيها أنهارٌ؟ ويجوز أن تكون خبر مبتدإٍ محذوفٍ هي: فيها أنهارٌ128.

( ) ذكر الله تعالى في هذه الآية نوعين من الجزاء لكل من الفريقين: جزاء مادي وجزاء معنوي، أما نوعا جزاء المؤمنين فهما المشروب والمطعوم، والمغفرة والرضوان، وأما نوعا جزاء الكافرين فهما المشروب الحار، والخلود في النار...ومعنى الآية: إن نعت الجنة أو وصفها العجيب الشأن، التي وعد الله بها عباده المتقين، الذين اتقوا عقابه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه؛ هو ما تسمعون. ثم ابتدأ بمشروب أهل الجنة فيها أنهار جارية، من ماء غير متغير الطعم والريح واللون لطول المكث، بل إنه ماء عذب فرات، متدفق نقي غير مصحوب برواسب أو طحالب، من شربه لا يظمأ أبدًا، وقد ابتدأ بالماء؛ لأنه أعم نفعًا للناس من بقية المشروبات 129.

ونقل ابن كثير قول قتادة والضحاك وعطاء الخراساني: غير منتنٍ، والعرب تقول: أسن الماء إذ تغير ريحه130.

( ) وفيها أنهار من حليب لم يحمض كما تتغير ألبان الدنيا، وهو في غاية البياض والحلاوة والدسومة، وثنى باللبن، لأنه ضروري للناس كلهم، وهو غذاء كامل ومطعوم شهي131.

( ) والخمر: عصير العنب الذي يترك حتى يصيبه التخمر وهو الحموضة مثل خمير العجين. ولذةٍ وصفٌ وليس باسمٍ، وهو تأنيث اللذ، أي: اللذيذ، واللذاذة: انفعالٌ نفسانيٌ فيه مسرةٌ، وهي ضد الألم وأكثر حصوله من الطعوم والأشربة والملامس البدنية، فوصف خمرٍ هنا بأنها لذةٍ، معناه: يجد شاربها لذاذةً في طعمها، أي: بخلاف خمر الدنيا فإنها حريقة الطعم فلولا ترقب ما تفعله في الشارب من نشوةٍ وطربٍ لما شربها لحموضة طعمها132.

أي: ليست كريهة الطعم والرائحة كخمر، الدنيا، حسنة المنظر والطعم والرائحة والفعل لا فيها غولٌ ولا هم عنها ينزفون ( ﯿ) [الصافات: ٤٧]133.

( ) أي: تلذذ خالص ليس معه ذهاب عقل ولا سكر ولا صداع، بخلاف خمر الدنيا، فإنها كريهة عند الشرب، و(): تأنيث لذ، أي: لذيذ 134.

وفيها أنهار من خمر لذيذة الطعم، طيبة الشرب، ليست كريهة الطعم والرائحة أو مرة كخمر الدنيا، بل حسنة المنظر والطعم والرائحة: ( ﯿ) [الصافات: ٤٧].

( ) [الواقعة: ١٩].

أي: ليس فيها ضرر ولا مادة مسكرة تزيل العقل، ولا يصيب شاربها صداع، ولا يذهب عقله، وإنما هي لذيذة للشاربين: ( ) [الصافات: ٤٦].

وذكرت في المرتبة الثالثة؛ لأنها ليست ضرورية، وإنما فيها متعة ذوقية، فهي لذيذة الطعم، طيبة الشرب، لا يكرهها الشاربون، وتناولها للذة بعد حصول الري والمطعوم135.

( ) العسل المصفى: الذي خلص مما يخالط العسل من بقايا الشمع وبقايا أعضاء النحل التي قد تموت فيه136.

أي: من عسل ليس فيه عكرٌ ولا كدرٌ كعسل أهل الدنيا137.

وفيها أنهار من عسل في غاية الصفاء، وحسن اللون والطعم والريح، لم يخالطه شيء من الشمع والقذى والعكر والكدر.

وذكر في المرتبة الرابعة؛ لأنه ليس ضروريًا وإنما جمع بين مختلف الطعوم والإحساسات الذوقية المرغوبة، ولا شك أن الحلو أطيب الطعوم، والعسل أرقاها، وفيه فوائد كثيرة للجسد: ( ) [النحل: ٦٩].

ففيه الشفاء في الدنيا بعد المشروب والمطعوم، وفيه الخير في الآخرة.

وفي ذكر هذه الأجناس الأربعة، إطناب بتكرار لفظ أنهارٌ، وتشويق لنعيم الجنة، وجمع بين الضرورة (الماء) والحاجة (اللبن) والمتعة (الخمر غير المسكرة) والعلاج النافع (العسل)138.

وقد يكون ذكر هذه الأربعة جمعًا بين ما تشتهيه كل الأذواق من الناس، ليكتمل لأهل الجنة كل شراب يشتهى.

ويورد ابن كثير حديث الإمام أحمد بسنده عن حكيم بن معاوية عن أبيه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (في الجنة بحر اللبن وبحر الماء وبحر العسل وبحر الخمر، ثم تشقق الأنهار منها بعد) 139.

وفي الصحيح أشار النبي صلى الله عليه وسلم مرغبا أمته في العمل على طلب الجنة وأنهارها فقال: (إذا سألتم الله تعالى فاسألوه الفردوس؛ فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، ومنه تفجر أنهار الجنة وفوقه عرش الرحمن) 140.

والمعنى العام للآية: مثل الجنة الموعودة للمؤمنين، وشأنها العجيب ما يتلى عليكم من جلائل النعم، في هذه الجنة أنهار من الماء النقي المتجدد الذي لم يداخله كدر، ولم يلحقه تغير في لون أو طعم لطول مكثه، وأنهار من لبن لم تطرأ عليه حموضة ولم يستكره له طعم، كما يحدث في ألبان الدنيا، وأنهار من خمر لذيذ الطعم مستساغ المذاق، ليس فيها كراهية ريح، ولا غائلة سكر، ولا يجد شاربها إلا اللذة والمتعة، وأنهار من عسل خالص صرف مصفى من الشمع، ومن جميع الشوائب وفضلات النحل، وفيها غير هذا من كل الثمرات، وأصناف المطعومات ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، وكل ذلك من الوفرة والكثرة بحيث لا يخاف منه حرمان، ولا إقلال ولهم قبل هذا مغفرة واسعة من ربهم تمحو ذنوبهم، وترفع درجاتهم141.

من أنهار الدنيا في الجنة:

وإذا كان بعض المفسرين يرى أن أنهار الجنة هذه، التي ذكرت في الآية الكريمة، وصفت على سبيل التشبيه، فبعضهم يرى أن أنهار الماء حقيقة، وأنهار اللبن والعسل والخمر على طريقة التشبيه البليغ أو المماثلة.

قال أبو حيان الأندلسي: «ويظهر أن القصد بالتمثيل هو إلى الشيء الذي يتخيله المرء عند سماعه. فههنا كذا، فكأنه يتصور عند ذلك اتباعًا على هذه الصورة، وذلك هو مثل الجنة»142.

وقال ابن عاشور: «فأما إطلاق الأنهار على أنهار الماء فهو حقيقةٌ، وأما إطلاق الأنهار على ما هو من لبنٍ وخمرٍ وعسلٍ فذلك على طريقة التشبيه البليغ، أي: مماثلةٌ للأنهار، فيجوز أن تكون المماثلة تامةً في أنها كالأنهار مستبحرةٌ في أخاديد من أرض الجنة، فإن أحوال الآخرة خارقةٌ للعادة المعروفة في الدنيا، فإن مرأى أنهارٍ من هذه الأصناف مرْأى مبهجٌ. ويجوز أن تكون مماثلة هذه الأصناف للأنهار في بعض صفات الأنهار وهي الاستبحار. وهذه الأصناف الخمسة المذكورة في الآية كانت من أفضل ما يتنافسون فيه ومن أعز ما يتيسر الحصول عليه، فكيف الكثير منها، فكيف إذا كان منها أنهارٌ في الجنة»143.

أقول: ومع ذلك فإن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم دلنا بوضوح على أنه في الدنيا أنهار من أنهار الجنة.

فقد ذكر البغوي بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سيحان وجيحان والنيل والفرات كلٌ من أنهار الجنة) 144.

كما أورد القرطبي قول كعب الأحبار: نهر دجلة نهر ماء أهل الجنة، ونهر الفرات نهر لبنهم، ونهر مصر نهر خمرهم، ونهر سيحان نهر عسلهم، وهذه الأنهار الأربعة تخرج من نهر الكوثر145.

وهذا الكلام أقصد قول كعب الذي أورده القرطبي له علاقة بالحديث الصحيح قبله، وإن كان آخره وهو خروج هذه الأنهار من نهر الكوثر لم أعثر له على أثر، والله أعلم.

الأنهار في المثل القرآني

المثل في الأدب: قول محكي سائر، يقصد به تشبيه حال الذي حكي فيه بحال الذي قيل لأجله، أي: يشبه مضربه بمورده.

ويطلق المثل على الحال والقصة العجيبة الشأن. وبهذا المعنى فسر لفظ المثل في كثير من الآيات. كقوله تعالى: ( ﮊﮋ ) [محمد: ١٥].

أي: قصتها وصفتها التي يتعجب منها146.

وضرب الأمثال في القرآن يستفاد منه أمورٌ كثيرةٌ، منها: التذكير والوعظ، والحث والزجر، والاعتبار والتقرير، وترتيب المراد للعقل، وتصويره في صورة المحسوس، بحيث يكون نسبته للفعل كنسبة المحسوس إلى الحس.

وتأتي أمثال القرآن مشتملةً على بيان تفاوت الأجر، وعلى المدح والذم، وعلى الثواب والعقاب، وعلى تفخيم الأمر أو تحقيره، وعلى تحقيق أمر وإبطال أمر.

قال تعالى ممتنًا على عباده بضرب الأمثال لما تضمنته من فوائد: ( ) [الروم: ٥٨].

وقال أيضًا: ( ﮦﮧ ) [العنكبوت: ٤٣]147 .

وذكر الله المثلين: المائي والناري-في سورة الرعد للحق والباطل. فقال تعالى: ( ﯙﯚ ﯥﯦ ﯫﯬ ﯰﯱ ﯸﯹ ) [الرعد: ١٧].

شبه الوحي الذي أنزله من السماء لحياة القلوب بالماء الذي أنزله لحياة الأرض بالنبات، وشبه القلوب بالأودية، والسيل إذا جرى في الأودية احتمل زبدًا وغثاء، فكذلك الهدى والعلم إذا سرى في القلوب أثار ما فيها من الشهوات ليذهب بها، وهذا هو المثل المائي في قوله: ( ) وهكذا يضرب الله الحق والباطل148.

وهذا المثل مضروب لمن عمل عملًا لوجه الله تعالى من صدقة أو غيرها، ثم عمل أعمالًا تفسده، فمثله كمثل صاحب هذا البستان الذي فيه من كل الثمرات، وخص منها النخل والعنب لفضلهما وكثرة منافعهما، لكونهما غذاء وقوتًا وفاكهة وحلوى، وتلك الجنة فيها الأنهار الجارية التي تسقيها من غير مؤنة، وكان صاحبها قد اغتبط بها وسرته149.

ثم إنه أصابه الكبر فضعف عن العمل وزاد حرصه، وكان له ذرية ضعفاء ما فيهم معاونة له، بل هم كل عليه، ونفقته ونفقتهم من تلك الجنة، فبينما هو كذلك إذ أصاب تلك الجنة إعصار، وهو الريح القوية التي تستدير ثم ترتفع في الجو، وفي ذلك الإعصار نار، فاحترقت تلك الجنة، فلا تسأل عما لقي ذلك الذي أصابه الكبر من الهم والغم والحزن، فلو قدر أن الحزن يقتل صاحبه لقتله الحزن، كذلك من عمل عملًا لوجه الله فإن أعماله بمنزلة البذر للزروع والثمار، ولا يزال كذلك حتى يحصل له من عمله جنة موصوفة بغاية الحسن والبهاء، وتلك المفسدات التي تفسد الأعمال بمنزلة الإعصار الذي فيه نار، والعبد أحوج ما يكون لعمله إذا مات، وكان بحالة لا يقدر معها على العمل، فيجد عمله الذي يؤمل نفعه هباء منثورًا، ووجد الله عنده فوفاه حسابه، والله سريع الحساب، فلو علم الإنسان وتصور هذه الحال وكان له أدنى مسكة من عقل، لم يقدم على ما فيه مضرته ونهاية حسرته، ولكن ضعف الإيمان والعقل وقلة البصيرة يصير صاحبه إلى هذه الحالة، التي لو صدرت من مجنون لا يعقل لكان ذلك عظيمًا وخطره جسيمًا، فلهذا أمر تعالى بالتفكر وحث عليه150.

ومن الأمثال التي لها صلة بالأنهار في القرآن قوله تعالى: ( ﭖﭗ ﭛﭜ ﭟﭠ ﭤﭥ ) [الرعد: ٣٥].

يقول تعالى: ( ) الذين تركوا ما نهاهم الله عنه، ولم يقصروا فيما أمرهم به، أي: صفتها وحقيقتها ( ) أنهار العسل، وأنهار الخمر، وأنهار اللبن، وأنهار الماء التي تجري في غير أخدود، فتسقى تلك البساتين والأشجار فتحمل من جميع أنواع الثمار. ( ) دائم أيضًا، ( ) أي: عاقبتهم ومآلهم التي إليها يصيرون،( ) فكم بين الفريقين من الفرق المبين؟!!151.

كذلك من الأمثال التي لها صلة بالأنهار قوله تعالى: ( ﯮ ﯯ ) [الكهف: ٣٢-٣٣].

وتصوير المثل كما حكى القرآن:

واضرب أيها الرسول مثلًا لهؤلاء المشركين بالله الذين طلبوا منك طرد المؤمنين من مجلسك، ذلك المثل هو حال رجلين، جعل الله لأحدهما جنتين، أي:بستانين من أعناب، محاطين بنخيل، وفي وسطهما الزروع والأشجار المثمرة.( ) أي: أخرجت ثمارها، ولم تنقص منه شيئًا في كل عام.

( ) أي: وشققنا وسط الجنتين نهرًا، تتفرع عنه عدة جداول، لسقي جميع الجوانب152.

ويورد ابن الجوزي في مورد المثل رواية عطاء عن ابن عباس، قوله: هما ابنا ملك كان في بني إسرائيل، توفي وتركهما، فاتخذ أحدهما الجنان والقصور، وكان الآخر زاهدًا في الدنيا، فكان إذا عمل أخوه شيئًا من زينة الدنيا، أخذ مثل ذلك فقدمه لآخرته، حتى نفد ماله، فضربهما الله عز وجل مثلًا للمؤمن والكافر الذي أبطرته النعمة153.

إذن فقد وردت الأنهار في المثل القرآني في أكثر من موضع، للمقابلة بين الحق والباطل في المثل المائي والناري، وللتذكير والوعظ في النهر الذي فجره الله وسط الجنتين، وللتشويق إلى أنهار الجنة، وللاعتبار والتقرير والثبات على الإيمان، وغير ذلك.

الأنهار والابتلاء

الابتلاء وسيلة تمييز الصفوف وتمحيص القلوب؛ جعله سنة ماضية، فحمل الأمانة لا يصلح له كل الناس، بل يحتاج إلى قوم مختارين، وهم الصفوة الذين يعدون لهذا الأمر إعدادًا خاصًا ليحسنوا القيام به.

ومن النتائج المترتبة على سنة الابتلاء لاحقًا: سنة التمحيص، فالمؤمن من جهة يتعرض للمحنة، فيصقل معدنه من أثرها، والمنافق من جهة ثانية لا يستطيع الصمود أمام الفتنة، فينكص على عقبيه؛ ولهذا جعل الله التمحيص معبرًا لتنقية الصف المؤمن من أدعياء الإيمان، فيقع به التمييز بين الدر الثمين والخرز الخسيس.

قال تعالى ( ) [آل عمران: ١٧٩].

وقوله تعالى: ( ﮞﮟ ) [آل عمران: ١٥٤].

وقد أدرك أهل العلم والبصيرة هذه الحقيقة؛ فعندما سئل الإمام الشافعي رحمه الله: أيما أفضل للرجل: أن يمكن أو يبتلى؟ فقال: لا يمكن حتى يبتلى.

أولًا: ابتلاء الله لجنود طالوت بالنهر:

من حوادث الابتلاء المتعلقة بالأنهار: ما ذكره القرآن الكريم من ابتلاء الله عز وجل بني إسرائيل بالنهر وعدم الشرب منه، والقصة بدأت عندما طلبوا من نبيهم القتال، وأن يبعث لهم ملكًا يقاتلون معه؛ لرفع الظلم الواقع عليهم.

وفي ذلك يقول تعالى: ( ﭥﭦ ﭯﭰ ﭽﭾ ﭿ ﮆﮇ ) [البقرة: ٢٤٦].

وهذه القصة حدثت بعد وفاة موسى عليه السلام، والنبي الذي سألوه أن يبعث لهم ملكًا هو شمويل بن بال بن علقمة، ويعرف بابن العجوز، ويقال فيه: شمعون.قاله السدي، وإنما قيل: ابن العجوز؛ لأن أمه كانت عجوزًا، فسألت الله الولد، وقد كبرت وعقمت فوهبه الله تعالى لها، ويقال له أيضًا: شمعون.

قال وهب بن منبه: لما قال الملأ من بني إسرائيل لشمويل بن بال ما قالوا، سأل الله تعالى أن يبعث إليهم ملكًا ويدله عليه، فقال الله تعالى له: انظر إلى القرن الذي فيه الدهن في بيتك، فإذا دخل عليك رجل فنش الدهن الذي في القرن، فهو ملك بني إسرائيل فادهن رأسه منه وملكه عليهم.

وكان طالوت دباغًا فخرج في ابتغاء دابة أضلها، فقصد شمويل عسى أن يدعو له في أمر الدابة أو يجد عنده فرجًا، فنش الدهن على ما زعموا، قال: فقام إليه شمويل فأخذه ودهن منه رأس طالوت، وقال له: أنت ملك بني إسرائيل الذي أمرني الله تعالى بتقديمه .

ثم قال لبني إسرائيل: ( ) [البقرة: ٢٤٧].

وكان طالوت من سبط بنيامين، ولم يكن من سبط النبوة، ولا من سبط الملك، وكانت النبوة في بني لاوي، والملك في سبط يهوذا، فلذلك أنكروا، وقالو: ا أنى يكون له الملك علينا ؟أي: كيف يملكنا ونحن أحق بالملك منه؟!، جروا على طريقتهم في التعنت مع الأنبياء، والانحراف عن أمر الله تعالى، وتعجبوا كيف يكون له الملك، وهم من سبط الملوك ، هو ليس كذلك، هم أغنياء وهو فقير؟، فتركوا السبب الأقوى وهو قدر الله تعالى وقضاؤه السابق، فالأمر أمره والعبد عبده، والحلال ما أحل، والحرام ما حرم، والدين ما شرع، وليس للعبد إلا أن يستسلم ويقول: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير.

فنبيهم قد صرح لهم وقال: ( ) فساروا على درب إبليس عندما اعترض على الأمر المباشر بالسجود لآدم، وكان أول من قاس قياسًا فاسدًا في مواجهة النص، وقال: ( ) قد تصور القوم أن الملك حكر عليهم، وأن التقديم والتأخير تبعًا للغنى والفقر، وصادموا الوحي بذلك، وهم أهل تعنت؛ فقد صنعوا ذلك من قبل مع نبي الله موسى عليه السلام عندما أمرهم بذبح بقرة، فأكثروا وشددوا؛ فشدد الله عليهم.

قال ابن عباسٍ: كان طالوت يومئذٍ أعلم رجلٍ في بني إسرائيل وأجمله وأتمه، وزيادة الجسم مما يهيب العدو154.

قال تعالى ( ﭨﭩ ﭮﭯ ﭼﭽ ﭿ ﮌﮍ ) [البقرة: ٢٤٩].

لما كان بنو إسرائيل من قبل كارهين لملك طالوت عليهم، ثم أذعنوا من بعد، وكان إذعان الجميع ورضاهم مما لا يمكن العلم به إلا بالاختبار والابتلاء، أراد الله أن يبتلي هذا القائد جنده ليعلم المطيع والعاصي والراضي والساخط، فيختار المطيع الذي يرجى بلاؤه في القتال، وثباته في معامع النزال، وينفي من يظهر عصيانه، ويخشى في الوغى خذلانه، فإن طاعة الجيش للقائد وثقته به من شروط الظفر، وأحوج القواد إلى اختبار الجيش من ولي على قوم وهم له كارهون، أو كان فيهم من يكرهه، فإذا وجد في الجيش من ليس متحدًا معه يخشى أن يوضعوا خلاله يبغونه الفتنة ويسمونه بالفشل.

فأخبر طالوت جنوده بأن سيمرون على نهر يمتحنهم به بإذن الله، فمن شرب منه فلا يعد من أشياعه المتحدين معه في أمر القتال.إلا أن يكون ما يشربه قليلًا وهو غرفة تؤخذ باليد، فإن هذا مما يتسامح فيه ولا يراه مانعًا من الاتحاد به والاعتصام بحبله، ومن لم يطعمه، أي: يذقه بالمرة فإنه منه، وهو الذي يركن إليه ويوثق به تمام الثقة، فالابتلاء سيكون على ثلاث مراتب:

الأولى: مرتبة من يشرب فيروى لا يبالي بالأمر، وحكمه أن يتبرأ منه.

الثانية: ومرتبة من يأخذ بيده غرفة يبل بها ريقه وهو مقبول في الجملة.

الثالثة: مرتبة من لا يذوقه ألبتة، وهو الولي النصير الذي يوثق باتحاده، ويعول على جهاده.

قال تعالى: ( ) ذلك أن القوم كانوا قد فسد بأسهم وتزلزل إيمانهم، واعتادوا العصيان فسهل عليهم عصيانهم، وشق عليهم مخالفة الشهوة وإن كان فيها هوانهم، ولم يبق فيهم من أهل الصدق في الإيمان والغيرة على الملة والأمة إلا نفر قليل( ) [سبأ: ١٣].

والعدد القليل من أهل العزائم يفعل ما لا يفعل الكثير من ذوي المآثم، كما يعلم من قوله تعالى: ( ) 155.

فلما خرج طالوت بالجنود من بيت المقدس، لقتال أعدائهم، قال لهم: إن الله مختبركم وممتحن مقدار صدقكم-في لقاء عدوكم، واستجابتكم لأوامر قائدكم-() يعترض طريقكم: أطلب منكم عدم الشرب منه، ليظهر منكم المطيع والعاصي، فإن طاعة القائد شرط أساسي للنصر، فمن غلبته شهوته وشرب من مائه، فليس من أتباعي؛ لأنه إذا عصاني اليوم، فهو أحرى أن يعصي أمري وقت اشتداد الحرب، فتحدث الهزيمة. ومن لم يذق ماءه استجابة لهذا الأمر وصبر، فإنه مني، ضالع معي في لقاء العدو، والرغبة في الانتصار عليه.

ثم استثنى من القسم الأول وهو: من شرب من النهر فقال: ( ) يبل بها ريقه في هذه الفلاة وشدة العطش، فلا بأس عليه في ذلك.

قالوا - في حكمة الأمر بالاكتفاء بالغرفة-: إنه اختبار لطاعتهم كما تقدم، كما أن فيه سلامة الجندي، فإن الإسراف في الشرب-عند مناجزة العدو-يضر ضررًا بليغًا.

( ) أي: فلم يمتثلوا ما أمرهم به طالوت، بل شربوا منه أكثر مما أمرهم به، إلا قليلًا منهم، نفذوا أمره فاغترف كل واحد منهم لنفسه غرفة واحدة156.

وهؤلاء الذين يظنون أنهم ملاقو الله في الآخرة هم الذين آمنوا وجاوزوا النهر مع طالوت، قال ضعافهم: لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده، وقال أقوياؤهم: كم من فئة قليلة إلخ... ثم اشتد بعضهم بعزيمة بعض، وكان من أمر انتصارهم ما يأتي في الآية التي بعد هذه، والعبارة لا تدل على أن الذين شربوا من النهر لم يجاوزوه، وإنما خص بالذكر الذين لم يشربوا؛ لأنهم لم يتخلفوا عن طالوت لأجل الشرب، فهم الذين جاوزوه معه مقترنين وهم الذين يعتدهم منه، ويتبرأ من المتخلفين العاصين.كما علم من قوله في الابتلاء157.

والظاهر أن الملك لما علم أنه سائرٌ بهم إلى عدوٍ كثير العدد، وقوي العهد أراد أن يختبر قوة يقينهم في نصرة الدين، ومخاطرتهم بأنفسهم وتحملهم المتاعب وعزيمة معاكستهم نفوسهم، فقال لهم: إنكم ستمرون على نهرٍ، وهو نهر الأردن، فلا تشربوا منه فمن شرب منه فليس مني، ورخص لهم في غرفةٍ يغترفها الواحد بيده يبل بها ريقه، وهذا غاية ما يختبر به طاعة الجيش، فإن السير في الحرب يعطش الجيش، فإذا وردوا الماء توافرت دواعيهم إلى الشرب منه عطشًا وشهوةً، ويحتمل أنه أراد إبقاء نشاطهم؛ لأن المحارب إذا شرب ماءً كثيرًا بعد التعب، انحلت عراه ومال إلى الراحة، وأثقله الماء158.

امتحنهم بأمر الله ليتبين الثابت المطمئن ممن ليس كذلك، فقال: ( ) فهو عاص ولا يتبعنا؛ لعدم صبره وثباته ولمعصيته( ) أي: لم يشرب منه فإنه مني ( ) فلا جناح عليه في ذلك، ولعل الله أن يجعل فيها بركة فتكفيه، وفي هذا الابتلاء ما يدل على أن الماء قد قل عليهم ليتحقق الامتحان، فعصى أكثرهم وشربوا من النهر الشرب المنهي عنه159.

ومن بديع إيجاز القرآن: أن يحذف الشيء ويأتي في السياق بما يدل عليه، كما وصف الذين لم يشربوا بالإيمان مرة وباعتقاد لقاء الله تعالى مرة أخرى، فأعلمنا أن هذا الإيمان والاعتقاد هما سبب طاعة القائد وترك الشرب، وسبب الشجاعة والإقدام على لقاء العدو الذي يفوقهم عددًا160.

إذن فقد جعل الله الأنهار سببًا للابتلاء، فابتلى بني إسرائيل بالنهر وعدم الشرب منه، اختبارًا لطاعتهم وثباتهم وهو أعلم.

ثانيًا: ابتلاء الله لفرعون بجريان الأنهار من تحت قصوره:

الابتلاء سنة ربانية جارية إلى يوم القيامة، وهي سنة ثابتة من سنن الدعوات، وعلامة من علامات الصدق، والسير في الاتجاه الصحيح نحو تحقيق الأهداف، وكيف لا؟! والتاريخ يؤيد هذه الحقيقة، والقرآن يؤكدها ( ) [محمد: ٣١].

ولقد خلق الله الإنسان في هذه الحياة ليختبره ويبتليه، وجعل حياته في هذه الدنيا حياة كد وكدح وكبد، فقال سبحانه موضحًا هذه المعاني: ( ) [الملك: ١-٢].

ومن مظاهر سنة الابتلاء: ابتلاء الله لفرعون بجريان الأنهار من تحت قصوره، وقد تحدثت بعض آيات القرآن الكريم عن هذا النوع من الابتلاءات، قال تعالى: ( ﭿ ﮂﮃ ) [الزخرف: ٥١].

يقول تعالى مخبرًا عن فرعون وتمرده وعتوه وكفره وعناده، أنه جمع قومه فنادى فيهم متبجحًا مفتخرًا بملك مصر وتصرفه فيها أليس لي ملك مصر ( ﭿ ) أي: أفلا ترون ما أنا فيه من العظمة والملك، يعني: وموسى وأتباعه فقراء ضعفاء161.

( ) أي: من تحت قصري. ( ) أعميتم عن مشاهدة ذلك.162 ( ) قيل: لما رأى تلك الآيات، وهي الآيات التسع التي ذكرها في سورة الإسراء وغيرها، استجاب الله بعد تكذيبه بها دعاء موسى، وهو المشار إليه قبل هذه الآية في قوله تعالى: ( ) [الزخرف: ٥٠].

خاف ميل القوم إلى موسى، فجمعهم ونادى بصوته فيما بينهم أو أمر مناديًا ينادي بقوله: يا قوم أليس لي ملك مصر؟ لا ينازعني فيه أحدٌ ولا يخالفني مخالفٌ ( ﭿ ) أي: من تحت قصري، والمراد: أنهار النيل.

وقال قتادة: المعنى: تجري بين يدي.

وقال الحسن: تجري بأمري، أي: تجري تحت أمري163.

لما رأى الملأ من قوم فرعون الآيات تترى عليهم، وسخط ربك حالَا بهم: قال:( ) [الزخرف:٤٩]، قيل:هو خطاب تعظيم عندهم( ) من النبوة لئن كشفت عنا العذاب الذي نزل بنا لنؤمنن لك ولنرسلن معك بنى إسرائيل، وإننا لمهتدون إلى الصواب، وإلى الحق الذي تدعو إليه، فلما كشفنا عنهم العذاب، فاجأوا الكشف عنهم بأنهم ينكثون العهود وينقضون المواثيق.

هذا ما كان من أمر القوم وخاصة الملأ منهم، أما فرعون ملك مصر فها هي ذي أعماله: ونادى فرعون في قومه بأن جمعهم في مكان واحد كالسوق مثلًا، أو جمع أشرافهم وهم بلغوا عنه فكأنه نادى فيهم جميعا، فماذا قال؟ قال: يا قوم أليس لي ملك مصر؟ استفهام المراد منه التقرير، أي: قروا بما تعرفونه من أنى ملك مصر.

وهذه الأنهار-فروع نهر النيل-تجرى من تحتي، وتسير بأمرى، وأنا صاحب التصرف في كل ما ينتج عن جريها من مزروعات وغيرها. وعلى أنها كانت تجرى من تحت قصره، ( ) تلك الحقائق؟ بل تبصرون أني أنا خير من هذا الذي هو فقير وضعيف164.

ومن المعلوم أن التاريخ تحكمه سنن الله الكونية، ومن لم يفقه هذه السنن لا يفقه التاريخ، إذن فالتاريخ ليس أحداثًا تتعاقب، بقدر ما هو أسباب تنتج عنها نتائج بإذن ربها، حينئذ ندرك طرفًا من مقصود الآيات التي تتحدث عن هلاك فرعون وجنوده غرقًا، بعد أن شق الله سبحانه وتعالى البحر لموسى ومن معه من المؤمنين، فبين الله سبحانه وتعالى وقيعتهم المأساوية حيث أغرقوا جميعَا فتركوا ديارهم، وما تزخر به من أسباب الرفاهية والسعادة.

قال تعالى: ( ) [الأعراف: ١٣٦]

وكان إغراقهم انتقامًا من الله لذاته لأنهم جحدوا انفراد الله بالإلهية، أو جحدوا إلاهيته أصلًا، وانتقامًا أيضًا لبني إسرائيل؛ لأن فرعون وقومه ظلموا بني إسرائيل وأذلوهم واستعبدوهم باطلًا.

والإغراق: الإلقاء في الماء المستبحر الذي يغمر الملقى فلا يترك له تنفسًا، وهو بيانٌ للانتقام وتفصيلٌ لمجمله، فيكون المعنى: فأردنا الانتقام منهم فأغرقناهم، واليم: البحر والنهر العظيم، والمراد به هنا بحر القلزم، المسمى في التوراة بحر سوف، وهو البحر الأحمر. وقد أطلق (اليم) على نهر النيل في قوله تعالى: ( ) [طه: ٣٩].

وقوله: ( ) [القصص٧].

فالتعريف في قوله: اليم هنا تعريف العهد الذهني عند علماء المعاني المعروف بتعريف الجنس عند النحاة؛ إذ ليس في العبرة اهتمامٌ ببحرٍ مخصوصٍ ولكن بفردٍ من هذا النوع 165.

ومن هنا بعدما اقتحم فرعون بفرسه الطريق الذي شقه الله لموسى في البحر، ولما خرج موسى بقومه إلى الشاطىء الشرقي أطبق الله البحر على فرعون وجنوده فكانوا من المغرقين، لقد ذهب كل هذا مع غمضة عين، وهو الآن كالريشة في بحر متلاطم، لقد خلع من فكرة عظمة الملك وترفع السلطان، ونسي كل العز الذي رآه بهذه اللحظات الحالكة، كأنه لم يعش بين الرياشي وفاخر الأثاث، والإحاطة بالأتباع والجنود لحظة واحدة، إنه رهين الحالة القاتلة رهين الغرق، ضعف ما بعده ضعف، فعاد سريعًا إلى ما خبأته الذاكرة من دعوة موسى وأنها الحق، لكنه كان قد عاند وكابر، والآن حصص الحق، وينبغي أن تظهر الحقيقة وألا تضيع في خضم العناد فصرخ بأعلى صوته ( ) [يونس: ٩٠].

الآن أيها الطاغية..أيها الفرعون.. ولو قلتها قبل ذلك لكان لك شأن آخر، ( ﭿ ) [يونس: ٩١].

الآن وبعد سنين طويلة من الصد والجدال، والتكبر والغطرسة والتقتيل والصلب تعلنها، وقد اعترفت بالضعف الإنساني، وأنه لا حول لك ولا قوة، وأن الله جلت قدرته هو القوي الخالق هو المعبود بحق، ثم كان الفصل من الله ( ﮉﮊ ) [يونس: ٩٢].

وطفت جثة فرعون فوق الماء، وجرفتها الأمواج نحو الساحل، ورأى المستضعفون جثة فرعون وهو ذليل صاغر، هذا في الدنيا، وفي الآخرة النار والعذاب الأليم ( ﭖﭗ ) [هود: ٩٨].

فهو الزعيم عليهم حين كان ملكًا، وسيكون زعيمهم يرد بهم النار يوم القيامة، فتعسًا لهذا الزعيم وتعسًا لأتباعه المضلين.. وهكذا مصير أتباع كل زعيم ضال 166.

الواقع أن أي نوعٍ من العقوبة فيه آيةٌ على القدرة، وفيه تنكيلٌ بمن وقع بهم، ولكن تخصيص كل أمةٍ بما وقع عليها يثير تساؤلًا، ولعل مما يشير إليه القرآن إشارةً خفيفةً هو الآتي.

أما فرعون، فقد كان يقول: ( ﭿ ) [الزخرف: ٥١].

فلما كان يتطاول بها جعل الله هلاكه فيها، أي: في جنسها167.

وفي هذا يتبين لنا أن الله ابتلى فرعون بابتلاءات عدة، والتي كان منها جريان الأنهار من تحت قصوره، لكنه لم ينجح في كل هذه الابتلاءات، وقدر الله أن يكون بلاؤه بالوسيلة التي كان يتكبر بها ( ﭿ ﮂﮃ ) [الزخرف: ٥١].

ثالثًا: ابتلاء الله للأمم الهالكة بالأنهار:

إن سنة الله لا تحابي أحدًا، وليس لفردٍ ولا لمجتمعٍ حصانةٌ ذاتيةٌ، وحين تقصر أمةٌ في توقي أسباب المصائب العامة، فإن عليها أن تتقبل نتيجة التقصير، والسعيد من اتعظ بغيره، والغافل من غفل عن نفسه حتى وعظ به غيره، وليست أمةٌ بمنأى عن العذاب إذا عقدت أسبابه، ولا في مأمنٍ من العقاب إن سلكت سبيله وفتحت للذنب أبوابه، ولذلك أكثر الله تعالى من وعظ هذه الأمة بمصارع الأمم الغابرة، وحذر الآمنين من مكره الذين لا يقدرون الله حق قدره، ولا يقفون عند نهيه وأمره.

قال تعالى: ( ﯿ ) [الروم: ٤١].

ومن مظاهر الابتلاء التي لها صلة بالأنهار في القرآن الكريم: ابتلاء الله للأمم الهالكة بهذه الأنهار.

قال الله تعالى في كتابه الكريم: ( ) [الأنعام: ٦].

قال الشوكاني: القرن يطلق على أهل كل عصرٍ، سموا بذلك لاقترانهم، أي: ألم يعرفوا بسماع الأخبار ومعاينة الآثار كم أهلكنا من قبلهم من الأمم الموجودة في عصرٍ بعد عصرٍ لتكذيبهم أنبياءهم. وقيل: القرن مدةٌ من الزمان. وهي ستون عامًا أو سبعون أو ثمانون أو مائةٌ على اختلاف الأقوال،... مكن له في الأرض: جعل له مكانًا فيها، ومكنه في الأرض: أثبته فيها،... أي: مكناهم تمكينًا لم نمكنه لكم، والمعنى: أنا أعطينا القرون الذين هم قبلكم ما لم نعطكم من الدنيا وطول الأعمار وقوة الأبدان وقد أهلكناهم جميعًا. فإهلاككم -وأنتم دونهم- بالأولى.

قوله: ( ) يريد المطر الكثير، والمدرار: صيغة مبالغةٍ تدل على الكثرة، وجريان الأنهار من تحتهم معناه: من تحت أشجارهم ومنازلهم، أي: أن الله وسع عليهم النعم بعد التمكين لهم في الأرض فكفروها، فأهلكهم الله بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم، أي: من بعد إهلاكهم قرنًا آخرين فصاروا بدلًا من الهالكين، وفي هذا بيانٌ لكمال قدرته سبحانه وقوة سلطانه وأنه يهلك من يشاء ويوجد من يشاء168.

قال تعالى واعظًا للمشركين المعاندين ومحذرًا لهم أن يصيبهم من العذاب والنكال الدنيوي ما حل بأشباههم ونظرائهم، من القرون السالفة الذين كانوا أشد منهم قوةً، وأكثر جمعًا وأكثر أموالًا وأولادًا واستغلالًا للأرض، وعمارةً لها، فقال: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) أي: من الأموال والأولاد والأعمار، والجاه العريض والسعة والجنود، ولهذا قال: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) أي: شيئًا بعد شيءٍ (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) أي: أكثرنا عليهم أمطار السماء وينابيع الأرض، أي: استدراجًا وإملاءً لهم (ﯓ ﯔ) أي: بخطاياهم، وسيئاتهم التي اجترحوها169.

(ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) أي:من تحت أمكنتهم، والمراد أنهم: أصحاب البساتين والقصور والمنتزهات170.

قال القرطبي: والمعنى: وسعنا عليهم النعم فكفروها. ( )أي: بكفرهم فالذنوب سبب الانتقام وزوال النعم. ( ) أي: أوجدنا، فليحذر هؤلاء من الإهلاك أيضًا171.

أي: وسخرنا لهم الأنهار وهي مجاري المياه الفائضة وهديناهم إلى الاستمتاع بها بجعلها تجري دائمًا من تحت مساكنهم التي يبنونها على ضفافه، أو في الجنات والحدائق التي تتفجر خلالها، فيتمتعون بالنظر إلى جمالها، وبسائر ضروب الانتفاع من أمواهها.

( ) أي: فكان عاقبة أمرهم لما كفروا بتلك النعم وكذبوا الرسل أن أهلكنا كل قرنٍ منهم بسبب ذنوبهم التي كانوا يقترفونها. () أي: أوجدنا من بعد الهالكين من كلٍ منهم قرنًا آخرين يعمرون البلاد ويكونون أجدر بشكر نعم الله عليهم فيها172.

قال الرازي: «اعلم أنه تعالى رتب أحوال هؤلاء الكفار على ثلاث مراتب:

فالمرتبة الأولى: كونهم معرضين عن التأمل في الدلائل : والتفكر في البينات.

والمرتبة الثانية: كونهم مكذبين بها، وهذه المرتبة أزيد مما قبلها؛ لأن المعرض عن الشيء قد لا يكون مكذبًا به، بل يكون غافلًا عنه غير متعرض له فإذا صار مكذبًا به فقد زاد على الأعراض.

والمرتبة الثالثة: ونهم مستهزئين بها؛ لأن المكذب بالشيء قد لا يبلغ تكذيبه به إلى حد الاستهزاء، فإذا بلغ إلى هذا الحد فقد بلغ الغاية القصوى في الإنكار فبين تعالى أن أولئك الكفار وصلوا إلى هذه المراتب الثلاثة على هذا الترتيب173.

وقد وصف الله أولئك المهلكين بسبب اجتراحهم للسيئات بصفات ثلاث لم تتوفر للمشركين المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم.

وصفهم أولًا بأنهم كانوا أوسع سلطانًا، وأكثر عمرانًا، وأعظم استقرارًا، كما يفيده قوله تعالى ( ).

قال صاحب الكشاف: «والمعنى: لم نعط أهل مكة نحو ما أعطينا قوم عاد وثمود وغيرهم من البسطة فى الأجسام، والسعة في الأموال، والاستظهار بأسباب الدنيا »174.

ووصفهم-ثانيًا- بأنهم كانوا أرغد عيشًا، وأسعد حالًا، وأهنأ بالًا، يدل على ذلك قوله تعالى:

( ) أي: أنزلنا عليهم المطر النافع بغزارة وكثرة، وعبر عنه بالسماء لأنه ينزل منها.

ووصفهم-ثالثًا- بأنهم كانوا منعمين بالمياه الكثيرة التى يسيرون مجاريها كما يشاءون، فيبنون مساكنهم على ضفافها. ويتمتعون بالنظر إلى مناظرها الجميلة، كما يرشد إليه قوله تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) أي: صيرنا الأنهار تجري من تحت مساكنهم.

ولكن ماذا كانت عاقبة هؤلاء المنعمين بتلك النعم الوفيرة التي لم تتيسر لأهل مكة؛ كانت عاقبتهم-كما أخبر القرآن عنهم-( ) أي: فكفروا بنعمة الله وجحدوا فأهلكناهم بسبب ذلك؛ إذ الذنوب سبب الانتقام وزوال النعم175.

إنها حقيقة ينساها البشر-إلا من عصم الله-وعندئذ ينحرفون عن عهد الله وعن شرط الاستخلاف؛ ويمضون على غير سنة الله؛ ولا يتبين لهم في أول الطريق عواقب هذا الانحراف، ويقع الفساد رويدًا رويدًا،وهم ينزلقون ولا يشعرون، حتى يستوفي الكتاب أجله؛ ويحق وعد الله، ثم تختلف أشكال النهاية: مرة يأخذهم الله بعذاب الاستئصال-بعذاب من فوقهم أو من تحت أرجلهم كما وقع لكثير من الأقوام، ومرة يأخذهم بالسنين ونقص الأنفس والثمرات كما حدث كذلك لأقوامومرة يأخذهم بأن يذيق بعضهم بأس بعض؛ فيعذب بعضهم بعضًا، ويدمر بعضهم بعضًا، ويؤذي بعضهم بعضًا، ولا يعود بعضهم يأمن بعضًا؛ فتضعف شوكتهم في النهاية؛ ويسلط الله عليهم عبادًا له-طائعين أو عصاة-يخضدون شوكتهم، ويقتلعونهم مما مكنوا فيه؛ ثم يستخلف الله العباد الجدد ليبتليهم بما مكنهم.

وهكذا تمضي دورة السنة، السعيد من وعى أنها السنة، ومن وعى أنه الابتلاء؛ فعمل بعهد الله فيما استخلف فيه، والشقي من غفل عن هذه الحقيقة، وظن أنه أوتيها بعلمه، أو أوتيها بحيلته، أو أوتيها جزافًا بلا تدبير!176

لمسات إعجازية في الأنهار

المقصود باللمسات الإعجازية في الأنهار: ما يدركه ويتوصل إليه العلماء المتخصصون من حقائق خاصة بالأنهار، وقد ألمح القرآن الكريم إليها سابقًا.

اللمسة الأولى:

في قوله تعالى: ( ) [الفرقان: ٥٣].

قال الإمام الطبري: « يقول تعالى ذكره: والله الذي خلط البحرين، فأمرج أحدهما في الآخر، وأفاضه فيه. وأصل المرج الخلط، ثم يقال للتخلية: مرج؛ لأن الرجل إذا خلى الشيء حتى اختلط بغيره، فكأنه قد مرجه.

وإنما اخترنا القول الذي اخترناه في معنى قوله، دون القول الذي قاله من قال: معناه: إنه جعل بينهما حاجزًا من الأرض أو من اليبس؛ لأن الله تعالى ذكره أخبر في أول الآية أنه مرج البحرين، والمرج: هو الخلط في كلام العرب على ما بينت قبل، فلو كان البرزخ الذي بين العذب الفرات من البحرين، والملح الأجاج أرضًا أو يبسًا لم يكن هناك مرج للبحرين، وقد أخبر جل ثناؤه أنه مرجهما، وإنما عرفنا قدرته بحجزه هذا الملح الأجاج عن إفساد هذا العذب الفرات، مع اختلاط كل واحد منهما بصاحبه. فأما إذا كان كل واحد منهما في حيز عن حيز صاحبه، فليس هناك مرج، ولا هناك من الأعجوبة ما ينبه عليه أهل الجهل به من الناس، ويذكرون به، وإن كان كل ما ابتدعه ربنا عجيبًا، وفيه أعظم العبر والمواعظ والحجج البوالغ177.

أي: وهو وحده الذي مرج البحرين يلتقيان البحر العذب وهي الأنهار السارحة على وجه الأرض والبحر الملح وجعل منفعة كل واحد منهما مصلحة للعباد، ( ) أي: حاجزًا يحجز من اختلاط أحدهما بالآخر فتذهب المنفعة المقصودة منها ( ) أي: حاجزًا حصينًا178.

هذا عذبٌ فراتٌ بالغ العذوبة، وهذا ملحٌ أجاجٌ بالغ الملوحة والمرارة، وجعل بينهما برزخًا حائلًا، ( )أي:وسترًا مستورًا يمنع أحدهما من الاختلاط بالآخر179.

الحقيقة العلمية التي لها صلة بالآية:

بعد مسح لعدد كبير من مناطق اللقاء بين الأنهار والبحار، اكتشف الباحثون أن منطقة المصب بيئة متميزة، في صفاتها الطبيعية والإحيائية عن النهر وعن البحر، رغم تداخل المياه وتحركها بينهما، بحسب مد البحر وجزره، وفيضان النهر وجفافه، وكأن حاجزًا يفصل بيئة المصب عن بيئة النهر وبيئة البحر، ويحافظ على هذه المنطقة بخصائصها المميزة، رغم عوامل المزج، كالمد والجزر وحالات الفيضان والانحسار التي تعتبر من أقوى عوامل المزج.

وبتصنيف البيئات الثلاث، باعتبار الكائنات الحية التي تعيش فيها تعتبر منطقة المصب حجر على معظم الكائنات الحية التي تعيش فيها، لأن هذه الكائنات لا تستطيع أن تعيش إلا في منطقة المصب ذات الخصائص المميزة، وهي في نفس الوقت منطقة محجورة على معظم الكائنات التي تعيش في البحر والنهر؛ لأن هذه الكائنات تموت إذا دخلتها بسبب اختلاف خصائصها.
وجه الإعجاز
في الآية الكريمة:
كل تجمع مائي يمكن أن يسمى بحرًا
، والبحر العذب الفرات أو شديد العذوبة هو النهر، والبحر الملح الأجاج أو شديد الملوحة هو المحيط أو البحر المالح، وبهذا خرج ماء المصب؛ لأنه مزيج بين الملوحة والعذوبة فلا ينطبق عليه وصف عذب فرات ولا ملح أجاج، وبهذه الأوصاف تحددت حدود الكتل المائية الثلاث: ماء النهر، وماء البحر، وبينهما ماء منطقة المصب التي وصفت في الآية الكريمة بكونها برزخًا أو حاجزًا يمنع طغيان صفة ملوحة البحر على النهر أو عذوبة النهر على البحر، وميزت بيئة المصب بأنها حجر على ما فيها من كائنات حية محجورة على ما يعيش خارجها في النهر أو البحر، وهذا يعني تمايز البيئات الثلاث في الصفات الطبيعية وفي الكائنات الحية.
ويشهد التطور التاريخي في سير علم
البحار بعدم وجود معلومات دقيقة عن البحار قبل ١٤٠٠ عام، ومع ذلك وصف القرآن الكريم بدقة منطقة مصبات الأنهار، فبين أنها بيئة متميزة في خصائصها الطبيعية والإحيائية عن بيئة النهر وبيئة البحر وكشف أنه رغم تداخل المياه وتحركها الدائم في اتجاه البحر تظل تلك الخصائص ثابتة، فمن أين تلك المعرفة في القرآن بلا تقنية وأدوات علمية إن لم يكن من عند الذي أحاط بكل شيء علمًا180.

اللمسة الثانية:

في قوله تعالى: ( ) [النمل: ٦١].

جاء في تفسير هذه الآية: أي: قارةً ساكنةً ثابتةً، لا تميد ولا تتحرك بأهلها، ولا ترجف بهم، فإنها لو كانت كذلك لما طاب عليها العيش والحياة، بل جعلها من فضله ورحمته مهادًا بساطًا، ثابتةً لا تتزلزل ولا تتحرك.

( ) أي: جعل فيها الأنهار العذبة الطيبة، شقها في خلالها، وصرفها فيها ما بين أنهارٍ كبارٍ وصغارٍ وبين ذلك، وسيرها شرقًا وغربًا وجنوبًا وشمالًا، بحسب مصالح عباده في أقاليمهم وأقطارهم، حيث ذرأهم في أرجاء الأرض، وسير لهم أرزاقهم بحسب ما يحتاجون إليه.

( ) أي جبالًا شامخةً ترسي الأرض وتثبتها؛ لئلا تميد بهم.

( ) أي:جعل بين المياه العذبة والمالحة حاجزًا، أي: مانعًا يمنعها من الاختلاط لئلا يفسد هذا بهذا، وهذا بهذا، فإن الحكمة الإلهية تقتضي بقضاء كل منها على صفته المقصودة منه، فإن البحر الحلو هو هذه الأنهار السارحة الجارية بين الناس، والمقصود منها: أن تكون عذبةً زلالًا يسقى الحيوان والنبات والثمار منها.

والبحار المالحة هي المحيطة بالأرجاء والأقطار من كل جانبٍ، والمقصود منها أن يكون ماؤها ملحًا أجاجًا؛ لئلا يفسد الهواء بريحها181.

وقال الزحيلي: جعل الأرض مستقرًا للإنسان وغيره، لا تميد ولا تتحرك بأهلها، وجعل فيها الأنهار العذبة الطيبة لسقاية الإنسان والحيوان والنبات، وجعل فيها جبالًا ثوابت شامخة ترسي الأرض وتثبتها لئلا تميد بكم، وجعل بين المياه العذبة والمالحة حاجزًا، أي: مانعًا يمنعها من الاختلاط، لئلا يفسد هذا بذاك، لتبقى الغاية من التفرقة بينهما متحققة، فإن الماء العذب الزلال لسقي الإنسان والحيوان والنبات والثمار، والماء المالح في البحار؛ ليكون مصدرًا للأمطار، وليبقى الهواء فوقه نقيًا صافيًا لا يفسد بالرائحة الكريهة التي تحدث عادة في تجمعات المياه العذبة182.

يحدث أحيانًا أن ينشأ النهر في أرض ممهدة، قبل تكون سلسلة الجبال بعدة ملايين من السنين، وبعد أن تنتصب الجبال يستمر النهر في تحد غريب، في تعميق مجراه قاطعًا السلسلة الجبلية، وتشير الآية القرآنية إلى تلك الحالة إشارة معجزة:

تأمل الترتيب البديع؛ من قرار الأرض، إلى خلق الأنهار، إلى نشأة الجبال الرواسي، ثم تكوين الحاجز بين البحرين183.

موضوعات ذات صلة:

الإسراف، الاقتصاد، الزكاة، المال، المن


1 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس، مادة نهر، ٥/٣٦٢.

2 انظر: الموسوعة العربية العالمية: ٢٥/ ٥٣٩.

3 تيسير الكريم الرحمن للشيخ السعدي ١/ ٨٨٩، ط مؤسسة الرسالة، ط الأولى، سنة ١٤٢٠هـ، ٢٠٠٠ م.

4 انظر: معجم في المصطلحات والفروق اللغوية، للكفوي ١/٩١٠ .

5 التوقيف على مهمات التعاريف، للمناوي ١/٣٣١.

6 المعجم المفهرس، عبدالله جلغوم، ص١٣٤٧-١٣٤٨.

7 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٥/٣٢٧، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ٢/٩٥٧.

8 مقاييس اللغة، ابن فارس، ٦/١٥٢.

9 انظر: المحكم، ابن سيده، ١٠/٥٧٩.

10 المصدر السابق.

وذكر الطبري في تفسيره أن «اليم» هو نهر النيل ١٦/ ٥٧، وكذا قال القرطبي ١١/ ١٩٤، وابن الجوزي في زاد المسير ٣/ ١٥٨.

11 التحرير والتنوير، الطاهر بن عاشور ٢٠/٧٤.

12 انظر: لسان العرب، ٤/٤١، مادة بحر.

13 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس، مادة بحر، ١/٢٠١.

14 التوقيف على مهمات التعاريف، للمناوي، ١/٧١.

15 الموسوعة القرآنية، ٨/٤٢، لإبراهيم الأبياري .

16 لسان العرب، ٤/٤٢، مادة بحر.

17 انظر: مفردات ألفاظ القرآن، للراغب الأصفهاني ١/٣٦.

18 لسان العرب، ٤/٥٢، مادة برر، وانظر: مقاييس اللغة، ابن فارس، مادة بحر، ١/١٧٩ .

19 لسان العرب ٤/٥٢، مادة برر.

20 انظر: لسان العرب، ابن منظور، ٤/٤٤، الكليات، أبو البقاء الكفوي، ١/٢٢٥.

21 هي: البقرة: ٢٥،٢٦٦، وآل عمران: ١٥،١٣٦، ١٩٥،١٩٨، والنساء١٣، ٥٧، ١٢٢، والمائدة ١٢، ٨٥، ١١٩، والتوبة ٧٢، ٨٩، ١٠٠، والرعد٣٥، وإبراهيم٢٣، والنحل٣١، والكهف٣١، وطه٧٦، والحج١٤، ٢٣، والفرقان١٠، والعنكبوت٥٨، ومحمد١٢، والفتح٥،١٧، والحديد١٢، والمجادلة ٢٢، والصف١٢، والتغابن٩، والطلاق١١، والتحريم٨، والبروج١١، والبينة٨.

22 الأنعام٦، والأعراف٤٣، ويونس٩، والكهف٣١.

23 النشر في القراءات العشر،٢/٢٨٠ لشمس الدين محمد بن يوسف أبو الخير ابن الجزري، ت: ٨٣٣ هـ، تحقيق: علي محمد الضباع، المطبعة التجارية الكبرى، وهي قراءة متواترة، انظر: تخريج قراءات فتح القدير، لإيهاب فكري، ص ١٥٧، ط: المكتبة الإسلامية بالقاهرة وانظر: المبسوط في القراءات العشر، ١/٢٢٨، لأحمد بن الحسين بن مهران النيسابورى، ت: ٣٨١هـ، تحقيق: سبيع حمزة حاكيمي، مجمع اللغة العربية، دمشق، ط: ١٩٨١ م.

24 من خواطر الشعراوي ١/ ٢٠٧.

25 إشارات الإعجاز في مظان الإيجاز، ١/١٩٣ لبديع الزمان سعيد النورسي ت: ١٣٧٩هـ ،تحقيق: إحسان قاسم الصالحي، ط: شركة سوزلر للنشر، القاهرة، ط: الثالثة، ٢٠٠٢م.

26 زهرة التفاسير، محمد أبو زهرة، ١/١٧١، لمحمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد، أبو زهرة ت: ١٣٩٤هـ ط: دار الفكر العربي

27 تفسير الراغب الأصفهاني ١/١٢٣ لأبي القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني ت: ٥٠٢هـ، ط: أولى: ١٤٢٠ هـ، ١٩٩٩ م.

28 خواطر الشعراوي ١/ ٢٠٧.

29 تفسير المنار، ١١/١٣.

30 الموسوعة القرآنية، للأبياري٩/٦٥.

31 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ١/٣٥٨.

32 التفسير القرآني للقرآن، لعبد الكريم الخطيب ٧/١٨٥.

33 التفسير الوسيط، الزحيلي ٢/١٢٠٠.

34 مفاتيح الغيب، الرازي ١٩/٩٦.

35 الفروق اللغوية، العسكري ١/٢٥٥.

36 التفسير القرآني للقرآن، لعبدالكريم الخطيب ٧/١٨٥.

37 أنوار التنزيل، البيضاوي ٣/٢٠٠.

38 التفسير الوسيط، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ٥/٤٩٩.

39 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٤٣٩.

40 التحرير والتنوير، الطاهر بن عاشور ١٣/٢٣٦.

41 مفاتيح الغيب للفخر الرازي، ١٩/٩٨.

42 المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/٣٣٩.

43 التفسير الوسيط، الزحيلي، ٢/١٢٠٠.

44 التفسير الواضح، لمحمد حجازي ٢/٢٦٣.

45 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٤/٤٨٣.

46 الكشاف ١/١٥٥، لأبي القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري، ت: ٥٣٨هـ، نشر: دار الكتاب العربي، بيروت، ط: ثالثة، ١٤٠٧ هـ، البحر المحيط١/٤٢٨، لأبي حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان أثير الدين الأندلسي، ت: ٧٤٥هـ، تحقيق: صدقي محمد جميل، نشر: دار الفكر، بيروت، ط: ١٤٢٠ هـ.

47 البحر المحيط، لأبي حيان ١/٤٢٨.

48 الوسيط، للواحدي ١/١٥٩.

49 تفسير الراغب الأصفهاني ١/٢٣٣.

50 زاد المسير، ابن الجوزي ١/٨٠.

51 انظر: الوسيط، للواحدي ٣/١٢٧، وزاد المسير، ابن الجوزي ٣/٥٣.

52 التفسير الوسيط، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ٥/٨٠٣.

53 معالم التنزيل، البغوي ٣/١٦٢.

54 فتح القدير، الشوكاني ٣/٣٠٦.

55 التحرير والتنوير ١٥/٢٠٨

56 التحرير والتنوير ١٥/٢٠٩

57 التفسير الواضح ٢/٤١٦

58 التفسير الوسيط، الزحيلي ٢/١٤٢٤

59 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/١٤٣

60 مفاتيح الغيب، الرازي، ٢١/٤٦٣

61 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٤٨٣.

62 الوسيط، للواحدي ٣/٥٨.

63 البحر المحيط، لأبي حيان ٦/٥١٤.

64 التفسير الوسيط، الزحيلي ٢/١٢٤٨.

65 التفسير الواضح، لمحمد حجازي ٢/٣٠٢.

66 التفسير الوسيط، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ٥/٥٩٩.

67 الموسوعة القرآنية، لإبراهيم الأبياري ١٠/١٩٢.

68 زاد المسير، ابن الجوزي ٢/٥٥٣.

69 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤٣٧.

70 التحرير والتنوير، الطاهر بن عاشور ١٤/١٢٢.

71 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٦/١٨٣

72 التفسير الوسيط، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ٧/١٧٠٠

73 جامع البيان، الطبري ١٦/ ٥٧.

وقال البغوي: «واليم البحر وأراد هاهنا: النيل». معالم التنزيل ٣/٥٢٣.

وكذا قال القرطبي ١١/ ١٩٤، وابن الجوزي في زاد المسير ٣/ ١٥٨.

74 التفسير الوسيط، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ٧/١٧٣٧.

75 التفسير المنير، الزحيلي ٢٠/٦٣.

76 التحرير والتنوير ٩/٧٥.

77 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٦/٢١٤.

78 البحر المحيط، لأبي حيان ٨/٣٠٧.

79 التفسير المنير، الزحيلي ١٦/٢٥٥.

80 التفسير الوسيط، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ٦/١٠٥٠.

81 معجم اللغة العربية المعاصرة، أحمد مختار وآخرون ٣/٢٢٥٩.

82 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٢٩٨.

83 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ١/٥٠٩.

84 تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ١/٤٢٦.

85 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٤/١٢٢.

86 التفسير المنير، الزحيلي ١٤/٢٥

87 المصدر السابق ١٧/٤٣

88 فتح القدير، الشوكاني ٤/٣٩٣ .

89 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٦/٣٣٢.

90 تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ١/٤٢٦.

91 التفسير المنير، الزحيلي، ٧/٣٠٨.

92 التفسير القرآني للقرآن، لعبد الكريم الخطيب ٧/١٨٥.

93 التفسير الوسيط، الزحيلي ٢/١٢٠٠.

94 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ١/١١٤.

95 التفسير الوسيط، الزحيلي٢/١٤٢٤.

96 التحرير والتنوير، الطاهر بن عاشور ١٥/٢٠٨.

97 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٤٨٣.

98 فتح القدير، الشوكاني ٣/١٨٤.

99 التفسير الوسيط، الزحيلي ٢/١٢٤٨.

100 الموسوعة القرآنية، لإبراهيم الأبياري ١١/٢١.

101 فتح القدير، الشوكاني ٤/٣٩٣.

102 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٤٧٨ .

103 التفسير القرآني للقرآن، لعبد الكريم الخطيب ٧/١٨٥.

104 التفسير الوسيط، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ٥/٥٩٩.

105 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤٣٧.

106 التحرير والتنوير، الطاهر بن عاشور ١٤/١١٩.

107 البحر المحيط، لأبي حيان ١/١٨٢-١٨٣.

108 أنوار التنزيل، البيضاوي ١/٦٠ .

109 انظر: البحر المحيط، لأبي حيان ١٠/٦٨، وأنوار التنزيل، البيضاوي ٥/١٧٤.

110 انظر: مقرر التفسير الموضوعي ٢، ص٢٤٢.

111 التفسير الوسيط، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ١٠/١٨٨٩.

112 الحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده، ١٤/ ٣٤٩رقم ٨٧٣٥.

113 التحرير والتنوير، الطاهر بن عاشور ٧/٥٢.

114 الخبط: ورق الشجر يضرب بالعصا فيسقط، وسميت هذه الغزوة بذلك لشدتها على الصحابة حتى أنهم أكلوا الخبط انظر معالم السنن لشرح أبي داوود، ٤/٢٥٢.

115 الحديث أخرجه البخاري، ٥/١٦٧، رقم٤٣٦٢.

116 الدر المنثور في التفسير بالمأثور، للسيوطي، ٣/١٩٧.

117 فتح القدير، الشوكاني ٤/٣٩٣ .

118 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ١/٤٣٧.

119 التحرير والتنوير، لا بن عاشور ١٤/١١٩.

120 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٤/٤٨٣.

121 فتح القدير، الشوكاني ٣/١٨٣.

122 المصدر السباق ٣/١٨٤.

123 التفسير البياني لما في سورة النحل من دقائق المعاني، لسامي القدومي ١/٢٩.

124 أخرجه ابن ماجه، كتاب الأطعمة، باب الكبد والطحال ٢/١١٠٢، رقم ٣٣١٤، وأحمد ٢/٩٧، رقم ٥٧٢٣.

125 زهرة التفاسير، محمد أبو زهرة، لمحمد أبي زهرة ٨/٤١٤٤.

126 التفسير الوسيط، الزحيلي ٢/١٢٤٨.

وانظر في هذا المعنى كلام البيضاوي في: أنوار التنزيل ٣/٢٢٢.

127 فتح القدير، الشوكاني ٥/٤١.

128 انظر: البحر المحيط، لأبي حيان ٩/٤٦٦، والتفسير المنير، الزحيلي ٢٦/١٠٠.

129 التفسير المنير، الزحيلي ٢٦/١٠٢.

130 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٢٨٩.

131 المصدر السباق.

وانظر: التفسير المنير، الزحيلي ٢٦/١٠٣.

132 التحرير والتنوير، الطاهر بن عاشور ٢٦/٩٧.

133 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٢٨٩.

134 تفسير الكشاف، الزمخشري ٤/٣٢٢.

135 التفسير المنير، الزحيلي ٢٦/١٠٣.

136 التحرير والتنوير، الطاهر بن عاشور ٢٦/٩٧.

137 زاد المسير، ابن الجوزي ٤/١١٨.

138 التفسير المنير، الزحيلي، ٢٦/١٠١-١٠٣.

139 مسند أحمد بن حنبل،٥/٥، وأخرجه الترمذي، في كتاب صفة الجنة، باب ٢٧، عن محمد بن بشارٍ، وقال: حسنٌ صحيحٌ.

140 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد، باب ٤، والترمذي في صفة الجنة، باب ٤، وأحمد في مسنده، ٢/ ٣٣٥.

141 التفسير الوسيط، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ٩/٩٥٨.

142 البحر المحيط، لأبي حيان ٩/٤٦٦، والتفسير المنير، الزحيلي ٢٦/١٠٠.

143 التحرير والتنوير، الطاهر بن عاشور ٢٦/٩٥.

144 أخرجه مسلم في الجنة، باب ما في الدنيا من أنهار الجنة، رقم ٢٨٣٩ ٤ / ٢٦٨٣.

145 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٦/ ٢٣٧.

146 مباحث في علوم القرآن، للقطان ص٢٩١.

147 البرهان في علوم القرآن، للزركشي ١/٤٨٧.

148 مباحث في علوم القرآن، للقطان ص٢٩٤.

149 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص١١٤.

150 المصدر السابق ص١١٤.

151 المصدر السابق ص٤١٩.

152 التفسير الوسيط، الزحيلي ٢/١٤٢٤.

153 زاد المسير، ابن الجوزي ٣/٨٣.

154 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٣/٢٤٦.

155 تفسير المنار، لمحمد رشيد رضا ٢/٣٨٦.

156 التفسير الوسيط، لمجموعة من العلماء بإشراف مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، ١/٤٢٣.

157 تفسير المنار، لمحمد عبده، ومحمد رشيد رضا، ٢/٣٨٧.

158 التحرير والتنوير، الطاهر بن عاشور، ٢/٤٩٦.

159 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ١/١٠٨.

160 تفسير المنار، لمحمد رشيد رضا ٢/٣٨٧.

161 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٧/٢١٢.

162 الموسوعة القرآنية، لإبراهيم بن إسماعيل الأبياري، ١١/١٥٥.

163 فتح القدير، الشوكاني، ٤/٦٤٠ .

164 التفسير الواضح، ٣/٣٩٩، لمحمد محمود حجازي، نشر: دار الجيل الجديد، بيروت، الطبعة: العاشرة، ١٤١٣ هـ .

165 التحرير والتنوير، الطاهر بن عاشور، ٩/٧٥.

166 قصص القرآن الكريم في سيرة سيد المرسلين، لمحمد منير الجنباز ص١٧٧.

167 أضواء البيان، الشنقيطي ٨/٢٥٩.

168 فتح القدير، الشوكاني، ٢/١١٦.

169 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٢١٥.

170 غرائب القرآن، للنيسابوري ٣/٥١.

171 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٦/٣٩٢ .

172 تفسير المنار، لمحمد رشيد رضا ٧/٢٥٧.

173 مفاتيح الغيب، للفخر الرازي ١٢/١٣٠.

174 الكشاف، الزمخشري ٢/٨.

175 التفسير الوسيط، لمحمد سيد طنطاوي ٥/٣٩.

176 في ظلال القرآن، سيد قطب ٢/١٠١٠.

177 جامع البيان، ابن جرير الطبري ١٩/٢٨١.

178 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥٨٥.

179 الموسوعة القرآنية، لإبراهيم الأبياري ١٠/٤٢١.

180 مقال علمي بعنوان: مصبات الأنهار، على الشبكة العنكبوتية للإنترنت، موقع: الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، رابط: http: //www.eajaz.org/index.php/Scientific، Miracles/Earth، and، Marine، Sciences/٢٠٠، Estuaries

181 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٦/١٨٣.

182 التفسير المنير، الزحيلي،٢٠/١٢.

183 مقال بعنوان: الأنهار في القرآن، لحسني حمدان، على الشبكة العنكبوتية للإنترنت، موقع: الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، رابط: http: //www.eajaz.org/index.php/Scientific، Miracles/Earth، and، Marine، Sciences/٢٠٠، Estuaries