عناصر الموضوع
الأمن
أولًا: المعنى اللغوي:
الأمن ضد الخوف، والمأمن: موضع الأمن، والآمن: المستجير ليأمن على نفسه1، والأمان والأمانة بمعنىً، وقد أمنت فأنا آمن، وآمنت غيري من الأمن والأمان2، وأمن كفرح أمنًا وأمانًا بفتحهما، وأمنًا وأمنةً محركتين، وإمنًا بالكسر، فهو أمن وأمين كفرح وأمير، ورجل أمنةٌ كهمزة ويحرك: يأمنه كل أحد في كل شيء3، والأمن والأمانة والأمان في الأصل مصادر، ويجعل الأمان تارة اسمًا للحالة التي يكون عليها الإنسان في الأمن، وتارة اسمًا لما يؤمن عليه الإنسان4.
ومن خلال ما تقدم من معانٍ لغوية يتضح لنا أن كلمة الأمن لها عدة إطلاقات: فهي تعنى الطمأنينة وعدم الخوف، أو الثقة والهدوء النفسي، إضافة إلى راحة القلب، وعدم وقوع الغدر أو الخيانة من الغير.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
عرفه المناوي بقوله: «عدم توقع مكروهٍ في الزمن الآتي، وأصله طمأنينة النفس، وزوال الخوف»5.
وقال الراغب الأصفهاني: «أصل الأمن: طمأنينة النفس، وزوال الخوف»6.
ومن خلال هذه المعاني اللغوية والاصطلاحية تبين أن هناك ارتباطًا بينها، فالأمن ضد الخوف، وهو يعني: الأمان والطمأنينة والسكون والثقة.
وردت مادة (أمن) في القرآن (٨٥٣) مرة، ويخص موضوع البحث منها (٤٥) مرة 7.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
١٤ |
(ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [الأعراف:٩٧] |
الفعل المضارع |
٧ |
(ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [يوسف:١١] |
المصدر |
٧ |
(ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [النساء:٨٣] |
اسم الفاعل |
١٧ |
(ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [يوسف:٩٩] |
وجاء الأمن في القرآن بمعناه في اللغة وهو: طمأنينة النفس وزوال الخوف 8.
الخوف:
الخوف لغة:
الخاء والواو والفاء أصلٌ واحدٌ يدل على الذعر والفزع9.
الخوف اصطلاحًا:
«خلاف الأمن، والأمن سكون النفس، والخوف من انزعاجها وقلقها»10.
وقال التفتازاني: «غم يلحق الإنسان مما يتوقعه من السوء» 11.
الصلة بين الأمن والخوف:
يلاحظ أن الخوف جاء على خلاف الأمن، فالعلاقة بينهما علاقة تضاد.
القلق:
القلق لغة:
القاف واللام والقاف كلمةٌ تدل على الانزعاج12.
القلق اصطلاحًا:
«حالة انفعالية، تتميز بالخوف مما قد يحدث »13.
الصلة بين الأمن والقلق:
القلق يدل على الانزعاج نتيجة الخوف، بخلاف الأمن الذي يدل على الطمأنينة والسكون، فالعلاقة بينهما علاقة تضاد.
الطمأنينة:
الطمأنينة لغة:
السكون بعد الانزعاج14.
الطمأنينة اصطلاحًا:
الاطمئنان والثقة، وعدم القلق والقرار15.
الصلة بين الأمن والطمأنينة:
إن الأمن معناه طمأنينة النفس وزوال الخوف، فالعلاقة بينهما علاقة ترادف.
السكينة:
السكينة لغة:
السكون ضد الحركة، سكن الشيء يسكن سكونًا: إذا ذهبت حركته، وأسكنه هو وسكنه غيره تسكينًا، وكل ما هدأ فقد سكن، كالريح والحر والبرد ونحو ذلك16.
السكينة اصطلاحًا:
هي الطمأنينة والوقار والسكون الذي ينزله الله في قلب عبده عند اضطرابه17.
الصلة بين الأمن والسكينة:
الأمن: طمأنينة النفس وزوال الخوف، والسكينة: الطمأنينة في القلب والاستقرار والرزانة والوقار.
السلام:
السلام لغة:
أصل مادة (سلم) تفيد معنى السلامة من كل شر، والسلامة: أن يسلم الإنسان من العاهة والأذى18.
السلام اصطلاحًا:
« تجرد النفس عن المحنة في الدارين »19.
الصلة بين الأمن والسلام:
الأمن: طمأنينة النفس وزوال الخوف، أما السلام: أن يسلم كل واحد منهما أن يناله ألم من صاحبه، مع وزوال المحنة20.
الأساليب القرآنية في عرض الأمن
تنوعت أساليب القرآن في الحديث عن الأمن، وبيانها فيما يأتي:
أولًا: الامتنان بالأمن:
إن نعمة الأمن من الخوف من أجل النعم التي من الله بها على العباد، والله سبحانه وتعالى ذكر عن إبراهيم عليه السلام دعاءه في سورة إبراهيم (٣٧-٤١) وذكر أنه طلب في دعائه أمورًا سبعةً.
وكان المطلوب الأول: أنه طلب من الله نعمة الأمان، وهو قوله: (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [البقرة: ١٢٦].
والابتداء بطلب نعمة الأمن في هذا الدعاء يدل على أنه أعظم أنواع النعم والخيرات، وأنه لا يتم شيءٌ من مصالح الدين والدنيا إلا به، وسئل بعض العلماء: الأمن أفضل أم الصحة؟ فقال: الأمن أفضل21.
وإن الله تعالى ذكر امتنانه على عباده بتلك النعمة الجليلة في غير ما آية من كتاب الله تعالى، ومن صور الامتنان بنعمة الأمن في القرآن الكريم ما يلي:
١. الامتنان على أهل مكة.
وتكرر ذلك في أكثر من موضع في القرآن، ومن ذلك:
قوله تعالى: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [العنكبوت: ٦٧].
وقال تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [القصص: ٥٧]22.
عن قتادة قال: كان أهل الحرم آمنين يذهبون حيث شاءوا، إذا خرج أحدهم فقال: إني من أهل الحرم لم يتعرض له، وكان غيرهم من الناس إذا خرج أحدهم قتل23.
وقال سبحانه: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [الفيل: ١ - ٥].
وقال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [قريش: ١ - ٤].
فكلتا السورتين تذكير بنعم الله على أهل مكة، فسورة الفيل تشتمل على إهلاك عدوهم (وهو نوع من تأمينهم) الذي جاء لهدم البيت الحرام أساس مجدهم وعزهم، وسورة قريش تذكر نعمة أخرى اجتماعية واقتصادية، حيث حقق الله بينهم الألفة واجتماع الكلمة، وأكرمهم بنعمة الأمن والاستقرار، ونعمة الغنى واليسار24.
إنها منطقة الأمان يقيمها الله للبشر في زحمة الصراع، إنها الكعبة الحرام، تقدم في وسط المعركة المستعرة بين المتخاصمين والمتحاربين والمتصارعين والمتزاحمين على الحياة بين الأحياء من جميع الأنواع والأجناس، بين الرغائب والمطامع والشهوات والضرورات، فتحل الطمأنينة محل الخوف، ويحل السلام محل الخصام، وترف أجنحة من الحب والإخاء والأمن والسلام، وتدرب النفس البشرية في واقعها العملي-لا في عالم المثل والنظريات- على هذه المشاعر وهذه المعاني، فلا تبقى مجرد كلمات مجنحة ورؤى حالمة، تعز على التحقيق في واقع الحياة.
لقد جعل الله هذه الحرمات تشمل الإنسان، والطير، والحيوان، والحشرات بالأمن في البيت الحرام.
ولقد ألقى الله في قلوب العرب -حتى في جاهليتهم- حرمة هذه الأشهر، فكانوا لا يروعون فيها نفسًا، ولا يطلبون فيها دمًا، ولا يتوقعون فيها ثأرًا، حتى كان الرجل يلقى قاتل أبيه وابنه وأخيه فلا يؤذيه، فكانت مجالًا آمنًا للسياحة، والضرب في الأرض، وابتغاء الرزق.
جعلها الله كذلك لأنه أراد للكعبة -بيت الله الحرام- أن تكون مثابة أمن وسلام، تقيم الناس وتقيهم الخوف والفزع.
لقد جعل الله هذه الحرمات منذ بناء هذا البيت على أيدي إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وجعله مثابة للناس وأمنًا، حتى لقد امتن الله به على المشركين أنفسهم إذ كان بيت الله بينهم مثابة لهم وأمنًا، والناس من حولهم يتخطفون، وهم فيه وبه آمنون، ثم هم -بعد ذلك- لا يشكرون الله ولا يفردونه بالعبادة في بيت التوحيد، ويقولون للرسول صلى الله عليه وسلم إذ يدعوهم إلى التوحيد: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ)، فحكى الله قولهم هذا وبين حقيقة الأمن والمخافة، فقال: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [القصص: ٥٧]25.
وقال تعالى ممتنًا على قريش: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [الأنفال: ٢٦].
قال قتادة: «كان هذا الحي من العرب أذل الناس ذلًا، وأشقاه عيشًا، وأبينه ضلالةً، وأعراه جلودًا، وأجوعه بطونًا، مكعومين على رأس حجرٍ بين الأسدين: فارس والروم، لا والله ما في بلادهم يومئذٍ من شيءٍ يحسدون عليه، من عاش منهم عاش شقيًا، ومن مات ردي في النار، يؤكلون ولا يأكلون، والله ما نعلم قبيلًا يومئذٍ من حاضر الأرض، كانوا فيها أصغر حظًا وأدق فيها شأنًا منهم، حتى جاء الله عز وجل بالإسلام، فورثكم به الكتاب، وأحل لكم به دار الجهاد، ووضع لكم به من الرزق، وجعلكم به ملوكًا على رقاب الناس، وبالإسلام أعطى الله ما رأيتم، فاشكروا نعمه، فإن ربكم منعمٌ يحب الشاكرين، وإن أهل الشكر في مزيد الله، فتعالى ربنا وتبارك»26.
٢. الامتنان على النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى أصحابه رضوان الله عليهم.
قال الله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [آل عمران: ١٥٤].
وقال: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [الأنفال: ١١].
قال ابن كثير: «يذكرهم الله بما أنعم به عليهم من إلقائه النعاس عليهم، أمانًا من خوفهم الذي حصل لهم من كثرة عدوهم، وقلة عددهم، وكذلك فعل تعالى بهم يوم أحد، كما قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [آل عمران: ١٥٤].
أما النعاس فقد أصابهم يوم أحدٍ، وأمر ذلك مشهورٌ جدًا، وأما يوم بدرٍ في هذه الآية الشريفة إنما هي في سياق قصة بدرٍ، وهي دالةٌ على وقوع ذلك أيضًا، وكأن ذلك كان سجية للمؤمنين عند شدة البأس لتكون قلوبهم آمنةً مطمئنةً بنصر الله، وهذا من فضل الله ورحمته بهم، ونعمه عليهم، وكما قال تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [الشرح: ٥ - ٦]»27.
وعن أنسٍ، عن أبي طلحة رضي الله عنهما قال: «كنت فيمن تغشاه النعاس يوم أحدٍ حتى سقط سيفي من يدي مرارًا، يسقط وآخذه، ويسقط فآخذه»28.
قال ابن القيم: «وأنزل الله عليهم النعاس أمنةً منه في غزاة بدرٍ وأحدٍ، والنعاس في الحرب وعند الخوف دليلٌ على الأمن، وهو من الله»29.
وقال الرازي: «واعلم أن كل نومٍ ونعاسٍ فإنه لا يحصل إلا من قبل الله تعالى، فتخصيص هذا النعاس بأنه من الله تعالى لابد فيه من مزيد فائدةٍ، وذكروا فيه وجوهًا:
أحدها: أن الخائف إذا خاف من عدوه الخوف الشديد على نفسه وأهله فإنه لا يأخذه النوم، وإذا نام الخائفون أمنوا، فصار حصول النوم لهم في وقت الخوف الشديد يدل على إزالة الخوف، وحصول الأمن.
وثانيها: أنهم خافوا من جهاتٍ كثيرةٍ.
أحدها: قلة المسلمين وكثرة الكفار.
وثانيها: الأهبة والآلة والعدة للكافرين وقلتها للمؤمنين.
وثالثها: العطش الشديد، فلولا حصول هذا النعاس، وحصول الاستراحة حتى تمكنوا في اليوم الثاني من القتال لما تم الظفر.
والوجه الثالث: في بيان كون ذلك النعاس نعمةً في حقهم، أنهم ما ناموا نومًا غرقًا يتمكن العدو من معاقصتهم، بل كان ذلك نعاسًا يحصل لهم زوال الأعيان والكلال، مع أنهم كانوا بحيث لو قصدهم العدو لعرفوا وصوله، ولقدروا على دفعه.
والوجه الرابع: أنه غشيهم هذا النعاس دفعةً واحدةً مع كثرتهم، وحصول النعاس للجمع العظيم في الخوف الشديد أمرٌ خارقٌ للعادة، فلهذا السبب قيل: إن ذلك النعاس كان في حكم المعجز»30.
٣. الامتنان على أهل الجنة.
قال تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [الحجر: ٤٥ - ٤٦].
وقال: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [سبأ: ٣٧].
قال ابن القيم: «قال تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [الدخان: ٥١ - ٥٢].
والمقام الأمين: موضع الإقامة، والأمين: الآمن من كل سوء وآفة ومكروه، وهو الذي قد جمع صفات الأمن كلها، فهو آمن من الزوال والخراب وأنواع النقص، وأهله آمنون فيه من الخروج والنغص والنكد، وتأمل كيف ذكر سبحانه الأمن في قوله تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ)[الدخان: ٥١]. وفي قوله تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [الدخان: ٥٥].
فجمع لهم بين أمن المكان وأمن الطعام، فلا يخافون انقطاع الفاكهة ولا سوء عاقبتها ومضرتها، وأمن الخروج منها فلا يخافون ذلك، وأمن من الموت فلا يخافون فيها موتًا»31.
٤. الامتنان على أهل سبأ:
قال تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [سبأ: ١٨].
قال ابن كثير: «يذكر تعالى ما كانوا فيه من النعمة والغبطة، والعيش الهني الرغيد، والبلاد الرخية، والأماكن الآمنة، والقرى المتواصلة المتقاربة، بعضها من بعضٍ، مع كثرة أشجارها وزروعها وثمارها، بحيث إن مسافرهم لا يحتاج إلى حمل زادٍ ولا ماءٍ، بل حيث نزل وجد ماءً وثمرًا، ويقيل في قريةٍ، ويبيت في أخرى، بمقدار ما يحتاجون إليه في سيرهم»32.
وقال ابن عاشور: «وتقديم الليالي على الأيام للاهتمام بها في مقام الامتنان؛ لأن المسافرين أحوج إلى الأمن في الليل منهم إليه في النهار؛ لأن الليل تعترضهم فيه القطاع والسباع»33.
فالواجب علينا أن نشكر الله تعالى على هذه النعمة، وأن نعلم أننا سنسأل عنها، كما قال تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [التكاثر: ٨].
ذكر ابن مسعودٍ رضي الله عنه وجماعة أن النعيم: الأمن والصحة34.
ثانيًا: التحذير من الركون إلى الأمن:
قال تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الأعراف: ٩٧ - ٩٩].
قال الطبري: «يقول تعالى ذكره: أفأمن يا محمد هؤلاء الذين يكذبون الله ورسوله ويجحدون آياته، استدراج الله إياهم بما أنعم به عليهم في دنياهم من صحة الأبدان ورخاء العيش، كما استدرج الذين قص عليهم قصصهم من الأمم قبلهم، فإن مكر الله لا يأمنه، يقول: لا يأمن ذلك أن يكون استدراجًا مع مقامهم على كفرهم وإصرارهم على معصيتهم إلا القوم الخاسرون، وهم الهالكون»35.
وقال الطاهر ابن عاشور: «واعلم أن المراد بأمن مكر الله في هذه الآية هو الأمن الذي من نوع أمن أهل القرى المكذبين، الذي ابتدئ الحديث عنه من قوله: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [الأعراف: ٩٤].
ثم قوله: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) الآيات، وهو الأمن الناشئ عن تكذيب خبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وعن الغرور بأن دين الشرك هو الحق فهو أمنٌ ناشئٌ عن كفرٍ، والمأمون منه هو وعيد الرسل إياهم، وما أطلق عليه أنه مكر الله»36.
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [الإسراء: ٦٧ - ٦٩].
قال في الظلال: «ولكن الإنسان هو الإنسان، فما إن تنجلي الغمرة، وتحس قدماه ثبات الأرض من تحته حتى ينسى لحظة الشدة، فينسى الله، وتتقاذفه الأهواء، وتجرفه الشهوات، وتغطي على فطرته التي جلاها الخطر».
وهنا يستجيش السياق وجدان المخاطبين بتصوير الخطر الذي تركوه في البحر وهو يلاحقهم في البر، أو وهم يعودون إليه في البحر؛ ليشعروا أن الأمن والقرار لا يكونان إلا في جوار الله وحماه، لا في البحر ولا في البر، لا في الموجة الرخية والريح المواتية، ولا في الملجأ الحصين والمنزل المريح: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [الإسراء: ٦٨ - ٦٩].
إن البشر في قبضة الله في كل لحظة وفي كل بقعة، إنهم في قبضته في البر كما هم في قبضته في البحر، فكيف يأمنون؟ كيف يأمنون أن يخسف بهم جانب البر بزلزال أو بركان، أو بغيرهما من الأسباب المسخرة لقدرة الله؟!
أو يرسل عليهم عاصفة بركانية تقذفهم بالحمم والماء والطين والأحجار، فتهلكهم دون أن يجدوا لهم من دون الله وكيلًا يحميهم ويدفع عنهم؟
أم كيف يأمنون أن يردهم الله إلى البحر فيرسل عليهم ريحًا قاصفة، تقصف الصواري وتحطم السفن، فيغرقهم بسبب كفرهم وإعراضهم، فلا يجدون من يطالب بعدهم بتبعة إغراقهم؟
ألا إنها الغفلة أن يعرض الناس عن ربهم ويكفروا، ثم يأمنوا أخذه وكيده، وهم يتوجهون إليه وحده في الشدة ثم ينسونه بعد النجاة، كأنها آخر شدة يمكن أن يأخذهم بها الله!37.
وقال تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [النحل: ٤٥ - ٤٧].
وقال تعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [المطففين: ٢٩ - ٣٦].
قال السعدي: « (ﰂ ﰃ) أي: مسرورين مغتبطين، وهذا من أعظم ما يكون من الاغترار، أنهم جمعوا بين غاية الإساءة والأمن في الدنيا، حتى كأنهم قد جاءهم كتاب من الله وعهد، أنهم من أهل السعادة، وقد حكموا لأنفسهم أنهم أهل الهدى، وأن المؤمنين ضالون، افتراء على الله، وتجرؤوا على القول عليه بلا علم، فكما ضحكوا في الدنيا من المؤمنين ورموهم بالضلال، ضحك المؤمنون منهم في الآخرة، ورأوهم في العذاب والنكال، الذي هو عقوبة الغي والضلال، نعم ثوبوا ما كانوا يفعلون، عدلًا من الله وحكمة، والله عليم حكيم»38.
فالواجب على الناس أن يتقوا ويحذروا وأن يطرحوا عنهم الأمن الكاذب، والاستهتار السادر، والغفلة المردية، وأن يعتبروا بما كان في الذين خلوا من قبلهم، عسى ألا يكون فيهم، لو كانوا يسمعون!
وما يريد الله للناس بهذا التحذير في القرآن أن يعيشوا مفزعين قلقين يرتجفون من الهلاك والدمار أن يأخذهم في لحظة من ليل أو نهار، فالفزع الدائم من المجهول، والقلق الدائم من المستقبل، وتوقع الدمار في كل لحظة، قد تشل طاقة البشر وتشتتها، وقد تنتهي بهم إلى اليأس من العمل والنتاج، وتنمية الحياة، وعمارة الأرض، إنما يريد الله منهم اليقظة والحساسية والتقوى، ومراقبة النفس، والعظة بتجارب البشر، ورؤية محركات التاريخ الإنساني، وإدامة الاتصال بالله، وعدم الاغترار بطراءة العيش ورخاء الحياة.
والله يعد الناس الأمن والطمأنينة والرضوان والفلاح في الدنيا والآخرة، إذا هم أرهفوا حساسيتهم به، وإذا هم أخلصوا العبودية له، وإذا هم اتقوه فاتقوا كل ما يلوث الحياة، فهو يدعوهم إلى الأمن في جوار الله، لا في جوار النعيم المادي المغري، وإلى الثقة بقوة الله، لا بقوتهم المادية الزائلة، وإلى الركون إلى ما عند الله، لا إلى ما يملكون من عرض الحياة.
ولقد سلف من المؤمنين بالله المتقين لله سلف ما كان يأمن مكر الله، وما كان يركن إلى سواه، وكان بهذا وذاك عامر القلب بالإيمان، مطمئنًا بذكر الله، قويًا على الشيطان وعلى هواه، مصلحًا في الأرض بهدى الله، لا يخشى الناس والله أحق أن يخشاه.
وهكذا ينبغي أن نفهم ذلك التخويف الدائم من بأس الله الذي لا يدفع، ومن مكر الله الذي لا يدرك؛ لندرك أنه لا يدعو إلى القلق، إنما يدعو إلى اليقظة، ولا يؤدي إلى الفزع، إنما يؤدي إلى الحساسية، ولا يعطل الحياة، إنما يحرسها من الاستهتار والطغيان.
والمنهج القرآني-مع ذلك- إنما يعالج أطوار النفوس والقلوب المتقلبة، وأطوار الأمم والجماعات المتنوعة، ويطب لكل منها بالطب المناسب في الوقت الملائم، فيعطيها جرعة من الأمن والثقة والطمأنينة إلى جوار الله، حين تخشى قوى الأرض وملابسات الحياة، ويعطيها جرعة من الخوف والحذر والترقب لبأس الله، حين تركن إلى قوى الأرض ومغريات الحياة، وربك أعلم بمن خلق، وهو اللطيف الخبير39.
يقول السعدي: « (ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) حيث يستدرجهم من حيث لا يعلمون، ويملي لهم إن كيده متين (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) فإن من أمن من عذاب الله فهو لم يصدق بالجزاء على الأعمال، ولا آمن بالرسل حقيقة الإيمان.
وهذه الآية الكريمة فيها من التخويف البليغ على أن العبد لا ينبغي له أن يكون آمنًا على ما معه من الإيمان.
بل لا يزال خائفًا وجلًا أن يبتلى ببلية تسلب ما معه من الإيمان، وأن لا يزال داعيًا بقوله: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)40. وأن يعمل ويسعى، في كل سبب يخلصه من الشر، عند وقوع الفتن، فإن العبد -ولو بلغت به الحال ما بلغت- فليس على يقين من السلامة»41.
ذكر القرآن الكريم أنواعًا للأمن، منه المحمود، ومنه المذموم، نبينها فيما يأتي:
أولًا: الأمن المحمود:
١. أهمية الأمن المحمود.
إن نعمة الأمن أهم من نعمة الرزق.
قال الله تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑﰒ ﰓ ﰔ) [البقرة: ١٢٦].
وقال: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [إبراهيم: ٣٥].
فبدأ بالأمن قبل الرزق لسببين:
الأول: لأن استتباب الأمن سبب للرزق، فإذا شاع الأمن، واستتب ضرب الناس في الأرض، وهذا مما يدر عليهم رزق ربهم، ويفتح أبوابه، ولا يكون ذلك إذا فقد الأمن.
الثاني: ولأنه لا يطيب طعام، ولا ينتفع بنعمة رزق إذا فقد الأمن.
فمن من الناس أحاط به الخوف من كل مكان، وتبدد الأمن من حياته، ثم وجد لذة بمشروب أو مطعوم؟!
ولقائل أن يقول: فلماذا قدم الرزق على الأمن في سورة قريش؟
والجواب: أن هذه السورة خطاب للمشركين، وعند مخاطبة هؤلاء يحسن البدء بالقليل قبل الكثير، وباليسير قبل العظيم، ودليل ذلك قوله تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [البقرة: ٢١].
فبدأ بخلقهم قبل خلق السماوات والأرض، وخلقهما أكبر من خلق الناس، قال تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [غافر: ٥٧].
وقال تعالى عن إبراهيم عليه السلام: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑﰒ ﰓ ﰔ) [البقرة: ١٢٦].
وقال: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [إبراهيم: ٣٥].
ويوسف عليه السلام يطلب من والديه دخول مصر مخبرًا باستتباب الأمن بها: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [يوسف: ٩٩ - ١٠٠].
٢. أقسام الأمن المحمود.
ومن ذلك:
قال تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑﰒ ﰓ ﰔ) [البقرة: ١٢٥ - ١٢٦].
فنعمة الأمن نعمة ماسة بالإنسان، عظيمة الوقع في حسه، متعلقة بحرصه على نفسه، والسياق يذكرها هنا ليذكر بها سكان ذلك البلد، الذين يستطيلون بالنعمة ولا يشكرونها، وقد استجاب الله دعاء أبيهم إبراهيم عليه السلام فجعل البلد آمنًا، ولكنهم هم سلكوا غير طريق إبراهيم، فكفروا النعمة، وجعلوا لله أندادًا، وصدوا عن سبيل الله42.
وقال تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [آل عمران: ٩٦ - ٩٧].
قال قتادة: ذلك أيضًا من آيات الحرم، وقال النحاس: وهو قول حسن؛ لأن الناس كانوا يتخطفون من حواليه، ولا يصل إليه جبار، وقد وصل إلى بيت المقدس وخرب، ولم يوصل إلى الحرم، وقال بعض العلماء: صورة الآية خبرٌ ومعناها أمرٌ، تقديرها: ومن دخله فأمنوه43.
فيذكر من فضائل هذا البيت أن من دخله كان آمنًا، فهو مثابة الأمن لكل خائف، وليس هذا لمكان آخر في الأرض، وقد بقي هكذا مذ بناه إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وحتى في جاهلية العرب، وفي الفترة التي انحرفوا فيها عن دين إبراهيم، وعن التوحيد الخالص الذي يمثله هذا الدين. . .، حتى في هذه الفترة بقيت حرمة هذا البيت سارية، كما قال الحسن البصري وغيره: «كان الرجل يقتل فيضع في عنقه صوفة، ويدخل الحرم، فيلقاه ابن المقتول، فلا يهيجه حتى يخرج»44، وكان هذا من تكريم الله سبحانه لبيته هذا، حتى والناس من حوله في جاهلية!
وقال سبحانه يمتن على العرب به: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [العنكبوت: ٦٧].
وقال تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [القصص: ٥٧]45.
وقد قال الله تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [الأنفال: ١١].
وقال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [آل عمران: ١٥٤].
وعن أنسٍ، عن أبي طلحة -رضي الله عنهما- قال: «كنت فيمن تغشاه النعاس يوم أحدٍ حتى سقط سيفي من يدي مرارًا يسقط وآخذه، ويسقط فآخذه»46.
قال ابن القيم: «وأنزل الله عليهم النعاس أمنةً منه في غزاة بدرٍ وأحدٍ، والنعاس في الحرب وعند الخوف دليلٌ على الأمن، وهو من الله. . . »47.
ومن ذلك:
قال تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [فصلت: ٤٠].
يقول الطبري: «يقول تعالى ذكره لهؤلاء الذين يلحدون في آياتنا اليوم في الدنيا يوم القيامة عذاب النار، ثم قال الله: أفهذا الذي يلقى في النار خيرٌ، أم الذي يأتي يوم القيامة آمنًا من عذاب الله لإيمانه بالله جل جلاله ؟ هذا الكافر، إنه إن آمن بآيات الله، واتبع أمر الله ونهيه، أمنه يوم القيامة مما حذره منه من عقابه إن ورد عليه يومئذٍ به كافرًا»48.
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [النمل: ٨٩].
في هذا اليوم المفزع الرهيب يكون الأمن والطمأنينة من الفزع جزاء الذين أحسنوا في الحياة الدنيا، فوق ما ينالهم من ثواب هو أجزل من حسناتهم وأوفر: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [النمل: ٨٩].
والأمن من هذا الفزع هو وحده جزاء، وما بعده فضل من الله ومنة، ولقد خافوا الله في الدنيا فلم يجمع عليهم خوف الدنيا وفزع الآخرة، بل أمنهم يوم يفزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله49.
قال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ) [الحجر: ٤٦].
وقال: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [سبأ: ٣٧].
فشمر لدار الخلد فاز مشمرٌ
إليها ونال الأمن في منزل الأمن50
قال ابن القيم: «قال تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [الدخان: ٥١ - ٥٢].
والمقام الأمين: موضع الإقامة، والأمين: الآمن من كل سوء وآفة ومكروه، وهو الذي قد جمع صفات الأمن كلها، فهو آمن من الزوال والخراب وأنواع النقص، وأهله آمنون فيه من الخروج والنغص والنكد. . .، وتأمل كيف ذكر سبحانه الأمن في قوله تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [الدخان: ٥١].
وفي قوله تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [الدخان: ٥٥].
فجمع لهم بين أمن المكان وأمن الطعام، فلا يخافون انقطاع الفاكهة، ولا سوء عاقبتها ومضرتها، وأمن الخروج منها فلا يخافون ذلك، وأمن من الموت فلا يخافون فيها موتًا»51.
٣. وسائل تحقيقه.
الوسيلة الأولى: الإيمان بالله وحده وعمل الصالحات:
قال الله تعالى عن نبيه إبراهيم عليه السلام: (ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [الأنعام: ٨٠ - ٨٢].
وهذا خبرٌ من الله تعالى عن أولى الفريقين بالأمن، وفصل قضاءٍ منه بين إبراهيم صلى الله عليه وسلم وبين قومه52.
فالذين حصل لهم الأمن المطلق هم الذين يكونون مستجمعين لهذين الوصفين:
أولهما: الإيمان، وهو كمال القوة النظرية.
وثانيهما: (ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ) وهو كمال القوة العملية53.
فالظلم ثلاثة أنواعٍ:
فالظلم الذي هو شركٌ لا شفاعة فيه.
وظلم الناس بعضهم بعضًا لا بد فيه من إعطاء المظلوم حقه.
وأما الظلم المقيد، فقد يختص بظلم الإنسان نفسه...
فمن سلم من أجناس الظلم الثلاثة كان له الأمن التام، والاهتداء التام، ومن لم يسلم من ظلمه نفسه كان له الأمن والاهتداء مطلقًا، بمعنى أنه لابد أن يدخل الجنة، كما وعد بذلك في الآية الأخرى، وقد هداه إلى الصراط المستقيم الذي تكون عاقبته فيه إلى الجنة، ويحصل له من نقص الأمن والاهتداء بحسب ما نقص من إيمانه بظلمه نفسه.
وليس مراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (إنما هو الشرك)54 أن من لم يشرك الشرك الأكبر يكون له الأمن التام والاهتداء التام، فإن أحاديثه الكثيرة مع نصوص القرآن تبين أن أهل الكبائر معرضون للخوف لم يحصل لهم الأمن التام، ولا الاهتداء التام الذي يكونون به مهتدين إلى الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين من غير عذابٍ يحصل لهم؛ بل معهم أصل الاهتداء إلى هذا الصراط، ومعهم أصل نعمة الله عليهم، ولا بد لهم من دخول الجنة55.
وقال ابن القيم: «فإن الأمن والعافية والسرور ولذة القلب ونعيمه وبهجته وطمأنينته مع الإيمان والهدى إلى طريق الفلاح والسعادة، والخوف والهم والغم والبلاء والألم والقلق مع الضلال والحيرة»56.
وقال: ثم رجع الخليل إليهم مقررًا للحجة، فقال: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) يعني في إلهيته (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [الأنعام: ٨١ - ٨٢].
يقول لقومه: كيف يسوغ في عقلٍ أن أخاف ما جعلتموه لله شريكًا في الإلهية وهي ليست موضع نفعٍ ولا ضرٍ، وأنتم لا تخافون أنكم أشركتم بالله في الإلهية أشياء لم ينزل بها حجةً عليكم، والذي أشرك بخالقه وفاطره، فاطر السماوات والأرض، ورب كل شيءٍ ومليكه آلهةً لا تخلق شيئًا، وهي مخلوقةٌ، ولا تملك لأنفسها ولا لعابديها ضرًا ولا نفعًا ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا، وجعلها ندًا له ومثلًا في الإلهية، أحق بالخوف ممن لم يجعل مع الله إلهًا آخر، وحده وأفرده بالإلهية والربوبية، والقهر والسلطان، والحب والخوف والرجاء (ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) [الأنعام: ٨١].
فحكم الله تعالى بينهما بأحسن حكمٍ خضعت له القلوب، وأقرت به الفطر، فقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [الأنعام: ٨٢] 57.
وقال تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [: ٥٥].
ذلك وعد الله للذين آمنوا وعملوا الصالحات من أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن يستخلفهم في الأرض، وأن يمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وأن يبدلهم من بعد خوفهم أمنًا؛ ذلك وعد الله، ووعد الله حق، ووعد الله واقع، ولن يخلف الله وعده، فما حقيقة ذلك الإيمان؟
إن حقيقة الإيمان التي يتحقق بها وعد الله حقيقة ضخمة تستغرق النشاط الإنساني كله، وتوجه النشاط الإنساني كله، فما تكاد تستقر في القلب حتى تعلن عن نفسها في صورة عمل ونشاط، وبناء وإنشاء، موجه كله إلى الله، لا يبتغي به صاحبه إلا وجه الله، وهي طاعة لله، واستسلام لأمره في الصغيرة والكبيرة، لا يبقى معها هوى في النفس، ولا شهوة في القلب، ولا ميل في الفطرة إلا وهو تبع لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله.
فهو الإيمان الذي يستغرق الإنسان كله بخواطر نفسه، وخلجات قلبه، وأشواق روحه، وميول فطرته، وحركات جسمه، ولفتات جوارحه، وسلوكه مع ربه في أهله ومع الناس جميعًا، ويتوجه بهذا كله إلى الله.
ذلك الإيمان منهج حياة كامل يتضمن كل ما أمر الله به، ويدخل فيما أمر الله به توفير الأسباب، وإعداد العدة، والأخذ بالوسائل، والتهيؤ لحمل الأمانة الكبرى في الأرض58.
وقوله: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [: ٥٥].
قال القرطبي: « (ﮇ) هو في موضع الحال، أي في حال عبادتهم الله بالإخلاص»59.
قال ابن العربي: قلنا لهم هذا وعدٌ عامٌ في النبوة والخلافة، وإقامة الدعوة، وعموم الشريعة، فنفذ الوعد في كل أحدٍ بقدره وعلى حاله.
ثم قال في آخر كلامه: وحقيقة الحال أنهم كانوا مقهورين فصاروا قاهرين، وكانوا مطلوبين فصاروا طالبين، فهذا نهاية الأمن والعز.
فكان في هذه الآية دلالةٌ على نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله عز وجل أنجز ذلك الوعد60.
والمتتبع لحال المسلمين يستنتج ما يلي: كلما كانت الأمة المسلمة مطيعة لله ورسوله يحكم التوحيد حياتها كاملة كان الأمن على قدر ذلك، والله تعالى أعلم.
ولذلك كان الآمنون في الدنيا هم أهل الإيمان، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوةً قبل نجدٍ، فأدركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في وادٍ كثير العضاه، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرةٍ، فعلق سيفه بغصنٍ من أغصانها، قال: وتفرق الناس في الوادي، يستظلون بالشجر، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن رجلًا أتاني وأنا نائمٌ، فأخذ السيف فاستيقظت وهو قائمٌ على رأسي، فلم أشعر إلا والسيف صلتًا في يده، فقال لي: من يمنعك مني؟ قال قلت: الله، ثم قال في الثانية: من يمنعك مني؟ قال قلت: الله، قال: فشام السيف فها هو ذا جالسٌ) ثم لم يعرض له رسول الله صلى الله عليه وسلم 61.
وقال ابن القيم: «وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة، وقال لي مرة: ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري، إن رحت فهي معي لا تفارقني، إن حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة، وكان يقول في محبسه في القلعة: لو بذلت ملء هذه القاعة ذهبًا ما عدل عندي شكر هذه النعمة، وقال لي مرة: المحبوس من حبس قلبه عن ربه تعالى، والمأسور من أسره هواه.
ولما دخل إلى القلعة وصار داخل سورها نظر إليه وقال: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [الحديد: ١٣].
وعلم الله ما رأيت أحدًا أطيب عيشًا منه قط، مع ما كان فيه من ضيق العيش وخلاف الرفاهية والنعيم بل ضدها، ومع ما كان فيه من الحبس والتهديد والإرهاق، وهو مع ذلك من أطيب الناس عيشًا، وأشرحهم صدرًا، وأقواهم قلبًا، وأسرهم نفسًا، تلوح نضرة النعيم على وجهه.
وكنا إذا اشتد بنا الخوف، وساءت منا الظنون، وضاقت بنا الأرض أتيناه، فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه، فيذهب ذلك كله، وينقلب انشراحًا وقوة ويقينًا وطمأنينة»62.
إذا الإيمان ضاع فلا أمانٌ
ولا دنيا لمن لم يحي دينا
ومن رضي الحياة بغير دينٍ
فقد جعل الفناء لها قرينا63
ومن الصالحات التي تؤدي إلى الأمن:
قال تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [الأنفال: ٦٠].
لابد للإسلام من قوة ينطلق بها في الأرض لتحرير الإنسان، وأول ما تصنعه هذه القوة أن تؤمن الذين يختارون هذه العقيدة على حريتهم في اختيارها فلا يصدوا عنها، ولا يفتنوا كذلك بعد اعتناقها، والأمر الثاني: أن ترهب أعداء هذا الدين، فلا يفكروا في الاعتداء على دار الإسلام التي تحميها تلك القوة، والأمر الثالث: أن يبلغ الرعب بهؤلاء الأعداء أن لا يفكروا في الوقوف في وجه المد الإسلامي، وهو ينطلق لتحرير الإنسان كله في الأرض كلها، والأمر الرابع: أن تحطم هذه القوة كل قوة في الأرض تتخذ لنفسها صفة الألوهية، فتحكم الناس بشرائعها هي وسلطانها، ولا تعترف بأن الألوهية لله وحده64.
قال تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑﰒ ﰓ ﰔ) [البقرة: ١٢٦].
وقال: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [إبراهيم: ٣٥].
وعن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال: (اللهم أهلله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام، ربي وربك الله)65. وفي رواية: (اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان)66.
وعن ابن عمر رضي الله عنه: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح: (اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عورتي وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي)67.
الوسيلة الثانية: أداء الشكر لله وحده على نعمه:
فالنعم تثبت بالشكر، وتذهب بالجحود، قال تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [إبراهيم: ٧].
وقال في خصوص نعمة الأمن: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [سبأ: ١٥ - ٢١].
وقال: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [النحل: ١١٢].
وهكذا نجد في هذه الآيات أن استقرار الأمن مربوط بشكر النعمة، وأن زواله مقرون بكفرها، كما نجد أن توفر الأمن لابد أن يسبق توفر الغذاء، مما يدل على أن الضرورة إليه أشد من الضرورة إلى الغذاء؛ لأنه لا يمكن التلذذ بالغذاء لو توفر مع عدم الأمن والاستقرار؛ ولهذا كان في دعاء الخليل عليه السلام تقديم طلب الأمن على طلب الرزق، كما ذكر الله عنه في قوله: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [إبراهيم: ٣٥].
وقد امتن الله على قريش بتوفير هاتين النعمتين، وأمرهم أن يفردوه بالعبادة شكرًا له على ذلك، فقال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [قريش: ١ - ٤].
الوسيلة الثالثة: الاستقامة، وحسن التعامل، والتكافل الاجتماعي:
إن حسن التعامل من شأنه أن يشيع الأمن بين أفراد المجتمع؛ ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ترويع المسلم، وسلب حالة الأمن التي يتمتع بها، فعن عبد الرحمن بن أبي ليلى رضي الله عنه قال: حدثنا أصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم، أنهم كانوا يسيرون مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنام رجلٌ منهم، فانطلق بعضهم إلى حبلٍ معه فأخذه، ففزع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لمسلمٍ أن يروع مسلمًا)68.
وقد ذكر بعض العلماء أن من أيسر الأمور أن تروع أخاك فتخفي عصاه أو تخفي حذاءه فإنه يروع بذلك، فما بالكم إذا كان الترويع بسيفٍ، أو بأداة قتلٍ، أو بتهديدٍ وسلبٍ للأمن، فذلك مما يحذر منه الإسلام.
الوسيلة الرابعة: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر:
وهو من أسباب النصر على الأعداء، والتمكين في الأرض، قال تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [الحج: ٤٠ - ٤١].
وفيه الأمن من الهلاك، والمحافظة على صلاح المجتمعات، فعن النعمان بن بشيرٍ رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قومٍ استهموا على سفينةٍ، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا)69.
وفيه دفع العذاب عن العباد، قال تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [المائدة: ٧٨ - ٧٩].
وهو مطلب مهم لمن أراد النجاة لنفسه، قال تعالى: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [الأعراف: ١٦٥].
الوسيلة الخامسة: إقامة شرع الله:
ولما كان توفر الأمن ضرورة من ضروريات المجتمع التي تفوق ضرورة الغذاء، اهتم الإسلام بتوفير الأسباب الجالبة للأمن، وذلك ببناء الإنسان عقيدة وأخلاقًا وسلوكًا؛ لأن الأمن لا يتوفر بمجرد البطش والإرهاب وقوة الحديد والنار، وإنما يتوفر بتهذيب النفوس، وتطهير الأخلاق، وتصحيح المفاهيم حتى تترك النفوس الشر رغبة عنه وكراهية له.
كما يقول الشاعر70:
ولا تنتهِ الأنفس عن غَيِها
ما لم يكن لها من نفسها زاجر
فإذا فقد المجتمع هذه المقومات التي جاء الإسلام بها فإنه يفقد أمنه واستقراره.
قال الشاعر71:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
ولهذا نجد الأمم التي تفقد هذه المقومات من أفلس الناس من الناحية الأمنية، وإن كانت تملك الأسلحة الفتاكة والأجهزة الدقيقة؛ لأن الإنسان لا يحكم بالآلة فقط، وإنما يحكم بالشرع العادل والسلطان القوي، كما قال تعالى (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [الحديد: ٢٥].
ويفهم الأمن من مفهوم الإسلام؛ لأن الإسلام هو الاستسلام لله بالخضوع له وامتثال أوامره واجتناب منهياته، وقد نهى الله عن التعدي على الناس في أعراضهم وأموالهم وأبدانهم.
وفي الحديث: عن عبد الله بن عمرٍو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه)72.
ومن دخل في الإسلام دخل في نطاق الأمن؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله، فقد عصم مني ماله، ونفسه، إلا بحقه وحسابه على الله)73.
فإذا تحقق الإسلام والإيمان توفرت أسباب الأمن، لكن قد يكون هناك شذوذ لم يتمكن الإسلام والإيمان من قلوبهم فتحصل منهم نزوات تخل بالأمن، وهنا وضع الله سبحانه زواجر وروادع لهؤلاء تكف عدوانهم، وتصون الأمن من عبثهم، فشرع سبحانه الحدود الكفيلة لردعهم وتحذير غيرهم من أن يفعلوا مثل فعلهم، ومن الحدود التي شرعها الله لحفظ الأمن للأفراد والجماعات؛ القصاص لحفظ النفوس، وشرع حد الزنا، وحد القذف لحفظ العرض والنسب، وشرع حد السرقة لحفظ الأموال، وشرع حد قطاع الطريق لحفظ السبل، وتأمين المواصلات، وشرع قتال البغاة لحفظ السلطة الإسلامية، ومنعًا لتفريق الكلمة، واختلاف الأئمة.
فإذا عرف من يريد قتل إنسان أنه سيقتل به امتنع عن القتل، فكان في هذا حفظ لحياته وحياة غيره، وإذا أقدم على القتل فاقتص منه كان في هذا ردع للآخرين، فلا يقدمون على مثل جريمته لئلا يكون مصيرهم كمصيره، فقتل نفس واحدة بالقصاص حصل به نجاة أنفس كثيرة، كالعضو الفاسد يقطع لحفظ بقية الجسم؛ وبذلك يأمن الناس على حياتهم.
وذلك ليأمن الناس على أعراضهم من الاعتداء عليها؛ وليأمنوا على أنسابهم من الاختلاط، ولردع المضيعين لأعراضهم التي أمرهم الله بحفظها في قوله تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [: ٣٠ - ٣١].
وبذلك يقضى على جريمة الزنا التي تدمر المجتمعات البشرية، وبتطبيق هذا الحد يأمن الناس من هذا الخطر المدمر الذي يلوث المجتمع، ويهدد الإنسانية، وينشر الأمراض الخطيرة.
فأمر بجلد القاذف الذي لا يستطيع إقامة البينة على ما يقول بأن يجلد ثمانين جلدة، ولا تقبل له شهادة أبدًا، وأنه يعتبر فاسقًا ساقط العدالة ما لم يتب من هذه الجريمة.
قال تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [: ٤ - ٥].
وبهذا الحد الرادع وسحب الثقة من القاذف تصان الأعراض البريئة، وتسكت الأفواه البذيئة، وتتوارى آثار هذه الجريمة، ويصبح الناس في مأمن منها ومن ذكرها حتى تتوارى من المجتمع نهائيًا.
قال تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [النساء: ٥].
وقد حرم الله أخذ أموال الناس بغير حق والاستيلاء عليها بغير مبرر، فالاعتداء على مال الغير كالاعتداء على دمه وعرضه في الحرمة، كما تدل عليه الآيات والأحاديث، ومن أشد أنواع الاعتداء على أموال الناس أخذها بالسرقة، وهي أخذ المال خفية من حرز مثله، وجزاء من فعل ذلك قطع يده، هذه اليد الخائنة التي امتدت إلى ما لا يحل لها، وعبثت بالأمن، وروعت المجتمع جزاؤها البتر، قال الله تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [المائدة: ٣٨].
والسرقة أشد خطورة من اغتصاب المال مجاهرة؛ لأن المجاهرة تمكن مدافعتها وعمل الاحتياطات المانعة من شرها، أما السرقة فإنها مكر خفي، وغدر سيئ، يؤخذ بها الإنسان من مأمنه، وتدل على جرأة المجرم حيث لم تمنع منه الحروز والحصون، فكان جزاؤه بتر يده وتعطيلها عليه ردعًا له وعظة لغيره، وبهذا يتوفر الأمن للمجتمع، ويطمئن الناس على أموالهم في بيوتهم ومستودعاتهم، ويقضى على الجريمة.
ولأجل ذلك شرع سبحانه حد قطاع الطريق، وهم الذين يعرضون للناس بالسلاح فيغصبونهم المال مجاهرة، وهذا الحد هو ما ذكره الله تعالى بقوله: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [المائدة: ٣٣ - ٣٤].
وبتطبيق هذه العقوبة على قطاع الطريق تأمن السبل، وتنتظم المصالح، ويتوفر الأمن في البر والبحر والحاضرة والبادية، وتنتظم المواصلات بين البلدان والأقاليم، ويسهل نقل البضائع والتبادل التجاري مما فيه صلاح العمران البشري، وتوفر الإنتاج؛ ولهذا وصف الله من يحاول تعطيل هذه المصالح بأنه محارب لله ورسوله، وساع في الأرض بالفساد.
لما كان الأمر كذلك وأكثر، شرع الله تنصيب الإمام وطاعته بالمعروف وإعانته على الخير، قال الله تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ) [النساء: ٥٩].
وهكذا نتبين من هذا العرض الموجز ما حققه الإسلام من أمن الأفراد والمجتمعات حين عجزت كل نظم البشر وأسلحتهم الفتاكة وأجهزتهم الدقيقة أن تحقق أقل القليل من هذا الأمن الذي حققه الإسلام، وصدق الله العظيم حيث يقول: (ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) [المائدة: ٥٠].
ثم إن هذا الأمن الذي حققه الإسلام لا يعتمد على العقوبة وشدة البطش بأصحاب الجرائم، وإنما يعتمد على غرس الإيمان في القلوب، وزرع الخشية الإلهية في النفوس حتى تترك الإجرام رغبة عنه، وكراهية له، بل تقوم بمقاومته والنهي عنه، ثم يتبع ذلك الوعظ والتذكير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأجل تعليم الجاهل، وتذكير الغافل، والأخذ على يد السفيه عن الوقوع في الجرائم، ثم يتبع ذلك تطبيق العقوبات الشرعية على من لم تُجْدِ فيه الموعظة، ولم تؤثر فيه النصيحة، ولم يأتمر بالمعروف، وينته عن المنكر، فالعقوبة آخر مرحلة كما يقال7475:
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا
مضر كوضع السيف في موضع الندى
إن مجتمعًا يسود بين أهله الإيمان بالله عز وجل، واليقين بالآخرة، والجزاء والحساب، لا شك أنه مجتمع تسوده المحبة، ويعمه السلام؛ لأن تعظيم الله سبحانه سيجعل هذه النفوس لا ترضى بغير شرع الله عز وجل بديلًا، ولا تقبل الاستسلام إلا لحكمه، وهذا بدوره سيضفي الأمن والأمان على مثل هذه المجتمعات؛ لأن أهلها يخافون الله ويخافون يوم الفصل والجزاء، فلا تحاكم إلا لشرع الله، ولا تعامل إلا بأخلاق الإسلام الفاضلة، فلا خيانة ولا غش ولا ظلم، ولا يعني هذا أنه لا يوجد في المجتمعات المسلمة من يظلم أو يخون أو يغش، فهذا لم يسلم منه عصر النبوة ولا الخلافة الراشدة، لكن هذه المعاصي تبقى فردية، يؤدب أفرادها بحكم الله عز وجل وحدوده، إذا لم يردعهم وازع الدين والخوف من الله، والحالات الفردية تلك ليست عامة، أما عندما يقل الوازع الديني والخوف من الآخرة، ويكون التحاكم إلى أهواء البشر وحكمهم فهذا هو البلاء العظيم والفساد الكبير، حيث تداس القيم والحرمات، ويأكل القوي الضعيف، وبالتالي لا يأمن الناس على أديانهم ولا أنفسهم ولا أموالهم ولا أعراضهم، وكفى بذلك سببًا في عدم الأمن والاستقرار، وانتشار الخوف، واختلال حياة الناس.
وإذا انحرف الناس عن هذا المنهج ضاع الأمن، وهلك العباد، وسقطت البلاد، قال ابن تيمية: «وبلاد الشرق من أسباب تسليط الله التتر عليها كثرة التفرق والفتن بينهم»76.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (يا معشر المهاجرين خمسٌ إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قومٍ قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين، وشدة المئونة، وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوًا من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله، ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم)77.
ومن إقامة الشرع: إقامة العدل، قال تعالى مخاطبًا جميع عباده: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [النساء: ٥٨].
قال ابن تيمية: «إن الناس لم يتنازعوا في أن عاقبة الظلم وخيمةٌ، وعاقبة العدل كريمةٌ؛ ولهذا يروى: الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرةً، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنةً»78.
والعدل هو الذي يؤمن الأمم من عدوان أعدائها، وتحل وفرته وشموله محل ما نقص من السلاح والعتاد المادي، وقد كتب بعض عمال عمر بن عبد العزيز إليه: إن مدينتنا قد خربت، فإن رأى أمير المؤمنين أن يقطع لنا مالًا نرمها به فعل، فكتب إليه عمر: إذا قرأت كتابي هذا فحصنها بالعدل، ونق طرقها من الظلم؛ فإنه مرمتها، والسلام79.
ثانيًا: الأمن المذموم ومظاهره:
الأمن منه محمود ومذموم، وقد سبق بيان الأمن المحمود، وطرق تحصيله، والأمن المذموم هو ما يضاد الأمن المحمود، كالأمن من مكر الله تعالى، والأمن من بطش الأعداء، والتفريط في تحصيل أسباب الأمن المحمود، يوقع ولا شك في الأمن المذموم، وقد ذكر القرآن الكريم مظاهر ذلك الأمن المذموم، ومن ذلك:
١. الأمن من عقوبة الله وعذابه في الدنيا.
ذكر الله تعالى توبيخ الذين أمنوا، واستغرقوا في أمنهم الباطل، فقال تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الأعراف: ٩٧ - ٩٩].
قال الطبري: «يقول تعالى ذكره: أفأمن يا محمد هؤلاء الذين يكذبون الله ورسوله ويجحدون آياته، استدراج الله إياهم بما أنعم به عليهم في دنياهم من صحة الأبدان ورخاء العيش، كما استدرج الذين قص عليهم قصصهم من الأمم قبلهم، فإن مكر الله لا يأمنه، يقول: لا يأمن ذلك أن يكون استدراجًا مع مقامهم على كفرهم، وإصرارهم على معصيتهم إلا القوم الخاسرون وهم الهالكون»80.
إن البشر في قبضة الله في كل لحظة وفي كل بقعة، إنهم في قبضته في البر، كما هم في قبضته في البحر، فكيف يأمنون؟
ألا إنها الغفلة أن يعرض الناس عن ربهم ويكفروا، ثم يأمنوا أخذه وكيده، وهم يتوجهون إليه وحده في الشدة، ثم ينسونه بعد النجاة، كأنها آخر شدة يمكن أن يأخذهم بها الله!81.
٢. الأمن من بطش الأعداء وتسلطهم.
قال تعالى: (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [النساء: ١٠١ - ١٠٢].
أمرهم الله تعالى بالصلاة، ثم بالتعبئة الروحية الكاملة تجاه العدو، وهذا الحذر الذي يوصى المؤمنون به تجاه عدوهم الذي يتربص بهم لحظة غفلة واحدة عن أسلحتهم وأمتعتهم ليميل عليهم ميلة واحدة! ومع هذا التحذير والتخويف، التطمين والتثبيت، إذ يخبرهم أنهم إنما يواجهون قومًا كتب الله عليهم الهوان: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [النساء: ١٠٢].
وهذا التقابل بين التحذير والتطمين، وهذا التوازن بين استثارة حاسة الحذر، وسكب فيض الثقة هو طابع هذا المنهج في تربية النفس المؤمنة، والصف المسلم في مواجهة العدو الماكر العنيد اللئيم!82.
وقال تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [النساء: ٧١].
يأمر الله عباده المؤمنين بأخذ الحذر من عدوهم، وهذا يستلزم التأهب لهم بإعداد الأسلحة والعدد وتكثير العدد بالنفير في سبيله83.
٣. الأمن من زوال النعمة.
ومن القصص التي ذكر الله فيها زوال نعمة الأمن عن أصحابها:
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [سبأ: ١٥ - ٢١].
عن ابن عباسٍ رضي الله عنه قال: فإنهم بطروا عيشهم، وقالوا: لو كان جنى جناتنا أبعد مما هي كان أجدر أن نشتهيه، فمزقوا بين الشام وسبأٍ، وبدلوا بجنتيهم جنتين ذواتي أكلٍ خمطٍ وأثلٍ، وشيءٍ من سدرٍ قليلٍ84.
فهم كفروا بما كانوا فيه من أمن فأبدلهم الله به خوفًا وتشتتًا وتمزيقًا، وقال ابن كثير: «يذكر تعالى ما كانوا فيه من الغبطة والنعمة، والعيش الهني الرغيد، والبلاد الرخية، والأماكن الآمنة، والقرى المتواصلة المتقاربة، بعضها من بعضٍ، مع كثرة أشجارها وزروعها وثمارها، بحيث إن مسافرهم لا يحتاج إلى حمل زادٍ ولا ماءٍ، بل حيث نزل وجد ماءً وثمرًا، ويقيل في قريةٍ ويبيت في أخرى، بمقدار ما يحتاجون إليه في سيرهم. . .، فبطروا هذه النعمة، وأحبوا مفاوز ومهامه يحتاجون في قطعها إلى الزاد والرواحل والسير في الحرور والمخاوف، فجعلهم الله حديثًا للناس، وسمرًا يتحدثون به من خبرهم، وكيف مكر الله بهم، وفرق شملهم بعد الاجتماع والألفة والعيش الهنيء؟ تفرقوا في البلاد ها هنا وها هنا»85.
قال تعالى: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [النحل: ١١٢].
فكونها آمنةً أي ذات أمنٍ لا يغار عليهم، كما قال: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [العنكبوت: ٦٧].
والأمر في مكة كان كذلك؛ لأن العرب كان يغير بعضهم على بعضٍ، أما أهل مكة فإنهم كانوا أهل حرم الله، والعرب كانوا يحترمونهم ويخصونهم بالتعظيم والتكريم86.
والمثل الذي يضربه الله لهم منطبق على حالهم، وعاقبة المثل أمامهم، مثل القرية التي كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدًا من كل مكان فكفرت بأنعم الله، وكذبت رسوله (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) وأخذ قومها العذاب وهم ظالمون.
ويحسم التعبير الجوع والخوف فيجعله لباسًا، ويجعلهم يذوقون هذا اللباس ذوقًا؛ لأن الذوق أعمق أثرًا في الحس من مساس اللباس للجلد، وتتداخل في التعبير استجابات الحواس فتضاعف مس الجوع والخوف لهم ولذعه وتأثيره وتغلغله في النفوس، لعلهم يشفقون من تلك العاقبة التي تنتظرهم لتأخذهم وهم ظالمون87.
وقال الإمام ابن كثير في قوله تعالى: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [العنكبوت: ٦٧].
يقول تعالى ممتنًا على قريشٍ فيما أحلهم من حرمه الذي جعله للناس سواءً العاكف فيه والبادي، ومن دخله كان آمنًا، فهم في أمنٍ عظيمٍ، والأعراب حوله ينهب بعضهم بعضًا، ويقتل بعضهم بعضًا، كما قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [قريش: ١ - ٤].
وقوله: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [العنكبوت: ٦٧].
أي: أفكان شكرهم على هذه النعمة العظيمة أن أشركوا به، وعبدوا معه غيره من الأصنام والأنداد، و (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [إبراهيم: ٢٨].
وكفروا بنبي الله وعبده ورسوله، فكان اللائق بهم إخلاص العبادة لله، وألا يشركوا به، وتصديق الرسول وتعظيمه وتوقيره، فكذبوه وقاتلوه وأخرجوه من بين ظهرهم؛ ولهذا سلبهم الله ما كان أنعم به عليهم، وقتل من قتل منهم ببدرٍ، وصارت الدولة لله ولرسوله وللمؤمنين، ففتح الله على رسوله مكة، وأرغم أنوفهم، وأذل رقابهم88.
إن سنة الله ماضية، من أعرض عن شكر الله تعالى، وعن العمل الصالح وعن التصرف الحميد في نعم ربه عليه، فهو حري بسلب هذا الرخاء وإبداله جوعًا، وسلب نعمة الأمن وإبدالها خوفًا.
قال تعالى: (ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [القلم: ١٧ - ٢٠].
قال تعالى: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [الكهف: ٣٤ - ٤٤].
فقول الظالم: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) اغترارٌ منه لما رأى فيها من الزروع والثمار والأشجار والأنهار المطردة في جوانبها وأرجائها، ظن أنها لا تفنى ولا تفرغ ولا تهلك ولا تتلف وذلك لقلة عقله، وضعف يقينه بالله، وإعجابه بالحياة الدنيا وزينتها، وكفره بالآخرة89.
تجيء قصة الرجلين والجنتين تضرب مثلًا للقيم الزائلة، والقيم الباقية، وترسم نموذجين واضحين للنفس المعتزة بزينة الحياة، والنفس المعتزة بالله.
وكلاهما نموذج إنساني لطائفة من الناس: صاحب الجنتين نموذج للرجل الثري، تذهله الثروة، وتبطره النعمة، فينسى الله ونعماءه، ويحسب هذه النعمة خالدة لا تفنى، فلن تخذله القوة ولا الجاه، وصاحبه نموذج للرجل المؤمن المعتز بإيمانه، الذاكر لربه، يرى النعمة دليلًا على المنعم، موجبة لحمده وذكره، لا لجحوده وكفره.
جنتان مثمرتان من الكروم، محفوفتان بسياج من النخيل، تتوسطهما الزروع، ويتفجر بينهما نهر، إنه المنظر البهيج والحيوية الدافقة والمتاع والمال، وها هو ذا صاحب الجنتين تمتلئ نفسه بهما، ويزدهيه النظر إليهما، فيحس بالزهو، وينتفش كالديك، ويختال كالطاووس، ويتعالى على صاحبه الفقير: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ).
ثم يخطو بصاحبه إلى إحدى الجنتين، وملء نفسه البطر، وملء جنبه الغرور، وقد نسي الله، ونسي أن يشكره على ما أعطاه، وظن أن هذه الجنان المثمرة لن تبيد أبدًا، أنكر قيام الساعة أصلًا، وهبها قامت فسيجد هنالك الرعاية والإيثار! أليس من أصحاب الجنان في الدنيا؟! فلابد أن يكون جنابه ملحوظًا في الآخرة! (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [الكهف: ٣٥-٣٦].
إنه الغرور يخيل لذوي الجاه والسلطان والمتاع والثراء أن القيم التي يعاملهم بها أهل هذه الدنيا الفانية تظل محفوظة لهم حتى في الملأ الأعلى! فما داموا يستطيلون على أهل هذه الأرض فلابد أن يكون لهم عند السماء مكان ملحوظ! فأما صاحبه الفقير الذي لا مال له ولا نفر، ولا جنة عنده ولا ثمر فإنه معتز بما هو أبقى وأعلى، معتز بعقيدته وإيمانه، معتز بالله الذي تعنو له الجباه فهو يجبه صاحبه المتبطر المغرور منكرًا عليه بطره وكبره، يذكره بمنشئه المهين من ماء وطين، ويوجهه إلى الأدب الواجب في حق المنعم، وينذره عاقبة البطر والكبر، ويرجو عند ربه ما هو خير من الجنة والثمار (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [الكهف: ٣٧ - ٤١].
وهكذا تنتفض عزة الإيمان في النفس المؤمنة، فلا تبالي المال والنفر، ولا تداري الغنى والبطر، ولا تتلعثم في الحق، ولا تجامل فيه الأصحاب، وهكذا يستشعر المؤمن أنه عزيز أمام الجاه والمال، وأن ما عند الله خير من أعراض الحياة، وأن فضل الله عظيم، وهو يطمع في فضل الله، وأن نقمة الله جبارة، وأنها وشيكة أن تصيب الغافلين المتبطرين.
وفجأة ينقلنا السياق من مشهد النماء والازدهار إلى مشهد الدمار والبوار، ومن هيئة البطر، والاستكبار إلى هيئة الندم والاستغفار، فلقد كان ما توقعه الرجل المؤمن (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [الكهف: ٤٢].
وهو مشهد شاخص كامل، الثمر كله مدمر، كأنما أخذ من كل جانب فلم يسلم منه شيء، والجنة خاوية على عروشها مهشمة محطمة، وصاحبها يقلب كفيه أسفًا وحزنًا على ماله الضائع وجهده الذاهب، وهو نادم على إشراكه بالله، يعترف الآن بربوبيته ووحدانيته، ومع أنه لم يصرح بكلمة الشرك، إلا أن اعتزازه بقيمة أخرى أرضية غير قيمة الإيمان كان شركًا ينكره الآن، ويندم عليه ويستعيذ منه بعد فوات الأوان90.
لاستقرار الأمن آثار على الفرد وعلى المجتمع منها: الهداية، وسعة الرزق ورغد العيش، ومنها: النجاة من العذاب الأليم في الآخرة، وسوف نتناول ذلك بالبيان فيما يأتي:
أولًا: الهداية إلى أقوم السبل، وتوفر السكينة والاطمئنان:
إن تتبعنا لمفهوم الأمن يوصلنا إلى حقيقة مفادها أنه مستقر في القلب، ومدار مادة (أمن) في اللسان العربي على سكينة يطمئن إليها القلب بعد اضطراب، وقول الراغب الأصفهاني يكاد يكون جامعًا لما في غيره مع تدقيق، يقول: «أصل الأمن: طمأنينة النفس وزوال الخوف، وآمن: إنما يقال على وجهين:
أحدهما: متعديًا بنفسه، يقال: آمنته، أي: جعلت له الأمن، ومنه قيل لله: مؤمن.
والثاني: غير متعد، ومعناه: صار ذا أمن، والإيمان هو التصديق الذي معه أمن»91.
كأن الإمام الراغب لا يتصور أن يكون هناك مؤمن وليس عنده أمن، أي سكينة واطمئنان، أي استقرار لا اهتزاز ولا اضطراب ولا قلق ولا حيرة؛ لأنه مطمئن إلى ربه (ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ) [الرعد: ٢٨].
(ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [الفتح: ٤].
فالمدار إذن على وجود سكينة في القلب في جميع ما دارت فيه المادة سواء في صورة (أمن) أو (آمن) المتعدي واللازم، المدار على هذه السكينة وعلى هذه الطمأنينة التي تأتي في حقيقتها بعد نوع من القلق والاضطراب، وتأتي بعد قدر من الخوف، وهذا الخوف عبر عنه بالخوف نفسه، وعبر عنه بالبأس، وعبر عنه بالفزع (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [النمل: ٨٩].
وعبر عنه بألفاظ أخرى غير هذه الألفاظ، ولكن مؤداها جميعًا هي أنها تحدث لدى الإنسان ضربًا من الخوف، فإذا جاء الأمن أزال ذلك الخوف، هذا الأصل وهذا المدار الذي تدور عليه المادة يجعلنا نتجه إلى أن المعنى الذي للأمن هو أنه حال قلبية تجعل المتصف بها في الدنيا يرتاح ويطمئن، والموصوف بها في الآخرة يسعد وتحصل له السعادة الأبدية.
إن أثر الإيمان حسب النصوص الشرعية يطمئن النفوس، ويهدئ المجتمعات من القلاقل، والفتن والأزمات، في أمور كثيرة، اضطربت فيها أنظمة الأمم، وتباينت فيها الآراء رغبة في وجود حل، والقضاء على مشكلة، أجد أن هذا الحيز لا يفيها كلها، ولكن حسبنا الإشارة إلى نماذج منها مثل:
ونجد هذا في آيات كثيرة في كتاب الله الكريم، مثل سورة يوسف والنحل وغيرهما.
كما في قول الله تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [الفرقان: ٧٤].
وقوله تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [الروم: ٢١].
كما جاء في سورة النساء في تقسيم التركات.
كما جاء في آيات سورة في تحريم الزنا، ومنع الخوض في أعراض الناس، وفي آداب الاستئذان، وفي فرضية الحجاب وآياته في سورة الأحزاب.
يقول تعالى في هذا: (ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ) [الرعد: ٢٨].
وآيات سورة الروم وسورة الواقعة التي تربط الإنسان بخالقه المتصرف سبحانه في جميع الأمور.
وتوضح ذلك آيات متعددة من كتاب الله الكريم كما في سورة النحل.
وقد حظيت الزكاة والصدقة بتوجيهات كبيرة من القرآن الكريم والسنة المطهرة؛ لتهذيب النفوس وتعويدها على البذل والعطاء براحة نفس واطمئنان خاطر، وفي السر آكد؛ لأنها أبعد عن المراءاة.
وقد حكى الله عمن لم ينج بدينه وهو قادر: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [النساء: ٩٧ - ١٠٠].
ولكي يجعل الله مأمنًا ومخرجًا لهؤلاء المستضعفين غير القادرين على الهجرة والنجاة بأنفسهم فإن مما يطمئنهم أن الفئة المؤمنة مأمورة بالجهاد لتخليصهم ونصرتهم.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [النساء: ٧٥].
وهذا هو أمن المصير، وراحة النفس في الدنيا بالابتعاد عن أمر يؤرق النفس، ويخيفها التلبس به، وآيات التوبة في كتاب الله الكريم كثيرة ومتعددة.
كما توضح ذلك سورة الأنفال وسورة التوبة وسورة البقرة، وغيرها في مواطن كثيرة من كتاب الله؛ لأن قمع أعداء الله وأعداء رسالاته لا يكون إلا بقوة السلاح، ودفاع المجاهدين المتحمسين لإظهار دينه.
وتأمين النفوس من التأثيرات الخفية، وحفظها من أثر ذلك كالسحر ونفثات الشيطان، كما جاء في المعوذتين، وقل هو الله أحد، وآية الكرسي، ففي هذا حرز للنفس وأمان لها من المؤثرات النفسية، ووساوس الشيطان وأتباعه.
كما في قوله تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [آل عمران: ١٥٩].
وغير هذا من الأمور التي جعلت الشريعة الإسلامية فيها حلولًا لكل ما يعترض الإنسان في هذه الحياة، حيث يجد المرء في المخارج ما يريح نفسه، ويعينه على التغلب على المشكلة التي اعترضته؛ لأن في كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام ما ينير الطريق، ويوضح المعالم، ويهدئ النفوس.
وقد وصف الله الفئة المؤمنة بآيات كريمات في مطلع سورة سميت باسمهم، أعطتهم صفات مطمئنة ومريحة؛ لأنهم في يقين ورضًا.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [المؤمنون: ١- ١١]92.
وقال تعالى: (ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ) [الرعد: ٢٨].
فلا سعادة لإنسان بلا سكينة نفس، ولا سكينة نفس بلا اطمئنان القلب، ومما لا شك فيه أن كلًا منا يبحث عن السعادة ويسعى إليها، فهي أمل كل إنسان، ومنشود كل بشر، والتي بها يتحقق له الأمن النفسي.
وليس الأمن النفسي بالمطلب الهين، فبواعث القلق والخوف والضيق ودواعي التردد والارتياب والشك تصاحب الإنسان منذ أن يولد وحتى يواريه التراب.
وإن الإسلام ليقيم صرحه الشامخ على عقيدة أن الإيمان مصدر الأمان، فالإقبال على طريق الله هو الموصل إلى السكينة والطمأنينة والأمن؛ ولذلك فإن الإيمان الحق هو السير في طريق الله للوصول إلى حب الله، والفوز بالقرب منه تعالى .
قال ابن القيم: «إن ذكر الله عز وجل يذهب عن القلب مخاوفه كلها، وله تأثير عجيب في حصول الأمن، فليس للخائف الذي قد اشتد خوفه أنفع من ذكر الله عز وجل ؛ إذ بحسب ذكره يجد الأمن ويزول خوفه، حتى كأن المخاوف التي يجدها أمان له، والغافل خائف مع أمنه حتى كأن ما هو فيه من الأمن كله مخاوف، ومن له أدنى حس قد جرب هذا وهذا، والله المستعان»93.
وكذلك شرع الإسلام ما يحمي الإنسان، ويجعله آمنًا على نفسه، فحرم الله تعالى قتل النفس بغير الحق، كما قال سبحانه: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [الأنعام: ١٥١].
وقال: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [الإسراء: ٣٣].
وفي حماية الأموال قال سبحانه: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [النساء: ٢٩ - ٣٠].
ومن الحدود التي تحافظ على أمن المجتمع كله حد الحرابة، قال تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [المائدة: ٣٣ - ٣٤].
وهكذا كل الشريعة تحفظ على الناس أمنهم بطرق كثيرة، فيترتب عليه شيوع الأمن في المجتمع المسلم، ومن ثم يتوفر الناس لأمور دينهم ودنياهم.
ثانيًا: سعة الرزق والرغد:
باستقراء جزئي لبعض نصوص القرآن الكريم نجد اقترانًا وجيهًا بين الأمن والرزق، ومن ذلك:
قال تعالى: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [النحل: ١١٢].
وهنا عقوبة بعد امتنان، وهدم بعد تشييد، فيظهر الله منته على عبادة بقوله: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) فقرن بين الأمن والكفاية في الرزق؛ بل من كمال فضله على أهل هذه القرية زيادة على الأمن تفضل عليهم بالطمأنينة، وهي الاستقرار النفسي من الداخل، فكانوا في آمن من عدو خارجي، واستقرار نفسي داخلي، ثم بين أن رزقها يأتيها ليس كفافًا أو كفاية؛ بل يأتيها رغدًا كثيرًا هنيئًا متنوعًا من كل مكان، فقد بلغ أهل القرية غاية الأرب، ومنتهى الطلب في مقصدي الأمن والكفاية، فلما كفرت بتلك النعم حرمت من الكأس الذي به كان الامتنان، فتبدل الأمن خوفًا والرزق جوعًا.
وفي هذه الآية دلالة صريحة على أن أعظم المنة على النفس توفير الآمن وكفاية العيش.
وقال تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [قريش: ٤].
ووردت هذه الآية في معرض المنة على كفار قريش في جاهليتهم، فكانوا أعز العرب منعة وأكثر هم مهابة، وتجلب لها الأرزاق والأنعام من حيث شاءوا.
وقال تعالى: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ) [البقرة: ١٥٥].
فقرن في عقوبة الابتلاء بين الخوف والجوع، فبفقدهما تكون أعظم المصائب وأجل الخطوب.
وقال تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [القصص: ٥٧].
فقرن في الامتنان على كفار قريش بين الأمن والرزق، وهذا التلازم بين هذين المقصدين يقتضى الوقوف عنده كثيرًا.
وقال تعالى عن دعاء إبراهيم عليه السلام: (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [البقرة: ١٢٦].
وهنا عندما طلب إبراهيم عليه السلام من ربه الحياة الكريمة لمن سيؤول إليه سكن مكة، طلب أعز موجود، وأعظم مفقود، وهما الأمن والرزق، وهذا دلالة على أنهما ركيزتان للحياة الإنسانية الكريمة.
وقدم طلب الأمن على سائر المطالب المذكورة بعده؛ لأنه إذا انتفى الأمن لم يفرغ الإنسان لشيءٍ آخر من أمور الدين والدنيا94، وهكذا في آيات كثيرة.
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [الأنفال: ٢٦].
وفي هذه الآية الكريمة يذكر الله أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم بأعظم منتين امتن الله بهما عليهم، وهما الأمن بعد الخوف، والرزق بعد شظف العيش.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافًى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا)95.
وهذا الحديث أصل في هذا الباب، فقد ذكر فيه الدعائم الأساسية في حياة الفرد، وهي تنطبق تباعًا على المجتمعات والتكتلات بكل مفرداتها، وهذه الأسس هي: الأمن والعافية والقوت (الرزق) فمن جوامع الخير وحقوق الآدمية للفرد والجماعة أن يوفر لهم الأمن بكل أنواعه، والرزق بصنوف حاجاته وعلائقه.
وإذا كنا قد اتفقنا على أن أعظم طرق الأمن هو الإيمان، فإن الإيمان بالله هو الذي يجعل المجتمع في رغد وسعة من الرزق.
ولذلك قال سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الأعراف: ٩٦ - ٩٩].
فذكر الله تعالى أن هذه القرى لما كانت آمنة كانت البركات تنزل عليهم، فلما كفروا أبدلهم الله بالأمن خوفًا، وزالت النعمة عنهم.
وقال سبحانه: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [النحل: ١١٢].
فجعل من مستلزمات الأمن أن رزقها رغدًا.
قال الماوردي: «اعلم أن ما به تصلح الدنيا حتى تصير أحوالها منتظمةً، وأمورها ملتئمةً، ستة أشياء هي قواعدها، وإن تفرعت، وهي: دينٌ متبعٌ، وسلطانٌ قاهرٌ، وعدلٌ شاملٌ، وأمنٌ عامٌ، وخصبٌ دائمٌ، وأملٌ فسيحٌ.
وقال في شرح ذلك: وأما القاعدة الرابعة: فهي أمنٌ عامٌ تطمئن إليه النفوس، وتنتشر فيه الهمم، ويسكن إليه البريء، ويأنس به الضعيف، فليس لخائفٍ راحةٌ، ولا لحاذرٍ طمأنينةٌ.
وقد قال بعض الحكماء: الأمن أهنأ عيشٍ، والعدل أقوى جيشٍ؛ لأن الخوف يقبض الناس عن مصالحهم، ويحجزهم عن تصرفهم، ويكفهم عن أسباب المواد التي بها قوام أودهم، وانتظام جملتهم؛ لأن الأمن من نتائج العدل، والجور من نتائج ما ليس بعدلٍ.
ثم قال في الخصب: والخصب يكون من وجهين: خصبٌ في المكاسب، وخصبٌ في المواد، فأما خصب المكاسب فقد يتفرع من خصب المواد، وهو من نتائج الأمن المقترن بها، وأما خصب المواد فقد يتفرع عن أسبابٍ إلهيةٍ، وهو من نتائج العدل المقترن بها»96.
وتأمل التلازم الوثيق بين الأمن والرزق، وبين الخوف والجوع، تجده مطردًا في القرآن كله، مما يؤكد أهمية ووجوب المحافظة على الأمن؛ لما يترتب على ذلك من آثار كبرى في حياة الناس وعباداتهم، واستقرارهم البدني والنفسي، وأي طعم للحياة والعبادة إذا حل الخوف؟ بل تتعثر مشاريع الدين والدنيا.
وقال الجويني: «ولا تصفو نعمةٌ عن الأقذاء ما لم يأمن أهل الإقامة والأسفار من الأخطار والأغرار، فإذا اضطربت الطرق، وانقطعت الرفاق، وانحصر الناس في البلاد، وظهرت دواعي الفساد، ترتب عليه غلاء الأسعار، وخراب الديار، وهواجس الخطوب الكبار، فالأمن والعافية قاعدتا النعم كلها، ولا يهنأ بشيءٍ منها دونها؛ فلينتهض الإمام لهذا المهم، وليوكل بذلك الذين يخفون، وإذا حزب خطبٌ لا يتواكلون، ولا يتجادلون، ولا يركنون إلى الدعة والسكون، ويتسارعون إلى لقاء الأشرار بدار الفراش إلى النار، فليس للناجمين من المتلصصين مثل أن يبادروا قبل أن يتجمعوا أو يتألبوا، وتتحد كلمتهم، ويستقر قدمهم، ثم يندب لكل صقعٍ من ذوي البأس من يستقل بكفاية هذا المهم.
وإذا تمهدت الممالك، وتوطدت المسالك، انتشر الناس في حوائجهم، ودرجوا في مدارجهم، وتقاذفت أخبار الديار مع تقاصي المزار إلى الإمام، وصارت خطة الإسلام كأنها بمرأى منه ومسمعٍ، واتسق أمر الدين والدنيا، واطمأن إلى الأمنة الورى، والإمام في حكم البذرقة97 في البلاد للسفرة والحاضرة، فليكلأهم بعينٍ ساهرةٍ، وبطشةٍ قاهرةٍ»98.
ثالثًا: النجاة من عذاب الله في الآخرة:
من المفهوم القاصر للأمن الذي يحاول الملبسون ترسيخه في أذهان الناس اليوم توجيه الأنظار إلى توفير الأمن على النفس والرزق في هذه الحياة الدنيا فحسب، ونسيان الأمن الحقيقي والسعادة الكبرى في الآخرة، وعدم أو ضعف الحرص على ذلك، وإغفال الأسباب التي توصل إلى الأمن يوم الفزع الأكبر، والفوز بدار الأمن والسلام والتي أعدها الله عز وجل لعباده المتقين، قال تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [الحجر: ٤٥ - ٤٦].
وقال سبحانه: (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ) [يونس: ٢٥].
إن الأمن يوجب على الإنسان أن يعبد الله، كما قال سبحانه: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [: ٥٥].
وهذه العبادة هي المؤدية للأمن التام في الآخرة، كما قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [الأنعام: ٨٢].
فهؤلاء الذين أخلصوا العبادة لله وحده لا شريك له، ولم يشركوا به شيئًا هم الآمنون يوم القيامة، المهتدون في الدنيا والآخرة99.
ومن خاف هنا أمن هناك، فإن الله لا يجمع بين خوفين على عبد، فمن خاف في الدنيا أمن في الآخرة، ولست أعني بالخوف رقة كرقة النساء، تدمع العين، ويرق القلب، ثم ينسى على القرب، يعود المرء إلى اللهو واللعب، فهذا ليس من الخوف في شيء، بل من خاف شيئًا هرب منه، ومن رجا شيئًا طلبه، فلا ينجي إلا خوف يمنع عن معاصي الله تعالى ويحث على طاعته.
ولذلك وعد الله أهل الإيمان بالأمن التام، فقال سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [النمل: ٨٩].
ففي يوم القيامة في هذا اليوم المفزع الرهيب يكون الأمن والطمأنينة من الفزع جزاء الذين أحسنوا في الحياة الدنيا، فوق ما ينالهم من ثواب هو أجزل من حسناتهم وأوفر (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [النمل: ٨٩].
والأمن من هذا الفزع هو وحده جزاء، وما بعده فضل من الله ومنة، ولقد خافوا الله في الدنيا فلم يجمع عليهم خوف الدنيا وفزع الآخرة، بل أمنهم يوم يفزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله.
وقال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [فصلت: ٤٠].
قال الطبري: «يقول تعالى ذكره: لهؤلاء الذين يلحدون في آياتنا اليوم في الدنيا يوم القيامة عذابُ النار، ثم قال الله: أفهذا الذي يلقى في النار خيرٌ أم الذي يأتي يوم القيامة آمنًا من عذاب الله لإيمانه بالله جل جلاله ؟ هذا الكافر، إنه إن آمن بآيات الله، واتبع أمر الله ونهيه، أمنه يوم القيامة مما حذره منه من عقابه إن ورد عليه يومئذٍ به كافرًا»100.
وقال تعالى ذاكرًا أمنهم وهم في الجنة: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [سبأ: ٣٧].
إشارةً إلى دوام النعيم وتأبيده، فإن من تنقطع عنه النعمة لا يكون آمنًا101.
فهم في منازل الجنة العالية آمنون من كل بأسٍ وخوفٍ وأذًى، ومن كل شرٍ يحذر منه، فنسأل الله أن يجعلنا من أهل الأمن في الدنيا والآخرة.
موضوعات ذات صلة: |
الحذر، الخوف |
1 انظر: لسان العرب، ابن منظور، ١/١٠٧.
2 انظر: مختار الصحاح، الرازي، ٥/٢٠٧١.
3 انظر: القاموس المحيط، الفيروزآبادي، ٤/١٩٧.
4 انظر: المفردات، ص ٩٠.
5 التوقيف، المناوي، ص٦٣.
6 المفردات، ص٩٠.
7 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص ٨١،٨٩.
8 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني، ص ٩٠.
9 مقاييس اللغة، ابن فارس، ٢/ ٢٣٠.
10 الوجوه والنظائر، العسكري، ص ٢٠٣.
11 التوقيف، المناوي ص ١٦١
12 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس، ٥/ ٢٣.
13 المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية،٢/ ٧٥٦.
14 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني،ص ٥٢٤.
15 انظر: المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، ٢/ ٥٦٧.
16 لسان العرب، ابن منظور ١٣/٢١١.
17 مدارج السالكين، ابن القيم ٢/٤٧١.
18 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس، ٣/ ٩٠، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي، ٣/ ٢٥٤.
19 المفردات، الراغب الأصفهاني، ص ٤٢٣.
20 انظر: بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي، ٣/ ٢٥٤.
21 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٩/١٠٣.
22 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٢٩٥.
23 انظر: جامع البيان، الطبري ١٨/٢٨٨.
24 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ٣٠/٤١٢.
25 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٢٩٥.
26 انظر: جامع البيان، الطبري ٥/٦٥٩.
27 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٢٢.
28 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب قوله: (ثم أنزل عليكم من بعد الغم)، رقم ٤٠٦٨.
29 زاد المعاد ٢/١٨٢.
30 مفاتيح الغيب، ١٥/٤٦١.
31 حادي الأرواح ص ١٠٠.
32 تفسير القرآن الكريم، ٦/٥٠٩.
33 التحرير والتنوير ٢٢/١٧٦.
34 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٤/٦٠٣.
35 المصدر السابق ١٠/٣٣٤.
36 التحرير والتنوير، ٩/٢٤.
37 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٢٤٠.
38 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٩١٦.
39 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/١٣٤١.
40 أخرجه أحمد في مسنده، ١٩/١٦٠، رقم ١٢١٠٧، والترمذي في سننه، أبواب القدر، باب ما جاء أن القلوب بين أصبعي الرحمن ٤/١٦، رقم ٢١٤٠، وحسنه.
وصححه الألباني، صحيح الجامع ٢/١٣٢٣، رقم ٧٩٨٧.
41 تيسير الكريم الرحمن ص٢٩٨.
42 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢١٠٩.
43 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن أبي حاتم ١١/٢٢٥، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٤/١٤٠.
44 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٩٧.
45 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ١/٤٣٥.
46 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب قوله تعالى: (ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة)، رقم ٤٠٦٨.
47 زاد المعاد ٢/١٨٢.
48 جامع البيان ٢٠/٤٤٢.
49 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٢٦٦٩.
50 البيت ذكره ابن الجوزي في التبصرة ص ٣٠.
51 حادي الأرواح ص ١٠٠.
52 انظر: جامع البيان، الطبري ٩/٣٦٩.
53 مفاتيح الغيب، الرازي ١٢/٤٩.
54 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: (ولقد آتيانا لقمان الحكمة)، ٤/١٦٣، رقم ٣٤٢٩.
55 انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية، ٧/٧٨-٨٢.
56 إغاثة اللهفان ٢/١٧٢.
57 انظر: الصواعق المرسلة، ابن القيم ٢/٩٢.
58 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٥٢٨.
59 الجامع لأحكام القرآن، ١٢/٣٠٠.
60 انظر: المصدر السابق ١٢/٢٩٨.
61 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب من علق سيفه بالشجر في السفر عند القائلة، ٤/٣٩، رقم ٢٩١٠، ومسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب توكله على الله تعالى، وعصمة الله تعالى له من الناس ٤/١٧٨٦، رقم ٨٤٣.
62 الوابل الصيب ص ٤٨.
63 البيتان للشاعر محمد إقبال من قصيدة طويلة يشكو إلى الله حال العالم الإسلامي.
انظر: ديوان محمد إقبال ص١٠٣.
64 في ظلال القرآن، سيد قطب٢/١٥٤٣.
65 أخرجه أحمد في مسنده، ٢/١٧٨، رقم ١٣٩٧، والترمذي في سننه، أبواب الدعوات، باب ما يقول عند رؤية الهلال، ٥/٥٠٤، رقم ٣٤٥١.
وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ٢/٨٦١، رقم ٤٧٢٦.
66 أخرجه ابن حبان في صحيحه، ٣/١٧١ رقم ٨٨٨، والحاكم في المستدرك، ٤/٣١٧، رقم ٧٧٦٧.
وصححه الألباني في تخريج الكلم الطيب ص ١٣٨.
67 أخرجه أحمد ٨/٤٠٣، رقم ٤٧٨٥، والبخاري في الأدب المفرد، باب ما يقول إذا أصبح ص١٢٠٠، رقم ٦٨١، وأبو داود في سننه، أبواب النوم، باب ما يقول إذا أصبح ٤/٣١٨، رقم ٥٠٧٤.
وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد ص ٤٦٥.
68 أخرجه أحمد في مسنده، ٣٨/١٦٣، رقم ٢٣٠٦٤، وأبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب من يأخذ الشيء على المزاح، ٤/٣٠١، رقم ٥٠٠٤.
وصححه الألباني في صحيح الجامع ٢/١٢٦٨، رقم ٧٦٥٨.
69 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشركة، بابٌ هل يقرع في القسمة والاستهام فيه وغيرهما، ٣/١٣٩، رقم ٢٤٩٣.
70 البيت في مجاني الأدب في حدائق العرب، بن يعقوب شيخو، ١/٥٥ دون نسبة.
وانظر: السحر الحلال في الحكم والأمثال، الهاشمي ص٥٤.
71 البيت لأحمد شوقي كما في الموسوعة الشوقية الأعمال الكاملة ٢/٤٨٧.
72 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ١/١١، رقم ١٠، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان تفاضل الإسلام وأي أموره أفضل، ١/٦٥، رقم ٤١.
73 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة، ٢/١٠٥، رقم ١٣٩٩، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ١/٥١، رقم ٢٠.
74 البيت للمتنبي في ديوانه ص ٢٦٦.
75 انظر: تحقيق الإسلام لأمن المجتمع، صالح الفوزان، مجلة البحوث الإسلامية ٢١/٩٦.
76 مجموع فتاوى ابن تيمية ٢٢/٢٥٤.
77 أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الفتن، باب العقوبات، ٢/١٣٣٢، رقم ٤٠١٩.
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ١/٢١٦.
78 مجموع فتاوى ابن تيمية ٢٨/٦٣.
79 انظر: تاريخ دمشق، ابن عساكر ٤٥/٢٠٢، تاريخ الخلفاء، السيوطي ص١٧٤.
80 جامع البيان، ١٠/٣٣٤.
81 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٢٤٠.
82 انظر: المصدر السابق ٢/٧٤٨.
83 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٣٥٧.
84 جامع البيان، الطبري ١٩/٢٦٥.
85 انظر: تفسير القرآن الكريم، ٦/٥٠٨.
86 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٠/٢٧٩.
87 في ظلال القرآن، سيد قطب٤/ ٢١٩٩.
88 تفسير القرآن العظيم ٦/٢٩٥.
89 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/١٥٧.
90 في ظلال القرآن، سيد قطب٤/ ٢٢٧٠.
91 المفردات ص٩٠.
92 انظر: أثر الإيمان في إشاعة الاطمئنان، محمد الشويعر، مجلة البحوث الإسلامية ١٧/١٨٩.
93 الفوائد ص ٧٧.
94 فتح القدير، الشوكاني ٣/١٣٤.
95 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الزهد، ٤/١٥٢، رقم ٢٣٤٦، وابن ماجه في سننه، كتاب الزهد، باب القناعة، ٢/١٣٨٧، رقم ٤١٤١.
وحسنه الألباني في صحيح الجامع ٢/ ١٠٤٤، رقم ٦٠٤٢.
96 أدب الدنيا والدين، الماوردي ص١٣٣.
97 البذرقة: الحراس يتقدمون القافلة، وأجر الحراسة، والأمان يعطاه المسافر، وهي كلمة ليست بعربية، وإنما هي كلمة فارسية وعربتها العرب، يقال: بعث السلطان بذرقة مع القافلة، والمبذرق: الخفير. انظر: المعجم الوسيط ١/٤٥ والقاموس المحيط ص ٨٦٦.
98 غياث الأمم، الجويني ص ٢١٢.
99 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٢٩٤.
100 جامع البيان، ٢٠/٤٤٢.
101 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٥/٢٠٩.