عناصر الموضوع
ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [الأنبياء: ٩٨-١٠٠]
عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: لما نزلت (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [الأنبياء: ٩٨].
فقال المشركون: الملائكة وعيسى وعزير يعبدون من دون الله؟ فقال: لو كان هؤلاء الذين يعبدون آلهة ما وردوها، قال: فنزلت: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [الأنبياء: ١٠١].
عيسى وعزير والملائكة» 1.
فهذه الرواية توضح لنا سبب النزول، والمحاورة التي جرت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين على لسان مبعوثهم «عبدالله ابن الزبعرى» في شأن المعبودات التي عبدت من دون الله، والتي من بينها عيسى عليه السلام والملائكة الكرام، حيث فهم أن هؤلاء سيكونون مع عابديهم في النار مخلدين، لكن جاء الرد في الآية التالية بأن هؤلاء الذين عبدوا من دون لا يدخلون النار مع العابدين؛ لأنهم لم يكونوا راضين بعبادتهم لهم، بل الشيطان هو الذي سول لأنفسهم هذا الشرك من دون الله تعالى .
فضلًا عن أن التعبير في الآية بقوله: (ﮣ ﮤ) ولم يقل: «ومن تعبدون» ومعلوم أن «ما» تقع على غير العاقل، فيكون مقصود الآية واقعًا على غير العقلاء.
والمعنى: إنكم أيها العابدون مع الله آلهة غيره (ﮨ ﮩ) أي: وقودها وحطبها.
والحكمة في دخول الأصنام النار، وهي جماد لا تعقل، وليس عليها ذنب، بيان كذب من اتخذها آلهة، وليزداد عذابهم بها؛ فلهذا قال: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ) وهذا كقوله تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [النحل: ٣٩].
وكل من العابدين والمعبودين فيها، خالدون، لا يخرجون منها، ولا ينتقلون عنها 2.
موضوعات ذات صلة: |
الإلحاد، الإيمان، الشرك، الكفر |
الإيمان
أولًا: المعنى اللغوي:
الإيمان مصدر الفعل الرباعي آمن وأصله أأمن، وأعلت الهمزة الثانية بالقلب ألفًا؛ لكونها ساكنة والتي قبلها متحركة بالفتح، وهو أصل يدل على معنيين:
الأول: إعطاء الأمن والأمان والطمأنينة؛ الذي هو ضد الخوف، وآمنته ضد أخفته.
الثاني: التصديق الذي هو ضد التكذيب.
وإذا قال العبد: آمنت بالله تعالى ربًا، أي: صدقت به، واطمأننت لأمره.
فالإيمان في اللغة يراد به معنيان، يظهر معناهما بحسب السياق وهما: الأمن وضده الخوف، والتصديق وضده التكذيب، والمعنيان متداخلان3.
ويرى ابن تيمية أن الإيمان بمعنى الإقرار؛ فيقول: ومعلوم أن الإيمان هو الإقرار؛ لا مجرد التصديق، والإقرار ضمن قول القلب الذي هو التصديق، وعمل القلب الذي هو الانقياد 4.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
الإيمان: «التصديق الجازم، والاعتراف التام بجميع ما أخبر الله ورسوله عنه في القرآن والسنة، وأمر بالإيمان به، والانقياد له ظاهرًا وباطنًا»5.
فهو قول وعمل واعتقاد يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية6، «ويشمل عقائد الإيمان، وأخلاقه، وأعماله»7.
وهو تصديق القلب واعتقاده، المتضمن لأعمال القلوب، وأعمال البدن، وذلك شامل للقيام بالدين كله؛ ولهذا كان الأئمة والسلف يقولون: الإيمان قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح8.
ورد الجذر (أمن) في القرآن الكريم (٨٧٩) مرة، يخص موضوع البحث منها (٨١١) مرة 9.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
٣٤٢ |
(ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [البقرة:٩] |
الفعل المضارع |
١٧٥ |
(ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [يونس:١٠٠] |
فعل الأمر |
١٩ |
(ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [الأحقاف:١٧] |
المصدر |
٤٥ |
(ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [المجادلة:٢٢] |
اسم فاعل |
٢٣٠ |
(ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [البقرة:٢٢١] |
وجاء الإيمان في الاستعمال القرآني على وجهين10:
الأول: التصديق: ومنه قوله تعالى: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [يوسف:١٧].
الثاني: الإسلام والتوحيد: ومنه قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [البقرة:٦٢].
وقوله تعالى: (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [المائدة:٥].
الإسلام:
الإسلام لغة:
الاستسلام، والانقياد11.
الإسلام اصطلاحًا:
الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله12.
الصلة بين الإيمان والإسلام:
لم يفرق أهل العلم بين الإيمان والإسلام حال افتراقهما، وإنما كان التفريق بينهما حال اقترانهما، فقالوا: إذا افترقا اتفقا، وإذا اقترنا اختلفا، فقالوا: إن الإسلام هو القيام بشرائع الإسلام الظاهرة، والإيمان هو التصديق الجازم بالغيب، وهذا كما جاء في حديث جبريل، حيث فسرهما النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، ومن هذه الحيثية نجد أن الإسلام أعم من الإيمان، وحقيقة الأمر: أن العبد لا يكون مسلمًا إلا إن كان مؤمنًا، و لا يكون مؤمنًا إلا إن كان مسلمًا.
الإحسان:
الإحسان لغة:
الإحسان من أحسن يحسن إحسانًا، وهو ضد الإساءة13.
الإحسان اصطلاحًا:
هو إتقان الأعمال والتطوع بالزائد عن الفرائض، ومقابلة الخير بأفضل منه، والشر بأقل منه14.
الصلة بين الإيمان والإحسان:
الإحسان أعلى درجات الدين، وإذا انفرد الإيمان دخل فيه الإسلام، وإذا انفرد الإحسان دخل فيه الإسلام والإيمان.
تكررت جملة: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) في القرآن (٥١) مرة.
وهذه الجملة هي الصيغة، وهي معظم ما اقترن به الإيمان مع العمل الصالح في صيغ الاقتران بينهما، والتي بلغت (٦٩) مرة15.
وهذا الاقتران يدل على ارتباطهما الوثيق وتلازمهما المستمر، فلا إيمان بدون عمل صالح يعبر عنه ويبرهن عليه، ولا قيمة للعمل الصالح بدون إيمان يقوم عليه ويركن إليه، فالإيمان بدون عمل كالشجر بلا ظل ولا ثمر، والعمل الصالح بدون إيمان كالجسد بلا روح16.
المقصود بالعمل الصالح: ما أحبه الله ورسوله، وهو المشروع المسنون.
ولهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول في دعائه: «اللهم اجعل عملي كله صالحًا، واجعله لوجهك خالصًا، ولا تجعل لأحد فيه شيئًا»17.
وقال ابن عاشور رحمه الله: «العمل الصالح: هو العمل الذي يصلح عامله في دينه ودنياه صلاحًا لا يشوبه فساد، وذلك العمل الجاري على وفق ما جاء به الدين»18.
«والعمل الصالح واسع الدائرة إلى حد يشمل كل شيء في الحياة تباشره باسم الله، ولقد عد الإسلام أعمالًا كثيرة صالحة لم تكن تخطر ببال الناس أن يجعلها عملًا صالحًا وقربة إلى الله تعالى، فجعل كل عمل يمسح به الإنسان دمعة محزون، أو يخفف به كربة مكروب، أو يشد به أزر مظلوم، أو يقيل به عثرة مغلوب، أو يقضي به دين غارم مثقل، أو يهدي حائرًا أو يعلم جاهلًا، أو يدفع شرًا عن مخلوق، أو أذى عن طريق، أو يسوق نفعًا إلى كل ذي كبد رطبة..جعل كل ذلك عملًا صالحًا ما دامت النية فيه خالصة لوجه الله الكريم» 19.
ومما يستنبط من اقتران الإيمان والعمل الصالح:
سمى الله تعالى نفسه الكريمة بالمؤمن، قال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [الحشر: ٢٣].
من معاني المؤمن في حق الله تعالى:
قال الزجاج رحمه الله: سمى الله نفسه مؤمنًا؛ لأنه شهد بوحدانيته، فقال تعالى (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [آل عمران: ١٨]. كما شهدنا نحن22.
قال الطبري رحمه الله: «المؤمن: الذي يؤمن خلقه من ظلمه»23.
وقال الزجاج رحمه الله « ويقال إنه في وصف الله تعالى يفيد أنه الذي أمن من عذابه من لا يستحقه»24.
قال السعدي رحمه الله: «المؤمن الذي أثنى على نفسه بصفات الكمال، وبكمال الجلال والجمال، الذي أرسل رسله وأنزل كتبه بالآيات والبراهين، وصدق رسله بكل آية وبرهان، يدل على صدقهم وصحة ماجاؤا به»25.
معنى المؤمن في حق المخلوقين:
سمى سبحانه وتعالى بعض عباده بالمؤمن، فقال: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [السجدة: ١٨].
ومعنى المؤمن إذا وصفنا به المخلوقين: هو الواثق بما يعتقده المستحكم الثقة26.
وبمعرفة الإنسان المؤمن لمعاني هذا الاسم في حق الله يطمئن قلبه إلى ربه سبحانه وتعالى، وما وعده من سعادة في الدنيا ونعيم في الآخرة، ويوجب عليه أن يثق بما يعتقده.
للإيمان ستة أركان، أربعة منها مذكورة في قوله تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [البقرة: ٢٨٥].
روى الحاكم في مستدركه عن أنس بن مالك، قال: لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وأحق له أن يؤمن)27.
قال ابن عطية رحمه الله: «سبب هذه الآية أنه لما نزلت: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ)[البقرة: ٢٨٤].
أشفق منها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، ثم تقرر الأمر على أن قالوا (ﮮ ﮯ)، فرجعوا إلى التضرع والاستكانة، مدحهم الله وأثنى عليهم في هذه الآية، وقدم ذلك بين يدي رفقه بهم، وكشفه لذلك الكرب الذي أوجبه تأولهم، فجمع لهم تعالى التشريف بالمدح والثناء ورفع المشقة في أمر الخواطر، وهذه ثمرة الطاعة والانقطاع إلى الله تعالى»28.
وقال ابن كثير رحمه الله: «أخبر سبحانه وتعالى عن إيمان الرسول والمؤمنين، فقال: فالمؤمنون يؤمنون بأن الله واحد أحد، فرد صمد، لا إله غيره، ولا رب سواه. ويصدقون بجميع الأنبياء والرسل والكتب المنزلة من السماء على عباد الله المرسلين والأنبياء، لا يفرقون بين أحد منهم، فيؤمنون ببعض ويكفرون ببعض، بل الجميع عندهم صادقون بارون راشدون مهديون هادون إلى سبيل الخير، وإن كان بعضهم ينسخ شريعة بعض بإذن الله حتى نسخ الجميع بشرع محمد صلى الله عليه وسلم، خاتم الأنبياء والمرسلين، الذي تقوم الساعة على شريعته، ولا تزال طائفة من أمته على الحق ظاهرين»29.
«إنه الإيمان الشامل الذي جاء به هذا الدين، الإيمان الذي يليق بهذه الأمة الوارثة لدين الله، القائمة على دعوته في الأرض إلى يوم القيامة، الضاربة الجذور في أعماق الزمان، السائرة في موكب الدعوة وموكب الرسول وموكب الإيمان الممتد في شعاب التاريخ البشري، الإيمان الذي يتمثل البشرية كلها منذ نشأتها إلى نهايتها صفين اثنين: صف المؤمنين وصف الكافرين، حزب الله وحزب الشيطان، فليس هنالك صف ثالث على مدار الزمان»30.
ويستفاد من هذه الآية: ثناء الله تعالى على رسوله وعلى المؤمنين في إيمانهم إيمانًا خالصًا يتفرع عليه العمل، وأن المؤمنين ليسوا كاليهود والنصارى في أنهم يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض.
والركن الخامس من أركان الإيمان هو: الإيمان باليوم الآخر، ذكر في قوله تعالى: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [البقرة: ١٧٧].
وقوله تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [النساء: ١٣٦].
والركن السادس من أركان الإيمان هو: الإيمان بالقدر خيره وشره، ذكر في الحديث المشهور الذي رواه الإمام مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين سأل جبريل النبي عن الإيمان فقال:( ... فأخبرني عن الإيمان، قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره قال: صدقت)31.
وهذه الأركان الستة هي التي بعث الله بها الرسل وأنزل بها الكتب، ولا يقبل إيمان عبد إلا إذا آمن بها جميعًا على الوجه الذي دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وسوف نتناول هذه الأركان فيما يلي:
أولًا: الإيمان بالله تعالى:
الإيمان بالله: هو التصديق به وبصفاته ورفض الأصنام وكل معبود سواه32.
والإيمان بالله يتضمن توحيده في ثلاثة: ربوبيته، وفي ألوهيته، وفي أسمائه وصفاته، ومعنى توحيده في هذه الأمور: اعتقاد تفرده بالربوبية والألوهية وصفات الكمال وأسماء الجلال.
وسوف نتكلم عن الإيمان بالله تعالى33 في النقاط الآتية:
١. الوجود الإلهي.
فالقرآن الكريم يحدثنا عن الله تبارك وتعالى من حيث هو ذات حقيقية، وله وجود حقيقي لا يشبهه شيء، قال تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الشورى: ١١].
وهو سبحانه وتعالى الأول قبل كل شيء، وهو الآخر بعد كل شيء، كما قال سبحانه: (ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [الحديد: ٣].
وكما قال تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [القصص٨٨].
وهو سبحانه وتعالى بذاته وجود غيبي لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، وهو اللطيف الخبير، ولكنه يعرف بآثاره في كل شيء، وتقوم كل دروب الأدلة على وجوده وتفرده، واستحقاقه لكل صفات الكمال.
ودليل وجوده سبحانه وتعالى: هو العقل والفطرة والشعور الباطني، وكل ما خلق الله.
أما دليل العقل: فقوله تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [الطور: ٣٥].
وهذا استدلال عليهم بأمر لا يمكنهم فيه إلا التسليم للحق، أو الخروج عن موجب العقل والدين، وبيان ذلك: أنهم منكرون لتوحيد الله، مكذبون لرسوله، وذلك مستلزم لإنكار أن الله خلقهم.
«وقد تقرر في العقل مع الشرع، أن الأمر لا يخلو من أحد ثلاثة أمور:
وقوله: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ)[الطور: ٣٦].
وهذا استفهام يدل على تقرير النفي، أي: ما خلقوا السماوات والأرض، فيكونوا شركاء لله، وهذا أمر واضح جدًا. ولكن المكذبين (ﭹ ﭺ) أي: ليس عندهم علم تام، ويقين يوجب لهم الانتفاع بالأدلة الشرعية والعقلية»34.
فبداهة العقل عند كل إنسان تقضي أن لكل مصنوع صانعه، وأن لكل حادث موجده؛ ولذلك ذهب القرآن الكريم ودأب على حثهم على التفكر، وعلى تقليب النظر في ملكوت السماوات والأرض، وملاحظة جانب الإبداع في هذا الخلق؛ فإن ذلك يقتضي من صاحبه أن يوقن يقينًا مطلقًا، وأن يؤمن الإيمان الوثيق بهذه الذات العليا التي تقوم على هذا الخلق العظيم، قال تعالى: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [الأعراف: ١٨٥].
ويقول تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [ق: ٦-٨].
أما دليل الفطرة المركوز في النفس فمقرر في قوله تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [الروم: ٣٠].
يقول تعالى: «فسدد وجهك واستمر على الدين الذي شرعه الله لك من الحنيفية ملة إبراهيم، الذي هداك الله لها وكملها لك غاية الكمال، وأنت مع ذلك لازم فطرتك السليمة التي فطر الله الخلق عليها، فإنه تعالى فطر خلقه على معرفته وتوحيده وأنه لا إله غيره»35.
«وهذه الدلائل يصل بها الإنسان إلى معرفة قوة عليا مهيمنة، لكنه لا يستطيع بنفسه الوصول إلى معناها الصحيح، ولا إلى معرفة حقوقها وأوصافها على وجه صادق، ولذلك كان الطريق الوحيد لهذه المعرفة الصحيحة، هو الوحي الإلهي، وقد علم الله تعالى- عباده ذلك منذ خلق آدم، ثم أرسل رسله تترى لمقارعة الجاهليات ولتصحيح المعتقدات، فلم يزل اسمه سبحانه وتعالى ومسماه شائعًا معروفًا بين الأمم في كل العصور حتى في أوساط المشركين، كما قص القرآن علينا ذلك عنه مرارًا سبحانه وتعالى ويقول: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [الزخرف: ٩].
ولذلك كان الاعتراف بهذه الذات العليا حقيقة عالمية لم يشذ عنها إلا المكابرون، المعاندون من الطواغيت كالفراعنة، أو آحاد من الطبيعيين والدهريين»36.
٢. الوحدانية.
هذه الصفة تعني تفرده سبحانه وتعالى في ذاته وصفاته وأفعاله، فليس له في ذلك شريك، ولا نظير ولا مقارب، أو مثيل، وهذه الحقيقة جعلها الله سبحانه وتعالى فاتحة التكليف ومحور الدين، وعليها تتأسس كلياته وجزئياته، ولم يكن الوجود الإلهي قضية بين الوحي والأمم لشيوعه بينهم، ولتسلميهم به، ولكنهم كانوا يتخذون معه سبحانه وتعالى شركاء، تحت مختلف الدعاوى والأسماء، حتى قالوا (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [الزمر: ٣].
ويقولون كما قال ربنا عنهم: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [يونس: ١٨].
لذلك كان الأصل والأساس الذي بعثت به الرسل، ونزلت من أجله الكتب هو: تقرير وحدانية الله تعالى، وتنزيهه عن الشركاء، والأنداد، والنظراء والصاحبة، والأبناء، وصرف وجوه العباد إليه وحده سبحانه، وتفريده وحده في الاعتقاد والعمل، والعبادة والطاعة بالذكر والدعاء، وسائر ما لا يليق إلا به وحده سبحانه وتعالى، لذلك كان لصفة الوحدانية الصدارة في الصفات الإلهية جميعًا، فهي حقيقة الحقائق الواقعية من حيث الوجوب، ثم هي أصل الحقائق التشريعية من ناحية الورود، ومن ثم فقد جاءت أدلتها دالة بالطريق الأولى على الوجود الإلهي، وهي دلائل متعددة، ولهذا كله أبرزها القرآن الكريم إبرازًا، وقص علينا من أنباء الرسل ما يؤكد أمرها، وأنها كانت محور دعواتهم جميعًا ولب رسالتهم، ومدخلهم إلى استتباع الناس لدين الله تعالى، فجاء على لسان كل من نوح وهود وصالح وشعيب ألفاظ واحدة (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [الأعراف: ٥٩، ٦٥، ٧٣، ٨٥].
وعلى هذا النمط جاءت دعوة الرسل عليهم السلام جميعًا كما يذكر القرآن ذلك تفصيلًا، حتى علم خاتمهم محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يقول للناس هذه الكلمات المتفردة في الإيجاز والإعجاز، (بسم الله الرحمن الرحيم) (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [الإخلاص١-٤].
وهذه الآيات على وجازتها شاملة لأصول الصفات الإلهية، وردت على جميع أنواع الملحدين فيها، ثم هي مقررة لأسمى العقائد اللائقة بالله عز وجل، ومصححة لضلالة أهل الكتاب، ناهيك عن المشركين والملحدين، وكفى بها دلالة على صدق النبي الأمي في نسبة هذا الدين إلى الوحي الإلهي؛ ولذلك جاء في الحديث الذي رواه مسلم بسنده عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (قل هو الله أحدٌ تعدل ثلث القرآن)37. أي: أنها تعدل ثلث القرآن، أو هي ثلث القرآن من حيث دلالتها على أهم مقاصده، وهي الدعوة إلى توحيد الله سبحانه وتعالى .
فالآية الأولى: إثبات للوحدانية بأبلغ وجه، ولذلك قالوا إن لفظ الأحد خاص بوصف الله لا يوصف به غيره، فلا يقال: رجل أحد، إنما يقال: الله أحد.
والثانية: بيان لأسباب (أحديته) سبحانه، بتقرير أنه السيد الكامل في جميع صفاته وأفعاله، المقصود في جميع الحوائج وهو الغني عن كل شيء.
والثالثة والرابعة: بيان لهذه الأسباب أيضًا بتقرير تفرد ذاته عن الأصول والفروع، لم يلد ولم يولد وما يلزمها من الصاحبة، أمًا أو زوجًا؛ ولذلك تنزه عمن يكون في درجته، وإن لم يكن أصلًا ولا فرعًا، وهذا التفصيل جاء على سبيل الحصر في دعوة الرسل جميعًا على ما قرره القرآن الكريم على سبيل الإجمال والتعميم: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [الأنبياء: ٢٥].
« ويؤخذ من هذا:
أولًا: أن الوحدانية وحي إلهي لكل الرسل، لم يوكلوا فيه إلى أفهامهم وعقولهم الراجحة، حتى هذه العقول الراجحة لا توكل إليها قضية الوحدانية والتوحيد، لذلك يتولى الوحي الإلهي تقريرها.
ثانيًا: أنها رأس الوحي وأفضله وأوله، وقد جاء ذلك في الحديث الذي رواه الترمذي بسنده عن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير)ٌ38.
ثالثًا: أن هذه الحقيقة الاعتقادية الأولى تستلزم خضوعًا كليًا لله تعالى، متمثلًا في إفراده بالعبادة والطاعة عملًا، بعد إفراده بالوحدانية اعتقادًا، ولذلك ختمت بها الآية الجامعة: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ)، وجاء تفصيلًا على لسان كل رسول (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ)، وقررها القرآن الكريم كثيرًا بالإجمال والتفصيل، كما قال تعالى: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [الزخرف: ٤٥].
رابعًا: أن الآيات الكريمة تستعمل دائمًا أسلوب النفي مع الإثبات خاصة في مجال التكليف الذي يقصد فيه الأمرين جميعًا، أعني: إثبات الوحدانية لله تعالى ونفيها عن كل شيء عداه، تأكيدًا لتفرده عز وجل، وإبطالًا لدعوى المشركين والملحدين في كل زمان»39.
أقسام الإيمان بالله تعالى:
يقتضي الإيمان بالله تعالى إفراده تعالى بحقوق لا تكون لغيره، وهذا هو معنى التوحيد الذي يتحقق بامتثال العبيد لهذه العقيدة التي كلفوا بها في معناها الواسع، وفي مدلولها الشامل:
أولًا: ففي جانب الربوبية: يجب اعتقاد تفرد ذات الله عز وجل عن كل شبيه ونظير، وتفرده سبحانه وتعالى بكل صفات الخلق والملك، والتدبير والتأثير، وكل معاني الربوبية.
ثانيًا: وفي جانب الإلهية: يجب اعتقاد تفرده سبحانه وتعالى بحق العبادة والطاعة، والأمر والحكم، والاستعلاء، وكل ما هو داخل في معنى الألوهية.
وهذا تقسيم بحسب المعاني، وإلا فهما وصفان لله الواحد الأحد المتفرد بهما، والتوحيد هو جميع هذين الأمرين معًا، فلا يقبل التجزئة ولا الانقسام، ولما كان ادعاء الخلق والتدبير لغير الله عز وجل لا يكاد يوجد إلا على سبيل المكابرة والمهاترة، وكان الذي كثر في الأمم وشاع: هو اعتقاد أن لغير الله تعالى حقًا ما في الطاعة أو العبادة؛ لذلك تركز تصحيح الرسل عليهم السلام على هذا الجانب، وكثر النزاع بينهم وبين أقوامهم فيه؛ ولذلك كانت الدعوة إلى كلمة التوحيد «لا إله إلا الله» هي مفتاح الدخول في الإسلام، ومعول نقض الجاهلية؛ لأن معناها اعتقاد تفرد الله تعالى بالعبادة والطاعة وحده لا شريك له، وأول ما يترتب عمليًا على ذلك هو قبول منهاجه ودينه، ورفض مناهج البشر والطواغيت من السدنة، والكهنة، وأصحاب السلطان، والتخلص من شرائعهم وقوانينهم وأعرافهم، ومن هنا كان هذا التوحيد خطرًا داهمًا على هؤلاء وأمثالهم، فكانت العدوات تندلع بينهم وبين الأنبياء بادئ الأمر بلا روية، وكأنها قانون يتكرر باطراد، كما قال ورقة بن نوفل للنبي صلى الله عليه وسلم في مطلع الوحي، حين جاء يسأل ورقة، فقال له: (لم يأت رجلٌ قط بمثل ما جئت به إلا عودي)40.
«ومن هنا يتضح ارتباط هذه القضية بأصل الأصول وهو التوحيد، وأن الإخلال فيها وضعًا أو اتباعًا هو إخلال بهذا الأصل، فإن كان الإخلال اعتقادًا صار شركًا يبطل التوحيد، وإن لم يصل إلى درجة الاعتقاد كان من كبائر الإثم، بل كان تطاولًا خطيرًا على حق الله المتفرد في الحكم والأمر، وعلى حقه في العبادة والطاعة، يوجب على المؤمنين أن ينكروه وأن يبرؤوا منه، وأن يقاوموه بكل الطرق التي حددتها شريعة الله تعالى، حتى يفيء أصحابه إلى أمر الله عز وجل، ومن ناحية أخرى: كان الإخلال بالتوحيد في هذا الجانب الخطير هو المسئول عما تعانيه البشرية من كوارث شاملة، خلقية كانت أو اجتماعية، أو سياسية ، وذلك لاحتراف الإنسان أمر التشريع وهو لا يحسنه ولا يحيط به خبرًا، وقد كان الخطأ في المعرفة الصحيحة للإله الواحد، واستخدام هذه المعرفة في الحياة اليومية، أحد الأسباب الأساسية في اضطراب الحضارة المعاصرة»41.
ثالثًا: التفرد بصفات الكمال المطلق: فما من صفة من صفات الكمال المطلق الذي لا تحده نسبة ولا إضافة إلا والله تبارك وتعالى متصف بها، فوق ما تتصوره عقولنا المحدودة، يقول الله تعالى في تقرير اختصاصه بالخلق ابتداء، ثم الإعادة، وفي تقرير كونها أهون عليه، مع أنهما أمران عظيمان، تحار فيهما العقول.
يقول تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [الروم: ٢٧].
ويقول سبحانه (ﮘ ﮙ ﮚ) [النحل: ٦٠].
وجماع ذلك كله: قوله تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الشورى: ١١]. أي: ليس يشبهه تعالى ولا يماثله شيء من مخلوقاته، لا في ذاته، ولا في أسمائه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، لأن أسماءه كلها حسنى، وصفاته صفة كمال وعظمة، وأفعاله تعالى أوجد بها المخلوقات العظيمة من غير مشارك، فليس كمثله شيء، لانفراده وتوحده بالكمال من كل وجه42.
وهذه الآية دليل لمذهب أهل السنة والجماعة، من إثبات الصفات، ونفي مماثلة المخلوقات.
ونذكر هنا ببعض الصفات التي أكد الله تعالى عليها في كتابه العزيز.
فالله عز وجل يعلم الأشياء كلها علم إحاطة وانكشاف، السر عنده علانية، الغيب عنده شهادة، ولا تقف أمامه حوادث الزمان والمكان، ولا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء.
وقد أحصى ذلك عدًا ووصفًا، وكل شيء كما قال ربنا: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [يس: ١٢].
وقال ربنا: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [القمر: ٥٣].
وقال تعالى: (ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [سبأ: ٣].
وهذا الكتاب المبين: هو اللوح المحفوظ، وهو سبحانه وتعالى لا يعلم الأمور الجزئية فحسب؛ بل ما دون ذلك من الخفيات والطويات، ولقد قال للكفار حين ظنوا أنه لا يسمع تآمرهم ونجواهم ، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [الملك: ١٣-١٤].
بل إن علمه سبحانه وتعالى أدق وأشمل من كشف سرهم، إذ يصل إلى ما هو أبعد من ذلك (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [طه: ٧].
وأي شيء أخفى من السر؟ لعلة ما استأثر الله تعالى بعلمه، ولم يطلع عليه أحدًا من خلقه، أو لعله ضمير النفس، كما يقول بعض المفسرين، وهذا ما يسمى حديثًا باللاشعور، حيث لا علم لصاحبه به ولا سيطرة له عليه، ولعله ما يمرق من الخواطر من سوانح الفكر، التي تمضي كلمع البرق أو تتتابع كلمح البصر، والقرآن الكريم فياض بذكر هذه الصفة، وبسعة مدلولها وامتدادها، ومصرح بأن من الأشياء ما استأثر الله بعلمه، ولا سبيل لخلق ما إلى معرفته. (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [المدثر: ٣١].
(ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [الأنعام: ٥٩].
وهو سبحانه وتعالى يحيط علمًا وخبرًا بكل خلقه، حتى الذر في أحجاره، والطير في أوكاره، والثمر في أكمامه، والأجنة في الأحشاء، وكل غائبة في الأرض وفي السماء، قال تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [الرعد: ٨-٩].
ويقول ربنا سبحانه (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [فصلت: ٤٧].
ويقول: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [هود: ٦].
وهو في كل هذا العلم رقيب شهيد وقريب، يسمع ويرى، فعلمه ليس انطباعًا من قراءة كتاب، أو إدراكًا من خبر ملك ونحوه؛ ولذلك كان من أسمائه الحسنى: الشهيد، الذي يدل على هذا العلم الحضوري الذي تنكشف له به الأشياء، انكشافًا تامًا بلا سبق خفاء، كما قال تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ) [يونس:٦١].
فهذا علم مطلق شامل محيط، لا يقاس بعلم غيره، وهو وحده سبحانه وتعالى المتفرد به، وهذه العقيدة إحدى الدعائم الأساسية التي يقوم عليها التشريع الإلهي، من حيث ابتداء وضعه على سلامة واستقامة، ومن حيث لزوم تطبيقه بوازع الضمير، الذي ينقدح فيه دائمًا: أن الله تبارك وتعالى يعلم سره ونجواه، ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
بعد العلم القدرة، وهي ككل صفاته عز وجل الثبوتية مطلقة شاملة، لا تحجزها العوائق، ولا تقف دونها العقبات، ولا تحد بحدود العقل البشري، ولا بغيره من أدوات الخلائق.
يقول تعالى: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [البقرة: ٢٠].
وإن حرف تأكيد، وشيء نكرة عامة أضيف إليها أداة عموم، وهي لفظ، كل فأفادت قدرة الله تعالى المطلقة على عموم الأشياء بلا استثناء، ومهما تعاظم العقل أمرًا من أمور النشأتين، فهو سهل يسير في رحاب هذه القدرة العظمى، كما قال ربنا: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [الروم: ٢٧].
(ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [ق: ٤٤].
ويقول ربنا: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [النحل: ٤٠].
ويقول: (ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ) [فاطر: ٤٤].
ويقول ربنا سبحانه وتعالى في آية عامة جامعة: (ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ) [لقمان: ٢٨].
ونجد غير ذلك كثيرًا جدًا في القرآن، فهذه إذن قدرة ذات تأثير شمولي في كل أبعاد الكون، أحياءً وأمواتًا، ما نعلمه وما لا نعلمه، والله تعالى وحده هو المتفرد فيها بالتقدير والتأثير، فتبارك الله رب العالمين.
وهي كلها أوصاف كمال وجلال لله رب العالمين، جرت مجرى الأسماء، وجاءتنا عن طريق الشرع إجمالًا، كقوله تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [الأعراف: ١٨٠].
وقوله تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [الإسراء: ١١٠].
وورد بعضها تفصيلًا كقوله تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [الحشر: ٢٢-٢٤].
وقد ورد في السنة أيضًا ذكرها إجمالًا، كقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن لله تسعةً وتسعين اسمًا، مائةً إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة)43.
وتفصيلًا وردت في عدة روايات، وذكر معظمها في القرآن الكريم نثرًا في مواضع كثيرةً، وهذه الأسماء قد لوحظ فيها المعاني العظيمة التي تدل عليها، وهي تعطي المعنى الحقيقي الكامل للعقيدة الإلهية، ويتم بها الوصف الشامل للإله الحق المطلق الخير والقوة جميعًا، كما أراد أن يعلم عباده وأن يعرفهم نفسه على ما هو عليه من كمال وجلال وسمو وتفرد، وشدة واقتدار.
الله تعالى حاكمًا وشارعًا:
يقول الشيخ محمد المدني رحمه الله: «القرآن الكريم فرغ من قضية التوحيد، ومن محاجة المشركين، وفرغ من إقامة الدليل على بطلان زعمهم في أن لله شركاء يعبدون، كما يعبد، ويرجون كما يرجى، فرغ القرآن الكريم من هذه القضية، حين كان ينزل في مكة ويقرع المشركين، أما وقد صار المسلمون مجتمعًا جديدًا مؤمنًا في المدينة، فإن القرآن الكريم لا يتناول أمر الوحدانية كقضية يناضل عنها على الوجه الذي كان في البيئة المكية المشركة، ولكنه يتحدث عنها على نحو آخر، نرى في سورة النساء مظهرًا له (التوحيد عملًا بعد التوحيد علمًا)، فهو يتحدث عن وحدانية الله، كما يجب أن يستقر في المجتمع عملًا بعد أن قامت الأدلة عليه حجة ونظرًا، فبينما هو يقول في إيجاز: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [النساء: ٣٦].
(ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [النساء: ٤٨].
فلا يعدو أن يكون مذكرًا بقضية استقرت، وقام الدليل من قبل على صحتها، نراه يتحدث عن الله تعالى مشرعًا، يجب على الناس أن يتلقوا أحكامهم عنه، وأن يؤمنوا إيمانًا خالصًا بأنه هو وحده صاحب الحق المطلق في ذلك، من جهة أنه هو الخالق، ومن جهة أنه هو المتصف بالصفات التي لا بد منها فيمن يشرع، ومن جهة أنه رقيب لا يغيب»44.
ويقول الشيخ محمد عبد الله دراز رحمه الله: « نتحدث عن المقصد الثالث من مقاصد سورة البقرة، والخطوات التي مهدت له في السورة الكريمة، ثم يقول:
الخطوة الأولى: تقرير وحدة الخالق المعبود.
الخطوة الثانية: تقرير وحدة الآمر المطاع، وهي ركن من عقيدة التوحيد في الإسلام، فكما أن من أصل التوحيد ألا تتخذ في عبادتك إلهًا من دون الرحمن الذي بيده الخلق والرزق والضر والنفع، كذلك من أصل التوحيد ألا تجعل لغيره حكمًا في سائر تصرفاتك، بل تعتقد أنه لا حكم إلا له، وأن بيده وحده الأمر والنهي، والحلال ما أحله والحرام ما حرمه، ومن استحل حرامه أو حرم حلاله فقد كفر، وكما أنه لا يليق أن يكون هو الخالق ويعبد غيره، والرازق ويشكر سواه، كذلك لا يليق أن يكون هو الحاكم ويطاع غيره.
قال تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [البقرة: ١٦٨]، ولقد سلك في تقرير هذه الوحدة التشريعية نحوًا من مسلكه في تقرير الوحدة الإلهية»45.
ويقول الدكتور عبد الستار فتح الله سعيد حفظه الله: «أن قبول شريعة الله عز وجل ليست أمرًا من أمور التكليفات الفرعية، وإنما هي أمر ملزم واجب بمقتضى عقد التوحيد، وشهادة التوحيد، فإذا قال العبد: «لا إله إلا الله» معناها: أنني لا أعبد ولا أطيع إلا الله، وعلى أي وجه يطيع الله؟ لا يعبد الله إلا بما شرع، والله عز وجل ما شرع إلا ما علمه وبعث به محمدًا صلى الله عليه وسلم، ومن هنا جاءت شهادة التوحيد مقترنة بشهادة محمد رسول الله، فيتلخص من ذلك: أن العبد المؤمن يقول: أشهد أني لا أطيع ولا أعبد أحدًا إلا الله على الوجه الذي جاءنا به محمد صلى الله عليه وسلم؛ والمقرر في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك إذا انفصل المجتمع عن هذا فهذا الانفصال الهائل الذي وقع في أرجاء العالم الإسلامي دل على أن هناك انفصامًا هائلًا في عقيدة التوحيد.
لابد أن نعي هذه القضية وأن نفهمها جيدًا، هنا ارتباط كامل بتقرير شريعة الله وقبول هذه الشريعة في واقع الحياة، ربما يخطأ الإنسان، أو ربما يقع في معصية فيستغفر ويعود، لكن أن يرفض شريعة الله في واقعه، وأن تستبدل القوانين الوضعية بشريعة الله سبحانه وتعالى أو توضع فوقها أو تقدم عليها، فهذا أمر في غاية الخطورة، وينبغي أن ينتبه إليه العلماء والدارسون والباحثون، وعليهم المسئولية في أن يعلموا أمتهم وشعوبهم ومؤسساتهم في كل أرجاء العالم الإسلامي، هذا الارتباط الذي لا يقبل الانفصام بين قبول شريعة الله عز وجل وبين عقيدة التوحيد»46.
ثانيًا: الإيمان بالملائكة:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: «الملك في اللغة: حامل الألوكة وهي الرسالة»47.
الملائكة في الاصطلاح: «أجسام نورانية لطيفة أعطيت قدرة على التشكل بأشكال مختلفة، ومسكنها السموات، وأبطل من قال: أنها الكواكب أو أنها الأنفس الخيرة التي فارقت أجسادها، وغير ذلك من الأقوال التي لا يوجد في الأدلة السمعية شيء منها»48.
والإيمان بالملائكة: هو اعتقادهم عبادًا لله، ورفض معتقدات الجاهلية فيهم49.
والإيمان بالملائكة من أركان الإيمان ، كما قال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [البقرة: ٢٨٥].
ومن ينكر وجودهم فقد كفر، كما قال تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [النساء: ١٣٦].
قوله: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) فإنه يعني: فقد ذهب عن قصد السبيل، وجار عن محجة الطريق إلى المهالك ذهابًا وجورًا بعيدًا؛ لأن كفر من كفر بذلك خروج منه عن دين الله الذي شرعه لعباده50.
ويستفاد من الآية: أن الكفر بشيء من هذه الأركان كالكفر بجميعها؛ لتلازمها، وامتناع وجود الإيمان ببعضها دون بعض. وتقديم الملائكة على الرسل؛ لأنهم الوسائط بين الله وبين رسله.
و سوف نتناول الإيمان بالملائكة في النقاط الآتية:
١. خلقهم.
أخبر سبحانه وتعالى أنه قال ربك للملائكة: إني جاعل في الأرض قومًا يخلف بعضهم بعضًا لعمارتها.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [البقرة: ٣٠].
ويفهم من الآية: أن الملائكة خلقت قبل آدم عليه السلام51.
٢. المادة التي خلقوا منها.
وعن المادة التي خلقوا منها روى مسلم بسنده عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خلقت الملائكة من نورٍ)52.
٣. الصفات الخلقية.
أخبر سبحانه وتعالى أن أرسل إلى مريم الملك جبريل، فتمثل لها في صورة إنسان تام الخلق.
قال تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [مريم: ١٧].
أي: تمثل جبريل لها بشرًا مستوي الخلق، لم يفقد من نعوت بني آدم شيئًا، قيل: ووجه تمثل الملك لها بشرا؛ أنها لا تطيق أن تنظر إلى الملك وهو على صورته53.
وقد جاء الملائكة إبراهيم في صورة بشر، قال تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [الذاريات٢٤- ٢٥].
قوله: (ﯨ ﯩ)، وذلك أن الملائكة وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل قدموا عليه في صورة شُبَان حسان، عليهم مهابة عظيمة54.
أخبر سبحانه وتعالى أنَ من عظيم قدرته أنَ جعل الملائكة أصحاب أجنحة مثنى وثلاث ورباع تطير بها؛ لتبلغ ما أمرت به سريعًا.
قال تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [فاطر: ١].
قال قتادة: بعضهم له جناحان، وبعضهم ثلاثة، وبعضهم أربعة 55.
روى مسلم بسنده عن عبد الله، قال: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [النجم: ١١].
قال: (رأى جبريل عليه السلام له ستمائة جناحٍ)56.
٤. علاقة الملائكة بالله تعالى.
علاقة الملائكة بالله هي علاقة العبودية الخالصة له، وفعل ما يأمرهم به، قال تعالى في الثناء عليهم: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [النحل: ٥٠].
وقال: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [التحريم: ٦].
أي: ما يؤمرون به من الطاعات والتدبيرات57.
وقال تعالى: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الأعراف: ٢٠٦].
وصف تعالى حالهم من تواضعهم وإدمانهم للعبادة والتسبيح والسجود58.
ويستفاد من الآية: الاقتداء بالملائكة في كثرة طاعتهم وعبادتهم، وقوله: (ﯵ ﯶ) إنما يريد في المنزلة والتشريف والقرب في المكانة لا في المكان.
٥. علاقة الملائكة بالكون.
أخبر سبحانه أن الملائكة تنفذ أمره فيما أوكل إليها تدبيره من شؤون الكون، قال تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ) [النازعات: ٥].
قال قتادة: هي الملائكة59، و زاد الحسن: تدبر الأمر من السماء إلى الأرض يعني بأمر ربها عز وجل60.
٦. علاقة الملائكة بالإنسان.
قال تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ) [الأنعام: ٦١].
ومما يحفظونه: بدن الإنسان، بقوله: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [الرعد: ١١].
و مما يحفظونه جميع أعماله من خير وشر.
قال تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ) [الانفطار: ١٠-١١].
قال الله تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [غافر: ٧-٩].
يخبر تعالى عن كمال لطفه تعالى بعباده المؤمنين، وما قيض لأسباب سعادتهم من الأسباب الخارجة عن قدرهم، من استغفار الملائكة المقربين لهم، ودعائهم لهم بما فيه صلاح دينهم وآخرتهم، وفي ضمن ذلك: الإخبار عن شرف حملة العرش ومن حوله، وقربهم من ربهم، وكثرة عبادتهم ونصحهم لعباد الله، لعلمهم أن الله يحب ذلك منهم61.
أخبر سبحانه وتعالى أنه أوحى إلى الملائكة أن يقووا عزائم المؤمنين .
قال تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [الأنفال: ١٢].
قال ابن إسحاق: وازروهم.
وقال غيره: قاتلوا معهم، وقيل: كثروا سوادهم، وقيل: كان ذلك بأن الملك كان يأتي الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيقول سمعت هؤلاء القوم، يعني: المشركين يقولون: والله لئن حملوا علينا لننكشفن، فيحدث المسلمون بعضهم بعضًا بذلك، فتقوى أنفسهم62.
قال ابن القيم رحمه الله عن علاقة الملائكة بالإنسان في معنى جامع: «والملائكة الموكلة بالإنسان من حين كونه نطفة إلى آخر أمره لهم وله شأن آخر؛ فإنهم موكلون بتخليقه، ونقله من طور إلى طور، وتصويره، وحفظه في أطباق الظلمات الثلاث، وكتابة رزقه، وعمله، وأجله، وشقاوته، وسعادته، وملازمته في جميع أحواله، وإحصاء أقواله وأفعاله، وحفظه في حياته، وقبض روحه عند وفاته، وعرضها على خالقه وفاطره.
وهم الموكلون بعذابه ونعيمه في البرزخ، وبعد البعث.
وهم الموكلون بعمل آلات النعيم والعذاب، وهم المثبتون للعبد المؤمن بإذن الله، والمعلمون له ما ينفعه، والمقاتلون الذابون عنه، وهم أولياؤه في الدنيا والآخرة.
وهم الذين يرونه في منامه ما يخافه ليحذره، وما يحبه ليقوى قلبه، ويزداد شكرًا.
وهم الذين يعدونه بالخير ويدعونه إليه، وينهونه عن الشر، ويحذرونه منه.
فهم أولياؤه وأنصاره، وحفظته، ومعلموه، وناصحوه، والداعون له، والمستغفرون له.
وهم الذين يصلون عليه مادام في طاعة ربه، ويصلون عليه مادام يعلم الناس الخير، ويبشرونه بكرامة الله تعالى في منامه، وعند موته، ويوم بعثه.
وهم الذين يزهدونه في الدنيا، ويرغبونه في الآخرة، وهم الذين يذكرونه إذا نسى، وينشطونه إذا كسل، ويثبتونه إذا جزع.
وهم الذين يسعون في مصالح دنياه وآخرته»63.
٧. عدد الملائكة.
عدد الملائكة لا يحصيه إلا الله، ومنهم خزنة النار الذين قال الله فيهم: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [المدثر: ٣١].
والمعنى: ما جعلنا عددهم هذا العدد المذكور في القرآن إلا ضلالة ومحنة لهم، حتى قالوا ما قالوا ليتضاعف عذابهم، ويكثر غضب الله عليهم64.
فيجب الإيمان بالملائكة الذين ذكروا في القرآن الكريم وفي السنة النبوية و بالأعمال التي أوكلوا بها.
ثالثًا: الإيمان بالكتب:
الإيمان بالكتب: هو التصديق بكل ما أنزل على الأنبياء الذين تضمن ذكرهم كتاب الله المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، أو ما أخبر هو به65.
فالواجب على المؤمن: الإيمان بالكتب التي أنزلها الله سبحانه وتعالى على رسله، ما سمى الله منها وما لم يسم.
أما الذي يؤمن بكتابٍ ويكفر بالكتب الأخرى فهذا كافرٌ بالجميع.
ومن هذه الكتب: القرآن، والتوراة، والإنجيل، والزبور، وصحف إبراهيم وموسى، وأعظمها التوراة والإنجيل والقرآن، وأعظم الثلاثة وناسخها وأفضلها هو القرآن.
قال تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [النساء: ١٣٦]. يعني بذلك جل ثناؤه: «صدقوا بالله، وبمحمد رسوله، أنه لله رسول مرسل إليكم وإلى سائر الأمم قبلكم، وصدقوا بما جاءكم به محمد من الكتاب الذي نزله الله عليه، وذلك القرآن، وآمنوا بالكتاب الذي أنزل الله من قبل الكتاب الذي نزله على محمد صلى الله عليه وسلم وهو التوراة والإنجيل»66. وقيل: المراد بالكتاب الثاني الجنس المنتظم لجميع الكتب السماوية»67.
فالإيمان بالقرآن والكتب السابقة له ركن، « لا يكون العبد مؤمنًا إلا به، إجمالًا فيما لم يصل إليه تفصيله وتفصيلًا فيما علم من ذلك بالتفصيل»68.
الكتب المذكورة في القرآن:
التوراة التي نزلت على موسى عليه السلام، قال تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [المائدة: ٤٤].
الإنجيل الذي نزل على عيسى عليه السلام، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [المائدة: ٤٦].
الزبور الذي نزل على داود عليه السلام، قال تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ) [النساء: ١٦٣].
الصحف التي أنزلها الله تعالى على إبراهيم وموسى-عليهما السلام -، قال تعالى: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ)[الأعلى: ١٨-١٩].
أما الكتب الأخرى التي أنزلها الله على سائر الرسل والتي لم يخبرنا بها فيجب الإيمان بها؛ لأنه سبحانه أخبرنا أنه ما من رسول إلا وجاء برسالة إلى قومه.
قال تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [البقرة: ٢١٣].
كما يجب أن يؤمن العبد بأن جميع الكتب جاءت بالدعوة إلى وحدانية الله سبحانه وتعالى، وإفراده بالعبادة، وأن ما حدث في الكتب من تحريف فهو من صنع العباد.
أما القرآن فهو الكتاب المهيمن على الكتب السابقة، قال تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [المائدة: ٤٨].
ومن الهيمنة التي للقرآن على الكتب السماوية التي بين يديه: أنه هو المصدق لها، الشاهد الذي ترى فى أضوائه وفى أحكامه، وأخباره وآدابه- آيات صدقها، وأنها من مورد هذا الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، إذ ليس بعد شهادة القرآن شهادة، ولا وراء الحق الذي يقوله حق، وإنه سيظل قائمًا هكذا إلى يوم القيامة69.
ومن ثم فكل اختلاف يجب أن يرد إلى هذا الكتاب ليفصل فيه، سواء كان هذا الاختلاف في التصور الاعتقادي بين أصحاب الديانات السماوية، أو في الشريعة التي جاء هذا الكتاب بصورتها الأخيرة، أو كان هذا الاختلاف بين المسلمين أنفسهم، فالمرجع الذي يعودون إليه بآرائهم في شأن الحياه كله هو هذا الكتاب، ولا قيمه لآراء الرجال ما لم يكن لها أصل تستند إليه من هذا المرجع الأخير70.
وقد تكفل سبحانه وتعالى بحفظه، قال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [الحجر: ٩].
«وقد شمل حفظه: الحفظ من التلاشي، والحفظ من الزيادة والنقصان فيه، بأن يسر تواتره وأسباب ذلك، وسلمه من التبديل والتغيير حتى حفظته الأمة عن ظهور قلوبها من حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فاستقر بين الأمة بمسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، وصار حفاظه بالغين عدد التواتر في كل مصر»71.
ولذلك يجب علينا الإيمان بالقرآن وأن ما جاء به هو الحق، وأن كل لفظ فيه محفوظ من التبديل والتحريف، كما يجب اتباع أمره واجتناب نهيه، وتصديق ما أخبر به، ورفض ما يخالفه.
رابعًا: الإيمان بالرسل والأنبياء:
وهو الاعتقاد الجازم بأن الله سبحانه وتعالى بعث في كل أمة رسولًا منهم، يدلهم على الخير ويحذرهم من الشر رحمة بهم72.
أخبر سبحانه وتعالى ما من أمة إلا وأرسل فيها رسول، (ﮏ ﮐ ﮑ) [يونس: ٤٧].
وقال: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [فاطر: ٢٤]. أي: وما من أمة من الأمم الدائنة بملة إلا خلا فيها من قبلك نذير ينذرهم بأسنا على كفرهم بالله73.
ولا يعلم عدد الرسل إلا الله، قال تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [النساء: ١٦٤].
وإنما لم يذكر الله تعالى قصص كثير من الرسل؛ اكتفاءً بالمذكورين، فالمقصود أخذ العبرة، لا ذكر الأسماء والقصص74.
وسوف نتناول الإيمان بالرسل في النقاط الآتية:
١. الرسل المذكورون في القرآن.
المذكورون في القرآن من الرسل والأنبياء: خمسة وعشرون، منهم: ثمانية عشر في قوله تعالى: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [الأنعام: ٨٣-٨٦].
وورد ذكر بقية الأنبياء في مواضع من كتاب الله، قال تعالى: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [هود: ٥٠].
وقال تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [الأعراف: ٧٣].
وقال تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [العنكبوت: ٣٦].
وقال تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [آل عمران: ٣٣].
فهؤلاء الأنبياء والرسل يجب الإيمان برسالتهم ونبوتهم تفصيلًا، فمن أنكر نبوة واحد منهم أو أنكر رسالة من بعث منهم برسالة كفر، غير أن العامي لا يحكم عليه بالكفر، وأما الأنبياء والرسل الذين لم يقصهم القرآن علينا فقد أمرنا أن نؤمن بهم إجمالًا.
٢. أولو العزم من الرسل.
ذكر الله تعالى أولي العزم من الرسل في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [الأحزاب: ٧].
وهؤلاء الخمسة صلى الله عليهم هم أصحاب الكتب والشرائع والحروب الفاصلة على التوحيد وأولو العزم، وقدم ذكر محمد على مرتبته في الزمن تشريفًا خاصًا له75.
ويستفاد من ذكرهم عليهم السلام الاقتداء بهم في أعمالهم.
٣. حقيقة رسالة الرسل والأنبياء.
ما من رسول إلا جاء بكلمة واحدة، هي قوله تعالى: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ)، هذه الكلمة قالها نوح عليه السلام، وهي ذاتها بنصها يقولها كل من جاء بعده من المرسلين76.
وقد بين الله الحكمة من إرسال الرسل، فقال تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [النساء: ١٦٥]». أي: معذرة يعتذرون بها، كما في قوله تعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [طه: ١٣٤].
وسميت المعذرة حجة مع أنه لم يكن لأحد من العباد على الله حجة؛ تنبيهًا على أن هذه المعذرة مقبولة لديه تفضلًا منه ورحمة»77.
وهذا من كمال عزته تعالى وحكمته أن أرسل إليهم الرسل وأنزل عليهم الكتب، وذلك أيضًا من فضله وإحسانه؛ حيث كان الناس مضطرين إلى الأنبياء أعظم ضرورة، تقدر فأزال هذا الاضطرار»78.
٤. واجبنا نحو الرسل والأنبياء.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [آل عمران: ٨٤].
ومن آمن ببعض الرسل وكفر ببعض كان من الكافرين بنص الكتاب الكريم.
قال تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [النساء: ١٥٠].
قال تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [يوسف: ١٠٩].
ولم يخصهم الله بطبائع غير الطبائع البشرية، فهم يأكلون و يشربون ويمشون في الأسواق.
قال تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الفرقان: ٢٠].
ولهم عليهم السلام أزواجًا وذرية.
قال تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [الرعد: ٣٨].
ويتعرضون للأذى من الظلمة والمجرمين.
قال تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [الأنعام: ٣٤].
كما أنهم لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا إلا ما شاء الله.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [الأعراف: ١٨٨].
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [البقرة: ٢٥٣].
«يخبر تعالى أنه فضل بعض الرسل على بعض بما خصهم من بين سائر الناس بإيحائه وإرسالهم إلى الناس، ودعائهم الخلق إلى الله، ثم فضل بعضهم على بعض بما أودع فيهم من الأوصاف الحميدة والأفعال السديدة والنفع العام، فمنهم من كلمه الله كموسى بن عمران خصه بالكلام، ومنهم من رفعه على سائرهم درجات كنبينا صلى الله عليه وسلم الذي اجتمع فيه من الفضائل ما تفرق في غيره، وجمع الله له من المناقب ما فاق به الأولين والآخرين»79.
قال تعالى: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [الأعراف: ١٥٨].
قال الله على لسان الجن: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [الأحقاف: ٣١].
ومما سبق ذكره يتضح أن الإيمان بالرسل يتضمن أربعة أمور:
خامسًا: الإيمان باليوم الآخر:
تعريف الإيمان باليوم الآخر:
قال الشيخ السعدي رحمه الله: «وهو الإيمان بكل ما أخبر الله ورسوله به بعد الموت من فتنة القبر ونعيمه، وعذابه وأحوال يوم القيامة وما يكون فيه، ومن صفات الجنة والنار وصفات أهليهما، فالإيمان باليوم الآخر هو الإيمان بذلك جملة وتفصيلًا»80.
مظاهر اهتمام القرآن باليوم الآخر:
منها: قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [البقرة: ١٧٧].
وقال تعالى في وصف المؤمنين: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [النمل: ٣].
«أي: واستيقنوا أن هناك حياة آخرة، وأن فيها حسابًا وجزاء، وجنة ونارًا.. فعملوا لهذا اليوم العظيم بما ينجيهم من هوله، ويدنيهم من رحمة الله ورضوانه» 81، «وإذا حساب الآخرة يشغل بالهم، ويصدهم عن جموح الشهوات، ويغمر أرواحهم بتقوى الله وخشيته والحياء من الوقوف بين يديه موقف العصاة»82.
ولما كان هذا الأصل شديد الإيغال في طيات الغيب، كان أكثر الأصول إنكارًا واستبعادًا من الكفار، قال تعالى: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [النمل: ٤].
وبالتالي كان أكثر الأصول جميعًا تناولًا في القرآن.
فمن أسمائه في القرآن: «القيامة والساعة والآخرة ويوم الدين ويوم الحساب ويوم الفتح ويوم التلاق ويوم الجمع ويوم التغابن ويوم الخلود ويوم الخروج ويوم الحسرة ويوم التناد والآزفة والطامة والصاخة والحاقة والغاشية والواقعة وغيرها»83.
فتارة تسمى السور باسم من أسمائها: القيامة، الواقعة، الحاقة، الغاشية، القارعة، النبأ.
وتارة تسمى السور باسم من الأحداث الكونية التي تمهد لهذا اليوم: الدخان، التكوير، الانفطار، الانشقاق، الزلزلة.
وتارة باسم ما يقع فيها، مثل سور: الأعراف، الزمر، الجاثية، الحشر، التغابن، المعارج.
فهذه أسماء (سبع عشرة) سورة تتعلق بالآخرة، ولم يقع مثل هذا قط لأي أصل من أصول الإيمان في القرآن الكريم.
وكثيرًا ما عبر القرآن عن أن وقوع الساعة لا ريب فيه، من ذلك مثلًا: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [الحج: ٧].
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [غافر: ٥٩].
«ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن الساعة آتية، وأكد ذلك بحرف التوكيد الذي هو «إن»، وبلام الابتداء التي تزحلقها إن المكسورة عن المبتدأ إلى الخبر؛ وذلك يدل على أمرين:
أحدهما: إتيان الساعة لا محالة.
والثاني: أن إتيانها أنكره الكفار؛ لأن تعدد التوكيد يدل على إنكار الخبر، كما تقرر في فن المعاني»84.
ومن مظاهر اهتمام القرآن باليوم الآخر: الترابط بين الخلق والحق والساعة، فقد بين القرآن أن الآخرة هي الأصل الذي يحقق حكمة الخلق ومعنى الوجود؛ لأنها غاية جزاء ومصير الخلائق، تصون وجودهم عن العبث واللعب، وتحفظ مصيرهم عن البطلان والضياع، وتجعله خالصًا، وحكمة تامة.
قال تعال: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ) [الدخان: ٣٨-٤٠].
وقال تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [النحل: ٢٢].
يجمع السياق بين الإيمان بوحدة الله والإيمان بالآخرة، بل يجعل إحداهما دالة على الأخرى لارتباط عبادة الله الواحد بعقيدة البعث والجزاء، فبالآخرة تتم حكمة الخالق الواحد ويتجلى عدله في الجزاء.
«فالذين لا يسلمون بهذه الحقيقة، ولا يؤمنون بالآخرة- وهي فرع عن الاعتقاد بوحدانية الخالق وحكمته وعدله- هؤلاء لا تنقصهم الآيات ولا تنقصهم البراهين، إنما تكمن العلة في كيانهم وفي طباعهم. إن قلوبهم منكرة جاحدة لا تقر بما ترى من الآيات، وهم مستكبرون لا يريدون التسليم بالبراهين والاستسلام لله والرسول، فالعلة أصيلة والداء كامن في الطباع والقلوب!»85.
«فعدم الإيمان بالآخرة جعل قلوبهم مفعمة بالإنكار والاستكبار، وقد حذف المفعولان للتعميم، فهم ينكرون الحق ويستكبرون عليه، وهم ينكرون حق الأمم والشعوب في عقيدتها وحريتها، ويستكبرون عن الاعتراف به، وهكذا يكون دائمًا الكفار والطواغيت و لايزالون»86.
وقال تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [النازعات: ٣٧-٤١].
أي: «تمرد وعتا، وآثر الحياة الدنيا، أي: قدمها على أمر دينه وأخراه، فإن الجحيم هي المأوى، أي: فإن مصيره إلى الجحيم وإن مطعمه من الزقوم ومشربه من الحميم، وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى أي خاف القيام بين يدي الله عز وجل، وخاف حكم الله، فيه ونهى نفسه عن هواها وردها إلى طاعة مولاها، فإن الجنة هي المأوى، أي: منقلبه ومصيره ومرجعه إلى الجنة الفيحاء»87.
«والطغيان هنا أشمل من معناه القريب، فهو وصف لكل من يتجاوز الحق والهدى. ومداه أوسع من الطغاة ذوي السلطان والجبروت، حيث يشمل كل متجاوز للهدى، وكل من آثر الحياة الدنيا، واختارها على الآخرة، فعمل لها وحدها، غير حاسب للآخرة حسابًا. واعتبار الآخرة هو الذي يقيم الموازين في يد الإنسان وضميره. فإذا أهمل حساب الآخرة أو آثر عليها الدنيا اختلت كل الموازين في يده، واختلت كل القيم في تقديره، واختلت كل قواعد الشعور والسلوك في حياته، وعد طاغيًا وباغيًا ومتجاوزَا للمدى»88. و من هداية الآية: «قدم ذكر الطغيان على إيثار الحياة الدنيا؛ لأن الطغيان من أكبر أسباب إيثار الحياة الدنيا»89.
من مشاهد الآخرة في القرآن:
تبدأ المشاهد بمقدمات اليوم الآخر، ثم الفصل بين الخلائق، ثم النعيم الأبدي أو العذاب الأبدي، من هذه المشاهد:
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الزمر: ٦٨].
«وهو قرن عظيم، لا يعلم عظمته إلا خالقه، ومن أطلعه الله على علمه من خلقه، فينفخ فيه إسرافيل عليه السلام، أحد الملائكة المقربين، وأحد حملة عرش الرحمن. (ﭔ) أي: غشي أو مات، على اختلاف القولين: (ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) أي: كلهم، لما سمعوا نفخة الصور أزعجتهم من شدتها وعظمها، وما يعلمون أنها مقدمة له. (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) ممن ثبته الله عند النفخة، فلم يصعق، كالشهداء أو بعضهم، وغيرهم، وهذه النفخة الأولى: نفخة الصعق، ونفخة الفزع»90.
وهي النفخة الثانية؛ لقوله تعالى: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الزمر: ٦٨].
أي: «قد قاموا من قبورهم لبعثهم وحسابهم، قد تمت منهم الخلقة الجسدية والأرواح، وشخصت أبصارهم ينظرون ماذا يفعل الله بهم»91.
يرى الخلائق بعد بعثهم مشاهد أهوال القيامة، كما قال تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [هود: ١٠٣].
وقال تعالى: (ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) [النمل: ٨٨].
وهذا يقع بعد النفخة الثانية عند حشر الخلق، يبدل الله عز وجل الأرض من غير الأرض ويغير هيئاتها، ويسير الجبال عن مقارها على ما ذكر من الهيئات الهائلة ليشاهدها أهل المحشر، وهي وإن اندكت وتصدعت عند النفخة الأولى لكن تسييرها وتسوية الأرض إنما يكونان بعد النفخة الثانية، كما ينطق به قوله تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ) [طه: ١٠٥-١٠٨].
وقوله تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ)[إبراهيم: ٤٨].
«فإن اتباع الداعي الذي هو إسرافيل عليه السلام وبروز الخلق لله سبحانه لا يكون إلا بعد البعث قطعًا »92.
يحدثنا الوحي الإلهي طويلًا عن حساب الله تعالى للخلائق في هذا اليوم الشديد، والذي يتسم بالعدل.
صحائف الأعمال التي سجل فيها عمل كل فرد على حدة.
قال تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [الإسراء: ١٣-١٤].
قال الحسن رحمه الله: «قد عدل والله عليك من جعلك حسيب نفسك»93.
ويبلغ الوحي الإلهي غاية من التفصيل حيث يبين كيفيات تسليم الكتب، وأحوال الناس عندها، يقول ربنا: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [الحاقة: ١٩]. يعني: خذوا اقرءوا كتابيه (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [الحاقة: ٢٥ - ٢٩].
(ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [الانشقاق: ٧-١٣]. يعني: في الدنيا.
وهذا من تمام إظهار العدل الإلهي في هذا الموقف العظيم، فإن الله عز وجل يستشهد على المذنبين قبل إدانتهم مع علمه عز وجل القاطع بما عملوا، لكنه لا يريد أن يعاملهم بعلمه، لكن يعاملهم بالشهود حتى يتأكد كل إنسان من ذنبه وعمله.
قال تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [النساء: ٤١].
وقد فسر النبي أخبارها في الحديث الذي رواه أحمد عن أبي هريرة، قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [الزلزلة: ٤].
قال: (أتدرون ما أخبارها؟) قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: (فإن أخبارها أن تشهد على كل عبدٍ وأمةٍ بما عمل على ظهرها، أن تقول: عملت علي كذا وكذا يوم كذا وكذا)، قال: (فهو أخبارها)94.
يقول تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [يس: ٦٥] يعني: فلا تنطق (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [يس: ٦٥].
ويقول جل شأنه: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [النور: ٢٤].
ويقول: (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [فصلت: ٢٠-٢١].
ليدافع كل إنسان عن نفسه، وليبين أعذاره إن كانت له أعذار، والله تعالى مع ذلك أعلم بالمرء من نفسه، قال تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) [الصافات: ٢٢-٢٤].
ويقول سبحانه وتعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [الأنعام: ٢٢-٢٤].
ليوفي كل إنسان جزاءه في دقة كاملة بالغة حتى مقادير ومثاقيل الذر والخردل، كما قال ربنا: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [الأنبياء: ٤٧] جل شأن الله.
ويقول: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [النساء: ٤٠].
وعلى نتيجة هذا الميزان العدل يقضي الله تعالى بالحق بين عباده: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [القارعة: ٦-٧].
يعني: ثقلت بالحسنات، والطيبات (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [القارعة: ٨].
من الحسنات والطيبات، وامتلأت بالسيئات، يقول ربنا: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [القارعة: ٨-١١]. نعوذ بالله منها.
وصف الجنة والنار:
فأما المؤمنون الصالحون فيبلغون سعادة الأبد، ويظفرون بنعيم الخلد، قال تبارك وتعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [الزمر: ٧٣] يعني: جماعات جماعات (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [الزمر: ٧٣-٧٤].
الأرض هي: أرض الجنة، ويصف الوحي الإلهي أحوال أهل الجنة، وما فيها من نعيم وصفًا تفصيليًا، في دار لم يبلغها علمنا المحدود، ولم تشاهدها حواسنا، ولكنها أعدت للمتقين، وأخبرنا بها رب العالمين، وينبغي أن نوقن بوجودها أكثر مما نوقن بحاضرنا المشاهد؛ لأنها وعد الله الحق، وجزاؤه الصدق، كما قال ربنا: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [التوبة: ١١١].
فهذا وعد سجله في كتبه الثلاثة الأساسية التي أنزلها من السماء إلى أهل الأرض، على موسى، وعلى عيسى، وعلى محمد صلى الله عليهم جميعًا يقول: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ).
وأما الكافرون فيساقون إلى جهنم زمرًا، حيث يذوقون العذاب الأبدي، وحيث يذوقون شقاء الخلد بشؤم ذنوبهم، واستكبارهم على ربهم، وقد بلغ الوصف القرآني للنار وأحوالها ودركاتها وبلاء أهلها حدًا يخلع القلوب خلعًا، وفي القرآن الكريم آيات تفرد وصف الجنة، وآيات تفرد وصف النار، وفيه آيات تجمع ذكرهما معًا؛ ليوازن العاقل، ويقارن بين الصورتين، كما قال تعالى عقب الكلام عن النار والجنة، وهلاك المكذبين: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [ق: ٣٧].
ومنها على سبيل المثال:
قوله تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [محمد: ١٥].
ثم تأتي الصورة الأخرى المزعجة: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [محمد: ١٥].
لا يستويان أبدًا، يقول ربنا أيضًا: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [الحج: ١٩-٢٠].
يصهر: يصير صهارًا مذابًا (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [الحج: ٢١-٢٤].
والمقصود من هذه الأخبار والأوصاف: تشويق الناس إلى الجنة؛ ليعملوا بعمل أهلها هنا في الدنيا، ولتحذير الناس من النار؛ ليجتنبوا عملها وسوء حالها.
الخلود الأبدي:
أكد القرآن الكريم تأكيدًا قاطعًا أن الجنة والنار خالدتين أبدًا، لا فناء لهما، ولا انقطاع فيهما، ولا موت لأهلهما، وإنما هي حياة الأبد والخلود السرمدي، وقد ورد هذا في القرآن الكريم بأساليب كثيرة، أشهرها: أسلوب (الخلود الأبدي)؛ ذلك لأن معنى الخلود هو المكث الطويل، وكل ما يتباطأ عنه التغيير والفساد تصفه العرب بالخلود كقولهم للأثافي95: خوالد؛ وذلك لطول مكثها لا لدوام بقائها؛ ولذلك أكد الله تعالى خلود الجنة والنار بالأبدية، ليخرجه من المكث الطويل إلى البقاء الدائم؛ لأن معنى الأبد كما قال الراغب الأصفهاني: هو مدة الزمان الممتد الذي لا يتجزأ كما يتجزأ الزمان96.
وقد ورد تأكيد الجنة بالخلود الأبدي في ثماني آيات، والتاسعة بالمعنى في أول سورة الكهف: (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [الكهف: ٣]. والمكث هو الخلود؛ فلذلك تكون تسع آيات، قيد الخلود فيها بالأبدية، مثلًا يقول: أصحاب الجنة خالدين فيها أبدًا، وورد تأكيد خلود النار بالأبدية ثلاث مرات في القرآن: في آخر سورة النساء الآية ١٦٩، وفي آخر سورة الأحزاب الآية ١٦٥، وفي آخر سورة الجن الآية ٢٣، فهذه الآيات تقيد أيضًا أصحاب النار بكونهم خالدين فيها أبدًا، والمراد بأصحاب النار: أهلها الذين هم أهلها، يعني: الكفار والمشركين، الذين ماتوا ولم يتوبوا توبة نصوحًا، أما المسلمون العصاة من المؤمنين فهؤلاء إن دخلوا النار وعذبوا فالله يغفر لهم بعد ذلك، ويخرجون مآلًا إلى الجنة إن شاء الله.
فالمراد بالخلود الأبدي لأهل الجنة جميعًا من يدخل الجنة، فلا يموت أبدًا، ولا تفنى الجنة والنار، الخلود الأبدي لأهلها الذين هم أهلها كما جاء في الصحيح، هذا عدا الآيات الأخرى بغير هذا الأسلوب التي تؤكد أن أهل الجنة لا يخرجون منها أبدًا، وأن أهل النار لا يخرجون منها أبدًا مثل، قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [المائدة: ٣٧]. ففي الآية الكريمة نفي للخروج منها، وإثبات للعذاب الدائم، ويقول تعالى عن أهل الجنة: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [الحجر: ٤٨].
وفي هذا المعنى روى البخاري بسنده عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يؤتى بالموت كهيئة كبشٍ أملح، فينادي منادٍ: يا أهل الجنة، فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، وكلهم قد رآه، ثم ينادي: يا أهل النار، فيشرئبون وينظرون، فيقول: وهل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، وكلهم قد رآه، فيذبح ثم يقول: يا أهل الجنة خلودٌ فلا موت، ويا أهل النار خلودٌ فلا موت)97.
ولعل أجمع ما يبين نعيم الجنة: هو الحديث القدسي الشريف الذي رواه البخاري بسنده، عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تبارك وتعالى أعددت لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر)،ٍ قال أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [السجدة: ١٧]98.
سادسًا: الإيمان بالقدر:
الإيمان بالقدر: «هو الاعتقاد الجازم بأن الله سبق في علمه مقادير الخلائق -ويشمل ذلك ما يعمله العباد من خير وشر، وطاعة ومعصية، ومن هو من أهل الجنة، ومن من أهل النار- وقد كتب الله ذلك في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.
كما كتب لهم وعليهم ما تقتضيه حكمته من المقادير والأحوال التي يستحقونها على أعمالهم التي علم أنهم سيعملونها، وأراد إرادة كونية أن يقع ما علمه وكتبه لأجله الذي قدر له، وهو الذي يخلقه إذا حان الأجل، فهو الخالق لكل شيء بما في ذلك أفعال العباد، من الكفر والإيمان والطاعة والعصيان وغيرها»99.
وسوف أتناول الإيمان بالقدر في النقاط الآتية:
١. أدلة القرآن على القدر.
قال الله تعالى: (ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ) [القمر: ٤٩]. «أي: كل الأشياء عند الله سبحانه جارية على قدره الذي قد سبق وفرغ منه»100.
وقوله تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [الأحزاب: ٣٨].
وقوله تعالى: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [الفرقان: ٢]. أي: خلقنا كل شيء مقدرًا محكمًا مرتبًا على حسب ما اقتضته الحكمة، أو مقدرًا مكتوبًا في اللوح معلومًا قبل كونه، قد علمنا حاله وزمانه 101.
٢. مراتب القدر.
للقدر أربع مراتب دلت عليها النصوص102، وهي:
المرتبة الأولى: علم الله بكل شيء من الموجودات والمعدومات والممكنات والمستحيلات، وإحاطته بذلك علمًا، فعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون. وقد دل على ذلك قوله تعالى: (ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ) [الطلاق: ١٢].
المرتبة الثانية: كتابة الله تعالى لكل شيء مما هو كائن إلى قيام الساعة.
قال تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [الحج: ٧٠].
وقال تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [يس: ١٢].
المرتبة الثالثة: المشيئة فإن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
قال تعالى: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [يس: ٨٢].
وقال تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [التكوير: ٢٩].
المرتبة الرابعة: خلق الله تعالى للأشياء وإيجادها وقدرته الكاملة على ذلك، فهو سبحانه خالق لكل عامل وعمله، وكل متحرك وحركته، وكل ساكن وسكونه.
قال تعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [الزمر: ٦٢].
وقال تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [الصافات: ٩٦].
وروى البخاري في صحيحه من حديث عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان الله ولم يكن شيءٌ غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيءٍ، وخلق السموات والأرض)103.
فيجب الإيمان بهذه المراتب الأربع لتحقيق الإيمان بالقدر، ومن أنكر شيئًا منها لم يحقق الإيمان بالقدر.
٣. أنواع القدر.
القدر بمعناه العام نوعان: قدر تصريفي وقدر تكليفي، أو تكوين وتشريع، والقدر التكويني التصريفي لا خيار لأحد فيه، والخلائق جميعًا لا تملك معه إلا أن تصدع بأمر ربها وخالقها، كما قال تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [النحل: ٤٠]، ويقول ربنا: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [غافر: ٦٨].
أما القدر التشريعي التكليفي ففيه الخيار، وقد عرض على السماوات والأرض والجبال فأبين استصغارًا لا استكبارًا.
وحمله الإنسان اختيارًا حين خير؛ ليتم بذلك ما اقتضت حكمة الله تعالى من إيجاد جنسٍ من الخلائق يكلف اختيارًا، ويترتب على سلوكه نوعية الجزاء، ولو شاء الله عز وجل لكان الأمران جميعًا على سواء، فينقاد الإنسان له في التوحيد والشعائر، وسائر الشرائع كما ينقاد له في قوانين الوجود الأخرى التكوينية، كالحياة والموت، والأكل والشرب والتنفس وغير ذلك، ولكن الله تبارك وتعالى ترك للإرادة الإنسانية جزءًا من الاختيار، ليصح تعلق الثواب والعقاب بالفعل الإنساني.
ومن بديهيات العقيدة القرآنية: الإيمان بأن قدر الله كله مبني على غاية الحكمة والعلم المحيط، فكله حق ونعمة ورحمة، كما قال تعالى: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [المرسلات: ٢٣]، وذلك في القدر التكويني، وكما قال تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [المائدة: ٣].
وذلك في القدر التكليفي التشريعي، والإنسان حين يخضع الأمور لمقياسه المحدود، يقول: هذا خير وهذا شر، وما هذا إلا قياس بالمصلحة الشخصية، أو العلم المحدود الذي لا ينفذ وراء الأشياء ولا يستطيع، ومن هنا كان التسليم بالقدر الإلهي تسليمًا مطلقًا، هو من لب الاعتقاد وصريح الإيمان، يقينًا بالله تعالى، وثقة فيه، واتهامًا للنفس والرأي، ومعرفة بحدود الإنسان وضآلة علمه، وهذا ما ربى عليه القرآن المسلمين، فقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [البقرة: ٢١٦].
وقال تعالى في عشرة الأزواج: (ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [النساء: ١٩].
والآيتان الكريمتان تشملان القدر بنوعيه، بل هما واردتان أصلًا لبيان أحكام تشريعية: وهي فرضية القتال وعشرة الزوجات، والمنازعة في القدر التشريعي أكثر من المنازعة في القدر التصريفي؛ لأن القدر التصريفي ظاهر القهر والنفاذ، والقدر التشريعي جعله الله مجالًا للاختيار والاختبار، ومن ثم كثرت الوصية بالتسليم فيه لله تعالى، بل جعل الله تعالى تحكيم شرعه ورسوله والتسليم المطلق بهذا التحكيم التشريعي شرطًا للإيمان، كما قال تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [النساء: ٦٥].
فقد أقسم الله تعالى أن إيمان الناس لا يتحقق أو لا يكتمل إلا بالتحاكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالرضا والتسليم بقضائه المبني على شرع الله تعالى، كما جاء ذلك صريحًا في نفس السورة، قال تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [النساء: ١٠٥].
٤. الاحتجاج بالقدر.
الاحتجاج بالقدر كان يثيره الكفار فيقولون: (ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [النحل: ٣٥].
وغير ذلك من ألوان الاحتجاج بالباطل الذي رد عليه القرآن في مواضع كثيرة، ومن ذلك: قوله تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [الأنعام: ١٤٨].
والآية الكريمة إخبار بالغيب عن دعواهم الباطلة في الاحتجاج بالقدر، وهذا من دلائل صدق النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أخبرهم بما سيقولون مما علمه الله، فوقع الأمر كما قال تمامًا.
وقد رد الله تعالى عليهم بدليل التاريخ الذي وقع للسابقين ممن قالوا مثل دعواهم، ثم تحداهم أن يكون لديهم علم يثبت دعواهم؛ وأكد ذلك بكشف حقيقة دعواهم القائمة على الظن والتخمين، والمجردة من التثبت واليقين.
خامسًا: أمران هامان يجب مراعاتهما في الإيمان بالقدر:
الأول: يجب اليقين باستحالة الإحاطة بسر القدر الإلهي إحاطة كاملة؛ لأن هذا من خصائص العلم الإلهي الخالصة، والله تعالى يطلع من شاء من عباده على ما شاء من أسرار خلقه وغيبه، وهذا الاطلاع مهما عظم وامتد فهو ضئيل جدًا بجانب علم الله عز وجل، كما قال تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [البقرة: ٢٥٥].
ولقد كان موسى عليه السلام هو كليم الله، وعلمه الله تعالى ما شاء، ثم لقي الخضر وهو كما وصفه الله (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ)[الكهف: ٦٥].
(فلما ركبا في السفينة جاء عصفورٌ فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرةً أو نقرتين، قال له الخضر: يا موسى ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور بمنقاره من البحر) 104.
وفي ذلك دلالة على حكمة الله تعالى البالغة وراء الحوادث، وأن القدر الإلهي ليس عشوائيًا، وإنما يمضي على نظام وإتقان، وإن بدا للناس أحيانًا تحت وطأة النوازل أمرًا غريبًا مستنكرًا؛ لأنهم لم يحيطوا به خبرًا.
الأمر الثاني: لا سبيل في الأعمال الاختيارية إلى الاحتجاج بالقدر؛ لأن رب القدر هو الذي ترك لنا فيها الخيار ابتلاءً واختبارًًا، وكلفنا بناء على هذا، وأنزل الكتب، وأرسل الرسل، ولهذا أعد الآخرة ثوابًا وعقابًا، جزاء وفاقًا لهذا الجهد الإنساني الاختياري في طاعته، أو معصيته.
والاحتجاج بالقدر يبطل ذلك كله، فعلمنا يقينًا أن الإنسان حر مختار في هذا الباب، وأن الله عز شأنه لم يجبر أحدًا على الطاعة، وإنما أمر بها وشرع للناس سبيلها، ولم يرغم أحدًا على المعصية، وإنما نهى عنها وبين حدودها؛ ولذلك أبطل الله تبارك وتعالى حجة المشركين حين تذرعوا بالقدر، واحتجوا لضلالهم بمشيئة الاقتضاء أو الارتضاء، وذلك في قوله تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [الأنعام: ١٤٨] 105.
لهذا لا يصح للمسلم أن يحتج في ارتكاب المعصية، يقول هذا كتبه الله علي، أو الله قدر علي ذلك، أو أنا مرغم على ذلك، كل هذا باطل؛ لأن الله سبحانه بين لنا الطريق، وعلمنا ما لم نكن نعلم، وكان فضله علينا عظيمًا.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «إن القدر نؤمن به ولا نحتج به، فمن احتج بالقدر فحجته داحضة، ومن اعتذر بالقدر فعذره غير مقبول، ولو كان الاحتجاج بالقدر مقبولًا، لقبل من إبليس وغيره من العصاة، ولو كان القدر حجة للعباد؛ لم يعذب الله أحدًا من الخلق، لا في الدنيا ولا في الآخرة، ولو كان القدر حجة لم يقطع سارق، ولا قتل قاتل، ولا أقيم حد على جريمة، ولا جوهد في سبيل الله، ولا أمر بمعروف، ولا نهي عن منكر»106.
ورد في كتاب الله تعالى آيات استنبط منها العلماء أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بفعل الطاعات وينقص بارتكاب المحرمات.
قال تعالى: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [محمد: ١٧].
يقول تعالى ذكره: وأما الذين وفقهم الله لاتباع الحق، وشرح صدورهم للإيمان به وبرسوله من الذين استمعوا إليك يا محمد، فإن ما تلوته عليهم، وسمعوه منك زادهم الله بذلك إيمانًا إلى إيمانهم، وبيانًا لحقيقة ما جئتهم به من عند الله إلى البيان الذي كان عندهم107.
وقال تعالى: (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ)،[مريم: ٧٦]. أي: أنه يزيد المهتدين هداية من فضله عليهم ورحمته، والهدى يشمل العلم النافع، والعمل الصالح، فكل من سلك طريقًا في العلم والإيمان والعمل الصالح زاده الله منه، وسهله عليه ويسره له، ووهب له أمورًا أخر، لا تدخل تحت كسبه، وفي هذا دليل على زيادة الإيمان ونقصه، كما قاله السلف الصالح، ويدل عليه قوله تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ)[المدثر: ٣١]. (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ)[الأنفال: ٢].
ويدل عليه أيضًا الواقع، فإن الإيمان قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح، والمؤمنون متفاوتون في هذه الأمور أعظم تفاوت108.
وقال تعالى: (ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ) [الأحزاب: ٢٢]. أي صبرًا على البلاء، وتسليمًا للقضاء، وتصديقًا بتحقيق ما كان الله وعدهم ورسوله109.
وفي الآية «دليل على زيادة الإيمان وقوته بالنسبة إلى الناس وأحوالهم، كما قال جمهور الأئمة: إنه يزيد وينقص»110.
وقال تعالى: (ﯜ ﯝ) [الكهف: ١٣]، بأن ثبتناهم على ما كانوا عليه من الدين، وأظهرنا لهم مكنونات محاسنه111.
وقال تعالى: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [الأنفال: ٢].
في هذه الآية: دليل على أن الإيمان، يزيد وينقص، فيزيد بفعل الطاعة وينقص بضدها، وأنه ينبغي للعبد أن يتعاهد إيمانه وينميه، وأن أولى ما يحصل به ذلك تدبر كتاب الله تعالى والتأمل لمعانيه112.
وقال تعالى: (ﰀ ﰁ)[آل عمران: ١٧٣].
وفي الآية دليلٌ على أن الإيمان يتفاوت زيادةً ونقصانًا، قال: ابن عمر رضي الله عنهما قلنا: يا رسول الله: الإيمان يزيد وينقص؟ قال: (نعم يزيد حتى يدخل صاحبه الجنة وينقص حتى يدخل صاحبه النار)113.
قال ابن كثير رحمه الله: «هذه الآية من أكبر الدلائل على أن الإيمان يزيد وينقص، كما هو مذهب أكثر السلف والخلف من أئمة العلماء. بل قد حكى غير واحد الإجماع على ذلك»114.
ومن أقوال العلماء في زيادة الإيمان ونقصانه:
قيل لسفيان بن عيينة: الإيمان يزيد وينقص؟ قال: أليس تقرأون: (ﰀ ﰁ) [آل عمران: ١٧٣]. (ﯜ ﯝ) [الكهف: ١٣]. في غير موضع، قيل: فينقص؟ قال: ليس شيء يزيد إلا وهو ينقص115.
وقال ابن بطال رحمه الله: «مذهب جماعة أهل السنة من سلف الأمة وخلفها: أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص،.. ثم قال: فإيمان من لم تحصل له الزيادة ناقص»116.
وخلاصة القول: أن الإيمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي.
وتجدر الإشارة إلى أن نقصان الإيمان غير الإيمان القليل التي ذكره القرآن وصفًا لليهود، قال تعالى: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [النساء: ٤٦]. «أي: إلا إيمانًا قليلًا، وهو الإيمان ببعض الكتب دون بعض، وببعض الرسل دون بعض»117.
« قيل: أي: إلا إيمانًا قليلًا لا يعبأ به، وهو الإيمان ببعض الكتب والرسل، أو إلا زمانًا قليلًا وهو زمان الاحتضار فإنهم يؤمنون حين لا ينفعهم الإيمان»118.
وقال ابن الجوزي رحمه الله: «قوله تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) فيه قولان:
أحدهما: فلا يؤمن منهم إلا قليل، وهم عبد الله بن سلام، ومن تبعه، قاله ابن عباس.
والثاني: فلا يؤمنون إلا إيمانًا قليلًا، قاله قتادة، والزجاج. قال مقاتل: وهو اعتقادهم أن الله خلقهم ورزقهم»119.
والمعنى يسع هذه الأقوال؛ لأنها من باب التفسير بالمثال.
للإيمان تأثير بليغ في النفوس، فيحدث فيها تغيرًا كبيرًا.
وفي القرآن الكريم بعض النماذج التي تظهر تأثر النفس وتغييرها بعد الإيمان.
ومن تلك النماذج: سحرة فرعون.
فقد أخبرنا الله في القرآن الكريم عن قصة إيمان سحرة فرعون وأثر هذا الإيمان في ثباتهم واسترخاص أنفسهم في سبيل الله تعالى.
ويظهر هذا التأثير في النقاط الآتية:
أولًا: سحرة فرعون وتعلقهم بعطايا فرعون:
قال تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ)[الأعراف: ١١٣-١١٤]. أي أجمع لكم بين الأجر والمنزلة عندي والقرب مني، وسألوا استحقاق الأجر إدلال بخبرتهم وبالحاجة إليهم، إذ علموا أن فرعون شديد الحرص على أن يكونوا غالبين، وخافوا أن يسخرهم فرعون بدون أجر فشرطوا أجرهم من قبل الشروع في العمل ليقيدوه بوعده»120.
وهذا دأب المستبدين، تسخير العباد بمختلف طاقاتهم ومهاراتهم لحساب ذواتهم، دون أن يعطوهم من الأجر ما يستحقونه.
ثانيًا: سحرة فرعون وتعلقهم بعظمة فرعون:
قال تعالى (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ)[الشعراء: ٤٤].
ثالثًا: أثر الإيمان في نفوسهم:
وعندما من الله عليهم بالإيمان واليقين قالوا: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ)[طه: ٧٢].
قال ابن عاشور رحمه الله: «أظهروا استخفافهم بوعيده وبتعذيبه إذ أصبحوا أهل إيمان ويقين، وكذلك شأن المؤمنين بالرسل إذا أشرفت عليهم أنوار الرسالة، فسرعان ما يكون انقلابهم عن جهالة الكفر وقساوته إلى حكمة الإيمان وثباته»121.
وتعليقًا على هذا التحول العجيب: قال ابن عباس رضي الله عنهما: «أصبحوا سحرة وأمسوا شهداء»122.
ثمرات الإيمان في الدنيا والآخرة
جعل الله تعالى للإيمان ثمرات في الدنيا والآخرة؛ لتحفيز العباد على الثبات عليه، وتجديده باستمرار وزيادته بالطاعات، وسوف نتناول هذه الثمرات في المطالب الآتية:
أولًا: جزاء الإيمان في الدنيا:
١. الاستخلاف والتمكين في الأرض.
أخبر سبحانه وتعالى أنه وعد بالنصر الذين آمنوا وعملوا الأعمال الصالحة، بأن يورثهم أرض المشركين، ويجعلهم خلفاء فيها.
قال تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [النور: ٥٥].
عن أبي العالية عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه المدينة وآوتهم الأنصار، رمتهم العرب عن قوس واحدة، كانوا لا يبيتون إلا بالسلاح ولا يصبحون إلا فيه، فقالوا: ترون أنا نعيش حتى نكون آمنين مطمئنين لا نخاف إلا الله، فنزلت (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) إلى (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) يعني بالنعمة (ﮑ ﮒ ﮓ)123.
هذا وعد من الله تعالى لرسوله صلوات الله وسلامه عليه بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض، أي أئمة الناس والولاة عليهم، وبهم تصلح البلاد، وتخضع لهم العباد. وليبدلنهم من بعد خوفهم من الناس أمنًا وحكمًا فيهم، وقد فعله تبارك وتعالى، وله الحمد والمنة124، ولا يزال الأمر إلى قيام الساعة، مهما قاموا بالإيمان والعمل الصالح، فلا بد أن يوجد ما وعدهم الله، وإنما يسلط عليهم الكفار والمنافقين، ويديلهم في بعض الأحيان، بسبب إخلال المسلمين بالإيمان والعمل الصالح125.
قال سيد قطب رحمه الله: «أن الاستخلاف في الأرض قدرة على العمارة والإصلاح، لا على الهدم والإفساد، وقدرة على تحقيق العدل والطمأنينة، لا على الظلم والقهر، وقدرة على الارتفاع بالنفس البشرية والنظام البشري، لا على الانحدار بالفرد والجماعة إلى مدارج الحيوان! وهذا الاستخلاف هو الذي وعده الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وعدهم الله أن يستخلفهم في الأرض-كما استخلف المؤمنين الصالحين قبلهم-ليحققوا النهج الذي أراده الله، ويقرروا العدل الذي أراده الله، ويسيروا بالبشرية خطوات في طريق الكمال المقدر لها يوم أنشأها الله.. فأما الذين يملكون فيفسدون في الأرض، وينشرون فيها البغي والجور، وينحدرون بها إلى مدارج الحيوان.. فهؤلاء ليسوا مستخلفين في الأرض؛ إنما هم مبتلون بما هم فيه، أو مبتلى بهم غيرهم، ممن يسلطون عليهم لحكمة يقدرها الله.. وتمكين الدين يتم بتمكينه في القلوب، كما يتم بتمكينه في تصريف الحياة وتدبيرها»126.
«وإن الله تعالى إذا نبه عباده إلى أن الأرض يرثها عباده الصالحون، فإن معنى ذلك الصلاح أوسع من ركعات تؤدى، أو أيام تصام، إنه علم رحب الآفاق بكل شيء في مقدور البشر، وعدل محدود الرواق، لا يشقى معه ضعيف، ولا يقهر معه مظلوم، وأمان ضد الجوع والقلق، وطوارق اليوم والغد، وكفالة لحرية العقل والضمير، تنمو فيها المواهب وتتضح الملكات، وتكمل الشخصية، وتصان المرافق العامة والخاصة»127.
٢. الخيرية بين البشرية.
قال تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [البينة: ٧].
يقول تعالى ذكره: إن الذين آمنوا بالله ورسوله محمد، وعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء، وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، وأطاعوا الله فيما أمر ونهى، يقول: من فعل ذلك من الناس فهم خير البرية128، حكم قاطع لا جدال فيه ولا محال، ولكن شرطه كذلك واضح لا غموض فيه ولا احتيال: إنه الإيمان، لا مجرد مولد في أرض تدعى الإسلام، أو في بيت يقول: إنه من المسلمين، ولا بمجرد كلمات يتشدق بها الإنسان! إنه الإيمان الذي ينشيء آثاره في واقع الحياة، وليس هو الكلام الذي لا يتعدى الشفاه! والصالحات هي كل ما أمر الله بفعله من عبادة وخلق وعمل وتعامل. وفي أولها إقامة شريعة الله في الأرض، والحكم بين الناس بما شرع الله، فمن كانوا كذلك فهم خير البرية129.
٣. البركات من السماء و الأرض.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ)[الأعراف: ٩٦].
«أي: لوسعنا عليهم الخير ويسرناه لهم من كل جانب»130. وفي هذا دلالة على أن الله يجازي عباده الصالحين بطيب العيش.
«والبركات التي يعد الله بها الذين يؤمنون ويتقون، في توكيد ويقين، ألوان شتى لا يفصلها النص ولا يحددها، وإيحاء النص القرآني يصور الفيض الهابط من كل مكان، النابع من كل مكان، بلا تحديد ولا تفصيل ولا بيان، فهي البركات بكل أنواعها وألوانها، وبكل صورها وأشكالها، ما يعهده الناس وما يتخيلونه، وما لم يتهيأ لهم في واقع ولا خيال.
والذين يتصورون الإيمان بالله وتقواه مسألة تعبدية بحتة، لا صلة لها بواقع الناس في الأرض، لا يعرفون الإيمان ولا يعرفون الحياة، وما أجدرهم أن ينظروا هذه الصلة قائمة يشهد بها الله سبحانه وكفى بالله شهيدًا، ويحققها النظر بأسبابها التي يعرفها الناس131.
وهنا يثار تساؤل: لماذا نرى أممًا مسلمة مضيق عليهم في الرزق، ونرى أممًا لا يؤمنون موسعًا عليهم في الرزق والقوة والنفوذ ؟
قال سيد قطب رحمه الله: إن أولئك الذين يقولون: إنهم مسلمون، لا مؤمنون ولا متقون، إنهم لا يخلصون عبوديتهم لله، ولا يحققون في واقعهم شهادة أن لا إله إلا الله، إنهم يسلمون رقابهم لعبيد منهم، يتألهون عليهم، ويشرعون لهم - سواء القوانين أو القيم والتقاليد - وما أولئك بالمؤمنين، فالمؤمن لا يدع عبدًا من العبيد يتأله عليه، ولا يجعل عبدًا من العبيد ربه الذي يصرف حياته بشرعه وأمره، ويوم كان أسلاف هؤلاء الذين يزعمون الإيمان مسلمين حقًا. دانت لهم الدنيا، وفاضت عليهم بركات من السماء والأرض، وتحقق لهم وعد الله، فأما أولئك المفتوح عليهم في الرزق، فهذه هي السنة: (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ)[الأعراف: ٩٥].فهو الابتلاء بالنعمة، وهو أخطر من الابتلاء بالشدة، وفرق بينه وبين البركات التي يعدها الله من يؤمنون ويتقون، فالبركة قد تكون مع القليل إذا أحسن الانتفاع به، وكان معه الصلاح والأمن والرضى والارتياح، وكم من أمة غنية قوية ولكنها تعيش في شقوة، مهددة في أمنها مقطعة الأواصر بينها، يسود الناس فيها القلق وينتظرها الانحلال، فهي قوة بلا أمن، وهو متاع بلا رضى، وهي وفرة بلا صلاح، وهو حاضر زاه يترقبه مستقبل نكد، وهو الابتلاء الذي يعقبه النكال.
إن البركات الحاصلة مع الإيمان والتقوى، بركات في الأشياء، وبركات في النفوس وبركات في المشاعر، وبركات في طيبات الحياة، بركات تنمي الحياة وترفعها في آن وليست مجرد وفرة مع الشقوة والتردي والانحلال»132.
٤. الحياة الطيبة.
أخبر سبحانه وتعالى أنه من عمل عملًا صالحًا ذكرًا كان أم أنثى، وهو مؤمن بالله ورسوله، فلنحيينه في الدنيا حياة سعيدة مطمئنة، ولو كان قليل المال، ولنجزينهم في الآخرة ثوابهم بأحسن ما عملوا في الدنيا، قال تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [النحل: ٩٧].
هذا وعد من الله تعالى لمن عمل صالحًا وهو العمل المتابع لكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم من ذكر أو أنثى، من بني آدم وقلبه مؤمن بالله ورسوله، وإن هذا العمل المأمور به مشروع من عند الله بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا، وأن يجزيه بأحسن ما عمله في الدار الآخرة، والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت. وقد روي عن ابن عباس وجماعة أنهم فسروها بالرزق الحلال الطيب. وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه فسرها بالقناعة، وكذا قال ابن عباس وعكرمة ووهب بن منبه، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: أنها هي السعادة.
وقال الحسن ومجاهد وقتادة: لا يطيب لأحد حياة إلا في الجنة.
وقال الضحاك: هي الرزق الحلال والعبادة في الدنيا، وقال الضحاك أيضًا: هي العمل بالطاعة والانشراح بها، والصحيح أن الحياة الطيبة تشمل هذا كله133.
فالعمل الصالح مع الإيمان جزاؤه حياة طيبة في هذه الأرض، لا يهم أن تكون ناعمة رغدة ثرية بالمال، فقد تكون به، وقد لا يكون معها. وفي الحياة أشياء كثيرة غير المال الكثير تطيب بها الحياة في حدود الكفاية: فيها الاتصال بالله والثقة به والاطمئنان إلى رعايته وستره ورضاه، وفيها الصحة والهدوء والرضى والبركة، وسكن البيوت ومودات القلوب، وفيها الفرح بالعمل الصالح وآثاره في الضمير وآثاره في الحياة.. وليس المال إلا عنصرًا واحدًا يكفي منه القليل، حين يتصل القلب بما هو أعظم وأزكى وأبقى عند الله134.
وقال ابن القيم رحمه الله: «وهذه الحياة الطيبة تكون في الدور الثلاث، أعني: دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار القرار»135.
وفي الآية دليل على أن الجنسين: الذكر والأنثى متساويان في قاعدة العمل والجزاء، وفي صلتهما بالله، وفي جزائهما عند الله، و أن أحكام الإسلام يستوي فيها الذكور والنساء عدا ما خصصه الدين بأحد الصنفين.
٥. عدم الحرمان من ثواب العمل.
أخبر سبحانه وتعالى أنه يجازي أهل الإيمان والعمل الصالح بالأجر الجزيل غير المقطوع، وهذا الأجر يكون بأحسن ما عملوا، ويكون وافيًا تامًّا.
قال تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ)[الأنبياء: ٩٤].
«هذا هو قانون العمل والجزاء، لا جحود ولا كفران للعمل الصالح متى قام على قاعدة الإيمان، وهو مكتوب عند الله لا يضيع منه شيء ولا يغيب »136.
ووعد الله أهل الإيمان والعمل الصلاح بالثواب غير المقطوع، قال تعالى: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [فصلت: ٨].
قال السدي: نزلت هذه الآية في المرضى والزمنى، إذا عجزوا عن إكمال الطاعات كتب لهم من الأجر كأصح ما كانوا يعملون137.
بل وعدهم سبحانه بتوفية أجورهم والزيادة من فضله، قال تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [النساء: ١٧٣].
يعني جل ثناؤه بذلك: فأما المؤمنون المقرون بوحدانية الله، الخاضعون له بالطاعة، المتذللون له بالعبودية، والعاملون الصالحات من الأعمال، وذلك أن يردوا على ربهم، قد آمنوا به وبرسله، وعملوا بما أتاهم به رسله من عند ربهم، من فعل ما أمرهم به، واجتناب ما أمرهم باجتنابه فيؤتيهم جزاء أعمالهم الصالحة وافيًا تامًا، ويزيدهم على ما وعدهم من الجزاء على أعمالهم الصالحة والثواب عليها من الفضل والزيادة ما لم يعرفهم مبلغه ولم يحد لهم منتهاه. وذلك أن الله وعد من جاء من عباده المؤمنين بالحسنة الواحدة عشر أمثالها من الثواب والجزاء، فذلك هو أجر كل عامل على عمله الصالح من أهل الإيمان المحدود مبلغه، والزيادة على ذلك تفضل من الله عليهم، وإن كان كل ذلك من فضله على عباده، غير أن الذي وعد عباده المؤمنين أن يوفيهم فلا ينقصهم من الثواب على أعمالهم الصالحة، هو ما حد مبلغه من العشر، والزيادة على ذلك غير محدود مبلغها، فيزيد من شاء من خلقه على ذلك قدر ما يشاء، لا حد لقدره يوقف عليه138.
ويستفاد من الآية: أن أجر أهل الإيمان والعمل الصالح مستمر مدى الأوقات، متزايد على الساعات، مشتمل على جميع اللذات والمشتهيات، ودخل في ذلك كل ما في الجنة من المآكل والمشارب، والمناكح، والمناظر والسرور، ونعيم القلب والروح، ونعيم البدن، بل يدخل في ذلك كل خير ديني ودنيوي رتب على الإيمان والعمل الصالح.
٦. الأمن من الخوف والحزن.
أخبر سبحانه وتعالى أن الذين صدقوا الله ورسوله، وعملوا الأعمال الصالحة، وأدوا الصلاة كما أمر الله ورسوله، وأخرجوا زكاة أموالهم، لهم ثواب عظيم خاص بهم عند ربهم ورازقهم، ولا يلحقهم خوف في آخرتهم، ولا حزن على ما فاتهم من حظوظ دنياهم، قال تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [البقرة: ٢٧٧]. وعد سبحانه- الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة بالأجر العظيم، والرحمة والرضوان، والأمن يوم الفزع الأكبر.. ذلك لأنهم استقاموا على الصراط المستقيم، وجاءتهم الموعظة فاستمعوا إليها، وامتثلوا لها، وانتهوا عما نهوا عنه من منكرات كانوا يأتونها وهم جاهلون139.
من هدايات الآية: أنه سبحانه وتعالى خص الصلاة والزكاة بالذكر وقد تضمنهما عمل الصالحات تشريفًا لهما، وتنبيهًا على قدرهما، إذ هما رأس الأعمال، الصلاة في أعمال البدن، والزكاة في أعمال المال.
٧. الأمان من الظلم.
وقال تعالى: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [طه: ١١٢].
لا يخاف أن يظلم فيزاد في سيئاته، ولا أن يهضم من حسناته، ولا يخاف أن يظلم فيزاد من ذنب غيره، ولا يخاف أن يؤاخذ بما لم يعمل، ولا ينتقص من عمله الصالح، ولا يخاف أن لا يجزى بعمله، ولا أن ينقص من حقه140.
٨. المحبة في قلوب العباد.
قال سبحانه وتعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [مريم: ٩٦]. أي سيحدث لهم في القلوب مودةً من غير تعرضٍ منهم لأسبابها سوى ما لهم من الإيمان والعمل الصالح141.
روى مسلم بسنده عن عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله إذا أحب عبدًا دعا جبريل فقال: إني أحب فلانًا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانًا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبدًا دعا جبريل فيقول: إني أبغض فلانًا فأبغضه، قال: فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلانًا فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض)142.
٩. الهداية إلى الصراط المستقيم.
قال تعالى: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [يونس: ٩]، أي: بسبب ما معهم من الإيمان، يثيبهم الله أعظم الثواب، وهو الهداية، فيعلمهم ما ينفعهم، ويمن عليهم بالأعمال الناشئة عن الهداية، ويهديهم للنظر في آياته، ويهديهم في هذه الدار إلى الصراط المستقيم وفي الصراط المستقيم، وفي دار الجزاء إلى الصراط الموصل إلى جنات النعيم؛ ولهذا قال: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ)143.
١. صلاح البال.
قال تعالى: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [محمد: ٢].
يقول تعالى ذكره: والذين صدقوا الله وعملوا بطاعته، واتبعوا أمره ونهيه، وصدقوا بالكتاب الذي أنزل الله على محمد، محا الله عنهم بفعلهم ذلك سيئ ما عملوا من الأعمال، فلم يؤاخذهم به، ولم يعاقبهم عليه، وأصلح شأنهم وحالهم في الدنيا عند أوليائه، وفي الآخرة بأن أورثهم نعيم الأبد والخلود الدائم في جنانه144.
«وإصلاح البال نعمة كبرى تلي نعمة الإيمان في القدر والقيمة والأثر. والتعبير يلقي ظلال الطمأنينة والراحة والثقة والرضى والسلام، ومتى صلح البال، استقام الشعور والتفكير، واطمأن القلب والضمير، وارتاحت المشاعر والأعصاب، ورضيت النفس واستمتعت بالأمن والسلام»145.
ويستفاد من الآية: أن الإيمان والعمل الصالح أصل صلاح بال المؤمن، فلا يفكر إلا صالحًا، ولا يتدبر إلا ناجحًا، و لا يعمل إلا نافعًا.
١١. النجاة من الخسران.
قال تعالى: (ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [العصر: ٢-٣].
إن الإنسان لفي خسارة وهلاك إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فاستثنى من جنس الإنسان عن الخسران: الذين آمنوا بقلوبهم، وعملوا الصالحات بجوارحهم وتواصوا بالحق: وهو أداء الطاعات، وترك المحرمات وتواصوا بالصبر، أي: على المصائب والأقدار وأذى من يؤذي ممن يأمرونه بالمعروف وينهونه عن المنكر146.
والخسار مراتب متعددة متفاوتة:
«قد يكون خسارًا مطلقًا، كحال من خسر الدنيا والآخرة، وفاته النعيم، واستحق الجحيم.
وقد يكون خاسرًا من بعض الوجوه دون بعض، ولهذا عمم الله الخسار لكل إنسان، إلا من اتصف بأربع صفات:
الإيمان بما أمر الله بالإيمان به، ولا يكون الإيمان بدون العلم، فهو فرع عنه لا يتم إلا به.
والعمل الصالح، وهذا شامل لأفعال الخير كلها، الظاهرة والباطنة، المتعلقة بحق الله وحق عباده، الواجبة والمستحبة.
والتواصي بالحق، الذي هو الإيمان والعمل الصالح، أي: يوصي بعضهم بعضًا بذلك، ويحثه عليه، ويرغبه فيه.
والتواصي بالصبر على طاعة الله، وعن معصية الله، وعلى أقدار الله المؤلمة.
فبالأمرين الأولين، يكمل الإنسان نفسه، وبالأمرين الأخيرين يكمل غيره، وبتكميل الأمور الأربعة، يكون الإنسان قد سلم من الخسار، وفاز بالربح العظيم»147.
ويستفاد من الآية: أن الإنسان لا ينفك عن نوع خسران، وتفسيره: «أن كل ساعة تمر بالإنسان فإن كانت مصروفة إلى المعصية فلا شك في الخسران، وإن كانت مشغولة بالمباحات فالخسران أيضًا حاصل؛ لأنه كما ذهب لم يبق منه أثر، مع أنه كان متمكنًا من أن يعمل فيه عملًا يبقى أثره دائمًا، وإن كانت مشغولة بالطاعات فلا طاعة إلا ويمكن الإتيان بها، أو بغيرها على وجه أحسن من ذلك؛ لأن مراتب الخضوع والخشوع لله غير متناهية، فإن مراتب جلال الله وقهره غير متناهية، وكلما كان علم الإنسان بها أكثر كان خوفه منه تعالى أكثر، فكان تعظيمه عند الإتيان بالطاعات أتم وأكمل، وترك الأعلى والاقتصار بالأدنى نوع خسران»148.
ويستفاد أيضًا: أن الأمة إذا قامت بالصفات الأربع-الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر-قادت العالم الإنساني إلى الخيرية التي أخرجت من أجل تحقيقها كما كانت في سابق عهدها؛ لأنه لما ضعف في الأمة تحقيق هذه الصفات الأربع أصبحت في ذيل الأمم وتحقق الخسار للعالم أجمع، وكثرت رايات الباطل ومن يحملها، وقلت رايات الحق ومن يحملها.
ونحن على موعد لإرهاصات عهد جديد للأمة ترفع فيه رايات الحق وينضوي تحتها المحبون له المناضلون من أجله؛ لإسعاد الخلق به، وقيادتهم إلى الخير والهدى والصلاح والفلاح.
١٢. الإخراج من الظلمات إلى النور.
أخبر سبحانه وتعالى أنه يخرج عباده من الظلمات إلى النور، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [البقرة: ٢٥٧]. يخبر تعالى أنه يهدي من اتبع رضوانه سبل السلام، فيخرج عباده المؤمنين من ظلمات الكفر والشك والريب إلى نور الحق الواضح الجلي المبين السهل المنير149.
ويستفاد من الآية: أن الله يدفع عن المؤمنين كل مكروه بسبب إيمانهم، ويعينهم على ما فيه الخير والمصلحة لهم، في دينهم ودنياهم.
١٣. مجازاة المؤمنين بأحسن ما كان يعملون.
قال تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [النحل: ٩٧]. قيل: وإنما خص أحسن أعمالهم؛ لأن ما عداه وهو الحسن مباح، والجزاء إنما يكون على الطاعة، وقيل: المعنى: ولنجزينهم بجزاء أشرف وأوفر من عملهم، كقوله: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [الأنعام: ١٦٠].
أو لنجزينهم بحسب أحسن أفراد أعمالهم ، على معنى لنعطينهم بمقابلة الفرد الأدنى من أعمالهم المذكورة ما نعطيهم بمقابلة الفرد الأعلى منها من الجزاء الجزيل، لا أنا نعطي الأجر بحسب أفرادها المتفاوتة في مراتب الحسن بأن نجزي الحسن منها بالأجر الحسن، والأحسن بالأحسن150.
ويستفاد من الآية: أن الله يجزي أهل الإيمان والعمل الصالح الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة.
١٤. الامتناع عن الظلم.
أثنى الله على أهل الإيمان والعمل الصالح بأنهم لا يبغي بعضهم على بعض، بل ينتصفون من أنفسهم للحق، وهم قليل.
قال تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [ص٢٤]. أي: وإن كثيرًا من الشركاء في المال ليتعدى بعضهم على بعض، ويظلمه غير مراع لحقه إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فإنهم يتحامون ذلك، ولا يظلمون خليطًا ولا غيره، وقليل هم»151.
ويستفاد من الآية: أن الإيمان والعمل الصالح يمنع صاحبه من الظلم.
ثانيًا: جزاء الإيمان في الآخرة:
أخبر سبحانه وتعالى أن لأهل الإيمان والعمل الصالح الثواب العظيم في الآخرة و الذي منه:
١. تكفير السيئات وتبديلها حسنات.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) [العنكبوت: ٧].
قال القرطبي رحمه الله: «أي لنغطينها عنهم بالمغفرة لهم. ثم قيل: يحتمل أن تكفر عنهم كل معصية عملوها في الشرك ويثابوا على ما عملوا من حسنة في الإسلام، ويحتمل أن تكفر عنهم سيئاتهم في الكفر والإسلام، ويثابوا على حسناتهم في الكفر والإسلام»152.
وقال تعالى في تبديل السيئات حسنات: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [الفرقان: ٧٠]. في معنى قوله: يبدل الله سيئاتهم حسنات قولان:
أحدهما: أنهم بدلوا مكان عمل السيئات بعمل الحسنات.
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في الآية، قال: هم المؤمنون كانوا من قبل إيمانهم على السيئات، فرغب الله بهم عن ذلك، فحولهم إلى الحسنات، فأبدلهم مكان السيئات الحسنات، وقال عطاء بن أبي رباح: هذا في الدنيا، يكون الرجل على هيئة قبيحة ثم يبدله الله بها خيرًا.
وقال سعيد بن جبير: أبدلهم الله بعبادة الأوثان عبادة الرحمن، وأبدلهم بقتال المسلمين قتال المشركين، وأبدلهم بنكاح المشركات نكاح المؤمنات.
وقال الحسن البصري: «أبدلهم الله بالعمل السيئ العمل الصالح، وأبدلهم بالشرك إخلاصًا، وأبدلهم بالفجور إحصانا، وبالكفر إسلامًا»، وهذا قول أبي العالية وقتادة وجماعة آخرين.
والقول الثاني: أن تلك السيئات الماضية تنقلب بنفس التوبة النصوح حسنات، وما ذاك إلا لأنه كلما تذكر ما مضى ندم واسترجع واستغفر، فينقلب الذنب طاعة بهذا الاعتبار، فيوم القيامة وإن وجده مكتوبًا عليه، فإنه لا يضره وينقلب حسنة في صحيفته153،
وقد روى مسلم بسنده عن عبد الله قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم (إني لأعرف آخر أهل النار خروجًا من النار، رجلٌ يخرج منها زحفًا فيقال له: انطلق فادخل الجنة - قال - فيذهب فيدخل الجنة فيجد الناس قد أخذوا المنازل فيقال له: أتذكر الزمان الذى كنت فيه، فيقول: نعم. فيقال له تمن. فيتمنى: فيقال له: لك الذى تمنيت وعشرة أضعاف الدنيا - قال - فيقول أتسخر بى وأنت الملك؟!) قال: فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه 154.
٢. المغفرة.
وعد الله أهل الإيمان والعمل الصالح أن يغفر لهم ذنوبهم، وأن يثيبهم على ذلك الجنة، قال تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [المائدة: ٩].
هذه آية وعد للمؤمنين بستر الذنوب عليهم، وبالجنة فهي الأجر العظيم155.
ووعدهم سبحانه وتعالى بالرزق الحسن الذي لا ينقطع وهو الجنة، قال تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [الحج: ٥٠].
٣. الجنة و نعيمها.
وعد الله أهل الإيمان والعمل الصالح أن لهم أعلى الجنة وأفضلها منزلًا، قال تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [الكهف: ١٠٧].
وفي وصف الفردوس روى البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من آمن بالله وبرسوله وأقام الصلاة وصام رمضان كان حقًا على الله أن يدخله الجنة، جاهد في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها) فقالوا: يا رسول الله: أفلا نبشر الناس ؟قال: (إن في الجنة مائة درجةٍ أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة، أراه فوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة)156.
وقد بشر الله أهل الإيمان والعمل الصالح بالجنة وما فيها من أنواع النعيم، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [البقرة: ٢٥].
«فتأمل جلالة المبشر ومنزلته وصدقه، وعظمته وعظمة من أرسله إليك بهذه البشارة، وقد بشرك به، وضمنه لك، وجعله أسهل شيء عليك وأيسره، وجمع سبحانه في هذه البشارة بين نعيم البدن بالجنات، وما فيها من الأنهار والثمار، ونعيم النفس بالأزواج المطهرة، نعيم القلب، وقرة العين بمعرفة دوام هذا العيش أبد الآباد، وعدم انقطاعه»157.
وقوله تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ) عن ابن عباس رضي الله عنهما: لا يشبه شيء مما في الجنة ما في الدنيا إلا في الأسماء، وفي رواية: ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء158.
وأخبر سبحانه وتعالى أن من نعيم أهل الجنة: الأزواج المطهرة، وقد فسر مجاهد رحمه الله قوله: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [النساء: ٥٧].
قال: «طهورٌ من الحيض، والغائط، والبول، والبزاق، والنخامة، والمني، والولد» 159.
وقوله تعالى: (ﭵ ﭶ ﭷ)، هذا هو تمام السعادة فإنهم مع هذا النعيم في مقام أمين من الموت والانقطاع فلا آخر له ولا انقضاء؛ بل في نعيم سرمدي أبدي على الدوام160.
وقال سبحانه في موضع آخر: أنه سبحانه يدخل أهل الإيمان و العمل الصالح ظلًا كثيفًا ممتدًا في الجنة.
قال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [النساء: ٥٧].
الظل الظليل: الكثيف الذي لا يدخله ما يدخل ظل الدنيا من الحر والسموم ونحو ذلك، وقيل: هو مجموع ظل الأشجار والقصور، وقيل: الظل الظليل: هو الدائم الذي لا يزول161.
وقد وصف النبي ظل الشجرة فيما رواه الإمام مسلم عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن فى الجنة لشجرةً يسير الراكب فى ظلها مائة سنةٍ)162.
وأخبر سبحانه أنه عند دخول أهل الإيمان والعمل الصالح الجنة يُحَيَوْنَ بالسلام.
قال تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [إبراهيم: ٢٣].
قوله: (ﯮ) مصدر مضاف إلى الضمير، فجائز أن يكون الضمير للمفعول أي تحييهم الملائكة، وجائز أن يكون الضمير للفاعل، أي يحيي بعضهم بعضًا163.
وأخبر سبحانه وتعالى عن زينة أهل الإيمان والعمل الصالح في الجنة، فقال: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [الحج: ٢٣].
« يحلون فيها من الحلية من أساور من ذهب ولؤلؤًا أي: في أيديهم.
كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم بسنده عن أبي مالكٍ الأشجعي عن أبي حازمٍ قال: كنت خلف أبي هريرة وهو يتوضأ للصلاة، فكان يمد يده حتى تبلغ، إبطه فقلت له: يا أبا هريرة ما هذا الوضوء؟ فقال: يا بني فروخ، أنتم هاهنا لو علمت أنكم هاهنا ما توضأت هذا الوضوء، سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول: (تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء)»164.
وقال كعب الأحبار: إن في الجنة ملكًا لو شئت أن أسميه لسميته: يصوغ لأهل الجنة الحلي منذ خلقه الله إلى يوم القيامة ، لو أبرز قلب منها-أي سوار منها-لرد شعاع الشمس كما ترد الشمس نور القمر.
وقوله: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) في مقابلة ثياب أهل النار التي فصلت لهم، لباس هؤلاء من الحرير إستبرقه وسندسه، كما قال: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [الإنسان: ٢١-٢٢] »165.
وقد روى مسلم بسنده عن خليفة بن كعبٍ أبى ذبيان قال سمعت عبد الله بن الزبير يخطب، يقول: ألا لا تلبسوا نساءكم الحرير، فإنى سمعت عمر بن الخطاب يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تلبسوا الحرير فإنه من لبسه فى الدنيا لم يلبسه فى الآخرة)166.
وأخبر سبحانه وتعالى أنه: أعد لأهل الإيمان والعمل الصالح غرف وصفها سبحانه وتعالى في قوله: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [العنكبوت: ٥٨].
«أي: لنسكننهم منازل عالية في الجنة، تجري من تحتها الأنهار على اختلاف أصنافها من ماء وخمر وعسل ولبن، يصرفونها ويجرونها حيث شاؤوا، ماكثين فيها أبدًا لا يبغون عنها حولًا، نعمت هذه الغرف أجرًا على أعمال المؤمنين الذين صبروا أي على دينهم. وهاجروا إلى الله ونابذوا الأعداء، وفارقوا الأهل والأقرباء ابتغاء وجه الله ورجاء ما عنده، وتصديق موعوده»167.
وأخبر سبحانه وتعالى أن أهل الإيمان والعمل الصالح، يكرمون ويسرون وينعمون في الجنة.
قال تعالى: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [الروم: ١٥]».
الحبر، والحبور: السرور والغبطة، والرضوان.. والروضة: الجنة. أي أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات، لا يحزنهم هذا اليوم، ولا يضرهم التفرق، إذ كان مع كل مؤمن عمله، الذي يؤنسه، ويذهب وحشته، ويملأ قلبه طمأنينة وأمنًا، بما يرى من بشريات الإيمان والأعمال الصالحة، التي بين يديه168.
وذكر تعالى (الروضة)؛ لأنها من أحسن ما يعلم من بقاع الأرض، وهي حيث اكتمل النبت الأخضر وجن، وما كان منها في المرتفع من الأرض كان أحسن169.
والخلاصة: أن نعيم الجنة المعد لأهل الإيمان والعمل الصالح: ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
موضوعات ذات صلة: |
التوحيد، الشرك، القدر، الملائكة، النبوة |
1 أخرجه الحاكم، واللفظ له، في مستدركه، كتاب التفسير، باب تفسير سورة الأنبياء، رقم ٣٤٤٩، ٢/٤١٦، والطبراني في المعجم الكبير ١٢/١٥٣، رقم ١٢٧٣٩.
قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ولم يتعقبه الذهبي.
2 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥٣١ بتصرف.
3 انظر: الصحاح، الجوهري، ٥/٢٠٧١، القاموس المحيط، الفيروزآبادي، ص١٥١٨، لسان العرب، ابن منظور، ١٣/٢١، المفردات، الأصفهاني، ص ٩٠.
4 انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية ٧/٢٩١، الإيمان، حقيقته، خوارمه، نواقضه، عند أهل السنة والجماعة، عبد الله بن عبد الحميد، ص١٩، ٢١.
5 التوضيح والبيان لشجرة الإيمان، السعدي، ص٤١.
6 انظر: العقيدة الواسطية، ابن تيمية ص١٦١.
7 التوضيح والبيان لشجرة الإيمان، السعدي، ص٤١.
8 انظر: الإيمان، ابن تيمية، ص١٣٧.
9 انظر: المعجم المفهرس، محمد فؤاد عبد الباقي، ص ٨١، ٩٣.
10 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني، ص ٩١، الوجوه والنظائر، الدامغاني ص١١٠.
11 انظر: الصحاح، الجوهري، ٥/ ١٩٥٢، مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/ ٩٠.
12 انظر: ثلاثة الأصول، محمد بن عبد الوهاب ص١٤.
13 انظر: لسان العرب، ابن منظور، ١٣/١١٧.
14 التفسير المنير، الزحيلي، ١٤/ ٢١٢.
15 انظر: المعجم المفهرس، عبد الله جلغوم ١/ ١٨٢- ١٨٧.
16 يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر، الشرقاوي ص ٣٦.
17 مجموع الفتاوى ١/ ١٩٤.
18 تفسير التحرير والتنوير، ابن عاشور، ص ٣٨١٨.
19 العبادة في الإسلام، يوسف القرضاوي ص ٥٧ بتصرف يسير.
20 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ٦٢٢.
21 فتح القدير، الشوكاني ٤/ ٢١١.
22 انظر: تفسير أسماء الله الحسنى، الزجاج ص ٣٢.
23 جامع البيان، الطبري ٢٢/ ٥٥٢.
24 انظر: تفسير أسماء الله الحسنى، الزجاج ص ٣٢.
25 تفسير أسماء الله الحسنى، السعدي ٢٣٩.
26 انظر: تفسير أسماء الله الحسنى، الزجاج ص ٣٢.
27 أخرجه الحاكم في مستدركه، كتاب التفسير، باب سورة البقرة، رقم ٣١٣٤.
قال الحاكم: هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وتعقبه الذهبي في التلخيص فقال: منقطع.
28 المحرر الوجيز ١/ ٣٩١.
29 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/ ٥٧٢.
30 في ظلال القرآن ١/ ٣٤١.
31 أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان والإيمان بالقدر، رقم١٠٢.
32 المحرر الوجيز، ابن عطية، ١/ ٣٩١.
33 انظر: محاضرات في التفسير الموضوعي، عبدالستار فتح السعيد ص ٧٥، والمدخل في التفسير الموضوعي، له ص٩٩ .
34 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ٨١٦.
35 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/ ٢٨٢.
36 المدخل إلى التفسير الموضوعي، عبد الستار سعيد ٩٩/١٠٠.
37 أخرجه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل قراءة قل هو الله أحدٌ، رقم ٨١١.
39 محاضرات في التفسير الموضوعي، عبد الستار سعيد، ص ٨.
40 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الوحي، رقم٤.
41 المنهاج القرآني في التشريع، عبد الستار سعيد ص٣٣٠- ٣٣٣.
42 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٧٥٤.
43 أخرجه البخاري، كتاب التوحيد، بابٌ: إن لله مائة اسمٍ إلا واحدًا، رقم ٧٣٩٢.
44 انظر: المجتمع الإسلامي كما تنظمه سورة النساء، محمد المدني ص ٣٣ .
45 انظر: كتاب النبأ العظيم، محمد عبد الله دراز ص ٢١٧ .
46 محاضرات في التفسير الموضوعي، عبدالستار فتح الله سعيد ٦٨.
47 النبوات ص٢٥٧.
48 فتح الباري ٦/٣٠٦ .
وانظر: التعريفات، الجرجاني ص٢٢٩
49 المحرر الوجيز ١/ ٣٩١.
50 جامع البيان، الطبري ٧/ ٥٩٦.
51 انظر: فتح الباري، ٦/ ٢٣٤.
52 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزهد والرقائق، باب في أحاديث متفرقةٍ، رقم ٥٣١٤.
53 فتح القدير، ٣/ ٣٨٧.
54 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/ ٣٩٢.
55 جامع البيان، الطبري ١٩/ ٣٢٦.
56 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب ولقد رآه نزلةً أخرى، رقم ١٧٤.
57 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٥/ ١١٩.
58 المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/ ٤٩٥.
59 جامع البيان، الطبري ٢٤/ ٦٥.
60 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/ ٣١٥.
61 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٧٣٢.
62 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/ ٢٢.
63 إغاثة اللهفان، ابن القيم ٢/ ١٣٠.
64 فتح القدير، الشوكاني ٥/ ٣٩٦.
65 المحرر الوجيز ١/ ٣٩١.
66 جامع البيان، الطبري ٧/ ٥٩٤.
67 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٢/ ٢٤٢.
68 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ٢٠٩.
69 التفسير القرآني للقرآن ٢/ ٣٩٦.
70 في ظلال القرآن ٢/ ٩٠٢.
71 التحرير والتنوير ١٤/ ٢١.
72 منهج القرآن في الدعوة إلى الإيمان، علي بن ناصر فقيهي ص٣٠ .
73 جامع البيان، الطبري ١٩/ ٣٦١.
74 التحرير والتنوير ٦/ ٣٥.
75 المحرر الوجيز ٤/ ٣٧١.
76 في ظلال القرآن ٤/ ٢٤٦٤.
77 فتح القدير، الشوكاني ١/ ٦٢١.
78 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ٢١٤.
79 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١٠٩.
80 انظر: الفتاوى السعدية ص ١٦.
81 التفسير القرآني للقرآن ١٠/ ٢٠٨.
82 في ظلال القرآن ٥/ ٢٦٢٧.
83 العقائد الإسلامية، سيد سابق ص٢٦١- ٢٦٤.
84 أضواء البيان، الشنقيطي ٢/ ٣١٣.
85 في ظلال القرآن ٤/ ٢١٦٧.
86 المدخل إلى التفسير الموضوعي، عبد الستار فتح الله سعيد ص ٢٣٩.
87 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/ ٣١٩.
88 في ظلال القرآن ٦/ ٣٨١٨.
89 التحرير والتنوير ٣٠/ ٨١.
90 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ٧٢٩.
91 المصدر السابق.
92 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٩/ ١٩٣.
93 انظر: جامع البيان، الطبري ١٤/ ٥٢٣.
94 أخرجه الترمذي في سننه، كتاب التفسير، تفسير سورة (إذا زلزلت الأرض)، رقم ٢٤٢٩.
قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
وقال الشيخ الألباني: ضعيف الإسناد.
انظر: ضعيف الترمذي ١/ ٢٧٥.
95 الأثافي: هي جمع أثفية، وقد تخفف الياء في الجمع، وهي الحجارة التي تنصب وتجعل القدر عليها: انظر النهاية في غريب الأثر: ص٢٣.
96 المفردات، الراغب ص ٥٩.
97 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: (وأنذرهم يوم الحسرة)، ٤٧٣٠.
98 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: (فلا تعلم نفسٌ ما أخفي لهم من قرة أعينٍ)، رقم ٤٤٠٦.
99 رسائل العقيدة، ابن عثيمين ص٣٧، ٤٠
100 فتح القدير، الشوكاني ٣/ ٨٢.
101 الكشاف، الزمخشري ٤/ ٤٤١.
102 الإيمان في ضوء الكتاب والسنة، وزارة الأوقاف والدعوة والإرشاد بالسعودية ص ٢٤٧.
103 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في قول الله تعالى: (وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه)، رقم ٣١٩١.
104 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب حديث الخضر مع موسى عليهما السلام، رقم ٣١٤٩.
105 محاضرات في التفسير الموضوعي، عبدالستار السعيد ص٦٥.
106 دقائق التفسير، ابن تيمية ٢/ ٣٦٨.
107 جامع البيان، الطبري ٢١/ ٢٠٥.
108 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤٩٩.
109 جامع البيان، الطبري ١٩/ ٦٠.
110 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/ ٣٥١.
111 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٥/ ٢١٠.
112 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٣١٥.
113 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٢/ ١١٤.
114 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٢١٠.
115 أخرجه الآجري في الشريعة ص ١١٧.
116 شرح صحيح مسلم، النووي ١/١٤٦.
117 فتح القدير، الشوكاني ١/ ٥٤٨.
118 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٢/ ١٨٤.
119 زاد المسير ١/ ٤١٦.
120 تفسير التحرير والتنوير ١٩/ ١٢٦.
121 تفسير التحرير والتنوير ١٦/ ٢٦٦.
122 الدر المنثور، السيوطي ٣/ ٥١٣.
123 أخرجه الطبري ١٨/١٥٩ مرسلًا عن أبي العالية.
وانظر: الصحيح المسند من أسباب النزول، الوادعي ص ١٥٢.
124 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/ ٧١.
125 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٥٧٣.
126 في ظلال القرآن ٤/ ٢٥٢٩.
127 انظر: سر تأخر العرب والمسلمين، محمد الغزالي ص ١٢٣.
128 جامع البيان، الطبري ٢٤/ ٥٥٦.
129 في ظلال القرآن ٦/ ٣٩٥٣.
130 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٣/ ٢٥٣.
131 في ظلال القرآن، ٣/ ١٣٣٨.
132 في ظلال القرآن، ٣/١٣٣٩.
133 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/ ٥١٦.
134 في ظلال القرآن ٤/ ٢١٩٣.
135 مدارج السالكين: ٣/ ٢٤٣.
136 في ظلال القرآن ٥/ ١٧٢ .
137 المحرر الوجيز ٥/ ٥.
138 جامع البيان، الطبري ٧/ ٧١٠.
139 التفسير القرآني للقرآن ٢/ ٣٥٩.
140 زاد المسير، ابن الجوزي ٣/١٧٧.
141 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٥/ ٢٨٣.
142 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب إذا أحب الله عبدًا حببه إلى عباده، رقم ٢٦٣٧.
143 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٣٥٨.
144 جامع البيان، الطبري ٢١/ ١٨٠.
145 في ظلال القرآن ٦/ ٣٢٨١.
146 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/ ٤٥٧.
147 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٩٣٤.
148 مفاتيح الغيب، الرازي ٣٢/ ٢٨٠.
149 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/ ٥٢٤.
150 فتح القدير، الشوكاني ٣/ ٢٣٠.
151 المصدر السابق ٤/ ٤٨٩.
152 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٣/ ٣٢٨.
153 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/ ١١٦.
154 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب آخر أهل النار خروجًا، رقم ٤٨٠.
155 المحرر الوجيز ٢/ ١٦٦.
156 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب درجات المجاهدين في سبيل الله، رقم ٢٥٨١.
157 التفسير القيم، ابن القيم ١٣٢.
158 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/ ١١٤.
159 البعث والنشور، البيهقي ١/٢٠.
160 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/ ١١٤.
161 فتح القدير، الشوكاني ١/ ٥٥٤.
162 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب إن فى الجنة شجرةً يسير الراكب فى ظلها مائة عامٍ لا يقطعها، رقم٧٣١٤.
163 المحرر الوجيز ٣/ ٣٣٤.
164 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الطهارة، باب تبلغ الحلية حيث يبلغ الوضوء، رقم ٢٥٠.
165 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/ ٣٥٩.
166 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب اللباس والزينة، باب لا تشربوا في إناء الذهب والفضة ولا تلبسوا الديباج والحرير، رقم٣٨٥٠.
167 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/ ٢٦٢.
168 التفسير القرآني للقرآن ١١/ ٤٩١.
169 المحرر الوجيز ٤/ ٣٣٢.