أهل الكتاب
أولًا: المعنى اللغوي: .
الأهل لغة: أهل الرجل عشيرته وذوو قرباه، وأهل المذهب: من يدين به، وأهل الإسلام: من يدين به، وأهل الأمر: ولاته، وأهل البيت: سكانه، وأهل الرجل: زوجه وأخص الناس به، وأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم: أزواجه وبناته وصهره 1.
الكتاب لغة: كتبه كتبًا وكتابًا، أي: خطه، وهو ما يكتب فيه، والدواة والتوراة والصحيفة والفرض والحكم والقدر 2.
ويراد به أيضًا: الكتب السماوية، وحيثما ذكر في القرآن الكريم التركيب الإضافي ﮋﯦ ﯧ ﮊ فإنما أريد بالكتاب: التوراة والإنجيل، وكذلك إذا ذكر التركيب الإسنادي ﮋﯰ ﯱﮊ أو (ﭵ ﭶ) 3.
وأهل الكتاب: «من يجتمعون حوله، والمراد: اليهود والنصارى»4.
ومن هذه المعاني اللغوية يفهم منه معانٍ أخرى حسب ما يراد به المضاف إليه كما تقدم.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
أهل الكتاب اصطلاحًا: هم اليهود والنصارى، ومن دان دينهم بفرقهم المختلفة، ومن عدا هؤلاء من الكفار فليس من أهل الكتاب؛ بدليل قول الله تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [الأنعام: ١٥٦] 5 .
قال الشهرستاني: «الخارجون عن الملة الحنيفية والشريعة الإسلامية، ممن يقول بشريعة وأحكام وحدود وأعلام، وهم قد انقسموا إلى من له كتاب محقق، مثل التوراة والإنجيل، وعن هذا يخاطبهم التنزيل بأهل الكتاب، وإلى من له شبهة كتاب، مثل: المجوس»6.
أهل الكتاب في الاستعمال القرآني
ورد لفظ (أهل الكتاب) كمركب إضافي تكرر في الاستعمال القرآني (٣١) مرة 7.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
أهل الكتاب |
٣١ |
(ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﮊ) [آل عمران: ٦٤] |
وجاء مركب (أهل الكتاب) في الاستعمال القرآني على ثلاثة أوجه8:
الأول: اليهود، ومنه قوله تعالى: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [الأحزاب: ٢٦].
الثاني: النصارى، ومنه قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [النساء: ١٧١].
الثالث: اليهود والنصارى، (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [البينة: ٦].
اليهود:
اليهود لغة:
هو مشتقٌ من هاد يهود بمعنى تاب، مأخوذ من قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [الأعراف: ١٥٦].
وهي على لسان موسى عليه السلام والسبعين الذين اختارهم من خيار قومه للقاء ربه، والاعتذار عما فعله سفهاء قومهم من عبادة العجل، ومعنى قوله: (ﭛ ﭜ) «أي: تبنا ورجعنا وأنبنا إليك9».
قال ابن فارس: «سموا به (أي: باليهود) لأنهم تابوا عن عبادة العجل... وفي التوبة هوادة حال وسلامة»10، وقال الراغب: «قال بعضهم: يهود في الأصل من قولهم: (ﭛ ﭜ)، وكان اسم مدح، ثم صار بعد نسخ شريعتهم لازمًا لهم وإن لم يكن فيه معنى المدح، كما أن النصارى في الأصل من قوله: (ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ) [الصف: ١٤].
ثم صار لازما لهم بعد نسخ شريعتهم. ويقال: هاد فلان: إذا تحرى طريقة اليهود في الدين»11.
اليهود اصطلاحًا:
اليهود لقب عرف به بني إسرائيل12.
ولفظة اليهود لم تستعمل في التوراة إلا بعد عهد موسى عليه السلام، في سفر الملوك الثاني، ويوافق ذلك القرآن الكريم في تسميته لمن عاصر موسى من قومه ببني إسرائيل أو قوم موسى، ولم ترد التسمية باليهود -والتي جاءت في ثمانية مواضع من القرآن الكريم- إلا في مراحل متأخرة عن عهد موسى عليه السلام13.
وقد جاءت في جميع ورودها في معرض الذم وبيان انحرافات القوم والرد عليهم14، كقوله تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [المائدة: ٦٤].
وكقوله تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [المائدة: ٨٢].
وكأن في تلك التسمية إشارة إلى بدء انحرافهم، وما حدث لهم بعد وفاة سليمان عليه السلام، من الفساد وانتشار السحر وغير ذلك.
الصلة بين أهل الكتاب واليهود:
أهل الكتاب أعم من اليهود؛ فاليهود إحدى الطائفتين التي أنزل عليها كتاب، وهم: اليهود والنصارى.
بنو إسرائيل:
بنو إسرائيل لغة:
إسرائيل: لقب نبي الله يعقوب عليه السلام، «لإشعاره بالمدح بالمعنى المنقول منه، إذ معناه صفوة الله أو عبد الله بالعبرانية»15.
بنو إسرائيل اصطلاحًا:
إسرائيل اصطلاحًا: لقب أطلق على يعقوب بن إسحاق عليهما السلام.
قال تعالى: ﮋﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﮊ [آل عمران: ٩٣].
وبنو إسرائيل: ذرية يعقوب عليه السلام وكانوا اثني عشر سبطًا، قال تعالى: ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﮊ [البقرة: ٢١١]16.
قال ابن عباس رضي الله عنهما في كلمة إسرائيل: معناه: (عبدالله)، لأن إسرا بمعنى: عبد، وإيل: اسم الله، أي: أنه مركب من كلمتين: إسرا، وإيل، كما يقولون: بيت إيل17.
قال الكفوي: «قال بعضهم: لم يخاطب اليهود في القرآن إلا بـ (يا بني إسرائيل) دون (يا بني يعقوب) لنكتة هي لأنهم خوطبوا بعبادة الله، وذكروا بدين أسلافهم موعظة لهم وتنبيهًا من غفلتهم فسموا بالاسم الذي فيه تذكرة بالله»18.
الصلة بين أهل الكتاب وبني إسرائيل:
أهل الكتاب أعم من بني إسرائيل، فبنو إسرائيل يخاطب به اليهود غالبًا، وأهل الكتاب يشمل اليهود والنصارى.
النصارى:
النصارى لغة:
مفردها نصراني، يقال: نصرته على عدوه ونصرته منه نصرًا: أعنته وقويته، والفاعل ناصر ونصير وجمعه أنصار، والنصرة بالضم اسم منه، وتناصر القوم مناصرة: نصر بعضهم بعضًا، وانتصرت من زيد انتقمت منه، واستنصرته طلبت نصرته، ونصارى: هم من يتبع دين المسيح، فيقال: رجلٌ نصراني، ثم أطلق النصراني على كل من تعبد بهذا الدين، وربما قيل: نصران ونصرانة، ونصرى وناصرة، ونصورية: قرية بالشام، والنصارى منسوبون إليها، والتنصر: الدخول في النصرانية، ونصره: جعله نصرانيًا19.
قال الراغب الاصفهاني رحمه الله: «والنصارى قيل: سموا بذلك لقوله تعالى: ﮋﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﮊ [الصف: ١٤].
وقيل: سموا بذلك انتسابًا إلى قرية يقال لها: نصرانة، فيقال: نصرانيٌ، وجمعه نصارى، قال تعالى: ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﮊ [البقرة: ١١٣]»20.
النصارى اصطلاحًا:
لا يخرج معناه الاصطلاحي عن معناه اللغوي، فالمقصود بالنصارى اصطلاحًا: هم أمة المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته عليه الصلاة والسلام21.
الصلة بين أهل الكتاب والنصارى:
أهل الكتاب أعم من النصارى؛ فالنصارى إحدى الطائفتين التي أنزل عليها كتاب، وهم: اليهود والنصارى.
كثرة حديث القرآن عن أهل الكتاب
من أهم الموضوعات التي ركز القرآن الكريم على بيانها وكشفها كشفًا تفصيليًا موضوع أهل الكتاب وما يتصل به، لما في ذلك من حكم عظيمة ومصالح كبيرة، ولما لهذا الموضوع من أثر بالغ على الواقع.
لقد أولى القرآن الكريم هذا الموضوع عنايته، وأكثر من الحديث عن أهل الكتاب وذكر أنبيائهم، وكتبهم وما أدخلوه عليها من التحريف والتبديل، وما نسوه أو كتموه منها - وخصوصًا ما يتعلق بالبشارة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم -، كما ذكر ما انتهى إليه حالهم بعد تطاول الزمان عليهم من قسوة القلوب، والضلال، والكفر، والبعد عما أنزله الله من الشرع، حتى نسبوا لله تعالى الولد، والفقر، وغير ذلك مما حكاه القرآن الكريم عنهم من أقوالهم القبيحة.
لقد ذكر القرآن الكريم قصة موسى عليه السلام - نبي بني إسرائيل-، وهو الذي أنزلت عليه التوراة، في مواضع كثيرة، حتى إنها أكثر القصص ورودًا فيه، وذكر قصة مولده، ورضاعته، وشبابه، وقصته مع فرعون والسامري عليهما لعنة الله، ومع الخضر عليه السلام، وذكر قصة قارون ذلك الكافر المغرور بماله، وهو من قوم موسى عليه السلام، وذكر مناجاة موسى عليه السلام لربه، وطلبه الرؤيا منه، وغير ذلك من تفاصيل حياته.
كما ذكر القرآن الكريم قصة عيسى عليه السلام - نبي بني إسرائيل -، وهو الذي أنزل عليه الإنجيل، وتحدث عن ميلاده ومعجزاته، ودعوته لقومه، في عدة مواضع من آياته.
كما سمى القرآن الكريم بعض سوره بأسماء لها صلة واضحة بأهل الكتاب، كسورة البقرة، إشارة إلى بقرة بني إسرائيل التي أمروا بذبحها، وسورة آل عمران وهو اسم تلك العائلة الكريمة التي خرجت منها مريم ابنت عمران أم عيسى عليهم السلام، وسورة المائدة نسبة إلى المائدة التي طلب بنو إسرائيل، إنزالها من السماء، وسألوا عن قدرة الله على ذلك، وسورة يوسف عليه السلام وهو من أنبياء بني إسرائيل، وسورة بني إسرائيل وهي سورة الإسراء، وسورة مريم أم المسيح عيسى عليه السلام، وغير ذلك.
كما ذكر القرآن الكريم كثيرًا من أحوال أهل الكتاب، وتحدث عن انحرافاتهم ودعاويهم الباطلة ورد عليها وفندها، وحذر من عداوتهم للمسلمين ونقمتهم عليهم، كما تكلم عن اليهود المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم وغزوات النبي معهم، كغزوة بني النضير والتي ذكرت في سورة الحشر، وبالجملة فقد قال تعالى: (ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ) [النمل: ٧٦].
ولقد ذكر القرآن الكريم كل ذلك وغيره مما له صلة بموضوع أهل الكتاب لحكم عظيمة، منها: استمالة أهل الكتاب إلى الدخول في الإسلام، والإيمان بالقرآن الكريم، وأنه مصدق لما معهم من الكتاب، وأنها جميعًا جاءت من رب واحد، هو رب السموات والأرض، المحيط علمه بكل شيء، ونلحظ هذه الحكمة واضحة في تسمية بعض السور القرآنية بتلك الأسماء التي لها رمزية عند أهل الكتاب، كما ذكرنا.
واهتمام القرآن الكريم بدعوة أهل الكتاب يعود إلى كونه كتاب هداية لجميع الثقلين بالمقام الأول، ولأن في هداية أهل الكتاب للإسلام هداية لغيرهم من أهل الشرك الذين سيقتدون بهم، ويقولون: ما دام أهل الكتاب وما عندهم من العلم والبينات اتبعوا هذا النبي صلى الله عليه وسلم، إذا فإنه على الحق، والعكس بالعكس، ولذلك قال الراغب الأصفهاني في قوله تعالى لأهل الكتاب: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [البقرة: ٤١].
«أي: لا تكونوا ممن يقتدى بكم في الكفر.»22
وقد استشهد القرآن الكريم على صحة النبوة المحمدية والوحي القرآني بمن آمن من أهل الكتاب، وأخبروا بصدق النبي صلى الله عليه وسلم، والبشارة به، وكونه موافقًا للوصف الوارد له في كتبهم، وما له من علامات ودلائل، وأسلوب الاستشهاد بهم يلهم أن شهادتهم في جانب النبي صلى الله عليه وسلم هي المنتظرة، قال تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [الإسراء: ١٠٧-١٠٩].
23، قال ابن كثير: «أي: سواء آمنتم به أم لا، فهو حق في نفسه، أنزله الله ونوه بذكره في سالف الأزمان في كتبه المنزلة على رسله؛ ولهذا قال: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) أي: من صالح أهل الكتاب الذين يمسكون بكتابهم ويقيمونه، ولم يبدلوه ولا حرفوه، (ﭳ ﭴ ﭵ) هذا القرآن، (ﭶ ﭷ) جمع ذقن، وهو أسفل الوجه، (ﭸ) أي: لله عز وجل، شكرًا على ما أنعم به عليهم، من جعله إياهم أهلًا إن أدركوا هذا الرسول الذي أنزل عليه هذا الكتاب؛ ولهذا يقولون: (ﭻ ﭼ) أي: تعظيمًا وتوقيرًا على قدرته التامة، وأنه لا يخلف الميعاد الذي وعدهم على ألسنة الأنبياء المتقدمين عن بعثة محمد صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا قالوا: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ)، وقوله: (ﮃ ﮄ ﮅ)، أي: خضوعًا لله عز وجل وإيمانًا وتصديقًا بكتابه ورسوله، (ﮆ ﮇ)، أي: إيمانًا وتسليمًا كما قال: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [محمد: ١٧].
وقوله: (ﮃ) عطف صفة على صفة لا عطف سجود على سجود»24
إن حديث القرآن الكريم عن أهل الكتاب وبيان انحرافاتهم فيه تحصين للمسلمين، من الانخداع بما هم عليه من الباطل، وما يثيرونه من شبهات على المسلمين بغرض تشكيكهم في دينهم، فبين القرآن الكريم أنه كتاب من عند الله مصدق لما قبله من الكتب، ومهيمن عليها، وأنه لا تفريق بين رسل الله وكتبه في الإيمان بهما، وبهذا الإيمان الكامل تتضح الصورة في ذهن المسلم، دون تشويش أو اشتباه.
كما أن في بيان القرآن الكريم لأخطاء الأمم السابقة - خاصة أهل الكتاب منهم - تحذيرًا لهذه الأمة المحمدية من الوقوع فيها، وسلوك مسلكها، فالله تعالى ذكر قصص بني إسرائيل وتجاربهم وما فيها من خير أو انحراف - وهو الغالب - كنموذج للأمة الكتابية، حتى تتعلم هذه الأمة من ذلك ولا تقع في أخطائهم، ولا تصل إلى ما وصلت إليه حالهم من الضلال، ويقرأ المسلمون كل يوم قوله تعالى: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [الفاتحة: ٦-٧].
سبع عشرة مرة في صلواتهم المفروضة، يسألون الله تعالى أن يهديهم الصراط المستقيم، وهو الطريق الواضح الموصل إلى الله، وإلى جنته، وهو معرفة الحق والعمل به، وهو طريق الإسلام، وطريق المنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، غير طريق المغضوب عليهم، وهم اليهود ونحوهم ممن عرف الحق وترك العمل به، وغير طريق الضالين الذين يعملون بلا علم، فقدوا العلم فهم هائمون في الضلالة، يجتهدون في أصناف العبادات بلا شريعة من الله، ويقولون على الله ما لا يعلمون25.
فأراد الله تعالى أن يكون هذا الدعاء من سورة الفاتحة يردده المسلمون في يومهم كل هذه المرات، ليستعيذوا به تعالى من سلوك سبل الأمم السالفة في الانحراف عن دينه تعالى، وتضييع كتبه والتفريط فيها.
ومع أن الله تعالى قد حذرنا سبيلهم، فقضاؤه نافذ بما أخبر به رسوله، مما سبق في علمه، روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (لتتبعن سنن من قبلكم شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضبٍ لسلكتموه، قلنا: يا رسول الله، اليهود، والنصارى؟ قال: فمن)26.
قال النووي: «السنن بفتح السين والنون وهو الطريق، والمراد بالشبر والذراع وجحر الضب التمثيل بشدة الموافقة لهم، والمراد الموافقة في المعاصي والمخالفات لا في الكفر، وفي هذا معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقد وقع ما أخبربه»27.
وفي هذا الحديث دلالة على ما لأهل الكتاب من الدور الكبير والبارز في صد المسلمين عن دينهم، وفتنتهم، ولذلك كثر حديث القرآن الكريم عن أهل الكتاب، لما له من أثر بالغ على الواقع، فقد استحوذ الحسد والبغي على قلوبهم، وناصبوا أمة محمد العداء، فهم ألد أعداء هذه الأمة، وما أكثر تخطيطهم وكيدهم لهذا الدين وأتباعه؟!، وذلك منذ بزغ فجر الإسلام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [التوبة: ٣٢].
وهي في أهل الكتاب، قال أبو السعود:«أي: يريد أهل الكتابين أن يردوا القرآن ويكذبوه فيما نطق به من التوحيد والتنزه عن الشركاء والأولاد والشرائع التي من جملتها ما خالفوه من أمر الحل والحرمة»28.
وقال تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [الصف: ٨-٩].
وهي أيضًا في أهل الكتاب كما يشهد لذلك سياق الآيات.
إن القرآن الكريم له أسلوبه الحكيم في مخاطبة الناس ودعوتهم، وقد قال تعالى فيه لنبيه صلى الله عليه وسلم: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [النحل: ١٢٥].
ومن ذلك أنه خاطب المؤمنين بنداء الإيمان (يا أيها الذين آمنوا)، ليستحث فيهم عنصر الإيمان وقوته، وليذكرهم بالعهد الذي أخذوه على أنفسهم، حين دخلوا في هذا الدين، أي: يا من صدقتم بي وبكلامي، كما ضرب القرآن الكريم من خلال عرضه للقصص المختلفة أمثلة عدة في استخدام هذا الأسلوب الحكيم.
وقد استخدم القرآن الكريم في مخاطبة اليهود والنصارى عدة أساليب، مثل: (يا أهل الكتاب)، و (يا بني إسرائيل)، و (الذين أوتوا الكتاب) وكل هذه الأساليب لها هدفها في التأثير على المخاطب واستنهاض الهمم، وهز المشاعر.
وقد جاء الخطاب بـــ (يا أهل الكتاب) لليهود والنصارى، تذكيرًا لهم بتلك النعمة العظيمة التي أنعم الله تعالى بها عليهم، من إنزاله تلك الكتب ذات المكانة السامية، -وما فيها من الأحكام والتشريع- عليهم، فيا أهل الكتاب، أي: يا من نلتم ذلك الشرف في نزول تلك الكتب عليكم، فهي على أنبيائكم نزلت، ولكم شرعت.
وهذا التذكير لهم بذلك يتضمن أيضًا التوبيخ اللاذع لهم على تقصيرهم وأفعالهم القبيحة، فخطابهم بصفة المدح (يا أهل الكتاب) مع إقامتهم على الباطل وما لا يليق، فيه أعظم تبكيت، وأعظم تأنيب، وأعظم تقريع لهم.
ونلحظ هذا المعنى في مثل قوله تعالى: (ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) [آل عمران: ٧٠].
فصدر تعالى الآية بالنداء على أهل الكتاب ثم بالاستفهام توبيخًا لهم على كفرهم بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من آيات الله، وتعجيبًا من شأنهم، وإنكارًا عليهم، فقد كان حريًا بهم، وهم أهل كتاب، وأهل علم، أن يسارعوا إلى الإيمان قبل غيرهم29، وذلك لما عندهم من الأمور الشاهدات على صدق النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفة خبره، وما عندهم من المعرفة بأمور الدين عمومًا، من الإيمان بالله وكتبه ورسله، والإيمان بالبعث في الآخرة، لا أن يكفروا بآيات الله، قال الطبري: «وإنما هذا من الله عز وجل، توبيخٌ لأهل الكتابين على كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وجحودهم نبوته، وهم يجدونه في كتبهم، مع شهادتهم أن ما في كتبهم حقٌ، وأنه من عند الله»30
وفي الآية أيضًا وتصديرها بالنداء لأهل الكتاب تذكير لهم، أي: أنتم أهل كتاب، وأهل إيمان لا كفر، فلم تكفرون، فالقرآن الكريم في خطابه للآخرين يستحضر فيهم الطاقات الكامنة، ويوظفها للاستجابة وتنفيذ الأمر المطلوب تنفيذه.
وقال تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [المائدة: ١٥].
قال ابن باديس: «أرسل الله محمدًا صلى الله عليه وسلم، لجميع الأمم؛ فكانت رسالته عامة، وكانت دعوته عامة مثلها، وجاءت آيات القرآن بالدعوة العامة في مقامات، وبالدعوة الخاصة لبعض من شملتهم الدعوة العامة في مقامات أخرى. ولما أرسل الله محمدًا- صلى الله عليه وآله وسلم- كان الخلق قسمين: أهل كتاب- وهم اليهود والنصارى، وغيرهم. وكان أشرف القسمين أهل الكتاب؛ بما عندهم من النصيب من الكتاب الذي أوتوه على نسيانهم لحظ منه، وتحريفهم لما حرفوا. وكانوا أولى القسمين باتباع محمد صلى الله عليه وسلم بما عرفوا قبله من الكتب والأنبياء. فلهذا وذاك كانت توجه إليهم الدعوة الخاصة بمثل قوله تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) إلى آخر الآيتين.
وفي ندائهم بـ (ﭬ ﭭ) تشريف وتعظيم لهم بإضافتهم للكتاب، وبعث لهم على قبول ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه جاء بكتاب وهم أهل الكتاب، واحتجاج عليهم بأن الإيمان بالكتاب الذي عندهم يقتضي الإيمان بالكتاب الذي جاء به لأنه من جنسه»31.
«هذا هو أدب الإسلام في دعوة غير أهله، ليعلمنا كيف ينبغي أن نختار عند الدعوة لأحد أحسن ما يدعى به، وكيف ننتقي ما يناسب ما نريد دعوته إليه، فدعاء الشخص بما يحب مما يلفته إليك، ويفتح لك سمعه وقلبه، ودعاؤه بما يكره يكون أول حائل يبعد بينك وبينه»32.
الإيمان بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء هو قضية محورية في دعوة أهل الكتاب إلى الحق، ورد انحرافاتهم، لأنهم إذا آمنوا به وبرسالته فإنهم سيكفرون بكل ما هو باطل مما وضعه لهم أحبارهم ورهبانهم، أو سطروه لهم في كتبهم من الضلال والكذب.
قال تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [التوبة: ٣١].
وقال تعالى: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭾ ﭿ ﮀ) [البقرة: ٧٩].
وبذلك تنحل جميع عقد الباطل عند أهل الكتاب من أصولها، إذا آمنوا بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه ناسخ بما جاء به من الوحي لكل شريعة قبله، وأنه يبين لأهل الكتاب كثيرًا مما كانوا يختلفون فيه.
قال تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [المائدة: ١٥].
ولذلك ركز القرآن الكريم في دعوته لأهل الكتاب على هذه القضية، وبين موقف أهل الكتاب منها، ورد على المكذبين لها.
وسنبين في المطالب الآتية دعوة القرآن الكريم للإيمان بالرسل عامة، وبمحمد صلى الله عليه وسلم على وجه الخصوص، وموقف أهل الكتاب من هذه الدعوة، والذي يتمثل في ثلاث طوائف:
لقد أوضح القرآن الكريم قضية الإيمان بالرسل عليهم السلام عمومًا، وأنها ركن من أركان الإيمان، لا يصح إلا بها.
قال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [البقرة: ٢٨٥].
فبين تعالى بقوله: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) حقيقة إيمانية واضحة في أنه لا فرق بين أحد من الأنبياء في الإيمان بهم، فالإيمان بموسى لا يناقض الإيمان بعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام والعكس، فجميعهم رسل من عند الله تعالى، أوحى إليهم شرعه وأمره، وهم صادقون معصومون ومبرؤون من كل عيب ونقص، قال تعالى: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [الأنعام: ١٢٤].
كما بين القرآن الكريم أن الأنبياء عليهم السلام دعوا أقوامهم لذلك، وغرسوا هذه المبادئ فيهم، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [الصف: ٦].
فعيسى عليه السلام، كالأنبياء يصدق بالنبي السابق، ويبشر بالنبي اللاحق، وقد بشر بظهور نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من بعده، وأعلم أهل الكتاب بذلك، ولكنهم لمَا (ﱛ) محمد صلى الله عليه وسلم كما بشر به عيسى، (ﱜ) أي: الأدلة الواضحة، الدالة على أنه هو، وأنه رسول الله حقًا، (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ)، أي: عاندوا الحق وكذبوا به، وهذا أمر عجيب منهم.33
وقد احتج القرآن الكريم على أهل الكتاب في تركهم الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم بهذه الحقيقة الواضحة من كونه صلى الله عليه وسلم معلومًا عندهم، اسمه ووصفه وعلامته.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [البقرة: ٨٩].
فقوله تعالى: (ﭗ ﭘ ﭙ) حجة على أهل الكتاب، أي: أن هذا النبي جاء مصدقًا لما في كتبكم وما أخبركم به رسلكم من وصفه وعلاماته34.
قال تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [الأعراف: ١٥٧].
فَلِمَ تكفرون به؟
والعجيب أنهم كانوا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ)، أي: يستنصرون بمجىء النبي صلى الله عليه وسلم على أعدائهم من المشركين إذا قاتلوهم، يقولون: إنه سيبعث نبي في آخر الزمان نقتلكم معه قتل عاد وإرم، فلما بعثه الله من العرب كفروا به، وجحدوا ما كانوا يقولون فيه: حسدًا منهم وظلمًا.35
كما دعا القرآن الكريم أهل الكتاب إلى الإيمان بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم دعوة صريحة واضحة في قوله تعالى: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [المائدة: ١٩].
أي: «يدعو تبارك وتعالى أهل الكتاب - بسبب ما من عليهم من كتابه - أن يؤمنوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ويشكروا الله تعالى الذي أرسله إليهم على حين (ﭽ ﭾ ﭿ)»36، أي: «على انقطاع من الأنبياء، يقال: فتر الشيء يفتر فتورًا إذا سكنت حدته وصار أقل مما كان عليه»37.
وذلك بعد مدة متطاولة بينه وبين عيسى عليه السلام، قيل: بلغت ستمائة سنة، تغيرت فيها الأديان، وكثرت عبادة الأوثان والنيران والصلبان، فكانت النعمة به أتم النعم، والحاجة إليه شديدة، فإن الفساد كان قد عم جميع البلاد، وإن الطغيان والجهل قد ظهر في سائر العباد، إلا قليلًا من المتمسكين ببقايا من دين الأنبياء الأقدمين، من بعض أحبار اليهود وعباد النصارى، حتى بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم، فهدى الخلائق، وأخرجهم الله به من الظلمات إلى النور.
ولهذا قال تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ)، أي: لئلا تحتجوا وتقولوا: ما جاءنا من رسول يبشر بالخير وينذر من الشر، فقد جاءكم بشير ونذير، يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم، (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ)38.
فالآية حض لأهل الكتاب على الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم الذي جاءهم بعد هذا الانقطاع وما فيه من الاشتياق والحنو لوحي السماء، وبعثة الأنبياء.
وقد اختلف موقف أهل الكتاب من هذه الدعوة للإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم، كما بينه القرآن الكريم إلى ثلاث طوائف:
أولًا: طائفة آمنت بمحمد صلى الله عليه وسلم ورسالته:
وهي الطائفة الأولى، قال تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [آل عمران: ١١٣-١١٥].
فبين تعالى أن أهل الكتاب ليسوا متساوين في القبح والضلال، بل منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون، كما قال في الآية الأخرى: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [آل عمران: ١١٠].
ثم ذكر تعالى بعض صفات هذه الطائفة، ومدحها وأثنى عليها، فذكر لهم ثماني صفات كل منها منقبة ومفخرة يستحق فاعلها الثواب عليها، وهي أنهم (ﯓ ﯔ)، أي: مستقيمة على الحق متبعة له39، وهم الذين أسلموا منهم، كعبد الله بن سلام وغيره، وفيهم نزلت الآيات40.
ثم وصف تعالى صلاتهم وتهجدهم، وعبر عنه بالتلاوة في ساعات الليل مع السجود ليكون أبين وأبلغ في المدح41.
ثم أتبع ذلك بأربع صفات، (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ)، فهم يؤمنون بالله واليوم الآخر إيمانًا صحيحًا يوجب لهم إيمانهم بكل كتاب أنزله الله تعالى، وبكل رسول أرسله، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويسارعون في الخيرات42.
قال البيضاوي: «وصفهم بخصائص ما كانت في اليهود، فإنهم منحرفون عن الحق، غير متعبدين في الليل، مشركون بالله، ملحدون في صفاته، واصفون اليوم الآخر بخلاف صفته، مداهنون في الاحتساب، متباطئون عن الخيرات43.
ثم عقب تعالى على ما ذكره من صفاتهم، بالإخبار عنهم بالصلاح، وأنهم يثابون بأعمالهم خير الثواب، ولن يكفروا أي: ينقصوا أو يضيع من أعمالهم شيئًا، و(ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الرحمن: ٦٠].
هكذا يصف تعالى هذه الطائفة المؤمنة من أهل الكتاب، وفي ذلك استمالة لأهل الكتاب للدخول في الإسلام وتحفيز لهم على ذلك.
وقال تعالى في وصف حال هذه الطائفة:، (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [المائدة: ٨٣-٨٥].
فبين تعالى انقيادهم للحق وشدة انفعالهم له، حتى إنهم إذا سمعوا آيات الله تتلى عليهم، فاضت أعينهم بالبكاء.
قال الطبري: «وفيض العين من الدمع: امتلاؤها منه، ثم سيلانه منها، كفيض النهر من الماء، وفيض الإناء، وذلك سيلانه عن شدة امتلائه»44.
وذلك (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) «أي: مما عندهم من البشارة ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم، (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) أي: مع من يشهد بصحة هذا ويؤمن به»45.
قال ابن كثير: «وهذا الصنف من النصارى هم المذكورون في قوله عز وجل: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [آل عمران: ١٩٩].
وهم الذين قال الله فيهم: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [القصص٥٢-٥٥].
ولهذا قال تعالى ههنا: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ)، أي: فجازاهم على إيمانهم وتصديقهم واعترافهم بالحق»46، جنات عظيمة خالدين فيها أبدًا، «فهو سبحانه لم يعد بالثواب في الآخرة إلا لهؤلاء الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم»47.
وفي قوله تعالى: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [آل عمران: ١٩٩] دلالة واضحة على أن هذه الطائفة المؤمنة من أهل الكتاب تؤمن بـ (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ)، وهذا هو الإيمان النافع لا كمن يؤمن ببعض الرسل والكتب، ويكفر ببعض، وهو الإيمان الحقيقي الذي يورث الخشوع لله تعالى، والخضوع له، ولذلك فإن أهله لا يشترون بآيات الله ثمنًا بخسًا أبدًا48.
ثانيًا: طائفة كفرت برسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ومبعثه:
وهي الطائفة الثانية من أهل الكتاب، فهم من كفروا برسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ومبعثه، مع علمهم بنعوته الشريفة وصحة رسالته من كتابهم.
قال تعالى في الوعيد لهم: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [البينة: ٦].
فأخبر تعالى عن مآل كفرة أهل الكتاب،- الذين كفروا بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وجحدوا نبوته-، والمشركين جميعهم في نار جهنم خالدين فيها أبدًا، لا يحولون عنها ولا يزولون، وأنهم شر الخليقة التي برأها الله تعالى وذرأها49، و(من) في الآية بيانية50، أي: أن الكفار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، نوعان: الأول: أهل كتاب وهم اليهود والنصارى، والثاني: المشركون، وكلاهما يتناوله العقاب المذكور، وإنما قدم أهل الكتاب على المشركين وإن كان المشركون أعظم الفريقين كفرًا، لأن أهل الكتاب كفرهم واقع منهم مع علمهم بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ووجود البشارة بها في كتبهم، قال ابن عاشور: «وإنما قدم أهل الكتاب على المشركين هنا مع أن كفر المشركين أشد من كفر أهل الكتاب؛ لأن لأهل الكتاب السبق في هذا المقام فهم الذين بثوا بين المشركين شبهة انطباق البينة الموصوفة بينهم، فأيدوا المشركين في إنكار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بما هو أتقن من ترهات المشركين، إذ كان المشركون أميين لا يعلمون شيئًا من أحوال الرسل والشرائع، فلما صدمتهم الدعوة المحمدية فزعوا إلى اليهود ليتلقوا منهم ما يردون به تلك الدعوة وخاصة بعد ما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة»51.
فهم من هذه الحيثية أعظم جرمًا، وهذه الحيثية هي التي يدور الحديث عنها في السورة، ويتوافق ذلك مع اسم السورة (البينة)، وجيء باسم الإشارة (أولئك) «إشارة إليهم باعتبار اتصافهم بما هم فيه من القبائح المذكورة، وما فيه من معنى البعد لبعد منزلتهم في الشر، أي: أولئك البعداء المذكورون (ﯙ ﯚ ﯛ)»52.
فهذه الطائفة التي كفرت بمحمد صلى الله عليه وسلم، هذا هو حكمها من العذاب والخسار -كما بينه تعالى-، وهو «حكم قاطع لا جدال فيه ولا محال، مهما يكن من صلاح بعض أعمالهم وآدابهم ونظمهم ما دامت تقوم على غير إيمان، بهذه الرسالة الأخيرة، وبهذا الرسول الأخير، لا نستريب في هذا الحكم لأي مظهر من مظاهر الصلاح، المقطوعة الاتصال بمنهج الله الثابت القويم»53، (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [آل عمران: ٩٧].
وقد بين الله تعالى وضوح كفر هذه الطائفة من أهل الكتاب وأكده في قوله: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [النساء: ١٥٠-١٥١].
قال البيضاوي: «(ﮈ ﮉ ﮊ) هم الكاملون في الكفر لا عبرة بإيمانهم هذا، أي: ببعض أنبياء الله ورسله وكتبه دون البعض الآخر، (ﮋ) مصدر مؤكد لغيره أو صفة لمصدر الكافرين بمعنى: هم الذين كفروا كفرًا حقًا أي يقينًا محققًا»54.
وقال تعالى في نهي هذه الطائفة عن كفرها وأفعالها القبيحة: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [البقرة: ٤١].
ومعلوم أن اليهود والنصارى ليسوا هم أول كافر برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وإنما كفرت قريش والعرب أول ما كفروا في بداية دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في مكة، وإنما قال تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ) تعريضًا بأهل الكتاب، أي: إن اللائق بهم وبمنزلتهم لكونهم أهل كتاب أن يكونوا أول المؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم، لما عندهم من العلم بصدقه والبشارة به.
قال ابن عاشور: «والمقصود من النهي في قوله تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) توبيخهم على تأخرهم في اتباع دعوة الإسلام»55.
وقال الراغب: «أي: لا تكونوا ممن يقتدى بكم في الكفر.»56
ثالثًًا: طائفة كتمت صفة النبي محمد صلى الله عليه وسلم:
وهي الطائفة الثالثة من أهل الكتاب، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [البقرة: ١٤٦].
فأخبر تعالى أن علماء أهل الكتاب يعرفون صحة ما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم 57، ويعلمون نعوته وصفاته، والتي من جملتها أنه عليه السلام يصلي إلى القبلتين58، كما يعرف أحدهم ولده، والعرب كانت تضرب المثل في صحة الشيء بذلك، أو يعرفونه كما يعرفون أبناءهم من بين أبناء الناس لا يشك أحد ولا يتمارى في معرفة ابنه إذا رآه من بين أبناء الناس كلهم، ثم أخبر تعالى أنهم مع هذا التحقق والإتقان العلمي (ﭜ ﭝ) أي: ليكتمون الناس ما في كتبهم من صفة النبي صلى الله عليه وسلم (ﭞ ﭟ)59.
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [آل عمران: ٧١].
قال الألوسي في قوله تعالى: (ﭗ ﭘ): «أي: نبوة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وما وجدتموه في كتبكم من نعته والبشارة به (ﭙ ﭚ) أنه حق»60.
وقد بين الله تعالى أنه أخذ العهد على علماء أهل الكتاب أن يبينوا للناس ما في كتبهم التي أنزلها تعالى عليهم من البينات والمعاني والأحكام والأخبار وكل ما يحتاجون إليه، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [آل عمران: ١٨٧].
فالآية توبيخ من الله تعالى لهم في نبذهم، أي: طرحهم - غير مبالين - الميثاق الذي أخذه الله تعالى عليهم، «وهو العهد الثقيل المؤكد»61 لبيان ما في كتبهم من الحق، ومنه البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم وبيان أمره وصفته62.
فهم قد كتموا ذلك، واشتروا بذلك الكتمان (ﭡ ﭢ)، وهو ما يحصل لهم من بعض الرياسات، والأموال الحقيرة، من سفلتهم المتبعين أهواءهم63.
(ﭤ ﭥ ﭦ) لأنهم اشتروا عقاب الله تعالى وغضبه، وكان اللائق بهم أن يكونوا في أول من يؤمن بهذا النبي، وينصره ويذود عنه، لما في كتبهم من البشارة به وتوكيد دعوته، فالعقل قاض بأن يظاهروه، ودينهم حاكم بأن يؤيدوه، ومن العجب أن يطرحوا حكم العقل والنقل وراءهم ظهريًا64.
وهذا الفريق من أهل الكتاب ممن كتم الحق مع علمه اليقيني به، ومع أن الله تعالى أخذ الميثاق منهم على تبيينه، توعدهم الله تعالى بشر عقاب جزاًء وفاقًا على كفرهم واتباعهم أهواءهم، قال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [البقرة: ١٥٩].
فتوعدهم الله تعالى باللعنة منه، ومن جميع من يتأتى منه اللعن، من الملائكة ومؤمني الثقلين، وفي ذلك بيان لدوام اللعن واستمراره65، وعظم جرم هؤلاء الكاتمين وفعلهم، حيث استحقوا كل ذلك اللعن، أي: الدعاء عليهم بالطرد والإبعاد من رحمته.
وقال تعالى: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [البقرة: ١٧٤].
يعني: اليهود الذين كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم في كتبهم التي بأيديهم، مما تشهد له بالرسالة والنبوة، فكتموا ذلك لئلا تذهب رياستهم، وما كانوا يأخذونه من العرب من الهدايا والتحف على تعظيمهم إياهم، (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) أي: إنما يأكلون ما يأكلونه في مقابلة كتمان الحق نارًا تتأجج في بطونهم يوم القيامة، (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ)
وذلك لأنه غضبان عليهم، لأنهم كتموا وقد علموا، فاستحقوا الغضب، فلا ينظر إليهم ولا يزكيهم، أي: لا يثني عليهم ولا يمدحهم بل يعذبهم عذابًا أليمًا66.
بين القرآن الكريم موقف أهل الكتاب من المسلمين في آيات كثيرة، وكشف عن نواياهم ومخططاتهم وتدابيرهم، وذلك كله ليكون المسلمون على بينة من أمرهم، فيحذرونهم ويحتاطون لهم إن كانوا من أعدائهم، ويسالمونهم ويقاربونهم إن كانوا من أصدقائهم ومحبيهم، ولما كان لأهل الكتاب الدور الرئيس الأكبر في معاداة الإسلام وأهله كما تشهد بذلك وقائع التاريخ إلى يومنا هذا، فقد كشف القرآن الكريم عن تلك العداوة وأسبابها وصورها، لما لها من خطر داهم على المسلمين، وذلك من طريقة القرآن في هدايته لكل خير، والتحذير من كل شر، قال تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [الإسراء: ٩].
ولقد بين القرآن الكريم أن موقف أهل الكتاب من المسلمين لا ينحصر في موقف واحد من عداوتهم لهم، بل إن من أهل الكتاب فريقًا لا يحمل في نفسه تلك العداوة والبغض لهم، ولا يستكبر عن قبول الحق واتباعه والإذعان به، وهذا الفريق قادته تلك الصفات الحسنة إلى الإيمان بالله تعالى ورسله جميعًا، والدخول في الإسلام.
قال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [المائدة: ٨٢-٨٣].
فبين تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم، وأقسم له على موقفين لأهل الكتاب من المؤمنين:
أحدهما: موقف العداوة في قمتها حتى فاقت كل العداوات، فأصحابها هم أشد الناس عداوة وأصلبها للمؤمنين.
والثاني: هو موقف المودة والمحبة، وأصحابها هم أقرب الناس مودة للمؤمنين.
أولًا: موقف العداء من المسلمين:
وهو موقف أهل الكتاب عامة واليهود خاصة، ويشاركهم في هذا الموقف المشركون من غير أهل الكتاب.
قال تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ).
وهي حقيقة يقررها الله تعالى لنبيه، صلى الله عليه وسلم وأمته، وتوجيه لهم في كون اليهود أعدى أعدائهم، ويلفت تعالى أنظارهم إلى هذه الحقيقة في كون أولئك اليهود مع أنهم أهل كتاب إلا أنهم يتقدمون المشركين في هذه العداوة67، كما أقسم تعالى على هذه الحقيقة لتوكيدها، والمقصود من هذا القسم للنبي صلى الله عليه وسلم هو تسليته فيما يقع له منهم من التكذيب والأذى بأنهم أعدى أعداء المؤمنين، قال الفخر الرازي: «واللام في قوله (ﮮ) لام القسم، والتقدير: قسما إنك تجد اليهود والمشركين أشد الناس عداوة مع المؤمنين، وقد شرحت لك أن هذا التمرد والمعصية عادة قديمة لهم، ففرغ خاطرك عنهم ولا تبال بمكرهم وكيدهم»68.
وعداوة أهل الشرك للمؤمنين واضحة في أسبابها، لا تحتاج إلى تعليل، أما اليهود فالوضع مقلوب بالنسبة لهم «إذ كانوا - وهم أهل كتاب - أولى الناس بأن يناصروا أهل الكتاب ويوادوهم، لا أن يكونوا في الجبهة الأولى من الجبهات المعادية للمؤمنين؛ إذ يتقدمون في هذا الموقف اللئيم أهل الكفر والشرك، فيكونون قادة الحملة الموجهة لحرب الله والمؤمنين بالله!»69.
وكشف القرآن الكريم عن سبب صدور هذه العداوة منهم، وهو نفسيتهم المريضة، التي غلبت الحسد والأهواء على أوامر الله واتباع رسله وكتبه والإيمان بهما، فقد حسد اليهود النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لم يأت منهم، وجاء من العرب، ولذلك تركوا الإيمان به، وقالوا: نؤمن بما نزل علينا نحن أمة اليهود فقط، قال تعالى: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [البقرة: ٩١].
وقد رد عليهم تعالى دعواهم بالإيمان بكتبهم واحترامها وإجلالها، بقوله: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ)، وهذا تكذيب لهم وتوبيخ، أي: لم تقتلون -إن كنتم يا معشر اليهود مؤمنين بما أنزل الله عليكم - أنبياءه، وقد حرم الله في الكتاب الذي أنزل عليكم قتلهم، بل أمركم فيه باتباعهم وطاعتهم وتصديقهم؟70.
وقال تعالى في آية أخرى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [النساء: ٥٤-٥٥].
قال ابن كثير: «يعني بذلك: حسدهم النبي صلى الله عليه وسلم على ما رزقه الله من النبوة العظيمة، ومنعهم من تصديقهم إياه حسدهم له؛ لكونه من العرب وليس من بني إسرائيل»71.
ثم رد تعالى عليهم، فقال: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) أي: أن إيتاء النبوة والفضل لمحمد صلى الله عليه وسلم ليس بدعًا ولا غريبًا على كرم الله، فإنعامه لم يزل مستمرًا على عباده المؤمنين.72
«إن الحسد- وليس غيره - هو الذي أغرى أهل الكتاب - وخاصة اليهود - بهذا الموقف الضال الآثم، من رسالة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، وكتمانهم الحق عن علم بأنه رسول الله، وأنه الذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل...
وفى نار الحسد التي تأججت في صدور اليهود، ذابت كل معالم الحق الذي كان معهم من أمر النبي، فكفروا به، واتخذوا طريق الضلال مركبًا إلى عذاب الجحيم»73.
وقد ذكر القرآن الكريم قصة يوسف عليه السلام مع إخوته، وهم آباء أسباط بني إسرائيل، وفيها أنهم حسدوه وكادوا له بإلقائه في البئر ليخلوا لهم وجه أبيهم، وأن عاقبة حسدهم في نهاية الأمر كانت في مصلحة يوسف وخيرًا له، وأنه صار بسبب ذلك عزيزًا لمصر، وكأن في ذلك تنبيهًا لليهود الذين يحسدون النبي صلى الله عليه وسلم أن عاقبة حسدهم وكيدهم هي خير للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته.
«وفى قوله تعالى (ﲆ) إشارة إلى أن هذا الحكم الذي فضح الله به اليهود، ليس حكمًا معلقًا على أي شرط، بحيث يقع إذا وقع هذا الشرط، أو هو حكم خفي لا تظهر آثاره للعيان، وإنما هو حكم مطلق، واقع دائمًا، ظاهر لا خفاء فيه، ولهذا جاء التعبير عنه بلفظ (تجد) بمعنى ترى، وتبصر، وتتحقق، ثم جاء هذا اللفظ مؤكدًا بالقسم، وبنون التوكيد (لتجدن)، فهو أمر واقع، مؤكد الوقوع، لا احتمال فيه لشك أو ريب. هذه هي وجهة اليهود في الحياة، وهذا هو حكم الله عليهم»74.
وهذا الحكم الإلهي عليهم تشهد له وقائع التاريخ بوضوح لا خفاء فيه، - وإن كنا لسنا بصدد التفصيل التاريخي في الحديث عن عداوتهم - فاليهود سبب معظم الفتن التي حدثت في العالم الإسلامي، وقد حاربوا النبي صلى الله عليه وسلم بشتى الوسائل الممكنة، حاولوا بها سحره وسمه وقتله مرات عديدة، إلا أن الله حفظ نبيه صلى الله عليه وسلم ونجاه، ولا يزال أذى اليهود للمسلمين إلى يومنا هذا مشاهد ومعلوم، وما يحدث منهم في فلسطين والقدس وغزة مكشوف معلوم.
ولعداء أهل الكتاب للمسلمين صور متعددة، ومن هذه الصور:
١. سعيهم في إضلال المسلمين وتشكيكهم في دينهم:
قال تعالى: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [آل عمران: ٧٢].
وقد نزلت في جماعة من زعماء اليهود وأحبارهم تآمروا لفتنة المسلمين وتشكيكهم في دينهم، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قال عبد الله بن الصيف، وعدي بن زيد، والحارث بن عوف، بعضهم لبعض: تعالوا نؤمن بما أنزل على محمد وأصحابه غدوةً ونكفر به عشيةً، حتى نلبس عليهم دينهم، لعلهم يصنعون كما نصنع، فيرجعوا عن دينهم! فأنزل الله عز وجل فيهم: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ) [آل عمران: ٧١].
إلى قوله: (ﮍ ﮎ ﮏ) [آل عمران: ٧٣]75.
فالآية في كشف وفضح اليهود وبيان كيدهم ومكرهم للمسلمين، حيث دبروا للتظاهر بالدخول في الإسلام، ثم الخروج منه بعد ذلك، بغية صد الناس والمسلمين عنه، وهذا المخطط الخبيث منهم مبني «على قاعدة طبيعية في البشر، وهي أن من علامة الحق ألا يرجع عنه من يعرفه، وقد فقه هذا هرقل صاحب الروم فكان مما سأل عنه أبا سفيان من شؤن النبي صلى الله عليه وسلم عندما دعاه إلى الإسلام: «هل يرجع عنه من دخل في دينه؟ فقال أبو سفيان: لا»76.
«وقد أرادت هذه الطائفة أن تغش الناس من هذه الناحية ليقولوا: لولا أن ظهر لهؤلاء بطلان الإسلام لما رجعوا عنه بعد أن دخلوا فيه، واطلعوا على باطنه وخوافيه؛ إذ لا يعقل أن يترك الإنسان الحق بعد معرفته، ويرغب عنه بعد الرغبة فيه بغير سبب»77.
قال ابن كثير: «هذه مكيدة أرادوها ليلبسوا على الضعفاء من الناس أمر دينهم، وهو أنهم اشتوروا بينهم أن يظهروا الإيمان أول النهار ويصلوا مع المسلمين صلاة الصبح، فإذا جاء آخر النهار ارتدوا إلى دينهم ليقول الجهلة من الناس: إنما ردهم إلى دينهم اطلاعهم على نقيصة وعيب في دين المسلمين، ولهذا قالوا: (ﭫ ﭬ)» 78.
٢. كراهة نزول الخير على المسلمين:
قال سبحانه وتعالى: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [البقرة: ١٠٥].
وقبل البدء في تفسير الآية وبيان ما دلت عليه من صور عداوة أهل الكتاب، نشير إلى ملحوظة اقتران المشركين بأهل الكتاب في الآية، وفي قوله تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ).
وكأن الله تعالى يريد أن يذكر أهل الكتاب بمشابهتهم للمشركين في عداوتهم لأهل الإيمان، الذين صدقوا بأنبياء الله وكتبه، حتى أنهم يشاركونهم في صورة هذه العداوة وهي إضمار الحقد والكراهية للمؤمنين، وفي ذلك ما فيه من التوبيخ لهم والتعنيف.
وبالعودة إلى تفسير الآية، قال السعدي: «أخبر عن عداوة اليهود والمشركين للمؤمنين، أنهم ما يودون (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) أي: لا قليلًا ولا كثيرًا (ﯯ ﯰ) حسدًا منهم، وبغضًا لكم أن يختصكم بفضله فإنه (ﯹ ﯺ ﯻ) ومن فضله عليكم، إنزال الكتاب على رسولكم، ليزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة، ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون، فله الحمد والمنة»79.
فالآية تكشف ما تكنه صدور أهل الكتاب للمسلمين من الشر والعداء، وما تنغل به قلوبهم من الحقد والحسد، بسبب ما اختصهم به الله من الفضل؛ ليحذر المسلمون أعداءهم، ويستمسكوا بما يحسدهم هؤلاء الأعداء عليه من الإيمان، ويشكروا فضل الله عليهم ويحفظوه80، وتصور بلاغة النص القرآني في هذه الآية عظم هذا العداء في نفوس القوم، فـــ (من) في قوله تعالى: (ﯭ ﯮ) للاستغراق81، أي: من أي شيء مما يسمى خيرًا، فأهل الكتاب لا يودون أن ينال أهل الإيمان أي خير أبدًا، ولا يرضيهم ذلك.
وفي ختمه تعالى الآية بقوله: (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) تلميح يستجيش في قلوب الذين آمنوا الشعور بضخامة العطاء وجزالة الفضل، فليس أعظم من نعمة النبوة والرسالة وليس أعظم من نعمة الإيمان والدعوة إليه، وفي التقرير الذي سبقه عما يضمره الذين كفروا للذين آمنوا ما يستجيش الشعور بالحذر والحرص الشديد، وهذا الشعور وذاك ضروريان للوقوف في وجه حملة البلبلة والتشكيك التي قادها- ويقودها - اليهود، لتوهين العقيدة في نفوس المؤمنين.! 82.
وفي مضمون هذه الآية دلالة على أن أسباب العداوة والصراع بين أهل الكتاب والمسلمين في أصلها دينية.
هكذا يكشف القرآن الكريم عن مشاعر أهل الكتاب الذين كفروا بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ونواياهم الخبيثة تجاه المسلمين، إنها مشاعر الكراهية والحسد وتمني الشر، كما تحدث القرآن الكريم عن هذه المشاعر في آيات أخرى، قال تعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [آل عمران: ٦٩].
قال ابن كثير: «يخبر تعالى عن حسد اليهود للمؤمنين وبغيهم إياهم الإضلال، وأخبر أن وبال ذلك إنما يعود على أنفسهم، وهم لا يشعرون أنهم ممكور بهم»83، إنهم يتمنون أن يضل المسلمون، ولكن هيهات أن يكون ذلك لهم، فمن خالطت بشاشة الإيمان قلبه لا يتركه أبدًا، ومن أبصر النور لا يعود إلى الظلام، أما أولئك من أهل الكتاب فإنهم (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ)؛ لأنهم بسعيهم في إضلال المسلمين يزدادون ضلالًا وعذابًا84، وينشغلون بذلك الإضلال عن النظر في طرق الهداية، ودلائل الحق85.
«لقد اتخذوا الضلال مركبًا، والزور طريقًا، والجدل سلاحًا، في تلك المعركة التي اشتبكوا فيها مع الإسلام والمسلمين، إنهم قد خسروا أنفسهم من أول الطريق، إذ كانوا على ضلال وفي ضلال، فإن كسبوا المعركة واستطاعوا أن يضلوا غيرهم، فحسبهم من الغنيمة أنهم خسروا معها أنفسهم مرتين، مرة قبل المعركة ومرة بعدها!»86، (ﯻ ﯼ) أي: ومع كون هذا حالهم فإنهم لا يفطنون له، ولا يشعرون أنهم يضرون أنفسهم ويهلكونها قبل كل شيء.
٣. تمني كثير منهم ردة المسلمين عن دينهم:
قال تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [البقرة: ١٠٩].
فأخبر تعالى أن كثيرًا من أهل الكتاب يتمنى ردة المسلمين، وأن السبب الحامل لهم على ذلك إنما هو الحسد، وأنهم ما صدر منهم ذلك إلا بعد معرفتهم الحق87.
قال ابن كثير في تفسير الآية: «يحذر تعالى عباده المؤمنين من سلوك طرائق الكفار من أهل الكتاب، ويعلمهم بعداوتهم لهم في الباطن والظاهر وما هم مشتملون عليه من الحسد للمؤمنين، مع علمهم بفضلهم وفضل نبيهم. ويأمر عباده المؤمنين بالصفح والعفو والاحتمال، حتى يأتي أمر الله من النصر والفتح»88.
٤. تولي الكافرين ومظاهرتهم على المسلمين:
قال تعالى: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [المائدة: ٨٠-٨١].
قال صاحب المنار: «أي: ترى أيها الرسول، كثيرًا من بني إسرائيل يتولون الذين كفروا، من مشركي قومك، ويحرضونهم على قتالك، وأنت تؤمن بالله، وبما أنزل على أنبيائهم، وتشهد لهم بالرسالة، وأولئك المشركون لا يوحدون الله تعالى ولا يؤمنون بكتبه، ولا برسله مثلك، فكيف يتولونهم، ويحالفونهم عليك، لولا اتباع أهوائهم، وسخط الله عليهم؟
(ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) هذا ذم مؤكد بالقسم لعمل اليهود الذي قدمته لهم أنفسهم؛ ليلقوا الله تعالى به في الآخرة، وما هو إلا العمل القبيح الذي أوجب سخط الله عليهم...
(ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) فهو محيط بهم، لا يجدون عنه مصرفًا...
(ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) أي: ولو كان أولئك اليهود الذين يتولون الكافرين من مشركي العرب يؤمنون بالله والنبي محمد صلى الله عليه وسلم أو النبي الذي يدعون اتباعه، وهو موسى صلى الله عليه وسلم، وما أنزل إليه من الهدى والفرقان، لما اتخذوا أولئك الكافرين من عبدة الأصنام أولياء لهم وأنصارًا؛... فهذه الولاية بين اليهود والمشركين لم يكن لها علة إلا اتفاق الفريقين على الكفر بالله ورسوله وكتابه والتعاون على حرب الرسول وإبطال دعوته، والتنكيل بمن آمن به»89.
ثانيًا: موقف المودة من المؤمنين:
وأما الموقف الثاني من بعض أهل الكتاب: فهو موقف المودة والمحبة، وهو موقف بعض النصارى الذين بقوا على شيء من الحق مما جاء به عيسى عليه السلام لهم، فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم مصدقًا لما معهم من الحق آمنوا به.
قال تعالى:، (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [المائدة: ٨٢-٨٣].
عن قتادة قال: «أناس من أهل الكتاب كانوا على شريعةٍ من الحق مما جاء به عيسى عليه السلام، يؤمنون به وينتهون إليه. فلما بعث الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم، صدقوا به وآمنوا به، وعرفوا الذي جاء به أنه الحق، فأثنى عليهم ما تسمعون»90، وعليه فالمراد في الآية: الطائفة المؤمنة من أهل الكتاب، ولا شك أن المؤمنين من أهل الكتاب من النصارى أكثر من اليهود، فإن المؤمنين من اليهود قليل، وذلك لما في اليهود من أدواء الحسد والكذب وكثرة المراء والجدال في الحق، أما النصارى ففيهم رأفة ورحمة ومنهم قسيسون ورهبان، قال ابن كثير: «قوله: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ)، أي: الذين زعموا أنهم نصارى من أتباع المسيح وعلى منهاج إنجيله، فيهم مودة للإسلام وأهله في الجملة، وما ذاك إلا لما في قلوبهم؛ إذ كانوا على دين المسيح من الرقة والرأفة، كما قال تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [الحديد: ٢٧].
وفي كتابهم: (من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر). وليس القتال مشروعًا في ملتهم؛ ولهذا قال تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) أي: يوجد فيهم القسيسون، وهم خطباؤهم وعلماؤهم... والرهبان: جمع راهب، وهو العابد. مشتق من الرهبة، وهي الخوف»91، «والعلم مع الزهد وكذلك العبادة مما يلطف القلب ويرققه، ويزيل عنه ما فيه من الجفاء والغلظة، فلذلك لا يوجد فيهم غلظة اليهود، وشدة المشركين»92.
وخصت الآية النصارى بالذكر لكثرة المؤمنين منهم، وقد وجد الصحابة الذين هاجروا إلى الحبشة - رضي الله تعالى عنهم - من النجاشي ملك الحبشة - وكان نصرانيًا قبل أن يسلم - المعاملة الحسنة والإيواء الحسن، ولما مات النجاشي، قال النبي صلى الله عليه وسلم عنه -كما في رواية جابر رضي الله عنه عنه-: (مات اليوم رجل صالح، فقوموا فصلوا على أخيكم أصحمة)93، وهو بخلاف ما وجد النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه من اليهود في المدينة من التآمر والكيد لدعوته، ومن محاولات الاغتيال لشخصه الشريفة صلوات الله وسلامه عليه.
وقد ذكر تعالى لهم صفة الخشوع والبكاء عند سماع القرآن، وهذا الانفعال والتأثر كثيرًا ما يذكره تعالى عنهم وعن أمثالهم من مؤمني أهل الكتاب، كما في قوله تعالى:، (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [الإسراء: ١٠٧-١٠٩].
وقوله: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [آل عمران: ١٩٩].
وهو مما يدل على ظهور هذه الصفة منهم، وفي تخصيص هذه الصفة بالذكر مع صفة التواضع (ﯩ ﯪ) تعريض بغيرهم من أهل الكتاب الذين لا يحرك فيهم كلام الله ساكنًا، ولا يتأثر لهم قلب، ولا تدمع لهم عين.
وإذا كانت الآية قد صرحت بأن أقرب الناس مودة للذين آمنوا الذين قالوا: إنا نصارى، فليس المراد من الآية عموم النصارى، وذلك لأن من النصارى من يشاركون اليهود في عداوتهم للمؤمنين، وإن كان اليهود أشد منهم عداوة، وقد بين تعالى عداوة اليهود والنصارى معًا في آيات كثيرة، كقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [المائدة: ٥١].
قال ابن كثير: «ينهى تعالى عباده المؤمنين عن موالاة اليهود والنصارى، الذين هم أعداء الإسلام وأهله، قاتلهم الله، ثم أخبر أن بعضهم أولياء بعض، ثم تهدد وتوعد من يتعاطى ذلك فقال: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ)»94.
والواقع التاريخي شاهد على هذه العداوة بلا ريب أو شك، وقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم في غزو الروم - وهم نصارى - في مؤتة من أرض الشام، كما غزاهم بنفسه في تبوك، ومعارك المسلمين مع الصليبين في مشهورة معلومة.
لقد بات معلومًا لكل باحث ومنصف ما وصل إليه الحال بأهل الكتاب من الانحراف الكبير في الدين، ومن الانتكاس العظيم للفطرة، لقد انحرف أهل الكتاب في أصول الدين قبل فروعه، ولقد انحرف علماؤهم قبل عامتهم، انحرف أهل الكتاب في أصل الدين وهو التوحيد الخالص، فنسبوا لله الولد، وقالوا: ثالث ثلاثة، وقالوا: إن الله هو المسيح ابن مريم، وانحرف علماء أهل الكتاب فغيروا وبدلوا في كتبهم ودينهم، وأكلوا أموال الناس بالباطل، وداهنوا ملوك الأرض على حساب دينهم وعقيدتهم.
ولقد بين القرآن الكريم انحراف أهل الكتاب جملة وتفصيلًا، وبين أخطاءهم وضلالاتهم، ورد عليها، وصححها، وذلك ليرجع أهل الكتاب عن غيهم وضلالهم، ويعلموا الحق في تلك الأمور، ولا يغتروا هم بما هم عليه مما ظاهره التدين بدين أو بالانتساب للأنبياء عليهم السلام، ولذلك نجد من أسلوب القرآن الكريم في رده على أهل الكتاب أنه يبين باستمرار براءة جميع الأنبياء مما هم عليه من الباطل، ومما ينسبونه إليهم منه.
كما أن في تبيين القرآن الكريم انحرافات أهل الكتاب وأسبابها ونتائجها: تحذيرًا لهذه الأمة المحمدية من الوقوع فيها، ومن سلوك سبيل أهل الكتاب في الانحراف والخروج عن دين الله تعالى، نسأل الله العافية.
وسنتحدث عن بعض هذه الانحرافات:
أولًا: نسبة الولد لله سبحانه والتطاول على الذات الإلهية.
بين القرآن الكريم انحراف أهل الكتاب في أصل الدين وهو التوحيد، ورد عليهم ذلك في عدة مواضع منه، كقوله تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [المائدة: ٧٢-٧٥].
وقوله: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [المائدة: ١١٦].
وقوله تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [التوبة: ٣٠-٣١].
وقوله: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ) [المائدة: ٦٤]. وغير ذلك من الآيات وهي كثيرة.
وبالنظرة الإجمالية في هذه الآيات نلحظ ما يلي:
بينت الآيات الكريمة انحراف أهل الكتاب في أصل التوحيد واختلافهم في ذلك، فمنهم: من يعتقد أن الله هو المسيح ابن مريم، ومنهم من يقول: هو ابن الله، ومنهم: من يقول: هو ثالث ثلاثة، أي: الله وعيسى وأمه95، أو الله وعيسى وروح القدس، وهو قول المتأخرين منهم، ومنهم: نصارى هذا الزمان.
قال صاحب المنار: «وأما النصارى المتأخرون فالذي نعرفه منهم وعنهم أنهم يقولون بالثلاثة الأقانيم، وبأن كل واحد منها عين الآخر، فالأب عين الابن، وعين روح القدس، ولما كان المسيح هو الابن كان عين الأب وروح القدس أيضًا»96.
ومنهم: من يتخذ المسيح وأمه إلهين من دون الله، وكل هذه الأقوال كفر بالله تعالى، وجهل بدينه وشرعه، وعدم تفريق بين الخالق والمخلوق، والرب والمربوب، وهي من جنس أقوال الوثنيين من عبدة الأصنام والبشر والحجر، ومأخوذة عنهم97.
بدأ تعالى الآية الأولى من سورة المائدة بقوله: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) وهو إعلان واضح بكفر النصارى فيما قالوه من أقوال قبيحة ضالة، وتنبيه لهم على خطورة الأمر، وأن القائلين هذا القول يخرجون به من الدين من أوسع أبوابه، وإن ادعوا أنهم أهل كتاب، أي: يا من تقولون هذا القول قد كفرتم، وأكد تعالى هذا الإعلان بلام القسم في (ﭦ)، وبــ (قد) التوكيدية، «أي: أقسم لقد كفر أولئك النصارى الذين قالوا كذبًا وزورًا: إن الله المستحق للعبادة والخضوع هو المسيح ابن مريم»98.
بين القرآن الكريم في رده على أهل الكتاب، أن المسيح عيسى عليه السلام بريء من عبادتهم له، ومن أقوالهم، وما نسبوه إليه، وأنه كغيره من الرسل إنما أمر بعبادة الله تعالى، وبالتوحيد وبين أنه لا يدخل أحد الجنة ابتداءً إلا به، ونهاهم عن الشرك وبين أنه الذي يلقي بصاحبه في النار.
تخلل رد القرآن الكريم على أهل الكتاب أمرهم بالتوبة مما هم عليه من الباطل، وتحذيرهم من الاستمرار عليه.
قال تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [المائدة: ٧٣-٧٤].
واللام في (ﮠ) للقسم99، «وعبر بالمس للإشارة إلى شدة ما يصيبهم من آلام؛لأن المراد أن هذا العذاب الأليم يصيب جلدهم وهو موضع الإحساس فيهم إصابة مستمرة.
كما قال تعالى في آية أخرى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [النساء: ٥٦]»100.
والهمزة في قوله تعالى: (ﮧ ﮨ) للاستفهام التعجبي الإنكاري101.
وفي الآية حث منه تعالى لهم على التوبة من أقوالهم الباطلة، وصدر تعالى دعوتهم إلى ذلك بالعرض الذي هو غاية في اللطف واللين.
ثم قال: (ﮭ ﮮ ﮯ) أي: يغفر ذنوب التائبين، ولو بلغت عنان السماء102.
قال ابن كثير: «وهذا من كرمه تعالى وجوده ولطفه ورحمته بخلقه، مع هذا الذنب العظيم وهذا الافتراء والكذب والإفك، يدعوهم إلى التوبة والمغفرة، فكل من تاب إليه تاب عليه»103 .
بين القرآن الكريم بعد رده على أهل الكتاب باطلهم، حقيقة المسيح وأمه، والحق في ذلك، وأن المسيح رسول من عند الله، وأمه مريم من الصديقين الذين هم أعلى الخلق رتبة بعد الأنبياء104.
بين القرآن الكريم بعض الأدلة الحسية الواضحة في رده على أهل الكتاب، مثل كون عيسى وأمه -اللذين يدعي النصارى ألوهيتهما - كانا يأكلان الطعام، أي: أنهما عبدان، يجوعان ويحتاجان إلى الطعام والشراب، ويخضعان للضرورات التي تصاحب عملية أكل الطعام. ولو كانا إلهين لاستغنيا عن الطعام والشراب، ولم يحتاجا إلى شيء، فإن الإله هو الغني الحميد، ومن كان هذا شأنه، فكيف يكون إلهًا مع الله؟105
بين القرآن الكريم انحراف أهل الكتاب بتطاولهم على الذات الإلهية، حيث نسبوا له صفات النقص كالبخل والفقر وغير ذلك.
بين القرآن الكريم انحراف أهل الكتاب في توحيد العبادة والطاعة، (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ).
أي: اتخذ اليهود أحبارهم وهم العلماء منهم، واتخذ النصارى رهبانهم وهم عبادهم أربابًا غير الله، أي: بما أعطوهم من حق التشريع فيهم، وأطاعوهم فيه، أي:جعلوهم مشرعين من غير الله، يحللون لهم ويحرمون عليهم ما لم يشرعه الله تعالى106، «وكانوا أيضًا يغلون في مشايخهم وعبادهم ويعظمونهم، ويتخذون قبورهم أوثانًا تعبد من دون الله، وتقصد بالذبائح، والدعاء والاستغاثة»107.
ولهذا قال تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) .
أي: أن الله وحده هو الذي من حقه التحليل والتحريم108.
عن عدي بن حاتم رضي الله عنه، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب. فقال: (يا عدي اطرح عنك هذا الوثن)، وسمعته يقرأ في سورة براءة: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ)، قال: (أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئًا استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئًا حرموه)109.
وهكذا يبين القرآن الكريم انحراف النصارى في هذا الباب العظيم من أبواب الدين وأصوله، مما أدى بالنصارى إلى الخروج من دائرة الإيمان والدخول في الكفر، كما حكم به تعالى عليهم.
ثانيًا: الكفر بآيات الله وتحريفها وكتمانها:
من الانحرافات الدينية الخطيرة التي وقع بها أهل الكتاب: الكفر بآيات الله، وتحريفهم لكتبهم التي أنزلها الله لهم وتبديلها، وترك الإيمان ببعضها، ولا شك أن الكتب المنزلة على أهل الكتاب هي وعاء دينهم وبيانه، وأن تضييعها وتحريفها هو تضييع للدين نفسه، بما جاء به من حق وعدل وعقائد وأحكام ومواعظ وقصص، وتلك مصيبة عظمى حلت بأهل الكتاب، ولقد رحم الله هذه الأمة، وخفف عنها، وتكرم عليها حين قال: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [الحجر: ٩].
وقد بين القرآن الكريم انحراف أهل الكتاب في الإيمان بكتبهم وتحريفها بصوره المختلفة في مواضع كثيرة من آياته، منها:
قوله تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [البقرة: ٨٥].
وقال تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [المائدة: ١٣].
وقال تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [البقرة: ٧٥].
وقال تعالى: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭾ ﭿ ﮀ) [البقرة: ٧٩].
وقال تعالى: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [البقرة: ١٧٤].
وبالنظرة الإجمالية في هذه الآيات نلحظ ما يلي:
بين القرآن الكريم انحراف أهل الكتاب في ركن من أركان الإيمان، وهو الإيمان بكتب الله تعالى التي أنزلها لعباده وتصديقها واحترامها وإجلالها، والعمل بمقتضاها وتحكيمها، وأهل الكتاب إنما يؤمنون ببعض - لا بكل - ما جاءت به هذه الكتب مما يوافق هواهم، ويكفرون بغيره مما خالفه، وهم أيضًا لم يحترموا هذه الكتب، بل نبذوها وراء ظهورهم، وحرفوها ومدوا أيديهم إليها بالتحريف، وفي ذكر القرآن الكريم هذا الانحراف من أهل الكتاب توبيخ لهم، وتشنيع، وتسلية للنبي صلى الله عليه وسلم في إعراضهم عن الإيمان بما جاء به، بأن هذا هو حالهم مع كتب الله المنزلة، حتى مع كتابهم هم أنفسهم، كفروا به، وحرفوه، كما نلحظ هذا المعنى في قوله تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [البقرة: ٧٥].
قال السعدي: «هذا قطع لأطماع المؤمنين من إيمان أهل الكتاب، أي: فلا تطمعوا في إيمانهم وحالتهم لا تقتضي الطمع فيهم، فإنهم كانوا يحرفون كلام الله من بعد ما عقلوه وعلموه، فيضعون له معاني ما أرادها الله، ليوهموا الناس أنها من عند الله، وما هي من عند الله، فإذا كانت هذه حالهم في كتابهم الذي يرونه شرفهم ودينهم يصدون به الناس عن سبيل الله، فكيف يرجى منهم إيمان لكم؟! فهذا من أبعد الأشياء»110.
وقال الشعراوي: «(ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ)، هذه معصية مركبة، سمعوا كلام الله وعقلوه وعرفوا العقوبة على المعصية، ثم بعد ذلك حرفوه»111.
بين القرآن الكريم صور تحريف أهل الكتاب لكتبهم، فهم أولًا نسوا بعضًا من كتبهم، والذي لم ينسوه منها حرفوا فيه لفظًا ومعنى، وكتموا منه صفة النبي صلى الله عليه وسلم ونعته، وزادوا عليه.
قال الشعراوي: « (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [المائدة: ١٤].
والذي لم ينسوه من المنهج، ماذا فعلوا به؟: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [البقرة: ١٥٩].
لقد كتموا البينات التي أنزلها الله في الكتاب، فالكتم عملية اختيارية، أما النسيان فقد يكون لهم العذر أنهم نسوه، لكنهم يتحملون ذنبًا من جهة أخرى؛ إذ لو كان المنهج على بالهم وكانوا يعيشون بالمنهج لما نسوه، والذي لم ينسوه كتموا بعضه، والذي لم يكتموه لووا به ألسنتهم وحرفوه. وهل اقتصروا على ذلك؟ لا. بل جاءوا بشيء من عندهم وقالوا: هو من عند الله: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [البقرة: ٧٩]»112.
فتحريف أهل الكتاب كتبهم على أربع صور: النسيان، والكتم، والتحريف، ودس أشياء على أنها من عند الله، وهي ليست من عند الله.
بين القرآن الكريم بعض أسباب هذا الانحراف عند أهل الكتاب، فاتباع أهل الكتاب لأهوائهم جعلهم يؤمنون بما يوافق هواهم مما جاء في كتبهم دون ما يخالفه، وحسدهم للنبي صلى الله عليه وسلم وخوفهم على رياستهم جعلهم يكتمون البشارة به، وضعف الوازع الديني لديهم جعلهم (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [البقرة: ٧٩].
فباعوا دينهم بدنياهم، وقوله تعالى في الآية (ﭵ) أي: لا يعبأ به، فإن ذلك المال وإن جل في نفسه فهو قليل في مقابلة ما استوجبوه بسببه من العذاب الأليم الخالد113، ونقض الميثاق من أهل الكتاب سبب لهم قسوة في القلب عقوبة لهم على ذلك (ﮩ ﮪ ﮫ)، والقلب القاسي لا تؤثر فيه موعظة، ولا يخاف من عقوبة ما يقدم عليه من الإثم، ولذلك أقدموا على التحريف وغيره من الانحرافات.
ثالثًا: الصد عن سبيل الله وأكل أموال الناس بالباطل.
العلماء هم صمام الأمان للخلق عند غياب الأنبياء، يرجع الناس إليهم ويستفتونهم ويستشيرونهم، وهم من يدفعون عن الخلق شبهات المضلين، وتشكيكات الشياطين، فإذا فسدوا كان لهم أثر سيئ على عوام الناس.
وقد بين القرآن الكريم أن كثيرًا من علماء أهل الكتاب يأكلون أموال الناس بالباطل، ويصدون عن سبيل الله، قال تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [التوبة: ٣٤].
فكشف تعالى حال كثير من الأحبار والرهبان وفضحهم، وحذر المؤمنين منهم، ووصفهم بأكل أموال الناس بالباطل، والصد عن سبيل الله، وقد جاء هذا البيان والتحذير في الآية في سياق الكلام على أهل الكتاب في السورة، وأنهم حرفوا دينهم، وقالوا: المسيح ابن الله، وأنهم يريدون أن يطفئوا نور الله، وهو ما بعث به رسوله صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق، وأن الله لا يريد إطفاءه، بل يريد إتمامه، وقد فعل، فناسب أن يبين مع هذا شيئًا من سيرة جمهور هؤلاء الرؤساء الدينيين العملية؛ ليعرف المسلمون حقيقة حالهم، والأسباب التي تحملهم على محاولة إطفاء نور الله تعالى، وأن أكثرهم يعبدون أهواءهم وشهواتهم.114
وقد وصفهم الله تعالى بأكلهم أموال الناس بالباطل، وذلك لأنهم كانوا يأخذون الرشا في تخفيف الأحكام والمسامحة في الشرائع. وأنهم كانوا يدعون عند العوام منهم:أنه لا سبيل لأحد إلى الفوز بمرضاة الله تعالى إلا بخدمتهم وطاعتهم، وبذل الأموال في طلب مرضاتهم.
إنه الطريق الباطل الذي كان أهل الكتاب يأكلون به أموال الناس، وهو طريق أكثر الجهال والمزورين، في كل زمان، إلى أخذ أموال العوام والحمقى من الخلق.115
قال ابن كثير: «كان لأحبار اليهود على أهل الجاهلية شرف، ولهم عندهم خرج وهدايا وضرائب تجيء إليهم، فلما بعث الله رسوله، صلوات الله وسلامه عليه استمروا على ضلالهم وكفرهم وعنادهم، طمعًا منهم أن تبقى لهم تلك الرياسات، فأطفأها الله بنور النبوة، وسلبهم إياها، وعوضهم بالذلة والمسكنة، وباءوا بغضب من الله»116.
ثم وصفهم تعالى بأنهم يصدون عن سبيل الله، وذلك لأنهم كانوا يبالغون في المنع عن متابعة النبي صلى الله عليه وسلم بجميع وجوه المكر والخداع، ويبالغون في إلقاء الشبهات، وفي منع الخلق من قبول دينه الحق والاتباع لمنهجه الصحيح.117
وفي هذه الآيات درس للمؤمنين ألا يثقوا بهؤلاء وما يلبسونه من طقوس، ومسوح، يلقون بها بين الناس المهابة منهم والثقة، فبين الله تعالى أنهم يأكلون أموال الناس بالباطل، ويصدون عن سبيل الله، وفي الآيات أيضًا تحذير لهذه الأمة وعلمائها من أن يسلكوا سبيل هؤلاء وما هم عليه من الباطل118، قال الحافظ ابن كثير: «والمقصود التحذير من علماء السوء وعباد الضلال، كما قال سفيان الثوري: من فسد من علمائنا كان فيه شبه من اليهود، ومن فسد من عبادنا كان فيه شبه من النصارى.... وهل أفسد الدين إلا الملوك وأحبار سوء ورهبانها»119 .
وقد بين الله تعالى شدة حرص بعض أهل الكتاب على فتنة المسلمين وصدهم عن دينهم، قال تعالى: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [آل عمران: ٩٩].
فأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يصدع بالإنكار على أهل الكتاب لصدهم عن دين الله من آمن به، وأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بمخاطبتهم بعنوان أهلية الكتاب في الآية لتوبيخهم وتشديد التشنيع عليهم، فإن ذلك العنوان يستدعي منهم الإيمان بما هو مصدق لما معهم، ويستدعي ترغيب الناس فيه، فصدهم عنه في أقصى مراتب القباحة، ولكون صدهم في بعض الصور بتحريف الكتاب والكفر بالآيات الدالة على نبوته عليه الصلاة والسلام.120
رابعًا: تلبيس الحق بالباطل.
من انحرافات أهل الكتاب المنهجية: تلبيسهم الحق بالباطل، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [آل عمران: ٧١].
واللبس لغة: الخلط والإدخال121، أي: «هو إدخال شيء في شيء، فنحن عندما نرتدي ملابسنا، إنما ندخل أجسامنا في الملابس، وبهذا يختلف منظر اللابس والملبوس»122.
ومعنى الآية: أن أهل الكتاب يخلطون الحق وهو ما أنزله الله عليهم في كتابه، بالباطل وهو ما أدخله فيه أحبارهم ورهبانهم من الأكاذيب والتأويلات الباطلة، حتى ارتفعت الثقة بجميعه123، وصدر تعالى الآية بالنداء بــ (يا أهل الكتاب) زيادة في توبيخهم، والاستفهام في (لِمَ) إنكاري لإنكار ما وقع منهم124، أي: كان يجب عليكم وأنتم أهل كتاب تعلمون منزلة ما أنزله الله تعالى لكم، وفضله عليكم، أن تحافظوا على هذه الكتب وتصونوها، لا أن تخلطوا الباطل بها، فتفسدوها وتفقدوا الثقة بجميعها.
إن أهل الكتاب لبسوا باطلهم ثوب الحق، بإدراجه في كتبهم، وادعاء كونه من عند الله، وهو انحراف واضح في دين الله عز وجل.
خامسًا: الغلو في الدين.
«يمثل الغلو ظاهرة انحراف خطيرة في تاريخ الأديان السماوية؛ إذ يعد من أكبر أسباب الانحراف بالدين عن الصراط المستقيم. ويبدأ هذا الانحراف يسيرًا ثم يتعاظم على مر الأيام حتى يصبح كأنه الأصل، وها هي النصرانية! كيف كانت على عهد المسيح عليه السلام عقيدة خالصة من شوائب الشرك، ودينًا قويمًا، ثم أصابها الغلو فانحرف بها عن التوحيد الخالص إلى الشرك المحض، ومن دين سماوي إلى دين وضعي ممزوج بوثنيات الهند وترهات اليونان وأباطيل اليهود»125.
لقد غلا النصارى في دينهم غلوًا عظيمًا أفسد عليهم دينهم، وخسروا بذلك آخرتهم، فغلوا في المسيح عليه السلام وتعظيمه، حتى عبدوه من دون الله تعالى، وغلوا في صالحيهم وعبادهم، واتخذوهم أربابًا من دون الله، يدعونهم ويستغيثون بهم، ويشرعون لهم، وغلوا في العبادة وابتدعوا الرهبانية فيها.
ولقد بين القرآن الكريم انحراف أهل الكتاب في غلوهم في دينهم، فجاءت مادة الغلو في القرآن الكريم في موضعين، كلاهما في سياق الحديث عن أهل الكتاب، وهما:
قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [النساء: ١٧١].
وقوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [المائدة: ٧٧].
كما بين القرآن الكريم نوعًا من غلو أهل الكتاب في العبادة، وابتداعهم الرهبانية، في قوله تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [الحديد: ٢٧].
وبالنظرة الإجمالية في هذه الآيات نلحظ ما يلي:
بين القرآن الكريم غلو أهل الكتاب في دينهم، ودعاهم إلى تركه، والعودة إلى الحق ونهج الوسطية والاعتدال في الاعتقاد.
(ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) أي: «لا تغلوا في دينكم فتتجاوزوا الحدود التي حدها الله لكم، فإن الزيادة في الدين كالنقص منه، كلاهما مخرج له عن وضعه»126.
ولذا قال تعالى في الآية الثانية: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ)، أي: عن الإسلام، فالإسلام هو سواء السبيل؛ أي: وسطه الذي لا غلو فيه، ولا تفريط127.
فالنصارى غلوا في عيسى عليه السلام وأمه حتى جعلوهما إلهين من دون الله، واليهود كفروا بعيسى عليه السلام ورموا أمه بالفاحشة، فاليهود والنصارى في المسيح وأمه على طرفي نقيض، أما أهل الإسلام فإنهم يقولون في عيسى عليه السلام: أنه عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروحٌ منه، فيؤمنون به رسولًا له منهم الاحترام والتعظيم، ولكن لا يصل ذلك بهم إلى تأليهه وعبادته، وأما أمه مريم العذراء البتول، فهي الصديقة الطاهرة العفيفة.
قال سبحانه في حقها: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [آل عمران: ٤٢].
نهى القرآن الكريم أهل الكتاب عن الغلو، وتقليد آبائهم وأسلافهم فيه، (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ)، أي: ممن اتبعهم في بدعهم وضلالهم، (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) أي: ضلوا أنفسهم وأضلوا غيرهم عن حقيقة الدين وجوهره، وكونه وسطًا بين أطراف مذمومة؛ كالتوحيد بين الشرك والتعطيل، واتباع الوحي بين الابتداع والتقليد، والسخاء بين البخل والتقتير.128
«الرهبانية في النصرانية بدعة، (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ)، وكانت نيتهم فيها صالحة، كما قال تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ)، ذلك بأن الأصل فيها تأثير مواعظ المسيح عليه السلام في الزهد، والإعراض عن لذات الدنيا، ثم صار أكثر منتحليها من الجاهلين والكسالى فكانت عبادتهم صورية أعقبتهم رياء وعجبًا وغرورا بأنفسهم، وتعظيمًا من العامة لهم، ولذلك قال تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) .
ولما صارت النصرانية ذات تقاليد منظمة في القرن الرابع وضع رؤساؤهم نظمًا وقوانين للرهبانية ولمعيشتهم في الأديار. وصار لها عندهم فرق كثيرة يشكوا بعض أحرارهم من مفاسدهم فيها129، وهو يشبه حال بعض المتصوفة من هذه الأمة الذين ولجوا من باب الغلو في العبادة والترهبن فيها إلى البدع والشركيات والوساوس والخيالات، وإلى حال مشابهة لحال أولئك النصارى.
وفي بيان القرآن الكريم غلو أهل الكتاب في دينهم، وما جلب عليهم ذلك من الدخول في الكفر والانحراف، تحذير لهذه الأمة من الغلو وتعليم لها بخطره.
ذكر القرآن الكريم بعض دعاوى أهل الكتاب الباطلة، وفندها، ورد عليها، وذلك من أجل عدول أهل الكتاب عن هذه الدعاوى الباطلة، وهدايتهم إلى الحق، وحماية للمسلمين من التأثر بها.
أولًا: دعوى أن الهدى في اتباع ملتهم.
من دعاوى أهل الكتاب الباطلة والتي ذكرها القرآن الكريم عنهم وردها عليهم: دعواهم أن الهدى في اتباع ملتهم.
قال تعالى:، (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [البقرة: ١٣٥-١٣٨].
فذكر تعالى دعوى كلا الفريقين من أهل الكتاب: اليهود والنصارى في أن الهداية في اتباع منهجه، فاليهود قالوا: إن الهدى في اتباع اليهودية، والنصارى قالوا: بل هو في اتباع النصرانية، وكلاهما يزعم أن دينه هو الدين الحق الذي شرعه الله لعباده130.
ثم أمر تعالى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يرد عليهم، (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ)، أي: بل نقتدي ونتبع طريقة إبراهيم ومنهجه. والملة هي الدين، والحنيف تعني: المستقيم، أو المائل عن كل دين باطل إلى الدين الحق، ووصف به إبراهيم عليه السلام لميله عما كان عليه أهل زمانه من الضلال والعمى إلى الدين الحق الذي أوحى الله به إليه، وهو دين الإسلام لله تعالى وأمره والانقياد له، وهي الدعوة إلى التوحيد والنهي عن الشرك131.
وهي الملة الحق التي من آمن بها اهتدى وأفلح، (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ)، ومن رغب عنها فقد ظلم نفسه وامتهنها، كما قال تعالى:، (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [البقرة: ١٣٠-١٣٢].
أي: قد ظلم نفسه بسفهه وسوء تدبيره بتركه الحق إلى الضلال، حيث خالف طريق من اصطفى في الدنيا للهداية والرشاد، منذ حداثة سنه إلى أن اتخذه الله خليلًا، وهو في الآخرة من الصالحين السعداء. فأي سفه أعظم من ترك مسلك إبراهيم عليه السلام وملته واتباع طرق الضلالة والغي؟ ثم ذكر تعالى أن ملة إبراهيم هي الإسلام، وأنه وصى بها بنيه بالالتزام بها، ثم وصى يعقوب وهو إسرائيل عليه السلام بنيه بذلك أيضًا، وهكذا، فالحنيفية هي ملة الأنبياء جميعًا، كلهم كانوا على التوحيد لله تعالى، والإسلام له والانقياد لأمره132، وهو أحسن دين.
قال تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [النساء: ١٢٥].
وهو الدين الذي لا يقبل الله تعالى من أحد دينا غيره، قال سبحانه: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [آل عمران: ٨٥].
ومن ملة إبراهيم: الإيمان بجميع أنبياء الله ورسله، دون تفريق بين أحد منهم، وتصديقهم، وما أنزل عليهم، وما أوتوه من المعجزات والآيات، فهذا هو الدين الحق الهادي إلى الصراط المستقيم، لا غيره من الأديان والملل، (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [الأنعام: ١٦١].
إن اليهود والنصارى ليسوا على ملة إبراهيم عليه السلام؛ لأنهم خالفوها وضلوا عنها، وأشركوا مع الله ما لم ينزل به سلطانًا، لذا قال تعالى: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ)، و(بل) حرف إضراب، أي: لا نتبع ملتكم، بل نتبع ملة إبراهيم عليه السلام، أما أنتم فخالفتموها133، (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ)، وهو تعريض بأهل الكتاب الذين يدعون اتباع إبراهيم مع إقامتهم على الشرك 134، روي عن قتادة رحمه الله في قوله تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ)، قال: «رغب عن ملته اليهود والنصارى، واتخذوا اليهودية والنصرانية، بدعة ليست من الله، وتركوا ملة إبراهيم - يعني: الإسلام - حنيفًا؛ كذلك بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بملة إبراهيم»135 .
فأمر الله تعالى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يرد على أهل الكتاب دعواهم في أن الهدى في اتباع ملتهم، بأنه ليس كذلك، وإنما الهدى في اتباع ملة إبراهيم عليه السلام ودينه، وهو التوحيد، والإسلام لله تعالى، وهو الدين الحق، ودين جميع الأنبياء والرسل عليهم السلام قاطبة، وإن تنوعت شرائعهم واختلفت مناهجهم، فجميعهم كانوا مسلمين موحدين، ولا يقبل الله تعالى من أحد غير هذا الدين، فهو أولى بالاتباع من غيره.
وبعد أن بين الله تعالى الملة الحق الهادية إلى الصراط المستقيم، دعا اليهود والنصارى إلى اتباعها، وبين حكمهم إن لم يتبعوها، فقال: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ)، أي: أمرهم محصور في العداوة والمشاقة، وكل ما يوسع مسافة الخلاف بينكم وبينهم، (ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) أي: فسيكفيك الله إيذاءهم وسيئ مكرهم ويؤيد دعوتك وينصرك عليهم نصرًا مؤزرًا136.
ثم قال تعالى: (ﮚ ﮛ)، «أي: صبغنا الله، والمراد بها: دينه الذي فطر الناس عليه، لظهور أثره على صاحبه كالصبغ في الثوب»137، أي: صبغنا بما ذكر من ملة إبراهيم صبغة الله وفطرته فطرنا عليها، (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ)، فملة إبراهيم أحق بالاتباع من غيرها؛ لأنها دين الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء، ثم تلى أبو هريرة رضي الله عنه قوله: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الروم: ٣٠])138.
ثانيًا: دعوى نفي دخول غيرهم الجنة.
ومن دعاوى أهل الكتاب الباطلة: دعواهم نفي دخول الجنة على غيرهم.
قال تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ) [البقرة: ١١١-١١٢].
أي: قال اليهود: لن يدخل الجنة إلا من كان هودًا، وقالت النصارى: لن يدخل الجنة إلا من كان نصارى، فحكموا لأنفسهم بالجنة وحدهم، وهذا مجرد أماني غير مقبولة إلا بحجة وبرهان، فأتوا بها إن كنتم صادقين، أي: ائتوا بشيء أنزله الله عليكم في ذلك، وهكذا كل من ادعى دعوى، لا بد أن يقيم البرهان على صحة دعواه، وإلا فلو قلبت عليه دعواه، وادعى مدع عكس ما ادعى بلا برهان لكان لا فرق بينهما، فالبرهان هو الذي يصدق الدعاوى أو يكذبها، ولما لم يكن بأيديهم برهان، علم كذبهم بتلك الدعوى139.
ثم قال تعالى ردًا عليهم: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ)، و(بلى) كلمة تذكر في الجواب لإثبات نفي سابق، فهي مبطلة لقولهم: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ)، أي: بلى، إنه يدخلها من لم يكن هودًا أو نصارى؛ لأن رحمة الله ليست مقصورة على شعب دون شعب، وإنما هي مبذولة لكل من يطلبها ويعمل لها عملها، وهو ما بينه سبحانه وتعالى بقوله: (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ)، أي: بإسلام الوجه لله، وهو التوجه إليه وحده وتخصيصه بالعبادة دون سواه، وعبر عنه بإسلام الوجه؛ لأن قاصد الشيء يقبل عليه بوجهه لا يوليه دبره، كما قال تعالى عن إبراهيم: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [الأنعام: ٧٩].
ثم قال تعالى: (ﰁ ﰂ)، أي: في العمل، وتلك سنة القرآن تقرن الإيمان بعمل الصالحات في آيات كثيرة، فهما مجتمعان سببا الفلاح ودخول الجنة، قال تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [النساء: ١٢٣-١٢٤] 140
فرد القرآن الكريم على أهل الكتاب دعواهم الباطلة نفي دخول الجنة على غيرهم، وبين أن ذلك مجرد أماني لا حقيقة لها واقعا، ولا دليل عليها شرعًا، وأن دخول الجنة والفوز بها ليس مشروطًا فيه أن يكون صاحبه يهوديًا أو نصرانيًا، وإنما مناط ذلك هو تحقق الإيمان الصحيح، والعمل الصالح.
ثالثًا: دعوى أنهم أبناء الله وأحباؤه.
ادعى أهل الكتاب أنهم أبناء الله وأحباؤه، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [المائدة: ١٨].
وهذه الدعوى منهم ما هي إلا حلقة من سلسلة طويلة في مثل هذه الدعاوى المشابهة الباطلة، والتي تتمحور حول كونهم شعب الله المختار، وصفوته من خلقه، وأنه لا يدخل الجنة غيرهم، وأن الهدى محصور في اتباع ملتهم، وغير ذلك مما حكاه القرآن الكريم عنهم، وملئت به توراتهم المحرفة من الأماني الكاذبة التي يغرون بها أنفسهم، ويتعالون على الخلق ويحتقرونهم، جاء في سفر التثنية من التوراة المحرفة: «أنتم أولاد للرب إلهكم... لأنك شعب مقدس للرب إلهك، وقد اختارك الرب لكي تكون له شعبًا خاصًا فوق جميع الشعوب الذين على وجه الأرض»141.
وهنا في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ...).
وقد اختلف المفسرون في البنوة المرادة في الآية، والتي حكى الله تعالى عن أهل الكتاب ادعاؤها:
فقيل: هي البنوة التي زعمها اليهود لعزير إذ قالوا: عزير ابن الله، والتي زعمها النصارى للمسيح عليه السلام، إذ قالوا: المسيح ابن الله، ثم زعموا أن عزيزًا والمسيح كانا منهم، فصار ذلك كأنهم قالوا :نحن أبناء الله.
ألا ترى أن أقارب الملك إذا فاخروا إنسانًا آخر فقد يقولون: نحن ملوك الدنيا، ونحن سلاطين العالم، وغرضهم منه كونهم مختصين بذلك الشخص الذي هو الملك والسلطان، فكذا هاهنا، أي: نحن منتسبون إلى أنبيائه وهم بنوه وله بهم عناية، وهو يحبنا.
وقيل: المراد بالبنوة: بنوة مزية الاتصال بالله أكثر من اتصال غيرهم به، فالبنوة بنوة الاتصال والمحبة، وتخصيصهم بمزيد الشفقة والعناية.
ويكون عطف (ﭗ) من قبيل عطف التفسير المشير إلى معنى البنوة، وعليه فهي بنوة مجازية142.
على أنه قد وردت تسمية (ﭕ ﭖ) في كتب أهل الكتاب المحرفة، كما تقدم نقله عن التوراة، قال ابن كثير: «فحملوا هذا على غير تأويله، وحرفوه. وقد رد عليهم غير واحد ممن أسلم من عقلائهم، وقالوا: هذا يطلق عندهم على التشريف والإكرام... ومعلوم أنهم لم يدعوا لأنفسهم من البنوة ما ادعوها في عيسى عليه السلام، وإنما أرادوا بذلك: معزتهم لديه وحظوتهم عنده، ولهذا قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه»143
وقد رد تعالى عليهم دعواهم بقوله: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ)، أي: إن كانت لكم خصوصية عند الله من بين خلقه وفضيلة عليهم، فلماذا يجري عليكم سنته فيهم من عقاب المسيء منكم، وتسليط العقوبة عليه،-ويعفو عن كثير-144، وقد عاقب بعضكم-وهم المعتدون في السبت-بالمسخ إلى قردة وخنازير، كما سلط عليكم بذنوبكم أعداءكم يسومونكم سوء العذاب، ويستبيحون معابدكم، ويقتلون علماؤكم، وفي الآخرة أيضا يعذبكم الله تعالى على خطاياكم، وهو باعترافكم أنفسكم.
كما قال تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [البقرة: ٨٠].
ولذلك قال تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) أي: إنما أنتم من جنس خلقه تعالى من غير مزيةٍ لكم عليهم، يغفر لمن يشاء منهم، وهم الذين آمنوا بالله ورسله، وعملوا الصالحات، ويعذب من يشاء منهم، وهم الذين كفروا بالله ورسله، ثم قال تعالى: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) أي: جميع ذلك من ملكه، وتحت تصرفه، ثم قال تعالى: (ﭲ ﭳ)، وهو إشارة إلى الجزاء الأخروي، وأنه واقع على أهل الكتاب كغيرهم من البشر، يجازى كل بعمله، من أحسن فله الحسنى، ومن أساء فله السوءى. 145
وقال تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [الجمعة: ٦-٧].
فكذبهم الله تعالى في دعواهم أنهم أولياء له من دون الناس، ودلل على ذلك بكراهيتهم الموت ولقائه.
قال ابن القيم: «وفي ضمن هذه المناظرة معجزة باهرة للنبي صلى الله عليه وسلم وهي أنه في مقام المناظرة مع الخصوم الذين هم أحرص الناس على عداوته وتكذيبه، وهو يخبرهم خبرًا جزمًا، أنهم لن يتمنوا الموت أبدًا، ولو علموا من نفوسهم أنهم يتمونه لوجدوا طريقًا إلى الرد عليه، بل ذلوا وغلبوا وعلموا صحة قوله، وإنما منعهم من تمنى الموت معرفتهم بما لهم عند الله تعالى من الخزي والعذاب الأليم بكفرهم بالأنبياء وقتلهم لهم وعداوتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم »146.
وقال سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [البقرة: ٩٤].
أي: «فتمنوا الموت الذي يوصلكم إلى ذلك النعيم الخالص الدائم، لا منازع لكم فيه ولا مزاحم، وإن لم تتمنوا الموت فما أنتم بصادقين؛ إذ لا يعقل أن يرغب الإنسان عن السعادة ويختار الشقاء عليها»147، وقد أخبر الله تعالى في آية أخرى عن حرصهم على الحياة حرصًا شديدًا، وأن ذلك لا ينفعهم في رد العذاب عنهم، في قوله تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [البقرة: ٩٦].
رابعًا: دعوى أن إبراهيم عليه السلام وبنيه كانوا هودا أو نصارى.
من دعاوى أهل الكتاب الباطلة والتي ذكرها القرآن الكريم عنهم وردها عليهم، دعواهم أن إبراهيم عليه السلام وبنيه كانوا هودًا أو نصارى، قال تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [البقرة: ١٤٠].
زعموا لجهلهم بتاريخ شرائعهم أن إبراهيم وأبناءه كانوا على اليهودية أو على النصرانية فأكذبهم الله تعالى: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ)، وأكد كذبهم في آيات أخرى مثل قوله تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [آل عمران: ٦٧].
إن الأمة إذا انغمست في الجهالة وصارت عقائدها غرورًا، ومن دون تدبر، اعتقدت ما لا ينتظم مع الدليل، واجتمعت في عقائدها المتناقضات148.
وهذا القول الكذب من أهل الكتاب لما يعلمون من إمامة إبراهيم عليه السلام في الدين، وثناء الله عليه في كتبهم، ولذا نسبوا أنفسهم إليه، وحاجوا المسلمين في ذلك، وحتى مشركي العرب كانوا ينسبون أنفسهم إلى إبراهيم، ويدعون اتباعه كما جاء في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة، أبى أن يدخل البيت وفيه الآلهة، فأمر بها فأخرجت، فأخرج صورة إبراهيم وإسماعيل في أيديهما من الأزلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (قاتلهم الله، لقد علموا: ما استقسما بها قط)، ثم دخل البيت، فكبر في نواحي البيت، وخرج ولم يصل فيه)149.
ومعنى قوله تعالى: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) «قد أخبرنا الله بذلك، أفأنتم أعلم أم الله؟، بل إن الله قد أخبركم أنتم بذلك في أسفاركم فلا تكتموا الحق المدون في أسفاركم هذه، ومن أظلم ممن كتم حقيقة يعلمها من كتابه وسيجازيكم الله على ما تلجون فيه من باطل، فليس الله بغافل عما تعملون»150.
وقال تعالى: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [آل عمران: ٦٥-٦٨].
فذكر تعالى محاجة ومجادلة أهل الكتاب في إبراهيم عليه السلام، وزعمهم أنه كان على ملتهم، ثم رد عليهم بعدة ردود فيها:
خامسًا: دعوى نفي الحق عمن سواهم.
من دعاوى أهل الكتاب الباطلة والتي ردها القرآن الكريم عليهم: دعواهم نفي الحق عمن سواهم، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [البقرة: ١١٣].
«والمراد من القول: التصريح بالكلام الدال، فهم قد قالوا هذا بالصراحة حين جاء وفد نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيهم أعيان دينهم من النصارى، فلما بلغ مقدمهم اليهود، أتوهم وهم عند النبي صلى الله عليه وسلم، فناظروهم في الدين وجادلوهم حتى تسابوا، فكفر اليهود بعيسى وبالإنجيل وقالوا للنصارى: ما أنتم على شيء، فكفر وفد نجران بموسى وبالتوراة، وقالوا لليهود: لستم على شيء. وقولهم (ﭕ ﭖ) نكرة في سياق النفي، والشيء الموجود هنا مبالغة، أي: ليسوا على أمر يعتد به... فالمراد هنا: ليست على شيء من الحق، وذلك كناية عن عدم صحة ما بين أيديهم من الكتاب الشرعي، فكل فريق من الفريقين رمى الآخر بأن ما عنده من الكتاب لا حظ فيه من الخير، كما دل عليه قوله بعده: (ﭝ ﭞ ﭟ) فإن قوله: (ﭝ ﭞ ﭟ) جملة حالية جيء بها لمزيد التعجب من شأنهم أن يقولواذلك.
وكل فريق منهم يتلون الكتاب، وكل كتاب يتلونه مشتمل على الحق لو اتبعه أهله حق اتباعه»153.
وقال أبو حيان في دلالة قوله تعالى (ﭝ ﭞ ﭟ): «وهذا نعي عليهم في مقالتهم تلك؛ إذ الكتاب ناطق بخلاف ما يقولونه، شاهدة توراتهم ببشارة عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، وصحة نبوتهما. وإنجيلهم شاهد بصحة نبوة موسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، إذ كتب الله يصدق بعضها بعضًا. وفي هذا تنبيه لأمة محمد صلى الله عليه وسلم في أن من كان عالمًا بالقرآن، يكون واقفا عنده، عاملًا بما فيه، قائلًا بما تضمنه، لا أن يخالف قوله ما هو شاهد على مخالفته منه، فيكون في ذلك كاليهود والنصارى»154 .
ثم قال تعالى زيادة في توبيخهم على مقالتهم: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ)، أي: أن حال هؤلاء في مقالتهم تلك شابهت حال أولئك الجهلة من مشركي العرب، والذين لم ينزل عليهم كتاب يعلمهم ويهديهم، قال أبو حيان: «الذين لا يعلمون: هم مشركو العرب في قول الجمهور»155، قالوا: لكل أهل دين ليسوا على شيء، وهو توبيخ عظيم من الله تعالى لأهل الكتاب، حيث نظموا أنفسهم مع علمهم في سلك من لا يعلم.156
ثم قال تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) وهو تعقيب من الله تعالى على ذلك الخلاف بين أهل الكتاب، يقرر أن الله سبحانه وتعالى سوف يحكم يوم القيامة فيما يختلف فيه الفريقان فيؤيد الحق وأصحابه ويخذل الباطل وأصحابه.157
بين القرآن الكريم عدة قواعد وضوابط في التعامل مع أهل الكتاب، ذلك لأنه كتاب تشريع شامل لكل مناحي الحياة، بين فيه كيفية تعامل المسلمين مع بعضهم البعض، وتعامل المسلمين مع غيرهم سواء كانوا من أهل كتاب أو من غيرهم من الكافرين.
وتبرز في هذه الضوابط والأحكام جميعًا ربانية القرآن الكريم، وعدالة تشريعاته وعظمتها، (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [الإسراء: ٩].
وقد فرق القرآن الكريم في التعامل بين أهل الكتاب وغيرهم من الأمم الكافرة، وأعطى كل واحد منهم منزلته التي يستحقها، فهم وإن كانوا جميعًا كفارًا ضلالًا، إلا أنه تبقى لأهل الكتاب رتبة على غيرهم من الكفار، فهم أهل الكتاب، يؤمنون بالله تعالى، وبعض كتبه - على ما دخلها من تحريف - ورسله، وإن كان إيمانهم إيمانًا فاسدًا ناقصًا لا ينفعهم في الآخرة شيئًا، لكنهم يفترقون به عن المشركين وعبدة الأوثان وأهل الإلحاد، ولذا كان من العدل أن يفرق بينهم في بعض الأحكام في الدنيا، كإباحة نكاح نسائهم، وأكل ذبائحهم، وغير ذلك.158
وسنبين الضوابط الشرعية التي قررها القرآن الكريم في التعامل مع أهل الكتاب فيما يأتي:
أولًا: دعوتهم للإسلام ومجادلتهم بالتي هي أحسن.
إن الإسلام هو دين الله تعالى الذي شرعه لعباده وارتضاه لهم، ولا يقبل من أحد منهم دينًا غيره، ولا ينجو أحد منهم إلا به، قال تعالى: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [آل عمران: ٨٥].
وقال تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [آل عمران: ١٩].
أي: إن أصل دين أهل الكتاب الذي جاءت به رسلهم هو الإسلام، وإنما بدلوه عن حقيقته بغيًا منهم بينهم159، فضلوا وانحرفوا عن دين الله تعالى.
ولقد دعا القرآن الكريم أهل الكتاب في آيات كثيرة وبأساليب شتى، من ذلك الدعوة الصريحة لهم كما في قوله تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [آل عمران: ٦٤].
وفند عقائدهم وردها، وبين أنها تخالف أصول ديانتهم الصحيحة التي جاء بها موسى وعيسى - عليهما السلام -، وغير ذلك من الأساليب المنهجية الحكيمة التي سلكها في دعوتهم.
كما نهى القرآن الكريم نهيًا صريحًا عن مجادلة أهل الكتاب إلا بالطريقة التي هي أحسن، أي: «بحسن خلق ولطف ولين كلام، ودعوة إلى الحق وتحسينه»160، وبالحكمة، لكون ذلك أنفع وأنجع في دعوتهم، وأقرب إلى استجابتهم، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [العنكبوت: ٤٦].
ومن بلاغة الآية: أن الله تعالى بدأها بالنهي عن جدال أهل الكتاب (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ)، ولم يقل: وجادلوا أهل الكتاب بالتي هي أحسن، وهذا أوكد في النهي، وأبلغ في الأمر بمراعاة الأدب في النقاش والحوار والمناظرة، أي: فلا تجادلوهم إلا بالتي هي أحسن.
ثانيًا: عدم إكراههم على ترك دينهم.
قال تعالى: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) [البقرة: ٢٥٦].
فالإسلام لا يجبر أهل الكتاب على ترك دينهم وعقيدتهم، أو على اعتناق الإسلام بالتهديد والتخويف، بل يترك لهم الخيار مفتوحًا في اختيار الإسلام أو البقاء على دينهم، فإن اختاروا البقاء على دينهم، أقرهم الإسلام عليه في مقابل أن يخضعوا لحكمه العام، والذي يكفل الحقوق لهم ولغيرهم.
قال سيد قطب: «(ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) وفي هذا المبدأ يتجلى تكريم الله للإنسان، واحترام إرادته، وفكره، ومشاعره، وترك أمره لنفسه فيما يختص بالهدى والضلال في الاعتقاد، وتحميله تبعة عمله وحساب نفسه... ولا يزيد السياق على أن يلمس الضمير البشري لمسة توقظه، وتشوقه إلى الهدى، وتهديه إلى الطريق، وتبين حقيقة الإيمان التي أعلن أنها أصبحت واضحة وهو يقول: (ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ).
فالإيمان هو الرشد الذي ينبغي للإنسان أن يتوخاه ويحرص عليه. والكفر هو الغي الذي ينبغي للإنسان أن ينفر منه ويتقي أن يوصم به»161.
ولا يخفى على كل من له معرفة أو اطلاع بتاريخ الأمم والشعوب، غياب هذا المبدأ العظيم عن واقع كثير منها، فمحاكم التفتيش، وممارسة أبشع أساليب القسوة والوحشية على المخالفين في العقيدة، - بل في الرأي - شاهدة على ذلك، أما المسلمون فعاش بينهم اليهود والنصارى وغيرهم من الملل لمئات السنين في أمن وراحة وطمأنينة على النفس والمال والأهل، إلى أن دخل كثير منهم الإسلام عن كامل اقتناع وإرادة لما رأوه من عدالة الإسلام وأخلاق المسلمين.
ولعل الوصول إلى هذه النتيجة هي الحكمة من الإبقاء على هؤلاء المخالفين في العقيدة في ديار الإسلام، وهو أن يروا الإسلام بأعينهم عن قرب، ويعلموا عظمته وأنه دين الله تعالى دون غيره، ويروا المسلمين وهم يلتزمون بدينهم في أداء صلواتهم في الجمع والجماعات، ويجتنبون المحرمات، بخلاف ما عليه غيرهم من أهل الأديان الأخرى من البعد عن دينهم والتفريط فيه.
ثالثًا: الإنصاف للأمناء منهم.
قال تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [آل عمران: ٧٥].
ففرق تعالى بين أهل الأمانة من أهل الكتاب وأهل الخيانة منهم162، فقال في أهل الأمانة: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ)، وقوله (بقنطار)، «أي بمال كثير»163، وهو يدل على مبالغتهم في أداء الأمانة، كما لم يذكر تعالى القيام عليهم كما ذكره في الصنف الثاني: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ)، أي: أنه يؤدي الأمانة وإن كانت عظيمة دون إلحاح عليه.
قال الفخر لرازي: «المراد من ذكر القنطار والدينار هاهنا: العدد الكثير والعدد القليل، يعني: أن فيهم من هو في غاية الأمانة حتى لو اؤتمن على الأموال الكثيرة أدى الأمانة فيها، ومنهم من هو في غاية الخيانة حتى لو اؤتمن على الشيء القليل، فإنه يجوز فيه الخيانة»164.
رابعًا: النهي عن موالاتهم.
من أصول العقيدة الإسلامية التي قررها القرآن الكريم: الولاء والبراء، الولاء لأهل التوحيد والإسلام بالحب لهم والإخلاص والنصرة، والبراء من أهل الشرك والكفر، بالبغض لهم والمعاداة، وذلك من ملة إبراهيم عليه السلام والذين معه، الذين أمرنا بالاقتداء بهم؛ قال تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ)[الممتحنة: ٤]165.
وقد نهى الله تعالى عن موالاة اليهود والنصارى نهيًا صريحا في كتابه العزيز، فقال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [المائدة: ٥١].
وذلك لأن اليهود والنصارى وغيرهم من أهل الكفر هم أعداء لله تعالى، غضب الله تعالى عليهم، ولعنهم، وأنزل في كتابه آيات في الوعيد لهم، فكيف يحب- المسلم ويود أمثال هؤلاء، وهو- أي: المسلم يحب الله ورسوله، وهؤلاء حادوا الله ورسوله، وكفروا به، وخالفوا أمره، ولذلك ينبغي أن نبغضهم.
قال ابن جرير الطبري: «إن الله تعالى ذكره نهى المؤمنين جميعًا أن يتخذوا اليهود والنصارى أنصارًا وحلفاء على أهل الإيمان بالله ورسوله وغيرهم، وأخبر أنه من اتخذهم نصيرًا وحليفًا ووليًا من دون الله ورسوله والمؤمنين، فإنه منهم في التحزب على الله وعلى رسوله والمؤمنين، وأن الله ورسوله منه بريئان»166.
وقال ابن حزم: «صح أن قول الله تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ)، إنما هو على ظاهره: بأنه كافر من جملة الكفار، وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين».167
والآيات في هذا المعنى كثيرة، وهي تربي المسلمين على معرفة كيد أهل الكتاب للإسلام والمسلمين، وتقطع ما في نفوس بعضهم من ود وولاء لهؤلاء الأعداء، من أجل أن يكون الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين فقط.168
وهذا النهي عن موالاة أهل الكتاب في القرآن الكريم لا يتناقض أبدًا مع ما ورد فيه أيضًا من السماحة في معاملتهم والبر بهم.
إن سماحة الإسلام مع أهل الكتاب شيء، واتخاذهم أولياء شيء آخر، ولكنهما يختلطان على بعض المسلمين، الذين لم تتضح في نفوسهم الرؤية الكاملة لحقيقة هذا الدين ووظيفته، بوصفه حركة منهجية واقعية، تتجه إلى إنشاء واقع جديد في الأرض،... وهؤلاء الذين تختلط عليهم تلك الحقيقة، فيخلطون بين دعوة الإسلام إلى السماحة في معاملة أهل الكتاب والبر بهم في المجتمع المسلم الذي يعيشون فيه مكفولي الحقوق، وبين الولاء الذي لا يكون إلا لله ورسوله وللجماعة المسلمة. ناسين ما يقرره القرآن الكريم من أن أهل الكتاب، بعضهم أولياء بعض في حرب الجماعة المسلمة، وأن هذا شأن ثابت لهم، وأنهم ينقمون من المسلم إسلامه، وأنهم لن يرضوا عن المسلم إلا أن يترك دينه ويتبع دينهم. وأنهم مصرون على الحرب للإسلام وللجماعة المسلمة. وأنهم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر، إلى آخر هذه التقريرات الحاسمة. إن المسلم مطالب بالسماحة مع أهل الكتاب، ولكنه منهي عن الولاء لهم بمعنى التناصر والتحالف معهم. وإن طريقه لتمكين دينه وتحقيق نظامه المتفرد لا يمكن أن يلتقي مع طريق أهل الكتاب، ومهما أبدى لهم من السماحة والمودة فإن هذا لن يبلغ أن يرضوا له البقاء على دينه وتحقيق نظامه، ولن يكفهم عن موالاة بعضهم لبعض في حربه والكيد له169.
خامسًا: إباحة الأكل من ذبائحهم، ونكاح نسائهم.
قال تعالى: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) [المائدة: ٥].
فقوله تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) يعني: ذبائحهم، أباح الله لأهل الإسلام الأكل منها، لأنهم - أي: أهل الكتاب - يذكرون اسم الله عليها، وهم متعبدون بذلك، ودل مفهوم المخالفة في الآية على أنه لا يحل طعام غيرهم من أهل الأديان، لأنهم لا يذكرون اسم الله تعالى على ذبائحهم، بل ولا يتوقفون فيما يأكلونه من اللحم على ذكاة، بل يأكلون الميتة، وقوله تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ) أي: ويحل لكم أن تطعموهم من ذبائحكم كما أكلتم من ذبائحهم. وهذا من باب المكافأة والمقابلة والمجازاة170 .
وقوله تعالى: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) أي أحل لكم الزواج من الحرائر والعفائف من أهل الكتاب، إذا أديتم لهن مهورهن قاصدين الزواج171، (ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) أي: متزوجين (ﯷ ﯸ)، غير معلنين بالزنى بهن (ﯹ ﯺ ﯻ) أي عشيقات تسرون بالزنى بهن172.
«وإنما أباح الإسلام الزواج منهن - أي: من الكتابيات - ليزيل الحواجز بين أهل الكتاب وبين الإسلام. فإن في الزواج المعاشرة والمخالطة وتقارب الأسر بعضها ببعض، فتتاح الفرص لدراسة الإسلام، ومعرفة حقائقه ومبادئه ومثله. فهو أسلوب من أساليب التقريب العملي بين المسلمين وغيرهم من أهل الكتاب، ودعاية للهدى ودين الحق»173.
سادسًا: إخضاعهم لحكم الإسلام.
أي: حكم الإسلام العام والذي يكفل لأهل الكتاب حقوقهم، مع تركهم وما يدينون به، فإذا خضع أهل الكتاب واستسلموا لحكم الدولة الإسلامية ودانوا لها بالولاء، ودفعوا لها الجزية، فإنهم يعطون منها عهدًا، هو عهد الذمة.
والمراد بعهد الذمة: «أن يقر الحاكم أو نائبه بعض أهل الكتاب - أو غيرهم - من الكفار على كفرهم بشرطين: الشرط الأول: أن يلتزموا أحكام الإسلام في الجملة. والشرط الثاني: أن يبذلوا الجزية... وإذا تم عقد الذمة ترتب عليه حرمة قتالهم، والحفاظ على أموالهم، وصيانة أعراضهم، وكفالة حرياتهم، والكف عن أذاهم»174.
قال تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [التوبة: ٢٩].
ففي هذه الآية يأمر الله تعالى المؤمنين بقتال أهل الكتاب المنحرفين عن دينه حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، فلم تعد تقبل منهم عهود موادعة ومهادنة إلا على هذا الأساس، وهو إعطاء الجزية، وفي هذه الحالة تتقرر لهم حقوق الذمي المعاهد ويقوم السلام بينهم وبين المسلمين، إن طبيعة العلاقة الحتمية بين منهج الله والمناهج الجاهلية الأخرى هي عدم إمكان التعايش إلا في ظل أوضاع خاصة وشروط خاصة175، وذلك ليظل الإسلام في جهة علو عن غيره من الأديان والمذاهب الباطلة. (ﮘ ﮙ).
والجزية تعود بالخير على أهل الكتاب؛ لأن فيها عصمة لدمائهم، وإبقاء لهم على دينهم. وأيضًا، فإنهم سيعيشون في مجتمع إيماني؛ الولاية فيه للإسلام، ويتكفل المسلمون بحمايتهم وضمان سلامتهم في أنفسهم وأهلهم وفي أموالهم وفي كل شيء، فإذا كان المسلم يدفع لبيت المال زكاة تقوم بمصالح الفقراء والمسلمين، فأهل الكتاب الموجودون في المجتمع الإسلامي ينتفعون أيضًا بالخدمات التي يؤديها الإسلام لهم، ولذلك يجب عليهم أن يؤدوا شيئًا من مالهم نظير تلك الخدمات176.
سابعًا: السماحة في التعامل معهم والبر بهم والإقساط إليهم.
قال تعالى: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [الممتحنة: ٨].
أي: أنه جائز لكم أيها المؤمنون، وليس فيه حرج عليكم، ولا يدخل ذلك في المولاة التي نهيتم عنها: أن تبروا من لم يقاتلكم، وتصلوهم، وتكافؤوهم بالمعروف، وتقسطوا إليهم، أي: تعدلوا إليهم وتنصفوهم177، قال ابن عاشور: «والبر: حسن المعاملة والإكرام»178، والبر أيضًا: اسم جامع لكل خير، وقد ورد في قوله تعالى: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [المائدة: ٢].
وقد اختلف المفسرون في المـعني به في الآية، والصحيح كما رجحه ابن جرير الطبري وغيره: أن الآية عامة في جميع أصناف الملل والأديان، لأن الله عز وجل عم بقوله: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) جميع من كان ذلك صفته، فلم يخصص به بعضًا دون بعض، فالآية عامة في اليهود والنصارى وغيرهم، وذلك أيضًا بالشروط التي ذكرتها الآية. وهي: أنهم لم يقاتلونا من أجل ديننا، ولم يخرجونا من ديارنا بمضايقتنا وإلجائنا إلى الهجرة، وأن لا يعاونوا عدوًا بأي معونة ولو بالمشورة والرأي فضلًا عن الكراع والسلاح179.
ثم قال تعالى: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) وهو ترغيب للمؤمنين في العدل والإنصاف حتى مع الكفار180، وهو من عظمة الإسلام في التفريق بين المعتدي وغيره في التعامل.
وهذا المعنى الذي دلت عليه الآية «لا يدخل في نطاق النهي عن موالاة الكافرين؛ إذ إن النهي عن موالاة الكافرين يقصد به النهي عن محالفتهم ومناصرتهم ضد المسلمين، كما يقصد به النهي عن الرضى بما هم فيه من كفر، إذ إن مناصرة الكافرين على المسلمين فيها ضرر بالغ بالكيان الإسلامي، وإضعاف لقوة الجماعة المؤمنة، كما أن الرضى بالكفر كفر يحظره الإسلام ويمنعه. أما الموالاة بمعنى المسالمة، والمعاشرة الجميلة، والمعاملة بالحسنى، وتبادل المصالح، والتعاون على البر والتقوى، فهذا مما دعا إليه الإسلام»181.
موضوعات ذات صلة: |
بنو إسرائيل، عيسى عليه السلام، موسى عليه السلام، النصارى، اليهود |
1 انظر: لسان العرب، ١١/٢٨، القاموس المحيط، للفيروزآبادي ١/٩٦٣، مقاييس اللغة، لابن فارس، ١/١٥٠ .
2 القاموس المحيط، ١/١٢٨.
3 انظر: المفردات ١/٧٠١، والمعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، مجمع اللغة العربية، ص٩٤٩- ٩٥٠.
4 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، ص٩٧.
5 انظر: المغني، ابن قدامة ٩/٣٢٩.
6 الملل والنحل، ص٢٤٧.
7 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٣/٢٠١.
8 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني، ص ٧٠١.
9 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٤٨١.
10 مقاييس اللغة، ابن فارس ٦/١٨.
11 المفردات، الأصفهاني ص ٨٤٧.
12 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١/٥٣٢، موجز تاريخ اليهود والرد على بعض مزاعمهم الباطلة، قدح ص٢٥٦، ٢٥٧.
13 انظر: دراسات في الأديان، الشنطي ص٢٩.
14 انظر: الشخصية اليهودية من خلال القرآن، الخالدي ص٤٢.
15 تاج العروس من جواهر القاموس، الزبيدي ٣٨/٢٧٥.
16 انظر: المعجم المفهرس، محمد فؤاد ص ٥١، ومعجم اللغة العربية المعاصرة، أحمد مختار ١/٩١.
17 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١/٤٥٠.
18 الكليات، الكفوي ص ١١٥.
19 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٥/٢١١، المصباح المنير، الفيومي ٢/٦٠٧، معجم اللغة العربية المعاصرة، أحمد مختار ٣/٢٢٢١، المعجم الوسيط، مجمع اللغة ٢/٩٢٥.
20 المفردات، الرغب الأصفهاني ١/٨٠٩.
21 انظر: الملل والنحل، الشهرستاني ١/٢٦٦.
22 المفردات، الأصفهاني ص ١٠٠.
23 انظر: التفسير الحديث، دروزة محمد عزت ١/٤٧٠.
24 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/١٢٧، ١٢٨.
25 انظر: اقتضاء الصراط المستقيم، ابن تيمية ١/٧٩، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/١٤٠، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٣٩.
26 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، ح٣٤٥٦، ٤/١٦٩، ومسلم في صحيحه. كتاب العلم، باب اتباع سنن اليهود والنصارى، ح٢٦٦٩، ٤/٢٠٥٤.
27 المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، ١٦/٢١٩- ٢٢٠.
28 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٤/٦١.
29 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ٢/١٣٩.
30 انظر: جامع البيان، الطبري ٦/٥٠٢.
31 تفسير ابن باديس ص ٣٢٧، ٣٢٨.
32 المصدر السابق ص ٣٢٨.
33 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٨٥٩.
34 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٣/٥٩٨.
35 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٣٢٥، ٣٢٦.
36 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٢٢٧.
37 مفاتيح الغيب، الفخر الرازي ١١/٣٣٠.
38 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٧٠، ٧٢.
39 انظر: تفسير المراغي ٤/٣٥.
40 انظر: جامع البيان، الطبري ٧/١٢٠، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/١٠٥.
41 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٢/٣٤.
42 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١٤٣.
43 أنوار التنزيل، البيضاوي ٢/٣٤.
44 جامع البيان، الطبري ١٠/٥٠٧.
45 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/١٦٨.
46 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/١٦٨.
47 الجواب الصحيح، ابن تيمية ٣/١٠٨.
48 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١٦٢.
49 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٤/٥٤٢، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٤٥٧.
50 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣٠/٤٨٣.
51 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣٠/٤٧٥.
52 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٩/١٨٦.
53 في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/٣٩٥٢.
54 أنوار التنزيل، البيضاوي ٢/١٠٦.
55 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١/٤٦٠.
56 المفردات، الأصفهاني ص١٠٠.
57 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٤٦٢، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٧٢.
58 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ١/١٧٦.
59 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٤٦٢.
60 روح المعاني، الألوسي ٢/١٩٢.
61 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١٦٠.
62 انظر: جامع البيان، الطبري ٧/ ٤٥٨، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٤/٣٠٤، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/١٨٠.
63 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١٦٠.
64 انظر: تفسير المراغي ٤/١٥٦.
65 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ١/١٨٢.
66 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/ ٤٨٣-٤٨٤.
67 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٢/٩٦٠.
68 مفاتيح الغيب، الفخر الرازي ١٢/٤١٣.
69 التفسير القرآني للقرآن، الخطيب ٤/٤.
70 انظر: جامع البيان، الطبري ٢/٣٥٠.
71 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٣٣٦.
72 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١٨٢.
73 التفسير القرآني للقرآن، الخطيب ١٦/١٧٢٦.
74 المصدر السابق ٤/٤.
75 جامع البيان، الطبري ٦/٥٠٤، موسوعة الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور، ياسين ١/٤٢٥.
76 قصة أبي سفيان مع هرقل أخرجها البخاري في صحيحه، أن عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما أخبره أبو سفيان بن حرب: « أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش، وكانوا تجارًا بالشأم في المدة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ماد فيها أبا سفيان وكفار قريش، فأتوه وهم بإيلياء»، وذكر قصة طويلة، وفيها أن هرقل جعل يسأل أبا سفيان عن أشياء تتعلق بنوة النبي صلى الله عليه وسلم. صحيح البخاري، كتاب بدء الوحي، باب كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟، ح٧، ١/٨، صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام، ح١٧٧٣، ٣/١٣٩٣.
77 تفسير المنار، رضا ٣/٢٧٤، ٢٧٥.
78 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٥٩.
79 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٦١.
80 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ١/١٠١.
81 مفاتيح الغيب، الفخر الرازي ٣/٦٣٦.
82 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ١/١٠١.
83 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٥٩.
84 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١٣٤.
85 انظر: تفسير المراغي ٣/١٨٤.
86 التفسير القرآني للقرآن، الخطيب ٢/٤٩١.
87 انظر: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، الشنقيطي ١/٢٤٢.
88 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/ ٣٨٢ بتصرف يسير جدًا.
89 تفسير المنار، رضا ٦/٤٠٧ بتصرف يسير.
90 جامع البيان، الطبري ١٠/٥٠١، تفسير ابن أبي حاتم ٤/١١٨٤.
91 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/١٦٧.
92 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٢٤١.
93 صحيح البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب موت النجاشي، ح٣٨٧٧، ٥/٥١.
94 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/١٣٢.
95 انظر: جامع البيان، الطبري ١٠/٤٨٢، تفسير الجلالين، المحلي والسيوطي ص ١٥١.
96 تفسير المنار، رضا ٦/٤٠١.
97 انظر: تفسير المنار، رضا ٦/٧٣ .
98 الوسيط، طنطاوي ٤/٢٣٧.
99 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٦/ ٢٨٣.
100 الوسيط، سيد طنطاوي ٤/ ٢٤٠.
101 انظر: إعراب القرآن وبيانه، درويش ٢/٥٣٤.
102 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٢٣٩.
103 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/١٥٨.
104 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٢٣٩.
105 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٢٣٩، التفسير القرآني للقرآن، الخطيب ٣/١١٥١.
106 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٦/٣١، تفسير الجلالين، المحلي والسيوطي ص٢٤٥، تفسير المنار، رضا ١٠/٣١٧.
107 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٣٣٤.
108 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/١٣٥.
109 سنن الترمذي، كتاب أبواب تفسير القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ومن سورة التوبة، ح٣٠٩٥، ٥/ ٢٧٨، وحسنه الألباني في كتابه صحيح سنن الترمذي ٣/٢٤٧.
110 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٥٦.
111 تفسير الشعراوي ١/٤٠٦.
112 المصدر السابق ٣/١٩٣٤.
113 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ١/١٢٠.
114 انظر: تفسير المنار، رضا ١٠/٣٤٣.
115 انظر: مفاتيح الغيب، الفخر الرازي ١٦/٣٤.
116 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/١٣٨.
117 انظر: مفاتيح الغيب، الفخر الرازي ١٦/٣٥.
118 انظر: زهرة التفاسير، أبو زهرة ٦/٣٢٨٩.
119 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/١٣٨.
120 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٢/٦٣.
121 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/٢٣٠، لسان العرب، ابن منظور ٦/٢٠٢.
122 تفسير الشعراوي ٣/١٥٣٧.
123 انظر: جامع البيان، الطبري ٦/ ٥٠٥، تفسير المنار، رضا ٣/٢٧٣، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣/٢٧٩.
124 انظر: زهرة التفاسير، أبو زهرة ٣/١٢٧٠.
125 محبة الرسول بين الاتباع والابتداع، عثمان ص١٤٧.
126 تفسير المنار، رضا ٦/٦٧.
127 انظر: المصدر السابق ٦/٤٠٥.
128 انظر: تفسير المنار، رضا ٦/٤٠٥.
129 انظر: المصدر السابق ١٠/ ٣١٧.
130 انظر: جامع البيان، الطبري ٣/١٠١، التفسير البسيط، الواحدي ٣/٣٥٠، إرشاد العقل السليم، أبو السعود ١/١٦٥.
131 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٤/٧٠، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/ ٤٤٨، محاسن التأويل، القاسمي ١/ ٤٠٦، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١/٧٣٧، الوسيط، طنطاوي ١/٢٨١ .
132 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٤٤٥.
133 انظر: بدائع الفوائد، ابن القيم ٤/١٥٦.
134 انظر: الكشاف، الزمخشري ١/١٩٤، محاسن التأويل، القاسمي ١/ ٤٠٧.
135 جامع البيان، الطبري ٣/٨٩.
136 انظر: تفسير المنار، رضا ١/٣٩٩، تفسير المراغي ١/٢٢٦.
137 تفسير الجلالين، المحلي والسيوطي ص ٢٨.
138 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات، هل يصلى عليه، وهل يعرض على الصبي الإسلام، رقم ١٣٥٩، ٢/٩٥، ومسلم في صحيحه، كتاب القدر، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة وحكم موت أطفال الكفار وأطفال المسلمين، رقم ٢٦٥٨، ٤/٢٠٤٧.
139 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٢.
140 انظر: تفسير المنار، رضا ١/٣٥١.
141 سفر التثنية ١٤/١، نقلًا عن: موجز تاريخ اليهود والرد على بعض مزاعمهم الباطلة، قدح ص ٢٧٣.
142 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١١/٣٢٨، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٦٨، زهرة التفاسير، أبو زهرة ٤/ ٢٠٩٩.
143 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٦٩.
144 انظر: تفسير المنار، رضا ٦/٢٦٢.
145 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٣/٢١.
146 بدائع الفوائد، ابن قيم الجوزية ٤/١٥٠.
147 تفسير المنار، رضا ١/٣٢١.
148 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١/٧٤٧.
149 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب أين ركز النبي صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح؟، رقم ٤٢٨٨، ٥/١٤٨.
150 المنتخب في تفسير القرآن الكريم، لجنة من علماء الأزهر ص٣٠.
وانظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١/٧٤٧.
151 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٥٧.
152 انظر: التفسير الحديث، دروزة ٧/١٦٥.
153 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١/٦٧٦-٦٧٥.
154 البحر المحيط، أبو حيان ١/ ٥٦٥.
155 البحر المحيط، أبو حيان ١/ ٥٦٥.
156 انظر: الكشاف، الزمخشري ١/١٧٩.
157 انظر: التفسير الحديث، دروزة ٦/٢٢٢.
158 انظر: تفسير الشعراوي ٥/٢٩٤١.
159 انظر: تفسير المراغي ٣/١٢٠.
160 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٦٣٢.
161 في ظلال القرآن، سيد قطب ١/٢٩١، ٢٩٢.
162 انظر: جامع البيان، الطبري ٦/٥١٩.
163 تفسير الجلالين، المحلي والسيوطي ص ٧٦.
164 مفاتيح الغيب، الفخر الرازي ٨/٢٦٣.
165 انظر: الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد، الفوزان ص ٣٠٧.
166 جامع البيان، الطبري ١٠/٣٩٨.
167 المحلى بالآثار، ابن حزم ١٢/٣٣.
168 انظر: الولاء والبراء في الإسلام من مفاهيم عقيدة السلف، القحطاني ص ٢٠٣.
169 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٢/٩٠٩، ٩١٠.
170 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٤٠.
171 انظر: المنتخب في تفسير القرآن الكريم، لجنة من علماء الأزهر ص ١٤٥.
172 انظر: تفسير الجلالين، المحلي والسيوطي ص ١٣٦، صفوة التفاسير، الصابوني ١/٣٠٣ .
173 فقه السنة، سيد سابق ٢/١٠٢.
174 فقه السنة، سيد سابق ٢/٦٦٢.
175 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/١٦٢٠.
176 انظر: تفسير الشعراوي ٨/٥٠٢٩.
177 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٨٥٦.
178 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٨/١٥٣.
179 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٣/٣٢٣، محاسن التأويل، القاسمي ٩/ ٢٠٧، أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير، الجزائري ٥/٣٢٧.
180 انظر: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير، الجزائري ٥/٣٢٧.
181 فقه السنة، سيد سابق ٢/ ٦٠٣- ٦٠٤.