عناصر الموضوع

مفهوم الأوثان

الأوثان في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

تاريخ وفلسفة

أشهر أصنام العرب

حجج عابدي الأوثان

محاورات الأنبياء عن عبادة الأوثان

صفات الأوثان في ضوء القرآن

مظاهر تقديس العرب للأصنام

عاقبة الأوثان وعابديها

الأوثان

مفهوم الأوثان

أولًا: المعنى اللغوي:

تدور مادة (وثن) في المعاجم على معنيين: الأول: الكثرة والاستزادة، والثاني: الدوام والثبوت، فمن الأول قول القائل: استوثن الرجل من المال: استكثر، واستوثن النحل: صارت فرقتين صغارًا وكبارًا، وأوثن زيدًا: أجزل عطيته1.

ومن الثاني عن صاحب الصحاح: «والواثن مثل الواتن، وهو الثابت الدائم»2.

و«الوثن التمثال يعبد، سواء أكان من خشب أم نحاس أم فضة أم غير ذلك، جمع أوثان ووثن، والوثني: من يتدين بعبادة الوثن، يقال: رجل وثني، وقوم وثنيون، وامرأة وثنية، ونساء وثنيات، والوثنية مذهب عبدة الأوثان»3.

ولعل وجه اتصال لفظ (الوثن) بأصل مادته اللغوي ظاهر في كثرة عدد وأنواع الأوثان التي عبدتها العرب، أما «الدوام والثبوت» فظاهر أيضًا في أن الوثن دائم في مكان ما ومستقر فيه.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

من خلال ما سبق يتضح أن الوثن واحد الأوثان، ويدور في وضعه اللغوي حول المعنيين السابقين، أما في الاصطلاح فليس في مظان التعاريف الاصطلاحية ما يروي الغليل، ويوضح المقصود، لذا لابد من استنباط تعريف من خلال ما مضى، يكون مناسبًا في هذا الصدد، فالوثن في الاصطلاح يعني: «كل معبود اتخذه المشركون إلهًا من دون الله، حجرًا كان، أو شجرًا، أو معدنًا»، ولعل هذا التعريف يوضح المراد، والله أعلم.

فالعلاقة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي: وثيقة جدًا فالأوثان متعددة وكثيرة من ناحية العدد، وثابتة - غالبًا - من ناحية المكان؛ إذ قلما تنقل من مكان لآخر.

الأوثان في الاستعمال القرآني

وردت الأوثان في القرآن الكريم (٣) مرات فقط 4.

والصيغ التي وردت هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

اسم جمع

٣

( ) [الحج:٣٠]

وقد أطلق القرآن الوثن على: ما كان له جثة من خشب أو ذهب أو فضة أو غير ذلك، ينحت وينصب فيعبد من دون الله5.

الألفاظ ذات الصلة

الأصنام:

الأصنام لغة:

واحدها: أصنام، وهو ما وينحت من خشب، ويصاغ من فضة ونحاس، فالجمع أصنام، وهو ما اتخذ إلهًا من دون الله6.

الأصنام اصطلاحًا:

هي كل ما يعبد من دون الله.

الصلة بين الأوثان والأصنام:

هناك من لم يفرق بينهما فاعتبرهما واحدًا7، وهناك من فرق، ومنهم ابن الأثير حيث قال: «الفرق بين الوثن والصنم: أن الوثن كل ما له جثة معمولة من جواهر الأرض أو من الخشب أو الحجارة، كصورة الآدمي تعمل، وتنصب فتعبد، والصنم: الصورة بلا جثة»8.

الأنصاب:

الأنصاب لغة:

«النُصُب: ما ينصب ليعبد من دون الله، أو ليذبح عنده الذبائح تقربًا إليه أو إلى الأصنام»9.

الأنصاب اصطلاحًا:

قال الكفوي: «الأنصاب أي: الأصنام التي نصبت للعبادة»10.

الصلة بين الأوثان والأنصاب:

الأوثان تشمل كل ما يعبد من دون الله، أما الأنصاب فهي الحجارة التي ليست لها صورة معينة، كان يعبدها الجاهليون من دون الله تعالى لذبحهم القرابين عندها، وبهذا يظهر الفرق بينها وبين الأوثان.

الأزلام:

الأزلام لغة:

الأزلام: جمع زلم، والزلم: القدح لا ريش عليه، و«زلم» بالفتح أو «زلم» بالضم، والزلم والقلم واحد، وقلمه إذا قطعه، يقال: زلم أذنه وأنفه زلمًا: أي: قطعهما11.

الأزلام اصطلاحًا:

والأزلام هي القداح أو السهام التي جعلت للاستقسام12، وإنما سميت القداح بالأزلام؛ لأنها زلمت، أي: سويت، وقيل: حصًى بيضٌ كانوا يضربون بها، وكانت العرب تستقسم بها عند الأصنام، والاستقسام طلب القسم، أي: معرفة ما يقسم للإنسان ويقدر13.

الصلة بين الأوثان والأزلام:

الفرق بينهما واضح، فالأوثان ما يعبد من دون الله، أما الأزلام فهي القداح التي تستخدم في الجاهلية لمعرفة ما يقسم للإنسان.

التماثيل:

التماثيل لغة:

جمع تمثال، والتمثال: الصورة، ومثل له الشيء: صوره حتى كأنه ينظر إليه، يقال: مثلت، بالتثقيل والتخفيف، إذا صورت مثالًا، والتمثال: الاسم منه14.

التماثيل اصطلاحًا:

أصل التمثال الشيء المصنوع مشابهًا لشيء من مخلوقات الله سبحانه، يقال: مثلت الشيء بالشيء إذا جعلته مشابهًا له15.

الصلة بين الأوثان والتماثيل:

التماثيل هي الأجسام المصورة على هيئة إنسان أو حيوان أو طائر أو كائن ما، عبد هذا المـصور أو لم يعبد، أما الأوثان فغالبًا تعبد من دون الله تعالى .

تاريخ وفلسفة

سيطوف بنا البحث في أسطره التالية بتأريخ موجز لعبادة الأوثان وبداية ظهورها، وانتقالها إلى العرب، وهذا فيما يلي:

أولًا: بدء عبادة المجسمات لدى الأمم:

يكاد يكون من المشتهر تاريخيًا أن عبادة الأصنام ظهرت أول ما ظهرت على أيدي قوم سيدنا نوح عليه السلام، وعن طريقهم انتشرت عبادتها في بقية أرجاء المعمورة، وتابعهم على ذلك من جاء بعدهم، لكن حقيقة الأمر بخلاف ذلك، فمن خلال البحث والدراسة تبين أن مبدأ ظهور الأصنام على الساحة كان بعد زمن سيدنا آدم عليه السلام.

وفي ذلك يقول الإمام الفخر الرازي: «اعلم أنه لا دين أقدم من دين عبدة الأصنام، والدليل عليه أن أقدم الأنبياء الذين وصل إلينا تاريخهم على سبيل التفصيل هو نوح عليه السلام، وهو إنما جاء بالرد على عبدة الأصنام، كما حكى الله عنه ذلك... وذلك ليدل على أن دين عبدة الأصنام قد كان موجودًا قبل نوح عليه السلام » 16.

وهذا كلام يؤيده ما ذكره نسابة العرب «هشام بن محمد الكلبي» حيث يروي قصة ظهور الأصنام بعد آدم عليه السلام مباشرة فيقول: «أول ما عبدت الأصنام أن آدم عليه السلام لما مات جعله بنو شيث بن آدم في مغارة في الجبل الذي أهبط عليه آدم بأرض الهند، ويقال للجبل: «نوذ»، وهو أخصب جبل في الأرض..

ثم ذكر قولًا عن ابن عباس رضي الله عنهما يقول فيه: « وكان بنو شيث يأتون جسد آدم في المغارة فيعظمونه، ويترحمون عليه، فقال رجل من بني قابيل بن آدم: يا بني قابيل! إن لبني شيث دوارًا17 يدورون حوله ويعظمونه، وليس لكم شيء، فنحت لهم صنمًا، فكان أول من عملها...» .

ثم يقول هشام: أخبرني أبي قال: كان ود، وسواعٌ، ويغوث، ويعوق، ونسر قومًا صالحين، ماتوا في شهر فجزع عليهم ذوو أقاربهم، فقال رجل من بني قابيل: يا قوم هل لكم أن أعمل لكم خمسة أصنام على صورهم، غير أني لا أقدر أن أجعل فيها أرواحًا؟ قالوا: نعم!! فنحت لهم خمسة أصنام على صورهم ونصبها لهم، فكان الرجل يأتي أخاه وعمه، وابن عمه فيعظمه ويسعى حوله، حتى ذهب ذلك القرن الأول، ثم جاء قرن آخر فعظموهم أشد من تعظيم القرن الأول، ثم جاء من بعدهم القرن الثالث فقالوا: ما عظم أولونا هؤلاء18 إلا وهم يرجون شفاعتهم عند الله، فعبدوهم وعظم أمرهم، واشتد كفرهم، فبعث الله إليهم إدريس عليه السلام نبيًا فدعاهم فكذبوه، فرفعه الله إليه مكانًا عليًا، ولم يزل أمرهم يشتد حتى أدرك نوحٌ عليه السلام فبعثه الله نبيًا» 19.

يتضح لنا من خلال ما سبق مبدأ ظهور عبادة الأوثان، وأنها قديمة من بعد زمن آدم عليه السلام.

ويكاد العلماء أن يجمعوا على أن أول من أدخل الأصنام في الجزيرة العربية هو «عمرو بن لحي الخزاعي».

لكن اختلفوا فيما بينهم في تحديد السبب الباعث لهذا الرجل على إدخال الأصنام الجزيرة، فمن قائل: إن عمرو بن لحي كان له رئيٌ20 من الجن، فأمره أن يذهب بالأصنام إلى العرب في وقت حجهم البيت ليعبدوها ففعل21، ومن قائل: إن عمرًا مرض مرضًا شديدًا، فقيل له: إن بالبلقاء من الشام حمة22 إن أتيتها برأت، فأتاها فاستحم بها فبرأ، ووجد أهلها يعبدون الأصنام، فقال: ما هذه؟ فقالوا: نستسقي بها المطر، ونستنصر بها على العدو، فسألهم أن يعطوه منها، ففعلوا، فقدم بها مكة ونصبها حول الكعبة23، وقيل: غير ذلك24.

وفي الصحيح: (أن عمرو بن لحي هو أول من سيب السوائب25، ووصل الوصيلة26..) إلخ.

فهو أول من أدخل الأصنام شبه الجزيرة.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (رأيت عمرو بن عامر بن لحي الخزاعي يجر قصبه27 في النار، وكان أول من سيب السوائب) 28.

والحديث رتب هذا العذاب الشديد في النار، لكون عمرو هو أول من أدخل الأصنام شبه الجزيرة، ولكونه باء بإثم العرب أجمعين لمَا تسبب في الشرك، وبذر بذوره الأولى، والله أعلم.

أشهر أصنام العرب

عبدت العرب أصنامًا كثيرة، حتى لقد كان لكل دار من دور مكة صنم تعبده، ناهيك عن الأصنام التي يعبدونها في أسفارهم، وفي الأمكنة التي يحلون بها، فإذا ارتحلوا تركوها خلف ظهورهم ومضوا لحالهم، ومن ثم تعددت الأصنام بتعدد القبائل، بل بتعدد الدور والأسفار والأشخاص...

لكن البحث لا يتطرق لها كلها، بل يكتفي بالتعريف بأشهرها، والتي ذكرها الله تعالى، وستعرض في عجالة؛ خشية الملل والإطالة.

١. هُبَل.

كبير آلهة العرب، يحج إليه الناس من كل فج عميق، ولفظ «هبل» مشتق من لفظ أرامي.

معناه : الروح29.

يذكر ابن الكلبي أن «أول من نصبه خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، وكان يقال له: هبل خزيمة» 30.

لكن أبا الوليد الأزرقي يذكر عن ابن إسحاق: أن أول من نصبه هو عمرو بن لحي فيقول: «البئر التي كانت في جوف الكعبة كانت على يمين من دخلها، وكان عمقها ثلاثة أذرع، يقال: إن إبراهيم وإسماعيل حفراها ليكون فيها ما يهدى للكعبة، فلم تزل كذلك حتى كان عمرو بن لحي، فقدم بصنم يقال له: «هبل» من «هيت» من أرض الجزيرة، وكان هبل من أعظم أصنام قريش عندها، فنصبه على البئر في بطن الكعبة، وأمر الناس بعبادته»31، وكان هبل من عقيق32 أحمر، على صورة إنسان مكسور اليد اليمنى، أدركته قريش كذلك، فجعلوا له يدًا من ذهب33، وكانوا يضربون بالقداح34 عنده، يستقرئون بها الأمور المغيبة كما يزعمون35، ومثل ذلك فعل عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم حين أراد أن يذبح ابنه وفاء لنذره الذي نذر، والقصة مشهورة 36.

ولعله اتضح لنا بعض ما كان يفعله أهل الجاهلية من أمور تنم عن جهل وبعد عن الحق، حيث كانوا يستقرئون الغيب من حجارة صماء، لا تملك من أمر نفسها شيئًا.

٢. اللَات.

كان هذا الصنم من أعظم أصنام قريش أيضًا، حيث كانوا يتقربون إليه بالقرابين والذبائح، وهو أحد الأصنام المذكورة في القرآن في قوله تعالى: ( ) [النجم: ١٩].

وفي أصل اشتقاق لفظ «اللات» يقول الإمام الطبري: «اشتقاقه من الله، ألحقت فيه التاء فأنثت، كما قيل: عمرو للذكر، وللأنثى عمرة، وعباس وعباسة، فكذلك سمى المشركون أوثانهم بأسماء الله -تعالى ذكره-، وتقدست أسماؤه فقالوا: من الله اللات، ومن العزيز العزى، وزعموا أنهن بنات الله، تعالى الله عما يقولون وافتروا علوًا كبيرًا» 37.

وذكر ياقوت الحموي رأيًا آخر في أصل اشتقاق اللفظ، فيقول: «يجوز أن يكون من لاته يليته، إذا صرفه عن الشيء، كأنهم يريدون أن يصرف عنهم الشر... » 38.

وأيًا ما كان الأمر فالمراد أن: المشركين نسبوا إلى الله ما هو منه براء، وأوغلوا فـي الافتراء حين نسبوا إليه الأنثى وجعلوا لهم الذكر.

هذا وإن المؤرخين وكتاب السير يكادون أن يجمعوا على أن أصل عبادة اللات تعود إلى «أن رجلًا يهوديًا ممن مضى كان يقعد على صخرة لثقيف، يبيع السمن للحجيج إذا مروا فيلت سويقهم39، وكان ذا غنم، فسميت: صخرة اللات، فلما مات، قال لهم عمرو بن لحي: إن ربكم كان اللات، فدخل في جوف الصخرة» 40، وعندئذ عبدوها واتخذوها إلهًا من دون الله تعالى .

ومن تعظيم العرب لهذا الصنم أنهم كانوا دائمًا يقسمون به في أيمانهم، بالإضافة إلى صنم «العزى» فيقول أحدهم: «واللات والعزى لأفعلن كذا وكذا.. إلخ».

ويروى عن بعضهم أنه كان يقسم باللات والعزى فقال41:

وباللات والعزى ومن دان دينها

وبالله، إن الله منهن أكبر

أرأيت معي كيف ضلت العرب ردحًا من الزمان بتعبدهم لهذه الأصنام وتقربهم إليها، حتى امتن الله عليهم وعلينا بنعمة الإسلام، وأعظم بها من نعمة.

٣. العزى.

ومن الأصنام التي كانت العرب تعظمها صنم «العزى»، وهي تأنيث الأعــز أو العزيز، ومن تعظيم العرب لها أنهم كانوا يسمون أبناءهم بها، فسموا عبد العزى42، وهذا أمر شهير عنهم.

قيل: إن أول من دعا إلى عبادتها هو عمرو بن لحي والحارث بن كعب43.

وعلى كلٍ فالمقصود أن العرب عبدت العزى من دون الله، ولا يؤثر في ذلك تحديد أول من دعا إلى عبادتها.

هذا وقد اختلف العلماء في تحديد ماهية صنم العزى ووصفه:

فعن مجاهد قال: «العزى شجيرات»44.

ووافقه أبو الوليد الأزرقي حيث يقول: «كان العزى ثلاث شجرات بنخلة»45.

وقال الطبري: «قال آخرون: كانت العزى حجرًا أبيض»46.

ووافقهم ابن الكلبي في ذلك47.

وحكى الطبري رأيًا ثالثًا فيقول: «قال آخرون: كان بيتًا بالطائف تعبده ثقيف»48.

ولقد جمع بين هذه الآراء أحد المعاصرين فقال: «والرأي المعقول المقبول هو أن العزى صنم، له بيت، وأمامه غبغب، أي: خزانة- يضع فيها العباد المؤمنون بالعزى هداياهم ونذورهم لها، أما الشجيرات الثلاث فإنها شجيرات مقدسة أيضًا ؛ لأنها في حرم العزى، وشجر الحرم شجر مقدس لا يجوز قطعه؛ ولذلك كان أهـل مكة يتجنبون مس شجر الحرم بسوء، ويحذرون من أراد ذلك بسوء العاقبة»49.

وبهذا يتم الجمع بين الآراء جميعها، ويتضح أن «العزى» هي مجموع ذلك كله، والله أعلم.

٤. مناة.

حظي صنم «مناة» هو الآخر بمثل ما حظيت به اللات والعزى من عبادة قريش، وتعظيمهم وتقديسهم إياه «وكانت العرب جميعًا تعظمه، وتذبح حوله، وكانت الأوس والخزرج ومن ينزل المدينة ومكة وما قاربهما من المواضع يعظمونه ويذبحون له ويهدون، ولم يكن أحد أشد إعظامًا له من الأوس والخزرج، وكان منصوبًا على ساحل البحر من ناحية «المشلل» بقديد بين مكة والمدينة» 50.

هذا ولم يذكر أحد من العلماء سر جعل هذا الصنم على ساحل البحر دون بقية الأصنام، إلا ما ذكره بعض المعاصرين من «أن العرب كانت تذبح الذبائح عند مناة، وكانوا يفعلون ذلك ليستمطروا عندها الأنواء تبركًا بها، ويتبين من ذلك أن هذا الموضع كان مقدسًا، وقد خصص بإله ينشر السحب، ويرسل الرياح فتأتي بالأمطار لتغيث الناس، وإن لهذا الإله صلة بالبحر وبالماء، ولذلك أقيم معبده على ساحل البحر» 51، ولأنهم كانوا يذبحون عندها الذبائح استنزالًا للمطر، قال بعض العلماء: «إنما سميت مناة؛ لأن دماء النسائك كانت تمني عندها، أي: تراق»52 ومن شدة تعظيم العرب لهذا الصنم أنهم ما كانوا يميلون، وينحرفون عن طريقهم إذا ساروا من جانبه حتى لا يستدبروه، أو يكون خلف ظهورهم إعظامًا وتقديسًا له.

وهكذا ضل العرب جميعًا بعبادة هذه الأحجار وتقديسها، وأفنوا أعمارهم هباء في تعظيمها، ولقد عبدت العرب أصنامًا كثيرة غير هذه الأربعة، إلا أنها لم تحظ بالشهرة الواسعة مثل ما حظيت به هذه الأربعة، أمثال «ود، وسواع، ويغوث، ويعوق وغيرها» إلا أني اكتفيت بأكثرها شهرة وذيوعًا، وأضربت عن غيرها صفحًا تحاشيًا للإطالة.

حجج عابدي الأوثان

عبد المشركون الأوثان من دون الله تعالى، واحتجوا في عبادتهم هذه بعدة حجج وأسباب، تطرق البحث لبعضها فيما سبق، ويتطرق البحث هنا للبعض الآخر مستشهدًا عليه ببعض الآي التي ورد فيها، وهي كما يلي:

أولًا: تلبيس إبليس عليهم:

لا شك أن إبليس عليه اللعنة أصل كل شر، وأساس كل معصية وضلال، والمشركون نالوا من إضلاله وإغوائه أكبر حظ، وأوفر نصيب، فزين لهم الشيطان أعمالهم في عبادتهم الأوثان، وهذا السبب هو أصل لما بعده من أسباب عبادة الأصنام، من تقليد للآباء، وابتغائهم العزة في عبادتها، وجلب المحبة والخصب والرزق... ونحو ذلك من أسباب وأوهام، ومن ثم فلن أقف معه طويلًا، بل أشير فقط إلى مجمل الآيات.

وذلك مثل قوله تعالى: ( ﮧﮨ ﯚﯛ ﯩﯪ ) [النساء: ١١٧-١٢٠].

وقوله تعالى: ( ﭱﭲ ) [المائدة: ٩٠-٩١].

وقوله تعالى: ( ﮒﮓ ) [مريم: ٤٤].

وقال الله تعالى: ( ) [سبأ: ٢٠]...

والآيات كثيرة، وهي في مجملها تفيد أن الشيطان للإنسان بالمرصاد، يأمره بكل شر، من خمر وميسر وأنصاب وأزلام،... ويصده عن كل خير وطاعة لله تعالى، من توحيد وصلاة وذكر... وكل قربى لله رب العالمين، ولذلك فإنه يتوعد البشر ويمنيهم الأماني الفارغة، ولا شك أنها أمانٍ باطلة كاذبة، لكن لا يعلم البشر بكونها كذلك إلا في الآخرة بعد فوات وقت التنبه والإدراك.

ولا أدل على ذلك من ذكر الله تعالى في الآيات السابقة بعضًا من الأفعال القبيحة، ثم وصفها بقوله ( )، ويفسر الإمام الطبري هذه الآية فيقول: « ()، أي: إثم ونتنٌ سخطه الله، وكرهه لكم ( ).

يقول: شربكم الخمر، وقماركم على الجزر، وذبحكم للأنصاب، واستقسامكم بالأزلام، من تزيين الشيطان لكم، ودعائه إياكم إليه، وتحسينه لكم، لا من الأعمال التي ندبكم إليها ربكم، ولا مما يرضاه لكم، بل هو مما يسخطه لكم () يقول: فاتركوه وارفضوه ولا تعملوه ( )، أي: لكي تنجحوا فتدركوا الفلاح عند ربكم بترككم ذلك»53.

كما تفيد الآيات أيضًا أن: إبليس تحقق ظنه على الناس -وبخاصة المشركون- حين تأثروا بوسوسته، وبادروا إلى العمل بما دعاهم إليه من الإشراك والكفران، وتقديم القرابين والنذور للآلهة من دون الله تعالى .

هذا والملاحظ على الآيات المباركات أمور:

الأول: أن ورود التعبير عن الوسواس هنا بتعبيرين: «الشيطان» و«إبليس»، يلحظ فيه معنيان، معنى «البعد عن كل خير وهدى»، وهذا مستفاد من الفعل« شطن» أصل كلمة «شيطان»، أما لو كان من «شاط أو شيط» أي: احترق، فهو أيضًا كذلك؛ لأنه يحترق غضبًا؛ حيث إنه مخلوق من نار54.

كما أنه يلحظ من التعبير بإبليس معنى «الإبلاس» وهو«الحزن الشديد المعترض من شدة اليأس» 55، فأبليس -عليه اللعنة- آيس ومطرود من رحمة الله تعالى، ولو لم يكن فيه إلا هذان الوصفان لكان كافيًا في البعد عنه، والتحذير من شره ووسوسته.

الثاني: ورود التعبير في التحذير من عداوة الشيطان في بعض الآيات بالفعل المضارع ( ﯩﯪ) للدلالة على تجدد هذا بالنسبة للشيطان مع أوليائه، فهو لا ييأس أبدًا، فيغير من أساليبه، وينوع من طرق إغوائه، حتى يصل إلى مقصوده من إضلال الناس، وإيقاعهم في الشرك والمعاصي، نسأل الله تعالى العفو والعافية.

الثالث: التعبير بالاسم في وصف عصيان الشيطان، في مثل قوله تعالى: ( ) [مريم: ٤٤].

يدل على دوام واستمرار عصيانه لربه سبحانه، ومن ثم فلن يرجى منه خير ألبتة، وعليه فينبغي الحذر منه غاية الحذر، حيث إنه العدو الألد لبني البشر جميعًا.

ثانيًا: تقليد الآباء والأجداد:

من أعظم مهام الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم محاربة العادات والتقاليد المخالفة للتوحيد، ولم يلق أحد منهم عنتًا وأذى أكثر من عنت محاربة الأعراف وتقليد الآباء والأسلاف، فهذا هود عليه السلام يجابهه قومه، ويردون دعوته بقولهم: ( ﭿ ﮀﮁ ) [الأعراف: ٧٠].

وهذا صالح عليه السلام أيضًا يحارب موروث قومه عن آبائهم وأجدادهم، فيعترضون عليه أيضًا بمثل قولهم: ( ) [هود: ٦٢].

وهذا موسى عليه السلام يحاربه قومه، وينافحونه في دعوته لهم، ويردون عليه بمثل ما قال السابقون، فيصرخون في وجه نبيهم قائلين له ولأخيه هارون: ( ﯿ ) [يونس: ٧٨].

وهذا مسك ختامهم محمد صلى الله عليه وسلم يجابهه قومه بمثل ما اعترض السابقون على أنبيائهم، فهم كما قال القرآن عنهم- بعد ذكر عدد من أنواع شركهم ووثنيتهم: ( ﭠﭡ ) [المائدة: ١٠٤].

وكما قال أيضًا: ( ﭞﭟ ) [البقرة: ١٧٠].

وهذه الآيات في عمومها تشير إلى هذا الداء الخطير الذي أصاب الأمم والأجيال المتعاقبة، ومقصوده ومعناها قريب وواضح، فمثلًا يذكر تعالى في الأخيرة منها أنه «إذا قيل لهؤلاء الكفرة من المشركين: اتبعوا ما أنزل الله على رسوله، واتركوا ما أنتم فيه من الضلال والجهل، قالوا في جواب ذلك: بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا من عبادة الأصنام والأنداد ونحوها، ثم يقول الله تعالى منكرًا عليهم: ( ) أي: الذين يقتدون بهم ويقتفون أثرهم ( ) أي: ليس لهم فهم ولا هداية!!» .

وهكذا يعاني الدعاة في كل عصر ومصر من محاربة المألوف والعادة لصعوبة نقل الناس وإبعادهم عن هذه.

المورثات المخالفة للشرع والدين، ولكن مع توفيق الله تعالى والصبر تذلل كل الصعاب، وتتجاوز كل المحن والإحن.

ثالثًا: ابتغاء العزة عندهم:

من الأسباب أيضًا كون المشركين يبتغون العزة لدى معبوديهم من الأوثان، وسبحان الله! أين هذه العقول التي تتطلب العزة والرفعة من حجارة صماء، لا تملك مثقال ذرة من نفع لأنفسها، فضلًا عن عابديها.

وفي ذلك يقول الله تعالى: ( ﮊﮋ ﭿ ) [مريم: ٨١-٨٢]

وهنا يقول تعالى ذكره: واتخذ هؤلاء المشركون من قومك يا رسول الله آلهة يعبدونها من دون الله؛ لتكون هؤلاء الآلهة لهم عزًا، يمنعونهم من عذاب الله، ويتخذون عبادتها عند الله زلفى، ورد الله تعالى زعمهم هذا بقوله: (ﮊﮋ) أي: ليس الأمر كما ظنوا وأملوا من هذه الآلهة التي يعبدونها من دون الله، في أنها تنقذهم، وتنجيهم من عذاب الله، ومن سوء ما أراده بهم ربهم، ولكن سيكفر الآلهة في الآخرة بعبادة هؤلاء المشركين يوم القيامة إياها، وكفرهم بها: قولهم لربهم: ( ﮌﮍ ) [القصص ٦٣].

فجحدوا أن يكونوا عبدوهم أو أمروهم بذلك، وتبرءوا منهم، وذلك كفرهم بعبادتهم56.

رابعًا: محبتها:

اعتقد المشركون في أوثانهم أنها تجلب المحبة، ومن ثم بادلوها نفس الشعور أو أكثر، فأحبوها محبة تفوق محبتهم لخالقهم ورازقهم، وفي ذلك يقول الله: ( ﭿ ﮇﮈ ﮍﮎ ) [البقرة: ١٦٥].

والأنداد -كما يقول الربيع- هي الآلهة التي تعبد من دون الله، يقول: يحبون أوثانهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبًا لله، أي: من الكفار لأوثانهم57.

خامسًا: اعتقاد جلب الرزق:

من الأسباب الأكيدة لدى عباد الأوثان: اعتقادهم فيها أنها تجلب الرزق لهم، والإنسان بطبعه يحب المال والاستكثار منه، لكنه يضل حينما يعتقد في حجر أو شجر أنه يكون سببًا في جلب الرزق أو المال له.

ولقد نعى القرآن الكريم بطريق التصريح على هؤلاء الذين عطلوا عقولهم واعتقدوا في آلهتهم جلب الرزق، وبين لهم أنها لا تملك مثقال ذرة من ذلك، كما في قوله تعالى: ( ) [العنكبوت: ١٧].

وقوله: ( ) [النحل: ٧٣].

وكذلك بطريق السؤال التقريعي أو التوبيخي الموجه لمن يعتقد في هذه الآلهة خيرًا أو رزقًا، كما في قوله تعالى: ( ﯭﯮ ﯷﯸ ) [الروم: ٤٠].

وقوله تعالى: ( ﭱﭲ ﭴﭵ) [سبأ: ٢٤].

والآيات في مجملها توضح أن الله تعالى له الأمر كله، وبيده الخير كله، من رزق ونفع وخير وبركة ونماء وإحياء وإماتة... ونحو ذلك، لا شريك له ولا ضد ولا ند، فعلام يضل هؤلاء ويعبدون غيره؟!

سادسًا: اعتقاد الشفاعة لهم عند الله:

يعتقد بعض المشركين أنها تشفع لهم عند الله تعالى، وأنها تقربهم عنده تعالى زلفى، وصرح القرآن عنهم بذلك في قوله تعالى: ( ) [الزمر: ٣].

والمراد: «أن الذين اتخذوا من دونه أولياء، أي: آلهة وأصنامًا، يقولون: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله، وذلك التقريب هو الشفاعة في قول المفسرين، والزلفى: القربى» 58.

بل ذكر القرآن في موضع آخر تصريحهم بشفاعة آلـهتهم لهم، وذلك في قوله تعالى: ( ) [يونس: ١٨].

ورد القرآن عليهم هذا الادعاء الباطل بقوله تعالى: ( ﯜﯝ ) [يونس: ١٨].

وهنا يأمر الله تعالى «نبيه عليه السلام أن يقررهم ويوبخهم: أهم يعلمون الله بأنباء من السماوات والأرض لا يعلمها هو؟ وذكرت السماوات؛ لأن من العرب من كان يعبد الملائكة والشعرى»59.

وهذا في الدنيا، أما يوم القيامة تكون الحسرة الكبرى والندامة العظمى لعابدي الأوثان حين لا يجدون ما رجوه فيها من شفاعة وإنقاذ من العذاب، ويوقنون أنهم كانوا على باطل، وفي ذلك يقول الله: ( ﯼﯽ ﯿ ﰆﰇ ) [الأنعام: ٩٤].

وهذا يوم الحسرة والندم، ولات حينئذ مندم.

محاورات الأنبياء عن عبادة الأوثان

حفل القرآن الكريم بكثير من محاورات الأنبياء مع أقوامهم حول عبادة الله الواحد الأحد الفرد الصمد، ونبذ عبادة الأوثان، وسيعرض البحث لبعض من هذه المحاورات فيما يلي:

أولًا: محاورات سيدنا نوح عليه السلام مع قومه:

لقد حكى الله تعالى عن قوم نوح أنهم عبدوا الأصنام، واتخذوها آلهة من دونه تعالى، متابعين في ذلك أسلافهم، فأرسل الله إليهم نوحًا عليه السلام داعيًا إياهم لنبذ عبادتها لكنهم آثروها على عبادة الله تعالى، ولم يكتفوا بذلك بل وصوا أبناءهم بعدم سماع دعوة نوح عليه السلام، ورد دعوته في فيه، ودارت حورات كثيرة بين نوح عليه السلام وقومه ذكرها القرآن، ونظرًا لأن البحث موسوعي لا يستطيع أن يأتي على هذه الآيات كلها، ويقف معها آية آية، لكن يكفينا ذكرها والإشارة إليها مجملة -كما هو منهج البحث- ومن هذه الآيات قوله تعالى: ( ﭿ ) [الأعراف: ٥٩-٦٣].

ففي هذه الآيات يبرز الحوار واضحًا جليًا، فكلما ذكر نوح عليه السلام قولًا راجعه فيه قومه، ووصفوه بالضلال هنا لدعوته إياهم لترك عبادة الأوثان.

وفي ذلك يقول ابن كثير: «قوله: ( ﭿ ) أي: في دعوتك إيانا إلى ترك عبادة هذه الأصنام التي وجدنا عليها آباءنا... فرد عليهم: ما أنا بضال، ولكن أنا رسول من رب كل شيء ومليكه، ( ) وهذا شأن الرسول، أن يكون بليغًا فصيحًا، ناصحًا بالله، لا يدركهم أحد من خلق الله في هذه الصفات...

ثم يذكر تعالى إخبارًا عن نوح عليه السلام أنه قال لقومه: لا تعجبوا من هذا، فإن هذا ليس بعجب أن يوحي الله إلى رجل منكم، رحمة بكم ولطفًا وإحسانًا إليكم، لإنذاركم، ولتتقوا نقمة الله، ولا تشركوا به»60.

وبعد كل هذه الحوارات والمناقشات لم يستجب له قومه، بل عارضوه وجادلوه، وردوا دعوته في وجهه، وتذكر آيات سورة هود طرفًا آخر من هذه المحاورات، في قوله تعالى: ( ﮫﮬ ﯿ ﭕﭖ ﭛﭜ ﭡﭢ ﭱﭲ ) [هود: ٢٥-٣٠].

وفيها يذكر الله طرفًا من محاورة نوح عليه السلام مع قومه، ويبين مدى شفقته عليهم في دعوته إياهم إلى التوحيد بعد نبذ الشرك وعبادة الأوثان، وبيان أنه يخاف عليهم عذاب يوم أليم، فردوا عليه بقولهم: ما نراك يا نوح إلا آدميًا مثلنا في الخلق والصورة والجنس، كأنهم كانوا منكرين أن الله يرسل من البشر رسولًا إلى خلقه، وأضافوا أيضًا: وما نراك اتبعك إلا الذين هم سفلتنا من الناس، دون الكبراء والأشراف، فيما نرى ويظهر لنا، وما نتبين لكم علينا من فضل نلتموه بمخالفتكم إيانا في عبادة الأوثان إلى عبادة الله وإخلاص العبودية له، فنتبعكم.

ويحاورهم رسولهم بعد تكذيبهم له قائلًا: يا قوم أرأيتم إن كنت على علمٍ ومعرفةٍ وبيان من الله لي ما يلزمني له، وما يجب علي من إخلاص العبادة له، وترك إشراك الأوثان معه فيها...، ثم يتساءل منكرًا عليهم موقفهم هذا: أنأخذكم بالدخول في الإسلام، وقد عماه الله عليكم؟!61.

وأيضًا يقول الله تعالى حكاية عنهم: ( ) [نوح: ٢٣].

وهذه الآية وردت ضمن قصة نوح عليه السلام في السورة التي أفردت باسمه في القرآن، والمتأمل في الآيات وما قبلها يجد أنها تصف قوم نوح بأنهم فعلوا جرائم عظيمة، وأنهم اتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارًا، وأنهم مكروا مكرًا آخر عظيمًا، وهو قولهم: ( ).

وهذا ما أكده الفخر الرازي بقوله: «المكر الكبار هو: أنهم قالوا لأتباعهم: ( ) فهم منعوا القوم من التوحيد، وأمروهم بالشرك، ولما كان التوحيد أعظم المراتب لا جرم كان المنع منه أعظم الكبائر، فلهذا وصفه الله تعالى بأنه كبار» 62.

وقيل: المكر الكبار هو تحريشهم سفلتهم على قتل نوح عليه السلام.

وقيل: هو تغريرهم على الناس بما أوتوا من المال والولد، حتى قال الضعفة: «لولا أنهم على الحق لما أوتوا هذه النعم ».. وقيل: غير ذلك63.

وأيًّا ما كان الأمر فالمراد: أن قوم نوح عليه السلام عبدوا الأصنام من دون الله تعالى، وسموها بهذه الأسماء؛ لأنها كانت لقوم صالحين، ظهر فيهم الصلاح في زمن نوح عليه السلام فماتوا، ونشأ بعدهم قوم يقتدون بهم في العبادة، فأشار عليهم إبليس بأنهم إذا صوروهم على هيئة تماثيل كان ذلك أنشط لهم في العبادة، ففعلوا، ثم نشأ قوم من بعدهم، فقال لهم إبليس: إن الذين من قبلكم كانوا يعبدونهم فاعبدوهم.. فعبدوهم.

وهذا ما رواه الإمام البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه ذكر أصنام قوم نوح عليه السلام فقال عنها: «.. أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابًا، وسموها بأسمائهم ففعلوا، فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت » 64.

ومع كون قوم نوح عليه السلام لم يستيجوا لهم، إلا أنه لم يرضخ لذلك، بل نوع لهم أساليب الدعوة وأوقاتها ووسائلها علهم يستجيبون، على نحو ما وصفه الله تعالى بقوله عن نوح عليه السلام: ( ) [نوح: ٥-٩].

حتى إنهم ضجوا وصرخوا في وجهه عليه السلام بقولهم: ( ) [هود: ٣٢ -٣٣].

لكن نوحًا عليه السلام لم يرضخ لهم، بل استمر في دعوته، فآمن به من آمن فكان من الناجين، وكفر من كفر فكان من الهالكين الغاوين.

ثانيًا: محاورات سيدنا إبراهيم عليه السلام مع قومه:

ذكر القرآن الكريم محاورة إبراهيم عليه السلام لأبيه وقومه على قسمين:

القسم الأول: محاورات خاصة بإبراهيم عليه السلام مع أبيه، والقسم الثاني: محاورة إبراهيم عليه السلام مع قومه أو مع قومه وأبيه معًا، وسيكون الحديث أولًا بما يتعلق بشأن محاورة سيدنا إبراهيم عليه السلام مع أبيه، في مثل قوله تعالى: ( ﭙﭚ ) [الأنعام: ٧٤].

أرجح الأقوال في بيان المراد بــ« آزر»: أنه اسم أبي إبراهيم عليه السلام؛ وذلك لأن الله تعالى سماه بهذا الاسم، ولا شيء فوق كلام الله تعالى، فضلًا عن أن الرسول صلى الله عليه وسلم سماه هو الآخر آزر، فيما ورد صحيحًا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة، وعلى وجه آزر قًترة وغبرة .) الحديث65، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم آزر أيضًا 66.

والضلال هو العدول عن الطريق المستقيم، ويضاده الهداية.

قال تعالى: ( ﯚﯛ ﯠﯡ) [الإسراء: ١٥].

ويقال: الضلال لكل عدول عن المنهج عمدًا كان أو سهوًا، يسيرًا كان أو كثيرًا، فإن الطريق المستقيم الذي هو المرتضى صعب جدًا67.

وعلى هذا فالمعنى: إني أراك وقومك في خطأ وعدول عن الطريق المستقيم لعبادتكم الأصنام من دون الله تعالى، وهذا الخطأ بين واضح لكل ذي لب وعقل مستقيمين.

هذا ولقد اشتمل كلام إبراهيم عليه السلام «على ذكر الحجة العقلية على فســاد قول عبدة الأصنام من جهتين:

الأولى: أن قوله: ( ﭙﭚ) يدل على أنهم كانوا يقولون بكثرة الآلهة، إلا أن القول بكثرة الآلهة باطل بالدليل العقلي المفهوم من قوله تعالى: ( ﯥﯦ) [الأنبياء: ٢٢].

الثانية: أن هذه الأصنام لو حصلت لها قدرة على الخير والشر لكان الصنم الواحد كافيًا، فلما لم يكن الواحد كافيًا دل ذلك على أنها -وإن كثرت- لا نفع فيها ألبتة 68.

وهكذا أبطل سيدنا إبراهيم عليه السلام مذهب الوثنيين بالبرهان الساطع والدليل القاطع، وبخاصة إذا نظرنا إلى الآيات التالية لهذه الآية، وفيها من الحجج والبراهين الواضحة ما يغني عن التعليق عليها.

وهكذا وصل إبراهيم عليه السلام إلى ما يريد من أقرب طريق، وأسلك سبيل، فينبغي على الدعاة أن يترسموا هذا الخطى، ويسيروا في ضوئه، فيلينوا في دعوتهم ولا يعبسوا في وجوه من يدعونهم؛ حتى ترتفع بهم دعوتهم، ويصلوا بها إلى الغاية المنشودة، وهذا ما أمر الله به رسوله صلى الله عليه وسلم -والأمر للرسول أمر لأمته ما لم يرد دليل على التخصيص- في قوله تعالى: ( ﮬﮭ ﮱﯓ ﯛﯜ ) [النحل: ١٢٥].

هذا وإن من أعظم الحوارات القرآنية التي ينبغي أن يتعلمها الأبناء في محاوراتهم مع آبائهم، وكذلك الدعاة مع مدعويهم ما ذكره الله تعالى بقوله: ( ﭪﭫ ﭿ ﮒﮓ ﮫﮬ ﮰﮱ ﯘﯙ ﯜﯝ ) [مريم: ٤١-٤٨].

فهذه الآيات تحمل في مجملها أدبًا جمًا، وخلقًا رفيعًا في تعامل الأبناء مع الآباء مهما كانوا مخالفين لهم، وحتى لو كانوا على طريق الكفر والعصيان، ولن يصل الآباء المسلمون اليوم إلى هذه الدرجة، ومع ذلك نجد الإباء والجفاء والنفور من الأبناء في تعاملهم مع آبائهم سواء أكانوا صالحين أم طالحين، اللهم إلا من رحم ربي، نسأل الله تعالى الهداية والرشاد لأبنائنا وجميع أبناء المسلمين، اللهم آمين.

ومن آيات القسم الثاني: التي عرضت لمحاجة إبراهيم مع قومه:

قوله تعالى: ( ) [الأنبياء: ٥١].

إلى أن قال سبحانه: ( ) [الأنبياء: ٦٩-٧٠].

فهذه الآيات تصور مشهدًا من مشاهد قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام ومحاوراته مع قومه، وتحمل في طياتها كثيرًا من الجوانب العظيمة والتربوية في الحوار الهادف، حيث إن إبراهيم عليه السلام خاطب قومه بلغة الحوار الهادئ، وسألهم عن حقيقة هذه التماثيل التي يعبدونها من دون الله تعالى قائلًا:

« ( ) [الأنبياء: ٥٢].

والعكوف: عبارة عن اللزوم والاستمرار على الشيء، والمراد: ما هذه الأصنام التي أنتم مقيمون على عبادتها؟

( ) [الأنبياء: ٥٣].

أجابوه بهذا الجواب الذي هو العصا التي يتوكأ عليها كل عاجز، والحبل الذي يتشبث به كل غريق، وهو التمسك بمجرد تقليد الآباء، أي: وجدنا آباءنا يعبدونها فعبدناها اقتداء بهم ومشيًا على طريقتهم، وهكذا يجيب كل المقلدة.

وأجابهم الخليل عليه السلام بقوله: لقد كنتم أنتم وآباؤكم في خسران واضح ظاهر لا يخفى على أحد ولا يلتبس على ذي عقل، فإن قوم إبراهيم عبدوا الأصنام التي لا تضر ولا تنفع، ولا تسمع ولا تبصر، وليس بعد هذا الضلال ضلال، ولا يساوي هذا الخسران خسران، ثم لما سمع أولئك مقالة الخليل قالوا: ( ) [الأنبياء: ٥٥]؟

أي: أجاد أنت فيما تقول أم أنت لاعب مازح؟ فقال مضربًا عما بنوا عليه مقالتهم من التقليد: بل ربكم رب السماوات والأرض الذي خلقهن وأبدعهن، وأنا على ذلكم الذي ذكرته لكم من الشاهدين العالمين به المبرهنين عليه.

فجاء إبراهيم حين أتوا به فاستفهموه: هل فعل ذلك لإقامة الحجة عليه في زعمهم، ( ﭿ ) [الأنبياء: ٦٣].

أي: قال إبراهيم مقيمًا للحجة عليهم، مبكتا لهم: ( ﭿ )، مشيرًا إلى الصنم الذي تركه، ولم يكسره، فسألوهم إن كانوا ممن يمكنه النطق، ويقدر على الكلام، ويفهم ما يقال له، فيجيب عنه بما يطابقه، أراد عليه الصلاة والسلام أن يبين لهم أن من لا يتكلم، ولا يعلم ليس بمستحق للعبادة، ولا يصح في العقل أن يطلق عليه أنه إله.

فأخرج الكلام مخرج التعريض لهم بما يوقعهم في الاعتراف بأن الجمادات التي عبدوها ليست بآلهة؛ لأنهم إذا قالوا: إنهم لا ينطقون، قال لهم: فكيف تعبدون من يعجز عن النطق، ويقصر عن أن يعلم بما يقع عنده في المكان الذي هو فيه؟

وذلك أقطع لشبهته وأدفع لمكابرته، وقيل: أراد إبراهيم عليه السلام بنسبة الفعل إلى ذلك الكبير من الأصنام أنه فعل ذلك؛ لأنه غار وغضب من أن يعبد وتعبد الصغار معه، إرشادًا لهم إلى أن عبادة هذه الأصنام التي لا تسمع ولا تبصر، ولا تنفع ولا تدفع، لا تستحسن في العقل مع وجود خالقها وخالقهم.

ثم قالوا بعد أن نكسوا مخاطبين لإبراهيم: لقد علمت أن النطق ليس من شأن هذه الأصنام.

فقال إبراهيم مبكتًا لهم، ومزريًا عليهم: ( ) [الأنبياء: ٦٦].

بنوع من أنواع الضرر، ثم تضجر عليه السلام منهم، فقال: ( )[الأنبياء: ٦٧].

وفي هذا تحقير لهم ولمعبوداتهم، والتأفف: صوت يدل على التضجر، أليس لكم عقول تتفكرون بها، فتعلمون هذا الصنع القبيح الذي صنعتموه... » 69.

وهكذا حاور سيدنا إبراهيم عليه السلام قومه، لكنهم قد تمكنت الوثنية منهم، فلم يجد الحوار معهم نفعًا، ولم يفدهم شيئًا، ولم يكن عندهم من مكافأة لنبيهم بعد كل هذه الحوارات الهادئة الهادفة إلا إضرام النار له، وإلقاؤه فيها، ولكن الله تعالى لم يتركه وحده، ونجاه من مؤامرتهم، فأمر النار فكانت بردًا وسلامًا.

ثالثًا: محاورات موسى عليه السلام مع قومه:

من المعلوم أن قوم موسى عليه السلام كانوا أصحاب جدال ومراء، ونفوس أبية، تأبى أن تنصاع للحق بيسر وسهولة وسرعة، ولقد ذكر القرآن لهم أكثر من موقف يدلل على هذه الطبيعة المتمردة.

ومن هذه المواقف: انتهازهم فرصة غياب موسى عليه السلام مدة مواعدة ربه لتلقي التوارة، فاستضعفوا أخاه هارون عليه السلام وقام السامري بجمع حليهم وصنع لهم منه عجلًا جسدًا، يصدر صوتًا إذا مر فيه الهواء، ولـما رجع موسى عليه السلام ورأى ما حدث غضب غضبًا شديدًا لما حدث، وقام بإهلاك العجل، ودعاهم محاورًا إياهم، ومجددًا ما اندرس من أمر التوحيد لديهم، وإلى عبادة الله الواحد الأحد.

وهذا ما ذكره القرآن في أكثر من موطن70، وسيكون التعليق على مجملها.

ومن هذه المواطن: ماذكره الله تعالى بقوله: ( ﯠﯡ ﯨﯩ ﯿ ﭴﭵ ﭿ ﮐﮑ ﮛﮜ ﯩﯪ ﯯﯰ ﯷﯸ ﯿ ﰇﰈ ) [طه: ٨٣-٩٨].

ففي هذه الآيات الكريمة يتجلى الحوار البناء في أبهى صوره، وتبين لنا الآيات مدى بلاهة بني إسرائيل في عبادتهم العجل، «وهذا من بلادتهم، وسخافة عقولهم، حيث رأوا هذا الغريب الذي صار له خوار، بعد أن كان جمادًا، فظنوه إله الأرض والسماوات، أفلا يرون أن العجل لا يتكلم ويراجعهم ويراجعونه، ولا يملك لهم ضرًا ولا نفعًا، فالعادم للكمال والكلام والفعال لا يستحق أن يعبد وهو أنقص من عابديه، فإنهم يتكلمون ويقدرون على بعض الأشياء من النفع والدفع بإقدار الله لهم»71.

ولم تقتصر سخافة عقول بني إسرائيل على هذا الموقف فقط، بل إنهم عادوا إلى الوثنية، وطلبوها من نبيهم صراحة، في موقف لا يمكن لعقول الفطناء أن يذهلوا فيه عن صاحب الفضل، ومولي النعم سبحانه وتعالى، فبعد أن أنجاهم الله تعالى من عدوهم فرعون، ومروا على وثنيين طلبوا من موسى عليه السلام مباشرة أن يجعل لهم إلهًا يتعبدون له مثل هؤلاء، ولا زالت أقدامهم ملطخة بالطين مبتلة من أثر إنجاء الله لهم من عدوهم الألد...

ذكر القرآن ذلك في قوله تعالى: ( ﭛﭜ ﭤﭥ ) [الأعراف: ١٣٨-١٤٠].

وسبحان الله العظيم، بهذه السرعة جحد بنو إسرائيل نعمة المنعم سبحانه، فما هي إلا لحظات والعدو كان يطاردهم، فإذا بهم يطلبون آلهة غير الذي نجاهم، وأنقذهم بعد الموت المحقق، ولا غرو في ذلك، فهذه هي طبيعة بني إسرائيل المتمردة، وهذه هي عادتهم مع أنبيائهم، الأمر الذي حدا ببعض المفسرين أن يقول: إن الغرض من سياق ذلك « أن يعلم حال الإنسان، وأنه كما وصف ظلوم كفار، جهول كنود72، إلا من عصمه الله، وكذلك لتسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم مما رأى من بني إسرائيل بالمدينة» 73.

أقول: أما الأول فنعم، وأما الثاني فلا، وذلك لأن السورة الكريمة مكية74، ومعنى هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن قد رأى من يهود المدينة شيئًا؛ لأنه لم يكن قد هاجر إليها بعد، اللهم إلا إذا عني بالماضي: الاستقبال، فيحمل قوله: «مما رأى» على «مما سيرى»، والله أعلم.

والظاهر من مقالة بني إسرائيل لموسى عليه السلام: ( ﭤﭥ) أنهم استحسنوا ما رأوه من آلهة أولئك القوم، فأرادوا أن يكون ذلك في شرع موسى عليه السلام، وفي جملة ما يتقرب به إلى الله تعالى، وإلا فبعيد أن يقولوا لموسى عليه السلام: اجعل لنا صنمًا نفرده بالعبادة، ونكفر بربك، فعرفهم موسى عليه السلام أن هذا جهل منهم، إذ سألوا أمرًا حرامًا فيه الإشراك في العبادة، ومن ثم يتطرق بهم إلى إفراد الأصنام بالعبادة والكفر بالله عز وجل75.

لكن من يعلم طبيعة بني إسرائيل المتمردة لا يستبعد صدور مثل هذا القول منهم؛ لذلك رد موسى عليه السلام قولهم هذا في أفواههم على الفور، راميًا إياهم بالجهل، فقال يخاطبهم: ( ) «فهذا وصف لهم بالجهل على أتم وجه، حيث لم يذكر له متعلقًا ولا مفعولًا؛ لتنزيله منزلة اللازم، أو لأن حذفه يدل على عمومه، أي: «تجهلون كل شيء» فيدخل فيه الجهل بالربوبية بالطريق الأولى، وأكد ذلك بــ «إن» في «إنكم» وتوسيط «قوم» وجعل ما هو المقصود بالإخبار وصفًا له وهو «تجهلون» ليكون كالمتحقق المعلوم»76.

هذا ولقد تحاور موسى عليه السلام وعلل ما نهاهم عنه بقوله: ( ) أي: «إن هؤلاء العاكفين على هذه الأصنام، الله مهلكٌ ما هم فيه من العمل ومفسده، بإثابته إياهم عليه العذاب المهين، ( ) من عبادتهم إياها فمضمحل؛ لأنه غير نافعهم عند مجيء أمر الله وحلوله بساحتهم، ولا دافعٌ عنهم بأس الله إذا نزل بهم، ولا منقذهم من عذابه إذا عذبهم في القيامة، فهو في معنى ما لم يكن»77.

ومن البدهي أن هذا السؤال لم يكن قد صدر من بني إسرائيل جميعهم، بل من بعضهم «وإنما نسب إلى الجميع لموافقة بعضهم بعضًا في ذلك، فكأنه قد صدر من جميعهم» 78. والله تعالى أعلى وأعلم.

صفات الأوثان في ضوء القرآن

من القواعد المقررة أن «التخلية مقدمة على التحلية» والقرآن الكريم سلك مع المشركين هذه الطريقة، فقدم ما يبين حقيقة معبوداتهم، وأنها لا تملك أي وسيلة من وسائل الإدراك أو النفع أو دفع الضر عن نفسها، فضلًا عن عابديها، فكيف يعبدونها من دون الله تعالى ؟! ثم دعاهم إلى عبادته وتوحيده سبحانه.

والبحث هنا سيوضح هذه القضية من خلال ما يلي:

أولًا: نفي العقل والنطق والسمع والبصر عنها:

نفى القرآن العقل صراحة عن الآلهة التي عبدها المشركون من دون الله، ونفي العقل عنها هو بيت القصيد، والأصل لما بعده؛ إذ ما فائدة السمع والبصر والنطق من غير العقل؟!

فهو وحده كافٍ في نفي ألوهية هذه الأوثان، وفي ذلك يقول الله تعالى: ( ﮉﮊ ) [الزمر: ٤٣].

وهنا «يقول تعالى ذاما المشركين في اتخاذهم شفعاء من دون الله، وهم الأصنام والأنداد، التي اتخذوها من تلقاء أنفسهم بلا دليل ولا برهان، وهي لا تملك شيئا من الأمر، بل وليس لها عقل تعقل به، ولا سمع تسمع به، ولا بصر تبصر به، بل هي جمادات أسوأ حالًا من الحيوان بكثير» 79.

ونفى القرآن عن الأوثان أيضًا السمع والبصر والنطق... ومن ثم فلم يكن لديها أي سبب من أسباب العبادة، فعلام يعكف هؤلاء الوثنيون على عبادتها ودعائها من دون الله تعالى ؟!

ولقد مر بنا آنفًا في محاورة إبراهيم عليه السلام مع أبيه ما وصف به الأوثان مخاطبًا إياه في قوله تعالى: ( ﭿ) [مريم: ٤٢].

وكذلك ما ورد في قوله تعالى: ( ) إلى أن قال سبحانه: ( ﭬﭭ ) [الأعراف: ١٩٧-١٩٨].

والمراد: قل للمشركين يا رسول الله: وإن تدعوا الذين تدعون من دون الله إلى الهدى لا يسمعوا، والهدى على هذا الوجه ما فيه رشد ونفع للمدعو، وذكر ( ) لتحقيق عدم سماع الأصنام، وعدم إدراكها؛ لأن عدم سماع دعوة ما ينفع لا يكون إلا لعدم الإدراك.

ولهذا خولف بين قوله هنا: ( ﭬﭭ) وقوله في الآية السابقة: ( ﯕﯖ) [الأعراف: ١٩٣].

لأن الأصنام لا يتأتى منها الاتباع؛ إذ لا يتأتى منها المشي الحقيقي ولا المجازي، أي: الامتثال» 80.

ثانيًا: عدم قدرتها على دفع الضر أو جلب النفع:

أكثر القرآن الكريم هذا الوصف بالنسبة للأوثان، حتى أربت مواطن الحديث عن هذا الوصف على عشرة مواطن، وتنوعت فيها الأساليب، فمنها: ما ورد بصيغة الخبر، مثل قوله تعالى: ( ﮯﮰ ﯜﯝ ) [يونس: ١٨].

وقوله تعالى: ( ﯝﯞ ﯩﯪ ) [الحج: ١٢-١٣].

ومنها: ما ورد بصيغة النفي، مثل قوله تعالى: ( ) [طه: ٨٩].

وقوله تعالى: ( ) [الفرقان: ٣].

ومنها: ما ورد بصيغة النهي، مثل قوله تعالى: ( ﯿ ﰅﰆ ) [يونس: ١٠٦].

أما ما ورد بصيغة السؤال فكثير، ومنه قوله تعالى: ( ﯹﯺ ) [المائدة: ٧٦]... وغيرها من الآيات .

ويلحظ على هذه الآيات جميعًا عدة أمور:

أولها: تفيد الآيات كلها صراحة عدم قدرة الأوثان على دفع الضر عن نفسها، فضلًا عن عابديها.

ثانيها: يلحظ في بعضها تقديم نفي الضر على النفع، والبعض الآخر العكس، وإنما يقدم الضر على النفع؛ لأن التحرز عن الضر أهم من تحري النفع 81، أو هو من قبيل درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، أو التخلية قبل التحلية.

وإنما قدم النفع على الضر في آيات؛ لأن جلب النفع محبب إلى النفس ومرغوب، والله أعلم.

ثالثها: تنوع الصيغ في بيان هذه الصفة للدلالة على كمال الإقناع وإقامة الحجة، فمن لم يقتنع بالأسلوب الخبري نفعه أسلوب النفي أو النهي أو السؤال... وقلبنا أساليب القرآن حتى يوقن ويهتدي، وإلا قامت عليه الحجة والبرهان، والله أعلم.

رابعها: الآيات تفيد في مجملها إخبار المشركين أنه «لا يستطيع أن يضركم بمثل ما يضركم الله به من البلايا والمصائب في الأنفس والأموال، ولا يقدر أن ينفعكم بمثل ما ينفعكم الله به من صحة الأبدان، وسعة الأرزاق، فإن الضار والنافع هو الله تعالى، لا من تعبدون من دونه، ومن لم يقدر على النفع والضر لا يكون إلهًا» 82، وعليه فمن لا يملك شيئًا منهما لا يصلح للإلهية على الإطلاق!.

ومما يدخل في نفي جلب النفع: عدم استطاعة الأصنام جلب الرزق لأحد من الخلق على الإطلاق، كما صرح بذلك في قوله تعالى: ( ) [النحل: ٧٣].

وكذلك يدخل فيه نفي النصرة عنها، كما في قوله تعالى: ( ) [يس: ٧٤-٧٥]. والله أعلم.

ثالثًا: بيان أنها لا تستطيع أن تخلق شيئًا، بل هي مخلوقة لله رب العالمين:

من الصفات التي وصف بها القرآن الأوثان، ورد بها على عابديها بيان أنها مخلوقة ومربوبة لله رب العالمين، فهي لا تستطيع أن تخلق شيئًا على الإطلاق، ولا تملك مثقال ذرة من ذلك، فكيف تملكه لعابديها! وجاء هذا الرد في آيات كثيرة من القرآن الكريم، منها: قوله تعالى: ( ) [الأعراف: ١٩١].

وقوله تعالى: (ﭿ ﮌﮍ ﮕﮖ ) [النحل: ٢٠-٢٢].

وقوله تعالى: ( ) [الحج: ٧٣].

وقوله تعالى: ( ) [الفرقان: ٣]... والآيات في هذا الشأن وفيرة ومتنوعة، مما يدل على أهمية هذا الموضوع، واعتناء القرآن به.

والله تبارك وتعالى يجلي لنا في هذه الآيات بعضًا من صفات الأصنام، ويبين حقيقتها لعابديها ولجميع المؤمنين، ومن أوضح صفاتها أنها مخلوقة ومربوبة لله رب العالمين أو أنها مصنوعة بأيدي عابديها، فهم الذين نحتوها، واتجهوا إليها بالعبادة «والمقصود إقامة الحجة على أن الأوثان لا تصلح للإلهية، فهي لا تقدر على خلق أي شيء على الإطلاق» 83.

والأوثان لا تصلح للإلهية لأن « من حق المعبود أن يكون خالقًا لعابده لا محالة»84.

فالآيات ترد على عبدة الأوثان ببيان أوصافها لهم علهم يثوبون لرشدهم، ويرجعون عن غيهم ويتركون عبادتها إلى عبادة الله تعالى.

وهكذا جلى الله تعالى حقيقة الأصنام، وبين ماهيتها وكنهها، وأنها أحقر المخلوقات؛ إذ أنها لا تستطيع حتى دفع الضر عن نفسها، ولا تستطيع النصرة فضلًا عن كونها مخلوقة.. إذًا فلم يبق شيء يعبدها عابدوها من أجله، فكيف يتوجهون إليها بالعبادة والدعاء؟! اللهم لا يفعل ذلك إلا المغفلون والدهماء.

هذا والملاحظ على الآيات هنا: أنها جاءت بعدة أوصاف للأوثان، وهي:

الوصف الأول: كونها لا تخلق شيئًا على الإطلاق، فضلًا عن كونها مخلوقة مربوبة لله رب العالمين، أو ينحتها العابدون بأيديهم، وليس قوله تعالى: ( ) تكرارًا لما سبقه من قوله: ( ﭧﭨ) لأن « المذكور هناك أنهم لا يخلقون شيئًا، والمذكور هنا أنهم أيضًا لا يخلقون شيئًا وهم مخلوقون لغيرهم، فكان هذا زيادة في المعنى، وكأنه تعالى بدأ بشرح نقصهم في ذواتهم وصفاتهم، فبين أولًا أنها لا تخلق شيئًا، ثم ثانيًا كونها مخلوقة لغيرها»85.

الوصف الثاني: جاء في قوله: ( ﮌﮍ) أي هذه الأصنام إنما هي موتى لا حياة ولا حراك فيها «فلو كانت آلهة على الحقيقة لكانوا أحياء غير أموات، أي: غير جائز عليها الموت، كالحي الذي لا يموت سبحانه، وهذه الأصنام على العكس من ذلك» 86.

الوصف الثالث: كونها لا تعلم عن البعث شيئًا، وهذا ما ذيلت به الآية الثانية من سورة النحل ( ) .

وفائدة وصف الأصنام بهذا: «التهكم بالمشركين، وأن آلهتهم لا تعلم وقت بعثهم فكيف يكون لهم وقت يجازون فيه على عبادتها؟.

وقيل: معناه: أن الأصنام لا تعرف متى يبعثها الله تعالى »87.

وكلا المعنيين مرادان من الآية، إلا أن الراجح أولهما لما فيه من التهكم بأولئك الجهال الذين عبدوا الأصنام من تلقاء أنفسهم دونما حجة مقنعة.

ولكن كيف وصفت الأصنام بأنها أموات مع كونها جمادات لا يصح أن يطلق عليها هذا الوصف؟

والجواب: «أن القوم لما وصفوا تلك الأصنام بالإلهية قيل لهم: ليس الأمر كذلك، بل هي أموات لا تعرف شيئًا، فجاءت العبارة على وفق معتقدهم فيها» 88.

أرأيت كيف ضل العرب وغيرهم ردحًا من الزمان بتوجههم إلى هذه الأحجار بالعبادة والدعاء، وكيف رد القرآن عليهم، وفند شبههم بما لا يبقى لهم معه أدنى حجة، ولقد أفادتنا هاتان الآيتان جديدًا، وهذا الجديد تمثل في ذكر ثلاث صفات مجتمعة للأصنام.

وجاء التصريح بها «للتنبيه على كمال حماقة المشركين، وأنهم لا يعرفون ذلك إلا بالتصريح»89، لا التلميح أو التلويح. والله تعالى أعلى وأعلم.

مظاهر تقديس العرب للأصنام

لقد تعبد العرب للأصنام وقدسوها بأمور عديدة، يذكر البحث هنا بعضًا مما ذكره القرآن الكريم، ولكن في ثوب المعالجة التفسيرية، وأول ما يطالعنا من هذه المظاهر:

أولًا: عبادة الأصنام، والعكوف عليها، والتوجه إليها بالدعاء والتضرع:

والقرآن الكريم تحدث عن هذا المظهر في كثير من آياته، والآيات في هذا الشأن أكثر من أن تحصى، فعن العبادة والدعاء يقول الله: ( ﯥﯦ ﯱﯲ ﯷﯸ ﯽﯾ ﯿ ﰃﰄ ) [الأعراف: ١٩٤-١٩٥].

وقوله تعالى: ( ﮯﮰ ﯜﯝ ) [يونس: ١٨].

وفي العكوف عليها والاستمساك بها يقول الله تعالى: ( ﭛﭜ ﭤﭥ ) [الأعراف: ١٣٨].

وقال تعالى: ( ) [الشعراء: ٧١].

وقال أيضًا: ( ) [الأنبياء: ٥١-٥٢]... الآيات.

وبما أن المقام لا يتسع لتناول جميع هذه الآيات ونظائرها مفردة بالشرح والدراسة، فإن البحث يشير إجمالًا إليها وإلى أهم ما تحتويه:

الدعاء يرد في القرآن الكريم على معانٍ من أهمها:

عاقبة الأوثان وعابديها


1 انظر: القاموس، الفيروز أبادي، ٦/٢٧٦، بصائر ذوي التمييز له أيضًا، ٥/١٥٩، الصحاح، الجوهري، ٢/ ١٦١٦.

2 الصحاح، الجوهري، ٢/ ١٦١٦.

3 المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية بالقاهرة، ٢/١٠٢٣.

4 انظر: المعجم المفهرس، محمد فؤاد عبد الباقي، ص٧٤٢، المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، باب الواو ص ١٤٠٠.

5 انظر: عمدة الحفاظ، السمين الحلبي، ٤/٢٨٣، المفردات، الراغب الأصفهاني، ص٨٥٣، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي، ٥/١٥٩.

6 انظر: لسان العرب، ابن منظور، ١٢/٣٤٩.

7 انظر: المصباح المنير، الفيومي، ٢/٦٤٧، الصحاح، الجوهري، ٦/٢٢١٢.

8 النهاية في غريب الحديث، ٥/١٥١.

9 القاموس القويم، إبراهيم عبد الفتاح، ٢/٢٦٧.

10 الكليات، الكفوي، ١/٢٠٣.

11 انظر: لسان العرب، ابن منظور، ١٢/٢٦٩، أساس البلاغة، الزمخشري، ص ١٩٤.

12 مفاتيح الغيب، الرازي، ١١/١٣٨، جامع البيان، الطبري، ٩/٣١١.

13 انظر: الميسر والأزلام، عبد السلام هارون، ص٥٥.

14 انظر: لسان العرب، ابن منظور، ١١/٦١٣.

15 انظر: فتح القدير، الشوكاني، ٣/٤٨٦.

16 مفاتيح الغيب، الرازي ١٣/ ٣٧.

17 الدوار: -بتخفيف الواو المفتوحة-: الطواف، يقال: دار دورًا: طاف حول الشيء. المعجم الوجيز ص ٢٣٧، ولعل المقصود بالدوار هنا:الشيء نفسه الذي يدورون حوله.

18 جرت العادة في اللغة باستعمال «هؤلاء» و«أولئك» للعقلاء، وهي هنا للأصنام، ولكن ورد استعمالها أيضًا فيما لا يعقل على سبيل القلة، كما ورد في أشعار العرب. أفاده محقق كتاب الأصنام، أ/أحمد زكي باشا ص ٥٢.

19 انظر الأصنام ابن الكلبي ص ٥١ بتصرف.

20 كانت العرب تقول: «فلان له رئي من الجن» إذا ألف الجني إنسانًا، وخبره ببعض الأخبار، وبما وقع ويقع من الأسرار، انظر: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، د/جواد علي ٦/٧٣٧ بتصرف .

21 الأصنام ص ٥٤، ٥٨ بتصرف شديد.

22 الحمة: -بفتح المهملة وتشديد الميم المفتوحة هي العين الحارة- يستشفى بها الأعلاء والمرضى. مختار الصحاح ص٩٠.

23 الأصنام ص ٨.

24 للمزيد يراجع: السيرة النبوية للإمام عبد الملك بن هشام ١/١٠١.

25 السائبة هي: الدابة التي تسيب في المرعى، فلا ترد عن حوض ولا علف، وذلك إذا ولدت خمسة أبطن. مفردات الراغب الأصفهاني ص٤٣١ .

26 الوصيلة: الناقة البكر، تبكر في أول نتاج الإبل، ثم تثنى بعد ذلك بأنثى، وكانوا يتركونها لآلهتهم، إن وصلت إحداهما بالأخرى ليس بينهما ذكر، أو الشاة إذا ولدت ذكرًا وأنثى قالوا: وصلت أخاها، فلا يذبحون أخاها من أجلها. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٣/١٢٨، المفردات، الراغب الأصفهاني ص٨٧٣.

27 قصبه: بضم فسكون أي: أمعاءه وجمعه أقصاب، وعليه فالقصب اسم للأمعاء كلها، وقيل: هو ما كان أسفل البطن من الأمعاء، انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر ٤/٦٧ بتصرف .

28 أخرجه البخاري، واللفظ له، في صحيحه، كتاب المناقب، باب قصة خزاعة، رقم ٣١٥١، ٦/١٨، ومسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء، رقم ٢٨٥٦، ٤/٢١٩.

29 عبادة الأوثان، عكاشة عبد المنان الطيبي ص ٨١- ٨٢.

30 الأصنام ص ٢٨.

31 تاريخ مكة للأزرقي ١/١٤٠ بتصرف.

32 العقيق: حجر كريم أحمر يعمل منه الفصوص، يكون باليمن وسواحل البحر الأحمر. المعجم الوجيز ص ٤٢٨.

33 الأصنام ص ٢٨.

34 القداح: جمع قدح، بكسر القاف وسكون الدال، وهو قطعة من الخشب مستوية، قليلة العرض، متوسطة الطول، تجعل فيها حزوز تدل على نصيب صاحبها من الجزور وغيره وكانت تستعمل في الميسر المعجم الوجيز ص ٤٩١.

35 للمزيد يراجع: تاريخ مكة للأزرقي ١/١٤٠، ١٤١ بتصرف.

36 انظر في ذلك: البداية والنهاية ابن كثير ٢/٢٢٨، والسيرة النبوية ابن هشام ١/١٧٦.

37 جامع البيان، الطبري ١١/٥١٩ بتصرف.

38 معجم البلدان للحموي ٥/٤، ٥.

39 لت الرجل السويق ونحوه لتًا: خالطه بسمن أو غيره، والسويق: طعام يتخذ من مدقوق الحنطة والشعير، والجمع أسوقة. انظر: المعجم الوجيز ص ٥٥١ (لت)، ص ٣٣٠ (ساق).

40 تاريخ مكة للأزرقي١/١٥٠، وبلوغ الأدب في معرفة أحوال العرب، الآلوسي١/٢٠٣، والأصنام، ابن الكلبي ص ١٦.

41 البيت قاله الشاعر أوس بن حجر في ديوانه ص ٣٦.

42 الأصنام ص ١٧، ١٨ بتصرف.

43 انظر: تاريخ مكة المشرفة والمسجد الحرام للإمام، ابن الضياء المكي ص ٧٤.

44 جامع البيان، الطبري ١١/٥٢٠.

45 تاريخ مكة ١/١٥٠.

46 جامع البيان، الطبري ١١/٥٢١.

47 في الأصنام ص ١٨.

48 جامع البيان، الطبري ١١/٥٢١.

49 المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، جواد علي ٦/٢٤٥ بتصرف.

50 الأصنام ص ١٣.

51 المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ٦/٢٤٧ بتصرف.

52 الكشاف ٤/٤٢٣.

53 جامع البيان، الطبري ١٠/٥٦٤.

54 المفردات، الراغب ص ٤٥٤.

55 المصدر نفسه ص ١٤٣.

56 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٤٨٠.

57 جامع البيان، الطبري ١٨/٢٤٩ بتصرف.

58 التفسير الوسيط، الواحدي ٣/٥٧٠ بتصرف.

59 المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/١١١بتصرف.

60 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٤٣٢ بتصرف يسير.

61 جامع البيان، الطبري ١٥/٢٩٩بتصرف وتلخيص.

62 مفاتيح الغيب، الرازي ٣٠/١٤٣.

63 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٥/٤٢٦.

64 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب (ودًا ولا سواعًا ولا يغوث..)، ٨/٦١.

65 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: (واتخذ الله إبراهيم خليلًا)، رقم ٢٩٩٥، ٥/٣٣٥.

66 لباب التأويل، الخازن ٢/١٢٥ بتصرف. والقترة المذكورة في الحديث معناها: ما يغشي الوجه من الكرب، والغبرة ما يعلوه من الغبار، وقيل غير ذلك. انظر فتح الباري ٨/٣٥٨.

67 المفردات، الراغب ص٥٠٩.

68 مفاتيح الغيب، الرازي١٣/٣٤.

69 فتح القدير، الشوكاني ٣/٤٨٦ بتصرف وتلخيص.

70 ذكرت قصة العجل إجمالًا أو تفصيلًا في ثمانية مواطن من القرآن الكريم في سور: البقرة/٥١، ٥٤، ٩٢، ٩٣، والنساء/١٥٣، والأعراف/١٤٨، ١٥٢، وطه/٨٨.

71 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥١١.

72 كنود: أي كفور، يقال: كند فلان النعمة، أي: كفرها وجحدها، وبابه دخل، فهو كنود، وامرأة كنود أيضًا . يراجع: مختار الصحاح للإمام محمد بن أبي بكر الرازي ص ٢٦٥.

73 الكشاف ٢/١٤٤ بتصرف.

74 تقريب المأمول في ترتيب النزول، الجعبري ص٤.

75 تفسير ابن عطية ٢/٤٤٧ بتصرف.

76 روح المعاني، الآلوسي٥/٤٠ بتصرف.

77 جامع البيان، الطبري ١٣/٨٣ بتصرف.

78 قصص القرآن من آدم عليه السلام إلى أصحاب الفيل، محمد بكر إسماعيل ص ١٩٤ بتصرف.

79 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/١٠٢.

80 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٩/٢٢٥ بتصرف.

81 تفسير القاسمي ٣/١٩٢ بتصرف.

82 لباب التأويل، الخازن ٢/٦٧.

83 مفاتيح الغيب، الرازي ١٥/٤٣٠.

84 روح المعاني، الألوسي ٥/١٣٣.

85 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٠/١٦- ١٧ بتصرف.

86 المصدر نفسه ٢٠/١٧.

87 المصدر نفسه ٢٠/١٧ بتصرف.

88 ينظر في الجواب مع بقية الأوجه مفاتيح الغيب، الرازي ٢٠/١٧.

89 روح المعاني، الألوسي ٧/٣٦١ بتصرف.

90 انظر في تفصيل هذه الوجوه والاستشهاد عليها: الأشباه والنظائر في القرآن الكريم، لمقاتل بن سليمان البلخي ص ٢٨٥- ٢٨٨.

91 أنوار التنزيل، البيضاوي ٢/٢٩١ المطبوع مع زادة.

92 جامع البيان، الطبري ٦/١٥٠ بتصرف وتلخيص.

93 حاشية زادة على البيضاوي ٢/٢٩١ بتصرف.

94 المصدر نفسه ١٧/٢٢٧.

95 المصدر نفسه ١٧/٢٢٧ بتصرف.

96 المفردات ص٥٧٩.

97 بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٤/٨٦.

98 البحر المحيط، أبو حيان ٨/١٦٢بتصرف.

99 المصدر نفسه ٨/١٦٢بتصرف.

100 البحر المحيط ٨/١٦٢، ومدارك التنزيل، النسفي ٢/٥٦٧.

101 المفردات ص ٥٢٢ بتصرف.

102 التفسير الوسيط، مجمع البحوث الإسلامية ١/٢٦٣ بتصرف.

103 المصدر السابق ١/٢٦٣ بتصرف.

104 المصدر نفسه ١١/١٣٦.

105 الموسوعة الذهبية، فاطمة محجوب ١١/٢١١.

106 مفاتيح الغيب، الرازي ١٣/١٧٧- ١٧٨ بتصرف.

107 البرهان في توجيه متشابه القرآن، الكرماني ص ١٢١ بتصرف.

108 المصدر نفسه ص ١٢١ بتصرف.

109 الميسر والأزلام ص ٥٥.

110 مفاتيح الغيب، الرازي ١١/١٣٨ .

وانظر: الكشاف ١/٥٩٢.

111 الميسر والأزلام ص ٦٢- ٧٠.

112 الميسر والأزلام ص ٦٢- ٦٦.

113 الكشاف ١/٥٩٢ بتصرف.

114 دعاء الاستخارة أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الدعوات، باب الدعاء عند الاستخارة، رقم ٦٣٨٢.

115 المفردات ص ٤٨ بتصرف «بحر».

116 فصل هذه الآراء الإمام الآلوسي في تفسيره ٤/٤١.

117 المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ٦/٢٠٤، ومفاتيح الغيب، الرازي ١٢/١١٦، وتفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/ ١٢٩، ١٣٠، والجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٦/٣١٥، ومعاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٢/٢١٣.

118 المفردات ص ٢٥٥ بتصرف.

119 روح المعاني، الألوسي ٤/٤١، ٤٢.

120 المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ٦/٢٠٥ بتصرف، وانظر روح المعاني، الألوسي ٤/٤٢.

121 مفاتيح الغيب، الرازي ١٢/١١٦ بتصرف.

122 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٦/٣١٦ بتصرف.

123 تفسير البحر المحيط ٤/٢٩.

124 معاني القرآن، الفراء ١/٣٢٢.

125 المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ٦/٢٠٦ بتصرف.

126 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٦/٣١٦.

127 روح المعاني، الألوسي ٤/٤٢.

128 المصدر نفسه ٤/٤٢، وانظر تفسير الطبرسي ٣/٣٣١

129 المفردات ص ١٨٣ « ذرأ».

130 المفردات ص ٥٠١.

131 روى هذا الأثر الإمام الطبري في تفسيره ٥/٣٥٠.

132 المصدر نفسه ٥/٣٥٠ بتصرف.

133 البحر المحيط ٤/٢٢٨.

134 يراجع في تفصيل الترجيح وبقية الاستدلال عليه: جامع البيان، الطبري ٥/٣٥١.

135 المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ٦/١٩٤ بتصرف.

136 روح المعاني، الألوسي ٤/٢٧٦ بتصرف.

137 أخرجه البخاري، واللفظ له، في صحيحه، كتاب الحج، باب وجوب الصفا والمروة وجعل من شعائر الله، رقم ٦٤٣، ٢/١٥٧، ومسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن، رقم ١٢٧٧، ٢/٩٢٨.

138 شرح صحيح البخاري، ابن بطال ٤/٣٢٣ بتصرف.

139 جامع البيان، الطبري ١٧/٤٩٨ بتصرف.

140 مفاتيح الغيب، الرازي ١٢/١٩١ بتصرف.

141 في المفردات ص ٣٧٤ بتصرف.

142 الجواهر الحسان، الثعالبي ٢/٤٥٣.

143 انظر: معاني القرآن له ٢/٢٣٥ .

144 الكشاف ٢/١٢.

145 المصدر السابق ٤/١٩.

146 مفاتيح الغيب، الرازي ١٧/٨٧.

147 المصدر نفسه ١٧/٨٧ بتصرف.

148 جامع البيان، الطبري١٥/٧٨ بتصرف.

149 زاد المسير، ابن الجوزي ٤/٢٠، ٢١.

150 تفسير الإمام مجاهد بن جبر ص ٣٨٠.

151 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٠/٩٩-١٠٠ بتصرف.

152 التسهيل لعلوم التنزيل ص ٣٦٣.

153 صفوة البيان لمعاني القرآن، حسنين مخلوف ص ٣٥٣.

154 أخرجه الحاكم، واللفظ له، في مستدركه، كتاب التفسير، باب تفسير سورة الأنبياء، رقم ٣٤٤٩، ٢/٤١٦، والطبراني في المعجم الكبير ١٢/١٥٣، رقم ١٢٧٣٩.

قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ولم يتعقبه الذهبي.

155 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥٣١ بتصرف.