عناصر الموضوع
الأمر
أولًا: المعنى اللغوي:
الأمر: الشأن، وجمعه أمور، ومصدر أمرته: إذا كلفته أن يفعل شيئًا، وهو لفظ عام للأفعال والأقوال كله1؛ يقال: أمر فلانٍ مستقيمٌ وأموره مستقيمةٌ، وإذا أمرت من أمر قلت: مر، وأصله أؤمر، فلما اجتمعت همزتان، وكثر استعمال الكلمة حذفت الهمزة الأصلية فزال الساكن فاستغني عن الهمزة الزائدة، والهمزة والميم والراء أصولٌ خمسةٌ: الأمر من الأمور، والأمر ضد النهي، والأمر النماء والبركة بفتح الميم، والمعلم، والعجب2.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
الأمر في الاصطلاح: طلب الفعل على جهة الاستعلاء، أو هو: «طلب الفعل بالقول على سبيل الاستعلاء»3، وعرف الجرجاني الأمر بقوله: «قول القائل لمن دونه: افعل»4.
ومن خلال ما سبق يتضح أن العلاقة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي هي علاقة العموم والخصوص، فالأمر في اللغة ينصرف على عدة معانٍ متباينة، أما الأمر في الاصطلاح فقد أتى بمعنى اصطلاحي يقتصر عليه.
وردت مادة (أمر) في القرآن (٢٤٨) مرة، يخص موضوعنا منها (٨٨) مرة5.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
١ |
(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) [الأعراف:١٢] |
الفعل المضارع |
٤٠ |
(ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [هود:٨٧] |
فعل الأمر |
٥ |
(ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [الأعراف:١٩٩] |
اسم الفاعل |
١ |
(ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [التوبة:١١٢] |
صيغة المبالغة |
١ |
(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [يوسف:٥٣] |
المصدر |
٧ |
(ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [الأنعام:٨] |
وجاء الأمر الذي جمعه أوامر في الاستعمال القرآني بمعنى: استدعاء الفعل بالقول من الأعلى إلى الأدنى6. ومنه قوله تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [النساء:٥٨].
النهي:
النهي لغة:
النهي ضد الأمر، ونهاه عن كذا ينهاه نهيًا، أي: كف. . .، ونهى صديقه عن الخيانة، منعه وحذره منها7.
النهي اصطلاحًا:
النهي: ضد الأمر وهو: اللفظ المستعمل لطلب الترك على وجه الاستعلاء8.
الصلة بين الأمر والنهي:
أن النهي يشترك مع الأمر في الدلالة على الطلب، إلا أن الأمر يراد منه طلب الفعل والإتيان به، أما النهي فيراد منه النهي عن الفعل والزجر عنه، فالنهي باعتبار اشتمال متعلقه على مفسدة كان مطلوب الترك، والأمر باعتبار اشتمال متعلقه على مصلحة كان مطلوب الفعل.
الخبر:
الخبر لغة:
قال ابن فارس: الخاء والباء والراء أصلان: فالأول العلم، والثاني يدل على لينٍ ورخاوةٍ وغزرٍ9.
الخبر اصطلاحًا:
الخبر: هو الكلام المحتمل للصدق والكذب، والخبر: العلم بالأشياء المعلومة من جهة الخبر، وفي الاصطلاح القرآني: ما يعبر به عن واقعة معينة10.
الصلة بين الأمر والخبر:
الأمر: طلب الفعل على وجه الاستعلاء، والخبر: الكلام المحتمل للصدق والكذب، ونلاحظ أن هناك علاقة مترابطة بين المصطلحين، فالخبر يتضمن الأمر، والأمر يشمل الخبر وغيره.
الدعاء:
الدعاء لغة:
مأخوذ من مادة (د ع و) التي تدل في الأصل على إمالة الشيء إليك بصوت وكلام يكون منك، ومن هذا الأصل الدعاء في معنى الرغبة إلى الله عز وجل، وهو واحد الأدعية، والفعل من ذلك دعا يدعو، والمصدر الدعاء والدعوى11.
الدعاء اصطلاحًا:
هو سؤال العبد ربه حاجته.
وقيل: طلب الأدنى من الأعلى تحصيل الشيء12.
الصلة بين الدعاء والأمر:
الفرق بين الدعاء والأمر أن في الأمر ترغيبًا في الفعل، وزجرًا عن تركه، وله صيغة تنبئ عنه، وليس كذلك الدعاء، وكلاهما طلب، وأيضًا فإن الأمر يقتضي أن يكون المأمور دون الآمر في الرتبة13.
بين القرآن الكريم أنواع الأمر الإلهي، وتفرد الله تعالى بالخلق والأمر، وسوف يتناول البحث ذلك بالبيان فيما يأتي:
أولًا: الله سبحانه وتعالى له الخلق والأمر:
إن العقل السليم قاضٍ لا محالة بأن الموجود لابد له من موجد (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [الطور: ٣٥].
وأن المخلوق لابد له من خالق، وأن الكون لابد له من مدبر، ولا محالة بأن يكون الخالق غير المخلوق في صفاته وذاته وأفعاله، وأن هذا الخالق من مقتضيات ألوهيته وربوبيته أنه له الخلق والأمر، الإيجاد والتدبير والحساب والجزاء، فهو سبحانه المتحكم في الأكوان والعقول والقلوب وسائر الموجودات والأشياء، وبالجملة فإنه (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [الزمر: ٦٣].
فالله سبحانه خالق الكون ومدبره.
قال تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [الأعراف: ٥٤].
والخلق: إيجاد الشيء من العدم، والأمر: التدبير والتصرف على حسب الإرادة لما خلقه، فهو سبحانه الخالق والمدبر للعالم على حسب إرادته وحكمته، لا شريك له في ذلك، فهو سبحانه هو الذي خلق الأشياء كلها، ويدخل في ذلك السموات والأرض وغيرهما، وهو الذي دبر هذا الكون على حسب إرادته14.
يقول الإمام ابن عاشور: «والتعريف في الخلق والأمر تعريف الجنس، فتفيد الجملة قصر جنس الخلق وجنس الأمر على الكون في ملك الله تعالى، فليس لغيره شيء من هذا الجنس، وهو قصر إضافي معناه: ليس لآلهتهم شيء من الخلق ولا من الأمر، وأما قصر الجنس في الواقع على الكون في ملك الله تعالى فذلك يرجع فيه إلى القرائن، فالخلق مقصور حقيقة على الكون في ملكه تعالى، وأما الأمر فهو مقصور على الكون في ملك الله قصرًا ادعائيًا؛ لأن لكثير من الموجودات تدبير أمور كثيرة، ولكن لما كان المدبر مخلوقًا لله تعالى كان تدبيره راجعًا إلى تدبير الله»15.
ففي الآية دليل على أنه لا خالق إلا الله عز وجل، ففيه رد على من يقول: إن للشمس والقمر والكواكب تأثيرات في هذا العالم، فأخبر الله أنه هو الخالق المدبر لهذا العالم لا الشمس والقمر والكواكب، وله الأمر المطلق، وليس لأحد أمر غيره، فهو الآمر والناهي الذي يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد لا اعتراض لأحد من خلقه عليه، ويدخل في ذلك السماوات والأرض والشمس والقمر والليل والنهار دخولًا أوليًا، فهو الذي دبرها وصرفها على حسب إرادته16.
فقوله: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [الأعراف: ٥٤].
فيه ما يسمى (إيجاز قصر) وهو جمع المعاني الكثيرة بالألفاظ القليلة، فالآية أرشدت أن الله عز وجل هو المنفرد بقدرة الإيجاد، وخالق السماوات والأرض، فهو الذي يجب أن يعبد؛ ولهذا عندما سئل المشركون عن المدبر والخالق لهذا الكون بما يحويه من سماء وأرض ونجوم وجبال وشجر، فكان الجواب بدون تردد بأنه هو الحق سبحانه وتعالى: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [يونس: ٢١]17.
فهو يدبر أمر ملكه بما اقتضاه علمه من النظام، واقتضته حكمته من الإحكام، ولا يستنكر من رب هذا الخلق المدبر لأمور عباده أن يفيض ما شاء من علمه على من اصطفى من خلقه، ما يهديهم به لما فيه كمالهم من عبادته وشكره؛ وبذلك تصلح أنفسهم، وتطهر قلوبهم، وتستنير أفئدتهم؛ لتتم لهم بذلك الحياة السعيدة في الدنيا، والنعيم المقيم في الآخرة، كما لا يستنكر أن هذا الوحي منه عز وجل إذ هو من كمال تقديره وتدبيره، ولا يقدر عليه سواه18.
فالخالق المدبر له (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [الروم: ٤].
يقضي في خلقه ما يشاء، ويحكم ما يريد، ويظهر من شاء منهم على من أحب إظهاره عليه، فلله الأمر من قبل ومن بعد، فإياك أن تظن أن انتصار الباطل جاء غصبًا عن إرادة الله، أو خارجًا عن مراده، إنما أراده الله وقصده لحكمة، يعني: إياكم أن تفهموا أن انتصار الفرس على الروم، أو انتصار الروم على الفرس خارج عن مرادات الله، فلله الأمر من قبل الغلب، ولله الأمر من بعد الغلب، فحين غلبت الروم لله الأمر، وحين انتصرت الفرس لله الأمر؛ لأن الحق سبحانه يهيج أصحاب الخير بأن يغلب أصحاب الشر، ويحرك حميتهم، ويوقظ بأعدائهم مشاعرهم، وينبههم إلى أن الأعداء لا ينبغي أن يكونوا أحسن منهم19.
فقوله سبحانه: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [الروم: ٤].
جملة معترضة لبيان قدرة الله تعالى التامة النافذة، فليس الغلبة والنصر لمجرد وجود الأسباب، وإنما هي لابد أن يقترن بها القضاء والقدر20.
قال ابن كثير: «وقد كانت نصرة الروم على فارس يوم وقعة بدر، في قول طائفة كبيرة من العلماء...، فلما انتصرت الروم على فارس فرح المؤمنون بذلك؛ لأن الروم أهل كتاب في الجملة، فهم أقرب إلى المؤمنين من المجوس، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، كما هو عند جمهور المفسرين»21.
فالحق سبحانه (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [الرعد: ٢].
فالتدبير والتفصيل متجدد متكرر بتجدد تعلق القدرة بالمقدورات، وتدبير الأمر: تصريفه على أحسن الوجوه وأحكمها وأكملها، والآيات: جمع آية، والمراد بها هنا: ما يشمل الآيات القرآنية، والبراهين الكونية الدالة على وحدانيته وقدرته سبحانه.
أي: أنه سبحانه يقضى ويقدر ويتصرف في أمر خلقه على أكمل الوجوه، ومن تدبيره لأمور خلقه، ومن تفصيله للآيات لعلكم عن طريق التأمل والتفكير فيما خلق توقنون بلقائه، وتعتقدون أن من قدر على إيجاد هذه المخلوقات العظيمة لا يعجزه أن يعيدكم إلى الحياة بعد موتكم؛ لكي يحاسبكم على أعمالكم22.
فالحق يوضح الآيات والدلالات الدالة على أنه لا إله إلا هو، وأنه يعيد الخلق إذا شاء كما بدأه، فالله سبحانه وتعالى تصير إليه جميع الأمور (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [البقرة: ٢١٠].
(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [آل عمران: ١٠٩].
وهو المجازي على الأعمال بالثواب والعقاب.
ففيه دليل على كمال القدرة والرحمة؛ لأن جميع العالم محتاجون إلى تدبيره ورحمته، داخلون تحت قهره وقضائه وقدرته (ﭻ ﭼ ﭼ [الرعد: ٢].
يعني: أنه تعالى يبين الآيات الدالة على وحدانيته وكمال قدرته، ومنها الموجودات المشاهدة، وهي خلق السماوات والأرض وما فيهما من العجائب، وأحوال الشمس والقمر وسائر النجوم والموجودات الحادثة في العالم، وهي الموت بعد الحياة، والفقر بعد الغنى، والضعف بعد القوة، إلى غير ذلك من أحوال هذا العالم، وكل ذلك مما يدل على وجود الصانع، وكمال قدرته23.
فله تعالى القدرة المطلقة (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [الرعد:٣١].
أي: لو ثبت أن قرأنًا يقرأ ويتلى سيرت به الجبال، فانتقلت من أماكنها، وانفسحت عن شعابها لتتسع رقعة للزرع والغراس، أو قطعت الأرض فتشققت، لا تكون منها بحار تجري فيها المياه، أو يكلم به الموتى بمعنى أنه يحييها، ثم يكلمها، ولكن الكلام لا يسير الجبال، ومع ذلك فهو أقوى تأثيرًا، وكان يمكن أن يؤثر في قلوب المشركين بأشد من ذلك، لولا أن عنادهم حجر قلوبهم، وكما قال سبحانه: (ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [الحشر:٢١]ولكن القلوب التي سكنها الشرك والكفر، وهي كالحجارة أو أشد قسوة، بل لله الأمر جميعًا، الإضراب للانتقال بين هذا إلى بيان أن اختيار المعجزات من أمر الله، وله وحده كل الأمر، أي: أن الإضراب متوجه إلى ما يؤدي إليه كون الأمر لله سبحانه، ويستلزمه من توقف الأمر على ما تقتضيه حكمته ومشيئته24.
فمما لايشك فيه شاك، ولا يرتاب فيه مرتاب بأن (ﭲ ﭳ ﭴ) [آل عمران: ١٥٤].
فالقضاء والقدر خيره وشره، حلوه ومره بيد الله، وجميع الأمور لله سبحانه وتعالى، فالحكم والشأن المتعلق بعموم ما يكون وما كان كله لله، مستند إليه أولًا، وبالذات بلا رؤية الأسباب والوسائل25.
وبهذه الآيات وغيرها يثبت أن الخالق المدبر الموجد لجميع العوالم هو الحق سبحانه وتعالى القادر المقتدر، بيده الخير كله، وإليه يرجع الأمر، والله وأعلم.
ثانيًا: أنواع الأمر الإلهي:
١. الأمر القدري الكوني.
يتمثل في أمر الإنشاء والتكوين والإيجاد.
قال تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [غافر: ٦٨].
يعني: فإذا قضى وقدر أمرًا يريد إنفاذه وإيجاده وإنشاءه، وإخراج المخلوق من العدم، فإنما يقول له: كن فيكون، ويوجد من غير توقف على شيء آخر، ولا معاناة ولا كلفة، أي: إن كل مخلوق يوجد بإرادة الله وحده، مما يدل على وجوده سبحانه، وبهذا يتبين أن إيجاد المخلوق يعتمد على أمرين: الأمر الإلهي بالإيجاد (أي الأمر القدري الكوني) وتلبس القدرة الإلهية بإيجاده وإظهاره، لا قبل ذلك، ففي حال العدم لا يظهر الشيء؛ إذ لا يوجد الأمر، ولا شيء بعد الإيجاد؛ لأن ما هو كائن لا يقال له: كن26.
وقال عز من قائل: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [يس: ٣٦].
فالمراد من الأمر هنا الأمر التكويني.
أي: إنما شأنه تعالى في إيجاد الأشياء أن يقول لما يريد إيجاده: تكون فيتكون، ويحدث فورًا بلا تأخير27.
وعن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يقول: يا عبادي، كلكم مذنب إلا من عافيت، فاستغفروني أغفر لكم. . .، وكلكم فقير إلا من أغنيت، فاسألوني أغنكم. . .، كذلك لا ينقص من ملكي، ذلك بأني جواد ماجد صمد، عطائي كلام، وعذابي كلام، إذا أردت شيئًا فإنما أقول له: كن، فيكون)28.
فالآيتان تنبهان على قدرة الله في الإحياء والإماتة، وعلى سرعة إنجاز الخلق والتكوين بمجرد إرادة الله الفعل.
٢. الأمر الشرعي الديني.
يتمثل الأمر الشرعي الديني في أمر الحق سبحانه وتعالى، وكذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم للعباد بالإيمان، والتوحيد، وأداء العبادات، والتكاليف الشرعية، والأمر بالتمسك بالأخلاق والقيم، فالأمر الشرعي الديني يشمل الأمر العلمي (الاعتقادي) والعملي (التكليفي) والتهذيبي (الأخلاقي).
وبالجملة يشمل كل ما هو مطلوب من العباد في جميع المجالات، وعلى كل الأصعدة، أي سواء أكانت تلك الأوامر متعلقة بمطلوب يتعلق بعلاقة العبد بربه، أو علاقته بغيره من البشر، أو علاقته بنفسه وذاته التي بين جنبيه، أم غير ذلك، فكل ما هو مطلوب من العبد يدخل تحت الأمر الشرعي29.
قال تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [التوبة: ٣١].
بيان لما أمر به اليهود والنصارى من التوحيد والإخلاص لله بعد أن (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [التوبة: ٣١].
وبين الحق ما أمر به النبي من قبل الحق سبحانه وتعالى (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [الزمر: ١١].
فأمر النبي بعبادة الله، والإخلاص له، وهذا الأمر تدخل فيه الأمة المحمدية أيضًا، فهذا أمر شرعي ديني علمي أو اعتقادي، وقال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ) [طه: ١٣٢].
فهنا أمرٌ للنبي بأمر أهله بالصلاة والصبر عليها، والصلاة من التكاليف العملية، فهذا أمر شرعي ديني تكليفي.
٣. الأمر الجزائي.
يتمثل في الجزاء المترتب على اتباع الأمر أو مخالفته، سواء أكان الجزاء دنيويًا أو أخرويًا، أي: حاضرًا أو مؤجلًا.
ومنه قوله: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [الأنعام: ١٥٩].
أي: إنما أمرهم إلى الله يتولى جزاءهم، ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون بالعقاب، إذا وردوا للقيامة30.
ومثله: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [هود: ٦٦].
أي: فلما جاء أمرنا بإنزال العذاب بهم في الوقت المحدد نجينا صالحًا والذين آمنوا معه برحمة عظيمة كائنة منا31.
فأمر الله تمثل في الجزاء الذي لحق بهم، وهو الهلاك والدمار لعدم إيمانهم بالله ورسوله، والأمر الجزائي قد يكون أخرويًا كما في المثال الأول، وقد يكون دنيويًا كما في الثاني.
هذا عن مخالفة الأمر الإلهي، أما اتباع الأمر الإلهي فيكون له جزاء (إيجابي) هو الآخر كنتيجة طبيعية لتنفيذه، قال تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [آل عمران: ١٠٤].
يعني: (ﮢ) الداعون إلى الخير، الآمرون بالمعروف، الناهون عن المنكر (ﮣ ﮤ) فمقتضى القيام بحق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنه يؤدي إلى الفلاح في الدنيا والآخرة، ففي النص قصر، أي: نفي وإثبات، فهو يثبت الفلاح لهم، وينفي الفلاح عن غيرهم ممن لم يقم بهذا الواجب المقدس32.
ثالثًا: صفات الأمر الإلهي:
من خلال تتبع النصوص التي بينت الأمر الإلهي نجد أنه يتميز بعدة صفات أساسية:
١. القسط.
وإليه الإشارة بقوله تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [الأعراف: ٢٩].
وهذا بيانٌ للمأمور به، وهو العدل، يقول تعالى ذكره لنبيه: (ﯥ) يا محمد لهؤلاء الذين يزعمون أن الله أمرهم بالفحشاء كذبًا على الله: ما أمر ربي بما تقولون، بل (ﯦ ﯧ ﯨ) يعني: بالعدل، هو الوسط من كل أمر، المتجافي عن طرفي الإفراط والتفريط33 ولهذا فـ(ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [المائدة: ٤٢، الحجرات: ٩، الممتحنة: ٨].
وفيه أن الله سبحانه يأمر بالعدل لا كما زعم المشركون والكفار من أن الله أمرهم بالفحشاء، أي: قل أمر ربي بالقسط فأطيعوه واتبعوه، فالحق سبحانه وتعالى من صفات أمره أنه يأمر عباده في هذا القرآن بالعدل والإنصاف، فيجب أن نكون نحن -من جانبنا- من العادلين في حقه بتوحيده، وعدم الإشراك به، قال أبو سليمان: العدل في كلام العرب: الإنصاف، وأعظم الإنصاف: الاعتراف للمنعم بنعمته، وفي حق عباده بإعطاء كل ذي حق حقه34.
فالله أمر بالفضائل، وبما تشهد العقول السليمة أنه صلاح محض، وأنه حسن مستقيم، فالقصاص من القاتل عدل بين إحلال الدماء وبين قتل الجماعة من قبيلة القاتل لأجل جناية واحد من القبيلة لم يقدر عليه، وأمر الله بالإحسان وهو عدل بين الشح والإسراف، فالقسط صفة للفعل في ذاته بأن يكون ملائمًا للصلاح عاجلًا وآجلًا، أي: سالمًا من عواقب الفساد35.
قال تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [النحل: ٩٠].
وإيثار صيغة المضارع في قوله: (ﭻ ﭼ ﭽ) لإفادة التجدد والاستمرار، ولم يذكر سبحانه متعلقات العدل والإحسان؛ ليعم الأمر جميع ما يعدل فيه، وجميع ما يجب إحسانه وإتقانه من أقوال وأعمال، وجميع ما ينبغي أن تحسن إليه من إنسان أو حيوان أو غيرهما36.
٢. الظهور.
ويوضحه قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [التوبة: ٤٨].
قال ابن كثير: «لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة رمته العرب عن قوس واحدة، وحاربته يهود المدينة ومنافقوها، فلما نصره الله يوم بدر، وأعلى كلمته، قال ابن أبي وأصحابه: هذا أمر قد توجه -أي أقبل- فدخلوا في الإسلام ظاهرًا، ثم كلما أعز الله الإسلام وأهله أغاظهم ذلك وساءهم»37.
فالمنافقون والمشركون يكيدون المكائد، ويدبرون المؤامرات ويحيكونها ضد النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه، إلى غاية هي مجيء الحق، وهو النصر لك والتأييد، وظهر أمر الله بإعزاز دينه، وإعلاء شرعه، وقهر أعدائه، وقيل: الحق القرآن، وهم كارهون، أي: والحال أنهم كارهون لمجيء الحق، وظهور أمر الله، ولكن كان ذلك على رغم منهم، فلن تفلح مكائد البشر من منافقين ويهود ومشركين وغيرهم، ولن تقف أي قوة في الدنيا أمام إرادة الله القاهرة لإعلاء دينه، وغلبة شرعه، ونصرة نبيه صلى الله عليه وسلم 38.
٣. النفاذ.
قال تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [النساء:٤٧]
فهنالك وعيد لليهود، ونذير راصد لهم باللعنة من عند الله، إن لم يؤمنوا بمحمد، وبما أنزل الله عليه، وقد وصفهم القرآن بأنهم أوتوا الكتاب مع أنهم ضيعوا جزءًا منه، وحرفوا جزءًا آخر تسجيلًا عليهم بالتقصير، واستحقاق العقاب، فهم يظنون أن الله مخلف وعيده لهم؛ لأنهم - كما زعموا- أبناء الله وأحباؤه، وكيف وقد وقع هذا العقاب بآبائهم وأخذهم الله به؟ أم يظنون أن الله إذا أراد أمرًا بهم، وساق شرًا إليهم أهناك من يدفع ما أراده الله بهم؟ فلينتظروا، وسوف يرون ما الله فاعل بهم39.
وكان أمر الله بإيقاع شيء أو وعيده، أو ما حكم به وقضاه مفعولًا نافذًا وكائنًا، فيقع لا محالة ما أوعد وقضى به، فقوله: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) معناه: أنه كان وما زال جميع ما أمر الله به وقضاه نافذًا لا محالة؛ لأنه سبحانه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
فالجملة الكريمة تذييل قصد به تهديد هؤلاء الضالين المعاندين حتى يثوبوا إلى رشدهم، ويدخلوا في صفوف المؤمنين40.
فالمراد من الأمر: الأمر التكويني المعبر عنه بقوله عز من قائل: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [يس: ٨٢].
أي: إنما أمره بإيقاع شيء ما41 لابد من وقوعه، أي: ولابد أن يحدث.
٤. أمر الله له الغلبة.
ويشير إلى ذلك قوله: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [يوسف: ٢١].
قيل: الهاء في (ﯮ) كناية عن الله تعالى، يقول: إن الله غالب على أمره يفعل ما يشاء، لا يغلبه شيء ولا يرد حكمه راد، يعني: غالبٌ على ما أراد من قضائه، لا يغلب غالبٌ على أمره، ولا يبطل إرادته منازعٌ.
فهو غالب على أمر نفسه فيما يريده (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [يس: ٨٢].
أي: إذا أراد شيئًا فلا يرد ولا يمانع ولا يخالف، بل هو الغالب لما سواه، (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [يوسف: ٢١].
أن الأمر كذلك فيما يأتون ويذرون زعمًا منهم أن لهم من الأمر شيئًا، وأنى لهم ذلك؟! وأن الأمر كله لله عز وجل، أو لا يعلمون لطائف صنعه، وخفايا فضله42.
ويقول تعالى في سورة الأعراف: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [الأعراف: ٢٨].
يبين القرآن الكريم ما يفتري به هؤلاء المشركين على الحق سبحانه وتعالى، ونسبتهم إليه الأحكام والشرائع الباطلة، فيقول: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) قال الطبري: «كانوا يطوفون بالبيت عراة، يقولون: نطوف كما ولدتنا أمهاتنا فتضع المرأة على قبلها النسعة أو الشيء»43.
وقيل: كان قبيلة من العرب من أهل اليمن يطوفون بالبيت عراة، فإذا قيل: لم تفعلون ذلك؟ قالوا: وجدنا عليها آباءنا، والله أمرنا بها.
فتأويل الكلام إذًا: وإذا فعل الذين لا يؤمنون بالله، الذين جعل الله الشياطين لهم أولياء، قبيحًا من الفعل، وهو الفاحشة44، وذلك تعريهم للطواف بالبيت، وتجردهم له، فعذلوا على ما أتوا من قبيح فعلهم، وعوتبوا عليه، قالوا: «وجدنا على مثل ما نفعل آباءنا، فنحن نفعل مثل ما كانوا يفعلون، ونقتدي بهديهم، ونستن بسنتهم، والله أمرنا به، فنحن نتبع أمره فيه».
فيقول الله -جل ذكره- لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (ﯗ) يا محمد لهم: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) خلقه (ﯜﯝ) بقبائح الأفعال ومساويها (ﯞ) أيها الناس (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) يعني: أتروون على الله أنه أمركم بالتعري والتجرد من الثياب واللباس للطواف، وأنتم لا تعلمون أنه أمركم بذلك؟
فإنكم لم تسمعوا كلام الله تعالى ابتداء من غير واسطة، ولا أخذتموه عن الأنبياء الذين هم وسائط بين الله تعالى وبين عباده في تبليغ أوامره ونواهيه وأحكامه؛ لأنكم تنكرون نبوة الأنبياء، فكيف تقولون على الله ما لا تعلمون؟
هذه الأفعال التي كان أهل الجاهلية يفعلونها هي في أنفسها قبيحة منكرة، فكيف يأمر الله تعالى بها، والله لا يأمر بالفحشاء، بل يأمر بما فيه مصالح العباد؛ لأن عادته سبحانه وتعالى جرت على الأمر بمحاسن الأفعال، والحث على مكارم الخصال45.
يقول الإمام الرازي: «اعلم أنه ليس المراد منه أن القوم كانوا يسلمون كون تلك الأفعال فواحش، ثم كانوا يزعمون أن الله أمرهم بها، فإن ذلك لا يقوله عاقل، بل المراد أن تلك الأشياء كانت في أنفسها فواحش، والقوم كانوا يعتقدون أنها طاعات، وأن الله أمرهم بها، ثم إنه تعالى حكى عنهم أنهم كانوا يحتجون على إقدامهم على تلك الفواحش بأمرين، أحدهما: إنا وجدنا عليها آباءنا، والثاني: إن الله أمرنا بها.
أما الحجة الأولى: فما ذكر الله عنها جوابًا؛ لأنها إشارة إلى محض التقليد، وقد تقرر في عقل كل أحد أنه طريقة فاسدة؛ لأن التقليد حاصل في الأديان المتناقضة، فلو كان التقليد طريقًا حقًا للزم الحكم بكون كل واحد من المتناقضين حقًا، ومعلوم أنه باطل، ولما كان فساد هذا الطريق ظاهرًا جليًا لكل أحد لم يذكر الله تعالى الجواب عنه.
وأما الحجة الثانية: وهي قولهم: (ﯓ ﯔ ﯕ) [الأعراف: ٢٨].
فقد أجاب عنه بقوله تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) والمعنى: أنه ثبت على لسان الأنبياء والرسل كون هذه الأفعال منكرة قبيحة، فكيف يمكن القول بأن الله تعالى أمرنا بها؟» 46.
وبهذا الرد القرآني دحضت أقوالهم، وتبين أن الله تعالى منزه عن الأمر بالفحشاء والمنكر والمعاصي.
التعامل مع الأمر الإلهي وجزاؤه
بين القرآن أصناف الخلق في التعامل مع الأمر الإلهي، سواء كانوا ملائكة، أو رسلًا، أو مؤمنين، أو كافرين، أو منافقين، وسوف نتناول ذلك بالبيان فيما يأتي:
أولًا: تعامل الملائكة مع الأمر الإلهي:
تعامل الملائكة مع الأمر الإلهي يتضح فيما يلي:
١. الطاعة والامتثال.
قال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [التحريم:٦]
يقول الإمام الطبري: «يعني: على هذه النار ملائكة من ملائكة الله، غلاظ على أهل النار، شداد عليهم، لا يخالفون الله في أمره الذي يأمرهم به، وينتهون إلى ما يأمرهم به ربهم، فليست الجملتان في معنى واحد؛ إذ معنى الأولى: أنهم يتقبلون أوامره ويلتزمونها، ومعنى الثانية: أنهم يؤدون ما يؤمرون به، ولا يتثاقلون عليه، ولا يتوانون فيه»47.
وقال الألوسي: «فإن الأولى لبيان القبول باطنًا؛ فإن العصيان أصله المنع والإباء، وعصيان الأمر صفة الباطن بالحقيقة؛ لأن الإتيان بالمأمور إنما يعد طاعة إذا كان بقصد الامتثال، فإذا نفي العصيان عنهم دل على قبولهم، وعدم إبائهم باطنًا، والثانية لأداء المأمور به من غير تثاقل وتوانٍ على ما يشعر به الاستمرار المستفاد من (ﯮ) فلا تكرار، وفي الحصول لا يعصون فيما مضى، على أن المضارع لحكاية الحال الماضية (ﯮ ﯯ ﯰ) في الآتي، وجوز أن يكون ذلك من باب الطرد والعكس، وهو كل كلامين يقرر الأول بمنطوقه مفهوم الثاني وبالعكس، مبالغة في أنهم لا تأخذهم رأفة في تنفيذ أوامر الله عز وجل والغضب له سبحانه»48.
ونظير ذلك قوله تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [الأنبياء: ٢٦-٢٧].
فالله تعالى يثني على ملائكته الذين زعم فريق من المشركين أنهم بنات الله، فيقول: إنهم عباد أكرمهم الله واصطفاهم، يتبعون قوله، فلا يقولون شيئًا حتى يقوله تعالى، أو يأمرهم به كما هو شأن العبيد المؤدبين (ﭯ ﭰ ﭱ) فلا يعصونه في أمر، إشارة إلى مراعاتهم في أدب العبودية في الأفعال أيضًا كالأقوال49.
ويؤكده قوله: (ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ) [مريم ٦٤].
٢. تقسيم أمره بين الخلائق.
قال تعالى: (ﯭ ﯮ) [الذاريات: ٤].
والمراد بالمقسمات: الملائكة، فإنهم يقسمون أرزاق العباد وأمورهم وشؤونهم على حسب ما يكلفهم الله تعالى به من شؤون مختلفة، و (ﯮ) مفعول به للوصف الذي هو المقسمات، وهو مفرد أريد به الجمع، أي: المقسمات لأمور العباد بأمر الله تعالى وإرادته50.
فعن أبي الطفيل أنه سمع عليًا رضي الله عنه يقول وهو على منبر الكوفة: لا تسألوني عن آية في كتاب الله، ولا عن سنة رسول الله، إلا أنبأتكم بذلك، فقام إليه ابن الكواء فقال: يا أمير المؤمنين، ما معنى قوله تعالى: (ﯤ ﯥ) [الذاريات: ١]؟ قال: الريح. (ﯧ ﯨ) [الذاريات: ٢].قال: السحاب. (ﯪ ﯫ) [الذاريات: ٣]؟ قال: السفن (ﯭ ﯮ) [الذاريات: ٤]؟ قال: الملائكة51.
وهناك فريق من العلماء من يرى أن هذا اللفظ راجع للرياح، ومن هؤلاء الإمام الرازي، حيث قال: «هذه صفات أربع للرياح، فالذاريات: هي الرياح التي تنشئ السحاب أولًا، والحاملات: هي الرياح التي تحمل السحب التي هي بخار الماء. . .، والجاريات: هي الرياح التي تجرى بالسحب بعد حملها، والمقسمات: هي الرياح التي تفرق الأمطار على الأقطار»52.
قال الألوسي محاولًا الجمع بين الرأيين: «ثم إذا حملت هذه الصفات على أمور مختلفة متغايرة بالذات - كما هو الرأي المعول عليه- فالفاء للترتيب في الأقسام ذكرًا ورتبة، باعتبار تفاوت مراتبها في الدلالة على كمال قدرته عز وجل، وهذا التفاوت إما على الترقي أو التنزل؛ لما في كل منها من الصفات التي تجعلها أعلى من وجه، وأدنى من آخر، وإن حملت على واحد وهو الرياح، فهي لترتيب الأفعال والصفات؛ إذ الريح تذرو الأبخرة إلى الجو أولًا، حتى تنعقد سحابًا، فتحمله ثانيًا، وتجرى به ثالثًا ناشرة وسائقة له إلى حيث أمرها الله تعالى، ثم تقسم أمطاره»53.
يقول صاحب تفسير الوسيط: «ومع وجاهة رأى الإمام الرازي في هذه المسألة إلا أننا نؤثر عليه الرأي السابق؛ لأنه ثابت عن بعض الصحابة؛ ولأن كون هذه الألفاظ الأربعة لها معانٍ مختلفة أدل على قدرة الله تعالى وعلى فضله على عباده»54.
وإنما ذكرهم بالمقسمات لأن الإنسان في الأجزاء الجسمية غير مخالف تخالفًا بينًا، فإن لكل أحد رأسًا ورجلًا، والناس متقاربة في الأعداد والأقدار، لكن التفاوت الكثير في النفوس، فإن الشريفة والخسيسة بينهما غاية الخلاف، وتلك القسمة المتفاوتة تتقسم بمقسم مختار ومأمور مختار، فقال: (ﯭ ﯮ) [الذاريات: ٤]55.
قال ابن السائب: والمقسمات أربعة: جبريل، وهو صاحب الوحي والغلظة، وميكائيل، وهو صاحب الرزق والرحمة، وإسرافيل وهو صاحب الصور واللوح، وعزرائيل وهو قابض الأرواح، وإنما أقسم بهذه الأشياء لما فيها من الدلالة على صنعه وقدرته56.
٣. تدبير الأمر بين الخلائق.
قال تعالى: (ﮮ ﮯ) [النازعات: ٥].
يقول الإمام الطبري: يعني: فالملائكة المدبرة ما أمرت به من أمر الله، قال القشيري: أجمعوا على أن المراد: الملائكة، قال الجمل: اختلفت عبارات المفسرين في هذه الكلمات، هل هي صفات لشيء واحد أو لأشياء مختلفة؟ على أوجه:
واتفقوا على أن المراد بقوله: (ﮮ ﮯ) [النازعات: ٥]، وصف لشيء واحد، وهم الملائكة57.
فقوله: (ﮮ ﮯ) المقصود به طائفة من الملائكة، من وظائفهم تدبير شأن الخلائق، وتنظيم أحوالهم بالطريقة التي يأمرهم سبحانه بها، فنسبة التدبير إليهم إنما هي على سبيل المجاز؛ لأن كل شيء في هذا الكون إنما هو بقضاء الله وتقديره وتدبيره58.
قال ابن عباس رضي الله عنه: هم الملائكة، وكلوا بأمور عرفهم الله عز وجل العمل بها، وقال عبد الرحمن بن سابط: يدبر الأمر في الدنيا أربعة أملاك: جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت، واسمه عزرائيل، فأما جبريل فموكل بالرياح والجنود، وأما ميكائيل فموكل بالقطر والنبات، وأما ملك الموت فموكل بقبض الأنفس، وأما إسرافيل فهو ينزل عليهم بالأمر من الله تعالى، وأقسم الله تعالى بهذه الأشياء لشرفها...
وقال الإمام الرازي: «لم قال: (ﮮ ﮯ) ولم يقل: أمورًا، فإنهم يدبرون أمورًا كثيرة لا أمرًا واحدًا؟ والجواب: أن المراد به الجنس، وإذا كان كذلك قام مقام الجمع»59.
ثانيًا: تعامل الرسل مع الأمر الإلهي:
يتمثل تعامل الرسل مع أمر الحق سبحانه وتعالى كما يلي:
١. الطاعة والامتثال.
قال تعالى: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ) [الصافات: ١٠٢].
قال مجاهد عن ابن عباس –رضي الله عنهما-: لما شب حتى بلغ سعيه سعي إبراهيم، والمعنى أن ينصرف معه ويعينه في علمه، اختبر إبراهيم فيه برؤية رآها، قال إبراهيم: يا بني إني أرى في المنام وحيًا من الله يطلب مني ذبحك، فانظر ماذا ترى؟ فقد امتثل لأمر الله سبحانه وتعالى وقال إسماعيل صابرًا محتسبًا، مرضيًا لربه، وبارًا بوالده: (ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ) [الصافات: ١٠٢].
أي: امض لما أمرك الله؛ لأني لا أتهمك في شفقتك، وحسن نظرك، ولا أتهم الله في قضائه، ثم قال: (ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ) فأخبر أباه أنه موطن نفسه على الصبر، وقرن ذلك بمشيئة الله تعالى؛ لأنه لا يكون شيء بدون مشيئة الله تعالى، وإنما علق المشيئة لله تعالى على سبيل التبرك والتيمن، فإنه لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله، ولا قوة على طاعة الله إلا بتوفيق الله60.
٢. الاتباع.
قال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [المائدة: ١١٧].
قال الإمام الرازي: قال تعالى حكاية عن عيسى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) أن مفسرة، والمفسر هو الهاء في به الراجع إلى القول المأمور به، والمعنى: ما قلت لهم إلا قولًا أمرتني به؛ وذلك القول هو أن أقول لهم: اعبدوا الله ربي وربكم، واعلم أنه كان الأصل أن يقال: ما أمرتهم إلا بما أمرتني به، إلا أنه وضع القول موضع الأمر، نزولًا على موجب الأدب الحسن؛ لئلا يجعل نفسه وربه أمرين معًا، ودل على الأصل بذكر أن المفسرة، ثم قال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) أي: كنت أشهد على ما يفعلون ما دمت مقيمًا فيهم، فلما توفيتني والمراد منه: وفاة الرفع إلى السماء، من قوله: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [آل عمران: ٥٥].
(ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) قال الزجاج: الحافظ عليهم المراقب لأحوالهم (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) من قولي وفعلي، وقولهم وفعلهم61.
وفي ذلك دليل واضح على شدة الاتباع لأمر الحق من قبل سيدنا عيسى عليه السلام فيما أمره الله به من عباده من الدعوة إلى توحيد الله وعبادته.
٣. التبليغ.
قال تعالى: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ) [الشورى: ١٥].
قال الضحاك: وفي قوله: (ﯹ ﯺ ﯻ) وجهان: أحدهما في الأحكام، الثاني في التبليغ.
وقال الإمام أبو الفرج: في ما أمر أن يعدل فيه قولان: أحدهما- في الأحكام إذا ترافعوا إليه، والثاني- في تبليغ الرسالة، وقال البيضاوي: (ﯹ ﯺ ﯻ) أي: في تبليغ الشرائع والحكومات62.
والمعنى: أمرني ربي أن أعدل بينكم؛ وذلك بتبليغ الشرائع والأحكام، وفصل القضايا عند المحاكمة والخصام، وقيل: معناه لأسوي بيني وبينكم، ولا آمركم بما لا أعمله، ولا أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه، ولا أفرق بين أكابركم وأصاغركم63.
وعلى المعنى الآخر، قال الطبري: أي: قل لهم يا محمد: وأمرني ربي أن أعدل بينكم معشر الأحزاب، فأسير فيكم جميعًا بالحق الذي أمرني به، وبعثني بالدعاء إليه64.
٤. طلب التيسير.
قال تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ) [طه: ٢٦].
قال الطبري: يعني: وسهل علي القيام بما تكلفني من الرسالة، وتحملني من الطاعة، أي: سهل علي ما بعثتني له، ففيها طلب الإعانة لتبليغ الرسالة؛ وذلك لأن كل ما يصدر من العبد من الأفعال والأقوال والحركات والسكنات فما لم يصر العبد مريدًا له استحال أن يصير فاعلًا له، فهذه الإرادة صفة محدثة، ولابد لها من فاعل، وفاعلها إن كان هو العبد افتقر في تحصيل تلك الإرادة إلى إرادة أخرى، ولزم التسلسل، بل لابد من الانتهاء إلى إرادة يخلقها مدبر العالم، ففي الحقيقة هو الميسر للأمور65.
قال ابن كثر: هذا سؤال من موسى عليه السلام لربه عز وجل أن يشرح له صدره فيما بعثه به، فإنه قد أمره بأمر عظيم، وخطبٍ جسيم، فقد بعثه إلى أعظم ملك على وجه الأرض إذ ذاك، وأجبرهم، وأشدهم كفرًا، وأكثرهم جنودًا، وأعمرهم ملكًا، وأطغاهم وأبلغهم تمردًا، بلغ من أمره أن ادعى أنه لا يعرف الله، ولا يعلم لرعاياه إلها غيره.
وفي زيادة كلمة (ﯞ) مع انتظام الكلام بدونها تأكيدٌ لطلب الشرح والتيسير بإبهام الشروح والميسر أولًا وتفسيرهما ثانيًا، وفي تقديمها وتكريرها إظهار مزيد اعتناءٍ بشأن كل من المطلوبين، وفضل اهتمامٍ باستدعاء حصولهما له، واختصاصهما به66.
ثالثًا: تعامل المؤمنين مع الأمر الإلهي:
يتعامل المؤمن مع الأمر الإلهي، وفق النقاط الآتية:
١. الإيمان بما أمر الله به.
قال تعالى: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [الرعد: ٢١].
قال ابن عباس رضي الله عنه وسعيد بن جبير: معنى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) أي: الإيمان بجميع الكتب والرسل كلهم، قال القرطبي: والظاهر أنها في صلة الأرحام، وهو قول قتادة وأكثر المفسرين، وهو مع ذلك يتناول جميع الطاعات67.
وقال صاحب التحرير: «وما أمر الله به أن يوصل عام في جميع الأواصر والعلائق التي أمر الله بالمودة والإحسان لأصحابها، فمنها آصرة الإيمان، ومنها آصرة القرابة، وهي صلة الرحم، وقد اتفق المفسرون على أنها مراد الله هنا»68.
وقال الإمام النسفي: «(ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) من الأرحام والقرابات، ويدخل فيه وصل قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرابة المؤمنين الثابتة بسبب الإيمان (ﯜ ﯝ ﯞ) [الحجرات: ١٠].
بالإحسان إليهم على حسب الطاقة، ونصرتهم، والذب عنهم، والشفقة عليهم، وإفشاء السلام عليهم، وعيادة مرضاهم، ومنه مراعاة حق الأصحاب والخدم والجيران والرفقاء في السفر (ﭳ ﭴ) أي: وعيده كله (ﭵ ﭶ ﭷ) خصوصًا فيحاسبون أنفسهم قبل أن يحاسبوا»69.
وهكذا يتبين لنا أن المؤمن الحقيقي يؤمن بكل ما يأمر الله تعالى به ويخشاه ويخافه.
٢. طلب التيسير.
قال تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [الكهف: ١٠].
قال الطبري: حين أوى الفتية أصحاب الكهف إلى كهف الجبل، هربًا بدينهم إلى الله، فقالوا إذ أووه: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) رغبة منهم إلى ربهم في أن يرزقهم من عنده رحمة، ويسر لنا بما نبتغي وما نلتمس من رضاك والهرب من الكفر بك، ومن عبادة الأوثان التي يدعونا إليها قومنا (ﮝ) يقول: سدادًا إلى العمل بالذي تحب، أي: أرشدنا إلى ما يقرب منك، والمعنى: هيئ لنا من أمرنا ما نصيب به الرشد70.
فقد سألوا الله أن يقدر لهم أحوالًا تكون عاقبتها حصول ما خولهم من الثبات على الدين الحق، والنجاة من مناوئة المشركين؛ وذلك طلب لتيسير أمورهم وأحوالهم، فجمعوا بين السعي والفرار من الفتنة إلى محل يمكن الاستخفاء فيه، وبين تضرعهم وسؤالهم لله تيسير أمورهم، وعدم اتكالهم على أنفسهم وعلى الخلق؛ فلذلك استجاب الله دعاءهم، وقيض لهم ما لم يكن في حسابهم71. فالمؤمن الحقيقي يلجأ إلى الله؛ لأن هو من بيده التيسير فهو القادر المقتدر.
٣. الهداية به.
قال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [آل عمران: ١٤٦ –١٤٧].
قال ابن القيم: «لما علم القوم أن العدو إنما يدال عليهم بذنوبهم، وأن الشيطان إنما يستزلهم ويهزمهم بها، وأنها نوعان: تقصير في حق، أو تجاوز لحد، وأن النصر منوط بالطاعة، قالوا: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) قال القاضي: وهذا تأديب من الله تعالى في كيفية الطلب بالأدعية عند النوائب والمحن، سواء كان في الجهاد أو غيره»72.
وهذا ما وصف به المتقين من قوله: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [آل عمران: ١٣٥].
وقال الإمام الشوكاني: «قوله: (ﯨ ﯩ ﯪ) استثناء مفرغ، أي: ما كان قولهم عند أن قتل منهم ربانيون، أو قتل نبيهم إلا أن قالوا: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) قيل: هي الصغائر، وقوله: (ﯯ ﯰ ﯱ) قيل: هي الكبائر، والظاهر: أن الذنوب تعم كل ما يسمى ذنبًا من صغيرة أو كبيرة، والإسراف: ما فيه مجاوزة للحد، فهو من عطف الخاص على العام، قالوا ذلك مع كونهم ربانيين: هضمًا لأنفسهم، (ﯲ ﯳ) في مواطن القتال، (ﯹ ﯺ) تعالى بسبب ذلك (ﯻ ﯼ) من النصر والغنيمة والعزة ونحوها، (ﯽ ﯾ ﯿ) من إضافة الصفة إلى الموصوف، أي: ثواب الآخرة الحسن، وهو نعيم الجنة، جعلنا الله من أهلها، فهم قد ابتهلوا إليه عند نزول المصيبة بقولهم: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) خشية أن يكون ما أصابهم جزاء على ما فرط منهم، وهكذا استعملوا الأمر في طلب الهداية، والعون من الله»73.
٤. الطاعة والامتثال.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [الأحزاب: ٣٦].
قال الشوكاني: «أي: ما صح ولا استقام لرجل ولا امرأة من المؤمنين، ولفظ ما كان وما ينبغي ونحوهما معناهما المنع والحظر من الشيء، والإخبار بأنه لا يحل أن يكون شرعًا، وقد يكون لما يمتنع عقلًا، كقوله: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [النمل: ٦٠].
ومعنى الآية: أنه لا يحل لمن يؤمن بالله إذا قضى الله أمرًا أن يختار من أمر نفسه ما شاء، بل يجب عليه أن يذعن للقضاء، ويوقف نفسه على ما قضاه الله عليه، واختاره له»74.
قال الطبري: «يقول تعالى ذكره: لم يكن لمؤمن بالله ورسوله، ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله في أنفسهم قضاء أن يتخيروا من أمرهم غير الذي قضى فيهم، ويخالفوا أمر الله وأمر رسوله وقضاءهما فيعصوهما، ومن يعص الله ورسوله فيما أمرا أو نهيا (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) يقول: فقد جار عن قصد السبيل، وسلك غير سبيل الهدي والرشاد»75.
وروي في سبب نزول الآية: أنها نزلت في زينب بنت جحش، وكانت بنت عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضيت ورأت أنه يخطبها على نفسه، فلما علمت أنه يخطبها على زيد بن حارثة أبت وأنكرت، فأنزل الله الآية، قال: فتابعته بعد ذلك ورضيت، وهكذا هو المؤمن الحقيقي يتعامل مع أمر الحق سبحانه وتعالى بالطاعة والامتثال76.
قال ابن كثير: «هذه الآية عامة في جميع الأمور؛ وذلك أنه إذا حكم الله ورسوله بشيء فليس لأحد مخالفته، ولا اختيار لأحد ها هنا، ولا رأي ولا قول، كما قال تبارك وتعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [النساء: ٦٥]» 77.
٥. الاتباع.
قال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الكهف: ٨٢].
قال الطبري: «يعني: وما فعلت يا موسى جميع الذي رأيتني فعلته عن رأيي واختياري، ومن تلقاء نفسي، وإنما فعلته عن أمر الله إياي به، فهو كان عبدًا مأمورًا، فمضى لأمر الله واتبعه»78.
قال الرازي: «يعني ما فعلت ما رأيت من هذه الأحوال عن أمري واجتهادي ورأيي، وإنما فعلته بأمر الله ووحيه؛ لأن الإقدام على تنقيص أموال الناس وإراقة دمائهم لا يجوز إلا بالوحي والنص القاطع»79.
فكل ما فعله الخضر فإنما عن أمر من له الأمر، وهو الله، وهكذا كل مؤمن لا يسير خطوة، ولا ينفذ أمرًا إلا متبعًا لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم .
٦. الصبر والتقوى.
قال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [آل عمران: ١٨٦].
يخبر تعالى ويخاطب المؤمنين أنهم سيبتلون في أموالهم وفي أنفسهم، وفي إخباره لعباده المؤمنين بذلك عدة فوائد، منها: أنه أخبرهم بذلك لتتوطن نفوسهم على وقوع ذلك، والصبر عليه إذا وقع؛ لأنهم قد استعدوا لوقوعه، فيهون عليهم حمله، وتخف عليهم مؤنته، ويلجئون إلى الصبر والتقوى80.
قال أبو السعود: (ﯬ ﯭ) أي: تتخلقوا بالصبر على تلك الشدائد والبلوى عند ورودها وتقابلوها بحسن التجمل (ﯮ) أي: تتبتلوا إلى الله تعالى بالكلية، معرضين عما سواه بالمرة، بحيث يتساوى عندكم وصول المحبوب ولقاء المكروه (ﯯ ﯰ) إشارةٌ إلى الصبر والتقوى، وما فيه من معنى البعد؛ للإيذان بعلو درجتهما، وبعد منزلتهما (ﯱ ﯲ ﯳ ﭼ أي: الأشياء التي هي أهل لأن يعزم على فعلها، ولا يتردد فيه، ولا يعوق عنه عائق81.
ومنه قوله تعالى: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [الشورى: ٤٣].
قال الطبري: «يقول تعالى ذكره: (ﯹ ﯺ) على إساءة إليه، (ﯻ) للمسيء إليه جرمه إليه، فلم ينتصر منه، وهو على الانتصار منه قادر، ابتغاء وجه الله، وجزيل ثوابه (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) يقول: إن صبره ذلك وغفرانه ذنب المسيء إليه لمن عزم الأمور التي ندب إليه عباده، وعزم عليهم العمل به»82.
فإن ترك الانتصار للنفس بالقول أو الفعل من أشق شيء عليها، والصبر على الأذى، والصفح عنه ومغفرته، ومقابلته بالإحسان أشق وأشق، ولكنه يسيرٌ على من يسره الله عليه، وجاهد نفسه على الاتصاف به، واستعان الله على ذلك، ثم إذا ذاق العبد حلاوته، ووجد آثاره، تلقاه برحب الصدر، وسعة الخلق، والتلذذ فيه83.
قال صاحب التحرير: «وهذا ترغيب في العفو والصبر على الأذى؛ وذلك بين الأمة الإسلامية ظاهر، وأما مع الكافرين فتعتريه أحوال تختلف بها أحكام الغفران، وملاكها أن تترجح المصلحة في العفو أو في المؤاخذة»84.
رابعًا: تعامل الكافرين والمنافقين مع الأمر الإلهي:
يتعامل الكافرون والمنافقون مع الأمر الإلهي بالرفض والامتناع، ويتضح ذلك كما يلي:
١. العتو.
(ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [البقرة: ٢٧].
قال البيضاوي: «فهذه الآية صفة للفاسقين للذم وتقرير الفسق، ثم قال مبينًا تعامل هؤلاء مع ما أمر الله به بعد أن بين نقضهم للعهود والمواثيق فقال: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) يحتمل كل قطيعة لا يرضاها الله تعالى، كقطع الرحم، والإعراض عن موالاة المؤمنين، والتفرقة بين الأنبياء عليهم السلام، والكتب في التصديق، وترك الجماعات المفروضة، وسائر ما فيه رفض خير، أو تعاطي شر، فإنه يقطع الوصلة بين الله وبين العبد المقصودة بالذات من كل وصل وفصل (ﯕ ﯖ ﯗ) بالمنع عن الإيمان، والاستهزاء بالحق، وقطع الوصل التي بها نظام العالم وصلاحه»85.
فقوله عز وجل: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) فيه ثلاثة تأويلات: قال الماوردي: أحدها: أن الذي أمر الله تعالى به أن يوصل هو رسوله، فقطعوه بالتكذيب والعصيان، وهو قول الحسن البصري، والثاني: أنه الرحم والقرابة، وهو قول قتادة، والثالث: أنه على العموم في كل ما أمر الله تعالى به أن يوصل86.
فقوله: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) عام في كل قطيعة لا يرضاها الله، كقطع الرحم، والإعراض عن موالاة المؤمنين، وترك الجماعات المفروضة، وعدم وصل الأقوال الطيبة بالأعمال الصالحة، وسائر ما فيه رفض خير، أو تعاطي شر87. وجعل الآية عامة في كل قطيعة لا يرضاها الله هو الأولى والراجح في نظري؛ فالعبرة بعموم اللفظ كما على ذلك جمهور المفسرين.
ونظير تلك الآية قوله تعالى: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [الرعد: ٢٥].
٢. التكذيب.
قال تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [الأعراف: ٢٨].
قال الإمام الطبري: «كان قبيلة من العرب من أهل اليمن يطوفون بالبيت عراة، فإذا قيل: لم تفعلون ذلك؟ قالوا: وجدنا عليها آباءنا، والله أمرنا بها، فتأويل الكلام إذًا: وإذا فعل الذين لا يؤمنون بالله الذين جعل الله الشياطين لهم أولياء قبيحًا من الفعل، وهو الفاحشة، وذلك تعريهم للطواف بالبيت وتجردهم له، فعذلوا على ما أتوا من قبيح فعلهم، وعوتبوا عليه، قالوا: وجدنا على مثل ما نفعل آباءنا، فنحن نفعل مثل ما كانوا يفعلون، ونقتدي بهديهم، ونستن بسنتهم، والله أمرنا به، فنحن نتبع أمره فيه»88.
فقيل لهم: يعني أنكم سمعتم كلام الله تعالى ابتداءً من غير واسطة، ولا أخذتموه عن الأنبياء الذين هم وسائط بين الله تعالى وبين عباده في تبليغ أوامره ونواهيه وأحكامه؛ لأنكم تنكرون نبوة الأنبياء؛ فكيف تقولون على الله ما لا تعلمون؟89.
فليس المراد أن القوم كانوا يسلمون كون تلك الأفعال فواحش، ثم كانوا يزعمون أن الله أمرهم بها، فإن ذلك لا يقوله عاقل، بل المراد أن تلك الأشياء كانت في أنفسها فواحش، والقوم كانوا يعتقدون أنها طاعات، وأن الله أمرهم بها، ثم إنه تعالى حكى عنهم أنهم كانوا يحتجون على إقدامهم على تلك الفواحش بأمرين:
أحدهما: إنا وجدنا عليها آباءنا.
والثاني: إن الله أمرنا بها...
وأما الحجة الثانية: وهي قولهم: (ﯓ ﯔ ﯕﯖ) فقد أجاب عنه بقوله تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) والمعنى: أنه ثبت على لسان الأنبياء والرسل كون هذه الأفعال منكرة قبيحة فكيف يمكن القول بأن الله تعالى أمرنا بها؟90.
٣. النفور.
(ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [الفرقان: ٦٠].
يقول تعالى منكرًا على المشركين الذين يسجدون لغير الله من الأصنام والأنداد: اسجدوا واخضعوا وتذللوا للرحمن، فالسجود الذي أمروا به سجود الاعتراف له بالوحدانية، وهو شعار الإسلام، ولم يكن السجود من عبادة مشركي قريش، وإنما كانوا يطوفون بالأصنام، ومقصدهم من ذلك إباء السجود لله؛ لأن السجود الذي أمروا به سجود لله بنية انفراد الله به دون غيره، وهم لا يجيبون إلى ذلك، ويدل على ذلك قوله: (ﮓ ﮔ) فالنفور من السجود سابق قبل سماع اسم الرحمن، وزادهم ذكر الرحمن نفورًا أي: تباعدًا من الإيمان91.
أما المؤمنون فإنهم يعبدون الله الذي هو الرحمن الرحيم، ويفردونه بالإلهية، ويسجدون له، وكان سفيان الثوري يقول في هذه الآية: إلهي زادني لك خضوعًا ما زاد عداك نفورًا، وكأنهم يقولون: تأمرنا بألا نعبد إلا الله، ولا نشرك به شيئًا، وتريد أن تأمرنا أيضًا بأن نسجد لهذا الرحمن.
قال الطبري: يعني وزاد هؤلاء المشركين قول القائل لهم: اسجدوا للرحمن من إخلاص السجود لله، وإفراد الله بالعبادة بعدًا مما دعوا إليه من ذلك فرارًا92.
خامسًا: تعامل إبليس وذريته مع الأمر الإلهي:
تعامل إبليس مع الأمر الإلهي يتمثل فيما يلي:
١. الكبر والغرور.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [الأعراف: ١٢].
قال العلماء: الذي أحوجه إلى ترك السجود هو الكبر والحسد، وكان أضمر ذلك في نفسه إذا أمر بذلك، وقال الإمام النسفي: «والسؤال عن المانع من السجود مع علمه به للتوبيخ ولإظهار معاندته وكفره وكبره»93.
فقد كان أمره من قبل خلق آدم، يقول الله تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [ص: ٧١-٧٢].
فكأنه دخله أمر عظيم من قوله: (ﮫ ﮬ ﮭ) فإن في الوقوع توضيع الواقع وتشريفًا لمن وقع له، فأضمر في نفسه ألا يسجد إذا أمره في ذلك الوقت، فلما نفخ فيه الروح وقعت الملائكة سجدًا، وبقي هو قائمًا بين أظهرهم، فأظهر بقيامه وترك السجود ما في ضميره. . .، قلت: يعني من الكبر والاستكبار لأمر الله.
ثم قال: (ﭚ ﭛ ﭜ) أي: منعني من السجود فضلي عليه، فهذا من إبليس جواب على المعنى، فليس هذا عين الجواب، بل هو كلام يرجع إلى معنى الجواب (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [الأعراف: ١٢].
فرأى أن النار أشرف من الطين؛ لعلوها وصعودها وخفتها؛ ولأنها جوهر مضيء.
قال ابن عباس رضي الله عنه والحسن وابن سيرين: أول من قاس إبليس، فأخطأ القياس، فمن قاس الدين برأيه قرنه مع إبليس، قال ابن سيرين: وما عبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس، وقالت الحكماء: أخطأ عدو الله من حيث فضل النار على الطين، وإن كانا في درجة واحدة من حيث هي جماد مخلوق94.
فهو مما لاشك فيه أول من أسس بنيان التكبر والمعاندة والعصيان للأوامر الإلهية؛ ولأن الباعث على قوله هذا التكبر، وليس الدليل؛ لذلك قال الله تعالى له: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [الأعراف ١٣].
٢. الرفض والخروج على أوامر الله.
قال تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [الكهف: ٥٠].
فقوله: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) يعني: فخرج عن أمر ربه، وعدل عنه ومال، وعن مجاهد في قول الله تعالى: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) قال: في السجود لآدم، فالمعنى: أنه: عتا وعصى، وأصل الفسق: الخروج، أي: خرج عن أمر ربه، وكذلك قال القتبي: ففسق، أي: خرج عن طاعته، يقال: فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرتها، يعني: أنه خرج عن أمر ربه إلى معصيته في ترك السجود، وذكر هذا الزمن بأحداثه وما قيل فيه استحضار لصورته، وكيف عصى إبليس ربه، وعاند في الخضوع لأمر الله تعالى بالنسبة لآدم95.
قال الإمام الشعراوي: «لقد جاء القرآن بالنص الصريح الذي يوضح جنسيته، فليس لأحد أن يقول: إنه من الملائكة، وما دام كان من الجن، وهم جنس مختار في أن يفعل أو لا يفعل، فقد اختار ألا يفعل: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [الكهف: ٥٠].
أي: رجع إلى أصله، وخرج عن الأمر، أي: فخرج بذلك عن طاعتنا، واستحق لعنتنا وغضبنا»96.
سادسًا: جزاء اتباع الأمر الإلهي في الدنيا والآخرة:
١. الفلاح في الدنيا والآخرة.
قال تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [آل عمران: ١٠٤].
ففي الآية السابقة حثٌ لأتباع أمة النبي محمد على الأمر بالمعروف والنهي والمنكر، والمراد بالأمة هنا الطائفة من الناس التي تصلح لمباشرة الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والمعروف ما حسنه الشرع، وتعارف العقلاء على حسنه، والمنكر ضد ذلك، كما أن الآية تومئ إلى الحث على الدعوة إلى ما يصلح من شأن الناس، من خلال أمرهم بالتمسك بالتعاليم وبالأخلاق التي توافق الكتاب والسنة والعقول السليمة، ونهيهم عن المنكر الذي يأباه شرع الله، وتنفر منه الطباع الحسنة؛ ولقد أعد الله لمن يفعلون ذلك الفلاح في الدنيا والآخرة، فقال تعالى: (ﮢ ﮣ ﮤ) أي: هؤلاء هم المختصون بالفلاح الكامل، فقد ختم سبحانه الآية الكريمة بتبشير هؤلاء (ﮢ ﮣ ﮤ) والفلاح هو الظفر، وإدراك البغية، أي: وأولئك القائمون بواجب الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر هم الكاملون في الفلاح والنجاح، ولا يمكن أن يفلح سواهم ممن لم يقم بهذا الواجب الذي هو مناط عزة الجماعات والأفراد، وأساس رفعتهم وقوتهم وسعادتهم97.
وقد روى الإمام مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)98.
٢. الصلاح.
قال تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [آل عمران: ١١٤].
يقول الإمام النسفي: «وأولئك الموصوفون بما وصفوا به من الصالحين، أي: من المسلمين، أو من جملة الصالحين الذين صلحت أحوالهم عند الله، ورضيهم، واستحقوا رضاه وثناءه»99.
وهذا غاية المدح من وجهين:
الأول: أن الله مدح بهذه الصفة أكابر الأنبياء، فقال بعد ذكر إسماعيل وإدريس وذي الكفل وغيرهم: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ) [الأنبياء: ٨٦].
وقال: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [التحريم: ٤].
الثاني: أن الصلاح ضد الفساد، فكل ما لا ينبغي أن يكون فهو فساد، سواء أكان ذلك في العقائد أم في الأعمال، وإذا كان كذلك كان كل ما ينبغي أن يكون صلاحًا، فكان الصلاح دالًا على أكمل الدرجات100.
قال القفال: ولا يبعد أن يقال: المراد: كل من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم فسماهم الله بأهل الكتاب، كأنه قيل: أولئك الذين سموا أنفسهم بأهل الكتاب حالهم وصفتهم تلك الخصال الذميمة، والمسلمون الذين سماهم الله بأهل الكتاب حالهم وصفتهم هكذا، فكيف يستويان؟ فيكون الغرض -من هذه الآية- تقرير فضيلة أهل الإسلام، تأكيدًا لما تقدم من قوله: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [آل عمران: ١١٠].
ونظيره قوله: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [السجدة: ١٨].
منهم: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [آل عمران: ١١٣].
قيل: قائمة في الصلاة، يتلون آيات الله، فعبر بذلك عن تهجدهم101.
٣. الفوز.
قال تعالى: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [: ٥٢].
يقول الإمام الطبري: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) فيما أمره ونهاه، ويسلم لحكمهما له وعليه، ويخف عاقبة معصية الله ويحذره، ويتق عذاب الله بطاعته إياه في أمره ونهيه (ﰀ) يقول: فالذين يفعلون ذلك (ﰁ ﰂ) برضا الله عنهم يوم القيامة، وأمنهم من عذابه102.
وذكر أن عمر رضي الله عنه بينما هو قائم في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وإذا رجل من دهاقين الروم قائم على رأسه، وهو يقول: أنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، فقال له عمر: ما شأنك؟ قال: أسلمت لله، قال: هل لهذا سبب؟! قال: نعم! إني قرأت التوراة والزبور والإنجيل وكثيرًا من كتب الأنبياء، فسمعت أسيرًا يقرأ آية من القرآن جمع فيها كل ما في الكتب المتقدمة، فعلمت أنه من عند الله فأسلمت: قال: ما هذه الآية؟ قال: قوله تعالى: (ﯹ ﯺ ﯻ) في الفرائض (ﯼ) في السنن (ﯽ ﯾ ﭼ فيما مضى من عمره (ﯿ) فيما بقي من عمره (ﰀ ﰁ ﰂ) والفائز من نجا من النار وأدخل الجنة، فقال عمر: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أوتيت جوامع الكلم)103.
فهذه الآية جامعة لأسباب الفوز والنجاح والفلاح، فقوله: (ﰀ ﰁ ﰂ) يعني: الذين فازوا بكل خير، وأمنوا من كل شر في الدنيا والآخرة104.
يقول صاحب الظلال: «وعد الله ولن يخلف الله وعده، وهم للفوز أهل، ولديهم أسبابه من واقع حياتهم، فالطاعة لله ورسوله تقتضي السير على النهج القويم الذي رسمه الله للبشرية عن علم وحكمة، وهو بطبيعته يؤدي إلى الفوز في الدنيا والآخرة، وخشية الله وتقواه هي الحارس الذي يكفل الاستقامة على النهج، وإغفال المغريات التي تهتف بهم على جانبيه، فلا ينحرفون ولا يلتفتون، وأدب الطاعة لله ورسوله، مع خشية الله وتقواه، أدب رفيع، ينبئ عن مدى إشراق القلب بنور الله، واتصاله به، وشعوره بهيبته، كما ينبئ عن عزة القلب المؤمن واستعلائه، فكل طاعة لا ترتكن على طاعة الله ورسوله، ولا تستمد منها، هي ذلة يأباها الكريم، وينفر منها طبع المؤمن، ويستعلي عليها ضميره، فالمؤمن الحق لا يحني رأسه إلا لله الواحد القهار»105.
٤. طيب الحياة.
قال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الأنفال: ٢٤].
ففي الآية السابقة حثٌ للمؤمنين على الاستجابة لأمر الرسول إذا دعاهم إلى شيء، فإن في الاستجابة لأمره إحياءً للنفوس، واختير في تعريفهم عند النداء وصف الإيمان ليومئ إلى أن الإيمان هو الذي يقتضي أن يثقوا بعناية الله بهم، فيمتثلوا أمره إذا دعاهم، وليس قوله: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) قيدًا للأمر باستجابة، ولكنه تنبيه على أن دعاءه إياهم لا يكون إلا إلى ما فيه خير لهم، وإحياء لأنفسهم106.
والمعنى: (ﯛ ﯜ ﯝ) بالله حق الإيمان (ﯞ ﯟ ﯠ) عن طواعية واختيار، ونشاط وحسن استعداد (ﯡ ﯢ) الرسول صلى الله عليه وسلم (ﯣ ﯤ) أي: إلى ما يصلح أحوالكم، ويرفع درجاتكم، من الأقوال النافعة، والأعمال الحسنة، التي بالتمسك بها تحيون حياة طيبة، وتظفرون بالسعادتين الدنيوية والأخروية107.
فأجيبوا دعوته بقوة وعزم، كما قال في آية أخرى: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [البقرة: ٦٣].
وطاعته صلى الله عليه وسلم واجبة في حياته، وبعد مماته فيما علم أنه دعا إليه دعوة عامة من أمور الدين الذي بعثه الله به، كبيانه لصفة الصلاة وعددها قولًا أو فعلًا، فقد صلى بأصحابه وقال: (صلوا كما رأيتموني أصلي)108.
وقال: (خذوا عني مناسككم)109.
وبيانه لمقادير الزكاة وغيرها من السنن العملية المتواترة وأقواله كذلك، فكل من ثبت لديه شيء منها ببحثه أو بحث العلماء الذين يثق بهم وجب عليه الاهتداء به 110.
والضمير في قوله: (ﯢ) يعود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه هو المباشر للدعوة إلى الله؛ ولأن في الاستجابة له استجابة لله تعالى.
قال سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [النساء: ٨٠]111.
تكلم الإمام ابن القيم كلامًا نفيسًا حول هذه الآية فقال رحمه الله: «إن الحياة النافعة إنما تحصل بالاستجابة لله ولرسوله، فمن لم تحصل له هذه الاستجابة فلا حياة له، وإن كانت له حياة بهيمية مشتركة بينه وبين أرذل الحيوانات، فالحياة الحقيقية الطيبة هي حياة من استجاب لله ولرسوله ظاهرًا وباطنًا، فهؤلاء هم الأحياء، وإن ماتوا، وغيرهم أموات وإن كانوا أحياء الأبدان؛ ولهذا كان أكمل الناس حياة أكملهم استجابة لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن كل ما دعا إليه ففيه الحياة، فمن فاته جزء منه فاته جزء من الحياة، وفيه من الحياة بحسب ما استجاب للرسول»112.
بين القرآن الكريم أوامر الإنسان، سواء كان من الرسل أو المؤمنين أو المنافقين أو الجبابرة والمسرفين، وبين جزاء اتباع هذه الأوامر، وسوف نتناول هذه الأوامر بالبيان فيما يأتي:
أولًا: أوامر الرسل عليهم السلام:
الرسل أرسلهم الحق سبحانه وتعالى لإسعاد الناس وهدايتهم؛ ولذلك يمكن إبراز أوامر الرسل كما يلي:
١. عبادة الله واجتناب عبادة الطاغوت.
قال تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [التوبة: ٣١].
إن من الطبيعي أن يكون أول أمر للرسل لأقوامهم الأمر بعبادة الله وحده، وهذا ما جسده النبي صلى الله عليه وسلم.
يقول الإمام الألوسي: «(ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) جليل الشأن وهو الله سبحانه، ويطيعوا أمره ولا يطيعوا أمر غيره بخلافه، فإن ذلك مناف لعبادته جل شأنه، وأما إطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وسائر من أمر الله بطاعته فهي في الحقيقة إطاعة لله عز وجل، وما أمر الذين اتخذهم الكفرة أربابًا من المسيح عليه السلام والأحبار والرهبان إلا ليطيعوا أو ليوحدوا الله تعالى، فكيف يصح أن يكونوا أربابًا وهم مأمورون مستعبدون مثلهم؟! ولا يخفى أن تخصيص العبادة به تعالى لا يتحقق إلا بتخصيص الطاعة أيضًا به تعالى، ومتى لم يخص به جل شأنه لم تخص العبادة به سبحانه (ﯮ ﯯ ﯰ) تنزيه له، أي: تنزيه عن الإشراك به في العبادة والطاعة، والمراد بالآية: اتخذ كل من الفريقين علماءهم -لا الكل- أربابًا من دون الله بأن أطاعوهم في تحريم ما أحل الله تعالى، وتحليل ما حرمه سبحانه، وهو التفسير المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالآية ناعية على كثير من الفرق الضالة الذين تركوا كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لكلام علمائهم ورؤسائهم، والحق أحق بالاتباع، فمتى ظهر وجب على المسلم اتباعه»113.
فهو اتهام لهم، وكشف عن وجه من وجوه الضلال الذي ركبوه، وهو أنهم انقادوا لأحبارهم ورهبانهم، وجعلوا لهم الكلمة فيهم، والعقل المدبر لهم، فكلمة الأحبار والرهبان لهم هي الكلمة التي لا معقب عليها عندهم، حتى لكأنها كلمات الله عند المؤمنين بالله114.
ومنه قوله تعالى: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [الفرقان: ٦٠].
وكأنهم يقولون: تأمرنا بألا نعبد إلا الله، ولا نشرك به شيئًا، وتريد أن تأمرنا أيضًا بأن نسجد لهذا الرحمن، كأن المسألة بيننا وبينك ليس أمر التوحيد تدعو إليه، إنما أنت تعادي آلهتنا بآلهة أخرى، ومرماهم أنك تتحكم في عبادتنا، ولا تخالفنا في شركنا115.
فالآية الكريمة تحكي ما جبل عليه أولئك المشركون من استهتار وتطاول وسوء أدب، عندما يدعوهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى إخلاص العبادة لله عز وجل، وإلى السجود للرحمن الذي تعاظمت رحماته، وتكاثرت آلاؤه، ولقد بلغ من تطاول بعضهم أنهم كانوا يقولون: ما نعرف الرحمن إلا ذاك الذي باليمامة، يعنون به مسيلمة الكذاب116.
٢. الإخلاص.
قال تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [البينة: ٥].
يقول الإمام أبو الفرج الجوزي: والمعنى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) إلا أن يعبدوا الله، موحدين لا يعبدون سواه، (ﮠ) على دين إبراهيم، (ﮡ ﮢ) المكتوبة في أوقاتها، (ﮣ ﮤ) عند وجوبها؛ وذلك الذي أمروا به هو دين القيمة، قال الزجاج: أي دين الأمة القيمة بالحق، ويكون المعنى: ذلك الدين دين الملة المستقيمة117.
قال الإمام ابن العربي: «أمر الله عباده بعبادته، وهي أداء الطاعة له بصفة القربة؛ وذلك بإخلاص النية بتجريد العمل عن كل شيء إلا لوجهه؛ وذلك هو الإخلاص، وإذا ثبت هذا فالنية واجبة في التوحيد؛ لأنها عبادة، فدخلت تحت هذا العموم دخول الصلاة»118.
يقول الإمام الرازي: «فثبت أن المراد: وما أمروا إلا أن يعبدوا الله مخلصين له الدين، والإخلاص عبارة عن النية الخالصة، والنية الخالصة لما كانت معتبرة كانت النية معتبرة، فقد دلت الآية على أن كل مأمور به فلابد وأن يكون منويًا. . .»119 ومنه قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [الزمر: ١١].
(ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [الأنعام: ٧١].
ويقول الإمام النسفي: «والإخلاص عبارة عن النية الخالصة، وتجريدها عن شوائب الرياء، وهو تنبيه على ما يجب من تحصيل الإخلاص من ابتداء الفعل إلى انتهائه، والمخلص هو الذي يأتي بالحسن لحسنه، والواجب لوجوبه، والنية الخالصة لما كانت معتبرة كانت النية معتبرة، فقد دلت الآية على أن كل مأمور به فلابد وأن يكون منويًا، فلابد من اعتبار النية في جميع المأمورات»120.
فالإخلاص: التصفية والإنقاء، أي: غير مشاركين في عبادته معه غيره، وحنفاء: جمع حنيف، وهو لقب للذي يؤمن بالله وحده دون شريك، قال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [الأنعام: ١٦١].
وهذا الوصف تأكيد لمعنى: (ﮝ ﮞ ﮟ)، مع التذكير بأن ذلك هو دين إبراهيم عليه السلام الذي ملئت التوراة بتمجيده، واتباع هديه.
فمن أهم وأعظم ما بعثه الله به من الأمر بعبادته وحده لا شريك له، والنهي عن عبادة من سواه، كما أرسل به جميع الرسل قبله، كما قال تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [النحل: ٣٦]121.
٣. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
يبين القرآن صفة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في كتب الأنبياء الذين بشروا أممهم ببعثته، وأمروهم بمتابعته، ولم تزل صفاته موجودة في كتبهم، يعرفها علماؤهم وأحبارهم، فقال: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [الأعراف: ١٥٧].
فمن صفة الرسول صلى الله عليه وسلم في الكتب المتقدمة، وهكذا كان حاله صلى الله عليه وسلم أنه لا يأمر إلا بخير، ولا ينهى إلا عن شر، كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إذا سمعت الله يقول: (ﯓ ﯔ ﯕ) فأرعها سمعك، فإنه خير يأمر به، أو شر ينهى عنه.
والمعروف ما تعرف العقول السليمة حسنه، وترتاح القلوب الطاهرة له لنفعه وموافقته للفطرة والمصلحة، بحيث لا يستطيع العاقل المنصف السليم الفطرة أن يرده، أو يعترض عليه إذا ورد الشرع به، والمنكر ما تنكره العقول السليمة، وتنفر منه القلوب، وتأباه على الوجه المذكور أيضًا122.
٤. القتال.
قال تعالى: (ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ) [: ٥٣].
يقول الإمام الطبري: يقول تعالى ذكره يعني: وحلف هؤلاء المعرضون عن حكم الله وحكم رسوله إذ دعوا إليه (ﰆ ﰇ ﰈ ﭼ يعني: بأغلظ أيمانهم وأشدها (ﰉ ﰊ) يا محمد بالخروج إلى جهاد عدوك وعدو المؤمنين، أي: إذا أمرتهم بالقتال والاستعداد له (ﰋﰌ ﰍ ﰎ ﰏ) لا تحلفوا، فإن هذه (ﰑ ﰒ) منكم فيها التكذيب، يعني: قل لهم -أيها الرسول الكريم- على سبيل السخرية والزجر، لا تقسموا على ما تقولون، فإن طاعتكم معروف أمرها، ومفروغ منها، فهي طاعة باللسان فقط.
أما الفعل فيكذبها؛ وذلك أن المنافقين كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أينما كنت نكن معك، لئن خرجت خرجنا، وإن أقمت أقمنا، وإن أمرتنا بالجهاد جاهدنا. . .، ثم قال الحق: إن الله ذو خبرة بما تعملون من طاعتكم الله ورسوله، أو خلافكم أمرهما، أو غير ذلك من أموركم، لا يخفى عليه من ذلك شيء، وهو مجازيكم بكل ذلك123.
٥. ثمرة الشورى.
يقول تعالى مخاطبًا النبي صلى الله عليه وسلم: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [آل عمران: ١٥٩].
يقول الإمام الطبري: «اختلف أهل التأويل في المعنى الذي من أجله أمر تعالى ذكره نبيه صلى الله عليه وسلم أن يشاورهم، وما المعنى الذي أمره أن يشاورهم فيه؟
فقال بعضهم: أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: (ﭭ ﭮ ﭯ) بمشاورة أصحابه في مكايد الحرب، وعند لقاء العدو، تطييبًا منه بذلك أنفسهم، وتألفًا لهم على دينهم؛ وليروا أنه يسمع منهم، ويستعين بهم، وإن كان الله عز وجل قد أغناه بتدبيره له أموره، وسياسته إياه وتقويمه أسبابه عنهم، فأمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن يشاور أصحابه في الأمور، وهو يأتيه وحي السماء؛ لأنه أطيب لأنفس القوم، وأن القوم إذا شاور بعضهم بعضًا، وأرادوا بذلك وجه الله، عزم لهم على أرشده»124.
وقال آخرون: إنما أمره الله بمشاورة أصحابه فيما أمره بمشاورتهم فيه، مع إغنائه بتقويمه إياه، وتدبيره أسبابه عن آرائهم، ليتبعه المؤمنون من بعده فيما حزبهم من أمر دينهم، ويستنوا بسنته صلى الله عليه وسلم في ذلك، ويحتذوا المثال الذي رأوه يفعله في حياته من مشاورته في أموره -مع المنزلة التي هو بها من الله- أصحابه وأتباعه في الأمر ينزل بهم من أمر دينهم ودنياهم، فيتشاوروا بينهم، ثم يصدروا عما اجتمع عليه ملؤهم؛ لأن المؤمنين إذا تشاوروا في أمور دينهم متبعين الحق في ذلك لم يخلهم الله عز وجل من لطفه وتوفيقه للصواب من الرأي والقول فيه، قالوا: وذلك نظير قوله عز وجل الذي مدح به أهل الإيمان: (ﮞ ﮟ ﮠ) [الشورى: ٣٨].
ثم قال: وأولى الأقوال بالصواب في ذلك أن يقال: إن الله عز وجل أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بمشاورة أصحابه فيما حزبه من أمر عدوه، ومكايد حربه، تألفًا منه بذلك من لم تكن بصيرته بالإسلام البصيرة التي يؤمن عليه معها فتنة الشيطان وتعريفًا منه أمته مأتى الأمور التي تحزبهم من بعده ومطلبها؛ ليقتدوا به في ذلك عند النوازل التي تنزل بهم، فيتشاوروا فيما بينهم، كما كانوا يرونه في حياته صلى الله عليه وسلم يفعله، فأما النبي صلى الله عليه وسلم فإن الله كان يعرفه مطالب وجوه ما حزبه من الأمور بوحيه، أو إلهامه إياه صواب ذلك، وأما أمته فإنهم إذا تشاوروا مستنين بفعله في ذلك على تصادقٍ وتأخٍ للحق، وإرادة جميعهم للصواب، من غير ميل إلى هوى، ولا حيد عن هدى، فالله مسددهم وموفقهم125.
٦. الأمر بالصلاة والزكاة.
قال تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [مريم: ٥٥].
يقول الإمام الرازي: «قوله: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) والأقرب في الأهل أن المراد به من يلزمه أن يؤدي إليه الشرع، فيدخل فيه كل أمته من حيث لزمه في جميعهم ما يلزم المرء في أهله خاصة، هذا إذا حمل الأمر على المفروض من الصلاة والزكاة، فإن حمل على الندب فيهما كان المراد أنه كما كان يتهجد بالليل يأمر أهله، أي: من كان في داره في ذلك الوقت بذلك، وكان نظره لهم في الدين يغلب على شفقته عليهم في الدنيا، بخلاف ما عليه أكثر الناس، وقيل: كان يبدأ بأهله في الأمر بالصلاح والعبادة ليجعلهم قدوة لمن سواهم.
كما قال تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ) [الشعراء: ٢١٤].
(ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [طه: ١٣٢].
(ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [التحريم: ٦].
وأيضًا فهم أحق أن يتصدق عليهم، فوجب أن يكونوا بالإحسان الديني أولى، فأما الزكاة فعن ابن عباس رضي الله عنه أنها طاعة الله تعالى والإخلاص، فكأنه تأوله على ما يزكو به الفاعل عند ربه، والظاهر أنه إذا قرنت الزكاة إلى الصلاة أن يراد بها الصدقات الواجبة، وكان يعرف من خاصة أهله أن يلزمهم الزكاة، فيأمرهم بذلك، أو يأمرهم أن يتبرعوا بالصدقات على الفقراء، ورابعها: قوله: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) وهو في نهاية المدح؛ لأن المرضي عند الله هو الفائز في كل طاعاته بأعلى الدرجات»126.
ثانيًا: أوامر المؤمنين:
لاشك أن أوامر المؤمنين ستكون متفقة مع المنهج النبوي الذي يحقق السعادة لمتبعها في الدنيا والآخرة، ويمكن إيضاح أوامر المؤمنين كما يلي:
١. الأمر بالمعروف.
قال تعالى متحدثًا عن صفات المؤمنين: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [التوبة: ٧١].
يذكر الحق سبحانه أوصاف المؤمنين وأعمالهم الحسنة، وما أعد لهم من أنواع الكرامات والخيرات في الدنيا والآخرة، فمن أوصافهم: أنهم يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، فقال تعالى: (ﮗﮘﮙ ﮚﮛ) أي: يأمرون الناس بكل خيرٍ وجميلٍ يرضي الله، وينهونهم على كل قبيح يسخط الله، فهم على عكس المنافقين الذين يأمرون بالمنكر، وينهون عن المعروف127.
وهذا ما أمر به لقمان ابنه بقوله: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [لقمان: ١٧].
فالمؤمن الحقيقي يتخذ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أساسًا ومنهجًا له بضوابط وأصول الشرع.
٢-٣. الصدقة والإصلاح بين الناس.
قال الحق سبحانه وتعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [النساء: ١١٤].
فقوله تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) قيل المراد بهم: قوم طعمة، وقال مجاهد: الآية عامة في حق جميع الناس، والنجوى: هي الإسرار في التدبير، وقيل: النجوى ما ينفرد بتدبيره قوم سرًا كان أو جهرًا، فمعنى الآية: لا خير في كثير مما يدبرونه بينهم، والله تعالى جعل النجوى مظنة الإثم والشر غالبًا، فقال: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [المجادلة: ٩].
(ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) أي: إلا في نجوى من أمر بصدقة، فالنجوى تكون فعلًا، وقيل: هذا استثناء منقطع، يعني: لكن من أمر بصدقة، وقيل: النجوى ها هنا الرجال المتناجون، كما قال الله تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ) [الإسراء: ٤٧].
(ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) أي: حث عليها (ﭜ ﭝ) أي: بطاعة الله وما يعرفه الشرع، وأعمال البر كلها معروف؛ لأن العقول تعرفها.
فينبغي لمن يقدر على إسداء المعروف أن يعجله حذار فواته، ويبادر به خيفة عجزه؛ وليعلم أنه من فرض زمانه، وغنائم إمكانه، ولا يهمله ثقة بالقدرة عليه، فكم من واثق بالقدرة، ففاتت، فأعقبت ندمًا.
ويقول الإمام الرازي: وإنما ذكر الله هذه الأقسام الثلاثة، وذلك لأن عمل الخير إما أن يكون بإيصال المنفعة، أو بدفع المضرة، أما إيصال الخير، فإما أن يكون من الخيرات الجسمانية، وهو إعطاء المال، وإليه الإشارة بقوله: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) وإما أن يكون من الخيرات الروحانية، وهو عبارة عن تكميل القوة النظرية بالعلوم، أو تكميل القوة العملية بالأفعال الحسنة، ومجموعهما عبارة عن الأمر بالمعروف، وإليه الإشارة بقوله: (ﭜ ﭝ) وأما إزالة الضرر، فإليها الإشارة بقوله: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) فثبت أن مجامع الخيرات مذكورة في هذه الآية128.
فلقد حض القرآن على الإصلاح بين الناس سواء أكانوا جماعات أم أفرادًا؛ لأن التخاصم والتنازع يؤدي إلى انتشار العداوات والمفاسد بين الناس، قال تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [الحجرات: ٢١].
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصدقة والصلاة؟) قال: قلنا: بلى، قال: (إصلاح ذات البين، وفساد ذات البين هي الحالقة)129.
٤. ثمرة الشورى.
قال: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [الشورى: ٣٨].
يقول الإمام ابن عاشور: «فإذ قد كانت الشورى مفضية إلى الرشد والصواب، وكان من أفضل آثارها أن اهتدى بسببها الأنصار إلى الإسلام؛ أثنى الله بها على الإطلاق دون تقييد بالشورى الخاصة التي تشاور بها الأنصار في الإيمان، وأي أمر أعظم من أمر الإيمان»130.
فمن ثمرة أمرهم بالشورى: أنه لا يستبد أحد منهم برأيه في أمر من الأمور المشتركة بينهم، وهذا لا يكون إلا فرعًا عن اجتماعهم وتوالفهم وتواددهم وتحاببهم، وكمال عقولهم، أنهم إذا أرادوا أمرًا من الأمور التي تحتاج إلى إعمال الفكر والرأي فيها اجتمعوا لها، وتشاوروا، وبحثوا فيها، حتى إذا تبينت لهم المصلحة، انتهزوها وبادروها؛ وذلك كالرأي في الغزو والجهاد، وتولية الموظفين لإمارة أو قضاء أو غيره، وكالبحث في المسائل الدينية عمومًا، فإنها من الأمور المشتركة، والبحث فيها لبيان الصواب مما يحبه الله، وهو داخل في هذه الآية131.
ولذلك حث النبي صلى الله عليه وسلم على الائتمار بالمعروف بين الزوجين، فقال: (ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [الطلاق: ٦].
ثالثًا: أوامر المنافقين:
مما لا يحتاج إلى بيان أن أوامر المنافقين تنصب في جانب الشر والفساد، وتوصل متبعها إلى الهلاك والخسران، وهذا ما بينه القرآن من خلال إبرازه لأوامر المنافقين، والمظهرة كما يلي:
١. الأمر بالمنكر.
قال تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [التوبة: ٦٧].
يقول تعالى ذكره: في شأن المنافقين والمنافقات، وهم الذين يظهرون للمؤمنين الإيمان بألسنتهم، ويسرون الكفر بالله ورسوله، قال ابن عباس رضي الله عنهما: بعضهم على دين بعض، وقال مقاتل: بعضهم أولياء بعض، (ﮪ ﮫ) وهو الكفر، (ﮬ ﮭ ﮮ) وهو الإيمان.
وفي قوله تعالى: (ﮯ ﮰ) أربعة أقوال:
أحدها: يقبضونها عن الإنفاق في سبيل الله، قاله ابن عباس والحسن ومجاهد.
والثاني: عن كل خير، قاله قتادة.
والثالث: عن الجهاد في سبيل الله.
والرابع: عن رفعها في الدعاء إلى الله، ذكرهما الماوردي132.
ثم أتبع ذلك بقوله: (ﯓ ﯔ) أي: نسوا ذكر الله (ﯕ) أي: عاملهم معاملة من نسيهم، كقوله تعالى: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [الجاثية: ٣٤].
وقوله تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) أي: الخارجون عن طريق الحق، الداخلون في طريق الضلالة133.
قال الإمام الرازي: «اعلم أن هذا شرح لنوع آخر من أنواع فضائحهم وقبائحهم، والمقصود: بيان أن إناثهم كذكورهم في تلك الأعمال المنكرة، والأفعال الخبيثة، أي: في صفة النفاق؛ وذلك كما يقول إنسان لآخر: أنت مني وأنا منك، أي: أمرنا واحد لا مباينة فيه ولا مخالفة»134.
قال الإمام الزمخشري: أريد به نفي أن يكونوا من المؤمنين، وتكذيبهم في قولهم: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [التوبة: ٥٦].
وتقرير قوله: (ﭨ ﭩ ﭪ) ثم وصفهم بما يدل على مضادة حالهم لحال المؤمنين بقوله: (ﮪ ﮫ) كالكفر والمعاصي (ﮬ ﮭ ﮮ) كالإيمان والطاعات135.
٢. الأمر بالبخل.
قال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [النساء: ٣٧].
وقال: (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [الحديد: ٢٤].
فالحق سبحانه يقول: إن الله لا يحب المختال الفخور، الذي يبخل، ويأمر الناس بالبخل، و(البخل) في كلام العرب: منع الرجل سائله ما لديه، وعنده ما فضل عنه، و(الشح): أن يشح على ما في أيدي الناس، ويحب أن يكون له ما في أيدي الناس بالحل والحرام، لا يقنع، وقد قيل: إن الله جل ثناؤه عنى بقوله: (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) الذين كتموا اسم محمد صلى الله عليه وسلم وصفته من اليهود، ولم يبينوه للناس، وهم يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل.
والمراد بهذه الآية في قول ابن عباس رضي الله عنهما وغيره: اليهود، فإنهم جمعوا بين الاختيال والفخر والبخل بالمال وكتمان ما أنزل الله من التوراة من نعت محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل: المراد المنافقون الذين كان إنفاقهم وإيمانهم تقية، والمعنى: إن الله لا يحب كل مختال فخور، ولا الذين يبخلون (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) توعد المؤمنين الباخلين من توعد الكافرين بأن جعل الأول عدم المحبة، والثاني عذابًا مهينًا136.
٣. أمر الغير بالبر دون النفس.
قال تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [البقرة: ٤٤].
اختلف العلماء في المراد بالبر في هذا الموضع على وجوه، أحدها: وهو قول السدي: أنهم كانوا يأمرون الناس بطاعة الله وينهونهم عن معصية الله، وهم كانوا يتركون الطاعة، ويقدمون على المعصية... وسادسها: لعل المنافقين من اليهود كانوا يأمرون باتباع محمد صلى الله عليه وسلم في الظاهر، ثم إنهم كانوا في قلوبهم منكرين له فوبخهم الله تعالى عليه، وسابعًا: أن اليهود كانوا يأمرون غيرهم باتباع التوراة، ثم إنهم خالفوه؛ لأنهم وجدوا فيها ما يدل على صدق محمد صلى الله عليه وسلم، ثم إنهم ما آمنوا به137.
أي: أتأمرون الناس بالطاعة، وتتركون أنفسكم فلا تتبعونه، وأنتم تقرؤون التوراة فيها نعته وصفته، أفلا تعقلون أنه حق فتتبعونه؟ والعقل مأخوذ من عقال الدابة، وهو ما يشد به ركبة البعير فيمنعه من الشرود، فكذلك العقل يمنع صاحبه من الكفر والجحود138.
فالمراد بقوله: (ﮧ ﮨ) وتنسون أنفسكم أنكم تغفلون عن حق أنفسكم، وتعدلون عما لها فيه من النفع، أما قوله: (ﮩ ﮪ ﮫ) فمعناه: تقرؤون التوراة وتدرسونها، وتعلمون بما فيها من الحث على أفعال البر والإعراض عن أفعال الإثم، وأما قوله: (ﮭ ﮮ) فهو تعجب للعقلاء من أفعالهم، ونظيره قوله تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [الأنبياء: ٦٧]139.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رأيت ليلة أسري بي رجالًا تقرض شفاههم بمقاريض من نار، قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء خطباء من أمتك، يأمرون الناس بالبر، وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب)140.
رابعًا: أوامر الجبابرة والمسرفين:
تتمثل أوامر الجبابرة والمسرفين كما يلي:
١. أمرهم بالكفر بالله.
كما قال: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [سبأ: ٣٣].
فالآية تشير إلى ما قاله الأتباع للرؤساء في الضلال: قالوا لهم: صدنا مكركم بنا، وخداعكم في الليل والنهار حين كنتم تأمروننا أن نكفر بالله، ونجعل له أمثالًا وأشباهًا في العبادة، وإجمال ذلك: ما صدنا إلا مكركم أيها الرؤساء بالليل والنهار حتى أزلتمونا عن عبادة الله، فأنتم كنتم تغروننا وتمنوننا وتخبروننا أننا على الهدى، وإنا على شيء، وكل ذلك باطل وكذب، وهذا تطاول من المستضعفين على مستكبريهم لما رأوا قلة غنائهم عنهم واحتقروهم، حين علموا كذبهم وبهتانهم، وقد حكي نظير ذلك في قوله تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [البقرة: ١٦٦].
والمراد بالذين استضعفوا: الأتباع والعامة من الناس، والمراد بالذين استكبروا: الزعماء والقادة والرؤساء141.
وهذا ما فعله فرعون وتبعه فيه قومه: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [هود: ٩٦-٩٧].
قال الزجاج: يعني: بعلاماتنا التي تدل على صحة نبوته.
(ﯴ ﯵ) أي: حجة بينة، ثم قال: (ﯺ ﯻ ﯼ) أي: شأنه وحاله، وهو ما أمرهم به من عبادته واتخاذه إلهًا، وخالفوا أمر الله تعالى (ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) أي: مرشد إلى خير142. أو بسديد يؤدي إلى صواب.
٢. الأمر بعبادة غير الله.
كما قال: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [الزمر: ٦٤].
وهذه كنتيجة لما قبلها، أو هي من لاوازم الأمر بالكفر بالله.
يقول تعالى ذكره لنبيه: قل يا محمد لمشركي قومك، الداعين إلى عبادة الأوثان: (ﮨ ﮩ) أيها الجاهلون بالله (ﮪ) أن (ﮫ) ولا تصلح العبادة لشيء سواه؛ وذلك حين قال له المشركون: استلم بعض آلهتنا ونؤمن بإلهك، قال مقاتل: وذلك أن كفار قريش دعوه إلى دين آبائه143.
وأقول: نظير هذه الآية، قوله تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [الأنعام: ١٤].
وإنما وصفهم بالجهل لأنه تقدم وصف الإله بكونه خالقًا للأشياء، وبكونه مالكًا لمقاليد السماوات والأرض، وظاهر كون هذه الأصنام جمادات أنها لا تضر ولا تنفع، ومن أعرض عن عبادة الإله الموصوف بتلك الصفات الشريفة المقدسة، واشتغل بعبادة هذه الأجسام الخسيسة، فقد بلغ في الجهل مبلغًا لا مزيد عليه؛ فلهذا السبب قال: (ﮬ ﮭ) ولاشك أن وصفهم بهذا الأمر لائق بهذا الموضع144.
٣. الأمر بالفاحشة.
قال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [يوسف: ٣٢].
فتقول امرأة العزيز لسيدنا يوسف عليه السلام: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) يعني: وإن لم يطاوعني فيما دعوته إليه، أي: فيما قد أمرته فيما تقدم ذكره عند أن أغلقت الأبواب، وقالت: هيت لك، يعني حينما طلبت منه الفحشاء فأبى، ولئن لم يفعل ما أمره به مستقبلًا (ﮄ) أي: ليعاقبن بالسجن والحبس (ﮅ ﮆ ﮇ) يعني: من الأذلاء المهانين، فقال النسوة ليوسف: أطع مولاتك فيما دعتك إليه، فاختار يوسف السجن على المعصية حين توعدته المرأة بذلك، والمراد: أن يوسف عليه السلام إن لم يوافقها على مرادها يوقع في السجن وفي الصغار، ومعلوم أن التوعد بالصغار له تأثير عظيم في حق من كان رفيع النفس، عظيم الخطر، مثل يوسف عليه السلام 145.
٤. يقتلون الذين يأمرون بالقسط.
قال تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [آل عمران: ٢١].
قال الإمام القرطبي: «قال أبو العباس المبرد: كان ناس من بني إسرائيل جاءهم النبيون يدعونهم إلى الله عز وجل فقتلوهم، فقام أناس من بعدهم من المؤمنين فأمروهم بالإسلام فقتلوهم، ففيهم نزلت هذه الآية، وكذلك قال معقل بن أبي مسكين: كانت الأنبياء -صلوات الله عليهم- تجئ إلى بني إسرائيل بغير كتاب فيقتلونهم، فيقوم قوم ممن اتبعهم فيأمرون بالقسط، أي بالعدل، فيقتلون»146.
وهذا ذمٌ من الله تعالى لأهل الكتاب فيما ارتكبوه من المآثم والمحارم في تكذيبهم بآيات الله قديمًا وحديثًا، التي بلغتهم إياها الرسل، استكبارًا عليهم، وعنادًا لهم، وتعاظمًا على الحق، واستنكافًا عن اتباعه، ومع هذا قتلوا من قتلوا من النبيين حين بلغوهم عن الله شرعه، بغير سبب ولا جريمة منهم إليهم، إلا لكونهم دعوهم إلى الحق (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) وهذا هو غاية الكبر147.
ومثله: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) [القصص: ٢٠].
٥. الإفساد في الأرض من الشرك ومخالفة الحق.
قال تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [الشعراء: ١٥٠-١٥٢].
يقول الإمام ابن كثير: أي: «أقبلوا على عمل ما يعود نفعه عليكم في الدنيا والآخرة، من عبادة ربكم الذي خلقكم ورزقكم لتوحدوه وتعبدوه وتسبحوه بكرة وأصيلًا (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) يعني: رؤساءهم وكبراءهم، الدعاة لهم إلى الشرك والكفر، ومخالفة الحق»148.
ويقول الإمام الشوكاني: « (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) أي: المشركين، وقيل: الذين عقروا الناقة، ثم وصف هؤلاء المسرفين بقوله: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) أي: ذلك دأبهم يفعلون الفساد في الأرض، ولا يصدر منهم الصلاح ألبته»149.
لاشك أن اتباع أمر الأنبياء والمؤمنين يتبعه الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة، أما اتباع أمر المنافقين والكافرين سيكون عاقبته الخسران والضلال المبين، وهذا ما بينه القرآن الكريم كما يلي:
أولًا: جزاء اتباع أمر المؤمنين والأنبياء:
١. الوصف بالفلاح.
قال تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [الأعراف: ١٥٧].
جاء في تفسير الخازن: «(ﮓ ﮔ ﮕ) يعني: بمحمد عليه الصلاة والسلام (ﮖ ﭼ يعني: وقروه وعظموه، وأصل التعزير: المنع والنصرة، وتعزير النبي صلى الله عليه وسلم تعظيمه وإجلاله، ودفع الأعداء عنه، وهو قوله (ﮗ) يعني: على أعدائه (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) يعني: القرآن، سمي القرآن نورًا لأن به يستنير قلب المؤمن، فيخرج به من ظلمات الشك والجهالة إلى ضياء اليقين والعلم (ﮞﮟﮠ) يعني: هم الناجون الفائزون بالهداية، أي: هم الفائزون بالمطلوب في الدنيا والآخرة»150.
ويقول الإمام أبو زهرة: «فقد حكم الله سبحانه وتعالى على الذين قاموا بهذه الصفات -ومن بين تلك الصفات اتباع أمر النبي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- بأنهم الفائزون في الدنيا باتباع الحق، وأن حياتهم كلها فاضلة، وأن تكون حياتهم في الآخرة نعيمًا مقيمًا، ورضوانًا من الله العزيز الحكيم، وهو أكبر الفوز العظيم؛ ولذا قال تعالى: (ﮞﮟﮠ) والإشارة إلى الصفات يفيد أنها علة الحكم وسببه، أي: بسبب هذه الصفات ينالون الفلاح في الدنيا والآخرة؛ لأن الهداية والاستقامة فلاح لا يدركه إلا من استقامت إلى الحق نفوسهم»151.
ونظير ذلك قوله تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [آل: عمران ١٠٤].
قلت: فلاشك أن الإيمان بالنبي يتبعه تنفيذ ما أمر به، ومن جملة ما أمر به الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فالإيمان بالرسول وما يقتضيه ذلك من اتباع أمره يكون لصاحبه الفلاح والفوز في الدنيا والآخرة.
٢. نيل الأجر العظيم.
قال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [النساء: ١١٤].
يقول الإمام البغوي: يعني: ومن يفعل هذه الأشياء التي ذكرها -وهي الأمر بالصدقة والمعروف والإصلاح بين الناس- ابتغاء مرضاة الله، أي: طلب رضاه، وخرج عنه من فعل ذلك رياء أو ترؤسًا فسوف نؤتيه في الآخرة (ﭫ ﭬ) قرأ أبو عمرو وحمزة:)يؤتيه(بالياء، يعني: يؤتيه الله، وقرأ الآخرون بالنون، أي: ثوابًا كثيرًا واسعًا. و(سوف) هنا لتأكيد الوقوع في المستقبل152.
٣. نيل الرحمة من الله.
قال تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [التوبة: ٧١].
يقول الإمام ابن كثير: أي: سيرحم الله من اتصف بهذه الصفات، والتي منها الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر (ﮨ ﮩ ﮪ ) أي: من أطاعه أعزه، فإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين (ﮫ) في قسمته هذه الصفات لهؤلاء، والسين في قوله: (ﮥ) مدخلة في الوعد مهلةً لتكون النفوس تتنعم برجائه، وفضله تعالى زعيم بالإنجاز، والإشارة للدلالة على أن ما سيرد بعد اسم الإشارة صاروا أحرياء به من أجل الأوصاف المذكورة قبل اسم الإشارة153.
٤. البشرى من الله.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [التوبة: ١١٢].
ذكر الله تعالى في هذه الآية تسعة أوصاف للمؤمنين، الستة الأولى منها تتعلق بمعاملة الخالق، والوصفان السابع والثامن يتعلقان بمعاملة المخلوق، والوصف التاسع يعم القبيلين154.
فمن ضمن أوصاف المؤمنين: أن ينتشر ويبرز المجتمع الفاضل الذي يقوم على الأمر بالمعروف، أي: كل ما هو معروف لا تنكره العقول السليمة، والنهي عن كل أمر تنكره العقول السليمة، فإن المجتمع الفاضل ظل لكل خلق سليم ينمو في ظله الوارف؛ ولذا كانت أمة محمد أمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيه أناس يدعون الناس إلى الرشد والهدى، وينهونهم عن الفساد والردى، فقال تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [آل عمران: ١١٠]155.
وقال البيضاوي: «(ﭠ ﭡ) يعني: وبشر به هؤلاء الموصوفين بتلك الفضائل -والتي من بينها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر-، ووضع المؤمنين موضع ضمير (هم) للتنبيه على أن إيمانهم دعاهم إلى ذلك، وأن المؤمن الكامل من كان كذلك، وحذف المبشر به للتعظيم، وللإيذان بخروجه عن حد البيان، كأنه قيل: وبشرهم بما يجل عن إحاطة الأفهام، وتعبير الكلام»156. أو بشر أيها الرسول المؤمنين المتصفين بهذه الصفات -ومن بينهم الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر- بخيري الدنيا والآخرة، وخصت تلك الخلال بالذكر لأن بها تكون المحافظة على حدود الله157.
ثانيًا: جزاء اتباع أمر الجبابرة والمسرفين ما يلي:
١. العذاب الأليم.
كما قال تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [آل عمران: ٢١].
يقول الإمام ابن كثير: «فلما تكبروا عن الحق، واستكبروا على الخلق، قابلهم الله على ذلك بالذلة والصغار في الدنيا، والعذاب المهين في الآخرة، فقال: (ﯤ ﯥ ﯦ) أي: موجع مهين»158.
والفاء في (ﯤ) فاء الجواب المستعملة في الشرط، دخلت على خبر (إن) لأن اسم (إن) وهو موصول تضمن معنى الشرط، إشارة إلى أنه ليس المقصود قومًا معينين، بل كل من يتصف بالصلة فجزاؤه أن يعلم أن له عذابًا أليمًا. واستعمل (بشرهم) في معنى أنذرهم تهكمًا، وحقيقة التبشير: الإخبار بما يظهر سرور المخبر (بفتح الباء) وهو هنا مستعمل في ضد حقيقته؛ إذ أريد به الإخبار بحصول العذاب، وهو موجب لحزن المخبرين، فهذا الاستعمال في الضد معدود عند علماء البيان من الاستعارة، ويسمونها تهكمية؛ لأن تشبيه الضد بضده لا يروج في عقل أحد إلا على معنى التهكم أو التمليح159.
٢. الأغلال ونار جهنم.
يقول تعالى: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃﮄﮅ) [سبأ: ٣٣].
قال الإمام الطبري: «قوله: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) أي: وغلت أيدي الكافرين بالله»160، والأغلال: هي السلاسل التي تجمع أيديهم مع أعناقهم161 في جهنم، يقول جل ثناؤه: ما يفعل الله ذلك بهم إلا ثوابًا لأعمالهم الخبيثة التي كانوا في الدنيا يعملونها، ومكافأة لهم عليها، كل بحسبه، للقادة عذاب بحسبهم، وللأتباع بحسبهم (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [الأعراف: ٣٨].
أي: إنما نجازي الفريقين وأمثالهم، كل بحسب عمله، وبسبب ما اقترفه من الشرك بالله والإثم، فللقادة عذاب يناسبهم، وللأتباع عذاب آخر يلائمهم، ولا ظلم ولا تحامل، كما جاء في آية أخرى: (ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ) [فصلت: ٤٦].
ومما لا شك فيه أن القادة إلى الضلال أسوأ من الأتباع، فهم الذين يستحقون مضاعفة العذاب وأليم العقاب، ولكن يشاركهم الأتباع في هذا العذاب؛ لأنهم عطلوا نعمة العقل والوعي، وقلدوا غيرهم تقليدًا أعمى، وكان جديرًا بهم أن يتحرروا من ربقة التقليد، فكانت عقائدهم فاسدة، وأعمالهم سيئة كقادتهم، فاستحقوا جميعًا التخليد في عذاب جهنم، وبئس المصير162.
٣. العذاب المهين.
قال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [النساء: ٣٧].
لقد ذكر سبحانه وتعالى في هذه الآية من الأحوال المذمومة ثلاثًا: أولها- كون الإنسان بخيلًا وهو المراد بقوله: (ﯛ ﯜ) وثانيها: كونهم آمرين لغيرهم بالبخل، وهذا هو النهاية في حب البخل، وهو المراد بقوله: (ﯝ ﯞ ﯟ) وثالثها: قوله: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) فيوهمون الفقر مع الغنى، والإعسار مع اليسار، والعجز مع الإمكان، ثم إن هذا الكتمان قد يقع على وجه يوجب الكفر، مثل أن يظهر الشكاية عن الله تعالى، ولا يرضى بالقضاء والقدر، وهذا ينتهي إلى حد الكفر؛ فلذلك قال: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) ومن قال: الآية مخصوصة باليهود فكلامه في هذا الموضع ظاهر؛ لأن من كتم الدين والنبوة فهو كافر، ويمكن أيضًا أن يكون المراد من هذا الكافر من يكون كافرًا بالنعمة، لا من يكون كافرًا بالدين والشرع163.
فهناك: توعد للمؤمنين الباخلين من توعد الكافرين بأن جعل الأول عدم المحبة، والثاني عذابًا مهينًا، أي: قد هيأنا من غاية قهرنا، وانتقامنا للكافرين لنعمنا كفرانًا ناشئًا عن محض النفاق والشقاق، عذابًا طردًا وحرمانًا مؤلمًا، وتخذيلًا وإذلالًا مهينًا 164.
٤. الوصف بالفسق.
كما قال: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [التوبة: ٦٧].
إن المنافقين هم الفاسقون هم الكاملون في الفسق الذي هو التمرد في الكفر والانسلاخ عن كل خير، وكفى المسلم زاجرًا أن يلم بما يكسبه هذا الاسم الفاحش الذي وصف به المنافقون حين بالغ في ذمهم، أي: أنهم الخارجون عن طريق الحق، الداخلون في طريق الضلالة، فهذا تذييل قصد به المبالغة في ذمهم، وصيغة القصر في (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) قصر ادعائي للمبالغة؛ لأنهم لما بلغوا النهاية في الفسوق جعل غيرهم كمن ليس بفاسق، والإظهار في مقام الإضمار في قوله: (ﯗ ﯘ) لزيادة تقريرهم في الذهن لهذا الحكم؛ ولتكون الجملة مستقلة حتى تكون كالمثل165.
أوضح القرآن الكريم أوامر إبليس لعنه الله وذريته وعاقبة اتباعها، وسوف نتناولها بالبيان فيما يأتي:
أولًا: أوامر إبليس:
لا شك أن أوامر إبليس تتمثل في العقائد الفاسدة، والأحكام الباطلة التي تخالف منهاج الدين، ويتضح ذلك فيما يلي:
١. الأمر بتبتيك آذان الأنعام.
قال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [النساء: ١١٩].
البتك: القطع، والتبتيك للتكثير والتكرير، أي: لأحملنهم على أن يقطعوا آذان الأنعام، وكانوا يشقون آذان الناقة إذا ولدت خمسة أبطن، وجاء الخامس ذكرًا، وحرموا على أنفسهم الانتفاع بها، وقال آخرون: المراد أنهم يقطعون آذان الأنعام نسكًا في عبادة الأوثان، فهم يظنون أن ذلك عبادة مع أنه في نفسه كفر وفسق، سول لهم إبليس أن هذا قربةٌ إلى الله تعالى، فهو كالأمر لهم الذي يجعل ما ليس بعبادة أصلًا عبادة، وإن ذلك تشويه لما خلق الله سبحانه وتعالى166.
يروى في ذلك أن أبا الأحوص من الصحابة أتى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان رث الهيئة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (هل لك من مال؟) قال: نعم؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فإذا آتاك الله مالًا فلير عليك أثره) ثم قال عليه الصلاة والسلام: (هل تنتج إبل قومك صحاحًا آذانها، فتعمد إلى موسى فتشق آذانها، وتقول: هذه بحر -أي: جمع بحيرة- وتشق جلودها، وتقول: هذه صرم -جمع صريمة-) قال: أجل، قال: (كل ما آتاك الله حل، وموسى الله أحد من موساك، وساعد الله أشد من ساعدك)167.
٢. الأمر بتغيير خلق الله.
قال تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [النساء: ١١٩].
يعني: بفقء عين الحامي، وإعفائه عن الركوب أو بالخصاء، وهو مباح في البهائم محظور في بني آدم، أو بالوشم، أو بنفي الأنساب واستلحاقها، أو بتغيير الشيب بالسواد، أو بالتحريم والتحليل، أو بالتخنث، أو بتبديل فطرة الله التي هي دين الإسلام؛ (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [الروم: ٣٠].
وكذلك استعمال الجوارح والقوى فيما لا يعود على النفس كمالًا، ولا يوجب لها من الله سبحانه وتعالى زلفى168.
فتغيير الخلق يشمل التغيير المادي والمعنوي، وكان كل ذلك خضوعًا لأوامر الشيطان، فكانوا بهذا أولياءه، كما قال الإمام أبو زهرة169.
ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه: (إني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإن الشياطين أتتهم فاجتالتهم عن دينهم، فحرمت عليهم ما أحللت، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانًا، وأمرتهم أن يغيروا خلقي)170.
٣. الأمر بالفحشاء والمنكر.
كما قال: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [البقرة: ٢٦٨].
يقول الإمام الرازي: «اعلم أنه تعالى لما رغب الإنسان في إنفاق أجود ما يملكه حذره بعد ذلك من وسوسة الشيطان، فقال: (ﯔ ﯕ ﯖ) أي: يقال: إن أنفقت الأجود صرت فقيرًا، فلا تبال بقوله، فإن الرحمن يعدكم مغفرة منه...، ثم قال: أما قوله: (الفحشاء) ففيه وجوه، الأول: أن الفحشاء هي البخل (ﯗ ﯘ) أي: ويغريكم على البخل إغراء الأمر للمأمور.
الوجه الثاني: في تفسير الفحشاء، وهو أنه يقول: لا تنفق الجيد من مالك في طاعة الله؛ لئلا تصير فقيرًا، فإذا أطاع الرجل الشيطان في ذلك زاد الشيطان، فيمنعه من الإنفاق في الكلية حتى لا يعطي لا الجيد ولا الرديء، وحتى يمنع الحقوق الواجبة، فلا يؤدي الزكاة، ولا يصل الرحم، ولا يرد الوديعة، فإذا صار هكذا سقط وقع الذنوب عن قلبه، ويصير غير مبال بارتكابها، وهناك يتسع الخرق، ويصير مقدامًا على كل الذنوب؛ وذلك هو الفحشاء»171.
وقال الإمام ابن كثير: «(ﯗ ﯘ) أي: مع نهيه إياكم عن الإنفاق خشية الإملاق، يأمركم بالمعاصي والمآثم والمحارم، ومخالفة الأخلاق»172.
ومنه قوله تعالى: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [البقرة: ١٦٩].
وهذه الآية بيان لعداوته، ووجوب التحرز عن متابعته، واستعير الأمر لتزيينه وبعثه لهم على الشر تسفيهًا لرأيهم، وتحقيرًا لشأنهم، والسوء والفحشاء ما أنكره العقل، واستقبحه الشرع، والعطف لاختلاف الوصفين، فإنه سوء لاغتمام العاقل به، وفحشاء باستقباحه إياه.
وقيل: السوء يعم القبائح، والفحشاء ما يتجاوز الحد في القبح من الكبائر.
وقيل: الأول ما لا حد فيه، والثاني: ما شرع فيه الحد، فالسوء ما يسوء صاحبه ويخزيه، والفحشاء يعني بها المعاصي، وما قبح من قول أو فعل173.
وقال الإمام ابن كثير: «أي: إنما يأمركم عدوكم الشيطان بالأفعال السيئة، وأغلظ منها الفاحشة كالزنا ونحوه، وأغلظ من ذلك وهو القول على الله بلا علم، فدخل في هذا كل كافر، وكل مبتدع أيضًا»174.
ونظير ذلك قوله: ( ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [: ٢١].
ثانيًا: عاقبة اتباع أوامر إبليس وذريته في الدنيا والآخرة:
يتمثل في الخسران المبين في الدارين، كما قال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [النساء: ١١٩].
قال البيضاوي: «يعني: ( ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) بإيثاره ما يدعو إليه على ما أمر الله به ومجاوزته عن طاعة الله سبحانه وتعالى إلى طاعته، (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) إذا ضيع رأس ماله، وبدل مكانه من الجنة بمكان من النار، فهذا الخسران في غاية الظهور والرداءة بما تعطيه صيغة الفعلان»175.
فمن يوالي الشيطان فيطيعه مع أنه متمرد عن الحق، داعٍ إلى الشر، ويترك الحق وأمر الله، فإنه بهذا يخسر خسرانًا واضحًا، يخسر الحق فلا يتبعه، ويرتكب الشر، ويترك المعقول إلى المرذول، ويمسخ فطرة الله تعالى، وتنحرف نفسه، ويلتوي تفكيره، وتشوه إنسانيته؛ وذلك خزي في الدنيا ووراءه عذاب في الآخرة، وأي: خسارة أعظم من هذه الخسارة وأوضح منها176.
وهكذا يتبين لنا: أن طاعة الله تعالى تفيد المنافع العظيمة الدائمة، الخالصة عن شوائب الضرر، وطاعة الشيطان تفيد المنافع القليلة المنقطعة، المشوبة بالغموم والأحزان، ويعمها العذاب الدائم، وهذا هو الخسار المطلق؛ وتلك خسارة لا جبر لها، ولا استدراك لفائتها177.
موضوعات ذات صلة: |
الحرام، الحلال |
1 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني، ص٨٨.
2 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس، ١/ ١٣٧، لسان العرب، ابن منظور،٤/ ٢٧.
3 المحصول، الرازي،٣/١٧، الإحكام في أصول الأحكام، الآمدي، ٢/١٤٠.
4 التعريفات، ص ٣٧.
5 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن، محمد فؤاد عبد الباقي ص٧٨-٧٩.
6 انظر: نزهة الأعين النواظر، ابن الجوزي ص١٧٢.
7 انظر: المفردات، الراغب، ١/٨٢٧، المصباح المنير، الفيومي،٣/٦٢٩.
8 انظر: التعريفات، الجرجاني، ١/٢٤٨.
9 مقاييس اللغة،٢/ ٢٣٩.
10 انظر، المفردات، الراغب، ٢٧٣ التعريفات، الجرجاني،١/٩٦.
11 انظر: الصحاح، الجوهري ٦/ ٢٣٣٧، مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/٢٨٠.
12 انظر، نزهة الأعين، ابن الجوزي ١/٢٩٢.
13 الفروق اللغوية، العسكري، ص٢٣١.
14 التفسير الوسيط، طنطاوي ٨/١٦٩.
15 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٨/١٦٩.
16 التفسير المنير، الزحيلي ٣/٢٣٠.
17 التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ٢/٢٠٩.
18 تفسير المراغي ١١/٦٣.
19 انظر: جامع البيان، الطبري ٢/٦٦ .
20 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ٦/٣١٠.
21 تفسير القرآن العظيم ٦/٣٠٣ .
22 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ٧/٤٤٠.
23 انظر: التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ٣/٤.
24 انظر: زهرة التفاسير، أبو زهرة ٨/٣٩٥٢ .
25 الفواتح الإلهية، الشيخ علوان ١/١٣٠.
26 التفسير الوسيط، الزحيلي ٣/٢٢٨٤.
27 تفسير المراغي ٢٢/٣٩.
28 أخرجه أحمد في مسنده، ٣٥/٢٩٤، رقم ٢١٣٦٧، والترمذي في سننه، أبواب صفة القيامة والرقائق والورع، ٤/٢٣٨، رقم ٢٤٩٥، وابن ماجه في سننه، كتاب الزهد، باب ذكر التوبة، ٢/١٤٢٢، رقم ٤٢٥٧.
وضعفه الألباني في ضعيف الجامع ٢/٩٣٤، رقم ٦٤٣٧.
29 ويدخل في هذا النوع كل الأوامر في القرآن والتي يطلب الحق،سبحانه وتعالى، من عباده الإتيان بها سواء أكانت بلفظ الأمر ومشتقاته أو بأي صيغة أخرى تدل على طلب الفعل.
30 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٣/٢١٠، أنوار التنزيل، البيضاوي ٢/١٩١.
31 انظر: الوسيط، طنطاوي ٧/٢٣٦.
32 زهرة التفاسير، أبو زهرة ٣/١٣٤٨.
33 انظر: جامع البيان، الطبري ١٢/٣٧٩، أنوار التنزيل، البيضاوي ٣/١٠.
34 زاد المسير، ابن الجوزي ٣/٥٧٩.
35 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٨/٨٦.
36 التفسير الوسيط، طنطاوي ٨/٢٢٠.
37 انظر: تفسير القرآن العظيم، ٤/١٦١.
38 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٢/٤١٩، التفسير المنير، الزحيلي ١٠/٢٤٠.
39 التفسير القرآني للقرآن، عبدالكريم الخطيب ٣/٨١١.
40 التفسير الوسيط، طنطاوي ٣/١٧٧.
41 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ١٠/٢٤٠، تفسير المراغي ٥/٦٥.
42 انظر: الوجيز، الواحدي ١/٥٤٢، معالم التنزيل، البغوي ٤/٢٢٦.
43 جامع البيان ١٨/٣٧٩.
44 انظر: تفسير الخازن ٢/ ١٩٢.
45 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٨/٨٥.
46 مفاتيح الغيب، الرازي ١٤/٢٢٥ .
47 جامع البيان، ٢٣/٤٩٢.
48 روح المعاني، الألوسي ١٤/٣٥٢.
49 محاسن التأويل، القاسمي ٧/١٨٩.
50 الوسيط، طنطاوي ١٤/١٠.
51 أخرجه الطبري في تفسيره ٢٢/٣٩٢.
52 مفاتيح الغيب ٧/٦٢٨.
53 روح المعاني ٧/٣٩١.
54 انظر: الوسيط، طنطاوي ١٤/١١.
55 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٨/١٦١.
56 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ٤/١٦٧.
57 حاشية الجمل ٤/٤٧٧.
58 الوسيط، طنطاوي ٢٠/١٢٦.
59 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٣١/٢٩، مدارك التنزيل، النسفي ٤/٣٩١.
60 انظر: اللباب في بيان الكتاب، ابن عادل ١٦/٣٣٠، نظم الدرر، البقاعي ١٦/٢٦٤، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٧٠٥.
61 انظر: معاني القرآن، الزجاج ٢/٢٢٣، مفاتيح الغيب، الرازي ١٢/٤٦٦، مدارك التنزيل، النسفي ١/٤٨٧.
62 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٥/١٩٩، زاد المسير، ابن الجوزي ٤/٦٢، أنوار التنزيل، البيضاوي ٥/٧٩.
63 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٨/٢٧.
64 جامع البيان، الطبري ٢١/٥١٦.
65 انظر: جامع البيان، الطبري ١٨/٢٩٩، زاد المسير، ابن الجوزي ٣/١٥٧.
66 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٢٨٢ إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٦/١٢.
67 انظر: الوجيز، الواحدي ص٥٧٠، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/٣١٠.
68 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٣/١٢٧.
69 مدار التنزيل، النسفي ١/٤١٦.
70 جامع البيان، ١٧/٦٠٥ .
71 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤٧١.
72 زاد المعاد ٣/٢٠٢.
73 فتح القدير ١/٣٨٧.
74 المصدر السابق ٤/٣٢٦.
75 جامع البيان ٢٠/٢٧١.
76 المصدر السابق.
77 تفسير القرآن الكريم، ٦/٤٢٣.
78 جامع البيان ١٨/٩١.
79 مفاتيح الغيب ٢١/٤٩٢.
80 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص١٦٠.
81 إرشاد العقل السليم، ٢/١٢٤.
82 جامع البيان ٢١/٥٥١.
83 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٧٦٠.
84 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٥/١٢٣.
85 أنوار التنزيل ١/٦٥ .
86 النكت والعيون، ١/٨٩.
87 الوسيط، طنطاوي ١/٨٧.
88 جامع البيان ١٢/٣٧٩.
89 التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ٢/١٩٢.
90 مفاتيح الغيب، الرازي ١٤/٢٢٥.
91 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ٣/٣٢٦ .
92 الطبري ١٩/٢٨٨ وتفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١٣/٦٤ وتفسير أبي زهرة ١٠/٥٣٠٧.
93 مدارك التنزيل، النسفي ١/٥٥٧.
94 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/١٧١.
95 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٧/١٨٥.
96 تفسير الشعراوي ١٤/٨٩٣٥.
97 التفسير الوسيط، طنطاوي ١٢/٢٠٢.
98 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان، ١/٦٩، رقم ٤٩.
99 مدارك التنزيل ١/٢٨٤.
100 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ٥/٤٨١.
101 المصدر السابق ٥/٤٨١.
102 جامع البيان ١٩/٢٠٦.
103 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٢/٢٩٥.
104 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٧٥.
105 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٥٢٧.
106 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٩/٣١١.
107 التفسير الوسيط، طنطاوي ٢/٧٣.
108 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم، ٨/٩، ٦٠٠٨.
109 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر، ٢/٩٤٣، رقم ١٢٩٧.
110 تفسير المراغي ٩/١٨٧.
111 التفسير الوسيط، طنطاوي ٢/٧٣.
112 التفسير القيم ١/٢٩٨.
113 روح المعاني ١/٧٥.
114 التفسير القرآني للقرآن، عبدالكريم الخطيب ٥/٧٤٣.
115 زهرة التفاسير، أبو زهرة ٤/٥٣٠٧.
116 التفسير الوسيط، طنطاوي ١٠/٢١٥ .
117 انظر: معاني القرآن، الزجاج ٢/٣٥٠، زاد المسير، ابن الجوزي ٤/٤٧٦.
118 انظر: أحكام القرآن، ابن العربي ٤/٦٤٣.
119 انظر: مفاتيح الغيب، ٢٢/٢٤٢.
120 انظر: مدارك التنزيل ٤/٤٥٥.
121 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣٠/٤٨١.
122 انظر: المنار، محمد رشيد رضا ٩/١٩٧.
123 انظر: جامع البيان، الطبري ١٩/٢٠٦، معالم التنزيل، البغوي ٦/٥٧.
124 جامع البيان ٧/٣٤٤.
125 انظر: جامع البيان، الطبري ٧/٣٤٤، زاد المسير، ابن الجوزي ١/٣٤١.
126 مفاتيح الغيب٢١/٥٥٠.
127 صفوة التفاسير، الصابوني ١/٥٠٩.
128 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٢/٢٨٦، مفاتيح الغيب، الرازي ١١/٢١٨.
129 أخرجه أحمد ٤٥/٥٠٠، رقم ٢٧٥٠٨، وأبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب في إصلاح ذات البين، ٤/٢٨٠، رقم ٤٩١٩، والترمذي في سننه، أبواب صفة القيامة، باب سوء ذات البين، ٤/٢٤٤، رقم ٢٥٠٩، وصححه.
وصححه الألباني في صحيح الجامع ١/٥٠٦، رقم ٢٥٩٥.
130 التحرير والتنوير ٢٥/ ١١٢.
131 انظر: التيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٧٥٩.
132 زاد المسير، ابن الجوزي ٢/٢٧٦.
133 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/١٧٣.
134 مفاتيح الغيب، ٤/٤٧٠.
135 الكشاف ٤/٢٨٧.
136 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٥/١٩٣.
137 مفاتيح الغيب، الرازي ٣/٤٨٨.
138 معالم التنزيل، البغوي ١/٨٩.
139 انظر: مفاتيح الغيب ٣/٤٨٨.
140 أخرجه أحمد في مسنده ٢١/١٥٨، رقم ١٣٥١٥، وابن حبان في صحيحه، ١/٢٤٩، رقم ٥٣.
وصححه الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان ١/١٨٣.
141 انظر: معاني القرآن، الزجاج ٣/٧٦، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٢/٢٠٩.
142 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ٢/٣٩٩، والجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/٩٣.
143 انظر: جامع البيان، الطبري ٢١/٣٢٢.
144 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٧/١٣٠، مفاتيح الغيب، الرازي ٢٧/٤٧١.
145 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٨/٤٥١، لباب التأويل، الخازن ٢/٥٢٦.
146 الجامع لأحكام القرآن ٤/٤٦.
147 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٢٧.
148 المصدر السابق ٦/١٥٦.
149 فتح القدير ٤/١٣٠.
150 لباب التأويل ٢/٢٥٨.
151 زهرة التفاسير ٦/٢٩٧٤.
152 معالم التنزيل ٢/٢٨٧.
153 تفسير القرآن العظيم، ٤/١٧٥.
154 انظر: حاشية الجمل ٢/٣٢١.
155 انظر: زهرة التفاسير، أبو زهرة ٧/٣٤٥٧.
156 أنوار التنزيل ٣/٩٩.
157 انظر: تفسير المراغي ١١/٣٤.
158 تفسير القرآن العظيم ٢/٢٨٥.
159 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣/٢٠٧٥.
160 جامع البيان ٢٠/٤٠٩.
161 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٥٢٠.
162 انظر: الوسيط، الزحيلي ٣/٢١٠٩.
163 مفاتيح الغيب، الرازي ١٠/٧٩.
164 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٥/١٩٣.
165 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٠/٢٥٥.
166 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ١/٤٧٤، مفاتيح الغيب، الرازي ١١/٢٢٣، مدارك التنزيل، النسفي ١/٣٩٧.
167 أخرجه أحمد ٢٥/٢٢٦، رقم ١٥٨٩١، والترمذي في سننه، أبواب البر والصلة، باب ما جاء في الإحسان والعفو ٣/٤٣٢، رقم ٢٠٠٦.
وصححه الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان ٨/٥٩ .
168 انظر: أنوار التنزيل البيضاوي ٢/٩٨ .
169 زهرة التفاسير ٤/١٨٦٦.
170 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا ٤/٢١٩٧، رقم ٢٨٦٥.
171 مفاتيح الغيب ٧/٥٥ .
172 تفسير القرآن العظيم ١/٧٠٠.
173 انظر: أنوار التنزيل البيضاوي ١/١١٨.
174 تفسير القرآن العظيم ١/٤٨٠.
175 أنوار التنزيل ٢/٩٨.
176 زهرة التفاسير ٤/١٨٦٦.
177 انظر: اللباب في علوم القرآن، ابن عادل ٧/٣٧.