عناصر الموضوع

مفهوم الأمومة

الأمومة في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

الأمومة الأولى

أنواع الأمومة

فطرة الأمومة ومشقاتها

الأمومة والأحكام الشرعية

الأمومة حقوق وواجبات

أمهات ذكرهن القرآن

الأمومة

مفهوم الأمومة

أولًا: المعنى اللغوي:

الأمومة مشتقة من الأم، وأم كل شيء: أصله وعماده، ومنه قوله تعالى: ( ) [الزخرف:٤].

وأم كل شيء معظمه، يقال لكل شيء اجتمع معه غيره فضمه إليه أمه، والأم الوالدة1، والأم: خادم القوم، الذي يلي طعامهم وخدمتهم، والأم الوالدة، وتطلق على الجدة، يقال حواء أم البشر، وجمعها للعاقل أمهات، ولغير العاقل أمات، والأم: المسكن، ومنه قوله تعالى: ( ) [القارعة:٩]. أي: مسكنه النار، وقيل: أم رأسه هاوية فيها، أي: ساقطة2.

وقيل: تفسير الأم في كل معانيها: أمه؛ لأن تأسيسه من حرفين صحيحين، والهاء فيه أصلية، ولكن العرب حذفت تلك الهاء إذا أمنوا اللبس، لذا يقال في تصغير أم: أميمة، والصواب: أميهة، ترد إلى أصل تأسيسها، ويقال: تأمم فلان أمًا، أي: اتخذها لنفسه أمًا3.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

الأمومة من أعظم الهبات التي خص الله بها المرأة، وقد عرف العلماء الأمومة بأنها: «نظام تعلو فيه مكانة الأم على مكانة الأب في الحكم، ويرجع فيه إلى الأم في النسب أو الوراثة»4.

وفي تعريف الأم قال العلماء: الأم هي: «الوالدة القريبة التي ولدته، والبعيدة التي ولدت من ولدته»5.

فالأم «اسم لكل أنثى لها عليك ولادة، فيدخل في ذلك الأم دنية، وأمهاتها وجداتها وأم الأب وجداته وإن علون»6.

الأمومة في الاستعمال القرآني

وردت (الأم) في القرآن (٢٨) مرة7.

والصيغ التي وردت هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

المفرد

١٧

( ) [القصص:٧]

الجمع

١١

( ) [النساء:٢٣]

وجاءت الأم في الاستعمال القرآني على ثلاثة أوجه8:

الأول: الوالدة، ومنه قوله تعالى: ( ) [طه:٤٠]. أي: إلى والدتك.

الثاني: المرضعة، ومنه قوله تعالى: ( ) [النساء:٢٣]. يعني: وحرمت عليكم مرضعتكم في الحولين.

الثالث: أمهات المؤمنين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ومنه قوله تعالى: ( ) [الأحزاب:٦].

الألفاظ ذات الصلة

الوالدة:

الوالدة لغةً:

الأم، يقال: ولدت المرأة ولادًا وولادةً، وأولدت: حان ولادها9، وولدته أمه ولادة وإلادةً على البدل، فهي والدة على الفعل، ووالدٌ على النسب10.

الوالدة اصطلاحًا:

هي التي تضع ولدها المولود11.

الصلة بين الأم والوالدة:

ذكرت الأم في القرآن الكريم أكثر من ذكر لفظة الوالدة، مما يدلل على أن لفظ الأم أعم من الوالدة، ففي كتب اللغة: الأم هي أصل الشيء، بينما الوالدة هي التي تلد، فكل والدة أم، وليس كل أم والدة، فالأم قد تعيل وتربي ولا يعني ذلك بالضرورة أنها هي من ولدته.

المرضعة:

المرضعة لغة:

من رضع الصبي أمه رضاعًا، وامرأة (مرضع) أي لها ولد ترضعه، فإن وصفتها قال الفراء: المرضعة الأم، والمرضع التي معها صبي ترضعه، وقيل: المرضعة الفاعلة للإرضاع والمرضع ذات الرضيع 12.

المرضعة اصطلاحًا:

وهي من معها صبي ترضعه، سواء كانت من ولدته أو استؤجرت لإرضاعه 13.

الصلة بين الأم والمرضع:

قد تكون المرضعة هي الأم التي ولدته، وقد لا تكون، وإنما جيء بها واستأجرها الوالد؛ لإرضاع ابنه.

الأنثى:

الأنثى لغة:

من أنث، فالألف والنون والثاء ما كان خلاف الذكر، والأنثيان أنثيا الإنسان14.

الأنثى اصطلاحًا:

قال الأصفهاني في تعريف الأنثى: «الأنثى خلاف الذكر ويقالان في الأصل اعتبارًا بالفرجين، قال عز وجل: (ﭿ ) [النساء:١٢٤].

ولما كانت الأنثى في جميع الحيوان تضعف عن الذكر اعتبر فيها الضعف، فقيل لما يضعف عمله أنثى»15.

الصلة بين الأم والأنثى:

كل أم أنثى، وليس كل أنثى أمًا، فإذا أنجبت الأنثى أصبحت أمًا.

المرأة:

المرأة لغة:

يقال: مرة -بلا ألف-: تأنيث المرء16؛ «والمرأ: الرجل»17 فقد أنثوا فقالوا مرأةٌ، وخففوا التخفيف القياسي فقالوا مرةٌ -بترك الهمز وفتح الراء- وهذا مطرد، وقال سيبويه: وقد قالوا: مراةٌ -وذلك قليل-... وللعرب في المرأة ثلاث لغات؛ يقال: هي امرأته، وهي مرأته، وهي مرته»18.

المرأة اصطلاحًا:

«اسم للأنثى البالغة من أولاد آدم»19 ولا يطلق عليها (امرأة) إلا بعد البلوغ، فـ«الصغيرة لا تسمى امرأة في عرف أهل اللسان»20.

الصلة بين الأم والمرأة:

كل أم امرأة، وليس كل امرأة أمًا.

الأب:

الأب لغة:

الأب بالتخفيف بمعنى الوالد الذي إليه يرجع النسب21.

الأب اصطلاحًا:

قال المناوي «الأب: الوالد، والأبوان: الأب والأم، أو الأب والجد، أو الأب والعم، أو الأب والمعلم، وكذا كل من كان سببًا لإيجاد شيء أو إصلاحه أو ظهوره»22، وقال الجرجاني الأب هو: كل من تكون من نطفته شخص آخر من نوعه23.

الصلة بين الأمومة والأبوة:

الأم والأب منهما يتكون الولد، فهما الوالدان اللذان يقومان على رعاية الأبناء، فالأمومة مضاد الأبوة، ويتكامل دورهما لتقوم الأسرة.

الأمومة والأبوة: وهما الوالدان اللذان تتضافر جهودهما لإنشاء أسرة صالحة.

الأمومة الأولى

خلق الله عز وجل أول خلقه من البشر آدم عليه السلام، ثم خلق منه أم البشر حواء عليها السلام، فكانت أول من خلق الله عز وجل من النساء، فالأمومة الأولى تمثلت في حواء عليها السلام.

قال تعالى: ( ﭡﭢ ﭨﭩ ) [النساء:١].

وقال تعالى: ( ) [الأعراف:١٨٩].

خلق الله عز وجل آدم عليه السلام، وأسكنه الجنة، وبعدها خلق الله حواء، واختلف المفسرون في معنى قوله: ( ) على رأيين:

الأول: النفس الواحدة آدم عليه السلام، وزوجها حواء عليها السلام، فحواء خلقت من ضلع آدم عليه السلام.

فإنه تعالى خلق حواء من ضلع آدم عليه السلام، روي أنه عز وجل لما خلقه عليه السلام وأسكنه الجنة ألقى عليه النوم فبينما هو بين النائم واليقظان خلق حواء من ضلع من أضلاعه اليسرى، فلما انتبه وجدها عنده24.

وقال ابن كثير في معنى قوله تعالى: ( ) «وهي حواء، عليها السلام، خلقت من ضلعه الأيسر من خلفه، وهو نائم، فاستيقظ، فرآها، فأعجبته، فأنس إليها وأنست إليه»25.

وقيل: إنه لم يؤذه أخذ الضلع شيئًا، ولو آذاه لما عطف رجل على امرأة أبدًا26، ثم نشر من تلك النفس وزوجها المخلوقة منها بطريق التوالد والتناسل رجالًا ونساءً.

الثاني: معنى قوله: ( ) معناه: وخلق من جنسها زوجها، أي من التراب، وعن ابن عباس: أن الله تعالى خلق الرجل من التراب؛ فهمه في التراب27، وذهب إلى هذا الرأي أبو مسلم، قال الألوسي: «وأنكر أبو مسلم خلقها من الضلع؛ لأنه سبحانه قادر على خلقها من التراب، فأي فائدة في خلقها من ذلك؟! وزعم أن معنى منها: من جنسها، والآية على حد قوله تعالى: ( ) [النحل:٧٢].

ووافقه على ذلك بعضهم مدعيًا أن القول بما ذكر يجر إلى القول بأن آدم عليه السلام كان ينكح بعضه بعضًا، وفيه من الاستهجان ما لا يخفى»28.

واحتج أبو مسلم بأنه تعالى لما كان قادرًا على أن يخلق آدم ابتداءً، فما الذي حملنا على أن نقول إنه تعالى خلق حواء من جزءٍ من أجزاء آدم؟ ولم لا نقول: إنه تعالى خلق حواء أيضًا ابتداء؟ وأيضًا الذي يقدر على خلق إنسان من عظمٍ واحد فلم لا يقدر على خلقه ابتداء؟ فأي فائدة في خلقها من ضلعه.

ورد أبو حيان على هذا القول حيث قال: «قال القاضي: الأول أقوى، إذ لو كانت حواء مخلوقة ابتداء لكان الناس مخلوقين من نفسين لا من نفس واحدة»29.

وذهب أغلب المفسرين إلى القول الأول30، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يؤكد ما ذهب إليه أصحاب القول الأول، حيث قال عليه السلام: (المرأة خلقتٍ من ضلعٍ أعوج وإنك إن أقمتها كسرتها، وإن تركتها تعش بها وفيها عوجٌ)31.

والراجح والله أعلم القول الأول الذي ذهب إليه أغلب المفسرين؛ وهو أن حواء خلقت من ضلع من أضلاع آدم عليه السلام؛ لقوله تعالى: ( ﮋﮌ ﮎﮏ ) [الأنعام:٩٨].

فالنفس الواحدة، هي آدم عليه السلام، وحواء مخلوقة من ضلعٍ من أضلاعه، فصار كل الناس من نفس واحدة.

وما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يؤذي جاره، واستوصوا بالنساء خيرًا، فإنهن خلقن من ضلعٍ، وإن أعوج شيءٍ في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا)32.

أنواع الأمومة

إن الأمومة من أقوى الغرائز التي جبلت عليها المرأة، والأمومة لها أكثر من شكل ونوع، فيقال عن المرأة التي تلد أم، والمربية أو المرضعة أم، والقرآن الكريم صنف الأمومة إلى نوعين: الأم الوالدة، والأم المرضعة، وبيان ذلك كما يأتي:

أولًا: الأم الوالدة:

الأمومة صفة تتمتع بها الأم الوالدة، وغريزة أودعها الله عز وجل في المرأة، فالأم بفطرتها تحن على وليدها، وهذه الأم الوالدة هي كل من ولدت المرء وإن علت33.

قال الرازي: «كل امرأة رجع نسبك إليها بالولادة من جهة أبيك أو من جهة أمك بدرجة أو بدرجات، بإناث رجعت إليها أو بذكور فهي أمك»34.

فالأم هي الوالدة، كما أفاد أسلوب الحصر في قوله عز وجل: ( ﭬﭭ ﭲﭳ ﭹﭺ ﭿ) [المجادلة:٢].

قال ابن عباس: « ما أمهاتهم في الحرمة إلا اللائي ولدنهم أو أرضعنهم»35.

وقال القرطبي: «الأم اسم لكل أنثى لها عليك ولادة، فيدخل في ذلك الأم دنية، وأمهاتها وجداتها وأم الأب وجداته وإن علون»36، فأمومة الولادة تثبت لها أحكام النسب والإرث.

فأمومة الولادة هي الأمومة الكاملة في تحققها، وثبوت أحكامها.

ثانيًا: الأم المرضعة:

ذكر الله عز وجل هذا النوع من الأمومة الأم المرضعة في كتابه العزيز، فقال عز وجل: ( ﮋﮌ ) [النساء:٢٣].

وقد كان للنبي عليه السلام قرابة من الرضاعة، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم في بنت حمزة: (لا تحل لي؛ يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، هي بنت أخي من الرضاعة)37.

وأم الإنسان من الرضاع هي الأم التي أرضعته، وكذلك كل امرأة انتسبت إلى تلك المرضعة بالأمومة، إما من جهة النسب أو من جهة الرضاع، والحال في الأب كما في الأم38، وإنما اعتبرت أمًا؛ «قال المهايمي: لأن الرضاع جزء منها وقد صار جزءًا من الرضيع، فصار كأنه جزؤها، فأشبهت أصله»39.

فالأم الوالدة قد لا تستطيع لعذر إرضاع وليدها، لذا كان العرب قديمًا يستأجرون مرضعة لأبنائهم، فالأم المرضعة هي التي ترضع ولدًا لأي سبب من الأسباب، وتحرم الأم من الرضاعة كما تحرم الأم من النسب كما قال عليه السلام .

واشترط العلماء لحرمة الأم من الرضاعة شرطين:

الشرط الأول: أن تكون الرضاعة قبل استكمال المولود حولين، لقوله تعالى: ( ﮮﮯ ) [البقرة:٢٣٣].

أي: أول قيام الهيكل وتشبح صورة الولد، وذلك قبل الفطام، وإلا فهو غذاء بمنزلة سائر الأغذية الكائنة بعد قيام الهيكل، كالشاب يأكل الخبز، وروي عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء)40.

والشرط الثاني: يتعلق بالقدر الذي يتحقق به معنى الرضاعة، فالآية الكريمة مطلقة، وجاءت السنة النبوية بتقييد إطلاقها بخمس رضعات متفرقات41، فعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: (كان فيما أنزل من القرآن: عشر رضعاتٍ معلوماتٍ يحرمن، ثم نسخن بخمسٍ معلوماتٍ، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن)42.

وذهب بعض أهل العلم إلى أن قليل الرضاع وكثيره يحرم، وهو قول ابن عباس وابن عمر، وبه قال سعيد بن المسيب، وإليه ذهب سفيان الثوري، ومالك، والأوزاعي وعبد الله بن المبارك43.

قال الرازي: «إنه تعالى علق هذا الاسم يعني الأمومة والأخوة بفعل الرضاع، فحيث حصل هذا الفعل وجب أن يترتب عليه الحكم، ثم سأل نفسه فقال: إن قوله تعالى: ( ) بمنزلة قول القائل: وأمهاتكم اللاتي أعطينكم، وأمهاتكم اللاتي كسونكم، وهذا يقتضي تقدم حصول صفة الأمومة والأختية على فعل الرضاع، بل لو أنه تعالى قال: اللاتي أرضعنكم هن أمهاتكم لكان مقصودكم حاصلًا، وأجاب عنه بأن قال: الرضاع هو الذي يكسوها سمة الأمومة، فلما كان الاسم مستحقًا بوجود الرضاع كان الحكم معلقًا به، بخلاف قوله وأمهاتكم اللاتي كسونكم، لأن اسم الأمومة غير مستفاد من الكسوة، قال ويدل على أن ذلك مفهوم من هذه الآية ما روي أنه جاء رجل إلى ابن عمر رضي الله عنهما فقال: قال ابن الزبير: لا بأس بالرضعة ولا بالرضعتين، فقال ابن عمر: قضاء الله خير من قضاء ابن الزبير، قال الله تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ) قال: فعقل ابن عمر من ظاهر اللفظ التحريم بالرضاع القليل»44.

فطرة الأمومة ومشقاتها

خلق الله عز وجل المرأة وأودع فيها غريزة الأمومة، بل هي من أقوى الغرائز عند الأم، فمن حرمها من الأمهات فهو ابتلاء عظيم، يبتلي الله به من يشاء من عباده، قال تعالى: ( ﯛﯜ ﯟﯠ ﯭﯮ ﯲﯳ ) [الشورى:٤٩-٥٠].

لذا نرى عاطفة الأمومة متمثلة بأمور عديدة منها:

١. تمني الولد.

الأمومة فطرة جبلت عليها المرأة، فهذه سارة زوج سيدنا إبراهيم، تمنت الولد ولكنها لم تنجب في صغرها فبشرها الله عز وجل، بالولد في كبرها، قال تعالى: ( ﯿ ) [هود:٧١].

وهذه امرأة فرعون آسية لم تنجب، ونراها حرصت على أن تتخذ موسى ابنًا لها.

٢. الحب والحنان والخوف عليه.

عظيم ذلك القلب، كبير بحنانه وعطفه، مليء بالمشاعر والأحاسيس التي أودعها الله عز وجل فيه، ولقد جاء القرآن الكريم يرسم أجمل صورة لتلك العاطفة عند الأم التي تجعلها تصبر على ولدها في بطنها تسعة أشهر، تعاني فيها من آلام الحمل والتغير العضوي ما تعاني، يمتص الجنين من جسدها الغذاء ليكبر ويكبر، فإذا ما حان وقت خروجه، عانت في وضعه أضعاف ما كانت تعاني أيام الحمل، فإذا ما رأته بعد تلك الآلام احتضنته بحبها وعطفها وحنانها.

إن عاطفة الأمومة وما ينبع منها من حب وعطف وحنان، لمعجزة إلهية من عند الخالق المبدع، فلولاها لما استطاعت الأم الصبر على عناء ومشاق التربية لأبنائها، فسبحانه تجلت حكمته عز وجل .

وتمثلت عاطفة الأمومة الجياشة بالحب والحنان واضحة جلية في السيدة هاجر عليها السلام عندما تركها سيدنا إبراهيم عليه السلام بواد غير ذي زرع، فدفعتها عاطفة الحنان على طفلها للبحث عن الماء، يقول سيد قطب: «وطيف هاجر، وهي تستروح الماء لنفسها ولطفلها الرضيع في تلك الحرة المتلهبة حول البيت، وهي تهرول بين الصفا والمروة وقد نهكها العطش، وهدها الجهد وأضناها الإشفاق على الطفل، ثم ترجع في الجولة السابعة وقد حطمها اليأس لتجد النبع يتدفق بين يدي الرضيع الوضيء. وإذا هي زمزم، ينبوع الرحمة في صحراء اليأس والجدب»45.

ولقد أثنى الرسول صلى الله عليه وسلم على نساء قريش، وجعل صالحهن صالح النساء عامة؛ بسبب رعايتهن لأبنائهن، وعطفهن على أبنائهن، قال عليه السلام: (خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش، أحناه على ولده في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده)46.

وجاء لنا القرآن الكريم مصورًا مشهد خوف الأم على وليدها، في أم موسى عليه السلام، عندما خافت عليه من أن يلحقه الأذى من فرعون، يقول الشعراوي: «فمن من النساء تقبل إن خافت على ولدها أن تلقيه في اليم؟ من ترضى أن تنجيه من موت مظنون إلى موت محقق؟ وقد جعل الحق سبحانه عاطفة الأمومة تتلاشى أمام وارد الرحمن الذي أتاها، والذي لا يؤثر فيه وارد الشيطان»47.

يقول المولى جل جلاله في محكم كتابه العزيز: ( ﭣﭤ ﭮﭯ ﭽﭾ ﭿ ﮋﮌﮍ ﮞﮟ ﮯﮰ ) [القصص:٧-١٣].

وانظر كيف يصور القرآن الكريم فؤاد أم موسى ومشاعرها وأحاسيسها، بعد أن نفذت أمر ربها ( )، يقول البيضاوي: «وأصبح فؤاد أم موسى فارغًا صفرًا من العقل لما دهمها من الخوف والحيرة حين سمعت بوقوعه في يد فرعون، كقوله تعالى: (وأفئدتهم هواء) أي خلاء لا عقول فيها»48.

( ) «أي: إن كادت من شدة وجدها وحزنها وأسفها لتظهر أنه ذهب لها ولد، وتخبر بحالها، لولا أن الله ثبتها وصبرها»49.

ولقد دفعت عاطفة الرحمة والحنان وشدة الوجد في فؤاد أم موسى، أن ترسل ابنتها لتقص أثر ابنها، فبصرت به عن بعد وهم يبحثون عن مرضعة له، بعد أن رفض الرضاع من أي امرأة غير أمه، كان وعد الله عز وجل بإرجاعه إلى أمه، ( ).

ولقد بين القرآن الكريم عاطفة الأمومة المليئة بالرحمة والشفقة عندما استعطف هارون أخاه بعدم لومه وعتابه، بعد أن عبد بنو إسرائيل العجل في غياب موسى عليه السلام لمناجاة ربه، مستخدمًا تذكيره بالأم مبعث العواطف الرحيمة والحنان والحب، مبررًا ما حدث بخوفه وخشيته من تفرق بني إسرائيل تارة، وأخرى بالاستضعاف وقلة الحيلة، قال تعالى: ( ﭜﭝ ﭠﭡ ﭨﭩ ) [الأعراف:١٥٠].

يقول ابن جزي: «وإنما دعاه بأمه، لأنه أدعى إلى العطف والحنو»50.

هذه هي الأم مصدر الحب وينبوع الحنان، فمسكين ذلك الابن الذي لا يدرك مكانة الأم و حقوقها عليه بعد كل هذا العطاء المتفاني، فإذا بنا نسمع في هذا الزمان أو نرى أولادًا لم يكتفوا بعدم البر والإحسان لهذه الأم، بل زادوا على ذلك بالإيذاء والتأفف والتذمر والعقوق، خسر الدنيا والآخرة والعياذ بالله.

أما مشقات الأمومة، فالأمومة لها مشاق مختلفة ومتنوعة، أولها:

١. الحمل.

وضح القرآن الكريم مشقات الحمل في مواضع عديدة، منها: قوله جل ذكره في محكم التنزيل: ( ﭿ ) [لقمان:١٤].

والمقصود فيها ولدته أمه شدة بعد شدة، وخلقًا بعد خلق51، فالأم تعاني المشاق منذ بداية حملها، بل وتزاد المشقة يومًا بعد يوم؛ لتثاقل الحمل، قال النيسابوري: «وقوله ( ) أي: حال كونها تهن وهنًا ( )ٍ أي: ضعفا على ضعف، لأن الحمل كلما زاد وعظم ازدادت ثقلًا وضعفًا، اعتراض في اعتراض تحريضًا على رعاية حق الوالدة خصوصًا»52.

«المرأة إذا حملت توالى عليها الضعف والمشقة، ويقال: الحمل ضعف، والطلق ضعف، والوضع ضعف»53.

وقال المولى عز وجل: ( ﭔﭕ ﭚﭛ ﭟﭠ ) [الأحقاف:١٥].

يقول سيد قطب: «تركيب الألفاظ وجرسها يكاد يجسم العناء والجهد والضنى والكلال: ( )، لكأنها آهة مجهد مكروب ينوء بعبء ويتنفس بجهد، ويلهث بالأنفاس! إنها صورة الحمل وبخاصة في أواخر أيامه، وصورة الوضع وطلقه وآلامه! ويتقدم علم الأجنة فإذا به يكشف لنا في عملية الحمل عن جسامة التضحية ونبلها في صورة حسية مؤثرة، إن البويضة بمجرد تلقيحها بالخلية المنوية تسعى للالتصاق بجدار الرحم، وهي مزودة بخاصية أكالة، تمزق جدار الرحم الذي تلتصق به وتأكله، فيتوارد دم الأم إلى موضعها، حيث تسبح هذه البويضة الملقحة دائمًا في بركة من دم الأم الغني بكل ما في جسمها من خلاصات وتمتصه لتحيا به وتنمو، وهي دائمة الأكلان لجدار الرحم، دائمة الامتصاص لمادة الحياة، والأم المسكينة تأكل وتشرب وتهضم وتمتص، لتصب هذا كله دمًا نقيًا غنيا لهذه البويضة الشرهة النهمة الأكول! وفي فترة تكوين عظام الجنين يشتد امتصاصه للجير من دم الأم فتفتقر إلى الجير. ذلك أنها تعطي محلول عظامها في الدم ليقوم به هيكل هذا الصغير»54.

٢. الولادة.

وتحدث القرآن الكريم عن شدة الولادة وآلامها حينما وصف السيدة مريم بقوله تعالى: ( ) [مريم:٢٣].

والمخاض يعني الطلق، ووجع الولادة وآلامها، وقيل: التجأت إلى النخلة تستند إليها وتستمسك بها من شدة الطلق، ووجع الولادة55.

ويتابع سيد قطب بوصف الآلام التي تلاقيها الأم، فيقول: «ثم الوضع، وهو عملية شاقة، ممزقة، ولكن آلامها الهائلة كلها لا تقف في وجه الفطرة ولا تنسي الأم حلاوة الثمرة، ثمرة التلبية للفطرة، ومنح الحياة نبتة جديدة تعيش، وتمتد، بينما هي تذوي وتموت! ثم الرضاع والرعاية، حيث تعطي الأم عصارة لحمها وعظمها في اللبن، وعصارة قلبها وأعصابها في الرعاية»56

الأمومة والأحكام الشرعية

إن للأمومة أحكامًا خاصة بها لا بد من مراعاتها، والقيام بموجبها، والتزام ما أمر به الله عز وجل، من حرمة نكاحها، وأحكام الوصية والإرث، وما يتعلق بالقرابة ممن ترضعهم الأم، وأحكام الرضاعة والنفقة والحضانة، وسنتناول هذه الأحكام بشيء من التفصيل بإذن الله فيما يلي:

١. حرمة نكاحها.

وردت آيات في القرآن الكريم توضح لنا حرمة نكاح الأمهات، حيث قال سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: ( ﮋﮌ ) [النساء:٢٣].

فنستدل من خلال الآية الكريمة على حرمة نكاح الأمهات وترك ذكر لفظ النكاح، اكتفاءً بدلالة الكلام عليه57، وسمى الله عز وجل المرضعات أمهات لأجل الحرمة فيحرم عليه نكاحها، كأزواج النبي صلى الله عليه وسلم سماهن الله تعالى أمهات المؤمنين في قوله: ( ) [الأحزاب:٦].

فكما يحرم على الرجل نكاح أمه التي ولدته، كذلك يحرم عليه نكاح أمه التي أرضعته، ويحل له النظر إليها والخلوة بها والسفر معها58.

يقول الطنطاوي: «ومن الحكم التي ذكرها العلماء من وراء تحريم النكاح بسبب الرضاعة:أن المولود يتكون جسمه من جسم المرأة التي أرضعته فيكون جزءًا منها، كما أنه جزء من أمه التي حملته، وإذا كانت هذه قد غذته بدمها وهو في بطنها، فإن تلك قد غذته بلبانها وهو في حجرها، فكان من التكريم لهذه الأم من الرضاع أن تعامل معاملة الأم الحقيقية»59.

٢. الوصية والإرث.

ذكر الله عز وجل الميراث في القرآن الكريم، وفصله بدقة ووضوح من غير غموض أو لبس فيه، ولم يترك الشرع موضوع تقسيم الميراث إلى مالكه حتى يعطي من يشاء ويحرم آخرين لهم الحق فيه، فالله سبحانه وتعالى هو الذي قسم الميراث والتركة من خلال الآيات الكريمة في القرآن الكريم، كل ذلك لحماية حقوق النساء والأطفال المستضعفين الذين كانوا في الجاهلية يحرمون من الميراث، فميراث الأم له ثلاث حالات، وهي على النحو الآتي:

  1. عدم وجود الفرع الوارث للميت، ذكرًا كان أو أنثى، مثل الابن، أو البنت، وابن الابن، وبنت الابن.
  2. عدم وجود الإخوة، أو الأخوات للميت، اثنين فأكثر، أشقاء، أو لأب، أو لأم.
  3. ألا تكون المسألة إحدى العمريتين.

    دليل إرث الأم الثلث بالشروط السابقة قول الله عز وجل: ( ) [النساء:١١]60.

    • السدس: ترث الأم السدس إذا كان للميت فرع وارث ذكرًا كان أو أنثى، أو اثنان فأكثر من الإخوة والأخوات مطلقًا سواء أكانا من جهة الأم والأب، أو من جهة أحدهما، وسواء أكانوا ورثة أم محجوبين، قال الله تعالى: ( ) [النساء:١١]61.
    • ثلث الباقي: في العمريتين، وتسمى الغراوين، وهما:
    1. زوجة وأم وأب: المسألة من أربعة:للزوجة الربع واحد، وللأم ثلث الباقي واحد، والباقي اثنان للأب.
    2. زوج وأم وأب:المسألة من ستة:للزوج النصف ثلاثة، وللأم ثلث الباقي واحد، والباقي اثنان للأب.

      وأعطيت الأم ثلث الباقي؛ لئلا تزيد على نصيب الأب وهما في درجة واحدة من الميت، وليكون للذكر مثل حظ الأنثيين62.

      «فالأم لا تحجب حرمان على أية حال فمتى وجدت ورثت إما السدس، وإما ثلث الكل، وإما ثلث الباقي»63.

      أما حكم الأم المرضعة فإن الرضاع يؤثر في تحريم النكاح، وثبوت المحرمية المفيدة لجواز النظر والخلوة دون سائر أحكام النسب، فلا يتوارثان ولا تجب على كل واحد منهما نفقة الآخر وغير ذلك من الأحكام، وهذا متفق عليه64.

      ٣. ثبوت القرابة بين من أرضعتهم.

      كل أقارب الأم المرضع أقارب للرضيع، فالمرضعة تصبح أمًا للرضيع وكما بينا سابقًا فإنها تحرم عليه، وبنتها أخته، وأولادها إخوته، وزوجها أبوه، وأبواه جداه وأخته عمته وكل ولد ولد له من غير المرضعة قبل الرضاع وبعده فهم إخوته وأخواته لأبيه وأم المرضعة جدته وأختها وأخواته لأبيه وأمه ومن ولد لها من غيره فهم إخوته وأخواته لأم65.

      قال تعالى في محكم التنزيل: ( ) [النساء: ٢٣].

      وجاء في السنة النبوية عن عليٍ رضي الله عنه، قال:قلت:يا رسول الله، ما لك تنوق66 في قريشٍ وتدعنا؟ فقال: «وعندكم شيءٌ؟» قلت:نعم، بنت حمزة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنها لا تحل لي، إنها ابنة أخي من الرضاعة)67.

      وكذلك ما ورد عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عندها، وإنها سمعت صوت رجلٍ يستأذن في بيت حفصة، قالت عائشة:فقلت:يا رسول الله، هذا رجلٌ يستأذن في بيتك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أراه فلانًا»-لعم حفصة من الرضاعة-فقالت عائشة:يا رسول الله، لو كان فلانٌ حيًا-لعمها من الرضاعة-دخل علي؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم، إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة)68.

      وعن عائشة، أن عمها من الرضاعة يسمى أفلح، استأذن عليها فحجبته، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها: (لا تحتجبي منه، فإنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب)69.

      يقول أبو زهرة «وذلك لأنها لما رضعت من امرأة أخيه على ولد أخيه اعتبر أبًا رضاعيًا لها، فيكون هو عمها»70.

      ٤. الرضاعة والحضانة والنفقة.

      الرضاعة:

      وردت آيات في القرآن الكريم تدل بالنص الصريح على وجوب ارضاع الأم لطفلها قوله: ( ) [البقرة:٢٣٣].

      فالمرأة يجب عليها إرضاع ولدها ما دامت في عصمة والده، وإن كان والده قد مات وليس للولد مال:لزمها رضاعه في المشهور، وقيل أجرة رضاعه على بيت المال، وإن كانت مطلقة طلاقًا بائنًا: لم يلزمها رضاعه، لقوله تعالى: ( ) [الطلاق:٦].

      إلا أن تشاء هي فهي أحق به بأجرة المثل، وإن لم يقبل الطفل غيرها وجب عليها إرضاعه71.

      الحضانة:

      تعرف الحضانة أنها: «تربية الطفل، والقيام بأمره ورعايته، وحفظه عما يضره، واعتماد ما يصلحه؛ فهي حفظ من لا يستقل بنفسه وتربيته حتى يستقل بنفسه، وهي ولاية وسلطنة، لكنها بالنساء أشبه»72.

      وتنتهي فترة الحضانة عند سن التمييز، وخص الأم بتربية ولدها لأنها أخبر وأعلم، وعليه أصبر؛ لما جبلت عليه من فضل الميل إلى الأولاد، وكثرة الحنو والإشفاق73.

      والأم أحق بحضانة ولدها الطفل من أبيه ذكرًا كان أو أنثى، ما لم تتزوج، والأب أحق بحضانته من الأم إذا تزوجت قولًا واحدًا74، فعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو، أن امرأة قالت:يا رسول الله، إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وإن أباه طلقني، وأراد أن ينتزعه مني، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنت أحق به ما لم تنكحي)75.

      واختلف في مستحق حضانة الطفل بعد الأم من القرابات على روايتين:

      أولًا: إن قرابات الأب أولى بحضانته من قرابات الأم.

      ثانيًا: قرابات الأم أولى بذلك من قرابات الأب76.

      فهناك ما يسمى بالأم الحاضنة، وهي التي تحضن الصغير غير أمه وتلي شأنه وتقوم على رعايته، ولقد كانت أيام الرسول صلى الله عليه وسلم، كأم أيمن حاضنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يثبت لها حكم من أحكام الأمومة، وليس لها غير البر والإحسان.

      النفقة:

      يجب على الأب تحمل نفقة الأم طيلة مدة الرضاع بما فيه الكفاية حسب العرف والأمثال، ومنعه من أن يمنع الأم من إرضاع الولد لسببٍ من الأسباب، مع تنبيه الأم إلى عدم جواز تكليف أحد بأكثر من وسعه وطاقته77، ففي النفقة قال سبحانه وتعالى: ( ) [البقرة:٢٣٣].

      أي:على الوالد النفقة مدة الرضاع، وفي موضعٍ آخر قال تعالى: ( ) [الطلاق:٦].

      وقوله تعالى: ( ) حسب طاقة وقدرة الأب وهي نفقة واجبة بحسب العرف78.

      قال ابن تيمية: «والصواب المقطوع به عند جمهور العلماء أن نفقة الزوجة مرجعها إلى العرف وليست مقدرة بالشرع، بل تختلف باختلاف أحوال البلاد والأزمنة، وحال الزوجين وعاداتهما»79؛ فإن الله سبحانه وتعالى قال: ( ) [النساء:١٩].

      وعن عائشة: أن هند بنت عتبة، قالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي، إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال: (خذي ما يكفيك وولدك، بالمعروف)80.

      ٥. شناعة تشبيه الزوجة بالأم (الظهار).

      كان الظهار في الجاهلية طلاقًا لا رجعة بعده، بل هو أشد الطلاق عندهم؛ لما فيه من تشبيه الزوجة بالأم التي تحرم حرمة على التأبيد، وقيل في أول الإسلام، وقيل لم يكن طلاقًا من كل وجه، وكانوا في الجاهلية إذا كره أحدهم امرأته ولم يرد أن تتزوج بغيره آلى منها أو ظاهر، فتبقى معلقة لا ذات زوج ولا خلية تنكح غيره، وجاء الإسلام فأبطل هذا الحكم، وجعل الظهار محرمًا قربان المرأة حتى يكفر زوجها، ولم يجعله طلاقًا كما كانوا يعتبرونه في الجاهلية81.

      «وقد اتفق العلماء على حرمته فلا يجوز الإقدام عليه، لأنه كذب وزور وبهتان، وهو يختلف عن الطلاق، فالطلاق مشروع، وهذا ممنوع، ولو أقدم الإنسان عليه يكون قد ارتكب محرمًا ويجب عليه الكفارة»82.

      ووضح القرآن الكريم الكفار بقوله تعالى: ( ﮗ ﮘ ) [المجادلة:٣-٤].

      «قال فقهاء الشافعية إنه من الكبائر، فمن أقدم عليه اعتبر كاذبًا معاندًا للشرع، ودليل ذلك قوله تعالى:( )»83.

    الأمومة حقوق وواجبات

    1. كرم الإسلام المرأة، ورفع مكانتها، فأوجب الله عز وجل للأم حقوقًا تحفظ لها كرامتها وترفع من قدرها كالإحسان والبر والطاعة، بل وجعل ذلك من أهم أسباب رضا الله عز وجل، وفي المقابل كان عليها بعض الواجبات التي يجب أن تقوم بها، نبين ذلك فيما يأتي بإذنه تعالى:

      أولًا: حقوق الأمومة:

      لا يعرف التاريخ دينًا ولا نظامًا كرم المرأة باعتبارها أمًا، وأعلى من مكانتها ومنزلتها، مثل الإسلام، حيث إنه أكد الوصية بها، وجعل برها من أصول الفضائل، كما جعل حقها أوكد من حق الأب، لما تحملته من مشاق الحمل والوضع والإرضاع والتربية، وهذا ما يقرره القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ويكرره في أكثر من موضع؛ ليثبته في أذهان الأبناء ونفوسهم، ولذلك وجب علينا أن نبين بعض الحقوق لهذه الأم وهي كالتالي:

      ١. الإحسان.

      لقد أمر الله عز وجل ببر الوالدين وإكرام الأم وإحسان صحبتها.

      قال تعالى: ( ) [الإسراء:٢٣].

      وقال تعالى: ( ) [لقمان:١٥].

      أي يجب علينا برها ورحمتها والنزول عند أمرها فيما لا يخالف أمر الله سبحانه وتعالى، ولا نؤذيها البتة وإن كانت كافرة، بل يجب علينا الإحسان إليها، وتطبيق ما فرض الله لها من فعل المعروف لها، والقول الجميل، والتحنن عليها، والرأفة بها، والدعاء بالخير لها، وما أشبه ذلك من الأفعال التي ندب الله عباده أن يفعلوها84.

      قال تعالى: ( ) [الأحقاف:١٥].

      والإحسان للأم يدخل فيه أنواع بر الوالدين كلها حيث يكون بلين الجانب، وألا يرفع الصوت فوق صوتها، ولا يجب الرد، ويكون لها كالعبد الذليل لسيده85.

      والإحسان إلى الأم من أفضل الأعمال وأكثرها أجرًا ومثوبة، فقد جاء عن عبد الله رضي الله عنه قال:سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم:أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال:(الصلاة على وقتها) قلت:ثم أيٌ؟ قال:(ثم بر الوالدين) قلت:ثم أيٌ؟ قال:(ثم الجهاد في سبيل الله)86.

      وقد ثبت التأكيد على بر الأم خاصة، جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: مك) قال:ثم من؟ قال: (ثم أمك) قال:ثم من؟ قال: (ثم أمك) قال:ثم من؟ قال: (ثم أبوك)87.

      وعن معاوية بن جاهمة السلمي، أن جاهمة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:يا رسول الله، أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك، فقال: (هل لك من أمٍ؟) قال: نعم، قال: (فالزمها، فإن الجنة تحت رجليها)88.

      ٢. خفض الجناح.

      جاء في كتابه العزيز قوله عز وجل: ( ) [الإسراء:٢٤].

      والمقصود بالجناح هنا هو الرعاية والإحاطة، وشبهت هذه المعاني بالجناح الذي يكون به قوة الطائر، وإضافة الذل إليه لتكون الرعاية ذلًا لهما، وتواضعًا من غير استكبار، فلا ينبغي أن نرفع أيدينا على والدينا، ولا ينبغي أن نحد البصر إليهما تغيظًا، ويجب التواضع لهما، ولا نتعال عليهما89.

      فالحق سبحانه وتعالى يأمرنا باللين للأم وخفض الجاح لها وتكون ذليلًا لها-مهما كنا أعزاء-ولا نمنعها أو نخالفها من شيء أحبته90، ويجب خفض الجناح بحسن المداراة ولين المنطق، والمبادرة إلى الخدمة، وسرعة الإجابة، والصبر على أمرهما، وألا ندخر عنهما ميسورًا91.

      «والتواضع ينبغي أن يكون رحمة بهما وشفقة عليهما، لا لأجل امتثال الأمر وخوف العار والنقد فقط»92.

      ٣. الرفق.

      الرفق واللين مع الأم يكون بدعوتها إلى الإيمان.

      قال تعالى: ( ) [الإسراء:٢٣].

      وحقيقته أن كلمة () تقال عند الضجر من الشيء واستثقاله، فوجه الله عز وجل الخطاب لنا بالرفق مع الأم، فلا تؤفف من شيء تراه منها مما يتأذى منه الناس، ولكن يحب أن نصبر على ذلك، ونحتسب في أجر الصبر عليها، كما صبرت علينا في صغرنا، وقوله:( ) الانتهار من النهر، وهو الزجر بالإغلاظ والصياح، وقوله:( ) قولًا لينًا هينًا سهلًا، وعدم رفع الصوت عليها وعدم الزجر والشدة بها93، ولنا في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة التي يقتدى ويحتذى بها ونسير على أثرهم.

      فعن عائشة، أنها قالت: « كان رجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبر من كان في هذه الأمة بأمهما: عثمان بن عفان، وحارثة بن النعمان، فأما عثمان، فإنه قال: ما قدرت أن أتأمل أمي منذ أسلمت، وأما حارثة، فإنه كان يفلي رأس أمه، ويطعمها بيده، ولم يستفهمها كلامًا قط تأمر به حتى يسأل من عندها بعد أن يخرج، ماذا قالت أمي؟»94.

      ٤. الطاعة في المعروف.

      طاعة الأم في معروف غير معصية فرض واجب على الإنسان، مقابلة للمعروف بمثله، ووفاء للإحسان، وتقدير الفضل، واحترام نظام الأسرة، والطاعة لا تراعى في ركوب كبيرة ولا في ترك فريضة على الأعيان، فالانقياد لها ليس انقيادًا مطلقًا، بل هو انقياد محكوم بحدود العدل، والخير، وتلزم طاعتها في المباحات وتستحسن في ترك الطاعات المندوبات، فإذا دعت إلى منكر، فلا طاعة لها، قال تعالى في محكم التنزيل: ( ﮋﮌ ﮔﮕ ) [لقمان:١٥].

      يعني الأبوين الكافرين أي صلهما بالمال وادعهما برفق95.

      وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، قالت:قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد قريش، إذ عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومدتهم مع أبيها، فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت:يا رسول الله إن أمي قدمت علي وهي راغبة أفأصلها؟ قال: (نعم صليها)96.

      وعلى وجوب ترك طاعة الوالدين إذا أرادا ولدهما على الإشراك دليل عقلي، وذلك أن طاعتهما وجبت بأمر الله عز وجل، فإذا نفيا طاعة الله سبحانه وتعالى في الإشراك به فقد أبطلا طاعة الله عز وجل مطلقًا، ويلزم منه عدم لزوم طاعة الوالدين بأمر الله عز وجل، وكل ما يفضي وجوده إلى عدمه فهو باطل، فطاعة الأم في اتخاذ الشرك بالله عز وجل من الممتنعات، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق97، وإذا كان الضرر ليس دينيًا وإنما ضررًا دنيويًا فلا يجب طاعة الأم فيه لما يعود على الشخص من ضرر98.

      يقول الزحيلي: «وتختص الأم بزيادة البر والطاعة لمعاناتها في سبيل تربية أولادها، وبما أنها كما ذكرت الآية تعرضت لمراتب ثلاث من المشاق: الحمل، والرضاع، والوضع»99.

      ثانيًا: واجبات الأمومة:

      إن لكل شخص حقوقًا وواجبات ومتى تنتهي الحقوق فكان حتمًا عليه أداء واجباته، فالمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها أمام الله سبحانه وتعالى، فعليها أن تقوم بواجباتها على أكمل حال، وبذل ما تقتضيه الفطرة السوية لهم من الحب والعطف والحنان، فهذا مما وصى الله عز وجل به في كتابه العزيز حيث قال: ( ) [النساء:١١].

      وورد في السنة النبوية الشريفة عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أنه:سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(كلكم راع ومسئول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل في أهله راع وهو مسئول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسئولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راع وهو مسئول عن رعيته)100، فالأم تنشئ أبناءها لأجل الأمة الإسلامية ولعزتها فهم أمانة بين يديها؛ فلذلك وجب عليها بعض الواجبات، منها:

      ١. الرضاعة.

      وجه الله عز وجل النداء الإلهي المملوء بالرحمة يطلب فيه من كل أم أن ترضع أطفالها حيث قال تعالى: ( ﮮﮯ ) [البقرة:٢٣٣].

      وقال سبحانه وتعالى عن موسى: ( ) [القصص:٧].

      فالأم هي الأساس في رعاية الطفل، وسد حاجاته وتلبية رغباته المتنوعة.

      والسنة النبوية أكدت ذلك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(خير نساءٍ ركبن الإبل صالح نساء قريشٍ، أحناه على ولدٍ في صغره، وأرعاه على زوجٍ في ذات يده)101.

      ذكر العلماء الكثير من أحكام الرضاع ومتعلقاته وحكمه؛ مما يدل على أهمية الرضاع وأثره في إنبات الوليد وتكامل بنيانه فينبغي أن يكون رضاع المولود من غير أمه بعد وضعه يومين أو ثلاثة وهو الأجود؛ لما في لبنها ذلك الوقت من الغلظ والأخلاط بخلاف لبن من قد استقلت على الرضاع وكل العرب تعتني بذلك حتى تسترضع أولادها عند نساء البوادي، كما استرضع النبي صلى الله عليه وسلم في بني سعد102.

      وأخبر الله عز وجل أن كمال الرضاع حولان، وجعل على الرجل يرضع له ابنه أجر المرضع، والأجر على الرضاع لا يكون إلا على ماله مدة معلومة، والرضاع اسم جامع يقع على المصة وأكثر منها، إلى كمال رضاع الحولين، ويكون الرضاع من خصائص الوالدة الأصيلة أو البديلة، ومدته عامان كاملان103، ورد ذلك في قوله تعالى: ( ) [الأحقاف:١٥].

      يقول الخازن: «وهذا الأمر ليس أمر إيجاب، وإنما هو أمر ندب واستحباب؛ لأن تربية الطفل بلبن الأم أصلح له من لبن غيرها؛ ولكمال شفقتها عليه، ويدل على أنه لا يجب على الوالدة إرضاع الولد»104.

      ٢. الفصال.

      الفصال:المقصود به الفطام، وهو مصدر من قول القائل: «فاصلت فلانًا أفاصله مفاصلة وفصالًا»، إذا فارقه من خلطة كانت بينهما، فكذلك (فصال الفطيم)، إنما هو منعه اللبن، وقطعه شربه، وفراقه وفصله عن ثدي أمه إلى الغذاء بالأقوات التي يتغذى بها الإنسان105، وسواء كانت هذه الرضاعة طبيعية أم صناعية، إلى الشرب من كأسٍ أو كوبٍ، وتناول الأطعمة الأكثر صلابة ويكون ذلك بالتدريج106.

      الفصال يقع في عامين، أي في انقضاء عامين، قال تعالى: ( ﭿ )[لقمان:١٤].

      وذكر مشقة الوالدة بإرضاع الولد بعد الوضع عامين107، قال تعالى: ( ) [البقرة:٢٣٣].

      ويعني تعالى ذكره بقوله:( )، إن أراد والد المولود ووالدته فصال ولدهما من اللبن، فيما دون العامين، يكون ذلك بالتشاور والرضى بينهما، ويشاورون أهل العلم في ذلك حتى يخبروا أن الفطام قبل الحولين لا يضر بالولد108.

      يقول الزركشي: «الفصال لا حد لجانب القلة فيه، بل يجوز أن يعيش الولد بدون ارتضاع من الأم؛ ولهذا اعتبر فيه الأكثر، لأنه الغالب، ولأنه اختياري»109، ولكن «ذكر الحولين ليس هو من جهة توقيت نهاية الرضاع الموجب للتحريم، وأنه جائز أن يكون بعدهما رضاع»110.

      ٣. الرعاية.

      أراد الله عز وجل للأسرة أن تقوم على الأسس الصحيحة السليمة، فأرسى لها الدعائم التي تؤهلها لذلك، والأسس القويمة لتكوينها تكوينًا سليمًا كحاضن جيد للطفل، بحيث ينشأ نشأة سوية، متمسكًا بالقيم الإسلامية، ولهذا وردت النصوص الوافرة موجهة إليه، عاكسة روح الإسلام وأهدافه في بناء الأسرة111، فالطفل له حاجات أخرى كثيرة غير الرضاعة؛ إذ لا بد له من رعاية شاملة له في جميع أحواله وأوقاته، ونظافته ومداعبته، ودفع الأذى عنه، كما في قوله سبحانه وتعالى في شأن أخت موسى عليه السلام: ( ) [القصص:١٢].

      وكل ذلك يكون فيه الحمل الأكبر على عاتق الأم وذلك بسبب ملازمتها للبيت وللطفل، فعلى الأم تنشئة الأبناء ورعايتهم رعاية صحيحة، وإن العقل السليم في الجسم السليم والإسلام يريد منا أن نربي أولادنا على القوة والنشاط.

      فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي، خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍ خيرٌ)112.

      ٤. التربية.

      إن المسلمين لم يهملوا جانب الاهتمام بطرائق تربية الأطفال، والبحث عن أنجح الطرق والمناهج انطلاقًا من أنه لا حضارة بغير علم، ولا علم بغير تعليم، ولا تعليم بغير نظام معينٍ ينظم الصلة بين المتعلم والمعلم، فما أحوجنا اليوم إلى العودة إلى هذا التراث الضخم، وما أحوجنا اليوم إلى الأخذ بطرق السلف في التربية والتعليم، والتزكية والتصفية113.

      فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، كمثل البهيمة تنتج البهيمة هل ترى فيها جدعاء)114.

      والأسرة المسلمة تقوم على مبادىء معينة، هامة وجليلة الشأن من أجل توفير جو صحي سليم لتربية الأولاد تربية سليمة على القيم الإسلامية، فهي تقوم على المودة والرحمة.

      قال تعالى: ( ﮋﮌ ﮖﮗ ) [الروم:٢١].

      فيجب على الأم الغرس في قلوب أولادها حب الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، واتباع سنته في كل صغيرة وكبيرة، وتذكر لهم قصص الصحابة رضي الله عنه 115.

      إن للأم أهمية ودورًا كبيرًا في التربية والتغيير، ودور الأم أعظم وأخطر من دور الأب؛ لأنها تتعامل مع أثمن شيء في الوجود وهو الطفل، وعمل الأم هو صناعة الإنسان وزرع الحب والفضيلة والرحمة والعاطفة والحنان والتضحية والإيثار في نفسه، فيجب الوقوف أمام هذا العطاء موقف الإجلال والتعظيم، فالطفل يولد والذهن صفحة بيضاء خالية من أي شيء له علاقة بثقافة العالم الذي يعيش فيه، ويتعلم التقاليد والعادات من خلال معاشرته لأمه والأهل والأقارب ومجتمعه، والحلقة الأهم في حياة الأم هي تربية الطفل، ولكن ليست أي أم، وإنما الأم التي تشعر وتلمس أهمية التربية ودورها في صناعة التاريخ، وهنا ترتبط الأم بولدها بأقوى علاقة ورابطة وهي رابطة التعليم، ومنها تستطيع أن تنجح في تلقين التراث الثقافي للجيل الجديد وتهيئته للحياة المستقبلية116.

      إن تطبيق هذه الواجبات من الأم على الأولاد عمليًا، أظهرت لنا الأجيال المتعاقبة الفاضلة، وخلفت أمتنا الأجيال الأشاوس والعلماء والأبطال والأئمة والقادة والمفكرين والمجاهدين، الذين يحاربون العدو الصهيوني بكل قوة وحماس، وما ذلك إلا نتيجة لتربية الوالدين في البيت والالتزام بالمنهج التربوي الإسلامي الفريد.

    أمهات ذكرهن القرآن

    1. بعد تتبع الآيات التي تتحدث عن الأمومة، وجدنا أن القرآن الكريم تناول ذكر بعض الأمهات، منهن أمهات للأنبياء والرسل، ومنهن أمهات للصالحين من عباده، كما وذكر الكتاب العزيز أمهات المؤمنين، اللاتي هن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم .

      أولًا: أمهات الأنبياء و الرسل:

      ١. أم إسماعيل.

      جاء ذكر أم إسماعيل في القرآن الكريم بالإشارة دون التصريح باسمها أو بقصتها، فجاءت السنة النبوية المطهرة بذكر اسمها وقصتها، فهي هاجر زوج سيدنا إبراهيم عليه السلام، فقد ذكرت بالإشارة على لسان سيدنا إبراهيم عليه السلام في قوله تعالى: ( ﮋﮌ ) [إبراهيم:٣٧].

      وكانت هاجر عليها السلام جارية عند سارة زوج سيدنا إبراهيم عليه السلام، وقيل:كانت أميرة عند فرعون، ولعلمها بحب إبراهيم بالأولاد زوجته منها، فلما ولدت إسماعيل وأحبه أبوه اشتدت غيرة سارة، أمر الله سبحانه أن يبعد عنها هاجر وابنها ويسكنها في أرض مكة لتبرد عن سارة حرارة الغيرة117.

      قال الطبري في تفسيره للآية الكريمة: «فجاء بها إبراهيم ومعها إسماعيل حتى انتهى بهما إلى موضع البيت، فوضعهما ثم رجع، فاتبعته، فقالت: إلى أي شيء تكلنا؟ إلى طعام تكلنا؟ إلى شراب تكلنا؟ فجعل لا يرد عليها شيئًا، فقالت: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذن لا يضيعنا، قال: فرجعت ومضى حتى إذا استوى على ثنية كداء، أقبل على الوادي فدعا، فقال: ( ﮋﮌ ) [إبراهيم:٣٧]118.

      وقد استجاب الله له دعاءه، كما قال تعالى: ( ) [القصص:٥٧].

      وجاء فيما رواه البخاري في صحيحه القصة كاملة، قال ابن عباس: « جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعها عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء، فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جرابًا فيه تمر، وسقاء فيه ماء، ثم قفى إبراهيم منطلقًا فتبعته أم إسماعيل فقالت:-يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء ؟ فقالت له ذلك مرارًا وجعل لا يتلفت إليها، فقالت له: آلله الذي أمرك بهذا ؟ قال: نعم. قالت: إذن لا يضيعنا. ثم رجعت، فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت، ثم دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه فقال: ( )حتى بلغ ()، وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى أو قال يتلبط119 فانطلقت كراهية أن تنظر إليه فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدًا فلم تر أحدًا فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها ثم سعت سعي الإنسان المجهود، حتى إذا جاوزت الوادي، ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدًا فلم تر أحدًا ففعلت ذلك سبع مرات، قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فذلك سعي الناس بينهما)، فلما أشرفت على المروة سمعت صوتًا فقالت: صه-تريد نفسها-ثم تسمعت فسمعت أيضًا فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم فبحث بعقبه أو قال بجناحه حتى ظهر الماء، فجعلت تحوضه وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف، قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يرحم الله أم إسماعيل لو كانت تركت زمزم-أو قال لو لم تغرف من الماء-لكانت زمزم عينًا معينًا)، قال:فشربت وأرضعت ولدها. قال لها الملك: لا تخافوا الضيعة، فإن ها هنا بيت الله يبني هذا الغلام وأبوه، وإن اله لا يضيع أهله)120.

      ٢. أم إسحاق.

      ذكرت أم إسحاق عليها السلام في قوله تعالى: ( ﯿ ) [هود:٧١].

      وهي سارة زوج سيدنا إبراهيم عليه السلام، وهي ابنة هاران بن ناحوراء وهي ابنة عم إبراهيم عليه السلام 121، آمنت به بعدما ألقي في النار، فهاجر بها إبراهيم إلى حران، ثم سار بها إلى مصر، فبلغ ملكها جمال سارة وحسنها، فأمر بإحضارها، فأحضروها ومعها إبراهيم عليه السلام فسأله من هي؟ قال: أختي، فطلب الزواج منها، فدعا عليه إبراهيم عليه السلام، ثم مرض مرضًا شديدًا، فدعا إبراهيم، وقال له: ما هذا الذي أردت بدعائك علي؟ فقال أنك أسأت جواري بتعرضك لزوجتي، قال: أولم تزعم أنها أختك؟ قال: ما كذبت؛ في الإسلام أختي، وهي أول من آمن بي، قال الملك: فادعو الله لي بالعافية، وحلف أن لا يقربها بسوء، فأطلقه الله بدعوة إبراهيم عليه السلام، ثم وهب لها هاجر جارية، فجاءت بها إلى إبراهيم عليه السلام ثم سار بهما إبراهيم من مصر إلى الشام، وكانت سارة لا تلد، فوهبت هاجر لإبراهيم عليه السلام فولدت له إسماعيل عليه السلام.

      فسارة لم يرزقها الله الأولاد في صغرها، ولكنها لما كبرت بشرت بالولد، كما في قوله تعالى: ( ﯿ ) أي: بولد لها يكون له ولد وعقب ونسل؛ فإن يعقوب ولد إسحاق122.

      وقيل في معنى ضحكت: ضحكت تعجبًا من أن يكون لها ولد على كبر سنها وسن زوجها، وروي أنها كانت حينئذ بنت تسع وتسعين سنة، وإبراهيم ابن مائة سنة، فعلى هذا القول يكون في الآية تقديم وتأخير، تقديره: فبشرناها بإسحاق فضحكت يعني تعجبًا من ذلك123.

      ٣. أم موسى.

      ورد ذكر أم موسى في القرآن الكريم، وقصة موسى عليه السلام في مواضع مختلفة، وأم موسى هي لوحا بنت هاند بنت لاوي بن يعقوب عليه السلام124.

      وكانت أم موسى زوجة عمران، تعيش في بني إسرائيل، وكان فرعون يقتل الأطفال، ولما كثر القتل في بني إسرائيل خاف القبط أن يفنى بنو إسرائيل، فقالوا لفرعون:إنه يوشك أن يموت شيوخهم، وغلمانهم لا يعيشون، ونساؤهم لا يمكن أن يقمن بما يقوم به رجالهم من الأعمال، فيخلص إلينا ذلك، فأمر بقتل الولدان عامًا وتركهم عامًا، فولد هارون عليه السلام في السنة التي يتركون فيها الولدان، وولد موسى عليه السلام في السنة التي يقتلون فيها الولدان، وأمر القوابل أن يطفن على نساء بني إسرائيل ففعلن، ولم يدخلن بيت عمران لقربه من الملك، ولما تم حملها، وجاءها الطلق ليلًا، وولدت موسى، رأى جنود فرعون القابلة تخرج من بيت أم موسى، فأتوا وسألوها عن سبب قدومها، فأخفت أمرها مخافة على موسى من فرعون، فأوحى الله عز وجل إليها125.

      قال تعالى: ( ﭣﭤ ﭮﭯ ) [القصص:٧].

      واختلف المفسرون في معنى الوحي، فقيل:كان كلامًا في المنام، وقيل:كان إلهامًا، وقيل:كان ملك يمثل إليها126.

      فلما ولدته وخافت عليه خوفًا شديدًا وأحبته حبًا زائدًا، وكان موسى عليه السلام لا يراه أحد إلا أحبه.

      قال الله تعالى: ( ) [طه:٣٩].

      فأمرها الله عز وجل أن ترضعه بالخفاء، قيل:إنها أرضعته أربعة أشهر ثم صنعت به ما في الآية، وقيل:أرضعته في بستان فلما خافت عليه من أن يعرف أمره فرعون من شدة بكائه حيث لا يكفيه اللبن-صنعت به ما جاء في الآية127، فاتخذت تابوتًا، ووضعته في ذلك التابوت، وسيرته في البحر، وربطته بحبل فذهب مع الماء، قال النسفي: «في هذه الآية أمران ونهيان وخبران وبشارتان، والفرق بين الخوف والحزن أن الخوف غم يلحق بالإنسان لمتوقع، والحزن غم يلحقه لواقع، وهو فراقه والإخطار به، فنهيت عنهما، وبشرت برده إليها وجعله من المرسلين»128.

      وجرى به الماء حتى مر به على دار فرعون، فالتقطه الجواري فاحتملنه، فذهبن به إلى امرأة فرعون، فلما كشفت عنه إذا هو غلام من أحسن الخلق وأجمله وأحلاه وأبهاه، فأوقع الله محبته في قلبها، وكانت لفرعون بنت برصاء فنظرت إلى وجهه فبرأت، فقالت الغواة من قومه: هو الذي نحذر منه، فأذن لنا في قتله، فهم بذلك، فقالت آسية: قرة عين لي ولك، فقال فرعون: لك لا لي، لكنها أصرت على بقائه؛ متعللة بدلائل النفع والبركة.

      قال تعالى: ( ﮋﮌﮍ ) [القصص:٩]129.

      لكن تبقى الأمومة أقوى من كل شيء، بدليل حالها بعدما وضعته في الماء.

      قال تعالى: ( ﮞﮟ ) [القصص:١٠].

      فصار قلب الأم من شدة خوفها وحيرتها فارغًا من كل شيء سوى ذكر موسى130، ولما ألقت التابوت في النيل، فرأت التابوت يرفعه الموج مرة، ويضعه أخرى، فخشيت عليه الغرق، فعند ذلك فزعت عليه، وكادت أن تصيح، ويقال إنها:لما أتى الليل، دخل الغم في قلبها حيث لم تدر أين صار ولدها، فأرادت أن تظهر ذلك لولا أن ثبتها الله عز وجل ؛ لتكون من الواثقين بوعده عز وجل131.

      ثم جاء الوعد من الله عز وجل، والبشارة التي بشرت بها.

      قال تعالى: ( ﮯﮰ ﭗﭘ ) [القصص:١١-١٤].

      فقد أرسلت أخته للبحث عنه، ومن رحمة الله أنه لم يقبل ثدي امرأة، فخافوا عليه من أن يموت، فعرضت عليهم أخته أن تدلهم على أهل بيت يقدمون له الرعاية والرضاعة، فتحقق وعده عز وجل، ورجع إلى أمه لترضعه ويبقى في رعايتها، وتأخذ الأجر إضافة لرعايتها ابنها، فتبارك الله أرحم الراحمين.

      ٤. أم عيسى.

      ورد ذكر أم عيسى في القرآن الكريم، وسميت سورة باسمها، وهي سورة مريم، فأم عيسى هي مريم ابنة عمران.

      وأم مريم لم تنجب من زوجها عمران في بداية زواجها، وكانت تحن إلى الولد، فدعت الله عز وجل أن يرزقها ولدًا، ونذرت لله إن رزقها الولد أن تهبه خادمًا للكنيسة، فلما وضعتها أنثى حزنت وتحسرت مما كانت ترجوه132، وقالت: ( ﯣﯤ ) [آل عمران:٣٦].

      قال الشوكاني: «وإني سميتها مريم عطف على إني وضعتها أنثى، ومقصودها من هذا الإخبار بالتسمية:التقرب إلى الله سبحانه، وأن يكون فعلها مطابقًا لمعنى اسمها، فإن معنى مريم خادم الرب بلغتهم، فهي وإن لم تكن صالحة لخدمة الكنيسة فذلك لا يمنع أن تكون من العابدات»133.

      وولدت مريم عليها السلام يتيمة، فقد توفي والدها عمران وهي في بطن أمها حنة بنت فاقوذا، فكانت أمها لا تستطيع تربيتها لكبر سنها، فكان كل شخص يريد أن يحظى بكفالتها؛ إما لأن عمران أبو مريم كان معلمهم ومن درسهم دينهم وذا فضل عليهم، وقيل:لأن أمها قد نذرتها لعبادة الله عز وجل، لذلك حرصوا على التكفل بها، فاتفقوا أن يقفوا على مجرى النهر ويرموا أقلامهم، فمن جرى قلمه على خلاف جري الماء فاليد له، ثم إنه حصل هذا المعنى لزكريا عليه السلام، فصار هو أولى بكفالتها.

      قال تعالى: ( ﯝﯞ ) [آل عمران:٤٤]134.

      فكفلها زوج خالتها نبي الله زكريا، وكان هذا من رحمة الله بمريم ورعايته لها.

      قال تعالى: ( ﯸﯹ ﯿ ﰁﰂ ﰇﰈ ﰍﰎ ) [آل عمران:٣٧].

      وبنى لها زكريا محرابًا في المسجد وجعل بابها في الوسط لا يرقى إليها إلا بسلم، وكان لا يدخل عليها غيره، يأتيها بشرابها وطعامها ودهنها كل يوم، وإذا خرج يغلق عليها سبعة أبواب، وكلما زارها النبي زكريا، وجد عندها رزقًا، فكان يسأل عن مصدر هذا الرزق لأنه هو كافلها، فتقول:هو من عند الله عز وجل 135.

      وجاء في فضل مريم عليها السلام: قال أبو هريرة رضي الله عنه:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخًا من مس الشيطان؛ غير مريم وابنها)136.

      ثم جاءت البشارة لمريم باصطفاء الله لها من بين سائر نساء عالمي زمانها.

      قال تعالى: ( ) [آل عمران:٤٢].

      يقول المفسرون: إن في هذه الآية اصطفاء وتطهير، واصطفاء على نساء العالمين، اصطفاء أنه تعالى قبل تحريرها مع أنها كانت أنثى.

      وقيل: إن أمها لما وضعتها ما غذتها طرفة عين، بل ألقتها إلى زكريا، وكان رزقها يأتيها من الجنة، وأنه تعالى فرغها لعبادته، وخصها في هذا المعنى بأنواع اللطف والهداية.

      وقيل: إنه أسمعها كلام الملائكة شفاهًا، ولم يحصل ذلك لأنثى غيرها، وأما التطهير فلأنه تعالى طهرها عن الكفر والمعصية، وطهرها عن مسيس الرجال.

      وقيل:طهرها عن الحيض.

      وقيل: طهرك من الأفعال الذميمة.

      وقيل: طهرك عن مقالة اليهود وتهمتهم وكذبهم.

      وأما الاصطفاء الثاني: فالمراد أنه تعالى وهب لها عيسى من غير أب، وأنطق عيسى حال انفصاله منها حتى شهد بما يدل على براءتها عن التهمة، وجعلها وابنها آية للعالمين137.

      قال عليه السلام: (كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)138.

      ولما خاطبتها الملائكة بالبشارة لها باصطفاء الله لها، وبأنه سيهب لها ولدًا زكيًا يكون نبيًا كريمًا طاهرًا مكرمًا مؤيدًا بالمعجزات، تعجبت من وجود ولد من غير والد، لأنها لا زوج لها، فأخبرتها الملائكة بأن الله قادر على ما يشاء إذا قضى أمرًا فإنما يقول له كن فيكون، فاستكانت لذلك وأنابت وسلمت لأمر الله، وعلمت أن هذا فيه محنة عظيمة لها، فإن الناس يتكلمون فيها بسببه، لأنهم لا يعلمون حقيقة الأمر، وإنما ينظرون إلى ظاهر الحال من غير تدبر ولا تعقل.

      قال تعالى: ( ﯿ ﭡﭢ ﭨﭩ ) [آل عمران:٤٥-٤٧].

      فأرسل الله جبريل عليه السلام إلى مريم، فنفخ في جيب درعها، فولجت فيها تلك النفخة، فأنشأ الله منها تلك الروح الزكية، فكان روحانيًا نشأ من مادة روحانية، فلهذا سمى روح الله، وجعله الله أحد أولي العزم من المرسلين أصحاب الشرائع الكبار والأتباع، فلهذا كان من المقربين إلى الله139.

      ثم جاءت إرهاصات الولادة، عندها تمنت الموت؛ وذلك لأنها علمت أن الناس يتهمونها ولا يصدقونها، بل يكذبونها حين تأتيهم بغلام على يدها، مع أنها قد كانت عندهم من العابدات الناسكات المجاورات في المسجد، المنقطعات إليه، المعتكفات فيه، ومن بيت النبوة والديانة، فحملت بسبب ذلك من الهم ما تمنت أن لو كانت ماتت قبل هذا الحال أو لم تخلق بالكلية140.

      قال عز وجل: ( ) [مريم:٢٣].

      ثم ظهرت عناية الله عز وجل وحفظه لها، وبدأت كرامات الله تتوالى عليها من تيسير الحمل والولادة، وكفاها الناس بمعجزة عيسى عليه السلام .

      قال تعالى: ( ﯿ ﭔﭕ ) [مريم:٢٤-٢٦].

      وكانت أولى معجزاته كلامه في المهد بتبرئة أمه.

      قال تعالى: ( ﮋﮌ ) [مريم:٣٠].

      وبدأ الناس يقولون إنه ليس ببشر، واعتقدوه الرب، فجاء الرد قويًا من الله عز وجل.

      قال تعالى: ( ) [المائدة:١٧].

      فلو أراد الله أن يهلك عيسى وأمه وجميع الخلق، -لا يقدر عيسى على رد ذلك، فكيف يكون إلهًا وهو لا يقدر على دفع الهلاك عن نفسه- فمن يستطيع أن يدفعه عن مقدوره ومراده141.

      ويقرر الله عز وجل في قوله تعالى: ( ﯞﯟ ﯢﯣ ) [المائدة:٧٥] أن عيسى ابن مريم ما هو إلا رسول كغيره من الرسل، جاء برسالة، وأجرى على يديه المعجزات، وإن كان خلقه من غير أب، فذا آدم خلق من غير أب ولا أم، فهو القادر إذا أراد أمرًا فإنما يقول له كن فيكون، وأمه صديقة، وسميت بذلك:لأنها صدقت بآيات ربها وبكل ما أخبر عنه ولدها عيسى عليه السلام، أو لأنه تعالى لما أرسل إليها جبريل صدقته فوقع عليها اسم الصديقة142.

      ويؤكد الله عز وجل كونه بشرًا بقوله: ( ) .

      والمقصود من ذلك: الاستدلال على فساد قولهم، لأنهما كانا محتاجين إلى الطعام أشد الحاجة، والإله هو الذي يكون غنيًا عن جميع الأشياء، فكيف يعقل أن يكون إلهًا143.

      فقد جعل الله عز وجل ولادة عيسى عليه السلام من غير أب آية من آياته، قال تعالى: ( ) [المؤمنون:٥٠].

      ٥. أم يحيى.

      ورد ذكر أم يحيى في كتابه العزيز في قوله تعالى: ( ﭿ ﮀﮁ ﮋﮌ ) [مريم:٥-٩].

      وهي: أشاع بنت فاقود بن ميل، تزوجها زكريا عليه السلام، ولم تحمل منه، وكانت عاقرًا، وبلغت من العمر كثيرًا حتى انقطع حيضها، وكانت أكبر من أختها144.

      وقد استجاب الله عز وجل دعاء نبيه زكريا عليه السلام، وولدت يحيى عليه السلام، ولما صار له من العمر ثلاث سنين أتاه الله الحكم صبيًا، قرأ التوراة وهو صغير، وقيل:إن أشاع ولدت يحيى عليه السلام قبل ما ولدت مريم عليها السلام عيسى بستة أشهر145.

      ثانيًا: أمهات المؤمنين:

      ذكر القرآن الكريم مصطلح أمهات المؤمنين، وهو يطلق على زوجات النبي صلى الله عليه وسلم.

      قال تعالى: ( ﯜﯝ ﯟﯠ ﯱﯲ ) [الأحزاب:٦].

      والرسول صلى الله عليه وسلم أب للمؤمنين كما جاء في مصحف أبي بن كعب « وأزواجه أمهاتهم، وهو أب لهم»، فهو يربيهم كما يربي الوالد أولاده، فترتب على هذه الأبوة، أن كان نساؤه أمهاتهم، في التعظيم والاحترام، والإكرام146.

      وعن أنس قال:كان النبي صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام، فضربت التي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها يد الخادم، فسقطت الصحفة فانفلقت، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فلق الصحفة ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة ويقول: (غارت أمكم) ثم حبس الخادم حتى أتي بصحفة من عند التي هو في بيتها، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كسرت صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت147.

      ولهذه الأمومة آدابها برًا وإحسانًا، ولا يترتب عليها سوى حكم واحد وهو أن زوجات الرسول أمهات المؤمنين، لا يحللن لأحد من بعده، كما قال عز وجل: ( ﯹﯺ ﯿ ) [الأحزاب:٥٣].

      قال الرازي: «والمعقول في جعل أزواجه أمهاتنا هو أن الله تعالى جعل زوجة الأب محرمة على الابن؛ لأن الزوجة محل الغيرة والتنازع فيها، فإن تزوج الابن بمن كانت تحت الأب يفضي ذلك إلى قطع الرحم والعقوق، لكن النبي عليه السلام أشرف وأعلى درجة من الأب وأولى بالإرضاء، فإن الأب يربي في الدنيا فحسب، والنبي عليه السلام يربي في الدنيا والآخرة، فوجب أن تكون زوجاته مثل زوجات الآباء.

      فإن قال قائل:فلم لم يقل إن النبي أبوكم ويحصل هذا المعنى، أو لم يقل إن أزواجه أزواج أبيكم؟ فنقول: لحكمة، وهي: أن النبي لما بينا أنه إذا أراد زوجة واحد من الأمة وجب عليه تركها ليتزوج بها النبي عليه السلام، فلو قال: أنت أبوهم لحرم عليه زوجات المؤمنين على التأبيد، ولأنه لما جعله أولى بهم من أنفسهم والنفس مقدم على الأب»148.

      ولهن فضل ومزية عن بقية نساء المسلمين بنص القرآن الكريم.

      قال عز وجل: ( ﭦﭧ ) [الأحزاب:٣٢].

      قال الرازي: «قوله تعالى: لستن كأحد من النساء يعني: فيكن غير ذلك أمر لا يوجد في غيركن، وهو كونكن أمهات جميع المؤمنين وزوجات خير المرسلين، وكما أن محمدًا عليه السلام ليس كأحد من الرجال، كما قال عليه السلام: (لست كأحدكم)، كذلك قرائبه اللاتي يشرفن به وبين الزوجين نوع من الكفاءة»149.

      وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم عددًا كبيرًا من النساء، خص به دون أمته بجمع أكثر من أربع، والمجمع عليه من أزواجه إحدى عشرة امرأة وهن:

      خديجة بنت خويلد، أول زوجة كانت له، ثم عائشة بنت أبي بكر، ثم سودة بنت زمعة، وحفصة بنت عمر بن الخطاب رضى الله عنهما، وزينب بنت خزيمة، وهي من بني عامر بن صعصعه، وأم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية، واسمها هند، وزينب بنت جحش الأسدية من بني أسد بن خزيمة، وأم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية، واسمها رملة، وجويرية بنت الحارث بن أبي ضرار من بني المصطلق، وميمونة بنت الحارث، وصفية بنت حيي بن الأخطب150.

      قال ابن عبدالبر بعد ذكر المجمع عليه من زوجاته عليه السلام: «فهؤلاء أزواجه اللواتي لم يختلف فيهن، وهن إحدى عشرة امرأة، منهن ست من قريش، وواحدة من بني إسرائيل من ولد هارون، وأربع من سائر العرب. وتوفي في حياته منهن اثنتان خديجة بنت خويلد بن أسد بمكة، وزينب بنت خزيمة بالمدينة، وتخلف منهن تسع بعده صلى الله عليه وسلم.

      وأما اللواتي اختلف فيهن ممن ابتنى بها وفارقها أو عقد عليها، ولم يدخل بها، أو خطبها ولم يتم له العقد منها، فقد اختلف فيهن، وفي أسباب فراقهن اختلافًا كثيرًا يوجب التوقف عن القطع بالصحة في واحدة منهن»151.

      وقد جمع العراقي زوجات النبي عليه السلام في أبيات من الشعر، حيث قال 152:

      زوجاته اللاتي بهن قد دخل

      ثنتا أو احدى عشرةٍ خلفٌ نقل

      خديجة الأولى تليها سودة

      ثم تلي عائشة الصديقة

      وقيل: قبل سودةٍ، فحفصة

      فزينب والدها خزيمة

      فبعدها هندٌ؛ أي: أم سلمة

      فابنة جحشٍ زينب المكرمة

      تلي ابنة الحارث أي: جويرية

      فبعدها ريحانة المسبية

      وقيل: بل ملك يمينٍ فقط

      لم يتزوجها، وذاك اضبط

      بنت أبي سفيان وهي رملة

      أم حبيبةٍ، تلي صفية

      من بعدها، فبعدها ميمونة

      حلًا، وكانت كاسمها ميمونة

      وابن المثنى معمرٌ قد أدخلا

      في جملة اللاتي بهن دخلا

      بنت شريحٍ واسمها فاطمة

      عرفها بأنها الواهبة

      ولم أجد من جمع الصحابة

      ذكرها ولا ب أسد الغابة

      وعلها التي استعاذت منه

      وهي ابنة الضحاك بانت عنه

      وغير من بنى بها، أو وهبت

      إلى النبي نفسها، أو خطبت

      ولم يقع تزويجها، فالعدة

      نحو ثلاثين بخلفٍ أثبتوا

      ثالثًا: أمهات الصالحين:

      ذكر القرآن الكريم بعضًا من أمهات الصالحين، ومن الأمهات الاتي ذكرهن القرآن الكريم:

      ١. أم مريم.

      قال تعالى: ( ) [مريم:٢٨].

      وذلك عندما حملت مريم، ولم تتزوج، فقال لها قومها: يا أخت هارون، وكان هارون عابدًا من عباد بني إسرائيل، شبهت به مريم في كثرة العبادة، فقيل لها أخته، وقيل: كان أخاها من أبيها، وكان رجلًا صالحًا، وقيل: هو هارون النبي أخو موسى وكانت من ذريته153، وما كانت أمك وهي حنة بنت فاقوذا، بغية، فأم مريم عليه السلام هي زوجة عمران، وأخت زوجة زكريا عليه السلام، تزوجها عمران، ولم تحمل منه وأسنت، ولم يكن لها ولد فأبصرت يومًا طائرًا يطعم أفراخه، فتحركت لذلك نفسها، واشتاقت للولد، وتمنت أن يكون لها ولد حتى تحن عليه مثل هذا الطائر، فدعت الله أن يرزقها ولدًا، ونذرت أن تجعله لله، فأنجبت مريم، وذلك قوله تعالى: ( ﯣﯤ ) [آل عمران:٣٦].

      وقيل: إن عمرها لما ولدت مريم كان ستين سنة، وقيل: إنها توفيت وقد بلغت مريم من العمر عشر سنين154. والله أعلم.

      ٢. زوجة النبي موسى عليه السلام.

      وقد جاء في كتابه العزيز قصة زواجها من نبي الله موسى عليه السلام، وكيف أنه عندما خرج من مصر بعدما قتل القبطي، وقصد مدين.

      قال تعالى: ( ﭫﭬ ﭯﭰ ﭶﭷ ) [القصص:٢٣].

      فتقدم موسى عليه السلام وزاحم القوم وسقى غنم المرأتين ثم جلس تحت ظل شجرة من شدة الحر، وهو جائع، وذلك قوله تعالى: ( )[القصص:٢٤].

      فرجعت ابنتا شعيب عليه السلام بالأغنام إلى أبيهما سريعًا، فقال لهما: ما أعجلكما، وكانا إذا سقوا أغنامهم يبطئون، قالا وجدنا رجلًا رحمنا وسقى لنا، قال لإحداهما اذهبي فادعيه لي155.

      قال تعالى: ( ﮙﮚ ﮢﮣ ) [القصص:٢٥].

      فجاءت ابنته إلى موسى ودعته ليكلم أباها، وموسى الذي لا مأوى له، أصبح في ضيافة الشيخ الكبير، فلما رأى منه حسن الدين والخلق.

      ( ﯢﯣ ﯨﯩ ﯮﯯ ) [القصص:٢٧]. فهو لم يحدد له واحدة بل ترك الخيار لموسى عليه السلام، والاتفاق، على أن يخدم موسى الشيخ ثمانى سنين في مقابل زواج ابنته156.

      فلما قضى موسى الأجل أراد العودة إلى مصر، وكانت ليلة باردة فرأى في طريقه نارًا، وقال لامرأته امكثي.

      قال تعالى: ( ) [طه:١٠].

      ولما عاد موسى عليه السلام من الطور وجد امرأته قد ولدت ابنًا، فحملها إلى مصر، وأقام بمصر يدعو فرعون إلى الإيمان وماتت في حياة موسى عليه السلام 157.

      موضوعات ذات صلة:

      الأبوة، الأخوة، البنوة، النساء


1 انظر: القاموس المحيط، الفيروزآبادي، ص١٠٧٦.

2 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري، ١٥/٤٥٢، الصحاح، الجوهري، ٥/١٨٦٣، تاج العروس، الزبيدي، ٣١/٢٣٠، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، ١/٢٧.

3 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري، ١٥/٤٥٢.

4 المعجم الوسيط،مجمع اللغة العربية، ١/٢٧.

5 بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي، ٢/١١١، التوقيف، المناوي، ص٦٢.

6 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٥/١٠٨.

7 انظر: المعجم المفهرس الشامل لألفاظ القرآن الكريم، عبد الله جلغوم، ص١٧٧.

8 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني ص٤٤٤، نزهة الأعين النواظر، ابن الجوزي ص١٤١.

9 انظر: مختار الصحاح، الرازي، ص٣٤٥.

10 انظر: لسان العرب، ابن منظور، ٣/٤٦٧.

11 انظر: التوقيف، المناوي، ص٣٤٠.

12 انظر: مختار الصحاح، الرازي، ص ١٢٣.

13 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٨/١٢٥.

14 انظر: مجمل اللغة، ابن فارس، ١/١٠٤.

15 المفردات، ص٢٧.

16 انظر: كتاب العين، الفراهيدي ٨/٢٩٩.

17 بصائر ذوي التمييز، الفراهيدي ٤/٤٩٦.

18 لسان العرب، ابن منظور ١/١٥٤.

19 نزهة الأعين النواظر، ابن الجوزي ص٥٧١.

20 تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة، البيضاوي ٢/٣٤٤.

21 انظر: تاج العروس، الزبيدي، ٢/٦.

22 التوقيف، ص٣٥.

23 انظر: التعريفات، ص٧.

24 إرشاد العقل السليم، ٢/١٣٨.

25 تفسير القرآن العظيم، ٢/٢٠٦.

26 انظر: تفسير القرآن، السمعاني، ١/٣٩٣.

27 انظر: المصدر السابق.

28 روح المعاني، ٢/٣٩٢.

29 البحر المحيط، ٣/٤٩٥.

30 انظر: لباب التأويل، الخازن، ١/٣٣٧.

31 أخرجه الحاكم في مستدركه، ٤/٢٨٩، رقم ٧٤١٢.

32 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب الوصاة بالنساء، ٥/١٩٨٧، رقم ٤٨٩٠.

33 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية، ٢/٣١.

34 مفاتيح الغيب، ١٠/٢٤.

35 تنوير المقباس من تفسير ابن عباس، ص٤٦٠.

36 الجامع لأحكام القرآن، ٥/١٠٨.

37 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشهادات، باب الشهادة على الأنساب والرضاع،٢/٩٣٥، رقم ٢٥٠٢.

38 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ١٠/٢٦.

39 انظر: محاسن التأويل، القاسمي، ٣/٦٣.

40 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الرضاع، ٤/٤٥٠، رقم ١١٥٢.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١٢٤٧، رقم ٧٤٩٥.

41 انظر: معالم التنزيل، البغوي، ٢/١٩٨، محاسن التأويل، القاسمي ٣/٦٣.

42 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب النكاح، باب التحريم بخمس رضعات، ٤/١٦٧، رقم ٣٥٨٧.

43 انظر: معالم التنزيل، البغوي، ٢/١٨٩.

44 مفاتيح الغيب، ١٠/٢٦.

45 انظر: في ظلال القرآن، ٤/٢٤١٩.

46 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب إلى من ينكح وأي النساء خير وما يستحب أن يتخير لنطفه من غير إيجاب، ٥/١٩٥٥، رقم ٤.

47 انظر: تفسير الشعراوي، ١٧/١٠٨٧٩.

48 أنوار التنزيل ٤/١٧٢.

49 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٦/٢٢٣.

50 التسهيل لعلوم التنزيل، ١/٣٠٣.

51 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٠/ ١٣٧.

52 غرائب القرآن ورغائب الفرقان، ٥/٤٢٥.

53 تفسير القرآن،السمعاني ٤/ ٢٣٠.

54 في ظلال القرآن، ٦/٣٢٦٢.

55 انظر: لباب التأويل، الخازن ٣/ ١٨٥.

56 في ظلال القرآن، ٦/٣٢٦٢.

57 انظر: جامع البيان، الطبري، ٨/ ١٤٠.

58 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٢/ ٢٤٨، لباب التأويل، الخازن، ١/ ٣٥٩.

59 التفسير الوسيط، طنطاوي ٣/ ١٠٤.

60 انظر: الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي، مصطفى الخن ومصطفى البغا، ٥/ ٨٩، مختصر الفقه الإسلامي، التويجري، ص ٨٨٧.

61 انظر: مختصر الفقه الإسلامي، التويجري، ص ٨٨٧.

62 انظر: مختصر الفقه الإسلامي، التويجري، ص ٨٨٧.

63 فقه النكاح والفرائض، قنديل، ص ٣٠٤.

64 انظر: روضة الطالبين، النووي، ٩/٣.

65 انظر: مدارك التنزيل، النسفي، ١/ ٣٤٦، التفسير المنير، الزحيلي، ٤/ ٣١٢.

66 تنوق: تنتقي وتجود وتبالغ.

انظر: القاموس المحيط، الفيروزآبادي، ص٩٢٧.

67 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الرضاع، باب تحريم ابنت الأخ من الرضاعة، ٢/١٠٧١، رقم ١٤٤٦.

68 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الرضاع، باب، يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة، ٢/١٠٦٨، رقم ١٤٤٤.

69 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الرضاع، باب تحريم الرضاعة من ماء الفحل،٢/١٠٧٠، رقم ١٤٤٥

70 زهرة التفاسير، أبو زهرة ٣/ ١٦٣١.

71 انظر: التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي، ١/١٢٨.

72 انظر: كفاية النبيه في شرح التنبيه، ابن الرفعة، ١٥/ ٢٧٣، الإنصاف، المرداوي، ٩/ ٤١٦.

73 انظر: كفاية النبيه في شرح التنبيه، ابن الرفعة، ١٥/ ٢٧٣.

74 انظر: الإرشاد إلى سبيل الرشاد، الهاشمي ص ٣٢٧.

75 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الطلاق، باب من أحق بالولد،٢/٢٨٣، رقم ٢٢٧٦.

وحسنه الألباني في الإرواء ٧/٢٤٤، رقم ٢١٨٧.

76 انظر: الإرشاد إلى سبيل الرشاد، الهاشمي ص ٣٢٧.

77 انظر: التفسير الحديث، محمد عزت دروزة، ٦/ ٤٣٥.

78 انظر: تفسير القرآن، السمعاني، ١/ ٢٣٦.

79 توضيح الأحكام من بلوغ المرام، عبدالله البسام، ٦/ ٤٥.

80 أخرجه البخاري في صحيحه،كتاب النفقة، باب إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بغير علمه ما يكفيها وولدها بالمعروف، ٧/٦٥، رقم ٥٣٦٤.

81 انظر: السراج المنير، الشربيني ٤/ ٢٢١.

82 روائع البيان تفسير آيات الأحكام، الصابوني ٢/ ٥٢٦.

83 تحفة المحتاج في شرح المنهاج، الهيتمي ٨/ ١٧٧.

84 انظر: جامع البيان، الطبري، ٢/ ٢٩٢، لباب التأويل، الخازن، ١/ ٥٧.

85 انظر: تفسير القرآن، السمعاني، ١/ ٤٢٥.

86 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال،١/٩٠، رقم ٨٥.

87 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب من أحق الناس بحسن الصحبة، ٨/٢، ٥٩٧١.

88 أخرجه النسائي في سننه، كتاب الجهاد، باب الرخصة في التخلف لمن له والدة، ٦/١١ رقم ٣١٠٤.

وصححه الألباني في إرواء الغليل، ٥/٢١.

89 انظر: تفسير السمرقندي،٢/٣٠٧، تفسير الشعراوي، ١٥/٩٢٥٤، زهرة التفاسير، أبو زهرة، ٨/٤٣٦٣.

90 انظر: تحقيق التجريد في شرح كتاب التوحيد، العجيلي، ١/٢٦.

91 انظر: لطائف الإشارات، القشيري، ٢/ ٣٤٤.

92 التفسير المنير، الزحيلي، ١٥/ ٥٥.

93 انظر: جامع البيان، الطبري ١٧/ ٤١٥، تفسير القرآن، السمعاني ٣/ ٢٣٢.

94 انظر: البر والصلة، ابن الجوزي،ص ٨٤.

95 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية، ٤/ ٣٤٩، التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ٣/ ٨٢١.

96 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجزية، ٤/ ١٠٣، رقم ٣١٨٣.

97 انظر: تفسير آيات الأحكام، السايس، ص ٦٢٢، غرائب القرآن، النيسابوري، ٥/ ٣٧١، التفسير المنير، الزحيلي، ٢١/ ١٥٢.

98 انظر: المسلم وحقوق الآخرين، أبو فيصل البدراني، ص ٢١.

99 التفسير المنير،الزحيلي ٢١/ ١٥٣.

100 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب في الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس، باب العبد راع في مال سيده، ولا يعمل إلا بإذنه،٣/١٢٠، رقم ٢٤٠٩.

101 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب إلى من ينكح، وأي النساء خير، وما يستحب أن يتخير لنطفه من غير إيجاب، ٧/٦، رقم ٥٠٨٢.

102 انظر: تحفة المودود بأحكام المولود، ابن القيم ص ٢٣٠.

103 انظر: تفسير الإمام الشافعي ١/ ٣٨٠.

104 لباب التأويل، الخازن ١/ ١٦٦.

105 انظر: جامع البيان، الطبري ٥/ ٦٧، الوسيط، الواحدي ٣/ ٤٤٣، مفاتيح الغيب، الرازي ٦/ ٤٦٣، البحر المحيط، الأندلسي ٢/ ٤٨٧.

106 انظر: نمو الإنسان من مرحلة الجنين إلى مرحلة المسنين، آمال صادق، فؤاد أبو حطب، ص ٢٢٢.

107 انظر: الوسيط، الواحدي ٣/ ٤٤٣.

108 انظر: جامع البيان، الطبري ٥/ ٦٧، تفسير القرآن، السمعاني ١/ ٢٣٧.

109 البرهان في علوم القرآن، الزركشي ٢/ ٥.

110 أحكام القرآن، الجصاص ٢/ ١١٢.

111 انظر: نضرة النعيم، مجموعة باحثين ١/١٦٤.

112 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب القدر، باب في الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله وتفويض المقادير لله، ٤/٢٠٥٢، رقم ٢٦٦٤.

113 انظر: من قضايا التربية الدينية في المجتمع الإسلامي، كمال الدين المرسي، ص ٢٥.

114 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب ما قيل في أولاد المشركين، ٢/١٠٠، رقم ١٣٨٥.

115 انظر: نضرة النعيم، مجموعة باحثين ١/ ١٦٤.

116 صلاح البيوت، محمد علي إمام، ص ١٩٦.

117 انظر: زاد المعاد، ابن القيم ١/٧٤.

118 جامع البيان، ١٧/١٩.

119 يتلبط: يسقط ويتمرغ من شدة العطش.

انظر: القاموس المحيط، الفيروزآبادي، ص٦٨٥.

120 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأنبياء، باب يزفون الصافات، ٣/١٢٢٧، رقم ٣١٨٤.

121 انظر: لباب التأويل، الخازن، ٢/٤٩٣، المحرر الوجيز، ابن عطية، ٣/١٨٩، التفسير الوسيط، الزحيلي، ٢/١٠٦٠.

122 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٤/٣٣٤.

123 انظر: لباب التأويل، الخازن، ٢/٤٩٣، التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي، ١/٣٧٥.

124 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٣/٢٥٠.

125 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٦/٢٢١، مفاتيح الغيب، الرازي، ٢٤/٥٧٩.

126 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٣/٢٥٠، أنوار التنزيل وأسرار التأويل، البيضاوي، ٤/١٧٢.

127 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٣/٢٥٠.

128 مدارك التنزيل، ٢/٦٢٩.

129 انظر: المصدر السابق ٢/٦٣٠.

130 انظر: جامع البيان، الطبري، ١٩/٥٢٧.

131 انظر: تفسير السمرقندي، ٢/٦٠٠.

132 انظر: فتح القدير، الشوكاني، ١/٣٨٤.

133 المصدر السابق، ١/٣٨٤.

134 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ٨/٢٢٠.

135 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي، ٢/١٤.

136 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى: (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانًا شرقيًا)، ٣/١٢٦٥، رقم ٣٢٤٨.

137 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ٨/٢١٧، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٤/٨٢.

138 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى: (وضرب الله مثلًا للذين آمنوا امرأة فرعون)، ٣/١٢٥٢، رقم ٣٢٣٠.

139 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص١٣٠.

140 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٤٩١.

141 انظر: تفسير السمرقندي، ١/٣٧٩، مفاتيح الغيب، الرازي ١١/٣٢٨.

142 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ١٢/٤٠٩.

143 انظر: المصدر السابق.

144 انظر: فتح القدير، الشوكاني، ٣/٣٨٠.

145 انظر: الروضة الفيحاء في أعلام النساء، العمري، ص١٦.

146 انظر: فتح القدير، الشوكاني، ٤/٣٠٢، تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص ٦٥٩، محاسن التأويل، القاسمي، ٨/٥١.

147 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب الغيرة، ٥/٢٠٠٣، رقم ٤٩٢٧.

148 مفاتيح الغيب، ٢٥/١٥٨.

149 مفاتيح الغيب، ٢٥/١٦٧.

150 انظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ١/٤٤.

151 المصدر السابق، ١/٤٦.

152 ألفية السيرة النبوية، العراقي، ١/١٣٢.

153 انظر: التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي، ١/٤٨٠.

154 انظر: الروضة الفيحاء في أعلام النساء، ياسين العمري، ص١١.

155 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ٢٤/٥٩٠.

156 انظر: التفسير القرآني للقرآن، عبدالكريم الخطيب، ١٠/٣٣٩.

157 انظر: الروضة الفيحاء في أعلام النساء، العمري، ص٦.