عناصر الموضوع
الإنذار
أولًا: المعنى اللغوي:
قال ابن فارس رحمه الله: النون والذال والراء كلمةٌ تدل على تخويفٍ أو تخوفٍ، منه الإنذار: الإبلاغ؛ ولا يكاد يكون إلا في التخويف.
ونذر بالشيء، كفرح: علمه فحذره، وأنذره بالأمر إنذارًا ونذرًا -ويضم وبضمتين- ونذيرًا: أعلمه، وحذره، وخوفه في إبلاغه، والاسم: النُذْرى بالضم-، والنذر –بضمتين- والنذير: الإنذار، كالنذارة –بالكسر-، وهذه عن الإمام الشافعي رضي الله عنه والمنذر، وجمعها: نذرٌ، وصوت القوس، والرسول، والشيب، وتناذروا: أنذر بعضهم بعضًا1.
والإنذار: الإبلاغ، ولا يكون إلا في التخويف، والاسم النذر2.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
الإنذار: إخبارٌ فيه تخويف، كما أن التبشير إخبار فيه سرور3.
والإنذار: الإعلام بما يحذر منه، ولا يكاد يكون إلا في تخويف يسع زمانه الاحتراز، فإن لم يسع زمانه الاحتراز كان إشعارًا وإيذانًا بوقوع المحذور4، وهو مقصور على إبلاغ المحذر عن الأمر المخوف منه دون أن يتضمن ذكر الوعيد5.
والغرض منه الإعلام بموضع المخافة؛ لتقع به السلامة6.
ويمكن تعريفه بأنه: الإبلاغ عن خطر يترتب على فعل لابد من تركه؛ ليمتنع وقوع الخطر.
فالمعنى الاصطلاحي لا يختلف عن المعنى اللغوي.
وردت مادة (نذر) في القرآن الكريم (١٣٠) مرة، يخص موضوع البحث منها (١٢٤) مرة7.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
١٠ |
(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [البقرة:٦] |
الفعل المضارع |
٢٦ |
(ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [الأنعام:١٣٠] |
فعل الأمر |
٩ |
(ﭑ ﭒ ﭓ) [مريم:٣٩] |
المصدر |
١ |
(ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [المرسلات:٦] |
اسم الفاعل |
١٥ |
(ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [الصافات:٧٢] |
اسم المفعول |
٥ |
(ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [النمل:٥٨] |
صيغة المبالغة |
٤٤ |
(ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [هود:٢] |
الاسم |
١٢ |
(ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [القمر:٥] |
وجاء الإنذار في الاستعمال القرآني بمعناه اللغوي، وهو: إخبار فيه تخويف، والنذير: المنذر، ويقع على كل شيء فيه إنذار، إنسانًا كان أو غيره8.
التخويف:
التخويف لغة:
الإخافة، وهو إدخال الخوف في نفس المخاطب9.
التخويف اصطلاحًا:
إدخال الفزع في قلب المخاطب10؛ حثًا على التحرز من ارتكاب محظور11.
الصلة بين الإنذار والتخويف:
الإنذار تخويف مع إعلام موضع المخافة، فإذا خوف الإنسان غيره وأعلمه حال ما يخوفه به فقد أنذره، وإن لم يعلمه ذلك لم يقل: أنذره12، ويقال: خوفه.
التهديد:
التهديد لغة:
التخويف13، والتوعد بالعقوبة14.
التهديد اصطلاحًا:
زعزعة أمن المخاطب بالوعيد15، وتخويفه بأمر مكروه مفسد لحاله.
الصلة بين الإنذار والتهديد:
الإنذار: تخويف مع إعلام موضع المخافة، أما التهديد: الوعيد والتخويف بالعقوبة16، فالإنذار يتعلق بالمخوّف والمخوّف منه، أما التهديد فيتعلق بالعقوبة المحققة للمنذر.
الوعيد:
الوعيد لغة:
التهديد بالشر17.
الوعيد اصطلاحًا:
إنذار بما سيحدث من دمار ونكبات18.
الصلة بين الإنذار والوعيد:
سبب الإنذار النصح والشفقة، أما الوعيد فهو حاصلٌ عن غضبٍ19.
الترهيب:
الترهيب لغة:
التخويف الشديد20.
الترهيب اصطلاحًا:
المبالغة في إثارة القلق والاضطراب في نفس السامع ظاهرًا وباطنًا21 من شيء؛ ليتحاشاه.
الصلة بين الإنذار والترهيب:
الإنذار: تخويف مع إعلام موضع المخافة، أما الترهيب: «فهو كل ما يخيف المدعو ويحذره من عدم الاستجابة، أو رفض الحق أو عدم الثبات عليه بعد قبوله» 22، فالإنذار يتعلق بالمخوف والمخوف منه، أما الترهيب فيتعلق بنتيجة عدم الاستجابة.
التبشير:
التبشير لغة:
الخبر الذي يؤثر في البشرة تغيرًا23.
التبشير اصطلاحًا:
الإخبار بما يفيد السرور24.
الصلة بين الإنذار والتبشير:
الإنذار فيه إثارة للخوف والقلق، ويؤثر في النفس تنغيصًا، بينما التبشير يعزز الأمن والاطمئنان، ويؤثر في النفس سرورًا، وعليه فإن اللفظين متضادان.
تنوعت أساليب القرآن في الحديث عن الإنذار وهذا ما يتضح فيما يأتي:
أولًا: أسلوب الطلب المباشر:
لقد طلب الله سبحانه وتعالى من الرسول صلى الله عليه وسلم طلبًا مباشرًا بإنذار الخلق عامة، فقال تعالى: (ﮯ ﮰ) [المدثر: ٢].
أي: قم من مضجعك فحذر الناس من عذاب الله، قال قتادة رحمه الله: «أي: أنذر عذاب الله، ووقائعه بالأمم»25.
قال ابن القيم رحمه الله: «فإنه لما نزل عليه: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [المدثر: ١ - ٤].
شمر عن ساق الدعوة، وقام في ذات الله أتم قيامٍ، ودعا إلى الله ليلًا ونهارًا، وسرًا وجهارًا، ولما نزل عليه: (ﭞ ﭟ ﭠ) [الحجر: ٩٤].
فصدع بأمر الله لا تأخذه فيه لومة لائمٍ، فدعا إلى الله الصغير والكبير، والحر والعبد، والذكر والأنثى، والأحمر والأسود، والجن والإنس»26.
وقال سيد قطب رحمه الله في تفسير: (ﮯ ﮰ): «إنه النداء العلوي الجليل للأمر العظيم الثقيل. .، نذارة هذه البشرية وإيقاظها، وتخليصها من الشر في الدنيا، ومن النار في الآخرة، وتوجيهها إلى طريق الخلاص قبل فوات الأوان. .، وهو واجب ثقيل شاق، حين يناط بفرد من البشر -مهما يكن نبيًا رسولًا- فالبشرية من الضلال والعصيان والتمرد والعتو والعناد والإصرار والالتواء والتفصي من هذا الأمر، بحيث تجعل من الدعوة أصعب وأثقل ما يكلفه إنسان من المهام في هذا الوجود! (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) .
والإنذار هو أظهر ما في الرسالة، فهو تنبيه للخطر القريب الذي يترصد للغافلين السادرين في الضلال، وهم لا يشعرون، وفيه تتجلى رحمة الله بالعباد، وهم لا ينقصون في ملكه شيئًا حين يضلون، ولا يزيدون في ملكه شيئًا حين يهتدون، غير أن رحمته اقتضت أن يمنحهم كل هذه العناية؛ ليخلصوا من العذاب الأليم في الآخرة، ومن الشر الموبق في الدنيا، وأن يدعوهم رسله ليغفر لهم، ويدخلهم جنته من فضله!»27.
ثانيًا: أسلوب خطاب الأنبياء لإنذار أقوامهم:
خاطب سبحانه وتعالى الأنبياء عليهم السلام طالبًا منهم إنذار أقوامهم، ومن ذلك إنذار نوح عليه السلام لقومه:
قال تعالى طالبًا من نوح إنذار قومه: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [نوح: ١].
فامتثل أمر ربه، وقال: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [نوح: ٢-٣].
ولكن انتفع بالإنذار من قومه القليل، وهم المؤمنون معه، قال تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [هود: ٤٠].
أما الكثير من قومه لم ينتفعوا بإنذاره لهم، وأعرضوا فأخذهم الطوفان، قال تعالى(ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [العنكبوت: ١٤].
ثالثًا: أسلوب القصص:
لقد قص الله في القرآن قصص الأمم السابقة التي أنذرت فأعرضت.
فقال في سورة القمر في حق قوم نوح لما أعرضوا: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [القمر: ٩- ١٦].
لما كذب قوم نوح استنصر بالله، فقال: إن قومي غلبوني، ولم يستجيبوا لي، فانتصر منهم بعقاب تنزله عليهم، ففتح الله أبواب السماء بماء متدفق متتابع، وفجر الأرض فصارت عيونًا ينبع منها الماء، فالتقى الماء النازل من السماء مع الماء النابع من الأرض على أمر من الله قدره في الأزل، فأغرق الجميع إلا من نجاه الله.
وقال تعالى في حق قوم عاد لما أنذروا فأعرضوا: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [القمر: ١٨- ٢١].
وكذبت عاد نبيها هودًا عليه السلام، فتأملوا -يا أهل مكة- كيف كان عذابي لهم؟ وكيف كان إنذاري لغيرهم بعذابهم؟ إنا بعثنا عليهم ريحًا شديدة باردة في يوم شر وشؤم مستمر معهم إلى ورودهم جهنم، تقتلع الناس من الأرض، وترمي بهم على رءوسهم، كأنهم أصول نخل منقلع من مغرسه، فتأملوا -يا أهل مكة- كيف كان عذابي لهم؟ وكيف كان إنذاري لغيرهم بعذابهم؟
وقال تعالى في حق قوم ثمود لما أنذروا فأعرضوا: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [القمر: ٢٣- ٣١].
وكذبت ثمود بما أنذرهم به رسولهم صالح عليه السلام، فبعث الله عليهم صيحة واحدة فأهلكتهم، فكانوا كيبيس الشجر يتخذ منه المحتظر حظيرة لغنمه.
وقال تعالى في حق قوم لوط لما أنذروا فأعرضوا: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [القمر: ٣٣- ٣٧].
وكذبت قوم لوط بما أنذرهم به رسولهم لوط عليه السلام، فبعث الله عليهم ريحًا ترميهم بالحجارة، إلا آل لوط عليه السلام لم يصبهم العذاب، فقد أنقذناهم منه.
وقال تعالى في حق قوم فرعون لما أنذروا فأعرضوا: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [القمر: ٤١- ٤٣].
وكذب قوم فرعون بالبراهين والحجج التي جاء بها موسى عليه السلام، فعاقبهم الله على تكذيبهم بها، عقوبة عزيز، لا يغلبه أحد، مقتدر لا يعجز عن شيء.
تعددت وسائل وأغراض الإنذار في القرآن وهذا ما يتضح مما يأتي:
أولًا: وسائل الإنذار:
١. الوحي:
لقن الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بـ(قل) التلقينية أنه ما يخوف قومه من العذاب إلا بوحي من الله وهو القرآن، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [الأنبياء: ٤٥].
قل: أيها المقترحون المتشططون إنما أنذركم بوحي يوحيه الله إلي، وبدلالات على العبر التي نصبها الله تعالى؛ لينظر فيها، كنقصان الأرض من أطرافها وغيره، ولم أبعث بآية مضطرة، ولا ما تقترحون28.
ولقنه سبحانه وتعالى بأن يقول للمشركين: لقد أوحى الله إلي هذا القرآن من أجل أن أنذركم به من عذابه أن يحل بكم، وأنذر به من وصل إليه من الأمم، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [الأنعام: ١٩].
قال الربيع بن أنسٍ رحمه الله: «حقٌ على من اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو كالذي دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ينذر بالذي أنذر»29.
٢. الأنبياء:
أخبر سبحانه وتعالى أنه بعث النبيين دعاة لدينه، مبشرين من أطاع الله بالجنة، ومحذرين من كفر به وعصاه النار، قال تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [البقرة: ٢١٣].
وبين سبحانه مقصد بعث الرسل، فقال: أرسلت رسلًا إلى خلقي مبشرين بثوابي، ومنذرين بعقابي؛ لئلا يكون للبشر حجة يعتذرون بها بعد إرسال الرسل، قال تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [النساء: ١٦٥].
وأخبر سبحانه وتعالى أن من آمن وصدق الرسل، وعمل صالحًا، فأولئك لا يخافون عند لقاء ربهم، ولا يحزنون على شيء فاتهم من حظوظ الدنيا، قال تعالى(ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [الأنعام: ٤٨].
وبين سبحانه وتعالى أن المقصد من إنزال القرآن عليه صلى الله عليه وسلم ؛ ليكون من رسل الله الذين يخوفون قومهم عقاب الله، فينذر بهذا الكتاب الإنس والجن أجمعين، قال تعالى (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [الشعراء: ١٩٢-١٩٤].
ثم لقن سبحانه وتعالى الرسول صلى الله عليه وسلم أن من اهتدى بما في القرآن، واتبع ما جئت به، فإنما خير ذلك وجزاؤه لنفسه، ومن ضل عن الحق، فقال: قل -أيها الرسول- إنما أنا نذير لكم من عذاب الله وعقابه إن لم تؤمنوا، فأنا واحد من الرسل الذين أنذروا قومهم، وليس بيدي من الهداية شيء، قال تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [النمل: ٩٢].
٣. قصص السابقين:
لقن الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم إن أعرض المكذبون بعدما بين لهم من أوصاف القرآن الحميدة، ومن صفات الله العظيم أن يقول لهم: قد أنذرتكم عذابًا يستأصلكم مثل عذاب عاد وثمود حين كفروا بربهم وعصوا رسله، قال تعالى: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [فصلت: ١٣].
يقول تعالى: قل يا محمد لهؤلاء المشركين المكذبين بما جئتهم به من الحق: إن أعرضتم عما جئتكم به من عند الله تعالى فإني أنذركم حلول نقمة الله بكم، كما حلت بالأمم الماضين من المكذبين بالمرسلين، صاعقة مثل صاعقة عادٍ وثمود ومن شاكلها، ممن فعل كفعلهما؛ إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم، كقوله تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [الأحقاف: ٢١].
أي: في القرى المجاورة لبلادهم بعث الله إليهم الرسل يأمرون بعبادة الله وحده لا شريك له ومبشرين ومنذرين، ورأوا ما أحل الله بأعدائه من النقم، وما ألبس أولياءه من النعم30.
وخص عادًا وثمودًا بالذكر؛ لوقوف قريش على بلادها في اليمن وفي الحجر في طريق الشام31.
فمن سنن الله أن المثيل يأخذ حكم مثيله، والشبيه يأخذ حكم شبيهه، فخوفهم بتوقع عقابٍ مثل عقاب الذين شابهوهم في الإعراض خشية أن يحل بهم ما حل بأولئك.
وقال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يذكر حكمه فيمن كذب رسله، وخالف أمره، فقال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ) [الأحقاف: ٢١- ٢٥].
والأحقاف: جمع حقفٍ -بكسرٍ فسكونٍ-، وهو الرمل العظيم المستطيل، وكانت هذه البلاد المسماة بالأحقاف منازل عادٍ، وكانت مشرفةً على البحر بين عمان وعدن32.
«وقد أدت الريح ما أمرت به، فدمرت كل شيء (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ) أما هم، وأما أنعامهم، وأما أشياؤهم، وأما متاعهم فلم يعد شيء منه يرى، إنما هي المساكن قائمة خاوية موحشة، لا دار فيها ولا نافخ نار، (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) سنة جارية، وقدر مطرد في المجرمين»33.
٤. حوادث المستقبل (القيامة):
لقد حذر الله عباده عذاب الآخرة القريب الذي يرى فيه كل امرئ ما عمل من خير، أو اكتسب من إثم، ويقول الكافر من هول الحساب: يا ليتني كنت ترابًا فلم أبعث، قال تعالى: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [النبأ: ٤٠].
وأمر الله سبحانه وتعالى الرسول صلى الله عليه وسلم بإنذار الناس، فقال: أنذر -أيها الرسول- الناس يوم الندامة حين يقضى الأمر، ويجاء بالموت كأنه كبش أملح فيذبح، ويفصل بين الخلق، فيصير أهل الإيمان إلى الجنة، وأهل الكفر إلى النار، وهم اليوم في هذه الدنيا في غفلة عما أنذروا به، فهم لا يصدقون، ولا يعملون العمل الصالح، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [مريم: ٣٩].
وأمره سبحانه وتعالى أن يحذر الناس يوم القيامة، وما فيه، فقال: وحذر -أيها الرسول- الناس من يوم القيامة القريب -وإن استبعدوه-؛ إذ قلوب العباد من مخافة عقاب الله قد ارتفعت من صدورهم، فتعلقت بحلوقهم، وهم ممتلئون غمًا وحزنًا، ما للظالمين من قريب ولا صاحب، ولا شفيع يشفع لهم عند ربهم فيستجاب له، قال تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [غافر: ١٨].
وبين له سبحانه وتعالى المقصد من الوحي، فقال: كما أوحينا إلى الأنبياء قبلك أوحينا إليك قرآنًا عربيًا؛ لتنذر أهل (مكة) ومن حولها من سائر الناس، وتنذر عذاب يوم الجمع، وهو يوم القيامة، لا شك في مجيئه، الناس فيه فريقان: فريق في الجنة، وهم الذين آمنوا بالله، واتبعوا ما جاءهم به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ومنهم فريق في النار المستعرة، وهم الذين كفروا بالله، وخالفوا ما جاءهم به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [الشورى: ٧].
وقال سبحانه وتعالى للرسول صلى الله عليه وسلم: وأنذر -أيها الرسول- الناس الذين أرسلتك إليهم عذاب الله يوم القيامة، وعند ذلك يقول الذين ظلموا أنفسهم بالكفر: ربنا أمهلنا إلى وقت قريب نؤمن بك ونصدق رسلك، فيقال لهم توبيخًا: ألم تقسموا في حياتكم أنه لا زوال لكم عن الحياة الدنيا إلى الآخرة، فلم تصدقوا بهذا البعث؟ قال تعالى: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [إبراهيم: ٤٤].
ثانيًا: أغراض الإنذار:
١. الدعوة إلى توحيد الله عز وجل:
لقد جاءت الرسالة؛ لإقرار التوحيد في حياة الناس جميعًا، قال الله سبحانه وتعالى للرسول صلى الله عليه وسلم: قل -أيها الرسول- لقومك: إنما أنا منذر لكم من عذاب الله أن يحل بكم؛ بسبب كفركم به، ليس هناك إله مستحق للعبادة إلا الله وحده، فهو المتفرد بعظمته وأسمائه وصفاته وأفعاله، القهار الذي قهر كل شيء وغلبه، قال تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [ص: ٦٥].
يقول تعالى آمرًا رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول للكفار بالله المشركين به المكذبين لرسوله: إنما أنا منذرٌ لست كما تزعمون، وما من إلهٍ إلا الله الواحد القهار، أي: هو وحده قد قهر كل شيءٍ وغلبه، رب السموات والأرض وما بينهما، أي: هو مالكٌ جميع ذلك، ومتصرفٌ فيه، العزيز الغفار، أي: غفار مع عظمته وعزته34.
٢. الهداية:
أنزل الله عز وجل القرآن على رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ ليهتدي الناس به، ويعرفوا الحق ويؤمنوا به ويؤثروه، قال تعالى: (ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [السجدة: ٣].
٣. التنبيه من الغفلة:
لقد بين الله للرسول صلى الله عليه وسلم الغرض من إنزال القرآن عليه، فقال: أنزلنا عليك -أيها الرسول- القرآن؛ لتحذر به قومًا لم ينذر آباؤهم من قبلك، وهم العرب، فهؤلاء القوم ساهون عن الإيمان والاستقامة على العمل الصالح، وكل أمة ينقطع عنها الإنذار تقع في الغفلة، قال تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [يس: ٦].
فالغفلة أشد ما يفسد القلوب، فالقلب الغافل قلب معطل عن وظيفته، معطل عن الالتقاط والتأثر والاستجابة، تمر به دلائل الهدى أو يمر بها دون أن يحس بها أو يدركها، ودون أن ينبض أو يستقبل، ومن ثم كان الإنذار هو أليق شيء بالغفلة التي كان فيها القوم، الذين مضت الأجيال دون أن ينذرهم منذر، أو ينبههم منبه35.
٤. التذكر:
بين سبحانه وتعالى رحمته برسوله وبالمستجيبين لدعوته فقال: ما كنت -أيها الرسول- بجانب جبل الطور حين نادينا موسى، ولم تشهد شيئًا من ذلك فتعلمه، ولكنا أرسلناك رحمة من ربك؛ لتنذر قومًا لم يأتهم من قبلك من نذير؛ لعلهم يتذكرون الخير الذي جئت به فيفعلوه، والشر الذي نهيت عنه فيجتنبوه، قال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﮊ ﮋ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [القصص: ٤٦].
قال ابن عاشور رحمه الله: «والتذكر: هو النظر العقلي في الأسباب التي دعت إلى حكمة إنذارهم، وهي تناهي ضلالهم فوق جميع الأمم الضالة؛ إذ جمعوا إلى الإشراك مفاسد جمةً من قتل النفوس، وارتزاقٍ بالغارات وبالمقامرة، واختلاط الأنساب، وانتهاك الأعراض، فوجب تذكيرهم بما فيه صلاح حالهم» 36.
٥. الإقلاع عن المخالفة:
قال تعالى: (ﰃ ﰄ ﰅﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ) [الذاريات: ٥٠].
والفرار إلى الله مستعارٌ للإقلاع عما هم فيه من الإشراك وجحود البعث «أي: الفرار مما يكرهه الله ظاهرًا وباطنًا، إلى ما يحبه، ظاهرًا وباطنًا، فرار من الجهل إلى العلم، ومن الكفر إلى الإيمان، ومن المعصية إلى الطاعة، ومن الغفلة إلى ذكر الله، فمن استكمل هذه الأمور، فقد استكمل الدين كله، وقد زال عنه المرهوب، وحصل له نهاية المراد والمطلوب.
وسمى الله الرجوع إليه فرارًا؛ لأن في الرجوع لغيره أنواع المخاوف والمكاره، وفي الرجوع إليه أنواع المحاب والأمن، والسرور والسعادة والفوز، فيفر العبد من قضائه وقدره إلى قضائه وقدره، وكل من خفت منه فررت منه إلى الله تعالى، فإنه بحسب الخوف منه يكون الفرار إليه» 37.
٦. إقامة الحجة على الناس:
أخبر سبحانه وتعالى أنه أرسل رسلًا إلى خلقه مبشرين بثوابه، ومنذرين بعقابه؛ لئلا يكون للبشر حجة يعتذرون بها بعد إرسال الرسل، فعمهم سبحانه بالدعوة على ألسنة رسله حجةً منه وعدلًا، قال تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [النساء: ١٦٥].
فإرسال الرسل لقطع عذر البشر إذا سئلوا عن جرائم أعمالهم، واستحقوا غضب الله وعقابه38.
الحديث في هذا الموضع عن المنذِرين في القرآن، ويكون من خلال النقاط الآتية:
أولًا: الله عز وجل:
الله سبحانه وتعالى هو المنذر لعباده، وهذا من رأفته ورحمته بهم؛ لئلا يتعرضوا لعقابه إذا أعرضوا، كما قال تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [آل عمران: ٣٠].
وجميع المنذرين بعد ذلك تبع لهذا الأصل، فإذا أنذر الرسل وورثتهم فبأمره، وإذا أنذر القرآن فهو وحيه سبحانه وتعالى .
ومن استجاب لإنذاره سبحانه وتعالى وانتفع به نجا من عقابه في الدنيا والآخرة، ومن أعرض فله العذاب في الدنيا والآخرة.
ثانيًا: القرآن:
أنزل الله كتابه؛ ليكون بشيرًا بالثواب العاجل والآجل لمن آمن به وعمل بمقتضاه، ونذيرًا بالعقاب العاجل والآجل لمن كفر به، قال تعالى: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [فصلت: ٣- ٤].
شبه القرآن بالبشير فيما اشتمل عليه من الآيات المبشرة للمؤمنين الصالحين، وبالنذير فيما فيه من الوعيد للكافرين وأهل المعاصي39.
وقال تعالى: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [يس: ٧٠].
أي: لينذر هذا القرآن المبين كل حيٍ على وجه الأرض40.
وقال تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [الكهف: ٢].
أي: لينذر بهذا القرآن الكريم عقابه الذي عنده، أي: قدره وقضاؤه على من خالف أمره، وهذا يشمل عقاب الدنيا وعقاب الآخرة، وهذا أيضًا من نعمه أن خوف عباده، وأنذرهم ما يضرهم ويهلكهم41.
وقال تعالى: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [الأحقاف: ١٢]. أي: مشتملٌ على النذارة للكافرين، والبشارة للمؤمنين42.
ثالثًا: الرسل عليهم السلام:
من رحمة الله بعباده أنه ما من أمة إلا وأرسل فيها رسولًا؛ ليقيم عليهم الحجة، قال تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [فاطر: ٢٤].
أي: وما من أمةٍ خلت من بني آدم إلا وقد بعث الله تعالى إليهم النذر، وأزاح عنهم العلل43.
والحكمة في الإنذار أن لا يبقى الضلال رائجًا، وأن يتخول الله عباده بالدعوة إلى الحق، سواء عملوا بها، أو لم يعلموا، فإنها لا تخلو من أثرٍ صالحٍ فيهم، وإنما لم يسم القرآن إلا الأنبياء والرسل الذين كانوا في الأمم السامية القاطنة في بلاد العرب وما جاورها؛ لأن القرآن حين نزوله ابتدأ بخطاب العرب ولهم علمٌ بهؤلاء الأقوام، فقد علموا أخبارهم، وشهدوا آثارهم، فكان الاعتبار بهم أوقع، ولو ذكرت لهم رسل أممٍ لا يعرفونهم لكان إخبارهم عنهم مجرد حكايةٍ، ولم يكن فيه استدلال واعتبار44.
و أيضًا من حكمة إرسال الرسل إقامة حجته على عباده؛ حتى لا يكون لهم عذر.
روى مسلم في صحيحه بسنده عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس أحدٌ أحب إليه المدح من الله عز وجل، من أجل ذلك مدح نفسه، وليس أحدٌ أغير من الله، من أجل ذلك حرم الفواحش، وليس أحدٌ أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك أنزل الكتاب، وأرسل الرسل) 45.
وقد كثر في القرآن ذكر المقصد من الرسل بأنه الإنذار والتبشير، ومن ذلك:
قوله تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [البقرة: ٢١٣].
وأخبر سبحانه وتعالى أنه أرسل في الأمم السابقة مرسلين فأنذروهم بالعذاب فكفروا، قال تعالى: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الصافات: ٧٢].
وأخبر سبحانه وتعالى أنه أنزل القرآن على قلب رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ ليكون من رسل الله الذين يخوفون قومهم عقاب الله، فتنذر بهذا التنزيل الإنس والجن أجمعين، قال تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [الشعراء ١٩١-١٩٤].
وقد بين سبحانه المقصد من إرسال الرسل، وهو لئلا يكون للبشر حجة يعتذرون بها بعد إرسال الرسل، قال تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [النساء: ١٦٥].
رابعًا: أهل العلم:
قال تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [التوبة: ١٢٢].
قال ابن القيم رحمه الله: ندب تعالى المؤمنين إلى التفقه في الدين وهو تعلمه، وإنذار قومهم إذا رجعوا إليهم وهو التعليم.
وقد اختلف في الآية:
فقيل: المعنى أن المؤمنين لم يكونوا لينفروا كلهم للتفقه والتعلم، بل ينبغي أن ينفر من كل فرقة منهم طائفة تتفقه تلك الطائفة، ثم ترجع تعلم القاعدين، فيكون النفير على هذا نفير تعلم.
وقالت طائفة أخرى: المعنى: وما كان المؤمنون لينفروا إلى الجهاد كلهم، بل ينبغي أن تنفر طائفة للجهاد وفرقة تقعد تتفقه في الدين، فإذا جاءت الطائفة التي نفرت فقهتها القاعدة وعلمتها ما أنزل من الدين والحلال والحرام، وعلى هذا فيكون قوله: (ﯴ) (ﯷ) للفرقة التي نفرت منها طائفة، وهذا قول الأكثرين، وعلى هذا فالنفير نفير جهاد على أصله.
وعلى القولين فهو ترغيب في التفقه في الدين وتعلمه وتعليمه، فإن ذلك يعدل الجهاد، بل ربما يكون أفضل منه46.
وقال ابن عاشور رحمه الله: «وإذ كان من مقاصد الإسلام بث علومه وآدابه بين الأمة، وتكوين جماعاتٍ قائمةٍ بعلم الدين، وتثقيف أذهان المسلمين كي تصلح سياسة الأمة على ما قصده الدين منها، من أجل ذلك عقب التحريض على الجهاد بما يبين أن ليس من المصلحة تمحض المسلمين كلهم لأن يكونوا غزاةً أو جندًا، وأن ليس حظ القائم بواجب التعليم دون حظ الغازي في سبيل الله من حيث إن كليهما يقوم بعملٍ لتأييد الدين، فهذا يؤيده بتوسع سلطانه، وتكثير أتباعه، والآخر يؤيده بتثبيت ذلك السلطان وإعداده؛ لأن يصدر عنه ما يضمن انتظام أمره وطول دوامه، فإن اتساع الفتوح وبسالة الأمة لا يكفيان لاستبقاء سلطانها إذا هي خلت من جماعةٍ صالحةٍ من العلماء والساسة وأولي الرأي المهتمين بتدبير ذلك السلطان؛ ولذلك لم تثبت دولة التتار إلا بعد أن امتزجوا بعلماء المدن التي فتحوها، ووكلوا أمر الدولة إليهم» 47.
وقال الشيخ السعدي رحمه الله: «أي: ليتعلموا العلم الشرعي، ويعلموا معانيه، ويفقهوا أسراره، وليعلموا غيرهم، ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم»48.
ففي هذا فضيلة العلم، وخصوصًا الفقه في الدين، وأنه أهم الأمور، وأن من تعلم علمًا فعليه نشره وبثه في العباد، ونصيحتهم به، فإن انتشار العلم عن العالم من بركته وأجره الذي ينمى له.
وأما اقتصار العالم على نفسه، وعدم دعوته إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وترك تعليم الجهال ما لا يعلمون، فأي منفعة حصلت للمسلمين منه؟ وأي نتيجة نتجت من علمه؟ وغايته أن يموت، فيموت علمه وثمرته، وهذا غاية الحرمان، لمن آتاه الله علمًا ومنحه فهمًا.
وفي هذه الآية أيضًا: دليل وإرشاد وتنبيه لطيف لفائدة مهمة، وهي: «أن المسلمين ينبغي لهم أن يعدوا لكل مصلحة من مصالحهم العامة من يقوم بها، ويوفر وقته عليها، ويجتهد فيها، ولا يلتفت إلى غيرها؛ لتقوم مصالحهم، وتتم منافعهم، ولتكون وجهة جميعهم، ونهاية ما يقصدون قصدًا واحدًا وهو قيام مصلحة دينهم ودنياهم، ولو تفرقت الطرق وتعددت المشارب، فالأعمال متباينة، والقصد واحد، وهذه من الحكمة العامة النافعة في جميع الأمور»49.
خامسًا: المنذرون من الجن:
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [الأحقاف: ٢٩].
أي: نصحًا منهم لهم وإقامة لحجة الله عليهم، وقيضهم الله معونة لرسوله صلى الله عليه وسلم في نشر دعوته في الجن50.
قال ابن كثير رحمه الله: «وقد استدل بهذه الآية على أنه في الجن نذرٌ، وليس فيهم رسلٌ، ولا شك أن الجن لم يبعث الله منهم رسولًا لقوله تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [يوسف: ١٠٩].
وقال عز وجل: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الفرقان: ٢٠].
وقال عن إبراهيم الخليل عليه السلام: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [العنكبوت: ٢٧].
فكل نبي بعثه الله تعالى بعد إبراهيم فمن ذريته وسلالته.
فأما قوله تبارك وتعالى في الأنعام: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [الأنعام: ١٣٠].
فالمراد هنا مجموع الجنسين، فيصدق على أحدهما وهو الإنس51.
قال سيد قطب رحمه الله في اهتمام الجن بإنذار قومهم: «فلما انتهت التلاوة لم يلبثوا أن سارعوا إلى قومهم، وقد حملت نفوسهم ومشاعرهم منه ما لا تطيق السكوت عليه، أو التلكؤ في إبلاغه، والإنذار به، وهي حالة من امتلأ حسه بشيء جديد، وحفلت مشاعره بمؤثر قاهر غلاب، يدفعه دفعًا إلى الحركة به، والاحتفال بشأنه، وإبلاغه للآخرين في جد واهتمام» 52.
الحديث في هذا الموضع يكون عن المُنْذَرين ومواقفهم من المُنْذِرين:
١. الكافرون المعاندون:
أخبرنا سبحانه وتعالى في القرآن عن مواقف الكفار المعاندين من الإنذار، والتي منها:
أخبر سبحانه أنه ما أرسل في قرية من رسول يدعو الى توحيد الله وإفراده بالعبادة إلا قال رءوسهم وقادتهم في الشر من أهلها: إنا بالذي جئتم به -أيها الرسل- جاحدون.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [الزخرف: ٢٣-٢٤].
وقال تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [سبأ: ٣٤].
«هذه تسليةٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، مما مني به من قومه قريشٍ، من الكفر والافتخار بالأموال والأولاد، وأن ما ذكروا من ذلك هو عادة المترفين مع أنبيائهم، فلا يهمنك أمرهم، ونص على المترفين؛ لأنهم أول المكذبين للرسل، لما شغلوا به من زخرفة الدنيا، وما غلب على عقولهم منها، فقلوبهم أبدًا مشغولةٌ منهمكةٌ» 53.
قال سيد قطب رحمه الله: «فهي قصة معادة، وموقف مكرور، على مدار الدهور، وهو الترف يغلظ القلوب، ويفقدها الحساسية، ويفسد الفطرة ويغشيها، فلا ترى دلائل الهداية فتستكبر على الهدى، وتصر على الباطل، ولا تتفتح للنور».
والمترفون تخدعهم القيم الزائفة، والنعيم الزائل، ويغرهم ما هم فيه من ثراء وقوة، فيحسبونه مانعهم من عذاب الله، ويخالون أنه آية الرضا عنهم، أو أنهم في مكان أعلى من الحساب والجزاء، والقرآن يضع لهم ميزان القيم كما هي عند الله، ويبين لهم أن بسط الرزق وقبضه ليست له علاقة بالقيم الثابتة الأصيلة، ولا يدل على رضا ولا غضب من الله ولا يمنع بذاته عذابًا، ولا يدفع إلى عذاب، قد يغدق الله على أهل الشر استدراجًا لهم؛ ليزدادوا سوءًا وبطرًا وإفسادًا، ويتضاعف رصيدهم من الإثم والجريمة، ثم يأخذهم في الدنيا أو في الآخرة -وفق حكمته وتقديره- بهذا الرصيد الأثيم! وقد يحرمهم فيزدادون شرًا وفسوقًا وجريمة، وجزعًا وضيقًا ويأسًا من رحمة الله، وينتهوا بهذا إلى مضاعفة رصيدهم من الشر والضلال.
فقد يغدق الله على أهل الخير؛ ليمكنهم من أعمال صالحة كثيرة ما كانوا بالغيها لو لم يبسط لهم في الرزق، وليشكروا نعمة الله عليهم بالقلب واللسان، والفعل الجميل، ويذخروا بهذا كله رصيدًا من الحسنات يستحقونه عند الله بصلاحهم، وبما يعلمه من الخير في قلوبهم، وقد يحرمهم فيبلو صبرهم على الحرمان، وثقتهم بربهم، ورجاءهم فيه، واطمئنانهم إلى قدره، ورضاهم بربهم وحده، وهو خير وأبقى، وينتهوا بهذا إلى مضاعفة رصيدهم من الخير والرضوان54.
أخبر سبحانه وتعالى أن موقف الأقوام الذين أرسل فيهم المنذرون التكذيب، قال تعالى عن قوم صالح عليه السلام: (ﯬ ﯭ ﯮ) [القمر: ٢٣].
وقال عن قوم لوط عليه السلام: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [القمر: ٣٣].
وقال عن قوم نوح عليه السلام (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [الشعراء: ١٠٥].
وقال عن قوم عاد: (ﮡ ﮢ ﮣ) [الشعراء:١٢٣].
وأخبر سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن من سنة الله مقابلة الدعوة بالتكذيب، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [فاطر: ٤].
أخبر سبحانه وتعالى عن عجب الأقوام السابقة من إرسال رسول منهم، قال تعالى على لسان نوح عليه السلام: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [الأعراف: ٦٣].
وقال على لسان هود عليه السلام: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [الأعراف: ٦٩].
أي: لا تعجبوا من هذا، فإن هذا ليس بعجب أن يوحي الله إلى رجلٍ منكم رحمةً بكم، ولطفًا وإحسانًا إليكم؛ لينذركم، ولتتقوا نقمة الله ولا تشركوا به، ولعلكم ترحمون55.
وبين سبحانه وتعالى في مواضع أخر أن جميع الأمم عجبوا من ذلك، قال في عجب قوم نبينا صلى الله عليه وسلم من ذلك: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [يونس: ٢].
وقال: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [ق: ٢].
وقال عن الأمم السابقة: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [التغابن: ٦].
وبين سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أن الذين جحدوا ما أنزل إليك من ربك استكبارًا وطغيانًا، لن يقع منهم الإيمان، سواء أخوفتهم وحذرتهم من عذاب الله، أم تركت ذلك؛ لإصرارهم على باطلهم، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [البقرة: ٦].
وقال تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [يس: ١٠].
فالإنذار لا ينفع قلبًا غير مهيأ للإيمان، مشدود عنه، محال بينه وبينه بالسدود، فالإنذار لا يخلق القلوب، إنما يوقظ القلب الحي المستعد للتلقي.
أخبر سبحانه وتعالى أن الذين جحدوا أن الله هو الإله الحق معرضون عما أنذرهم به القرآن، لا يتعظون ولا يتفكرون، قال تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [الأحقاف: ٣].
٢. الناس كافة:
أخبر سبحانه وتعالى أنه أنزل القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم بلاغًا وإعلامًا للناس؛ لنصحهم وتخويفهم، ولكي يوقنوا أن الله هو الإله الواحد، فيعبدوه وحده لا شريك له، وليتعظ به أصحاب العقول السليمة، قال تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [إبراهيم: ٥٢].
«إن الغاية الأساسية من ذلك البلاغ وهذا الإنذار هي أن يعلم الناس: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) فهذه هي قاعدة دين الله التي يقوم عليها منهجه في الحياة.
وليس المقصود بطبيعة الحال مجرد العلم، إنما المقصود هو إقامة حياتهم على قاعدة هذا العلم، المقصود هو الدينونة لله وحده، ما دام أنه لا إله غيره، فالإله هو الذي يستحق أن يكون ربًا –أي: حاكمًا وسيدًا ومتصرفًا ومشرعًا وموجهًا-، وقيام الحياة البشرية على هذه القاعدة يجعلها تختلف اختلافًا جوهريًا عن كل حياة تقوم على قاعدة ربوبية العباد للعباد -أي حاكمية العباد للعباد ودينونة العباد للعباد-، وهو اختلافٌ يتناول الاعتقاد والتصور، ويتناول الشعائر والمناسك، كما يتناول الأخلاق والسلوك، والقيم والموازين، وكما يتناول الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكل جانب من جوانب الحياة الفردية والجماعية على السواء.
إن الاعتقاد بالألوهية الواحدة قاعدة لمنهج حياة متكامل، وليس مجرد عقيدة مستكنة في الضمائر، وحدود العقيدة أبعد كثيرًا من مجرد الاعتقاد الساكن، إن حدود العقيدة تتسع وتترامى حتى تتناول كل جانب من جوانب الحياة، وقضية الحاكمية بكل فروعها في الإسلام هي قضية عقيدة، كما أن قضية الأخلاق بجملتها هي قضية عقيدة، فمن العقيدة ينبثق منهج الحياة الذي يشتمل الأخلاق والقيم، كما يشتمل الأوضاع والشرائع سواء بسواء»56.
٣. العالمون:
أخبر سبحانه وتعالى في القرآن أنه نزل القرآن الفارق بين الحق والباطل على عبده محمد صلى الله عليه وسلم ؛ ليكون رسولًا للإنس والجن، مخوفًا لهم من عذاب الله.
قال تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [الفرقان: ١].
فالمراد بـ(العالمين) هنا الإنس والجن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان رسولًا إليهما، ونذيرًا لهما57.
٤. الأقوام:
أخبر سبحانه وتعالى الرسول صلى الله عليه وسلم أنه أرسله رحمة؛ لينذر قومًا لم يأتهم من قبله من نذير؛ لعلهم يتذكرون الخير الذي جاء به فيفعلوه، والشر الذي نهى عنه فيجتنبوه.
قال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [القصص: ٤٦].
وقال سبحانه للرسول صلى الله عليه وسلم: واذكر -أيها الرسول- نبي الله هودًا -أخا عاد في النسب لا في الدين- حين أنذر قومه أن يحل بهم عقاب الله، وهم في منازلهم المعروفة بـ(الأحقاف): وهي الرمال الكثيرة جنوب الجزيرة العربية، وقد مضت الرسل بإنذار قومها قبل هود وبعده، بأن لا تشركوا مع الله شيئًا في عبادتكم له، إني أخاف عليكم عذاب الله في يوم يعظم هوله، وهو يوم القيامة.
وقال سبحانه وتعالى على لسان نوح عليه السلام يا قومي إني نذير لكم بين الإنذار من عذاب الله إن عصيتموه.
قال تعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [نوح: ٢].
وقال سبحانه وتعالى عن قوم فرعون: ولقد جاء أتباع فرعون وقومه إنذارنا بالعقوبة لهم على كفرهم، قال تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [القمر: ٤١].
قال الشنقيطي رحمه الله: «قوله: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) قيل: هو جمع نذيرٍ، وهو الرسول، وقيل: هو مصدرٌ بمعنى الإنذار، فعلى أنه مصدرٌ فقد بينت الآيات القرآنية بكثرةٍ أن الذي جاءهم بذلك الإنذار هو موسى وهارون، وعلى أنه جمع نذيرٍ أي منذرٍ، فالمراد به موسى وهارون، وقد جاء في آياتٍ كثيرةٍ إرسال موسى وهارون لفرعون، كقوله تعالى في طه: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [طه: ٤٧].
ثم بين تعالى إنذارهما له في قوله: (ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) [طه: ٤٨]58 ».
وهنا تساؤل: لماذا جمع النذر؟
قال الشنقيطي رحمه الله: «لأن من كذب رسولًا واحدًا فقد كذب جميع المرسلين، ومن كذب نذيرًا واحدًا فقد كذب جميع النذر؛ لأن أصل دعوة جميع الرسل واحدةٌ، وهي مضمون لا إله إلا الله، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [الأنبياء: ٢٥]»59.
٥. العشيرة الأقربون:
أمر الله رسوله أن يحذر من عذابه الأقرب فالأقرب من قومه، قال تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ) [الشعراء: ٢١٤].
عن ابن عباسٍ رضي الله عنه قال: لما أنزل الله عز وجل: (ﭿ ﮀ ﮁ) أتى النبي صلى الله عليه وسلم الصفا، فصعد عليه ثم نادى: (يا صباحاه) فاجتمع الناس إليه بين رجلٍ يجيء إليه وبين رجلٍ يبعث رسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا بني عبد المطلب، يا بني فهرٍ، يا بني لؤيٍ، أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلًا بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم صدقتموني؟) قالوا: نعم، قال: «فإني نذيرٌ لكم بين يدي عذاب شديد» فقال أبو لهبٍ: تبًا لك سائر اليوم، أما دعوتنا إلا لهذا؟ وأنزل الله: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [المسد: ١]60.
فلما أمر رسول الله بإنذار عشيرته امتثل هذا الأمر الإلهي، فدعا سائر بطون قريش، فعمم وخصص، وذكرهم ووعظهم، ولم يبق صلى الله عليه وسلم من مقدوره شيئًا، من نصحهم، وهدايتهم، إلا فعله، فاهتدى من اهتدى، وأعرض من أعرض61.
٦. أم القرى وما حولها:
أخبر سبحانه وتعالى أنه أنزل القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ليخوف به من عذاب الله وبأسه أهل (مكة) ومن حولها من أهل أقطار الأرض كلها، قال تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [الأنعام: ٩٢].
كما أخبر سبحانه وتعالى أنه كما أوحى إلى الأنبياء قبل الرسول الكريم أوحى إلى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قرآنًا عربيًا؛ لينذر أهل (مكة) ومن حولها من سائر الناس، وينذر عذاب يوم القيامة.
قال تعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [الشورى: ٧].
وأم القرى: هي مكة ومن حولها من سائر البلاد شرقًا وغربًا، وسميت مكة أم القرى؛ لأنها أشرف من سائر البلاد.
روى الترمذي بسنده عن عبد الله ابن عدي بن حمراء قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفًا على الحزورة، فقال: (والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت) 62.
٧. الظالمون:
أخبر سبحانه وتعالى أنه أنزل كتابه بلسان عربي؛ لينذر الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعصية، وبشرى للذين أطاعوا الله، فأحسنوا في إيمانهم وطاعتهم في الدنيا، قال تعالى: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [الأحقاف: ١٢].
والذين ظلموا هم المشركون، كما قال الله: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [لقمان: ١٣].
ويلحق بهم الذين ظلموا أنفسهم من المؤمنين؛ ولذلك قوبل بالمحسنين وهم المؤمنون الأتقياء؛ لأن المراد: ظلم النفس، ويقابله الإحسان، والنذارة مراتب، والبشارة مثلها63.
٨. المؤمنون:
لقن الله سبحانه وتعالى الرسول صلى الله عليه وسلم أنه ما هو إلا رسول الله أرسله؛ ليخوف من عقابه، ويبشر بثوابه قومًا يصدقونه، ويعملون بشرعه، فقال: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [الأعراف: ١٨٨].
والرسول صلى الله عليه وسلم نذير وبشير للناس أجمعين، ولكن الذين (يؤمنون) هم الذين ينتفعون بما معه من النذارة والبشارة، فهم الذين يفقهون حقيقة ما معه، وهم الذين يدركون ما وراء هذا الذي جاء به.
ثم هم بعد ذلك خلاصة البشرية كلها، كما أنهم هم الذين يخلص بهم الرسول من الناس أجمعين.
إن الكلمة لا تعطي مدلولها الحقيقي إلا للقلب المفتوح لها، والعقل الذي يستشرفها ويتقبلها، وإن هذا القرآن لا يفتح كنوزه، ولا يكشف أسراره، ولا يعطي ثماره إلا لقوم يؤمنون64.
كما أخبر سبحانه وتعالى أن المؤمنين ينذر بعضهم بعضًا.
قال تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [التوبة: ١٢٢].
من صفات المؤمنين المنتفعين بالإنذار:
أخبر سبحانه وتعالى أن الإنذار يؤثر في صاحب القلب الحي المستنير البصيرة، قال تعالى: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [يس: ٧٠].
عن قتادة رحمه الله: «حي القلب، حي البصر» 65.
فأخبر سبحانه وتعالى أن الانتفاع بالقرآن والإنذار به إنما يحصل لمن هو حي القلب، كما قال في موضع آخر: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [ق: ٣٧].
فأخبر سبحانه أن الناس قسمان: حيٌ قابلٌ للانتفاع، يقبل الإنذار وينتفع به، وميتٌ لا يقبل الإنذار، ولا ينتفع به؛ لأن أرضه غير زاكيةٍ، ولا قابلةٍ لخيرٍ ألبتة66.
قال تعالى: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [فاطر: ١٨].
أي: هؤلاء الذين يقبلون النذارة، وينتفعون بها، أهل الخشية لله بالغيب، الذين يخشونه في حال السر والعلانية، والمشهد والمغيب، وأهل إقامة الصلاة، بحدودها وشروطها وأركانها وواجباتها وخشوعها؛ لأن الخشية لله تستدعي من العبد العمل بما يخشى من تضييعه العقاب، والهرب مما يخشى من ارتكابه العذاب، والصلاة تدعو إلى الخير، وتنهى عن الفحشاء والمنكر67.
أمر الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يخوف بالقرآن الذين يعلمون أنهم يحشرون إلى ربهم، قال تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [الأنعام: ٥١].
وخص الذين يخافون أن يحشروا؛ لأن الإنذار يؤثر فيهم لما حل بهم من الخوف، بخلاف من لا يخاف الحشر من طوائف الكفر؛ لجحوده به وإنكاره فإنه لا يؤثر فيه ذلك68.
وعرفوا بالموصول؛ لما تدل عليه الصلة من المدح، ومن التعليل بتوجيه إنذاره إليهم دون غيرهم؛ لأن الإنذار للذين يخافون أن يحشروا إنذارٌ نافعٌ، خلافًا لحال الذين ينكرون الحشر، فلا يخافونه فضلًا عن الاحتياج إلى شفعاء.
و(ﯣ ﯤ): مفعول (ﯢ)، أي: يخافون الحشر إلى ربهم فهم يقدمون الأعمال الصالحة وينتهون عما نهاهم خيفة أن يلقوا الله وهو غير راضٍ عنهم، وخوف الحشر يقتضي الإيمان بوقوعه69.
بين الله سبحانه وتعالى للرسول صلى الله عليه وسلم من ينتفعون بالإنذار، فقال: إنما ينفع تحذيرك من آمن بالقرآن، واتبع ما فيه من أحكام الله، وخاف الرحمن، حيث لا يراه أحد إلا الله، قال تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [يس: ١١].
واتباع الذكر: هو العمل بما في كتاب الله تعالى، والاقتداء به70.
والذي اتبع القرآن، وخشي الرحمن دون أن يراه هو الذي ينتفع بالإنذار، فكأنه هو وحده الذي وجه إليه الإنذار. وكأنما الرسول صلى الله عليه وسلم قد خصه به، وإن كان قد عمم، إلا أن أولئك حيل بينهم وبين تلقيه، فانحصر في من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب.
وهذا يستحق التبشير بعد انتفاعه بالإنذار: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) المغفرة عما يقع فيه من الخطايا غير مصر، والأجر الكريم على خشية الرحمن بالغيب، واتباعه لما أنزل الرحمن من الذكر، وهما متلازمان في القلب، فما تحل خشية الله في قلب إلا ويتبعها العمل بما أنزل، والاستقامة على النهج الذي أراد71.
هذا الموضع يتحدث عن المنذر منه أو المحذر منه فيما يأتي:
أولًا: عقوبات دنيوية:
١. طمس الأعين:
أخبر سبحانه عن لوط عليه السلام فقال: ولقد خوف لوط قومه بأس الله وعذابه، فلم يسمعوا له، بل شكوا في ذلك، وكذبوه، قال تعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [القمر: ٣٦-٣٨].
قال ابن زيدٍ رحمه الله: «هؤلاء قوم لوطٍ حين راودوه عن ضيفه، طمس الله أعينهم، فكان ينهاهم عن عملهم الخبيث الذي كانوا يعملون، فقالوا: إنا لا نترك عملنا، فإياك أن تنزل أحدًا أو تضيفه، أو تدعه ينزل عليك، فإنا لا نتركه ولا نترك عملنا، قال: فلما جاءه المرسلون خرجت امرأته الشقية من الشق، فأتتهم فدعتهم، وقالت لهم: تعالوا فإنه قد جاء قومٌ لم أر قط أحسن وجوهًا منهم، ولا أحسن ثيابًا، ولا أطيب أرواحًا منهم، قال: فجاءوه يهرعون إليه، فقال: إن هؤلاء ضيفي، فاتقوا الله ولا تخزوني في ضيفي، قالوا: أولم ننهك عن العالمين؟ أليس قد تقدمنا إليك وأعذرنا فيما بيننا بينك؟ قال: هؤلاء بناتي هن أطهر لكم، فقال له جبريل عليه السلام: ما يهولك من هؤلاء؟ قال: أما ترى ما يريدون؟ فقال: إنا رسل ربك لن يصلوا إليك، لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك، لتصنعن هذا الأمر سرًا، وليكونن فيه بلاءٌ؛ قال: فنشر جبريل عليه السلام جناحًا من أجنحته، فاختلس به أبصارهم، فطمس أعينهم، فجعلوا يجول بعضهم في بعضٍ»72.
٢. الصاعقة:
قال تعالى: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [فصلت: ١٣].
الصاعقة: نارٌ تخرج مع البرق تحرق ما تصيبه، وتطلق على الحادثة المبيرة السريعة الإهلاك73.
٣. المطر المدمر:
قال تعالى: (ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [الشعراء: ١٧٣].
قال ابن عطية رحمه الله: «(المطر) الذي مطر عليهم هي حجارة السجيل، أهلكت جميعهم، وهذه الآية أصل لمن جعل من الفقهاء الرجم في اللوطية»74. وسمي ما أصابهم من الحجارة مطرًا؛ لأنه نزل عليهم من الجو، وقيل: هو من مقذوفات براكين في بلادهم أثارتها زلازل الخسف، فهو تشبيهٌ بليغٌ75.
٤. العذاب الشديد:
قال تعالى: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [الصافات (١٧٧)].
أي: فإذا نزل العذاب بمحلتهم فبئس ذلك اليوم يومهم بإهلاكهم ودمارهم، وقال السدي رحمه الله: (ﯪ ﯫ ﯬ) يعني: بدارهم، (ﯭ ﯮ ﯯ) أي: فبئس ما يصبحون، أي: بئس الصباح صباحهم76.
وفي هذا المعنى روى البخاري بسنده عن أنسٍ رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى خيبر ليلًا، وكان إذا أتى قومًا بليلٍ لم يغر بهم حتى يصبح، فلما أصبح خرجت اليهود بمساحيهم ومكاتلهم، فلما رأوه قالوا: محمدٌ والله، محمدٌ والخميس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قومٍ (ﯭ ﯮ ﯯ)) 77.
وذكر الصباح؛ لأنه من علائق الهيئة المشبه بها، فإن شأن الغارة أن تكون في الصباح؛ ولذلك كان نذير المجيء بغارة عدوٍ ينادي: يا صباحاه! نداء ندبةٍ وتفجعٍ، واعلم أن في اختيار هذا التمثيل البديع معنًى بديعًا من الإيماء إلى أن العذاب الذي وعدوه هو ما أصابهم يوم بدرٍ من قتلٍ وأسرٍ على طريقة التورية78.
٥. الصيحة:
أخبر سبحانه وتعالى عن تكذيب ثمود بالآيات التي أنذروا بها، ومصيرهم بعد التكذيب، فقال تعالى: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [القمر: ٢٣-٣١].
والصيحة: الصاعقة، وهي المعبر عنها بالطاغية في سورة الحاقة، وفي سورة الأعراف بالرجفة، وهي صاعقةٌ عظيمةٌ خارقةٌ للعادة أهلكتهم؛ ولذلك وصفت بـ(واحدةً)؛ للدلالة على أنها خارقةٌ للعادة؛ إذ أتت على قبيلةٍ كاملةٍ وهم أصحاب الحجر79 «فبادوا عن آخرهم لم تبق منهم باقيةٌ، وخمدوا وهمدوا كما يهمد وييبس الزرع والنبات» 80.
ثانيًا: عقوبات أخروية:
أولًا: أهوال القيامة:
١. يوم الجمع:
قال تعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [الشورى: ٧].
أي: تخوفهم إياه؛ لما فيه من عذاب من كفر، وسمي يوم الجمع؛ لاجتماع أهل الأرض فيه بأهل السماء، أو لاجتماع بني آدم للعرض81.
وقال الرازي رحمه الله: وفي تسميته بيوم الجمع وجوهٌ:
الأول: أن الخلائق يجمعون فيه، قال تعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [التغابن: ٩].
فيجتمع فيه أهل السموات مع أهل الأرض.
الثاني: أنه يجمع بين الأرواح والأجساد.
الثالث: يجمع بين كل عاملٍ وعمله.
الرابع: يجمع بين الظالم والمظلوم82.
والآيات الموضحة لهذا المعنى كثيرةٌ، كقوله سبحانه وتعالى: (ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ) [الواقعة: ٤٩-٥٠].
وقوله سبحانه وتعالى: (ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ) [المرسلات: ٣٨].
وقوله سبحانه وتعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [النساء: ٨٧].
وقوله سبحانه وتعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [التغابن: ٩].
وقوله تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [هود: ١٠٣].
وقوله سبحانه وتعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [آل عمران: ٢٥].
٢. يوم الآزفة:
قال تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [غافر: ١٨].
يعني: يوم القيامة، سميت بذلك؛ لأنها قريبةٌ؛ إذ كل ما هو آتٍ قريبٌ، نظيره قوله عز وجل: (ﮑ ﮒ) [النجم: ٥٧].
أي: قربت القيامة83.
عن ابن مسعود رضي الله عنه: أنه ينادي أهل الجنة وأهل النار: هو الخلود أبد الآبدين، قال: فيفرح أهل الجنة فرحة لو كان أحد ميتًا من فرحة لماتوا، ويشهق أهل النار شهقة لو كان أحد ميتًا من شهقة لماتوا، فذلك قوله: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [غافر: ١٨]84.
وعن الحسن البصري رحمه الله في قوله تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [غافر: ١٨].
قال: ‹‹ أزفت والله عقولهم، وطارت قلوبهم، فترددت في أجوافهم بالغصص إلى حناجرهم، لما أمر بهم ملك يسوقهم إلى النار، فيقول بعضهم لبعض: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [الأعراف: ٥٣].
فينادون: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [غافر: ١٨]»85
قال سيد قطب رحمه الله: «اللفظ يصورها كأنها مقتربة زاحفة، والأنفاس من ثم مكروبة لاهثة، وكأنما القلوب المكروبة تضغط على الحناجر، وهم كاظمون لأنفاسهم ولآلامهم ولمخاوفهم، والكظم يكربهم، ويثقل على صدورهم وهم لا يجدون حميمًا يعطف عليهم، ولا شفيعًا ذا كلمة تطاع في هذا الموقف العصيب المكروب! وهم بارزون في هذا اليوم لا يخفى على الله منهم شيء»86.
٣. يوم الحسرة:
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [مريم: ٣٩].
يقول تعالى ذكره لنبيه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: وأنذر يا محمد هؤلاء المشركين بالله يوم حسرتهم وندمهم، على ما فرطوا في جنب الله، وأورثت مساكنهم من الجنة أهل الإيمان بالله والطاعة له، وأدخلوهم مساكن أهل الإيمان بالله من النار، وأيقن الفريقان بالخلود الدائم، والحياة التي لا موت بعدها، فيا لها حسرة وندامة87.
روى مسلم بسنده عن أبي سعيدٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبشٌ أملح -زاد أبو كريبٍ: فيوقف بين الجنة والنار، واتفقا في باقي الحديث- فيقال: يا أهل الجنة هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم، هذا الموت، قال: ويقال: يا أهل النار هل تعرفون هذا؟ قال: فيشرئبون وينظرون، ويقولون: نعم، هذا الموت، قال: فيؤمر به فيذبح، قال: ثم يقال: يا أهل الجنة خلودٌ فلا موت، ويا أهل النار خلودٌ فلا موت). قال: ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [مريم: ٣٩]. وأشار بيده إلى الدنيا88.
ثانيًا: النار:
قال تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ) [الليل: ١٤].
قال مجاهدٌ رحمه الله: أي: توهج89.
وقال ابن عاشور رحمه الله: هذه نارٌ خاصةٌ أعدت للكافرين، فهي التي في قوله: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [البقرة: ٢٤].
والقرينة على ذلك قوله: (ﭚ ﭛ) [الليل: ١٧]90.
وفي هذا المعنى روى الإمام أحمد بسنده عن سماك بن حربٍ، سمعت النعمان بن بشيرٍ يخطب يقول: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: (أنذرتكم النار) حتى لو أن رجلًا كان بالسوق لسمعه من مقامي هذا، قال: حتى وقعت خميصةٌ كانت على عاتقه عند رجليه»91.
عدم الاستجابة للإنذار له عواقب وخيمة نتناولها فيما يأتي:
أولًا: عواقب دنيوية:
١ عاقبة قوم نوح: الغرق.
قال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [يونس: ٧١- ٧٣].
يقول تعالى ذكره: فكذب نوحًا قومه فيما أخبرهم به عن الله من الرسالة والوحي، فنجيناه ومن معه ممن حمل معه في الفلك، يعني في السفينة (ﮍ ﮎ) يقول: وجعلنا الذين نجينا مع نوحٍ في السفينة خلائف في الأرض من قومه الذين كذبوه بعد أن أغرقنا الذين كذبوا بآياتنا، يعني حججنا وأدلتنا على توحيدنا، ورسالة رسولنا نوحٍ، يقول الله لنبيه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: فانظر يا محمد كيف كان عاقبة المنذرين، وهم الذين أنذرهم نوحٌ عقاب الله على تكذيبهم إياه وعبادتهم الأصنام.
يقول له جل ثناؤه: انظر ماذا أعقبهم تكذيبهم رسولهم؟ فإن عاقبة من كذبك من قومك إن تمادوا في كفرهم وطغيانهم على ربهم نحو الذي كان من عاقبة قوم نوحٍ حين كذبوه.
يقول جل ثناؤه: فليحذروا أن يحل بهم مثل الذي حل بهم إن لم يتوبوا92.
قال صاحب المنار رحمه الله: «قدم ذكر تنجية المؤمنين واستخلافهم على إغراق المكذبين وقطع دابرهم؛ لأنه هو الأهم في سياق صدق الوعد والوعيد من وجهين:
أولهما: تقديم مصداق الوعد لتسلية النبي صلى الله عليه وسلم وتسرية حزنه على قومه ومنهم.
وثانيهما: كونه هو الأظهر في الحجة على أنهما -أي: الوعد والوعيد- من الله تعالى القادر على إيقاعهما، على خلاف ما يعتقد المشركون المكذبون المغرورون بكثرتهم، وقلة أتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وخلاف الأصل المعهود في المصائب العامة في العادة، وهو أنها تصيب الصالح والطالح على سواءٍ، فلا تمييز فيها ولا استثناء، ولكنه هو الذي جرت به سنة الله تعالى في مكذبي الرسل من بعد نوحٍ، فكان آيةً لهم، فلولا أن الأمر بيد الله على وفق وعده ووعيده لما هلك الألوف الكثيرون، ونجا أفرادٌ قليلون لهم صفةٌ خاصةٌ أخرجهم منهم تصديقًا لخبر رسولهم، وما سيق هذا النبأ هنا إلا لتقرير هذا المعنى»93.
فكانت عاقبة المكذبين الهلاك المخزي، واللعنة المتتابعة عليهم في كل قرن يأتي بعدهم، لا تسمع فيهم إلا لومًا، ولا ترى إلا قدحًا وذمًا.
هذه سنة الله في الأرض، وهذا وعده لأوليائه فيها، فإذا طال الطريق على العصبة المؤمنة مرة، فيجب أن تعلم أن هذا هو الطريق، وأن تستيقن أن العاقبة والاستخلاف للمؤمنين، وألا تستعجل وعد الله حتى يجيء وهي ماضية في الطريق، والله لا يخدع أولياءه سبحانه، ولا يعجز عن نصرهم بقوته، ولا يسلمهم كذلك لأعدائه، ولكنه يعلمهم ويدربهم ويزودهم -في الابتلاء- بزاد الطريق 94.
وقد أخبر الله سبحانه وتعالى عن عقاب الأمم المكذبة في قوله تعالى: (ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [العنكبوت: ٤٠].
أشار جل وعلا في هذه الآيات الكريمة إلى إهلاك عادٍ وثمود وقارون وفرعون وهامان، ثم صرح بأنه أخذ كلًا منهم بذنبه، ثم فصل على سبيل ما يسمى في البديع باللف والنشر المرتب أسباب إهلاكهم.
٢. إهلاك عاد بالريح العقيم.
قال تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [العنكبوت: ٤٠].
وهي: الريح، يعني: عادًا، بدليل قوله: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [الحاقة: ٦].
وقوله: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [الذاريات: ٤١].
٣. إهلاك ثمود بالصيحة.
وقوله تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [العنكبوت: ٤٠].
يعني: ثمود، بدليل قوله تعالى فيهم: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [هود: ٦٧ – ٦٨].
٤. إهلاك قارون بالخسف.
قال تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [العنكبوت: ٤٠].
يعني: قارون، بدليل قوله تعالى فيه: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [القصص: ٨١].
٥. إهلاك فرعون بالغرق.
وقوله تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ) [العنكبوت: ٤٠].
يعني: فرعون وهامان، بدليل قوله تعالى: (ﭫ ﭬ ﭭ) [الصافات: ٨٢].
ثانيًا: عواقب أخروية:
قال تعالى: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [الصافات: ٧١- ٧٤].
يخبرتعالى عن الأمم الماضية أن أكثرهم كانوا ضالين يجعلون مع الله آلهةً أخرى، وذكر تعالى أنه أرسل فيهم منذرين ينذرونهم بأس الله، ويحذرونهم سطوته ونقمته ممن كفر به وعبد غيره، وأنهم تمادوا على مخالفة رسلهم وتكذيبهم، فأهلك المكذبين ودمرهم، ونجى المؤمنين ونصرهم وظفرهم95.
قال ابن عاشور رحمه الله: «والأمر بالنظر مستعملٌ في التعجيب والتهويل، فإن أريد بالعاقبة عاقبتهم في الدنيا فالنظر بصريٌ، وإن أريد عاقبتهم في الآخرة كما يقتضيه السياق فالنظر قلبيٌ، ولا مانع من إرادة الأمرين واستعمال المشترك في المعنيين»96.
موضوعات ذات صلة: |
البشرى، الترغيب، الترهيب، الدعوة، النصيحة |
1 انظر: القاموس المحيط، الفيروزآبادي، ص٤٨١ .
2 انظر: لسان العرب،ابن منظور، ٥/٢٠٠ .
3 المفردات، الأصفهاني، ٧٩٧ .
4 انظر: التوقيف، المناوي، ١/٦٤ .
5 انظر: الكليات، الكفوي،١/٢٠١.
6 انظر: التوقيف، المناوي، ص٣٢٣ .
7 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبدالباقي ص ٦٩١-٦٩٣.
8 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٧٩٧، الوجوه والنظائر، الدامغاني ص ٤٤٧.
9 انظر: مختار الصحاح، الرازي ص٩٨ .
10 انظر: لسان العرب، ابن منظور،٩/ ٩٩ .
11 انظر: المفردات، الأصفهاني،ص٣٠٣ .
12 الفروق اللغوية، العسكري، ١/٢٤٢ .
13 انظر: مختار الصحاح، الرازي، ص٣٢٥.
14 انظر: المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، ٢/ ٩٧٦ .
15 انظر: المفردات، الأصفهاني، ص٨٣٤ .
16 لسان العرب، ابن منظور، ٣/ ٤٣٣ .
17 انظر: تاج العروس،الزبيدي، ٩/ ٣٠٩، معجم اللغة العربية المعاصرة، أحمد مختار عمر،٣/ ٢٤٦٧.
18 انظر: معجم اللغة العربية المعاصرة، أحمد مختار عمر، ٣/ ٢٤٦٧ .
19 انظر: المصباح المنير، الفيومي، ٢/ ٦٦٥ .
20 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس، ٢/ ٤٧، المصباح المنير، الفيومي،١/ ٢٤١، معجم اللغة العربية المعاصرة، أحمد مختار عمر، ٢/ ٩٤٩ .
21 انظر: التوقيف، المناوي،ص١٨٢ .
22 أصول الدعوة، عبد الكريم زيدان، ص٤٣٧ .
23 انظر: تاج العروس، الزبيدي، ١٠/ ١٨٥ .
24 انظر: المصدر السابق .
25 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٥/٣٩٢.
26 زاد المعاد ٣/ ١٢.
27 في ظلال القرآن ٦/٣٧٥٤.
28 المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٨٤.
29 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٢١٩.
30 المصدر السابق ٧/ ١٥٤.
31 المحرر الوجيز، ابن عطية ٥/٨.
32 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٦/٤٥.
33 في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/ ٣٢٦٧.
34 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٧٠.
35 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٢٩٥٩.
36 التحرير والتنوير ٢٠/ ١٣٤.
37 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٨١١.
38 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٦/ ٣٩.
39 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٤/٢٣٢.
40 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٥٢٨.
41 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٦٩.
42 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٢٥٧
43 المصدر السابق ٦/٤٨١.
44 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٢/٢٩٧.
45 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب التوبة، باب غيرة الله تعالى وتحريم الفواحش، ٤/٢١١٤، رقم ٢٧٦٠.
46 مفتاح دار السعادة ١/٥٦.
47 التحرير والتنوير ١١/٥٩.
48 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٣٥٥.
49 المصدر السابق.
50 المصدر السابق، ص ٧٨٣.
51 تفسير القرآن العظيم، ٧/٢٨٠.
52 في ظلال القرآن ٦/٣٢٣.
53 البحر المحيط، أبو حيان ٨/٥٥٣.
54 في ظلال القرآن ٥/٢٩١٠.
55 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٣٨٨.
56 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢١١٤.
57 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٣/٢.
58 أضواء البيان، الشنقيطي ٧/٤٨٤.
59 المصدر السابق.
60 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، سورة تبت يدا أبي لهب، رقم ٤٩٧١.
61 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥٩٨.
62 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب المناقب، باب في فضل مكة، ٥/٧٢٢، رقم ٣٩٢٥.
وصححه الألباني في الجامع الصغير، ٢/١١٩٢، رقم ٧٠٨٩.
63 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٦/٢٦.
64 في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/١٤١٠.
65 أخرجه الطبري في تفسيره ١٩/٤٨١.
66 مدارج السالكين، ابن القيم ١/٢٣٤.
67 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٨٧.
68 فتح القدير، الشوكاني ٢/١٣٦.
69 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٧/٢٤٤.
70 المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٤٤٨.
71 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٢٩٦٠.
72 أخرجه الطبري في تفسيره ٢٢/١٥١.
73 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٤/ ٢٥٣.
74 المحرر الوجيز ٤/٢٦٥.
75 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٩/١٨١.
76 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٤١.
77 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، ٥/١٣١، رقم ٤١٩٧، ومسلم في صحيحه، كتاب النكاح، باب فضيلة إعتاقه أمته، ثم يتزوجها، ٢/ ١٠٤٥، رقم ١٣٦٥.
78 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٣/١٩٨.
79 المصدر السابق ٢٧/ ٢٠٢.
80 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٤٤٤.
81 المحرر الوجيز، ابن عطية ٥/٢٧.
82 مفاتيح الغيب، ٢٧/٥٨٠.
83 معالم التنزيل، البغوي ٧/١٤٤.
84 انظر: التخويف من النار، ابن رجب ١/١٥٣.
85 صفة النار، ابن أبي الدنيا ص١٣١.
86 في ظلال القرآن ٥/٣٠٧٤.
87 جامع البيان، الطبري ١٥/٥٤٤.
88 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء، ٤/ ٢١٨٨، رقم ٢٨٤٩.
89 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٤٠٨.
90 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣٠/٣٩٠.
91 أخرجه أحمد في مسنده، ٣٠/٣٤٨، رقم ١٨٣٩٨.
وصححه الألباني في تعليقه على المشكاة، رقم ٥٦٨٧.
92 جامع البيان، الطبري ١٢/٢٣٦.
93 المنار، محمد رشيد رضا ١١/٣٧٨.
94 في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/١٨١٢.
95 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/١٩.
96 التحرير والتنوير ٢٣/١٢٨.